إعـــــــلان

Collapse
No announcement yet.

الغيبة والظهور / الجزء الثامن

Collapse
X
 
  • Filter
  • الوقت
  • Show
Clear All
new posts
  • السادن
    عضو نشيط
    • 18-02-2009
    • 389

    الغيبة والظهور / الجزء الثامن

    بسم الله الرحمان الرحيم

    اللهم صل على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليما

    اَلْحَمْدُ للهِ مالِكِ الْمُلْكِ، مُجْرِي الْفُلْكِ، مُسَخِّرِ الرِّياحِ، فالِقِ الاِْصْباحِ، دَيّانِ الدّينِ، رَبِّ الْعَالَمينَ، قاِصمِ الجَّبارينَ، مُبيرِ الظّالِمينَ، مُدْرِكِ الْهارِبينَ، نَكالِ الظّالِمينَ صَريخِ الْمُسْتَصْرِخينَ، مَوْضِعِ حاجاتِ الطّالِبينَ، مُعْتَمَدِ الْمُؤْمِنينَ،اَلْحَمْدُ للهِ الَّذي مِنْ خَشْيَتِهِ تَرْعَدُ السَّماءُ وَسُكّانُها، وَتَرْجُفُ الاَْرْضُ وَعُمّارُها، وَتَمُوجُ الْبِحارُ وَمَنْ يَسْبَحُ في غَمَراتِها والصلاة والسلام على سيد المرسلين وخاتم النبيين محمد الامين وعلى آله الطيبين الطاهرين الائمة والمهديين وسلم تسليما

    اخوتي المؤمنين ... اخواتي المؤمنات السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    بعد ان تعرفنا في اجزء السابع من سلسلة الغيبة والظهور على روايات اخرى تؤكد ولادة وغيبة الامام الحجة محمد بن الحسن ع نقرا واياكم ما جرى من امر الغيبة الصغرى

    14. وفاة الإمام العسكري (ع) وبداية الغيبة:

    وإذ يؤدي الإمام الحسن العسكري ع الممتحن الصابر مسؤوليته التامة تجاه دينه ومجتمعه وولده ، يريد الله تعالى أن يلحقه بالرفيق الأعلى ..وذلك عام 260 للهجرة ... حيث اعتل عليه السلام في اول يوم من شهر ربيع الأول من ذلك العام ولا زالت العلة تزيد فيه والمرض يثقل عليه وإذ يطلع الفجر من اليوم الثامن من ربيع الأول ، لا يكون ساعتئذ معه في الغرفة إلا صقيل الجارية ، وهي نرجس أم المهدي عليه السلام ، وعقيد الخادم ، وهو من خدم الإمام عليه السلام – تقول الرواية -: من علم الله عز وجل غيرهما .تشير إلى وجود ولده المهدي عليه السلام أيضاً معهم .

    فيأمر الإمام عليه السلام أن يؤتى بماء مغلي بالمسطكي ، فجاؤا به في قدح .فيقرر الإمام البدء بأداء الصلاة أولاً ..ويأمرهم بأن يساعدوه .فجاؤا له بمنديل وبسطوه في حجره لأجل الوضوء .فيأخذ عليه السلام من صقيل الماء ويتوضأ ويصلي صلاة الصبح على فراشه ...

    وإذ ينتهي من الصلاة يأخذ القدح لكي يشرب ، فيستولي عليه ضعف المرض ، فترتجف يده ، ويضرب القدح ثناياه مع حركة اليد الرتيبة ، ولم يستطع أن يستمر بالشرب ، فتأخذ صقيل القدح من يده فيستلقي ويسلم الروح من ساعته صلوات الله عليه حيث توفي الأمام العسكري ع في الثامن من الشهر ويتوفى سلام الله عليه، عن تسع وعشرين سنة من العمر

    وبمجرد أن يذاع خبر وفاته ع في سامراء ، وهي البلدة التي يؤمن كل من فيها بأن الإمام خير من فيها علماً وزهداً وعبادة ونسباً ، لا يختلفون في ذلك باختلاف مناصبهم وأعمالهم باختلاف ولائهم وعدائهم .فمن الطبيعي لهذه البلدة وهي تفقد هذا الرجل العظيم أن تضج ضجة واحدة ، وإن تعطل أسواقها ، وأن يجتمع الناس للشهادة والسير في جنازة الإمام عليه السلام .حتى كان ذلك اليوم شبيها ً بيوم استشهاد علي بن ابي طالب ع وركب بنو هاشم والكتاب والقضاة والمعدلون إلى جنازته وتشييعه .

