بسم الله الرحمن الرحيم والحمدلله رب العالمين وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليما
إلى إخواني الأنصار أقدم هذه الخطوة كأولى الخطوات في المسير إلى الله عزوجل لما رأيت حرص الأنصار وإهتمامهم لكيفية التغلب على الأنا ونبذ الذات.. واعتقادي شدة انشغال الأنصار بالتبليغ للدعوة يحجزهم عن قراءة الكتب المتصديه لهذا المجال مما كتبه علماءنا السابقون رحمهم الله كالنراقي والبحراني ودست غيب , والتي كان لها أشد الأثر في معرفة حقيقة نفسي وكشف عيوبي امام ناظري . فأحببت تسهيل الأمر على إخوتي ووضع مقتطفات من كتبهم وبشكل مختصر ليقرأوه بتدبر ويعملوا به , عسى الله يوفقهم للتغلب على ألد عدو من أعدائهم , ألا وهي أنفسهم التي بين جنبيهم ويرزقهم فتحا مبينا . وأرجو ألا ينسون الدعاء للعلماء العاملين الذين كانوا سببا لإيصال جواهر كنوز محمد وآل محمد ع إلينا . وألا ينسوني من دعائهم.
في الرضا بالقضاء
إعلم كما قدّمنا أنّ مدار ترقّي المؤمن على تأسيّه بالنبي (ص) وأهـل بيته (ع) .. وقد روي في الكافي عن أبن ابي يعفور عن الصادق (ع) قال: لم يكن رسول الله يقول لشيء قد مضى : لو كان غيـره . [ الكافي : 2/52 ].. انتهى.
انظر إلى تحرّجه إلى تمنّي خلاف الواقع ، حذراً من الوقوع فيما ينافي الرضا..
فالمطلوب من المؤمن توطين نفسه على الرضا بالواقع كيف كان.
واعلم أنّ منشأ عدم الرضا ، وتمنّي خلاف الواقع ، إنما هو الجهل بحِكم الأشياء ومصالحها ، فلو ظهرت له حكمة الأشياء لما تمنّى الإنسان غير الواقع
وقد نقل أن مولانا الحسن بن علي (ع) علّم بعض الشيعة في عالم الطيف ، أنه ينال ما يريده من نهاية القرب منهم ، والتمكّن من رؤيتهم مهما أراد ، بالاتصاف بما في
هذه الأبيات وهي قوله :
كن عن همومك معرضا ----- وكل الامور الى القضاء
فلربما اتسع المضــيق ----- ولربما ضاق الفــضاء
ولرب امر مســـخط ------ لك في عواقـبه رضا
الله يفــــعل ما يشاء ----- فلا تكن مـــعترضا
الله عودك الجمــــيل ----- فقس على ما قد مضى
وقد اشتملت هذه الأبيات الشريفة الصادرة من ينبوع الحكمة ، ومعدن العصمة ، على طُرفٍ من الإرشاد إلى تحصيل هذه الرتبة
فمنها كون الإنسان معرضاً عن همومه
فإنّ واردة الهموم أعظم شيءٍ إفساداً للقلب ، والقلب وقت اشتغاله بها معرضٌ عن ربه
والذي أرشد إليه أهل البيت (ع) ، أنّ الواجب على المؤمن أن يُعوّدَ نفسه على الإعراض عن الهموم ، حتى يتفرّغ قلبه للتوجّه إلى باريه ، قال الله عز وجل : { الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب } . الرعد/28..
فالقلب إذا توجّه إلى ذكر الله ، وعطفه ولطفه ، ورأفته ورحمته ، فرّت عنه الهموم والأحزان والغموم
فيا أخي !.. لا راحة للقلب حقيقة إلا عند ذكر الله ، ولا اضطراب له إلا عند التفات النفس إلى عالم الضيق ، والحرص والبخل ، واليأس من الروح والراحة.
فأقلّ ما يتوسّل به إلى تحصيل الرضا بالقضاء ، هو إلقاء الهموم والغموم عن القلب ، وتفريغ البال للتوجّه إلى حضرة ذي الجلال.
{ أليس الله بكافٍ عبده } . الزمر/36..
