إعـــــــلان

Collapse
No announcement yet.

نظرية التطور الجيني الثقافي المشترك.. كيف تشكل الثقافة الجينوم البشري؟

Collapse
X
 
  • Filter
  • الوقت
  • Show
Clear All
new posts
  • نجمة الجدي
    مدير متابعة وتنشيط
    • 25-09-2008
    • 5278

    نظرية التطور الجيني الثقافي المشترك.. كيف تشكل الثقافة الجينوم البشري؟

    نظرية الوراثة المزدوجة.. كيف تشكل الثقافة الجينوم البشري؟


    Gene–culture coevolution

    Gene-Culture Coevolution and Human Diet




    رتبطت كلمة «ثقافة» بالأفراد الذين يقرأون بنهم، ويرتدون نظارات طبية، ويتحدثون بالعبارات الأكاديمية، ولكن في الواقع الثقافة هي كل ما يختاره المجتمع من سلوك وممارسات في ارتداء الملابس، والطهي، والفن، والمأوى، ولكل مجتمع «ثقافته» الخاصة، والتي تميزه عن أي مجتمع آخر، فكونك ضيفًا في بيت باليابان يجعلك تختبر أشياء مختلفة تمامًا عن أن تكون ضيفًا في أحد المنازل بصعيد مصر على سبيل المثال.

    وكل اختيار اجتماعي أو ثقافي يقبل عليه الإنسان، سواء داخل مجتمعه الصغير، أو في المجتمع البشري ككل، يكون له دور مهم في تشكيل الجينات البشرية، ويكون له أثر أيضًا على التطور البشري الجيني وشكل الجسد.

    الثقافة والتطور البشري.. وجهان لعملة واحدة؟
    هل اختبرت من قبل تجربة زيارة صديق أجنبي لك في بيتك العربي؟

    تلك اللحظة التي يود فيها المرء أن يُكرم هذا الضيف بتعريفه على كل الأطعمة الشرقية الشهية الدسمة، لينتهي الأمر بهذا الضيف في بعض الأحيان إلى التقلصات المعوية، وربما إلى المستشفى، على الرغم من أن كل أسرتك وأنت تناولت من نفس الطعام، إلا أنه الشخص الوحيد الذي تأذى، فتقول له بتلقائية: «إنك لم يتعود» على هذا الطعام.

    هذا المثال البسيط يشرح لك كيف تؤثر ثقافة الطعام في كل مجتمع على الإنسان جسديًا وجينيًا، فالجسم البشري له قدرة كبيرة على التأقلم والتطور، وهو ما استطاع إثباته على مدار ملايين من السنين، وحتى وإن كان التطور البشري عملية بطيئة للغاية لا تستطيع الأجيال مراقبتها بأعين أفرادها، إلا أن مقدماتها يمكن أن تراها في قصة بسيطة، مثل التي ذكرناها الآن، فامنح هذا الضيف الأجنبي عامًا واحدًا في هذا البلد العربي وهو يتناول تلك الأطعمة؛ وسيجد جسده الطريقة ليطوّر من نفسه حتى يتأقلم مع ثقافة الطعام في البلد الذي يعيش.

    التكيفات الجسدية التي يقوم بها الجسد البشري للتأقلم مع الثقافة التي هو جزء منها، يطلق عليها علماء الأحياء نظرية الوراثة المزدوجة، أو التطور الجيني الثقافي المشترك، وأظهرت الدراسات التي أجريت حول هذا النظرية أنه يمكن للثقافة أن تخلق آليات تطورية جديدة لدى البشر.

    رصد علماء الأحياء بعض الأمثلة التي تعزز من نظريتهم وتدلل عليها، وفي هذه الأمثلة نأخذكم في رحلة تظهر لكم قدرات الجسد البشري على التغيير والتأقلم، وتُظهر لك كيف أثرت بعض التغييرات الثقافية في الماضي على حاضر الإنسان الآن، حتى نكون على الوعي الكافي بأن كل عادة ثقافية نتبناها الآن لها أثر ممتد على الأجيال القادمة.