    فنجد الإمام العسكري (ع) بعد وفاته ، وقبل إخراجه للجمهور ، مسجى في داره . وأخيه جعفر بن علي واقف على باب الدار يتلقى من موالي أخيه التعزية بالوفاة والتهنئة بالإمامة ، وهو مرتاح له كأنه هو الوضع الطبيعي. ولا يخفى أن إجمال الفكرة في أذهان هؤلاء من حيث وجود ولد عند الإمام وعدم وجوده ..ساعد على هذا الإيهام إلى حد كبير . وقد عرفنا أن الظروف القاسية التي عاشها الإمام عليه السلام لم تكن مساعدة بأي حال على إيضاح الفكرة وإبلاغ المفهوم إلى سائر القواعد الشعبية في العاصمة وغير العاصمة .

    ولكن مخطط جعفر بن علي قد مات في مهده ولم يكتب له النجاح .واستطاع الإمام المهدي ع أن يستقطب عواطف وقيادة مواليه ..أما مباشرة أو عن طريق نوابه وسفرائه.

    يخرج عقيد الخادم ، الذي سمعنا اسمه في حادثة الوفاة . ويقول له : يا سيدي قد كفن أخوك ، فقم للصلاة عليه فيدخل جعفر ويدخل جماعة من الشيعة يتقدمهم عثمان بن سعيد العمري المعروف بالسمان ، الذي سيصبح النائب الأول للإمام الغائب فيرون الإمام العسكري صلوات الله عليه على نعشه مكفناً .فتقدم جعفر بن علي ليصلي على اخيه. وهنا سؤال من قام بالتغسيل والتكفين وكلنا يعرف انه لايغسل او يكفن امام الا الإمام الذي بعده وجعفر بن علي الذي ادعى الإمامة واقفاً خارج الدار؟ والجواب بسيط هو الامام المهدي ع فهل هناك نكران لوجوده ع.

    وإذ صلى جعفر ، فقد اكتسب في نظر المجتمع بعض الحق ، ووضع لبنة أساسية في مخططه ، وحصل على سابقة قانونية يمكنه أن ينطلق منها للتغرير بجماهير الموالين ، وهو ما لا يمكن أن يحدث مع وجود الإمام المهدي (ع) وقدرته على الأخذ بزمام المبادرة لدفع هذه الشبهة ، ورفع البدعة ، وإنقاذ مواليه من التورط بغير الحق من حيث لا يعلمون.

    إذن فلا بد أن يبادر الإمام المهدي (ع) إلى منع عمه عن الصلاة على الإمام (ع) ويحرمه من هذه السابقة ويجوز هذه السابقة لنفسه ، وهو أحق بذلك ..لكونه الإمام بعد أبيه والوريث الشرعي له .ومن ثم يشاهد الواقفون صبياً يخرج بوجهه سمرة بشعرة قطط بأسنانه تفليج ، فيجذب رداء جعفر بن علي ويقول له: تأخر يا عم ، فأنا أحق بالصلاة على أبي . فيتأخر جعفر ، من دون مناقشة، وقد اربد وجهه وعلته صفرة ، ويتقدم الصبي عليه السلام ، ويصلي على أبيه.

