إعـــــــلان

Collapse
No announcement yet.

العروج

Collapse
X
 
  • Filter
  • الوقت
  • Show
Clear All
new posts
  • 3aLa SaBiL Al NaJaT
    عضو نشيط
    • 14-05-2011
    • 510

    العروج

    بسم الله الرحمن الرحيم


    اللهُّــم صَــلِّ وَبارِكْ عَلــى مُحَـمَّــدٍ وآلِ مُحَـمَّــدٍ الأَئِمَّــةِ والمَهـــدييـــنَ وسَـلِّـــمْ تســليـــما


    العروج

    قصة قصيرة




    قصة قصيرة من تخيلات الكاتب عن اسرار الأنسان في مراحل من وجوده





    (١)





    الحفيد (حسن) : لدي سؤال يا جدتي
    الجدة : اسأل يا بني
    اني مخلوق من نفس فلان و هو والدي النفسي ولست مخلوق من نفس ولدك يعني ابي الأفتراضي فكيف اصبحت انت جدتي؟

    نحن مجتمعون في اسرة مقربة ولكننا لسنا مخلوقين من بعضنا البعض بل آباءُنا غيرُنا وهم بعيدون عنا، فلا افهم هذه العلاقة كيف هي؟

    الجدة : صحيح ما تقوله يا بني فحتى والدك غير مخلوق مني ولكنه ابني

    الحفيد : كيف هذا يا جدتي؟

    الجدة : حسب الأخبار التي استقيتها و هي عندما اهبطُ من هذا العالم الى الأرض سأولد من بطن جسد فيه نفس انثى وهي ليست امي في هذا العالم ولكنها ستكون امي في ذلك العالم الأرضي ، ثم يكبر جسدي وفيه نفسي الحالي واتزوج جسدا ذكراً و فيه نفس ثم أَلِدُ والدَك في ذلك العالم الدنيوي المظلم. ولهذا صرت لك جدة والذي أَلِدُهُ يصبح اباك. فبحكم اواصر علاقاتنا المستقبلية في ذلك العالم الدنيوي اكتسبنا هذه العلاقة في عالمنا هذا

    الحفيد : يصعب علي تصور الحالة رغم اني فهمت سردَكِ تماما، والشيئ الذي استغربه ان حبك في قلبي و كذلك حب ابي وامي وكأني حقاً خُلقت منكم في هذا العالم رغم اني لم اُخلق منكم

    الجدة : هذه المحبة جاءت اليك وسكنت قلبك بسبب علاقتك المستقبلية بنا في ذلك عالم المستقبلي (الدنيا) لأنك ستولدُ ممن تحبهم الآن

    وكما تعلم يا بني نحن امتحنا في اعلى السماء الأولى ثم هبطنا منها الى عالم نفسي ادنى واجتمعت كل الخلائق مع بعضها في هذا العالم النفسي الأدنى وكلنا في انتظار للهبوط مرة اخرى الى عالم اكثر دنو و ظلمة لكي يُعاد علينا الأمتحان الثاني

    الحفيد : يعني كل هذه الخلائق وهم بالمليارات سيهبطون في ذلك العالم السفلي؟

    الجدة : لا يا بني الهبوط سيكون مختلف هذه المرة ففي كل سنة تنزل جماعة في حوالي مئة الف نفس وتعود خمسون الفا بعد الأنتهاء من الأمتحان الثاني

    الحفيد : لم التقِ بنفس عائدة فأين هؤلاءِ الذين هبطوا و اُمتِحنوا ثم عادوا؟

    الجدة : حبيبي ، صحيح نحن هبطنا من السماء الأولى الى هذا العالم النفسي ولكن عندما نهبط الى الأرض ونعيش فترة هناك و نُمتحَن الأمتحان الثاني ثم اثناء العودة لن نعود الى هنا الى هذا المكان فهذا المكان فقط مسخر للذين لم يمتحنوا الأمتحان الثاني

    الحفيد : اذن اين سيكون مصير تلك الأنفس العائدة والممتحَنة بالأمتحان الثاني؟

    الجدة: انت تعلم يا بني كم واسع هي العوالم النفسية فما بين الأرض و اعلى السماء الأولى عوالم نفسية كثر، فهذه الأنفس الراجعة تستقر كل منها في عالم نفسي مختلف غير عالمنا هذا

    الحفيد : يعني كلهم يستقرون هناك؟

    الجدة : لا يا بني كل نفس لها عالمها النفسي الخاص بها وهو برزخها ، فكل نفس ستستقر في برزخ خاص بها حسب نتيجة امتحانه ، فأذا نجحت في امتحانها فهي ستستقر في برزخ كله سعادة، واذا سقطت في امتحانها فيكون برزخها عذاب و نقمة

    الحفيد : يعني كل المفلحون يجتمعون في برزخ واحد وهكذا بالنسبة للساقطين

    الجدة : لا يا بني فالمفلحون في درجات فالذين حصلوا على نتيجة ١٠٠% يجتمعون في مكان واحد واما مثلا الذين حصلوا على ٨٥% فلهم برزخ آخر اقل اشراقة من برزخ المقربين وهكذا بالنسبة للساقطين فلكل له برزخه حسب نتيجة امتحانه

    الحفيد : لقد احزنتِ قلبي بهذا الشرح جدتي لأني اشعر اني سأفتقدك للأبد بسبب تعدد البرازخ

    الجدة : هناك فرصة ان نلتقي مجددا اذا انا وانت سعينا ان نحصل درجة موفقة في الأمتحان وتكون درجاتنا متقاربة بنفس المستوى فأكيد سيكون لنا برزخا مشتركا بعد ان نترك الأرض

