إعـــــــلان

Collapse
No announcement yet.

كتاب الطوطم والتابو - سيجموند فرويد

Collapse
X
 
  • Filter
  • الوقت
  • Show
Clear All
new posts
  • نجمة الجدي
    مدير متابعة وتنشيط
    • 25-09-2008
    • 5278

    كتاب الطوطم والتابو - سيجموند فرويد







    كتاب الطوطم والتابو - سيجموند فرويد

    يقوم فرويد بتحليل الظاهرات الاجتماعية الكبرى في الديانات البشرية مثل الديانات الطوطمية والأرواحية البدائية, والمؤسسات الجماعية الحديثة الكبرى من الجيش والكنيسة, والأيديولوجيات المعاصرة مثل النازية والماركسية, لينتهي إلى دراسة علاقة الإنسان بالموت من خلال ظاهرة الحروب التي لا تزال رفيق درب دائم للبشرية منذ الأزمنة ما قبل التاريخية إلى يومنا هذا رغم كل التقدم الموصوف بأنه حضاري.

    رابط تحميل الكتاب
    قال يماني ال محمد الامام احمد الحسن (ع) ليرى أحدكم الله في كل شيء ، ومع كل شيء ، وبعد كل شيء ، وقبل كل شيء . حتى يعرف الله ، وينكشف عنه الغطاء ، فيرى الأشياء كلها بالله ، فلا تعد عندكم الآثار هي الدالة على المؤثر سبحانه ، بل هو الدال على الآثار
  • نجمة الجدي
    مدير متابعة وتنشيط
    • 25-09-2008
    • 5278

    #2
    رد: كتاب الطوطم والتابو - سيجموند فرويد

    فرويد ومسألة أصل الدين .

    عُرف فرويد بإعطائه قيمة كبرى لدور الليبيدو في حياة الإنسان ، وتطوره ، وتشديده على الدور الرئيسي للانجراحات الناتجة عن أسباب جنسية وغير مدركة لدى الانسان البالغ ، وبالقيام في التحليل النفسي بنقد الأحلام والأفعال المنقوصة والمكبوتات لكشف الآثار الخفية لأي حادثة ، وتسكين الأوجاع الإنسانية المتألمة . وانطلاقًا من هذا الأصل العلاجي فإن التحليل النفسي لفرويد يحتفظ بخاصيته ، حتى في تأويل المسألة الدينية ، أو لنقل هو يطبق منهجه في التحليل النفسي على مسألة أصل الدين .

    اهتمام فرويد بمسائل الدين والحضارة برز مع صدور كتابه ” الطوطم والحرام” ، الذي حاول فيه دراسة جذور الأديان البدائية ، وكذلك البدايات الأولى للحياة الاجتماعية الأولى، وعلاقة ذلك بعقدة أوديب ، التي يراها أصل كل حاجة دينية ، فهي تشكّل انطلاقة أفكاره حول هذه المسائل ، بل حجر التحليل النفسي عمومًا ، حتى إنه يعتبر أن ما يميّز خصوم التحليل النفسي عن أنصاره هو الأهمية التي يعلّقـها أنصاره على هذه المسألة.

    ثم هو في كتابه “مستقبل وهم” يقابل بين الدين كوهمٍ وبين العلم الذي يعتبره البديل المناسب ، وفي كتابه ” قلق في الحضارة ” يرجع لهذا الموضوع، محاولًا استكشاف الحاضر عبر تجاوز الماضي.

    وأبعد ما ذهب إليه كان في آخر كتبه: “موسى والتوحيد” في بحثه عن حقيقة تاريخية موضوعية يُعرف من خلالها الأساس الواقعي عن للدين.