    لقد كان في إمكان المهدي (ع) أن يصلي على جثمان أبيه في الخفاء قبل أن يدعي جعفر للصلاة عليه ...لكي تبقى صلاة جعفر بن علي هي الصلاة الرسمية على المستوى الخاص ..إلا أن هذا هو الذي لا يريده المهدي ع، ويحاول التأكيد على نفيه و(إقامة الحجة) ضده وتنبيه جملة الواقفين إن لم يكن أكثرهم ، هو ممن هنأ جعفر للإمامة قبل لحظات ..يرى الآن بأم عينه فشل جعفر ، وتتضح أمامه بدعته ومغالطاته ، وسوف يكون كل فرد لساناً في نقل ما راى من الحق إلى الآخرين ...فقد كان ذلك بمنزلة الإعلان العام من قبل الإمام المهدي (ع) بكونه الامام بعد ابيه ع.

    وكان جعفر ليناً في تأخره عن الصلاة ..بالرغم من اصفرار وجهه، أسفاً على فشل مخططه ،وخجلاً من هؤلاء الحاضرين الذين تقبل منهم التهنئة بالإمامة، من دون أن ينفيها عن نفسه ..إنه على أي حال ، لا يستطيع مكافحة الحق الراسخ في ضمير الأمة، بسنة رسول الله (ص) وجهود الإمام العسكري (ع) ..فإنه سيفتضح إن فعل ذلك ..أكثر مما هو عليه ... وسوف لن يرى إلا الإشمئزاز والإزورار من القواعد الشعبية التي يتوقع منها التأييد.

    وإذ ينتهي الإمام المهدي عليه السلام من الصلاة ،ويذهب ، وقد اتضح لجميع الحاضرين وجه الحق ..يتوجه أحدهم إلى جعفر بالسؤال عن هذا الصبي الذي اقام الصلاة ، لكي يقيم الحجة علي جعفر ويفهم ما إذا بقي مستمراًُ على مخططه بعد اتضاح الحق أولاً ، فيقول له : يا سيدي من الصبي؟ فيجيب جعفر : والله ما رأيته قط ولا أعرفه .

    ولعله صادق في انه لم يره ، فإنه لم يكن أهلاً لأن يريه الإمام العسكري (ع) إياه. ولكنه كاذب في نفي معرفته ، بعد أن سمع هذا الصبي يقول : تأخر يا عم فأنا أحق بالصلاة على ابي .وهلا لو كان قد بقي جاهلاً بمعرفته ، أن يصمد على موقفه ويكذب الصبي في دعواه ..او يعيد الصلاة مرة ثانية ، مع ان شيئاً من هذا لم يحدث مما يدل على اتضاح الحق لكل الحاضرين ، وتسالمهم على أنه هو الإمام المهدي (ع) .

    وعلى أي حال ، فبعد أن تنتهي هذه الصلاة الخاصة، يحمل جثمان الإمام عليه السلام للجمهور لكي تصلى عليه صلاة أخرى (رسمية!) ويتم تشييعه وحمله إلى مثواه الأخير ، وقد دفن إلى جنب أبيه الهادي عليهما السلام. (كتاب مو سوعة الامام امهدي ع- تاريخ الغيبة الصغرى) للسيد محمد محمد صادق الصدر


    وبعد فترة من الوقت. يرد وفد من الوفود التي كانت تتواتر على الإمام العسكري (ع) من أطراف العالم الإسلامي ، فتصل إليه وتسلمه ما تحمله من الأموال من مختلف ما دفعوا الحقوق الإسلامية في تلك البلاد. وتسأله ما تشاء من المسائل الشخصية والإجتماعية ، فتنهل منه مختلف التعاليم والتوجيهات. ويكون هذا الوفد من قم ، يدخل سامراء وهو لا يعلم بوفاة الإمام العسكري (ع)... فيسأل عنه الناس فيقول لهم الناس: أنه قد فقد .

    قالوا: فمن وارثه؟.... فيشير الناس إلي أخيه جعفر بن علي . فيسأل الوفد عنه ، فيقال لهم :إنه قد خرج متنزهاً وركب زورقاً في دجلة يشرب ومعه المغنون .فيتشاور الوفد فيما بينهم ويقولون : هذه ليست من صفة الإمام ..وقال بعضهم : أمضوا بنا حتى نرد هذه الأموال على اصحابها ، ثم يقررون مقابلته واختباره. فانتظروا رجوعه من نزهته ، ودخلوا عليه و حيوه و عزوه وهنوه.