    الحفيد : اتمنى ذلك جدتي فأني لا طاقة لي في فراقك



    ( مرَّتْ على هذا الحوار بين الحفيد و الجدة مدة من زمن ذلك العالم الذي لا زمن فيه و في احد الأيام جاءت الجدة الى احفادها لتخبرهم بخبر حزين )


    الجدة : لقد اخبروني بأني سأهبط للأرض فوالِديَّ تزوجا في الأرض واني سأولَدُ منهما هناك طفلةً لا فهمَ لي فيها و لا علم وسأنساكم وسأنسى هذا العالم برمته ولا أتذكر شيئاً منه ولكن سألقاكم هناك مجدداً لأنّكم ستنزلون بعدي ونتعرف على بعضنا البعض من جديد ونُكوّن اسرةً هناك


    الحفيد ٢ (سعيد) : اني اشتاق الهبوط الى الأرض حتى ارى الفرق بين عالمنا هذا و ذلك العالم المجهول الذي نهبط اليه

    الجدة : ليس كما تظن يا ولدي فعند هبوطنا ننسى هذا العالم و حتى لو التقينا هناك فلا نتذكر بعضنا البعض و لا نعلم ان يوماً كنا التقينا معاً و كنا نتبادل الحديث مع بعضنا فكل شيئٍ سيكون في طي النسيان

    ( قامت الجدة بتقبيل احفادها و بناتها و اولادها لأنها سترحل عن عالمهم والى الأبد ، فعمَّتْ الأسرةَ مشاعرُ الحزنِ و الأسى )



    ٢٩ سبتمبر ٢٠٢١
    ٢٢ صفر ١٤٤٣ ھ ق






    (٢)






    الجدة : قم بني وصلِّ العشاء لكي تنام مبكرا فلك غدا مدرستك وعليك بالنوم كي تستوعب دروسك جيداً لأن التلميذ الجيد هو الذي ينام جيداً و لا يسهر كثيراً

    الحفيد : جدتي لي صديق في المدرسة يقضي ساعات اطول في النوم ليس مثلنا

    الجدة : وما الفرق بينك و بينه كي ينام اكثر منك؟

    الحفيد : هو يجمع بين صلاتي المغرب و العشاء و بعد الصلاة ينام مباشرة ، اما نحن فعلينا ان ننتظر اذان العشاء ، واحيانا يغلبني النعاس قبل الأذان و حينما انتظر الأذان و اصلي يطير النعاس من عيني و اُصاب بالأرق ولهذا فأنا اغبطه لأنه يختصر الوقت ويستغله احسن استغلال.
    لما لا نجمع الصلوات جدتي فأني ارى انها مفيدة ؟ ، فبينما انا في المدرسة اصلي صلاة الظهيرة اضطر ان اتأخر عن الدرس بسبب انشغالي بالصلاة ، ولكن صديقي هذا يعود للبيت ويجمع الصلاتين في وقت واحد فهو ليس مضطراً ان يقطع دروسه كما يحصل لي و في مرات عديدة وبّخني المعلم بسبب تأخري عن حصة الدرس

    الجد : لا يا حبيبي انت لا دخل لك بهذا التلميذ فهو يظهر من جماعة الرافضة و اياك ان تناقشه في دينك و يقلب ما في رأسك فهذه الملة معروفة بلباقة الحديث وغلبة المخالفين لهم

    الحفيد : اذن علي ان اعاني كي انسق بين الفرائض في اوقاتها و دراستي، اسأل المولى ان يسهل عليَّ

    الجدة : آمين، قم يا بني فهذا الرافضي يظهر اخرّك عن صلاتك حتى في البيت

    الحفيد : سمعاً و طاعةً جدتي ولكن صديقي هذا خلوق و مؤدب

    ( سكتت الجدة وهي تتفرس في وجه حفيدها و تترقبه و هو يقوم بتكاسل كي يتوضأ ويصلي الفريضة )








    (٣)






    الحفيد : السلام عليكم صديقي

    الصديق : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

    الحفيد : لقد كانت اسئلة الأمتحان صعبة و معقدة بعض الشيء ، هل توفقت في الأجابة ؟

    الصديق : نعم كما قلتَ كانت الأسئلة صعبة و معقدة بعض الشيئ ولكن اعددت لها اعدادا جيداً مساء البارحة ولهذا اجبت جيدا

    الحفيد : هنيئا لك صديقي ، كنت اود ان اسألك رغم ان اهلي متخوفون من النقاش معك ولكن فضولي يشجعني ان اسألك

    الصديق : متخوفون ! ولما هم متخوفون؟

    الحفيد : صدقني لا اعرف هي قالت بعض الكلمات و لم افهم ما كانت تعني

    الصديق : ومن تقصد في كلامك (هي قالت) ؟

    الحفيد : عذراً كنت اقصد جدتي

    الصديق : و ماهي تلك الكلمات المرعبة ؟

    ( يضحك الحفيد ثم قال )
    الحفيد: قالت انك رافضي

    ما معنى الرافضة يا صديقي ؟

    الصديق : الآن فهمت كلام جدك و اراك انت على بساطتك وانت تعلم كم انت عزيز علي، و اكيد سأوضح لك ما معنى الرافضة ، سأوضح لك ولكن بشرط ان تكون واسع الصدر لا يضيق صدرك كصدر جدتك

    الحفيد : اكيد سأسمعك و لا تؤاخذ جدتي فهي امرأة طاعنة في السن ، ونحن ابناء اليوم لا عقد بيننا

    الصديق : اسمعني صديقي ، القضية ليست جديدة بل هي قديمة جداً وصدقني كنت اجهلها مثلك رغم كوني محسوب على الشيعة لولا جلسات والدتي العلمية فهي متدينة جدا ، ففي كل مساء يوم الجمعة تعمل لنا جلسة وهذه الجلسة تختلف مواضيعها من اسبوع الى اسبوع، فأحياناً تبين لنا مسائل فقهية مثل الوضوء والصلاة وغيرها واحيانا تبحث في اصول الدين واحيانا اخرى في تاريخنا الإسلامي

