إعـــــــلان

Collapse
No announcement yet.

كتاب “ما لا يُمكن للمال شراؤه ، الجانب الأخلاقي للأسواق” - بروفسور مايكل ساندال

Collapse
X
 
  • Filter
  • الوقت
  • Show
Clear All
new posts
  • نجمة الجدي
    مدير متابعة وتنشيط
    • 25-09-2008
    • 5278

    كتاب “ما لا يُمكن للمال شراؤه ، الجانب الأخلاقي للأسواق” - بروفسور مايكل ساندال







    يناقش الكتاب إحدى أكبر المسائل الأخلاقية المطروحة على عالم اليوم والكامنة في الإجابة عن السؤال التالي : هل هناك ما يقلق في عالم كل شيء فيه معروض للبيع ؟ وإذا كانت الإجابة عن هذا السؤال بالنفي فهذا يطرح سؤالًا جوهرياً آخر مفاده : كيف يمكننا إذن أن نمنع انتشار قيم السوق في جميع مشارب الحياة ؟ بمعنى آخر ينبغي بحث “الحدود الأخلاقية للأسواق” ، كما يقول العنوان الفرعي للكتاب .. يبدأ المؤلف بطرح سلسلة أخرى من الأسئلة مثل : هل من الأخلاق دفع مبالغ مالية للبعض “مثل فئران التجارب” من أجل تجريب أدوية جديدة أو ربما لدفعهم إلى “التبرّع” بأعضائهم ؟ وهل من الأخلاقي بيع القبول في الجامعات الكبرى بالمزاد العلني ؟ وهل من الأخلاقي بيع المواطنة للمهاجرين الذين يبدون استعدادهم لدفع الثمن ؟ وأسئلة أخرى عديدة من نفس الطبيعة



    كتاب “ما لا يُمكن للمال شراؤه” لمحة سريعة

    what Money Can’t Buy: The Moral Limits of Markets


    كتاب يتحدث عن ما يُمكن تسميته بـ”الجانب الأخلاقي للأسواق”. يبدو لي بأن عنوان الكتاب يُفترض به أن يكون “ما يجب أن لا يكون المال قادرًا على شرائه” بدل “ما لا يُمكن للمال شراءه” لأنه ومثلما يبدو من مُختلف فصول وأمثلة الكتاب، استطاع المال خلال العقود الماضية شراء كل شيء حتى الأمور التي يُفترض بها أنها ليست قابلة للبيع أو أنه يُفترض أن يُنظر إلى شرائها وبيعها بنوع من الريبة.

    الكاتب هو مايكل ساندل، الفيلسوف والأستاذ المُحاضر في جامعة هارفارد والذي يُعتبر أحد أشهر أستاذة الفلسفة في الوقت الراهن، يهتم بشكل أساسي بفلسفة السياسة وأخلاقياتها. اشتهر بشكل كبير بعد نشره بشكل مجاني لسلسة دروس ألقاها في جامعة هارفارد تحت عنوان “العدالة: ما الذي يجب القيام به”* والذي حوّله بعدها إلى كتاب يحمل نفس الاسم. يُكرر نفس الأمر هذه المرة بسلسلة دروس أخرى حوّلها إلى هذا الكتاب الذي أكتب عنه اليوم.
    هدف ساندل من هذا الكتاب هو لفت الانتباه إلى نقطة مهمة، والمُتعلّقة بالتّحول الذي حدث خلال العقود الأخيرة في العالم بشكل عام وفي المُجتمع الأمريكي بشكل خاص، حيث انتقلنا -حسب الكاتب- من اقتصاد السوق إلى مجتمع يتحكم فيه السوق، أو إلى مُجتمع سوقي** (“سوقي” هنا لا تحمل نفس دلالة نفس الكلمة في عبارة “ألفاظ سوقية” مثلا بل هي إعطاء المُجتمع أوصاف وخصائص السوق مثل العرض والطلب).