    «جسد أضعف وعظام هشة».. ثقافة الزراعة والحمض النووي

    في قديم الزمان عندما كان الإنسان في بداية مشوار تطوره البشري، واكتشافه للثقافات الجديدة، كانت ثقافة الصيد والالتقاط هي السائدة في ذاك الوقت، ولكن تطور الإنسان ذهنيًا جعله في حاجة لبعض الاستقرار، كما ظهرت داخله حاجة ملحة لبناء مجتمع، وبناء هذا المجتمع لن يحدث دون استقرار في مكان واحد، وطريقة الحصول على الطعام بالصيد والالتقاط لم تمنح الإنسان تلك الميزة الثقافية.






    ومن هُنا جاءت الثقافة الزراعية، وبناء مجتمع يعتمد عليها، هذا التطور الثقافي فيما يخص توفير الطعام كان له تأثير جيني على تطور الإنسان، وخاصة عظامه، فحياة الجمع والالتقاط التي كان يعيشها كانت توفر له التنوع الغذائي، والحركة المستمرة، والتي كانت بمثابة ممارسة الرياضة يوميًا، ولكن بعد اكتشافه للزراعة حرمته تلك الثقافة المجتمعية الجديدة من التنوع الغذائي الذي كان يتمتع به، وقيدته بالمحاصيل الموسمية التي يمكن زراعتها، كما أصبحت حركته الجسدية محدودة مقارنة بحركته أثناء مرحلة الجمع والالتقاط.

    يقول إيان ماثيون، الباحث في علم الوراثة بكلية الطب جامعة هارفارد، إنه في أبحاثه على نظرية الوراثة المزدوجة استفاد كثيرًا من التقنيات الحديثة لاستخراج الحمض النووي ودراسته بشكل أفضل، وتجميع أكبر مجموعة من البيانات على الجينوم البشري، والتي أثبتت أن جينات بشرية معينة تغيرت أثناء وبعد انتقال الإنسان من ثقافة الجمع والالتقاط إلى ثقافة المجتمعات الزراعية، ولكن هذا التأثير كان سلبيًا، وتؤكد هذه الدراسة أن أمراض هشاشة العظام، وآلام الرقبة، والعمود الفقري، التي تعاني منها نسبة كبيرة من البشر الآن، سببها الخلل في كثافة عظام الإنسان، والتي كانت نتيجة التغير الثقافي الغذائي الذي قام به أسلافنا.

    «حساسية اللاكتوز».. لماذا نشرب الحليب؟

    ربما تكون سمعت مؤخرًا عن بعض شركات الألبان المُعلبة، والتي تروّج لعبوات جديدة من اللبن خالية من اللاكتوز، وهو سكر حليب البقر، والذي لا يجد البعض القدرة على هضمه، ويسبب لهم الغازات، والتقلصات المعوية، والشعور بالغثيان، ولكن ما يتعامل معه البشر الآن على أنه مرضًا – حساسية اللاكتوز – هو في الأساس كان الطبيعة البشرية منذ 9 آلاف عام، حين كان الجسد البشري غير مؤهل لهضم مشتقات الألبان على اختلاف أنواعها، وأسلافنا في ذاك الوقت عندما قرروا تغيير عاداتهم في ثقافتهم الغذائية، بدأت مرحلة جديدة في التغييرات الجينية للبشر.

    أكد فريق من الباحثين أن جينات حليب الماشية، والقدرة الوراثية للإنسان على هضم الحليب، وعادات استخدام الألبان لدى البشر، قد تطورًت معًا في عملية فريدة، وهي التطور المشترك للثقافة الجينية. وتعد الجينات بالنسبة لمعظم الأنواع هي الطريقة الوحيدة لنقل المعلومات عبر الأجيال.

    ولكن بعض الأنواع، وخاصة البشر، تتميز بالانتقال الثقافي أيضًا، والذي يمكن تعريفه بأنه نقل المعلومات بين الأفراد من خلال التعلم، ويمكن للأنواع القادرة على الانتقال الثقافي أن تقدم تطورًا مشتركًا ثقافيًا، وهي عملية ينتج فيها التطور عن التفاعلات بين نظامي الوراثة الثقافية والجينية، وهو ما استطاع العلماء رصده في قدرة البشر على هضم الحليب الآن، على الرغم من أن البشر قبل 9 آلاف عام لم يكونوا قادرين على هذا، وكان أي شخص يشرب الحليب يصاب بالمرض، وتحول الأمر في ثقافتنا الحالية بأن من لا يستطيع هضم الحليب هو الشخص المريض بـ«حساسية اللاكتوز».