    الحفيد : لا جدتي و لا والديَّ يفعلون ذلك معنا، كنت اتمنى ان احضر جلساتكم

    الصديق : مرة سألتها قلت لها : اماه ، سألني معلمي في المدرسة سؤالا محيراً فقال لي : لما انتم تشتمون الصحابة و بعد التشهد تقولون ثلاث مرات لعن الله عمراً؟

    فقالت لي والدتي : وانت لم تنطق بشيئ فقلت لها : سكتُّ ولم انطق بشيء لأن لا علم لي بهذه الأمور وانا عمري ما لعنتُ عمراً ولا اعرفهم كي اشتمهم واستغربت منه انه يتهمني بأني و اهلي سبابين شتامين

    فقالت : بنيّ انا لا انكر ان هناك من يلعن بعض الصحابة الذين انقلبوا بعد وفاة رسول الله (ص) و خانوا رسول الله (ص) ولكن ليس كلهم و انا شخصيا لا اسب و لا اشتم لأن بالشتيمة لن نقدر حل المشكلة. فقلت لها: مشكلة ؟! وهل هناك مشكلة بين المسلمين؟ أ ليسوا على دين واحد؟

    فقالت لي : ظاهراً على دين واحد ولكن واقعاً ليسوا كذلك
    بنيَّ ، رسول الله (ص) اوصى بالخلافة لأبن عمه علي بن ابي طالب (ع) وبأمر من الله سبحانه ولكن عندما مات رسول الله (ص) انقلبت الصحابة على رسول الله (ص) وعينوا ابا بكراً خليفة على المسلمين ظلما و جوراً وابعدوا علياً (ع) عن الرئاسة و قيادة المسلمين فتفرق المسلمون فبقي مع علي (ع) نفر يسير مثل سلمان الفارسي ، مقداد و ابو ذر وحتى محمد وهو ابن ابي بكر اصبح على دين علي (ع) و خالف اباه فهؤلاء سُمّوا بشيعة علي (ع) والذين بقوا مع ابي بكر ، عمر و عثمان سُمّوا بالسنة والمذاهب السنية هي نتاج لهذه الجماعة ، ونحن من ذرية اولئك الشيعة القلائل

    الحفيد : يعني و كما فهمت من كلامك و كلام امك ان الخلفاء الثلاثة رضي الله عنهم و ارضاهم كانوا مخالفين لرسول الله (ص) ! لن اصدق ذلك ابدا

    الصديق : انت اعطيتني عهداً ان لا تتعصب و تتحمل كلامي و كنتُ صريحاً معك في نقل الأحداث التاريخية فيمكنك ان تقرأ بنفسك في كتب التاريخ عزيزي

    الحفيد : نعم آسف صديقي لقد تعصبتُ بعض الشيئ ولكن هذه لأول مرة اسمع هكذا قصة فكل ما قرأته عن ديننا في المدرسة وما سمعته من جدتي كلها قصص بطولات الصحابة (رض) و فتوحات المسلمين ولم اسمع عن اي خلافات او نزاعات بين المسلمين انفسهم

    الصديق : مناهجنا المدرسية ممنهجة من قبل فقهاءكم يا صديقي و لا يسمحون للشيعي ان ينقل التاريخ الصحيح ، اقرأ عن ثورة الحسين (ع) فلن تجد سوى سطرين او ثلاثة في كتاب التاريخ عندنا ولكن اذا قرأت عن معاوية او حتى ملوك آشور فتجد التفاصيل في سرد اخبارهم

    ( يسكت الحفيد و لا يعلق )

    الحفيد : لقد بدأت حصة الدرس الثاني عذراً فعلينا ان ندخل الحصة قبل ان يطردنا الأستاذ بسبب تأخرنا عن الدرس

    الصديق : هيا بنا فلندخل الصف

    ( يدخل الحفيد في حصة الدرس و في رأسه الكثير من التساؤلات و هو مصدوم لما سمع من صديقه و هو ينتهك حصانة الصحابة وبالأخص منهم الخلفاء الثلاثة ، و
    بعد ساعات يعود الحفيد الى البيت ولكن ذهنه شارد و تخاطبه جدته و هو لا يسمع شيئاً بسبب هذا الشرود الى ان هزّته جدته من كتفه )

    الجدة : ماذا دهاك بني ؟ اين انت ؟ فأنت لست معي

    (كأن الحفيد قد افاق بفعل جدته )

    الحفيد : نعم جدتي ، كنت اتساءل ، هل نحن وصفنا الشيعة بالرافضة لأنهم رفضوا طاعة الخلفاء الثلاثة ؟

    ( تستغرب الجدة من سؤال حفيدها لأنها تراه هو ليس بمستوى هذا السؤال )

    الجدة : الآن اتضح لي ان صديقك الرافضي شوّش على مخك هذا الذي في رأسك واني متأكدة انك لا تعلم مثل هذه الأمور الا من خلال هذا الرافضي

    ( مدّت الجدة يدها الى اذن حفيدها اليمين تجرها قائلة )

    الجدة : اذن انت خالفت نصيحتي لك و رحت تحاور ذلك الرافضي من وراء ظهري يا ولد

    ( ترفع الجدة رأسها للسماء قائلة )

    الجدة : الهي ما العمل ادركنا ، اخشى ان يصبأ ولدي هذا بفعل صداقته مع هذا الرافضي ، احفطه يا رب من أمامه و من خلفه و من شر الأشرار

    ( تألم الحفيد من جرة الأذن هذه فصرخت )