    يشير الكاتب إلى أن المُجتمع أصبح خاضعا لمعايير السوق حيث أن هناك جوانب وأمورًا يفترض أن لا يكون للسوق فيها أي دخل، إلا أنها أصبحت قابلة للبيع والشراء. فعلى سبيل المثال، حضور جلسات المحكمة العُليا في الولايات المُتّحدة مفتوح للجميع ومجاني، وهو ما ينتج عنه وقوف لساعات عديدة في الطوابير الطويلة. بعد دخول مبادئ اقتصاد السوق هنا، نتج التالي: ظهور شركات خاصة بالوقوف في الطوابير توظف أشخاصًا (متشرّدين بشكل أساسي) للوقوف في تلك الطوابير، وبيع تلك الأماكن لمن يرغب فيها. صحيح بأن الجميع رابح في هذه القضية (من وجهة نظر اقتصاد السوق)، فالمتشرد الذي لم يكن له مدخول حصل على ما يسدّ به رمقه، والأماكن المحدودة في المحكمة سيحصل عليها من يرغب أكثر في الحصول عليها (من سيدفع أكثر). لكن في المُقابل أُخرِج الأمر من سياقه الطبيعي، فما كان في البداية حقًا للجميع (في حدود الأماكن المحدودة) ومُتاحًا بشكل مجاني أصبح سلعة تُباع وتُشترى.

    مثال آخر ضربه الكاتب وهو إعطاء مُقابل مادي للأطفال مُقابل قراءة الكُتب لحثّهم على القراءة. في حين أن عدد الكُتب التي قرأها الأطفال ارتفع، إلا أن ذلك لا يعني استفادة الأطفال مما يقرؤونه، خاصة لما يلجأ بعضهم إلى قراءة الكتب القصيرة (أو التي لن تفيدهم بالضرورة). مما يُحول علاقة الأطفال بالكتب من علاقة شغف وحب للاطلاع وزيادة المعارف إلى مُجرد أمر روتيني يجب القيام به للحصول على دولارات معدودات.
    فكرة أخرى يُحاول الكاتب دحضها والمُتعلقة بمبدأ “أن الأسواق مُحايدة ولا تؤثر على السلع المعروضة للبيع”. بعبارة أخرى إن حصلت منك على سلعة أيا كان السعر أو الطريقة التي حصلت بها عليها فإن السلعة لن تتأثر، وهي فكرة غير دقيقة (أو بالأحرى خاطئة) حسب الكاتب.

    فعلى سبيل المثال وبعد وقوع اختيار سويسرا على إحدى مدنها الصغيرة كمكان لتخزين الفضلات النووية الخاصة بالبلاد وبعد سبر آراء سكان تلك المدينة حول مدى قبولهم لتلك الفكرة، تبيّن أن 51 بالمئة من السكان وافقوا على ذلك إن قرر البرلمان بأن مدينتهم هي المكان الأنسب للقيام بذلك. في حين أن نسبة المُوافقين نزلت إلى 25 بالمئة فقط لما عُرض على نفس السكان مُقابل مادي شهري كبير نسبيا (في حدود 8000 دولار سنويا) مقابل نفس الخدمة. حيث ما كان يُنظر إليه على أنه واجب وطني يجب القيام به تحول إلى سلعة تُباع وتشترى، و”قُتِل” بذلك الحس الوطني مما غير طبيعة السلعة في حد ذاتها وتسبب في الرفض.