    يرى فرويد – المتأثر هنا في انطلاقته بفرضية أتكنسون – أنّنا إذا تتبّعنا التطور التاريخي الذي قطعته البشرية سنجده يرجع لقبيلة بدائية تشبه تجمعات الحيوانات، يحكمها زعيمٌ واحدٌ قويٌّ، يخضع له جميع الأبناء، في ذات الوقت الذي يحتكر فيه النساء لنفسه، ويقضي بأعمال قاسية لمن يحاول منازعته في امتلاك النساء.. لكن الأبناء اجتمعوا على الانتقام من الأب، بقتله، ثم التهامه ، وبفعل هذا الالتهام تحقق تماهيهم مع الأب، ليضعوا بذلك حدًّا للأسرة البدائية .

    وفرويد يعتقد أن الإخوة الذين وحّدوا كلمتهم ليفتكوا بالأب، لا بدّ أنه قد راودت كل واحد منهم الرغبة في أن يصير مثل الأب، لهذا سعوا لإشباع هذه الرغبة بابتلاعهم له، لكن هذه الرغبة لم تُشبع بسبب ضغط روابط العشيرة الأخوية على كل فرد من أفرادها .

    وهؤلاء الأبناء الذين تمردوا على أبيهم والتهموه، كانوا يخضعون لمشاعر مزدوجة للعقدة الأبوية؛ إذ كانوا يكرهونه، نتيجة اعتراضه بعنف تجاه حاجتهم إلى تحقيق القوة وتلبية مطالبهم الجنسية، لكنهم في ذات الوقت يحبونه ويمجدونه.. ونتيجة قتلهم إياه وتماهيهم معه بالتهامه، صدرت عنهم إزاءه دلالات حب ، نشأ على أساسها شعور بالذنب والندم ، مما دفعهم إلى تخليد صورة الأب على شكل طوطم ، معلنين تحريم قتله كنائب للأب .

    كما أن ما قد حرّمه الأب في السابق، بمجرد وجوده بالذات، باتَ الأبناء يحرّمونه على أنفسهم، بسبب “الطاعة المُرجأة “، وقد تنصلوا من فعلتهم بتحريم قتل الطوطم ، وتخلوا عن رغباتهم الجنسية في النساء ذوات القربى، وفرضوا تحريم زنا المحارم، وتشريع قانون الزواج الخارجي.

    يُماهي الأبناء في مخيلتهم الأب المقتول مع الحيوان الطوطمي وهم يمتنعون عن قتله ويعتقدون أنّ هذا الحيوان هو الجدّ الحقيقي للعشيرة، وهو حاميها، وهو خيرٌ تجاه سلالتها.

    فمن هذه الحادثة نشأت أقدم المحظورات المحرّمة وأهمها إطلاقًا تتمثل بالقانونين الأساسيين للطوطمية : عدم جواز قتل الحيوان الطوطم، وتحاشي العلاقات الجنسية مع المنتمين لنفس الطوطم .

    وهذه المحظورات منسجمة مع الرغبات المقموعة لعقدة أوديب؛ فعقدة أوديب مثلت من ناحية الرغبة في إقامة علاقة محرمة مع الأم ، كما مثلت نزعة عدوانية مدمرة هي قتل الأب وإزاحته من ناحية ثانية، وهي عند فرويد تجسد أساس نشأة المجتمع والأخلاق والدين، وهي المحرك للتاريخ.

    والطوطمية تنطوي منذ ذلك العهد على سمة أساسية دائمة هي الازدواجية الوجدانيّة المبطنة للعقدة الأبوية أو الوالدية، والتي ظلت قائمة فيها. فهي لا تشتمل فقط على مظاهر الندم والتوبة وعلى محاولات التصالح، بل تفيد في صيانة ذكرى انتصار الأبناء على الأب.

