إعـــــــلان

Collapse
No announcement yet.

من كتاب دفاع عن القران للدكتور علاء السالم / الحدود الشرعية

Collapse
X
 
  • Filter
  • الوقت
  • Show
Clear All
new posts
  • ya howa
    مشرف
    • 08-05-2011
    • 1106

    من كتاب دفاع عن القران للدكتور علاء السالم / الحدود الشرعية

    #الحدود_الشرعية
    .
    القرآن الكريم ذكر الحدود الشرعية بما في ذلك القصاص والتعزير في بعض آياته، ومثل هذه النصوص يراها المشككون منافية للعدالة وفيها من القسوة والظلم الشيء الكثير الذي يتنافى مع كون القرآن كتاباً سماوياً موحى من رب رحيم.
    .
    الجواب:
    .
    أولاً:
    ليس كل جزاء يترتب على ارتكاب جناية معينة يوجب اتهام المشّرع له بالظلم والقسوة وعدم الرحمة، لأنه قد يكون مجرد "جزئية، مفردة" تقع ضمن منظومة قانونية عامة وشاملة، وليس من الصحيح اقتطاعه من موقعه داخل المنظومة التي تهدف - بالنتيجة - إلى الحفاظ على أمن المجتمع الإنساني وصلاحه وسلامته ومصالحه العامة. فمثلاً: ليس بوسعك اتهام طبيب بالظلم لمجرد أنك رأيته ماسكاً آلات الجراحة بيده ويريد إجراء عملية جراحية لإنسان مصاب بورم خبيث، وحكمك إثر مشاهدتك تلك حتى يكون صحيحاً ومنطقياً ينبغي أن يؤخذ ضمن مجمل الأسباب والإجراءات والأهداف التي ينوي الطبيب وفريقه المتخصص فعلها واتخاذها تجاه المريض.
    .
    جميع دول العالم لديها ما يعرف بـ "قانون العقوبات" أو "القانون الجنائي"، ولمن ليس لديه اطلاع على مضمونه فهو قانون يتضمن ذكر الجرائم "الجنايات والجنح والمخالفات" وما يترتب على فعلها من جزاء ابتداء من الغرامة البسيطة مروراً بالحبس والحبس الشديد والمؤبد ونحو ذلك انتهاء بالإعدام الذي تعتبره كثير من دول العالم عقوبة للجرائم الكبرى والخيانة العظمى للبلد!
    .
    فعلى سبيل المثال: في 13 أكتوبر 2021 نظرت هيئة المحلفين في المحكمة العليا في الولايات المتحدة الأميركية في قضية "جوهر تسارناييف" منفذ الاعتداء الدموي على ماراتون بوسطن في عام 2013، وينتظر منها أن تتخذ حكماً بشأنه يتراوح بين السجن المؤبد أو الإعدام.
    .
    والسؤال: لماذا يركّز المشككون والملحدون نظرهم على القرآن والإسلام فقط عندما يريد أن يتخذ إجراءً ضد بعض المخالفات والجرائم، ويصمتون عن غيره؟ ليكونوا منصفين - ولو مرة - ويوجهوا نقدهم إلى أمريكا بل وجميع دول العالم التي تضع قوانين جزائية يعاقب بها من يرتكب مخالفة معينة منصوص عليها في القانون، وليطلبوا من كل دولة ترك العمل بقانون العقوبات المعمول به لديها، ولتعمل جميع الشعوب على طريقة "افعل ما تشتهي" أو على طريقة: "عينك ميزانك" وفق اقتراح أهل التشكيك والإلحاد؟!!
    .
    ثانياً:
    الإسلام دين إلهي، وبالتالي فأي إجراء يتخذه يراعي فيه جانبي حياة الإنسان أعني حياته الدنيوية والأخروية على حد سواء. فهو بخلاف كل أنظمة العالم التي تشرع قانون عقوبات خاص بها؛ يقتصر مفعوله على الدنيا، لا تقتصر فلسفة إقامة الحدود الشرعية على المخالفين - بنظر الإسلام - على حفظ نظام المجتمع وأمنه وسلامته ومصلحته العامة فحسب، ولكن فائدته تعود أخروياً على الفاعل الذي يُقام عليه الحد أيضاً.
    (عن حمران، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل أقيم عليه الحد في الرجم أيعاقب [عليه] في الآخرة؟ قال: إن الله أكرم من ذلك) الكليني، الكافي: 2 / 443.
    .
    ثالثاً:
    لا يسمح الإسلام بإقامة الحد الشرعي تجاه أي عقوبة لجميع المسلمين بدون استثناء، عدا شخص واحد فقط، وهو خليفة الله وحجته المعصوم المنصّب من قبل الله، أو من ينصبه لأداء هذه المهمة بإشراف مباشر منه؛ ضماناً لوضع الحد في موضعه الصحيح.
    .
    فالمعصوم لما كان شخصاً لا يحيد عن الحق ولا يجانبه أبداً، ولا وجود لشيء من الباطل أو الهوى - أو سائر التأثيرات التي يمكنها أن تحرف الحق عن نصابه - على نفسه الكبيرة يضمن الإسلام - والحال هذه - أن تُجرى الحدود بشكلها الصحيح بحيث لا تزهق نفس أو تُظلم بدون وجه حق. وهذا بكل تأكيد إجراء احترازي مهم، وهو - كيفما كان - أسلم من سائر الإجراءات التي تتخذها جميع دول العالم بلا استثناء.