فلا تجد مناصاً عن إيكال الأمور إلى قضائه ، فإنّ الله عزّ وجلّ وإن أمر بالأسباب ، لكنه لم يأمر بشكل مطلقً ، بل بشرط عدم الاعتماد عليها ، وترْك الاتكال عليها ، فيكون الإتيان بالأسباب حينئذٍ امتثالا لأمره ، فإن أثّرتْ فبأذنه عز وجل ، وأن لم تؤثّر فالعبد قد امتثل ، وفرغ عن عهدة التكليف ، وعلى الحكيم أن يفعل ما تقتضيه حكمته ، وعلى العبد أن يَكِل الأمر إلى قضائه ، فيصبر له ، أو يسلّم ، أو يرضى.
فالقضاء إن كان بالمحبـوب فهو المحـبوب ، وإن كان بما تكـره النفس فالواجب على العبد أن يسلّي نفسه بأنـه ربما اتسع المضيـق ، ورب للتكفير في هذا المقام بقرينة المقام ، وربما ضاق الفضاء وهو أيضاً كثير.
فالحكيم لا بدّ أن يقلّب على عبده الأحوال ، لئلا يطمئن إلى حال ، ومراده أن يكون منقطعاً إليه في كل الأحوال .
حيث أنه في حال اليسر لا يأمن تبديله في كل دقيقة ، فلا بد في كل دقيقة من الانقطاع إليه في تلك الدقيقة ، وهكذا
وكذلك في حال العسر والانقطاع ، يكون العبد إليه أحوج لعجزه وضعفه عن تحمل البلاء.
فإن كان لا بدّ من تقليب الأحوال على هـذا العـبد ، فلا بدّ من تسلية النفس بأنّ هذه الأحوال لا تـدوم ، وكثيرٌ فيها التقلب والتبديل ، فينبغي أن لا يعتد بفرحها ولا يؤثـر من فرحها ، وذلـك قوله عزّ وجلّ :
{ لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم } . الحديد/23..
ويضاف إلى هذا في التسلية ، بأنّ أكثر هذه الابتلاءات اختبارات .. فإذا انكشف حال العبد إما بالصبر ، أو بالعجز ، أو بالضجر ، وعرف من نفسه ذلك رفع الله عنه ذلك ، وجعل عاقبة أمره يسرا
، وهو قوله:
ولرب امر مسخط ------ لك في عواقبه رضا
والاختبار غالباً مجرد حصول وقوع الابتلاء ، من دون حاجةٍ إلى طول المدة ، فإذا كانت المدة قصيرة ، والعاقبة لما فيه رضاه هان الخطب .
وأما قوله :
الله يفعل ما يشاء ----- فلا تكن معترضا
ففيه تحذيرٌ من الاعتراض على قضاء الله ، وقد قال أمير المؤمنين (ع) : من أصبح على الدنيـا حزيناً ، فقـد أصبح لقضـاء الله ساخطاً . قصار كلماته : 228.. كذا في نهج البلاغة.
وفي الكافي عن الصادق (ع) : أن الحسن بن علي (ع) لقي عبد الله بن جعفر فقال : يا عبد الله !.. كيف يكون المؤمن مؤمناً وهو يسخط قسمه ، ويحقّر منـزلتـه ، والحاكم عليه الله ؟.. وأنا الضامن لمن لا يهجس في قلبه إلا الرضا أن يدعو الله فيستجيب له . الكافي : 2/51..
وأما قوله :
الله عودك الجميل ----- فقس على ما قد مضى
ففيه كمال التأمّل بتذكر عوائد الله الجميلة ، وألطافه الجليلة ، التي بملاحظتها يحصل للعبد علم عادي ، بأنّ الله لا يخليه إذا انقطع إليه فيما دهاه من الفوادح ، من عطفة من عطفاته يحي بها الموات ، ويردّ بها ما قد فات ، وقد اشتمل على هذا المعنى والمعنى الذي قبله شعرٌ منسوبٌ في مصباح الشريعة إلى مولانا علي (ع) :
رضيت بما قسم الله لي ----- وفوضت امري الى خالقي
كما احسن الله فيما مضى ------ كذلك يحسن فيما بقي
والأخبار الواردة في الحثّ على الرضا أكثر من أن تحصى.