    وتتميز علاقة الفرد بالطوطم بأنّها علاقة تفاعلية تبادلية، فالطوطم روح حامية للإنسان والعشيرة ، والإنسان يعبر عن احترامه له بعدة صور، كالامتناع عن أكله إن كان حيوانًا، أو قطفه إن كان نباتًا، وهو يحمل مع جماعته اسم طوطمهم ، كما أنّه يحظر زواج أعضاء الجماعة الطوطمية ممن ينتمون لنفس الجماعة، ويعاقب من يفعل ذلك عقابًا قاسيًا كالموت بالنسبة للرجل، والعض والطعن بالرماح حتى الموت بالنسبة للمرأة، فاعتبار الطوطم هو الجد الأول يؤخذ على محمل الجد في هذا الحظر، فجميع المنحدرين من طوطم واحد متّحدون بالدم.

    وهكذا، فإن الطوطمية نظام ديني واجتماعي في آن ، فمن الناحية الدينية هناك حظر بقتل الطوطم، ومن الناحية الاجتماعية حظر باقتتال الإخوة .

    ويتعلق بما سبق مفهوم التابو ، ويعني الحظر والتحريم، فإنّه ينطوي على دلالتين متعارضتين، من جهة أولى: دلالة الشيء المقدس والمكرس، ومن جهة ثانية: دلالة الشيء المقلق، الخطر، الممنوع، المدنس. وبتعبير آخر: يشتمل التحريم في تعيينه على: الطابع المقدس أو المدنس للأشخاص والأشياء؛ ونوع التحريم الذي يترتب على هذا الطابع؛ والنتائج المقدسة أو المدنسة التي تنجم عن انتهاك هذه الحظر.

    يقول فرويد : إن التقييدات الحرمية ليست شيئًا واحدًا والتحظيرات الخلقية أو الدينية الخالصة. فهي لا ترد إلى أمر إلهي، بل تفرض نفسها من تلقاء نفسها، وأما ما يميزها عن المحظورات الخلقية فهو أنها لا تؤلف جزءًا من نظام يعتبر الاستنكافات والامتناعات ضرورية بصفة عامة ، فالمحظورات الحرمية لا تستند إلى أي سبب أو اعتبار، وأصلها مجهول، ولئن بدت غير مفهومة لنا، فهي تبدو طبيعية لأولئك الذين يحيون تحت سلطانها .

    وهو يخلُص بعد مقارنة بين الحرام والعصاب إلى أن الحرام محظور سحيق القدم، مفروض من الخارج، من قبل سلطة ما، وموجّه ضد أقوى رغبات الإنسان، والميل إلى انتهاكه يظل قائمًا في لاشعوره .

    ويتناول فرويد مسألة تطور الطوطمية إلى فكرة الإله، فيرى من خلال التحليل النفسي أنّ إله كل إنسان هو صورة أبيه، وأن الإله ليس في صميمه سوى أبٍ ذي مكانة أكثر رفعة. فالأب يكون ماثلًا في التضحية البدائية: كإله أولًا، وكحيوان للتضحية ثانيًا. وتقوم بين الإله والطوطم علاقات متعددة الوجوه، فيفترض أنّ الإله نفسه كان الحيوان الطوطمي الذي منه تولّد كإله في طور أعلى من تطور العاطفة الدينية. وفي زمن لاحق، فقدَ الحيوان صفته المقدّسة، واضمحلّت العلاقات بين التضحية والعيد الطوطمي، وأصبحت التضحية مجرّد تكريم يؤدى للإله، فعل تجرّد وتنازل وعزوف لصالحه؛ فالإله أصبح من الآن فصاعدًا متعاليًا على البشر إلى حدٍ لم يعد معه من سبيل إلى التواصل معه إلا بواسطة الكهنة .

    إذن ، وفق فرويد بدأت الحضارة البشرية بحادثة قتل الأب، ونهض المجتمع على أساس هذه الخطيئة المشتركة، على أساس جريمة اقترفت بالتكافل، وسينهض الدين على أساس الشعور بالذنب والندامة، وستنهض الأخلاق على أساس ضرورات هذا المجتمع من جهة أولى، وعلى أساس الحاجة إلى التكفير المتولدة عن الشعور بالذنب من الجهة الثانية .