    وطالما رجعت الأمور في مسألة إقامة الحدود إلى الامام المعصوم فهو:
    - ربما أقام الحد إن علم أنّ في إقامته رضا لله وصلاحاً للناس والمذنب معاً.
    - وربما عفا؛ لأن العفو والصفح سجيّة من سجايا المعصوم بمجرد معرفته أو إحساسه بندم المذنب وتوبته.
    - وربما اتخذ إجراءً شكلياً لإقامة الحد دون تنفيذه كوسيلة لإصلاح حال الآخرين.
    ولهذا لما جاءت امرأة إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) وأقرت بذنب يوجب الحد أمامه، كلّف قنبر أن ينادي بالناس فلما اجتمعوا قام فيهم خطيباً وقال: (يا أيها الناس إن إمامكم خارج بهذه المرأة إلى هذا الظهر ليقيم عليها الحد إن شاء الله فعزم عليكم أمير المؤمنين إلا خرجتم متنكرين، ومعكم أحجاركم، لا ينصرف أحد منكم إلى أحد حتى تنصرفوا إلى منازلكم إن شاء الله، فلما أصبح بكرة خرج بالمرأة، وخرج الناس متنكرين متلثمين بعمائمهم وأرديتهم والحجارة في أرديتهم وفى أكمامهم، حتى انتهى بها والناس معه إلى ظهر الكوفة، فأمر فحفر لها بئر، ثم دفنها إلى حقويها، ثم ركب بغلته فأثبت رجليه في غرز الركاب ثم وضع إصبعيه السبابتين في أذنيه، ثم نادى بأعلى صوته، فقال: يا أيها الناس إن الله تبارك وتعالى عهد إلى نبيه صلى الله عليه وآله وعهده محمد صلى الله عليه وآله إلي بأنه لا يقيم الحد من لله عليه حد، فمن كان لله تبارك وتعالى عليه ما له عليها فلا يقيمن عليها الحد، قال: فانصرف الناس ما خلا أمير المؤمنين عليه السلام) البرقي، المحاسن: 2 / 310.
    توضيح: قوله: " فمن كان لله تبارك وتعالى عليه ما له عليها فلا يقيمن عليها الحد" المقصود به: أن يكون عليه حد ولو مختلف عن الحد الذي يراد إقامته على المرأة، ولو كان يسيراً مثل التعزير.