    وقالوا له : يا سيدي نحن قوم من أهل قم ، ومعنا جماعة من الشيعة وغيرها .وكنا نحمل إلى سيدنا أبي محمد بن علي الأموال .فقال: أين هي؟ ...قالوا :احملوها إليّ !... وإلى هنا يرى جعفر إحدى أمنياته في استيلائه على الإمامة قد تحقق ، وقد كسب الربح الأول في اليوم الأول .

    ولكن يقف دون ذلك حجر عثرة وعائق صعب ، لم يستطع اقتحامه .وذلك أنهم قالوا له: إلا أن هذه الأموال خبراً طريفاً ، فقال: وما هو؟ قالوا : عن هذه الأموال لجمع – أي لعدد من الناس – ويكون فيها عامة الاشيعة الدينار والديناران ، ثم يجعلونها في كيس ويختمون عليه ،وكنا إذا وردنا بالمال على سيدنا أبي محمد عليه السلام يقول. جملة المال كذا وكذا ديناراً ، من عند فلان كذا وكذا ومن عند فلان كذا وكذا ،حتى يأتي على أسماء الناس كلهم .ويقول ما على الخواتيم من نقش.

    أنظر إلى إسلوبهم الذي استطاعوا به (اصطياد) جعفر وإفحامه ..إنهم ولا شك ، لم يكونوا بحاجة لأن يسمعوا كل هذه التفاصيل من الإمام العسكري (ع) في كل مرة يغدون عليه ،وإنما كان هذا هو الأسلوب الاساسي الذي يعرفون به إمامة الإمام الجديد إذا تولى هذا المنصب العظيم بعد أبيه ،لأجل أن يتأكدوا أن الأموال قد دفعت إلى وليها الحقيقي والإمام الصادق الذي استطاع إقامة الحجة .

    فكان الوفد ، يطلب إقامة الحجة من الإمام الجديد عن هذا الطريق ...وعلى هذا الأساس طلبوا من جعفر ذكر التفاصيل ،فإن أجاب علموا أنه هو ألإمام ، ودفعوا إليه عن طيب خاطر ورضاء ضمير. وإن لم يجب ..فهو ليس بإمام ، وليس له الصلاحية لقبض هذه الأموال في الشريعة الإسلامية .

    ولكن جعفر يحاول أن يجد في كلامهم نقطة للمناقشة ليحاول النفوذ منها ..فيقول لهم : كذبتم ، تقولون على أخي ما لا يفعله . هذا علم الغيب ... متغافلاً عن قوله تعالى : (" لا يطلع على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول") الجن:27 وأنه يمكن لكل شخص أن يعلم ما يعلمه الله تعالى إياه، فليس مستبعداً أن يكون الإمام ، وهو الوجود الثاني للقيادة الإسلامية بعد الرسول (ص) والإمتداد الطبيعي لرسالته العالمية ...أن يكون ملهماً من قبل الله عز وجل بعض الحقائق ليستعملها في شؤون قيادته وإقامة لحجة على إمامته ، عند اقتضاء المصلحة لذلك.

    فلما سمع القوم كلام جعفر ، جعل بعضهم ينظر إلى بعض ..أن هذا ليس هو الإمام ، وليس في الإمكان دفع المال إليه ..وقد فشل في نتيجة الإختبار. فقال لهم جعفر: احملوا هذا المال إليّ. قالوا: أنا قوم مستأجرون، وكلاء أرباب المال .لا نسلم المال إلا بالعلامات التي نعرفها من سيدنا أبي محمد الحسن بن علي عليهما السلام . فإن كنت الإمام فبرهن لنا. وإلا رددنا الأموال على أصحابها يرون فيها رأيهم.