    لكن المثال الذي يلخصّ الفكرة بشكل جيّد، والذي يُمكن اعتباره أفضل مثال على الفساد الأخلاقي الذي تتسبب فيه الأسواق، وهو فساد قد لا يكون في الكثير من الحالات إصلاحه مُمكنًا هو التالي:
    في إسرائيل وفي إحدى المدارس الابتدائية، أرادت إدارة المدرسة أن تقضي على تأخر الأولياء مساء كل يوم في استرجاع أولادهم، حيث أنه ولدى تأخر ولي تلميذ ما، فإن على إدارة المدرسة أو على أحد معلميها أن ينتظر قدوم الوالد لاسترجاع ابنه أو ابنته. الحل الذي عمدت إليه الإدارة هو فرض غرامة مالية على كل تأخّر. في حين أنه من وجهة نظر اقتصاد السوق يُفترض بمثل هذا الإجراء أن يقضي على التّأخرات، كان له أثر عكسي، حيث زادت نسبة التأخرات أكثر، حيث لم يُعد يُنظر إلى التّأخّر على أنه إزعاج يجب تجنّبه، ولم يعد يُنظر إليه على أنه أمر يستوجب الخجل، بل أصبح مُجرد سلعة أخرى: “أنا أدفع لك مُقابل تأخري، وعليه سأتأخّر كلما رغبت في ذلك ولن أخجل من الأمر”. الأدهى والأمر هو أنّه وبعد إلغاء تلك الغرامات، لم ترجع نسبة التأخّرات إلى سابق عهدها، وإنّما بقيت مرتفعة كما وأن الغرامات لا تزال فعّالة، لأنه وبكل بساطة كُسر الحاجز النفسي السابق، وهو الحاجز الذي لم يكن إلغاء الغرامات كفيلًا بإصلاحه من جديد.

    يلقي الكتاب الضوء على نقطة أخرى في غاية الأهمية والتي تنتج عن هذه التغيرات، وهو اتساع الهوة ما بين طبقات المُجتمع. فإن كان بإمكانك الحصول على كل ما ترغب فيه (من سلع ومما لا يفترض أن يكون سلعًا) مقابل المال، فتصبح الطبقة الأغنى قادرة على الحصول على كل ما تريد حتى ولو لم يكن أخلاقيًا، وستضطر الطبقة الأكثر فقرًا لبيع تلك الخدمات مقابل مبالغ مالية. يُشير الكاتب إلى أنه في حين لا تشترط الديمقراطية لكي تُحقق المطلوب منها وجود مساواة ما بين جميع أفرادها، إلا أنها تفترض وجود نوع من “التخالط” والتبادل ما بين مُختلف طبقات المُجتمع، ويضرب مثالا بمدرجات الملاعب في أمريكا والتي كانت في ستينيات القرن الماضي تجمع الفقير والغني في مكان واحد، حيث يحصلون على نفس “تجربة المُستخدم”، فيجلس الجميع على نفس النوعية من المقاعد، ويأكلون نفس الشطائر ويشربون نفس المشروبات، بل حتى ويقفون في نفس الطابور للدخول إلى نفس دورة المياه. إلى أن الأمر تغير الآن، فيمكن للأغنياء أن يُشاهدوا مبارياتهم المفضلة في أماكن خاصة مُغلقة بعيدة عن “باقي البشر” ويقل الاحتكاك ما بين طبقات المُجتمع مما يُهدد مُستقبل الديمقراطيات الحديثة.

    كتاب أنصح الجميع بقراءته، يحمل العديد من الأفكار والمفاهيم الفلسفية التي يضعها في قالب يسهل على الجميع فهمها. ستلاحظ أيضا لدى قراءتك للكتاب بأن الكاتب لا يُحاول فرض فكرة بعينها (لا يقول مثلا بأن هذا هو الصواب وهذا هو الخطأ) بقدر ما يُحاول أن يستعرض الأفكار بأسلوب حضاري ويترك القارئ يخرج بالخلاصات التي يرغب فيها.
    إن رغبت في الاستزادة حول الأمر دون قراءة الكتاب، ألق نظرة على هذه الفيديو:


    ** مجتمع سوقي: Market Society
    قال يماني ال محمد الامام احمد الحسن (ع) ليرى أحدكم الله في كل شيء ، ومع كل شيء ، وبعد كل شيء ، وقبل كل شيء . حتى يعرف الله ، وينكشف عنه الغطاء ، فيرى الأشياء كلها بالله ، فلا تعد عندكم الآثار هي الدالة على المؤثر سبحانه ، بل هو الدال على الآثار
  • نجمة الجدي
    مدير متابعة وتنشيط
    • 25-09-2008
    • 5278