    - بل ربما استفاد الناس عظة من نفس المذنب الذي يراد إقامة الحد عليه، لأن الحال الذي يمر به يجعله أقرب للصدق في نصحه للآخرين.
    (قال الصادق (عليه السلام): "إن رجلاً جاء إلى عيسى بن مريم (عليه السلام) فقال له: يا روح الله إني زنيت فطهرني فأمر عيسى (عليه السلام) أن ينادى في الناس لا يبقى أحد إلا خرج لتطهير فلان فلما اجتمع واجتمعوا وصار الرجل في الحفرة نادى الرجل لا يحدني من لله في جنبه حد، فانصرف الناس كلهم إلا يحيى وعيسى (عليهما السلام) فدنا منه يحيى (عليه السلام) فقال له: يا مذنب عظني فقال له: لا تخلين بين نفسك وبين هواها فترديك، قال: زدني قال: لا تعيرن خاطئاً خطيئة قال: زدني، قال: لا تغضب، قال حسبي") الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 4 / 34.
    .
    رابعاً:
    قلنا: إنّ إيكال إقامة الحدود للمعصوم فقط بنظر الإسلام هو إجراء احترازي لتحقيق العدالة وضمان تنفيذ الخيار الصحيح بحق المذنب سواء اختار المعصوم إقامة الحد عليه أو إسقاطه عنه أو غير ذلك.
    .
    وأيضاً: يوجد سبب آخر - مهم جداً - لحصر مهمة إقامة الحدود بالمعصوم وخليفة الله فقط، وهو: أنّ التشريعات المتعلقة بالحدود الشرعية ما هي إلا قوانين جزائية كما عرفنا، ولما عرفنا أيضاً أنّ القانون وليد بيئته ومحيطه كما يقال، يكون حصر تنفيذ هذه المهمة بيد المعصوم منطقياً جداً وإجراءً سليماً ودقيقاً في نفس الوقت؛ لأنه الشخص الوحيد الذي يُوحى له بكل ما يستجد ويستحدث، فربما كان القانون الجزائي "س" صالحاً للتطبيق في ظرفه ومحيطه قبل أكثر من ألف عام وهو غير صالح للتطبيق الآن، وبالتالي لابد أن يحل بدله قانون يتلاءم وظرفنا الذي نعيش فيه فعلاً، ولم يمنح الدين الالهي مثل هذه الصلاحية لغير المعصوم إطلاقاً.
    .
    هذا فضلاً عن أنّ "غير المعصوم" قد لا يعرف أحياناً نفس الحد الشرعي المقرر لجريمة ما، فكيف يمكنه إقامة الحد على المذنب وهو غير عارف بالحد الشرعي نفسه؟!! ولو أقامه خطأً استناداً لفهمه الخاطئ ماذا نتوقع أن تكون النتائج المترتبة على مثل هكذا أخطاء فظيعة وكارثية غير الطعن بالدين الإلهي والتشنيع عليه كما هو مشاهد ومسموع بكثرة في أيامنا هذه!
    .
    ما ذكرته أخيراً ليس مجرد افتراض ونتائج متخيلة وغير واقعية. أبداً، فهي أمور مورست على الأرض فعلاً وتسبّبت بالطعن بالدين بشكل كبير جداً، وسأكتفي بذكر مثالين:
    .
    مثال 1: اجتهد معظم علماء المسلمين بكل طوائفهم واستنبطوا حدّاً للسرقة، وبحسب فهمهم للنص القرآني: "وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" [المائدة: 38]، قالوا: إنّ حد السرقة يتمثل بأحد أمرين:
    - إما قطع يد السارق من المعصم.
    - أو قطع أصابع يده من أصولها.
    ولكل رأي من الرأيين الفقهيين أنصار ومؤيدون، وإن كان الأول أكثر شهرة ويطبق في بعض البلدان الإسلامية.
    لكن الصحيح أنّ المساجد لله، قال تعالى: "وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا" [الجن: 18]، بمعنى: أنّ المساجد السبعة التي يستند عليها المصلي أثناء السجود لله، وهي: (الجبهة والكفان والركبتان وإبهاما القدمين)، وبالتالي لا يصح قطع اليد - سواء من المعصم، أو من أصول الأصابع - في حد السرقة.