    الحفيد : آآآآي


    ٢٠٢١ - اكتوبر ٩
    ٢ ربيع الأول ١٤٤٣







    (٤)



    بعد عدة اعوام و اذا بالحفيد شاب نشط و حيوي وهو طالب جامعي في احدى جامعات بلده
    الجامعة عادةً تجمع شرائح الناس من غنيها ،فقيرها ، اسودها ، ابيضها و من جميع الأطياف من قوميات واديان مختلفة.
    فأجواء الجامعة و بسبب تعدد الثقافات فيها تكون معدة للنقاشات في شتى المواضيع الحياتية المتعلقة بالفرد.
    سمع الحفيد اصواتا صادرة من جمع من الطلبة في بهو الجامعة و على مسافة اكثر من خمسين متراً و اذا به عرفهم فهم اصدقاءه و لكنهم يدرسون في اقسام علمية مختلفة منهجياً ، ولكن بهو الجامعة يجمعهم بعد الأنتهاء من محاضراتهم و هم يتناولون الطعام في مطعمه او يحتسون مشروباً بارداً او حتى قدحاً من الشاي الحار فيه
    توجه اليهم الحفيد مسلماً عليهم. فرفع صوته احدهم بوجه الحفيد قائلا


    الطالب المستهزئ : تعال يا اخي اين كنت انت و خلّصنا من هذا الرجل الرافضي فهو ترك مشاعر شعبه و هو يطبّل للغرباء من رجال دين الفرس الأيرانيين

    بدأ الحفيد ينظر لوجه الطالب الذي رفع صوته مستهزءاً بمشاعر صديقه الشيعي و من ثم خطف نظرة اخرى في وجه الطالب الشيعي المتهم وهو لا يعلم اين بدأ النقاش و الى اين انتهى فقال

    الحفيد : بصراحة لا اعلم عن ماذا كنتم تتحدثون ولهذا اعتذر منكم و لا اريد تعكير الصفوة بينكم اكثر مما اراها الآن

    اما بقية الطلاب المجتمعة فكانوا بين مستمع للحوار و بين ضاحك و مبتسم عندما رأوا ان فتيل النقاش قد توهج ناراً

    الطالب المستهزئ : لك الحق لقد كنت بعيداً و لم تسمع الحوار فهذا الرجل يريد ان يحجر على حريتنا او على الحرية الفردية و يحجر على ادمغتنا من التفكير و يأمرنا ان ننقاد لأئمته الذين ماتوا و منذ دهور وعلينا ان نأخذ بكلامهم و لا نجادل عما صدر منهم ونقبل منهم من غير نقاش وهم ليسوا احياءاً وحسب ادعاء الشيعة و ادعاء هذا الرجل فعلينا ان نتّبع الأمام المهدي ولكنه هو كذلك غائب و غير موجود بين الناس، فحسب معتقدهم فهو امام معصوم ولكنه غائب لا يراه احد، اي خرافة هذه و ايّ عقيدة غريبة و ايّ استصغار لشأن الفرد عندما يُصادر عقلُه و يُسَّلم لأمام ميّت او إمامٍ مجهولٍ غائب

    ضحك بعض الطلبة في الجمع وابتسم قسم منهم ، لكن الحفيد حافظ على رباطة جأشه فلم يسخر و لم يضحك وهو تذكر في حينه صديقه الشيعي عندما كانا في مراحل الطفولة في الدراسة الأبتدائية و ما جرى بينهما من الأحاديث

    ينظر الطالب الشيعي لوجه الحفيد و يراه رجلاً ثقيلاً، متزناً و متحفظاً و وجه كلامه له قائلاً

    الطالب الشيعي : اولا اتهمني هذا الرجل و إستهزأَ بي و جعلني خائنا لأني تبنّيتُ دين الأيرانيين الفرس، وهذا كلام باطل ، فأنا ادعو الى دين اهل البيت عليهم السلام و الشعب الأيراني انتهج مذهب اهل البيت عليهم السلام فنحن لم نتبنّاهم بل بالعكس هم تبنّوا دين محمد و دين عترة محمد صلوات الله عليهم ، واني اتحدى كل العرب ان كان بينهم اشدُّ عروبة من عروبة اهل البيت عليهم السلام فليأتي و يتحداني هنا ، رغم اني اعلم علم اليقين ان اهل البيت (ع) لا يعطون للأنتماء القومي اية اهمية. و عار عليك صديقي وانت تلقي كل هذه التهم على اتباع علي عليه السلام و دين علي عليه السلام

    الحفيد : عليه السلام

    علم الطالب الشيعي طهارة قلب الحفيد عندما سمع ذكر عليٍّ عليه السلام فسلّمَ عليه سلاماً نابعاً من فطرته فجعله ملاذا له يشكو عنده جهلَ صاحبه المخالف

    ( ادار الحفيد بوجهه وبدنه للصديق المستهزئ قائلا )

    الحفيد : لا اشاطرك صديقي الرأي في إلقاء كل هذه التهم الباطلة على دين علي (ع) مدعياً انَّ دين علي (ع) هو دين رجال دين ايران ، ما هذا الهراء يا رجل ؟

    الطالب المستهزئ : اخي دعك من عروبة علي وعلي تاج على رأسي ولكن هل تقبل ان يُصادرَ عقلك ويُسَلَّم الى إمام ميّت او مهديٍ مجهولٍ غائبٍ؟

    الحفيد : لن ارد عليك بنعم او لا فأني كلي آذان صاغية كي يوضح لنا اخونا الشيعي ما معنى هذا التسليم

    الطالب الشيعي : على الرحب والسعة و اني مشتاق جدا ان ابين لكم ما هذا التسليم ولكن بقي عشر دقائق لموعد المحاضرة القادمة فأن شاء الله عندما انتهي من المحاضرة اجتمع معكم هنا وابين لكم ما معنى التسليم