    #2
    رد: كتاب “ما لا يُمكن للمال شراؤه” - بروفسور مايكل ساندال

    في كتابه «ما لا يمكن شراؤه بالمال» تناول الفيلسوف والأستاذ في جامعة هارفارد «مايكل ساندل» علاقة المال بحياتنا وانتقد عالمنا الذي أصبح كل شيء فيه بثمن، فقد باتت الأسواق وقيمها تحكم حياتنا في سابقة لم تحدث أبداً من قبل، فيما تحولت الكثير من الأساسيات في حياتنا الاجتماعية إلى سلع لها مقابل. فاليوم هناك القليل من الأشياء التي لا يمكن شراؤها بالمال، حيث إن التفكير الاقتصادي أخذ يسيطر على الحياة العامة. فقد ارتفع في المجتمعات الرأسمالية الديموقراطية «المُعتقد السوقي» أو «انتصار الفكر السوقي»، بمعنى أن الأسواق والآلية السوقية أصبحت هي الأدوات الأولية لتحقيق الصالح العام، فالفكر السوقي قد هيمن على العلاقات الشخصية والحياة الأسرية، والصحة، والتعليم، والحياة المدنية، مما أدى إلى تآكل النسيج الأخلاقي للمجتمع، وهذا بالطبع ليس شيئاً جيداً من أجل الديموقراطية.

    مجتمع كل شيء فيه للبيع
    يتصور ساندل أن هذا يحدث لسببين: الأول يتعلق بانعدام المساواة، والآخر يتعلق بالفساد، فبالنظر إلى انعدام المساواة في مجتمع حيث كل شيء فيه للبيع، فإن الحياة ستكون أصعب بالنسبة لأولئك الاقل حظاً.

    إذا كانت الميزة الوحيدة للثراء تتمثل في القدرة على شراء اليخوت، والسيارات الرياضية، وقضاء العطلات الفاخرة، فإن انعدام المساواة في الدخل والثروة لن يهم كثيراً. ولكن عندما يقوم المال أكثر فأكثر بشراء النفوذ السياسي، والرعاية الصحية الجيدةـ ومنزل في حي آمن بدلاً من حي يُشتهر بالجريمة، فإن توزيع الدخل والثروة سيلوح في الأفق أكثر وأكثر، حيث أنه عندما يتم بيع وشراء كل الأشياء الجيدة فإن امتلاك المال يمكن أن يصنع كل الاختلافات في العالم.

    وهذا يُفسر السبب في أن العقود القليلة الأخيرة كانت صعبة خاصة على الفقير وعلى عائلات الطبقة المتوسطة، حيث أن تسليع كل شيء قد زاد من حدة انعدام المساواة بجعل المال أكثر أهمية.

    أمّا السبب الآخر الذي يجعلنا نتردد في وضع كل شيء للبيع -وهو أكثر صعوبة في وصفه- لا يتعلق بانعدام المساواة والإنصاف، ولكنه يتعلق بالميل الفاسد للأسواق، فوضع سعر للأشياء الجيدة في الحياة يمكن أن يُفسِدها، فالدفع للأطفال لكي يقوموا بقراءة الكتب يمكن أن يجعلهم يقرأوا أكثر ولكن يُعلّمهم أيضاً اعتبار القراءة كمهمة يقوموا بها من أجل الحصول على المال، بدلاً من اعتبارها مصدر للارتياح أو الرضا. كذلك فإن تأجير المرتزقة الأجانب لكي يقاتلوا في الحروب يمكن أن يحفظ حياة المواطنين ولكنه يُفسِد معنى المواطنة.

    يفترض الاقتصاديين غالباً أن الأسواق خاملة بمعنى أنها لا تؤثر على السلع التي يتم تبادلها، ولكن ساندل يري أن هذا غير صحيح، حيث يتصور أن الأسواق تترك بصمتها وتقتحم في بعض الأحيان القيم الغير سوقية التي تستحق الاهتمام بشأنها.