فمنها الحديث القدسي المشهور أن الله تعالى يقـول : لا إله إلا أنا ، من لم يصبـر على بـلائي ، ولـم يرض بقضائي ، فليتخذ ربا سواي . [ البحار : 79/132] .. وكفى بهذا التهديد الإلهي واعظاً لمن عقل ، ومنبّهاً لمن جهل.
وعن الحسين بن خالد ، عن الرضا ، عن أبيه ، عن آبائه (ع) قال: قال رسول الله (ص) : " قال الله عزّ وجلّ : من لم يرض بقضائي ، ولم يؤمن بقدري ، فليلتمس إلهاً سواي " .
قال : قال رسول الله (ص) : في كل قضاء الله عزّ وجلّ خيـرة للمؤمن. [ البحار : 68/139] .. انتهى.
واعلم يا أخي { يمحو الله ما يشاء ، ويثبت ، وعنده أم الكتاب } . والقضاء أول ما يرد على العبد يرد بطور الإجمال ، يعني بحيث يمكن أن يكون نعمة وأن يكون نقمة ، وإن كان ظاهره أنه من نوع الابتلاء والعقوبة.
فإذا أحسن الظنّ العبد بربه ، وتفاءل بالخير ، ووطّن نفسه على الرضا بالقضاء ، قلب الله ما ظاهره أنه نقمة ، وبدّله نعمة وأجرى الأمر على ذلك ، وبالعكس العكس.
فالعبد لا زال بسوء ظنّه ، وقلّة رضائه بالقضاء ، وشدة انزعاجه من واردات الابتلاء ، يستجلب لنفسه بلاءً فوق بلاء ، ويقلب ما عليه نعمة إلى الوبال والنقمة.
وفي (الجواهر السنية ) عن الرضا (ع) ، عن أبيه (ع) ، عن آبائه قال: قال رسول الله (ص) :
أوحى الله إلى نبيٍّ من أنبيائه أن : أُخبر فلاناً الملك أني متوفّيه إلى كذا وكذا.
فأتاه ذلك النبي فأخبره ، فدعا الله الملك وهو على سريره حتى سقط من السرير ، فقال : يا رب ، أجّلني حتى يشب طفلي ، وأقضي أمري.
فأوحى الله إلى ذلك النبي : أن أءت ذلك الملك ، فاعلمه أني قد أنيت في أجله ، وزدت في عمره خمس عشرة سنة.
فقال ذلك النبي : يا رب ، أنت تعلم أني لم أُكذّب قط ، فأوحى الله عزّ وجلّ إليه : إنما أنت مأمـورٌ ، فأبلغـه ذلك ، والله لا يُسأل عما يَفعل [ الجواهر السنية : 123] .. انتهى الحديث الشريف.
فلا شكّ أنّ الانقطاع إلى الله عزّ وجلّ ، والالتجاء إليه ، وحسن الظنّ به ، ومبادرة الأمر بالصدقة ، والدعاء ، وصلة الرحم ، لها تسبّبٌ في تبديل واردات القضاء.
اللهم !.. إن كنت عندك شقياً ، أو محروماً مقتراً عليّ رزقي ، فاكتبني عندك سعيدا مرحوما ، دارّاً عليّ رزقي ، فإنك قلت في كتابك :
{ يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب } وصلى الله على محمد وآله الطاهرين. البحار : 87/135..
نعم كذلك الانسان المؤمن المسلم لأمر الله ولو أنك وضعته في أسوأ الظروف تراه يراها بعين الرضا والسعادة
روي عن جابر الانصاري أنه في أحد الأيام رأى النبي ص فاطمة ع وعليها كساء من أجلة الإبل , وهي تطحن بيديها وترضع ولدها فدمعت عينا رسول الله ص فقال : يا بنتاه تعجلي مرارة الدنيا بحلاوة الآخرة .