    تتفرق الجماعة بعد هذا النقاش الساخن و عندما انتهى الطالب الشيعي من محاضرته عاد لبهو الجامعة فلم يرَ الا الحفيد في انتظاره فبعد ان سلَّما على بعضهما البعض قال الطالب الشيعي

    الطالب الشيعي : لا ارى الجماعة و لم يحضروا ! تُرىٰ لما ؟

    الحفيد : وهل تظن انهم يهتمون في أمر دينهم ؟ فلو اهتموا لحضروا

    الطالب الشيعي : صدقت

    يجلس الحفيد مع صديقه الشيعي لساعات وهو يشرح له معنى التسليم وبعد هذا اللقاء يفترقان وكل منهما يعودان للبيت

    فتح الحفيد باب منزله فرأىٰ جدته وقد احدودب ظهرها فهي تجاوزت السبعين من عمرها وكانت تمشي مستندة على جدران المنزل ، فأسرع الحفيد اليها ماسكاً بها وجعلها تستند عليه الى ان اوصلها الى غرفتها

    الحفيد : يا جدتي لو وقعت في البيت وانت وحدك ، الله اعلم ماذا كان سيحصل لك ، فلما تقومين من مكانك ؟ واين والديّ ، و اين سعيد اخي و اختي سلمى ؟

    فأجابت الجدة و بضعف و صوت منهوك

    الجدة : ماذا افعل بني ، فوالديك ما زالا في العمل و لم يعودا واخوك و اختك ما زالا لم يرجعا من مدرستهما وقمت كي اتوضأ و اصلي العصر

    الحفيد : يا جدتي لما لا تجمعين بين الصلاتين وانت في هذا العمر والله الذي لا اله الا هو اني قرأت في الروايات ان رسول الله (ص) جمع بين الصلاتين لا في الحرب ولا في الخوف ولا في المطر، فسُأل عن فعله هذا فقال (ص) : لكي ارفع الحرج عن امتي فأسمعي كلام رسول الله (ص) حتى تُقبلين من امته التي رُفعَ عنها الحرج اني اخشى عليك الأرهاق جدتي

    الجدة : هذه المرة اصبت يا ولدي و اصاب سهمك قلبي يا بنيّ

    الحفيد : سلّمَ الله قلبك لي، وكيف ذاك جدتاه

    الجدة : الأمة المرفوعة عنها الحرج هي امة رسول الله (ص)

    الحفيد : يا سبحان الله والله ما كنت اعرف هذا ونطقتها بغيرعلم ولكنكِ نوّرَ الله قلبَك يا جدتاه فنطقتيها فأنك نظرت لباطن الكلام و أمسكتِ بعصارته لا بقشوره




    ٩اكتوبر ٢٠٢١
    ٢ ربيع الأول ١٤٤٣







    (٥)






    صادق الحفيد بقية سنوات الجامعة ذلك الطالب الشيعي واعلن تشيعه ولكنه كتم تشيعه امام اصدقاءه الآخرين لكي يسلم من لسانهم و جهلهم في دينهم و كلما حَمِيَ وطيس النقاش كان الحفيد يسند صديقه الشيعي وذلك بألقاء الحجة عليهم من خلال روايات مذكورة في كتب المخالفين رغم انه تسلح جيداً بالروايات الواردة عن اهل البيت عليهم السلام المذكورة في المصادر الشيعية ولكنه ادرك انه لا فائدة مرجوة بألقاء الحجة عليهم من خلال روايات اهل البيت عليهم السلام لسببين وهما :أولهما ; انهم سيُكذِّبون ما قيل و رُوِيَ عنهم عليهم السلام و يعتبرونها تلفيقاً من فقهاء الشيعة انفسهم لتثبيت مذهبهم و ثانياً; لأبعاد الشكوك عندهم بأنه هو حقاً موالٍ لأهل البيت عليهم السلام

    تخرّج الحفيد من الجامعة و هو يحمل فكر علي بن ابي طالب عليه السلام وبدأ دعوته بين اهله و اقربائه و اصدقاءه في الحي الذي يسكنه وفي العمل
    و اول الذين استطاع الحفيد اقناعهم و استدراجهم لولاية علي عليه السلام من بين اهل بيته هم جدته واخته سلمى ووالدته ، اما ابوه و اخوه سعيد فقد انشغلا بأمورهما الحياتية العادية و كانا ينظران للعقيدة و العبادات نظرة ثانوية

    السلطة الحاكمة في بلد الحفيد كانت ظاهراً هي سلطة المخالفين ولكنها سلطة لم تهتم بالدين ولم تفكر يوماً محاربة التوجهات الدينية ما عدا الحركات الأرهابية التي كانت تفسد في البلاد وتلجأ الى سياسة الأغتيالات و اختطاف الرموز او التفجيرات الأرهابية في المناطق السكانية المخالفة لتوجهاتهم السلفية المتعصبة
    عاش الحفيد في مجتمع مضطرب ، يسوده الفوضى رغم كون السلطة التي كانت تميل الى التوجه العلماني

    في شكوى كيدية على الحفيد قامت بها جماعة مخالفة معادية لتوجهاته بسبب نشاطه و محاولته التغيير في عقيدة الناس قامت السلطات المعنية بأعتقاله وايداعه السجن

    بقي الحفيد في هذا البلد الذي يسوده الفوضى بسبب الأنفلات الأمني في اقسام من مدنه اشهراً في السجن دون النظر في ملفه او على الأقل استجوابه ، و كان الحفيد ضحية لهذه القوانين التي صدرت من الدولة بسبب الأرهاب المستشري في صفوف الجماعات التكفيرية