    بالطبع تختلف الناس بخصوص القيم التي تستحق الاهتمام بها، ولذلك لكي نقرر ما الذي يجب أن يشتريه المال، وما الذي لا يجب أن يكون قادر على شرائه، فعلينا أن نُقرِر ما هي القيم التي ينبغي أن تحكم المجالات المتنوعة للحياة المدنية والاجتماعية.

    وفي هذا الصدد يقول ساندل:

    عندما نقرر بأن سلع معينة يمكن أن يتم بيعها وشرائها فإننا نقرر على الأقل ضمنياً بأنه من المناسب أن نعاملهم كسلع، كأدوات للربح والاستخدام. ولكن لا يتم تقييم كل السلع بصورة صحيحة بهذه الطريقة. والمثال الأكثر وضوحاً هو الكائنات الإنسانية، فالعبودية كانت مُفزعة أو مُروعة لأنها عاملت الكائنات الإنسانية كسلع يتم بيعها وشراؤها في مزاد، فهذه التعاملات تفشل في تقييم الكائنات الإنسانية بطريقة مناسبة كأشخاص مستحقة للكرامة والاحترام بدلاً من كونهم أدوات للكسب وأشياء يتم استخدامها. شيء ما مُشابه يمكن أن يُقال للممارسات والسلع العزيزة، فنحن لا نسمح ببيع وشراء الأطفال في السوق حتى ولو لم يسئ المشتريين معاملة الأطفال الذين يقومون بشرائهم، فسوق الأطفال تُعزز طريقة خاطئة في تقييمهم، فمن غير المناسب اعتبار الأطفال سلع استهلاكية، ولكن يجب اعتبارهم كائنات مستحقة للحب والعناية. كذلك إذا تم استدعاؤك إلى هيئة المحلفين فلا يجوز لك استئجار بديل ليحل محلك، كذلك نحن لا نسمح للمواطنين ببيع أصواتهم حتى لو كان الآخرين حريصين على شرائهم. لماذا؟ لأننا نؤمن بأن الواجبات المدنية لا يجوز اعتبارها كملكية خاصة ولكن بدلاً من ذلك يجب رؤيتها كمسئوليات عامة. [1]
    هذه الأمثلة توضح نقطة أوسع: أن بعض الأشياء الجيدة في الحياة تفسد أو تنحط إذا تحولت إلى سلع، لذلك لكي نقرر أين تنتمي الأسواق وأين يحب أن تبقى بعيدة، علينا أن نقرر كيفية تقييم السلع في السؤال عن الصحة والتعليم، والحياة العائلية، والطبيعة، والفن، والواجبات المدنية. فهذه أسئلة أخلاقية وسياسية وليست فقط اقتصادية، ولحلها علينا أن نناقش المعنى الأخلاقي لهذه السلع والطريقة المناسبة في تقييمها.

    يقول ساندل أن هذا النقاش لم نتناوله خلال عصر انتصار الأسواق، ونتيجة ذلك فقد تحولنا من «امتلاك اقتصاد السوق» إلى «مجتمع السوق». الاختلاف هو أن: «اقتصاد السوق» يتعلق بتنظيم الأنشطة الإنتاجية، أمّا «مجتمع السوق» فهو طريقة في الحياة حيث تتسرب القيم السوقية إلى كل جوانب الحياة الاجتماعية، إنه مكان حيث العلاقات الاجتماعية قد انتهت إلى صورة سوقية. [2]

    النقاش المفقود في السياسات المعاصرة يتعلق بوصول الأسواق الي مناطق من الحياة لا يجب أن يكون لها فيها وجود. هل نحن نريد اقتصاد سوق أم مجتمع سوق؟ ما الدور الذي يجب أن تلعبه الأسواق في الحياة العامة والعلاقات الشخصية؟ وكيف نقرر ماهية السلع التي يجب أن يتم بيعها وشرائها؟ وأيّ منها يجب أن تكون محكومة بقيم غير سوقية؟