فقالت ع :
لاحظوا جمال الجواب ومنتهى الرضا والتسليم
"يارسول الله الحمدلله على نعمائه والشكرلله على آلائه "
فأنزل الله عزوجل ( ولسوف يعطيك ربك فترضى)
مولاتنا زينب العقيلة آآآآه وما أدراك ما زينب
حينما سألها اللعين ابن زياد : كيف وجدت صنع الله بأخيك الحسين ؟
أجابت :
ما رأيت إلا جميلا
------------------------------------------------------------------------------------
إلى إخواني الأنصار أقدم هذه الخطوة كأولى الخطوات في المسير إلى الله عزوجل لما رأيت حرص الأنصار وإهتمامهم لكيفية التغلب على الأنا ونبذ الذات.. واعتقادي شدة انشغال الأنصار بالتبليغ للدعوة يحجزهم عن قراءة الكتب المتصديه لهذا المجال مما كتبه علماءنا السابقون رحمهم الله كالنراقي والبحراني ودست غيب , والتي كان لها أشد الأثر في معرفة حقيقة نفسي وكشف عيوبي امام ناظري . فأحببت تسهيل الأمر على إخوتي ووضع مقتطفات من كتبهم وبشكل مختصر ليقرأوه بتدبر ويعملوا به , عسى الله يوفقهم للتغلب على ألد عدو من أعدائهم , ألا وهي أنفسهم التي بين جنبيهم ويرزقهم فتحا مبينا . وأرجو ألا ينسون الدعاء للعلماء العاملين الذين كانوا سببا لإيصال جواهر كنوز محمد وآل محمد ع إلينا . وألا ينسوني من دعائهم.
في الرضا بالقضاء
إعلم كما قدّمنا أنّ مدار ترقّي المؤمن على تأسيّه بالنبي (ص) وأهـل بيته (ع) .. وقد روي في الكافي عن أبن ابي يعفور عن الصادق (ع) قال: لم يكن رسول الله يقول لشيء قد مضى : لو كان غيـره . [ الكافي : 2/52 ].. انتهى.
انظر إلى تحرّجه إلى تمنّي خلاف الواقع ، حذراً من الوقوع فيما ينافي الرضا..
فالمطلوب من المؤمن توطين نفسه على الرضا بالواقع كيف كان.
واعلم أنّ منشأ عدم الرضا ، وتمنّي خلاف الواقع ، إنما هو الجهل بحِكم الأشياء ومصالحها ، فلو ظهرت له حكمة الأشياء لما تمنّى الإنسان غير الواقع
وقد نقل أن مولانا الحسن بن علي (ع) علّم بعض الشيعة في عالم الطيف ، أنه ينال ما يريده من نهاية القرب منهم ، والتمكّن من رؤيتهم مهما أراد ، بالاتصاف بما في
هذه الأبيات وهي قوله :
كن عن همومك معرضا ----- وكل الامور الى القضاء
فلربما اتسع المضــيق ----- ولربما ضاق الفــضاء
ولرب امر مســـخط ------ لك في عواقـبه رضا
الله يفــــعل ما يشاء ----- فلا تكن مـــعترضا
الله عودك الجمــــيل ----- فقس على ما قد مضى
وقد اشتملت هذه الأبيات الشريفة الصادرة من ينبوع الحكمة ، ومعدن العصمة ، على طُرفٍ من الإرشاد إلى تحصيل هذه الرتبة
فمنها كون الإنسان معرضاً عن همومه
فإنّ واردة الهموم أعظم شيءٍ إفساداً للقلب ، والقلب وقت اشتغاله بها معرضٌ عن ربه
والذي أرشد إليه أهل البيت (ع) ، أنّ الواجب على المؤمن أن يُعوّدَ نفسه على الإعراض عن الهموم ، حتى يتفرّغ قلبه للتوجّه إلى باريه ، قال الله عز وجل : { الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب } . الرعد/28..
فالقلب إذا توجّه إلى ذكر الله ، وعطفه ولطفه ، ورأفته ورحمته ، فرّت عنه الهموم والأحزان والغموم
فيا أخي !.. لا راحة للقلب حقيقة إلا عند ذكر الله ، ولا اضطراب له إلا عند التفات النفس إلى عالم الضيق ، والحرص والبخل ، واليأس من الروح والراحة.
فأقلّ ما يتوسّل به إلى تحصيل الرضا بالقضاء ، هو إلقاء الهموم والغموم عن القلب ، وتفريغ البال للتوجّه إلى حضرة ذي الجلال.
{ أليس الله بكافٍ عبده } . الزمر/36..
