مع الشيخ الطوسي في غيبته - 4 / نصوص الغيبة
إبراهيم عبد علي
يرى الشيخ الطوسي " رحمه الله " أنّ من الأدلة المهمة على وجود ، ومهدوية " إمامنا " محمد بن الحسن ؛ هي النصوص التي وردت عن " أهل البيت " عليهم السلام ، بخصوص غيبة " المهدي المنتظر " قبل زمان غيبته .. ولنستمع إليه ، وهو يصرّح بذلك ، قائلا :
( ويدلّ على إمامة ابن الحسن " ع " ، وصحة غيبته ؛ ما ظهر ، وانتشر ، من الأخبار الشائعة ، الذايعة ، عن آبائه " ع " قبل هذه الأوقات ، بزمن طويـــل ، من أنّ لصاحب هذا الأمر غيبة ... ولولا صحتها ، وصحة إمامته ؛ لما وافق ذلك ، لأن ذلك لايكون إلا بإعلام الله تعالى على لسان نبيه " ص " ) ـ1ـ
ثم يبدأ " المؤلف " بسرد تلك النصوص " الغيبية " عن " غيبة " " الغائب " (عج ) .
( أخبرني جماعة ، عن أبي جعفر محمد بن سفيان البزوفري ، عن أحمد بن إدريس ، عن علي بن محمد بن قتيبة ، عن الفضل بن الشاذان ، عن عبد الرحمن بن أبي نجران ، عن صفوان بن يحيى ، عن أبي أيوب ، عن أبي بصير ، قال : قال أبو عبد الله " ع " :
" إن بلغكم ، عن صاحبكم ، غيبة ؛ فلا تنكروها ) ـ2ـ
وبما أنّ الحديث مروي عن سيدنا الصادق " رضي الله عنه " ، وبما أنّ " صاحبكم " قد تعني ، فيما تعني ، ولعلها الأقرب لما يعني ؛ الإمام من بعده ، وقد وردتْ هذه المفردة ، لأكثر من مرة ، بلسان أكثر من إمام ، وكانوا يعنون بها الذي يلي الإمامة من بعدهم .. كل هذا يجعلنا لا نستبعد أن يكون المعني بحديث " الصادق " هو ولده موسى الكاظم " عجّل الله تعالى فرجه الشريف " ، خصوصا إذا علمنا أنّ أحد رجال الحديث ، هو من أتباع المذهب الواقفي ، على الأقل في فترة من فترات حياته ...
وبشكل عام ، أرى أنّ هذا النص ، أقرب لدعم " الفرقة الواقفية " منه إلى " إسناد " مَيَلان " الفرقة الإثني عشرية " ...
( أحمد بن إدريس ، عن علي بن محمد ، عن الفضل بن شاذان ، عن عبد الله بن جبلة ، عن عبد الله بن المستنير ، عن المفضل بن عمر قال : إنّ لصاحب هذا الأمر غيبتين ، أحدهما تطول ، حتى يقول بعضهم مات ، ويقول بعضهم قتل ، ويقول بعضهم ذهبْ ، حتى لا يبقى على أمره ، من أصحابه ، إلا نفر يسير ، لا يطلع على موضعه أحد من وُلده ، ولا غيره ، إلا المولى الذي يلي أمره ) ـ3ـ
وهذه الرواية " الشريفة " أيضا تدعم المذهب الواقفي ، وبشكل صريح ، فالرواية مذكورة عن سيدنا الصادق " ع " متحدثا فيها عن " صاحب الأمر " عنى بذلك ؛ الإمام من بعده ، وما سيجري عليه " روحي لمقدمه الفدا " مما يُمتحن به شيعته ، ومحبيه ، من غيبته الأولى " سجنه " ، ثم غيبته الكبرى التي يزعم البعض فيها ، أنه قد مات " حتف أنفه ، ويزعمُ ، وهْما ، آخرون " بل بسجن الرشيد ، بالسّم قتلوه " ، فيما يتخبط بعضهم بـ " ذهابه " لما لا يعلمون ، ولا يبقى من " أهل الحق وأنصاره ، إلا " نفر يسير " من القائلين بغيبته ، والمنتظرين لظهوره ، ولا يطلع على موضعه في " غيبته " من أحد من وُلده " سلام الله عليهم أجمعين " ولا غيرهم ، إلا المولى " الثقة " الذي يلي أمره ، ويعرف سرّه ، ويتلقى منه أوامره ..