    المثير للاهتمام في هذا الاكتشاف أن الباحثين اكتشفوا أن المناطق التي تقدم فيها الماشية تنوعًا أعلى في جينات الحليب هي المناطق نفسها التي تعتمد ثقافتها الغذائية على مشتقات الألبان، ونفس الأمر أكده العلماء في 70 سلاسة من الماشية الأوروبية؛ ويعود هذا إلى الاهتمام الزائد والرعاية الدائمة التي يقدمها سكان أوروبا للماشية، من خلال استخدام أساليب جديدة ومتطورة لتحفيز إنتاج الحليب، وفي نفس المناطق أيضًا ثبت أن هناك نسبة مئوية عالية من البشر الذين لديهم القدرة على هضم اللاكتوز دون معاناة، وبهذا نرى أن تغييرًا بسيط في الثقافة الغذائية؛ قد كان له تأثير واضح على التغيرات الجينية لدى الطرفين: البشر والماشية.


    مرض السكر.. ثقافة الاستكشاف لدى أسلاف البولينيزيين

    يُعرف عن سكان بولينيزيا ارتفاع معدل الإصابة بمرض السكر من النوع الثاني، بل تعد هي البلد الأعلى إصابة بهذا المرض في العالم، ويعود هذا إلى أن البولينيزيين لديهم تواتر مرتفع بشكل خاص لمتغير من جين يسمى «PPARGC1A»، وهو مسؤول عن ارتفاع معدل الإصابة بالنوع الثاني من السكر لدى شعوب بولينيزيا مسؤولية جزئية.

    لماذا يصاب بولينيزيا بالذات بهذا المرض بتلك النسبة العالية، يعتقد الباحثون أنها نظرية الوراثة المزدوجة، وأن الأمر له علاقة بثقافة الاستشكاف لأسلافهم، فعندما استقر البولينيزيون في جزر المحيط الهادي تحملوا رحلات طويلة عبر المحيط المفتوح.

    وواجهوا ضغوطًا جسدية بسبب الطقس البارد والمجاعة، وتلك الظروف شجعت التمثيل الغذائي المتقصد أو ما يعرف بـ«thrifty metabolism»، والذي يمنح الجسم قدرة على تكوين الرواسب الدهنية بسرعة أكبر عندما يكون الطعام متاحًا، وبينما كان هذا التمثيل الغذائي مفيدًا لمجتمعات ثقافتها هي التنقل والترحال والاستشكاف فهي تؤدي إلى السمنة ومرض السكر من النوع الثاني للأفراد في الثقافات الحديثة، والذين لديهم مصادر تغذية ثابتة، ويعتمدون على التكنولوجيا أكثر من الحركة الجسدية، وبذلك ورث البولينيزيون جينات أجدادهم المستكشفين، ولكنهم لم يرثوا نفس ثقافة الاستكشاف؛ إذ تغير شكل الحياة اليومية بالنسبة لهم، وأصبح هذا الشكل الثقافي الجديد لا يتماشى مع تلك الجينات الموروثة من الأسلاف، فسجلوا أعلى معدل لمرض السكر.

    هذا أمر يمكن تطبيقه على البشر في كوكب الأرض جميعًا بصورة أوسع، فالإنسان قديمًا وقبل ظهور التكنولوجيا كان يتحرك كثيرًا ويحرق كثيرًا، وقد تعود جسده على اختزان الطعام وقتما يجده، فهو لا يعلم متى سيجد هذا الطعام مرة أخرى، ولكن الآن ومع ثقافة الطعام السريع؛ أرجع الباحثون السمنة إلى التغييرات الثقافية في الطعام، والتي لا تتماشى مع الجينات الموروثة من أسلافنا.