فلا تجد مناصاً عن إيكال الأمور إلى قضائه ، فإنّ الله عزّ وجلّ وإن أمر بالأسباب ، لكنه لم يأمر بشكل مطلقً ، بل بشرط عدم الاعتماد عليها ، وترْك الاتكال عليها ، فيكون الإتيان بالأسباب حينئذٍ امتثالا لأمره ، فإن أثّرتْ فبأذنه عز وجل ، وأن لم تؤثّر فالعبد قد امتثل ، وفرغ عن عهدة التكليف ، وعلى الحكيم أن يفعل ما تقتضيه حكمته ، وعلى العبد أن يَكِل الأمر إلى قضائه ، فيصبر له ، أو يسلّم ، أو يرضى.
فالقضاء إن كان بالمحبـوب فهو المحـبوب ، وإن كان بما تكـره النفس فالواجب على العبد أن يسلّي نفسه بأنـه ربما اتسع المضيـق ، ورب للتكفير في هذا المقام بقرينة المقام ، وربما ضاق الفضاء وهو أيضاً كثير.
فالحكيم لا بدّ أن يقلّب على عبده الأحوال ، لئلا يطمئن إلى حال ، ومراده أن يكون منقطعاً إليه في كل الأحوال .
حيث أنه في حال اليسر لا يأمن تبديله في كل دقيقة ، فلا بد في كل دقيقة من الانقطاع إليه في تلك الدقيقة ، وهكذا
وكذلك في حال العسر والانقطاع ، يكون العبد إليه أحوج لعجزه وضعفه عن تحمل البلاء.
فإن كان لا بدّ من تقليب الأحوال على هـذا العـبد ، فلا بدّ من تسلية النفس بأنّ هذه الأحوال لا تـدوم ، وكثيرٌ فيها التقلب والتبديل ، فينبغي أن لا يعتد بفرحها ولا يؤثـر من فرحها ، وذلـك قوله عزّ وجلّ :
{ لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم } . الحديد/23..
ويضاف إلى هذا في التسلية ، بأنّ أكثر هذه الابتلاءات اختبارات .. فإذا انكشف حال العبد إما بالصبر ، أو بالعجز ، أو بالضجر ، وعرف من نفسه ذلك رفع الله عنه ذلك ، وجعل عاقبة أمره يسرا
، وهو قوله:
ولرب امر مسخط ------ لك في عواقبه رضا
والاختبار غالباً مجرد حصول وقوع الابتلاء ، من دون حاجةٍ إلى طول المدة ، فإذا كانت المدة قصيرة ، والعاقبة لما فيه رضاه هان الخطب .
وأما قوله :
الله يفعل ما يشاء ----- فلا تكن معترضا
ففيه تحذيرٌ من الاعتراض على قضاء الله ، وقد قال أمير المؤمنين (ع) : من أصبح على الدنيـا حزيناً ، فقـد أصبح لقضـاء الله ساخطاً . قصار كلماته : 228.. كذا في نهج البلاغة.
وفي الكافي عن الصادق (ع) : أن الحسن بن علي (ع) لقي عبد الله بن جعفر فقال : يا عبد الله !.. كيف يكون المؤمن مؤمناً وهو يسخط قسمه ، ويحقّر منـزلتـه ، والحاكم عليه الله ؟.. وأنا الضامن لمن لا يهجس في قلبه إلا الرضا أن يدعو الله فيستجيب له . الكافي : 2/51..
وأما قوله :
الله عودك الجميل ----- فقس على ما قد مضى
ففيه كمال التأمّل بتذكر عوائد الله الجميلة ، وألطافه الجليلة ، التي بملاحظتها يحصل للعبد علم عادي ، بأنّ الله لا يخليه إذا انقطع إليه فيما دهاه من الفوادح ، من عطفة من عطفاته يحي بها الموات ، ويردّ بها ما قد فات ، وقد اشتمل على هذا المعنى والمعنى الذي قبله شعرٌ منسوبٌ في مصباح الشريعة إلى مولانا علي (ع) :
رضيت بما قسم الله لي ----- وفوضت امري الى خالقي
كما احسن الله فيما مضى ------ كذلك يحسن فيما بقي
والأخبار الواردة في الحثّ على الرضا أكثر من أن تحصى.