وأظنّ " وكم أغنى الظنُ ، ولم يُغنِ اليقين من الحق شيئا " ؛ أنّ هذه الرواية واضحة الدلالة ، والإشارة إلى سيدنا موسى الكاظم " ع " ، فضلا عن أن فيها ، مِن رواة " الواقفة " مَن لا يُجهل حاله ، ولا يخفى ، على المتحقق ، مقاله ...
( عن الفضل بن شاذان النيشابوري ، عن عبد الرحمن بن أبي نجران ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر " ع " قال : لابدّ لصاحب هذا الأمر من عزلة ، ولا بدّ في عزلته من قوة ، وما بثلاثين من وحشة ، ونعم المنزل طيبة ) ـ4ـ
وبغضّ النظر عن متن الحديث ، وعدم دلالته على غيبة " مهدي الإثني عشرية " ، فالحديث يؤكد على " العزلة " وأنّ هنالك معه في عزلته " ثلاثون " يطردون عنه الوحشة ، وأنه يعيش في " المدينة " ، وكل هذه الأمور ، لا تنطبق على " غيبة ابن الحسن " ، وإضافة لذلك ، وهذا هو الأهم ، فإنّ في سلسلة رواة النص " علي بن أبي حمزة البطائني " الذي يصفه الشيخ الطوسي ، بأنه " أول مَن أظهر الإعتقاد بالوقف " ـ5ـ وأنه " مطعون عليه " ـ6ـ وأنه " رئيس الواقفة " ـ7ـ وهو مذموم من قبل معظم ، إن لم يكن كل ، علماء الطائفة ، كالنجاشي ، والكشي ، وابن الغضائري ، والنص بشكل عام أقرب لنصرة الواقفة ...
( سعد بن عبد الله ، عن محمد بن الحسن بن أبي الخطاب ، عن الحسن بن علي بن فضال ، عن ثعلبة بن ميمون ، عن مالك الجهني ، عن الأصبغ بن نباته قال : أتيتُ أمير المؤمنين ، عليه السلام ، فوجدته ينكت في الأرض ، فقلت له : يا أمير المؤمنين ؛ مالي أراك مفكرا ، تنكت في الأرض ؟ أرغبة منك فيها ؟..
قال : لا والله ، ما رغبت فيها ، ولا في الدنيا قط ، ولكني تفكرتُ في مولود ، يكون من ظهر الحادي عشر من وُلدي ، هو المهدي الذي يملأها عدلا وقسطا ، كما مُلئت ظلما وجورا ، يكون له حيرة وغيبة ، تضلّ فيها أقوام ، ويهتدي فيها آخرون ..
قلت : يا مولاي ؛ فكم تكون الحيرة والغيبة ؟..
قال : ستة أيام ، أو ستة أشهر ، أو ست سنين ) ـ8ـ
و" الطوسي " رحمه الله ، عن طريق هذا النص ، أراد إثبات " إمامة ومهدوية " محمد بن الحسن ، من خلال " ذكر " سيدنا علي " كرّم الله وجهه " لـ " غيبة المهدي " ، ولا شك أنّ الحديث ، بظاهره العام ، يثبت أنّ للمهدي غيبة ، لكن المشكلة التي تعترضنا ، بسبب هذه النص " المربِك " هي مشكلة ذات ثلاث شعَبْ :
الأول ) : النص يؤكد أنّ " المهدي " الذي سيغيب ، هو " من ظهر الحادي عشر من وُلدي " فيكون المولود المبارك هذا هو ، بالضرورة " الثاني عشر من وُلدي " ، فإذا أضفنا إليهم سيدنا علي بن أبي طالب " جلّ ذكره " ، حينها يكون العدد ثلاثة عشر ، بينما الإثنا عشرية ، يقولون بإثني عشر ، خاتمهم مهديهم ..
الثاني ) : الغيبة ، كما أوضحها النص ، واحدة ، لا اثنتان ..