    والحضارة المعاصرة إنما تقوم على ما يكمن في داخل كلّ فرد ، وبصورة لا واعية، من شعور بالذنب والندم على الجريمة الأولى التي ارتكبت في تاريخ البشرية ؛ ففرويد ينطلق من الأسرة المنضوية تحت لواء الأبّ ليصل إلى التطور التاريخي للحضارة كلها.

    ولأن فرويد يفسر نشأة الدين تفسيرًا نفسيًا انطلاقًا من عقدة أوديب، يرى أنه بعد قتل الأب جاء الشعور بالذنب والتوبة، فوضع الطوطم بديلًا له، فنشأ الدين على شكل الطوطمية، ثم تطور بعد ذلك.

    وهو يفسره من التحويل النفسي باستبدال موضوع الكراهية والتعلق بآخر. فقد كان الموقف النفسي الناشئ عن القضاء على الأب ينطوي على عنصر، كان لا بدّ أن يؤدي مع مرور الزمن إلى تعزيز خارق للمألوف، لحب الأب .

    وهذا الحب المتيقظ دائمًا للأب يماثل دلالتين متتاليتين للواقعة التي قدمت تعبيرًا عن الموقف الازدواجي من الأب، وعن انتصار عواطف المحبة لدى الأبناء على العواطف العدائية. لقد قدمت هزيمة الأب ومذلته المواد لتشييد تصور انتصاره النهائيّ ؛ والدلالة التي اكتسبها ، بصفة عامة ، تكمن في أنّ الفعل نفسه الذي أفاد في إذلال الأب أصبح يفيد في تعويضه وترضيته عن هذا الإذلال من خلال تخليد الذكرى .

    وفي ربط فرويد بين تطور الحضارة وبين نشوء الدين ، قد فسر العقائد الدينية ودور الدين من خلال تطور الحضارة ..فسيرورة انتقال البشرية من النزعة الجنسية البدائية الحرّة إلى الحضارية، قامت على قمع رغبات الإنسانية اللاواعية، وطالبته بتقديم التضحيات.

    وعن تعاسة الإنسان في ظل هذه الحضارة يقول: ” كان الإنسان البدائي محظوظَ القسمةِ في الواقع؛ لأنه ما كان يعرف أي تقييد لغرائزه، وبالمقابل كان اطمئنانه إلى التمتع مطولًا بمثل هذه السعادة واهيًا للغاية. وقد قايض الإنسان المتحضر قسطًا من السعادة الممكنة بقسط من الأمان. لكنّ الزعيم في الأسرة البدائية كان هو وحده الذي كان يتمتع تلك الحرية الغريزية، أما الباقون فكانوا يقاسون في أغلال الرقاق من اضطهاده” .

    والدور الأساس الذي قام به الدين هو أنّه خدم الحضارة في كبح وقمع نزوات ورغبات الإنسان، كما أنه قام أيضًا بتقديم الإشباع الذي يعوض الصعوبات التي تطلبتها الحضارة. فللدين دورٌ تعويضي وتخفيفي لآلام الإنسان واستلابه، عبر ما يقدمه من رجاءٍ وعزاء، وعونٍ على وطأة الحياة وقسوتها، لكنه يرى أنه لم يبعد أكثر من ذلك.

    وعن إسهامه هذا في الحضارة ، يقول: ” أدى الدين بلا جدال خدمات جليلة للحضارة، وأسهم واسع الإسهام في ترويض الغرائز اللااجتماعية، لكن ما أمكن له أن يغذ السير بعيدًا إلى حد كافٍ في هذه الوجهة، فقد حكم المجتمعات البشرية طوال ألوف من السنين، وأُتيح له الوقت الكافي لإظهار ما هو قادر على تحقيقه، ولو حالفه التوفيق في توفير أسباب السعادة لغالبية البشر، وفي تعزيتهم والمؤالفة بينهم وبين الحياة، وفي تحويلهم إلى ركائز للثقافة والحضارة، لما عنّ ببال أحد أن يتطلع إلى تغيير في وضع الأشياء الراهن ” .