    إعادة التفكير في دور الأسواق
    يري ساندل أن عصر انتصار الأسواق قد وصل إلى نهاية مدمرة، والآن يجب أن يكون وقت الحساب الأخلاقي، ولكنه يؤكد أن الأمور لا تسير على هذا النحو. حيث أن النقاش الجاد حول تقييم عصر الأسواق يظل غائب بصورة كبيرة عن حياتنا السياسية، فكلاً من الديموقراطيين والجمهوريين في الولايات المتحدة يتناقشون فقط -كما فعلوا منذ فترة طويلة- حول الضرائب والإنفاق والعجز في الميزانية. وبالتالي فإن خيبة الأمل في السياسة قد تعمقت مع تزايد شعور المواطنين بالإحباط، بسبب عدم قدرة النظام السياسي على العمل من أجل الصالح العام، أو معالجة الأسئلة التي تهم أكثر.

    يقول ساندل إنه في الوقت الذي تتشكل فيه المحاورات السياسية أساساً في الصياح في البرامج الحوارية على شاشات التليفزيون أو الراديو أو المعارك الأيديولوجية في الكونجرس، فإنه من الصعب أن نتصور نقاشًا عامًا معقولاً بخصوص هذه الأسئلة الأخلاقية كطريقة صحيحة في تقييم قضايا الإنجاب والتعليم والصحة والبيئة والمواطنة وغيرها. ولكن يؤمن ساندل بأن هذا النقاش ممكن، وأن هذا يمكن أن يُنعِش حياتنا العامة. فالنقاش حول الحدود الأخلاقية للأسواق ربما يمكننا من أن نقرر كمجتمع متى تخدم الأسواق الصالح العام ومتى لا تنتمي. إنه يمكن أن ينعش سياساتنا من خلال الترحيب بالتصورات المتنافسة للحياة الصالحة في المجال العام. [3]

    بالكاد يكون من المنطقي التحدث عن فساد نشاط مثل الأبوة أو المواطنة، ما لم نفكر بأن طرقًا معينة لكي تكون أبًا أو مواطن هي أفضل من غيرها، فنحن لا نسمح للآباء ببيع أطفالهم أو للمواطنين ببيع أصواتهم والسبب في عدم سماحنا بذلك هو أننا نؤمن بأن بيع هذه الأشياء يُقيِّمها بطريقة خاطئة ويغرس عادات سيئة.

    فالتفكير في الحدود الأخلاقية للأسواق يجعل هذه الأسئلة لا مفر منها، إنه يتطلب أن نفكر معاً في المجال العام حول كيفية تقييم السلع الاجتماعية التي نُثمِّنها، وسيكون من الحماقة أن نتوقع أن تؤدى المناورات العامة الأكثر قوة من الناحية الأخلاقية -حتى في أفضل حالاتها- إلى الاتفاق على كل مسألة محل خلاف، ولكن ربما ستجعل حياتنا العامة أكثر صحة، وستجعلنا أكثر وعياً بالسعر الذي ندفعه من أجل العيش في مجتمع كل شيء فيه للبيع.

    المراجع
    Michael Sandel, “What money can’t buy? The moral limits of markets”, Farrar Straus and Giroux, New York, 2012, p15:25.
    Michael Sandel, “What money can’t buy? The moral limits of markets”, Farrar Straus and Giroux, New York, 2012, p28.
    Michael Sandel, “What money can’t buy? The moral limits of markets”, Farrar Straus and Giroux, New York, 2012, p29.
    قال يماني ال محمد الامام احمد الحسن (ع) ليرى أحدكم الله في كل شيء ، ومع كل شيء ، وبعد كل شيء ، وقبل كل شيء . حتى يعرف الله ، وينكشف عنه الغطاء ، فيرى الأشياء كلها بالله ، فلا تعد عندكم الآثار هي الدالة على المؤثر سبحانه ، بل هو الدال على الآثار

    Comment

    • نجمة الجدي
      مدير متابعة وتنشيط
      • 25-09-2008
      • 5278

      #3
      رد: كتاب “ما لا يُمكن للمال شراؤه” - بروفسور مايكل ساندال

      «عن كتاب ما لا يستطيع المال شراءه»
      تصوّر طابوراً طويلاً من الأشخاص الواقفين للحصول على تذاكر حفلة ما، أو لانتظار تفقّد جوازات سفرهم في المطار. مجرّد التفكير في هذا الأمر يرهق الخيال، فكيف إن كنت مضطراً للوقوف في هذا الطابور؟ ومن هو الذي فضّل الشخص الأول في الطابور؟ هل لمجرد وصوله أولاً يجب ألّا يعاني ممّا أعاني؟

