بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليما كثيرا
خُطْبَةٌ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكُوفِيُّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُحَمَّدِيِّ، عَنْ أَبِي رَوْحٍ فَرَجِ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ مَسْعَدَةَ بْنِ صَدَقَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع، قَالَ:
(خَطَبَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع بِالْمَدِينَةِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ وآلِهِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمْ يَقْصِمْ جَبَّارِي دَهْرٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ تَمْهِيلٍ وَرَخَاءٍ، وَلَمْ يَجْبُرْ كَسْرَ عَظْمٍ مِنَ الْأُمَمِ إِلَّا بَعْدَ أَزْلٍ وَبلَاءٍ. أَيُّهَا النَّاسُ، فِي دُونِ مَا اسْتَقْبَلْتُمْ مِنْ عَطَبٍ وَاسْتَدْبَرْتُمْ مِنْ خَطْبٍ مُعْتَبَرٌ، وَمَا كُلُّ ذِي قَلْبٍ بِلَبِيبٍ، وَلَا كُلُّ ذِي سَمْعٍ بِسَمِيعٍ، وَلَا كُلُّ ذِي نَاظِرِ عَيْنٍ بِبَصِيرٍ.
عِبَادَ اللَّهِ، أَحْسِنُوا فِيمَا يَعْنِيكُمُ النَّظَرُ فِيهِ، ثُمَّ انْظُرُوا إِلَى عَرَصَاتِ مَنْ قَدْ أَقَادَهُ اللَّهُ بِعِلْمِهِ كَانُوا عَلَى سُنَّةٍ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ أَهْلَ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ، ثُمَّ انْظُرُوا بِمَا خَتَمَ اللَّهُ لَهُمْ بَعْدَ النَّضْرَةِ وَالسُّرُورِ وَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَلِمَنْ صَبَرَ مِنْكُمُ الْعَاقِبَةُ فِي الْجِنَانِ وَاللَّهِ مُخَلَّدُونَ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ، فَيَا عَجَباً وَمَا لِي لَا أَعْجَبُ مِنْ خَطَإِ هَذِهِ الْفِرَقِ عَلَى اخْتِلَافِ حُجَجِهَا فِي دِينِهَا، لَا يَقْتَصُّونَ أَثَرَ نَبِيٍّ، وَلَا يَقْتَدُونَ بِعَمَلِ وَصِيٍّ، وَلَا يُؤْمِنُونَ بِغَيْبٍ، وَلَا يَعْفُونَ عَنْ عَيْبٍ، الْمَعْرُوفُ فِيهِمْ مَا عَرَفُوا، وَالْمُنْكَرُ عِنْدَهُمْ مَا أَنْكَرُوا، وَكُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ إِمَامُ نَفْسِهِ، آخِذٌ مِنْهَا فِيمَا يَرَى بِعُرًى وَثِيقَاتٍ وَأَسْبَابٍ مُحْكَمَاتٍ، فَلَا يَزَالُونَ بِجَوْرٍ وَلَنْ يَزْدَادُوا إِلَّا خَطَأً، لَا يَنَالُونَ تَقَرُّباً، وَلَنْ يَزْدَادُوا إِلَّا بُعْداً مِنَ اللَّهِ ، أُنْسُ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ، وَتَصْدِيقُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، كُلُّ ذَلِكَ وَحْشَةً مِمَّا وَرَّثَ النَّبِيُّ الْأُمِّيُّ وَنُفُوراً مِمَّا أَدَّى إِلَيْهِمْ مِنْ أَخْبَارِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، أَهْلُ حَسَرَاتٍ وَكُهُوفُ شُبُهَاتٍ، وَأَهْلُ عَشَوَاتٍ وَضَلَالَةٍ وَرِيبَةٍ، مَنْ وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَى نَفْسِهِ وَرَأْيِهِ فَهُوَ مَأْمُونٌ عِنْدَ مَنْ يَجْهَلُهُ غَيْرُ الْمُتَّهَمِ عِنْدَ مَنْ لَا يَعْرِفُهُ، فَمَا أَشْبَهَ هَؤُلَاءِ بِأَنْعَامٍ قَدْ غَابَ عَنْهَا رِعَاؤُهَا.