    ويضيف ” ولكن، ماذا نرى بديلًا عن ذلك؟ فثمة عدد هائل من الناس مستاؤون ومتذمرون من الحضارة، تاعسون بسببها لا يحسون بها إلا كنير ينبغي خلعه… إن الكهنة ما وجدوا سبيلًا إلى حمل الجموع على الاستمرار في الانصياع للدين إلا على حساب تلك التنازلات الكبرى لصالح غرائز الآدميين” .

    وعن مهمة الدين أيضًا يقول : ” تحتفظ الآلهة بمهمتها الثلاثية التي يفترض فيها أن تؤديها: تعزيم قوى الطبيعة ، مصالحتنا مع قسوة الأقدار كما تتجلى في الموت بشكل خاص، وأخيرًا تعويضنا عن الآلام والأوجاع التي تفرضها حياة المتمدنين المشتركة على الإنسان. هكذا ، ينسب أصل إلهيّ إلى أنظمة الحضارة، فترفع إلى مستوى من الرفعة يتخطى المجتمعات البشرية، وتسحب على نظام الطبيعة وتطور الكون. على هذا النحو، تتكوّن ذخيرة من الأفكار، وليدة الحاجة إلى تلطيف الضائقة التي كان عليها الإنسان في طفولته الأولى كما في طفولة الجنس البشري… الإنسان يدرك بفضل هذه المكتسبات، بأنه محميٌّ من جانبين: من جهة أولى من أخطار الطبيعة والقدر، ومن الجهة الثانية من الأضرار التي يتسبّب فيها المجتمع الإنساني” .

    وفرويد يبيّن الطريق التي تربط الدافع العميق، وهو العقدة الأبوية بضائقة البشر وحاجتهم إلى الغوث. فهي تتكوّن من الضائقة الطفلية بالضائقة الراشدية التي هي امتداد لها. يبحث الطفل في الأب عن الدعم التأييد ، أي عن دور الأب الأشد قوّةً وبأسًا، ويبقى هذا الدور من الأب على امتداد الطفولة.

    “حين يتبين الطفل وهو يشب ويترعرع، أنه مقضيّ عليه بأن يبقى أبد حياته طفلًا، وأنه لن يكون في مقدوره أبدًا أن يستغني عن الحماية من القصوى العليا والمجهولة، يضفي عندئذٍ على هذه القوى قسمات وجه الأب، ويبتدع لنفسه آلهة يخشى جانبها ويسعى إلى أن يحظى بعطفها ويعزو إليها في الوقت نفسه مهمّة حمايته. هكذا، يتفق حنين الطفل إلى الأب مع ما يشعر به من حاجة إلى حماية بحكم الضعف البشري، كما أنّ رد فعل الطفل الدفاعي تجاه شعور الضيق يتفق مع رد فعل الراشد تجاه الشعور بالضيق الذي يخالجه بدوره، والذي يتولد عنه الدين وسماته المميزة” .

    بعبارات مقتضبة :الدين ما هو إلا تكرار أبديّ للحنين إلى الأب. انجراح منسي أثناء فترة كمون ، يعاود الظهور تحت شكل عقدة أبٍ مهيب .

    وعليه ، فإن فرويد يربط الحاجات الدينية بحالة التبعية الطفلية، وهو يضيف إلى هذا دلالات تاريخية، فقد تخلّص الأبناء في بداية التاريخ الحضاري للإنسانية من الأب بالعنف، وكردّ فعل قرّروا احترامه واتباع ارادته ومشيئته، ولهذا دلالته، وهو أن: تراث الأفكار الدينية لا ينطوي على تحقيق لرغبات فحسب، بل أيضًا على تذكارات تاريخية هامّة. فما أعظم وأوسع السلطان الذي سيتقلده الدين بنتيجة هذا التعاون بين الماضي والمستقبل.