    .
    والصحيح إنّ القطع في حد السرقة - بعد ثبوت ما يستحق به السارق الحد - هو الخدش في أطراف الأصابع، فيكون قوله تعالى: "وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" [المائدة: 38]، تماماً كقوله تعالى حكاية عن حال النسوة اللواتي رأين نبي الله يوسف: "وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآَتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ" [يوسف: 30 - 31].
    .
    "وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ": هل يعقل أنّ النساء قمن بقطع أيديهن من المعاصم أو قطعن أصابعهن من الأصول أثناء رؤيتهن لجمال يوسف، أو المعقول أنهن ذهلن لجماله وقمن بخدش أطراف أصابعهن بالسكاكين اللواتي كن يستعملنها. إذن، القطع في الآية بمعنى الخدش الذي يصيب أطراف الأصابع أثناء استعمال السكين في حال الذهول وعدم الانتباه، وكذلك الحال في معنى القطع في آية حد السرقة. والخلاصة: إنّ قوله: "فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا" = قوله: "وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ" أي: كلاهما بمعنى واحد وهو خدش أطراف الأصابع. (هذا المعنى عرفته من السيد أحمد الحسن عند حديثه عن معنى الآيتين).
    .
    مثال 2: اجتهد علماء المسلمين أيضاً وأفتوا بوجوب القصاص من شخص قام بقتل شخص آخر عمداً، وهو معمول به في الكثير من البلدان الإسلامية. لكن لو افترضنا أنّ القاتل عمداً قتل أكثر من شخص وهو عاقل وليس بمجنون، ولكن - بعد التقدم الهائل في العلوم الطبية - عرفنا عند فحصه بالأجهزة الحديثة أنّ لديه ورماً في الدماغ يدفعه لممارسة العنف والقتل بحيث إنه مسير من قبله، فهل من العدالة التعامل مع وضع هذا الشخص كالمعاملة مع وضع شخص مختار وسليم من هذه الناحية والحكم بقتله؟!! (هذا الفرض طرحه السيد احمد الحسن أثناء النقاش معه حول الموضوع).
    .
    هذا يعني ضرورة الاحتياط أثناء الفرز والتدقيق في حالات صدور الجريمة، مع الأخذ بنظر الاعتبار التطور الحاصل في جوانب حياة الانسان مما له مدخلية وتأثير في الموضوع، وكل هذا بالنتيجة قد يؤثر على إعادة صياغة قوانين إجرائية جديدة تتناسب وإنسان العصر الراهن.
    .
    وهكذا نلاحظ أنّ مسألة الحدود الشرعية - بما في ذلك مسائل القصاص - لا يتيسر لغير المعصوم الخوض فيها والإقدام على إقامتها وتنفيذها بمعزل عنه، وما الطامة التي وقعت على رأس الإسلام في أزماننا المتأخرة ونفور الناس من بعض أحكامه (المحسوبة عليه ظلماً) إلا نتيجة الخوض في مساحة لم يسمح لغير المعصومين المنصبين من قبل الله الخوض فيها.
    .
    .
    ملاحظة: السؤال والجواب مقتبس من كتاب "دفاع عن القران" .......


    #الحدود_الشرعية . القرآن الكريم ذكر الحدود الشرعية بما في ذلك القصاص والتعزير في بعض آياته، ومثل هذه النصوص يراها المشككون منافية للعدالة وفيها من القسوة...
    نزل صامتاً، وصلب صامتاً، وقـُتل صامتاً، وصعد الى ربه صامتاً، هكذا إن أردتم أن تكونوا فكونوا...
Working...
X
😀
🥰
🤢
😎
😡
👍
👎