    ومن هنا يبادر جعفر بالذهاب إلى المعتمد ،وهو يمثل أعلى سلطة في البلاد – من الناحية القانونية – على الأقل ، لكي يتملق له ويشكو عنده هذا الوفد ليساعده في ابتزاز ما عندهم من المال. وإذ يسمع المعتمد الشكوى يأمر بإحضار الوفد ، فيحضرون وتدور بينه وبينهم ، المحاورة التالية : قال الخليفة : احملوا هذا المال إلى جعفر .

    قال الوفد: اصلح الله أمير المؤمنين ، إنا قوم مستأجرون ،وكلاء لأرباب هذه الأموال ،وهي وداعة جماعة. وأمرونا أن لا نسلمها إلا بعلامة ودلالة .وقد جرت بهذا العادة مع أبي محمد الحسن بن علي عليه السلام .

    فقال الخليفة : وما كانت العلامة؟.

    قال الوفد: كان يصف الدنانير وأصحابها، والأموال وكم هي .فإذا فعل ذلك سلمناها إليه ،وقد وفدنا عليه مراراً، فكانت هذه علامتنا معه ودلالتنا ،وقد مات ، فإن يكن هذا الرجل صاحب هذا الأمر – يعني الإمامة – فليقم لنا بما كان يقيمه لنا أخوه ،وإلا رددناها على أصحابها .

    وهنا بادر جعفر فقال : يا أمير المؤمنين ، إن هؤلاء قوم كذابون على اخي ..وهذا علم الغيب. ومن هنا قال المعتمد: القوم رسل ، وما على الرسل إلا البلاغ المبين . فبهت جعفر ولم يرد جواباً ،أنه يسمع من المعتمد لأول مرة ما لم يكن متوقعاً ..إنه قول منصف.

    ثم يطلب القوم من الخليفة أن يأمر لهم شخصاً يدلهم على الطريق ، حتى يخرجون من البلدة ، فأمر لهم بنقيب فأخرجهم منها. وإذ يصبحون في خارج البلدة ، ويحدث ما لم يكن في الحسبان ...أنهم جاؤوا إلى هذه البلدة يحملون الأموال إلى الإمام عليه السلام ... ومن غير المنطقي أن يرجعوا إلى بلدهم آيسين و يعلنوا عدم وجود الإمام ، فتبقى الأمة في حيرة وضلال ، مع أن الحجة المهدي موجود وقادر على الإتصال بهم وإفهامهم ما هو الحق ،إن ذلك لن يكون بادرة حسنة في منطق الدعوة الإلهية .إذن فلا بد من الإتصال بهذا الوفد ، وإلقائه الحجة عليه وإفهامه وجود إمامه ..على الطريقة المتبعة مع سائر الموالين .. ليكون هذا الوفد لساناً للحق في بلاده ونقطة انطلاق إلى القواعد الشعبية الموالية .


    وستكون مقابلة هذا الوفد للإمام المهدي (ع) ثاني اتصال له بالناس في يوم وفاة ابيه ع، وكان الاول هو صلاته على ابيه ع ، فيرسل المهدي (ع) خادمه ، إلى خارج البلدة ، ويعطيه المفتاح الرئيسي لإفهام هذا الوفد الحائر ما هو الحق . فيأمره بأن يتبعهم ويناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم ..ويلقنها إياه ويخرج الخادم خارج البلدة ، ويصيح بهم بأسمائهم ، قائلاً لهم: أجيبوا مولاكم.

    وهنا يجد القوم أن هذا الخادم قد علم الغيب فيخطر لهم احتمال أنه هو الإمام ..غافلين عن إمكان التعلم أي أحد إذا وجد الفرصة المناسبة فيبدرونه قائلين:أنت مولانا؟ فقال الخادم: معاذ الله ، أنا عبد مولاكم ، فسيروا إليه، واستصحبهم معه حتى وصلوا إلى دار الإمام العسكري عليه السلام ، فدخلوا فوجدوا الإمام المهدي قاعداً على سرير كأنه قمر ، عليه ثياب خضر .فسلموا عليه فرد عليهم السلام .ثم قال عليه السلام :جملة المال كذا وكذا دينار.