فمنها الحديث القدسي المشهور أن الله تعالى يقـول : لا إله إلا أنا ، من لم يصبـر على بـلائي ، ولـم يرض بقضائي ، فليتخذ ربا سواي . [ البحار : 79/132] .. وكفى بهذا التهديد الإلهي واعظاً لمن عقل ، ومنبّهاً لمن جهل.
وعن الحسين بن خالد ، عن الرضا ، عن أبيه ، عن آبائه (ع) قال: قال رسول الله (ص) : " قال الله عزّ وجلّ : من لم يرض بقضائي ، ولم يؤمن بقدري ، فليلتمس إلهاً سواي " .
قال : قال رسول الله (ص) : في كل قضاء الله عزّ وجلّ خيـرة للمؤمن. [ البحار : 68/139] .. انتهى.
واعلم يا أخي { يمحو الله ما يشاء ، ويثبت ، وعنده أم الكتاب } . والقضاء أول ما يرد على العبد يرد بطور الإجمال ، يعني بحيث يمكن أن يكون نعمة وأن يكون نقمة ، وإن كان ظاهره أنه من نوع الابتلاء والعقوبة.
فإذا أحسن الظنّ العبد بربه ، وتفاءل بالخير ، ووطّن نفسه على الرضا بالقضاء ، قلب الله ما ظاهره أنه نقمة ، وبدّله نعمة وأجرى الأمر على ذلك ، وبالعكس العكس.
فالعبد لا زال بسوء ظنّه ، وقلّة رضائه بالقضاء ، وشدة انزعاجه من واردات الابتلاء ، يستجلب لنفسه بلاءً فوق بلاء ، ويقلب ما عليه نعمة إلى الوبال والنقمة.
وفي (الجواهر السنية ) عن الرضا (ع) ، عن أبيه (ع) ، عن آبائه قال: قال رسول الله (ص) :
أوحى الله إلى نبيٍّ من أنبيائه أن : أُخبر فلاناً الملك أني متوفّيه إلى كذا وكذا.
فأتاه ذلك النبي فأخبره ، فدعا الله الملك وهو على سريره حتى سقط من السرير ، فقال : يا رب ، أجّلني حتى يشب طفلي ، وأقضي أمري.
فأوحى الله إلى ذلك النبي : أن أءت ذلك الملك ، فاعلمه أني قد أنيت في أجله ، وزدت في عمره خمس عشرة سنة.
فقال ذلك النبي : يا رب ، أنت تعلم أني لم أُكذّب قط ، فأوحى الله عزّ وجلّ إليه : إنما أنت مأمـورٌ ، فأبلغـه ذلك ، والله لا يُسأل عما يَفعل [ الجواهر السنية : 123] .. انتهى الحديث الشريف.
فلا شكّ أنّ الانقطاع إلى الله عزّ وجلّ ، والالتجاء إليه ، وحسن الظنّ به ، ومبادرة الأمر بالصدقة ، والدعاء ، وصلة الرحم ، لها تسبّبٌ في تبديل واردات القضاء.
اللهم !.. إن كنت عندك شقياً ، أو محروماً مقتراً عليّ رزقي ، فاكتبني عندك سعيدا مرحوما ، دارّاً عليّ رزقي ، فإنك قلت في كتابك :
{ يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب } وصلى الله على محمد وآله الطاهرين. البحار : 87/135..
نعم كذلك الانسان المؤمن المسلم لأمر الله ولو أنك وضعته في أسوأ الظروف تراه يراها بعين الرضا والسعادة
روي عن جابر الانصاري أنه في أحد الأيام رأى النبي ص فاطمة ع وعليها كساء من أجلة الإبل , وهي تطحن بيديها وترضع ولدها فدمعت عينا رسول الله ص فقال : يا بنتاه تعجلي مرارة الدنيا بحلاوة الآخرة .
فقالت ع :
لاحظوا جمال الجواب ومنتهى الرضا والتسليم
"يارسول الله الحمدلله على نعمائه والشكرلله على آلائه "
فأنزل الله عزوجل ( ولسوف يعطيك ربك فترضى)
مولاتنا زينب العقيلة آآآآه وما أدراك ما زينب
حينما سألها اللعين ابن زياد : كيف وجدت صنع الله بأخيك الحسين ؟
أجابت :
ما رأيت إلا جميلا
------------------------------------------------------------------------------------