    وفرويد يؤكد أن الطفل البشري لا يستطيع إكمال تطوره وارتقائِه نحو الحضارة من دون المرور بمرحلة تتفاوت حدة حالة العصاب فيها، وهذا يتأتّى من أن الطفل عاجز عن أن يقمع بعمل ذهني عقلي ذلك القدر الكبير من نزواته الكامنة فيه، وعليه أن يتغلب عليها ويكبتها بمحرك الخوف. ومعظم ضروب العصاب تختفي تلقائيًّا حين يكبر الطفل . وهو يفترض أن البشرية تمرّ بجملتها أثناء تطورها وارتقائها بحالات مشابهة للعصاب، وللأسباب ذاتها، لا تستطيع البشرية، في عصور الجهل والضعف الفكري التي اجتازتها في البداية، تحقيق التخلي عن الغرائز، هذا التخلي الضروري للحياة المشتركة للناس، إلا بفضل قوة وجدانية خالصة .

    وهكذا، بحسب فرويد ، يكون الدين عصابًا وسواسيًّا عامًّا للبشرية، ناجمٌ مثل عصاب الطفل من عقدة أوديب. فعنده نواة الأوديب ، موجودة في مصدر العصاب وأصل الثقافة ؛ فالإنسان، والإنسانية برمّتها منظورًا إليها بوصفها إنسانًا واحدًا، يحملان ندبة ضرب من قبل التاريخ ، شطبها اعتلال الذاكرة ، ضرب من تاريخ قديم جدًا لغشيان المحارم وقتل الأب .

    وهو ينطلق ، كما يشرح بول ريكور ، من الموازاة بين ظاهرات مراعاة الشريعة الدينية وطقسيّ العصاب الوسواسي ( الرغبة والرهبة ) ، وهذه الموازاة أتاحت له، على مجرد المستوى الوصفي والعيادي، أن يسمي الدين “عصاب الإنسانية الوسواسي الكلي”. وكتاب الطوطم والتابو إنما يتصور إسقاط القوة الكلية للرغبة في الوجوه الإلهية، خلال العمر النرجسي لليبيدو، تصورًا على نمط الذهان الهذائي. ويرى أيضًا في الدين ذلك الملجأ لكل الرغبات المقموعة في الفرد ( كره، غيرة، حاجة إلى الاضطهاد…) .

    وعن طبيعة الأفكار الدينية التي نشأت يرى فرويد أن هذه الأفكار الدينية إنما تطرح نفسها على أنها معتقدات، لكنها ليست خلاصة تجربة أو نتيجة تأملات، إنما: توهمات ، تحقيق لأقدم رغبات البشرية وأقواها، وسر قوتها هو قوة هذه الرغبات. ومن مقدمات المنظومة الدينية التي يفترضها، أجوبة على الأسئلة التي يطرحها الفضول البشري على نفسه بصدد الألغاز التالية: أصل الكون، العلاقة بين الجسد والروح، إلخ .

    وتجدر الإشارة هنا أن مفهوم الوهم عند فرويد ، لايرادف الخطأ، وليس متعارضا مع الواقع بالضرورة، أو غير قابل للتحقق، وهو ليس بالضرورة زيفًا. إنما يعني أنه قوة ارتبطت بالعجز الطفولي من الترك، فاستنبتت سلطة ذات وصاية شبيهة بسلطة الأب، فهذا الوهم متطابق مع خطر ماضٍ واقعي . وهذه المذاهب الدينية لا سبيل لإقامة البرهان إليها، ولا يمكن أن يرغم أي انسان على أن يعدها صحيحة، وبعضها بعيدة الاحتمال وصعبة التصديق ومتناقضة.