      حسناً. تصوّر الآن أنّ بمقدورك أن تدفع المال لقاء تخطي هذا الطابور والحصول على النتيجة ذاتها ؟ هل سيكون هذا صائباً؟ بالتأكيد سيكون صائباً إن كان بمقدوري تحمّل هذه الكلفة. لكنّه في الوقت ذاته سيكون أمراً مزعجاً لذاك الشخص الذي وصل أولاً وليس بمقدوره تحمّل الكلفة، فسيضطر عندها أن يقف خلفي وينتظرني حتّى أفرغ، ولن يفيده نشاطه بالقدوم في وقت أبكر. لكن حتّى إذا افترضنا أنّ لديّ أنا وهذا الشخص القدرة نفسها على تحمّل تكاليف تخطي الطابور، أليس مجرّد استبدال قاعدة تنظيمة غير سوقية، كالطابور بقاعدة تحكمها الأسواق كالمال أمرٌ مخزٍ ومفسد للقيم التي تزرعها ثقافة الطابور لدينا؟

      الأمثلة في الأعلى هي جزءٌ من كتاب ما لا يستطيع المال شراءه لمؤلفه الفيلسوف «مايكل ساندل»، وهو الذي لا ينفكّ عبر الكتاب يُسقط هذه التساؤلات على حالات واقعية تظهر تزايد تحكّم «قيم السوق ومنطقه» في أمور حياتنا التي كانت محكومة من قبل بقيم غير سوقية.

      لكنّ ساندل لا يبخس الأسواق حقّها، ولا يتحمّس لها في الوقت ذاته، فبحسب قوله: «ليس هناك سبب لافتراض أنّ أحد المعايير، الطابور أو المال، يجب أن يحكم تخصيص البضائع جميعها» .

      لكنّ هذ الكتاب الممتع والمنشّط للعقل لا يقتصر على مسألة الطوابير وحسب، بل هو مليء بالأمثلة عن النزعة التجارية، التي باتت تملأ العالم، ومن بينها بيع الإعلانات على سيارات الشرطة في الولايات المتحدة وبريطانيا، وسمسرة التذاكر في مشافي بكين العامّة، ودفع النقود للنساء المدمنات على المخدرات كي يعقمن أنفسهن في الكثير من الدول حول العالم، والكثير من الأمثلة التي قد نراها تمادياً وتعدياً لقيم السوق، على القيم الاجتماعية السائدة غير السوقية.

      يعارض ساندل بشدّة الاتجاه الاقتصادي الحديث نسبياً، الذي يعتبر أنّ القواعد والنظريات الاقتصادية قادرة على تنظيم وحكم جميع العلاقات البشرية. ويؤسس اعتراضه بدءاً من مسألة العدالة والظلم، وصولاً إلى الاعتراض القائم على إفساد الأمر محل التعامل نفسه. وهو يقول في هذا المجال: «يمكن لوضع ثمنٍ للأشياء في الحياة أن يفسدها. هذا لأنّ الأسواق لا تقوم بتخصيص البضائع وحسب، بل تقوم بتعزيز مواقف معينة تجاه الأشياء محل التبادل».

      الحقيقة إنّ الأسواق قد تقود إلى نتائج تحسّن الرفاه، لا يعني بالضرورة نجاحها في تزويدنا بالقيم المدنية. يحاجّ ساندل، بأنّ سوقاً عالمية لتبادل الحقّ بالتلويث أمرٌ غير مقبولٍ أخلاقياً، وذلك حتّى لو أدّى إلى تخفيض الانبعاثات. ذلك أنّه سيعطب «معيارين اثنين: فهي ترسّخ موقفاً معادياً للطبيعة، وتقوّض روح المشاركة في التضحية، الضرورية لخلق أخلاق بيئية عالمية».