    حزنت الجدة لحال حفيدها و كانت تشتكي لحالها و ما حصل لحفيدها الى الله و ائمة الشيعة والأمام المهدي

    و بعد اشهر مرضت الجدة و وقعت في الفراش لأسابيع و لضعف حالها و ووضعها النفسي الصعب بعد اعتقال حفيدها توفت تاركة الدنيا محتسبة حالها الى المنتقم الجبار

    زارت سلمى اخاها في السجن و نقلت اخبار وفاة الجدة لأخيها و تعالَت منهما اصوات البكاء في ردهة اللقاء وحزن الحفيد كثيراً و رفع يديه للسماء داعياً ان ينتقم الله ممن ظلمه و ظلم جدته وظلم العائلة بأسرها في اتهام ملفق كاذب و الذي ادى ان يؤول به الحال الى هذا المئآل

    نُقِلَ الحفيد الى سجن اكبر في محيط المدينة وهو سجن يفتقد الى ابسط الشروط الصحية

    بعد ان قضى اشهراً فيه يمرض هناك ولكن ادارة السجن يهمل حاله وبأستهتار، و بسبب هذا الأهمال المتعمد يوهن بدن الحفيد وينتابه ضعف شديد و يصل به الحال الى ان يفقد القدرة على السير و حتى تناول الطعام بسبب فقدانه الشهية

    تضطر ادارة السجن ان تبعث خلف طبيب ينظر في حاله ،
    يحضر الطبيب و يدخل قاعة السجن ويلتقي الحفيد و يعاين حاله الصعب المستصعب

    يخرج الطبيب من القاعة متوجها الى مدير السجن مباشرة

    الطبيب : نحن نعيش في بلد ديمقراطي ، ولكن هذا الذي رأيته في السجن اظن انه غير موجود حتى في اشد و أعتى البلدان التي تحكمها الأحزاب الشمولية المتفردة بالسلطة ، فأنا لا افهم كيف تركتم حال هذا السجين و أهملتموه حتى يصل به الحال الى هذا المنحدر الخطير

    المدير : هؤلاء مجرمون و يستحقون ما يُجرى لهم

    الطبيب : و ما هي جريمته؟ هل هو قاتل مثلا، ام سارق اموال الدولة؟

    المدير : لا، لا اعرف فلم اجد في ملفه هكذا اتهامات ولكنه لا يستحق العطف والرحمة

    الطبيب : سأكتب تقريراً مفصلاً عن حال هذا السجن و خاصة المريض الذي عاينته ولن اسكت عن هذا الأهمال و افتقاد هذا السجن لكل مستلزمات الشروط الصحية و الأنسانية بحق النزلاء

    المدير : دكتور هذه الحالة لم تحصل لأول مرة فهناك حالات سابقة مشابهة لها وهل تظن ان السلطات تنشغل بهذا السجن و هي منشغلة بأمور اخرى اعظم بالنسبة لهم و أهم مني و منك ؟
    الطبيب : والله انت صادق في قولك اكيد انها ليست حالة واحدة فريدة فقبلها حالات ولكني لن اسكت على هذا الذي يجري هنا ولنرى من ينتصر وهذا المريض عليكم نقله في الحال الى المستشفى لأنه يمكن ان يموت بعد ايام ان استمر الوضع على حاله وسأكتب تقريراً بضرورة نقله بأسرع وقت للمستشفى

    المدير : حصل لنا الشرف بلقاءك يا دكتور

    ينصرف الطبيب و يكتب المدير تقريراً سريعاً بضرورة نقل الحفيد للعلاج في اقرب فرصة و اراد ان يسبق تقريره تقريرَ الطبيب لكي يبين اخلاصه في وظيفته و مراعاته للسجناء و يتجاوز شكوى الطبيب في حقه

    يُنقل الحفيد الى مستشفى المدينة ولكن لضعف حاله و تطور المرض فيه الى مراحل اكثر خطورة لم تقدر اطباء المستشفى من انقاذ حياته و يلفظ الحفيد انفاسه الأخيرة على فراش سريره في المستشفى




    الأحد
    ١٠ اكتوبر ٢٠٢١
    ٣ ربيع الأول ١٤٤٣ ھ ق








    (٦)







    مؤمنة : ام حسن ام حسن

    جاءت مهرولة والسعادة تغمرها و طرقت عليها الباب وهي مستبشرة و في وجهها علامات الفرح والسرور و تنادي


    مؤمنة : ام حسن ام حسن


    قامت الجدة لأستقبال مؤمنة وهي جارتها وتسكن بالقرب منها


    الجدة : خير ان شاء الله يا مؤمنة اراك على غير حالتك و في فمك خبر


    مؤمنة : نعمممم يا ام حسن نعم،

    طوّلت في نطق كلمة نعم تعبيرا عما تحمل من اخبار سارة تهم ام حسن

    مؤمنة : لحقت بنا امرأة مؤمنة كانت تسكن في حيّكم في تلك الدنيا المظلمة اعاذنا الله منها والأنفس مجتمعة حولها يستقون منها اخبار الأرض

    الجدة : اللهم اجعلها اخباراً سارة بحق الطاهرين عليهم السلام ، و ماذا اخبرتكم تلك الصالحة الطاهرة

    مؤمنة : قالت ان حفيدك ترك الأرض و ساعات قليلة ستصعد نفسه الى حيث مستقرها

    الجدة : أ صحيح ذلك يا مؤمنة ؟ كم اشتاق اليه يا مؤمنة فأنت تعلمين كم كنت حزينة عليه في عالم الدنيا و في عالمنا هذا

    مؤمنة : اعلم اعلم ...اعلم ذلك يا ام حسن ستفرحين مدى الدهر بحفيدك بعد لحوقه بعالمنا