    هذا الوهم تجب مواجهة الحياة ومعتركها بعيدًا عنه. وهو يوازي بين نمو الإنسانية ونمو الفرد؛ إذ إن الطفولية حقيقة قائمة، لكن مصيرها أن تكون موضع تجاوز، فالأطفال لا يبقون هكذا إلى الأبد. “لا يمكن للإنسان أن يظلّ أبد الدهر طفلًا، ولا محيد له في نهاية الأمر عن المغامرة والمخاطرة بنفسه في الكون المعادي” .

    ورؤية فرويد للتصدي لهذا الوهم تكمن في انتصار العقل على كل الأوهام ، فالثقة بالنشاط الواعي للإنسان، وبقوة عقله، تتطلب منه أن يركز على كل طاقته المتحررة على أرض الحياة الواقعية، وأن يجعل الحياة قابلة للاحتمال من قبل الجميع، ولن تعد الحضارة بعدئذٍ أن تسحق أحدًا.

    إن فرويد يرى أن الإنسان يمكنه التغلب على نزواته الداخلية وإحكام سيطرته على قوى الطبيعة، وتوجيه منجزات البشرية العلمية والثقافية والحضارية في سبيل سعادة الفرد أو البشرية، ويتحقق هذا المشروع بمقدار التقدم في العلم وأبحاثه في العالم الخارجي وفي الإنسان.

    وفرويد يؤكّد أن العقل البشري ضعيف وعاجز بالمقارنة مع الغرائز البشرية، غير أنّ ثمة خاصية يتسم به هذا الضعف، هي أنّ صوت العقل ليس قويًّا حادًّا، لكنه لا يتوقف إن لم يجد من يصغي إليه، ومهما يطل صدّنا ويتكرر، فلا بد من أن نسمعه في النهاية، وهذه حقيقة من الحقائق النادرة، التي تسمح لنا بالنظر إلى مستقبل البشرية، وليست بالحقيقة الواهية الأهمية. فما من شيءٍ يستطيع على المدى البعيد أن يقاوم العقل والتجربة… وليس في استطاعة حتى الأفكار الدينية المصفاة أن تفلت من هذا المصير، ما دامت تسعى إلى إنقاذ شيءٍ ما من سمة الدين العزائية .

    وهو يتنبأ بأن الدين في المستقبل إلى اضمحلال، وأنه سيستنفد وسائله في القسر والتعزية، فلم يعد له اليوم على البشر مثل ما كان له من تأثير في الماضي، لا لأن الوعود التي أعطاها البشر قد بهتت وخبت سطوعها، وإنما لأن هذه الوعود تبدو الآن أقل مدعاة للإيمان ، وعلّة هذا التطور هي تعزز الروح العلمية، وإعمال النقد والعلوم الطبيعية لمعول هدم ثبوتية الوثائق الدينية. وهذه الروح النقدية وإن وقفت أمام المشكلات الدينية لفترة من الزمن، إلّا أنها لا تلبث أن تجتاز هذه العتبة . ويرى أن هذه الجهود لن تتوقف، وكلما زاد عدد الناس الذين يمكن لهم أن يطالوا كنوز حضارتنا، اتسع نطاق هجران الإيمان الديني، وتهاوت تعابير الإيمان المحالة البالية، ثم لحقت بها توكيداته الجوهرية .
    قال يماني ال محمد الامام احمد الحسن (ع) ليرى أحدكم الله في كل شيء ، ومع كل شيء ، وبعد كل شيء ، وقبل كل شيء . حتى يعرف الله ، وينكشف عنه الغطاء ، فيرى الأشياء كلها بالله ، فلا تعد عندكم الآثار هي الدالة على المؤثر سبحانه ، بل هو الدال على الآثار

    Comment

    Working...
    X
    😀
    🥰
    🤢
    😎
    😡
    👍
    👎