      كذلك يتناول الكتاب جوانب لتمدد الأسواق، يعتبرها الاقتصاديون نافعةً، ويحاجّ الكاتب في أنّها مفسدة. مثل: مجال العمل الذي يصفه ساندل «بالمراهنة على الموت»، والذي وصل الأمر بالتفكير السوقي أن اقترحت بعض الإدارات الحكومية إدارة بعض هذه الرهانات من أجل حماية الأمن القومي. أو مثل: حقّ الشركات بعقد بوالص تأمين على حياة موظفيها، وعائلاتهم في بعض الأحيان، دون أخذ موافقتهم حتّى؟

      يعرض الكتاب بشكل يليق بفيلسوف ومفكّر رفيع الطراز، كيف أنّ السماح لمعايير السوق بحكم نواحٍ من حياتنا المدنية سيسمح للشركات والاستغلاليين بتحقيق المزيد من المال، وذلك دون حتّى تقديم خدمة اجتماعية تجعلنا نغضّ الطرف عن فداحة بعض هذه الممارسات. مثال: نقبل التأمين على الحياة مع أنّه يضع قيمة نقدية على حياة الإنسان لكونه يقدّم خدمةً اجتماعيةً للأسرة التي توفي معيلها، وذلك بالحؤول دون انهيارها المالي. لكنّ الكتاب يعرض لنا كيفية تحوّل التأمين على الحياة إلى وسيلة للتكسّب تجعل شخصاً لا مصلحة تأمينيةً له ينتفع من موت المؤمّن عليه، وبعدها تتشعّب التجارة لتصبح «تسويات على الحياة» ورهانات على الموت، ولتصل بعدها إلى قيام المؤسسات المالية بالاستفادة منها وبيعها وشراءها وعقد تأمينات عليها، والذي قد يوصلنا إلى أزمة مالية كالتي حصلت في عام 2008 بسبب الرهن العقاري. يقول ساندل: «نقرر في بعض الأحيان أن نتعايش مع ممارسات السوق المتآكلة أخلاقياً، في سبيل الصالح العام الذي تحققه. بدأ التأمين على الحياة كحلٍ وسطٍ من هذا النوع. فلحماية العائلات والأعمال من الأخطار المالية للوفاة المبكرة، توصلت المجتمعات على مضض خلال القرنين الماضيين، إلى السماح لأصحاب المصلحة التأمينية بحياة الشخص بالرهان على موته. لكن أثبت إغواء المضاربة بأنّه يصعب احتواؤه... تبعاً لشرعنة سوقٍ هائلة في الحياة والموت اليوم، فقد بدت الجهود الجبارة للتفريق بين التأمين والقمار غير مكتملة. فبينما تتجه وول ستريت بسرعة نحو تجارة سندات الموت، فإننا نعود إلى عالم التحلل الأخلاقي لمقهى لويد في لندن، مع فارق أنّ الرهانات على الموت ومصائب الغرباء تبدو مثيرة عند المقارنة».

      ويختم كتابه بالقول: «وفي النهاية، إنّ الأسئلة حول الأسواق هي حقّاً أسئلةٌ عن الكيفيّة التي نريد بها أن نعيش مع بعضنا البعض. هل نريد مجتمعاً كلّ شيء فيه للبيع؟ أو هل هناك بضائع أخلاقية ومدنية محددة لا تقوم الأسواق بتشريفها، ولا يمكن للمال شراؤها؟».
      قال يماني ال محمد الامام احمد الحسن (ع) ليرى أحدكم الله في كل شيء ، ومع كل شيء ، وبعد كل شيء ، وقبل كل شيء . حتى يعرف الله ، وينكشف عنه الغطاء ، فيرى الأشياء كلها بالله ، فلا تعد عندكم الآثار هي الدالة على المؤثر سبحانه ، بل هو الدال على الآثار

      Comment

      Working...
      X
      😀
      🥰
      🤢
      😎
      😡
      👍
      👎