    البطاطا والملاريا وسكان أفريقيا

    مثال آخر على كيفية تأثير الثقافة على جيناتنا هو العلاقة بين زراعة البطاطا ومقاومة الملاريا، هناك حرب دائمة بين سكان أنحاء متفرقة من أفريقيا، ومرض الملاريا، ووفقُا للإحصاءات الأخيرة ففي العام 2010 وحده توفي 660 ألف شخص في العالم بسبب الملاريا، وأكثر من 90% من هؤلاء كانوا من سكان أفريقيا فقط، ولكن بعض السكان هناك أظهروا قوة دفاع طبيعية ضد هذا المرض، وهذا لأن كرات الدم الحمراء لديهم على شكل الهلال أو المنجل، وليس في شكلها الطبيعي، والذي من المفترض أن يشبه القرص.

    وهذا الشكل المميز لكرات الدم الحمراء يكون سببًا في انسداد الأوعية الدموية، والذي يؤدي لآلام وتلف في الأعضاء، وهو المرض الذي يعرف علميًا باسم أنيميا الخلايا المنجلية.



    وقد يتسبب هذا الشكل المنجلي الغريب لكرات الدم الحمراء في انسداد في الأوعية الدموية، وهو ما يسبب آلامًا وتلفًا للأعضاء كما ذكرنا، ولكن للمفارقة فإن هذا المرض رغم أضراره الحيوية على الإنسان، إلا أن طفرة بيولوجية لدى سكان أفريقيا قد اختارت لهؤلاء السكان مرض أنيميا الخلايا المنجلية ليكون خط دفاع لهم أمام مرض الملاريا، ولكن كيف حدثت تلك الطفرة؟

    لأنهم يحبون تناول البطاطا، وتعتبر جزءًا مهمًا من ثقافتهم الغذائية، والطريقة التي تُزرع بها البطاطا في بعض الأماكن بأفريقيا تسمح بركود المياه في حقولها، ما يهيء ظروفًا مناسبة لتكاثر البعوض الناقل للملاريا، وعليه زيادة الأعداد التي قد تصاب به، وهو أمر تعوضه زيادة الإصابة بأنيميا الخلايا المنجلية، وهو المرض المرتبط ارتباطًا وثيقًا بالجينات، لتكون البطاطا والزراعة ومرض الملاريا تروسًا في حلقة تطورية مشتركة تدار وفقًا لاختيارات الإنسان الثقافية.

    منذ أن وضع العلم يده على نظرية الوراثة المزدوجة، مع بداية السبعينات من القرن الماضي، وفتح باب من التساؤلات حول كل الاختيارات الثقافية التي أجراها الإنسان، ولم يزل يقبل عليها حتى الآن؛ إذ يستمر التأثير الثقافي على تطورنا.

    وعلى الرغم من الرصد العلمي الموثق للحالات السابق ذكرها، إلا أن الكثير من الأسئلة الأخرى لم تزل محل الدراسة مثل تأثير على الاختيارات الثقافية في الملبس، وتأثيرها على التطور الجيني، وعادات النوم، وحتى الفنون التي يمارسها البشر، والمواد التي عليه أن يحتك بها لينتج تلك الفنون، كما يصعب على العلماء أيضًا التنبؤ بالتطورات الجينية التي قد تنتج عن اختياراتنا الثقافية الحالية، فهل مثلًا النزوع إلى ممارسة الرياضات العنيفة في بعض الثقافات يمكن أن يؤدي إلى تكييفات جينية للحماية من إصابات الرأس؟

    ما هو مؤكد في هذا الأمر أن الثقافة والتطور الجيني خطان لا ينفصلان في عملية تكوين الجينوم البشري، وحتى السبعينات كان فهمنا للتطور منفصلًا عن رصد تفاعله مع الثقافة البشرية، ولكن منذ ذلك الوقت أصبح واضحًا أن التطور البيولوجي والثقافي ليسا ظاهرتين منفصلتين، بل تفاعلات بعضهما البعض بطريقة معقدة،



    نظرية الوراثة المزدوجة


    Last edited by نجمة الجدي; 20-06-2021, 09:32.
    قال يماني ال محمد الامام احمد الحسن (ع) ليرى أحدكم الله في كل شيء ، ومع كل شيء ، وبعد كل شيء ، وقبل كل شيء . حتى يعرف الله ، وينكشف عنه الغطاء ، فيرى الأشياء كلها بالله ، فلا تعد عندكم الآثار هي الدالة على المؤثر سبحانه ، بل هو الدال على الآثار
Working...
X
😀
🥰
🤢
😎
😡
👍
👎