    ( بدأت الجدة بالبكاء )

    مؤمنة : لما البكاء يا ام حسن ؟ فلقد جئتك ببشارة و انت تبكين !
    الجدة : اخشى يا مؤمنة ان ينقلوه الى عالم آخر غير عالمنا

    ( بدأت مؤمنة بالضحك وقالت )

    مؤمنة : ومتى كانت هذه مشكلة يا ام حسن؟ ما دام هو ترك الدنيا على ايمان فلا تعد هذه مشكلة ، نعم هي مشكلة لغير المؤمنين اما بالنسبة للمؤمنين فلا تعد مشكلة فأذا حفيدك اقل ايماناً منك ينقل الى برزخ دون برزخنا واذا كان اكثر ايمانا منا فسيستقر في برزخ اشرف و اكثر اشراقاً من برزخنا و اذا كان بمستوى ايماننا فسيلحق بنا و بلا شك

    أ نسيتِ يا ام حسن ان الله سبحانه لا يعذب ولا يُحرّم على المؤمنين و المومنات سعادتهم ؟ فالله سبحانه سيفرج عنك و عن حفيدك و لا تيأسي فنحن في عالم ليس فيه يأس او قنوط من رحمة الله سبحانه

    الجدة : حبيبتي مؤمنة من شدة اشتياقي له لم افطن لذلك ، جزاك الله خيراً فأنك طمأنت قلبي بكلامك

    استقر الحال في نهاية المطاف ان حلّ الحفيد في برزخ جدته و فرحا بلقاءهما الرابع حيث كان اللقاء الأول في عالم الذر والثاني اثناء الهبوط من الذر الأول الى عالم نفسي ادنى والثالث في الأرض والرابع اثناء العودة الى عالم نفسي آخر او عالم البرزخ

    الجدة والحفيد يتذكران كل العوالم التي مرّا من خلالها و بكل تفاصيلها ولهذا نجد ان اسلوب الحوار تغير بينهما الى نمط آخر مختلف عن عالم الدنيا الظلماني

    الجدة : لقد ستر الله علينا يا ولدي اننا لم ننزلق في ذلك العالم المظلم ، يا له من عالم ظلماني و بكل معانيه ، تتذكر بني عندما كنا في عالم الذر و كذلك في العالم النفسي الآخر دون عالم الذر كيف كنا متعلقين بالمختارين الطاهرين الذين اختارهم الله سبحانه من بين خلقه صلوات الله عليهم وكنا نظن عند هبوطنا للأرض سننصرهم و ندفع عنهم كيد الظالمين ، و اذا بنا نولد من بطن ام مخالفة و في مجتمع جاهل بأحقية محمد وآل محمد عليهم السلام ، واذا بنا اتخذنا من الجبت والطاغوت سادة لنا ، اي امتحان صعب كان ذاك يا بني ، والحمد لله على هدايته لنا حيث انقذنا من مزالق تلك الدنيا الدنية

    الحفيد : شاء الله ان يجعل امتحاننا صعباً في الدنيا يا جدتي لكي يحتج على الفاشلين في امتحان الذر الأول حيث نجحنا فيها ، اهبطنا الله سبحانه الى عالم قاس، مظلم ، لا يرغبه الا الفاشلون فوجدنا الفاشلين الذين سقطوا في الأمتحان الأول يسعون وبكل ما اوتوا من قوة ان يحصلوا شيئا منه ، فهؤلاء الجهلة تقاتلوا من اجل دنيا فانية غير باقية، و رغم كون اسئلة الأمتحان واحدة في السماء الأولى والأرض ولكنهم سقطوا مرة اخرى ونحن نجحنا لكي يقطع الله عنهم العذر كي لا يقولوا غداً : يا رب لما ادخلت هذه الجماعة في رحمتك و اسكنتهم دار السعادة و ادخلتنا دار البوار و الخزي والعار

    الجدة : احسنت يا بني ، ولكن بني فهذا المكان كذلك ليس مكاناً مستقرا و ثابتاً ، فلن نبقى فيه للأبد لأن هناك امتحان ثالث ان كان لنا فيه حظ ، فالأنفس كذلك ستنسى حالها كما حصل لنا في عالم الدنيا ولكنه امتحان لمن محض الأيمان محضا ولمن محض الكفر محضاً ، ثم من بعده تبدأ المحكمة الألهية الكبرى وهو يوم من ايام الله


    حضرت مؤمنة زائرةً الجدة وحفيدها و بعد افشاء السلام قالت مؤمنة

    مؤمنة : في اطراف برزخنا هذا حلّت علينا نفساً جديدة قادمة من الأرض

    الجدة : و ما الجديد في هذا يا مؤمنة فكل يوم تلحق اعداد من المؤمنين و المؤمنات ببرزخنا هذا بعد ان اذاقهم الله موتة الدنيا

    مؤمنة : لا يا ام حسن هذه المرة جاءت هذه النفس ببشارة من الأرض

    الجدة : تحدثي يا مؤمنة لما انت ساكتة فرّحي قلوبنا افرح الله قلبك ما هي البشارة هذه ؟

    مؤمنة : لقد ارسل الأمام الحجة (ع) رسولاً منه الى الناس وهذا يعني يا ام حسن ان الغيبة الكبرى ستنتهي ويبدأ يوم الله و يولّي يوم الناس للأبد وتسقط دولة ابليس (لع) و يكون نهايته في اليوم الموعود، لقد بدأ الأمتحان الصعب لكل الأديان والمذاهب وبالأخص على الشيعة لأنهم سيمحصون و يغربلون

    الحفيد : كم كنت اتمنى ان اكون هناك في الأرض و انصر ابن الأمام الحجة (ع) ونفس الأمام الحجة (ع) بعد ظهوره