وَوَا أَسَفَى مِنْ فَعَلَاتِ شِيعَتِي مِنْ بَعْدِ قُرْبِ مَوَدَّتِهَا الْيَوْمَ، كَيْفَ يَسْتَذِلُّ بَعْدِي بَعْضُهَا بَعْضاً، وَكَيْفَ يَقْتُلُ بَعْضُهَا بَعْضاً، الْمُتَشَتِّتَةِ غَداً عَنِ الْأَصْلِ، النَّازِلَةِ بِالْفَرْعِ، الْمُؤَمِّلَةِ الْفَتْحَ مِنْ غَيْرِ جِهَتِهِ، كُلُّ حِزْبٍ مِنْهُمْ آخِذٌ مِنْهُ بِغُصْنٍ أَيْنَمَا مَالَ الْغُصْنُ مَالَ مَعَهُ، مَعَ أَنَّ اللَّهَ وَلَهُ الْحَمْدُ سَيَجْمَعُ هَؤُلَاءِ لِشَرِّ يَوْمٍ لِبَنِي أُمَيَّةَ كَمَا يَجْمَعُ قَزَعَ الْخَرِيفِ، يُؤَلِّفُ اللَّهُ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَجْعَلُهُمْ رُكَاماً كَرُكَامِ السَّحَابِ، ثُمَّ يَفْتَحُ لَهُمْ أَبْوَاباً يَسِيلُونَ مِنْ مُسْتَثَارِهِمْ كَسَيْلِ الْجَنَّتَيْنِ سَيْلَ الْعَرِمِ، حَيْثُ بَعَثَ عَلَيْهِ قَارَةً فَلَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ أَكَمَةٌ وَلَمْ يَرُدَّ سَنَنَهُ رَصُّ طَوْدٍ، يُذَعْذِعُهُمُ اللَّهُ فِي بُطُونِ أَوْدِيَةٍ ثُمَّ يَسْلُكُهُمْ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ، يَأْخُذُ بِهِمْ مِنْ قَوْمٍ حُقُوقَ قَوْمٍ، وَيُمَكِّنُ بِهِمْ قَوْماً فِي دِيَارِ قَوْمٍ تَشْرِيداً لِبَنِي أُمَيَّةَ، وَلِكَيْلَا يَغْتَصِبُوا مَا غَصَبُوا، يُضَعْضِعُ اللَّهُ بِهِمْ رُكْناً، وَيَنْقُضُ بِهِمْ طَيَّ الْجَنَادِلِ مِنْ إِرَمَ، وَيَمْلَأُ مِنْهُمْ بُطْنَانَ الزَّيْتُونِ.
فَوَ الَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ لَيَكُونَنَّ ذَلِكَ، وَكَأَنِّي أَسْمَعُ صَهِيلَ خَيْلِهِمْ وَطَمْطَمَةَ رِجَالِهِمْ، وَايْمُ اللَّهِ لَيَذُوبَنَّ مَا فِي أَيْدِيهِمْ بَعْدَ الْعُلُوِّ وَالتَّمْكِينِ فِي الْبِلَادِ كَمَا تَذُوبُ الْأَلْيَةُ عَلَى النَّارِ، مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ مَاتَ ضَالًّا وَإِلَى اللَّهِ يُفْضِي مِنْهُمْ مَنْ دَرَجَ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ، وَلَعَلَّ اللَّهَ يَجْمَعُ شِيعَتِي بَعْدَ التَّشَتُّتِ لِشَرِّ يَوْمٍ لِهَؤُلَاءِ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ عَلَى اللَّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ الْخِيَرَةُ، بَلْ لِلَّهِ الْخِيَرَةُ وَالْأَمْرُ جَمِيعاً.
أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ الْمُنْتَحِلِينَ لِلْإِمَامَةِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا كَثِيرٌ، وَلَوْ لَمْ تَتَخَاذَلُوا عَنْ مُرِّ الْحَقِّ وَلَمْ تَهِنُوا عَنْ تَوْهِينِ الْبَاطِلِ لَمْ يَتَشَجَّعْ عَلَيْكُمْ مَنْ لَيْسَ مِثْلَكُمْ، وَلَمْ يَقْوَ مَنْ قَوِيَ عَلَيْكُمْ وَعَلَى هَضْمِ الطَّاعَةِ وَإِزْوَائِهَا عَنْ أَهْلِهَا، لَكِنْ تِهْتُمْ كَمَا تَاهَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ عَلَى عَهْدِ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ u، وَلَعَمْرِي لَيُضَاعَفَنَّ عَلَيْكُمُ التَّيْهُ مِنْ بَعْدِي أَضْعَافَ مَا تَاهَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ، وَلَعَمْرِي أَنْ لَوْ قَدِ اسْتَكْمَلْتُمْ مِنْ بَعْدِي مُدَّةَ سُلْطَانِ بَنِي أُمَيَّةَ لَقَدِ اجْتَمَعْتُمْ عَلَى السُّلْطَانِ الدَّاعِي إِلَى الضَّلَالَةِ، وَأَحْيَيْتُمُ الْبَاطِلَ، وَخَلَّفْتُمُ الْحَقَّ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ، وَقَطَعْتُمُ الْأَدْنَى مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ، وَوَصَلْتُمُ الْأَبْعَدَ مِنْ أَبْنَاءِ الْحَرْبِ لِرَسُولِ اللَّهِ ، وَلَعَمْرِي أَنْ لَوْ قَدْ ذَابَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ لَدَنَا التَّمْحِيصُ لِلْجَزَاءِ، وَقَرُبَ الْوَعْدُ، وَانْقَضَتِ الْمُدَّةُ، وَبَدَا لَكُمُ النَّجْمُ ذُو الذَّنَبِ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ، وَلَاحَ لَكُمُ الْقَمَرُ الْمُنِيرُ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَرَاجِعُوا التَّوْبَةَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِنِ اتَّبَعْتُمْ طَالِعَ الْمَشْرِقِ سَلَكَ بِكُمْ مَنَاهِجَ الرَّسُولِ ، فَتَدَاوَيْتُمْ مِنَ الْعَمَى وَالصَّمَمِ وَالْبَكَمِ، وَكُفِيتُمْ مَئُونَةَ الطَّلَبِ وَالتَّعَسُّفِ، وَنَبَذْتُمُ الثِّقْلَ الْفَادِحَ عَنِ الْأَعْنَاقِ، وَلَا يُبَعِّدُ اللَّهُ إِلَّا مَنْ أَبَى وَظَلَمَ وَاعْتَسَفَ وَأَخَذَ مَا لَيْسَ لَهُ، وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) .
اللهم صل على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليما كثيرا
خُطْبَةٌ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكُوفِيُّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُحَمَّدِيِّ، عَنْ أَبِي رَوْحٍ فَرَجِ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ مَسْعَدَةَ بْنِ صَدَقَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع، قَالَ:
(خَطَبَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع بِالْمَدِينَةِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ وآلِهِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمْ يَقْصِمْ جَبَّارِي دَهْرٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ تَمْهِيلٍ وَرَخَاءٍ، وَلَمْ يَجْبُرْ كَسْرَ عَظْمٍ مِنَ الْأُمَمِ إِلَّا بَعْدَ أَزْلٍ وَبلَاءٍ. أَيُّهَا النَّاسُ، فِي دُونِ مَا اسْتَقْبَلْتُمْ مِنْ عَطَبٍ وَاسْتَدْبَرْتُمْ مِنْ خَطْبٍ مُعْتَبَرٌ، وَمَا كُلُّ ذِي قَلْبٍ بِلَبِيبٍ، وَلَا كُلُّ ذِي سَمْعٍ بِسَمِيعٍ، وَلَا كُلُّ ذِي نَاظِرِ عَيْنٍ بِبَصِيرٍ.