    حمل فلان كذا وحمل فلان كذا .ولم يزل يصف ، حتى وصف الجميع ثم وصف ثيابهم ورحالهم وما كان معهم من الدواب ، فخروا سجداً لله عز وجل لما عرفهم ، وقبلوا الأرض بين يديه ، وسألوه عما أرادوا ، فأجابهم ، فحملوا إليه الأموال . وهنا، وأمام ذلك الوفد القمي ، يفتح الإمام المهدي عليه السلام ، باب التاريخ الجديد ، تاريخ الغيبة الصغرى، تاريخ الوكالة والسفارة ، وهو تاريخ سوف يعيشه الناس سبعين عاماً من الدهر على ما سنسمع .. فيأمر الوفد أن لا يحمل إلى سر من رأى بعدها شيئاً من المال ، وأنه ينصب لهم ببغداد رجلاً تحمل إليه الأموال وتخرج منه التوقيعات ..ويخرج الوفد.

    شكا جعفر بن علي على وفد القميين مرة أخرى، إلى الخليفة... إنه سيقول له: إتهم دفعوا المال إلى المهدي. وسوف لن تكون هذه الشكوى ضد الوفد نفسه ، بعد أن وقف المعتمد إلى جانبهم ، بل ستكون ضد المهدي نفسه ، وتتضمن بكل صراحة تأليباً للسلطات عليه.

    وتجد السلطات بغيتها القصوى وهدفها الأعلى الذي كانت ولا تزال تجد في طلبه فلا تقع عليه .إنه الآن رهن يديها وقريب المتناول منها... أليس عمه الآن يعرب عن وجوده ويدل على شاطه .. إنها ستقبض عليه .. وبذلك تستطيع أن تتخلص من الوجود الرهيب الذي يقض مضاجعها ويملؤها رعباً وفرقاً ، لأنه سوف يبدل ظلمها عدلاً ويحول جورها قسطاً.

    ومن هنا نرى المعتمد حيت يستمع لكلام جعفر. ووشايته بالمهدي (ع) ، يرسل الخيل والرجال إلى دار الإمام الحسن العسكري (ع)، فيكبسونه ويفحصون في كل غرفة ودهاليزه ، فلا يجدون شيئاً، وليتهم يكتفون بذلك، وإنما اشتغلوا بالنهب والسلب والغارة على ما رأوا من متاع الدار .

    وبينما هم مشغولون بالنهب ، يتحين الامام المهدي فرصة غفلتهم ، ويخرج من الباب ، تقول الرواية : وهو يومئذ لبن ست سنين – وقد عرفنا انه ابن خمس سنين- فلم يره احد منهم حتى غاب.

    ولا يجد هؤلاء الرجال في الدار ، بعد أن تبعثر أصحابها وتشتت شملها إلا الجارية صقيل أم المهدي عليه السلام ، فيقبضون عليها ويرفعونها إلى الجهات الحاكمة. ومن هنا تبدأ المحنة الأساسية لهذه الجارية الصابرة المجاهدة. تلك المحنة التي واجهتها ، بكل صمود وإخلاص وإيمان .واستطاعت برغم الضغط الحكومي ان تخرج ظافرة في المعركة ، وأن لا تبوح بالسر العزيز الذي باح به جعفر ، فقد أوجب الله تعالى عليه كتمانه ،وأبقت ولدها محجوباً مصوناً من الإعتداء.

    إنهم ـ أولاً ـ طالبوها بالصبي ، فأنكرته ،ومعناه أنها ادعت أنها لم تلد ،وأنه لا وجود لهذا الصبي على وجه الأرض ..إنها تخبر بما لا تعتقد .. وتزيد الوالدة الصابرة الممتحنة في إخفاء ولدها ، وتأخذ الحيطة له. فتدعي ان لها حملاً. ويقع كلامها في ذهن الحكام موقعاً محتملاً.