    الجدة : يا ربي اجعل ابنتي سلمى و امها من انصار القائم (ع) و لا تفتنهما بأمتحان صعب

    الحفيد : لا خوف عليهما جدتي فهما كانتا مواليتين لليماني (ع) في عالم الذر وسوف تكونان مواليتين له (ع) في الأرض كذلك

    مؤمنة : سمعت من انفس عائدة كانت تعرفكم في الأرض ان ابنتكم سلمى حزينة جداً من اجلكما و كثيرة البكاء لأجلكما و تصلي لكما في كل يوم و تبعثها هدية ثواب لروحيكما مع دعاءها لكم

    الجدة : نعم يا مومنة ، نحن نعرف ذلك فنحن نلمس اعمال سلمى و امها فهي تصلنا كل يوم لحظة بلحظة و كانت سببا لرفع مقامنا هنا في هذا المكان

    الهي اجعل ابنتي هذه مع امها من ناصرات آل محمد و احمد القائم عليهم السلام و اجعل مستقرهما عندنا في ختام اعمالهما و انلهما مقاما شريفا

    الحفيد : لا ضير يا اختي مؤمنة هكذا شاء ان يقاسي المؤمنون في الأرض كما حصل لي فعانيت الكثير من المتجبرين اخزاهم الله ، فوالدتي و اختي ستنالان اعظم الثواب بسبب معاناتهما ، ومعاناتنا و ما قاسينا لا تساوي شيئا قياسا في معاناة الحسين (ع) و لا بمعاناة الطاهرين عليهم السلام قبل الحسين او بعد الحسين عليهم سلام الله اجمعين ، و اسأل الله تعالى ان لا يحرمنا من لقاءهما في هذا المكان او حتى لو استقرتا في مكان افضل من مكاننا هذا


    الجدة و مؤمنة : اللهم آمين


    قدم رسول من المختارين عليهم السلام اليهم واستأذن الدخول فأذن له الجدة فسلّم على الجمع بسلام الله تعالى وبعد ان ردوا السلام قال الرسول


    الرسول : اليكم جئتُ برسالة من المختارين مفادها، انتم ستقضون في هذا المكان السعيد دهراً الى ان يأذن الله سبحانه لكم فأنكم ستلحقون فيما بعد بركب الذين محضوا الأيمان محضاً فلكم حظ في العودة للأمتحان الثالث اي عالم الرجعة فرسالتي هذه تخص كل من ام حسن و حسن ( الحفيد) و مؤمنة واستودعكم الله تعالى


    ترك الرسول الضيف الجماعة و هم يبكون بما تلطف عليهم الله سبحانه بالعناية الألهية العظمى اذ نعتهم بالمؤمنين الذين محضوا الأيمان محضاً

    الحفيد : الحمد لله وحده اذ انتخبنا سبحانه ان ننصر المختارين الطاهرين عليهم السلام وننال بذلك درجة ارفع مما نحن فيه الآن ، الشكر لك يا رب ، يا عظيم الفضل علينا

    بكت الجدة بكاءا شديدا لم يكن بمقدور كل من الحفيد و مؤمنة اسكاتها الى ان هدأت فيما بعد

    الحفيد : افرحي يا جدتاه فقط اكرمنا الله بهذه المنحة الألهية فلما الحزن

    الجدة : الف الف شكر لهذا اللطف الألهي فأني لم ابكِ لأجل هذا

    مؤمنة : اذن لما البكاء يا ام حسن ؟

    الجدة : بكيت لأن اخشى ان اعيد تجربة عالم الدنيا الظلماني حيث غُشِيت بصيرتي و ناصرت الجبت والطاغوت فترة طويلة من عمري و كنت اصد ولدي هذا من اتباع المختارين عليهم السلام ، فأخشى ان اعيد التجربة ثانية و اكون مناصرة للجبت والطاغوت مرة اخرى لأن في ذلك العالم سننسى حالنا ثانيةً ، فالويل لي ان اكرر تلك التجربة المريرة في محضر الله سبحانه ، يا لسواد وجهي ان اعدتها

    فبدأت تنوح و تبكي بصوت عالٍ تقطع القلب وبكى الحفيد و بكت المؤمنة

    مؤمنة: اللهم بحق عظمة جلالتك و بعظمة محمد صلواتك عليه وبعظمة فاطمة و علي عليهما السلام و بعظمة الحسن و الحسين الشهيد وبعظمة كل الأئمة و المهديين صلواتك عليهم اجمعين لا تعيد علينا ما سود وجوهنا في عالم الدنيا المظلم لدن حضرتك، اللهم بيض وجوهنا واجعلنا من مناصريك و مناصري عبادك المختارين الذين فرضت علينا طاعتهم صلواتك عليهم اجمعين و لا تجعلنا نضل الطريق ، نوِّر دربنا من اول يوم تحط اقدامنا في ذلك العالم و اجعلنا من المفلحين و منذ اول يوم فيه يا ارحم الراحمين

    ثم بكت مؤمنة و بكى حسن و من ثم ام حسن


    قال تعالى : وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٠٠) سورة المؤمنون





    محمد باجلان ( ابو سجاد)


    الأثنين
    ١١ اكتوبر ٢٠٢١
    ٤ ربيع الأول ١٤٤٣ ھ ق



    ملاحظة /
    اجزاء هذه القصة القصيرة لا تمت بالواقع بشيئ عدا تلك المتعلقة بالأرض اما دونها فهي مجرد تصورات و تخيلات لعوالم نجهلها و لأحداث ستتحقق فيها
    Last edited by 3aLa SaBiL Al NaJaT; 12-10-2021, 17:58.
Working...
X
😀
🥰
🤢
😎
😡
👍
👎