عِبَادَ اللَّهِ، أَحْسِنُوا فِيمَا يَعْنِيكُمُ النَّظَرُ فِيهِ، ثُمَّ انْظُرُوا إِلَى عَرَصَاتِ مَنْ قَدْ أَقَادَهُ اللَّهُ بِعِلْمِهِ كَانُوا عَلَى سُنَّةٍ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ أَهْلَ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ، ثُمَّ انْظُرُوا بِمَا خَتَمَ اللَّهُ لَهُمْ بَعْدَ النَّضْرَةِ وَالسُّرُورِ وَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَلِمَنْ صَبَرَ مِنْكُمُ الْعَاقِبَةُ فِي الْجِنَانِ وَاللَّهِ مُخَلَّدُونَ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ، فَيَا عَجَباً وَمَا لِي لَا أَعْجَبُ مِنْ خَطَإِ هَذِهِ الْفِرَقِ عَلَى اخْتِلَافِ حُجَجِهَا فِي دِينِهَا، لَا يَقْتَصُّونَ أَثَرَ نَبِيٍّ، وَلَا يَقْتَدُونَ بِعَمَلِ وَصِيٍّ، وَلَا يُؤْمِنُونَ بِغَيْبٍ، وَلَا يَعْفُونَ عَنْ عَيْبٍ، الْمَعْرُوفُ فِيهِمْ مَا عَرَفُوا، وَالْمُنْكَرُ عِنْدَهُمْ مَا أَنْكَرُوا، وَكُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ إِمَامُ نَفْسِهِ، آخِذٌ مِنْهَا فِيمَا يَرَى بِعُرًى وَثِيقَاتٍ وَأَسْبَابٍ مُحْكَمَاتٍ، فَلَا يَزَالُونَ بِجَوْرٍ وَلَنْ يَزْدَادُوا إِلَّا خَطَأً، لَا يَنَالُونَ تَقَرُّباً، وَلَنْ يَزْدَادُوا إِلَّا بُعْداً مِنَ اللَّهِ ، أُنْسُ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ، وَتَصْدِيقُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، كُلُّ ذَلِكَ وَحْشَةً مِمَّا وَرَّثَ النَّبِيُّ الْأُمِّيُّ وَنُفُوراً مِمَّا أَدَّى إِلَيْهِمْ مِنْ أَخْبَارِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، أَهْلُ حَسَرَاتٍ وَكُهُوفُ شُبُهَاتٍ، وَأَهْلُ عَشَوَاتٍ وَضَلَالَةٍ وَرِيبَةٍ، مَنْ وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَى نَفْسِهِ وَرَأْيِهِ فَهُوَ مَأْمُونٌ عِنْدَ مَنْ يَجْهَلُهُ غَيْرُ الْمُتَّهَمِ عِنْدَ مَنْ لَا يَعْرِفُهُ، فَمَا أَشْبَهَ هَؤُلَاءِ بِأَنْعَامٍ قَدْ غَابَ عَنْهَا رِعَاؤُهَا.
وَوَا أَسَفَى مِنْ فَعَلَاتِ شِيعَتِي مِنْ بَعْدِ قُرْبِ مَوَدَّتِهَا الْيَوْمَ، كَيْفَ يَسْتَذِلُّ بَعْدِي بَعْضُهَا بَعْضاً، وَكَيْفَ يَقْتُلُ بَعْضُهَا بَعْضاً، الْمُتَشَتِّتَةِ غَداً عَنِ الْأَصْلِ، النَّازِلَةِ بِالْفَرْعِ، الْمُؤَمِّلَةِ الْفَتْحَ مِنْ غَيْرِ جِهَتِهِ، كُلُّ حِزْبٍ مِنْهُمْ آخِذٌ مِنْهُ بِغُصْنٍ أَيْنَمَا مَالَ الْغُصْنُ مَالَ مَعَهُ، مَعَ أَنَّ اللَّهَ وَلَهُ الْحَمْدُ سَيَجْمَعُ هَؤُلَاءِ لِشَرِّ يَوْمٍ لِبَنِي أُمَيَّةَ كَمَا يَجْمَعُ قَزَعَ الْخَرِيفِ، يُؤَلِّفُ اللَّهُ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَجْعَلُهُمْ رُكَاماً كَرُكَامِ السَّحَابِ، ثُمَّ يَفْتَحُ لَهُمْ أَبْوَاباً يَسِيلُونَ مِنْ مُسْتَثَارِهِمْ كَسَيْلِ الْجَنَّتَيْنِ سَيْلَ الْعَرِمِ، حَيْثُ بَعَثَ عَلَيْهِ قَارَةً فَلَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ أَكَمَةٌ وَلَمْ يَرُدَّ سَنَنَهُ رَصُّ طَوْدٍ، يُذَعْذِعُهُمُ اللَّهُ فِي بُطُونِ أَوْدِيَةٍ ثُمَّ يَسْلُكُهُمْ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ، يَأْخُذُ بِهِمْ مِنْ قَوْمٍ حُقُوقَ قَوْمٍ، وَيُمَكِّنُ بِهِمْ قَوْماً فِي دِيَارِ قَوْمٍ تَشْرِيداً لِبَنِي أُمَيَّةَ، وَلِكَيْلَا يَغْتَصِبُوا مَا غَصَبُوا، يُضَعْضِعُ اللَّهُ بِهِمْ رُكْناً، وَيَنْقُضُ بِهِمْ طَيَّ الْجَنَادِلِ مِنْ إِرَمَ، وَيَمْلَأُ مِنْهُمْ بُطْنَانَ الزَّيْتُونِ.