    بقيت أم المهدي (ع) تحت رقابة الدولة أكثر من عام ، بل اكثر من عامين، لأننا عرفنا أن إلقاء القبض عليها كان بعد وفاة الإمام العسكري عليه السلام ، بمدة غير طويلة، نتيجة لوشاية جعفر ... إذن فقد تم ذلك خلال شهر ربيع الأول من عام 260.

    ان المقصود الأساسي من حجزها ومراقبتها ليس هو البحث عن جنينها او انتظار ولادتها ، وإلا كان يكفي للتأكد من ذلك أن تمضي عدة أشهر فقط، وإنما كان المقصود هو اضطهادها وعزلها عن مجتمعها أولاً ، واحتمال اتصال ولدها بها خلال هذه المدة ، لو كان موجوداً، ..ثانياً .إلا أن مخططهم باء بالفشل الذريع.

    اما بخصوص جعفر بن علي فانه لا بد لنا من اجل حفظ الحقيقة والموضوعية وهو ان جعفر بعد ان مضى عليه زمان يمارس النشاط العدائي للامام المهدي ع وعائلته والممالىء للسلطات الحاكمة أيس من نجاحه وسيطر عليه الحق فكبح جماح نفسه وترك عمله ورفع اليد عن سلوكه المنحرف ، وتاب الى الله من ذنوبه.

    وعندئذ يخرج التوقيع من الامام المهدي عليه السلام في العفو عنه والتجاوز عن تقصيره ، تطبيقاً لقوله تعالى " فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم ) المائدة:39 .وقوله تعالى :"( وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى) طه:82

    يخرج هذا التوقيع بواسطة السفير الثاني: محمد بن عثمان بن سعيد العمري ، جواباً على سؤال في ضمن عدة استفتاءات تقدم بها: اسحاق بن يعقوب إلى الإمام المهدي عليه السلام بواسطة هذا السفير .وكتب الإمام عليه السلام فيما يخص جعفر قائلاً :وأما سبيل عمي جعفر وولده . فسبيل أخوة يوسف عليه السلام . يشير بذلك إلى عفو الله تعالى عن اخوة يوسف عليه السلام، بعد ان كانوا قد ناصبوه العداء وغرروا به ، على ما تحدث القرآن ثم عفا عنهم حين اعتذروا و" قالوا : (تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين .قال لا تثريب عليكم اليوم . يغفر الله لكم. وهو أرحم الراحمين.) يوسف:91-92 وهذا البيان من الإمام المهدي عليه السلام . يدل على العفو عن جعفر ، لنفس السبب الذي عفي به عن أخوة يوسف ، وهو اعتذراهم ورجوعهم إلى الحق وتوبتهم عما فعلوه. (كتاب مو سوعة الامام امهدي ع- تاريخ الغيبة الصغرى) للسيد محمد محمد صادق الصدر

    اخوتي المؤمنين واخواتي المؤمنات قرأ نا واياكم في الجزء السابع ماجرى من امر علة غيبة الامام الحجة محمد بن الحسن ع وتأكيد روايات آل البيت الأطهار ع وقرانا ايصاً في الجزء الثامن بداية غيبته الصغرى وماجرى قبلها من احداث مبتدئة بوفاة الامام العسكري ع وادعاء جعفر الامامة وصلاة الامام الحجة محمد بن الحسن ع على ابيه ع ووفود الوفد القمي وبيان كذب ادعاء جعفر للإمامة ومحاولة السلطة في البحث عن الامام الحجة محمد بن الحسن ع في بيت الامام بوشاية عمه جعفر وغيبته ع عن اعين الظلمين ومعاناة امه ع من جراء ذلك وصبرها على عدم افشاء السر وتوبة جعفر . نكتفي بهذا القدر في هذا الجزء من سلسلة الغيبة والظهور والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    اللهم صل على محمد وآل محمد الائمة والمهديين وسلم تسليما
Working...
X
😀
🥰
🤢
😎
😡
👍
👎