فَوَ الَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ لَيَكُونَنَّ ذَلِكَ، وَكَأَنِّي أَسْمَعُ صَهِيلَ خَيْلِهِمْ وَطَمْطَمَةَ رِجَالِهِمْ، وَايْمُ اللَّهِ لَيَذُوبَنَّ مَا فِي أَيْدِيهِمْ بَعْدَ الْعُلُوِّ وَالتَّمْكِينِ فِي الْبِلَادِ كَمَا تَذُوبُ الْأَلْيَةُ عَلَى النَّارِ، مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ مَاتَ ضَالًّا وَإِلَى اللَّهِ يُفْضِي مِنْهُمْ مَنْ دَرَجَ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ، وَلَعَلَّ اللَّهَ يَجْمَعُ شِيعَتِي بَعْدَ التَّشَتُّتِ لِشَرِّ يَوْمٍ لِهَؤُلَاءِ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ عَلَى اللَّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ الْخِيَرَةُ، بَلْ لِلَّهِ الْخِيَرَةُ وَالْأَمْرُ جَمِيعاً.
أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ الْمُنْتَحِلِينَ لِلْإِمَامَةِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا كَثِيرٌ، وَلَوْ لَمْ تَتَخَاذَلُوا عَنْ مُرِّ الْحَقِّ وَلَمْ تَهِنُوا عَنْ تَوْهِينِ الْبَاطِلِ لَمْ يَتَشَجَّعْ عَلَيْكُمْ مَنْ لَيْسَ مِثْلَكُمْ، وَلَمْ يَقْوَ مَنْ قَوِيَ عَلَيْكُمْ وَعَلَى هَضْمِ الطَّاعَةِ وَإِزْوَائِهَا عَنْ أَهْلِهَا، لَكِنْ تِهْتُمْ كَمَا تَاهَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ عَلَى عَهْدِ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ u، وَلَعَمْرِي لَيُضَاعَفَنَّ عَلَيْكُمُ التَّيْهُ مِنْ بَعْدِي أَضْعَافَ مَا تَاهَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ، وَلَعَمْرِي أَنْ لَوْ قَدِ اسْتَكْمَلْتُمْ مِنْ بَعْدِي مُدَّةَ سُلْطَانِ بَنِي أُمَيَّةَ لَقَدِ اجْتَمَعْتُمْ عَلَى السُّلْطَانِ الدَّاعِي إِلَى الضَّلَالَةِ، وَأَحْيَيْتُمُ الْبَاطِلَ، وَخَلَّفْتُمُ الْحَقَّ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ، وَقَطَعْتُمُ الْأَدْنَى مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ، وَوَصَلْتُمُ الْأَبْعَدَ مِنْ أَبْنَاءِ الْحَرْبِ لِرَسُولِ اللَّهِ ، وَلَعَمْرِي أَنْ لَوْ قَدْ ذَابَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ لَدَنَا التَّمْحِيصُ لِلْجَزَاءِ، وَقَرُبَ الْوَعْدُ، وَانْقَضَتِ الْمُدَّةُ، وَبَدَا لَكُمُ النَّجْمُ ذُو الذَّنَبِ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ، وَلَاحَ لَكُمُ الْقَمَرُ الْمُنِيرُ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَرَاجِعُوا التَّوْبَةَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِنِ اتَّبَعْتُمْ طَالِعَ الْمَشْرِقِ سَلَكَ بِكُمْ مَنَاهِجَ الرَّسُولِ ، فَتَدَاوَيْتُمْ مِنَ الْعَمَى وَالصَّمَمِ وَالْبَكَمِ، وَكُفِيتُمْ مَئُونَةَ الطَّلَبِ وَالتَّعَسُّفِ، وَنَبَذْتُمُ الثِّقْلَ الْفَادِحَ عَنِ الْأَعْنَاقِ، وَلَا يُبَعِّدُ اللَّهُ إِلَّا مَنْ أَبَى وَظَلَمَ وَاعْتَسَفَ وَأَخَذَ مَا لَيْسَ لَهُ، وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) .