الثالث ) : " وهو الأدهى والأمرّ " .. النص نفسه يحدّد زمن الغيبة بـ " ستة أيام " أو " ستة اشهر " أو " ست سنين " ، بينما نجد أنّ مدة غيبة " مهدي الشيخ الطوسي " ، لحين تأليف كتابه هذا ، هي حوالي " 91 " عاما ، فكيف ارتضى المؤلف ، الإستدلال بهذا النص ، مع علمه أنه يخالف الواقع ، لا في مدة " غيبة إمامه " فقط ، وإنما في تحديد الإمام " الغائب " نفسه ؟
فإن قيل أنّ هنالك تصحيف ، أو خطأ ، من قبل الناسخ ، فبدلا من كتابته " من ظهري ... الحادي عشر من وُلدي " ، كتبَ " مِن ظهر الحادي عشر من ولدي " ، فاختفت الـ " ياء " نتيجة لسهو الناسخ ، أو لخطأ مطبعي .. قلنا ؛ أنه من غير المعقول ، أن يرد الخطأ والسهو لمرتين ، بذات الكتاب ، وبنفس الموضع ، مرة في الصفحة " 104 " والثانية في الصفحة " 204 " ، وهل يُعقل أن تُرتكب نفس الأخطاء ، أيضا ، في " الإختصاص " لـ " شيخ الطوسي " العلامة المفيد ، الصفحة " 209 " ، و" دلائل الإمامة " للطبري ، الصفحة " 289 " ، وكذلك " الهداية الكبرى " لـ " سيدي ، ومولاي ، ومعتمدي " أبي عبد الله الخصيبي الصفحة " 362 " ، مع اختلاف ألازمنة والأمكنة ؟ هل يُعقل ، بالله عليكم ، هذا ؟
ويستمر " مولانا الطوسي " بسرد الروايات الواردة عن أئمة الهدى " ع " بخصوص الغيبة ، وينبغي ملاحظة أنه ليس هنالك ، من نص واحد ، مروي عن الرسول الكريم " ص " حول هذا الموضوع ، على الرغم من أهميته ...
ثم يختم المؤلف " رحمه الله " حديثه عن هذا الدليل ، بالقول :
( موضع الإستدلال ، من هذه الأخبار " هو " ما تضمّن الخبر بالشيء ، قبل كونه ، فكان كما تضمّنه ، فكان ذلك دليلا على صحة ما ذهبنا إليه ، من إمامة ابن الحسن ، لأن العلم بما يكون ، لا يحصل إلا من جهة علام الغيوب ، فلو لم يُروَ إلا خبر واحد ، ووافق مخبره ، ما تضمّنه الخبر ؛ لكان ذلك كافيا ) ـ9ـ
ويُردّ على المصنف " أعلى الله مقامه " ؛ بأن هذه النصوص " المقدسة " الواردة بشأن الغيبة ، هي ليست ، بالضرورة ، تدعم ما ذهب إليه الإثنا عشرية ، من إمامة ومهدوية ابن الحسن ، بل هي أقرب لدعم المهدويات السابقة لـ " مهدويته " ، أو هي أساسا من صنع رجالاتها ... فمفهوم الغيبة ، هو من القِدم ، بحيث أن أول مَن ابتدأه ، هو " سيد النجباء " عبد الله بن سبأ " رحمنا الله به " حين وصله خبر استشهاد سيدنا علي المرتضى " جلتْ قدرته " فما كان منه إلا أن صرخ بوجه " المقصّرة الحمير " بأن " عليا " لم يمتْ ، ولن يموت ( أيموتُ الله ؟ ) حتى يملأ الأرض قسطا وعدلا ، كما مُلئت ظلما وجورا ، وأنه ، الآن غائب ، وسيعودْ " قريبا يعود " ليسوق العربَ بعصاه .. فهو إذن " أول الغائبين " .. ثم توالتْ " الغيبات " بعد علي " رضي الله عنه " ، ولعلّ أبرزها غيبة محمد بن الحنفية ، الذي ادّعتْ " الكيسانية " غيبته ، وأنه لم يمتْ ، بل هو المهدي المنتظر الذي :
لو غابَ عنا عُمرَ نوح لأيقنتْ
منا النفوسُ بأنه ؛ سيـؤوبُ " 10 "
وكذا الأمر في " غيبة " الصادق ، والكاظم ، ومحمد بن علي الهادي ، والحسن العسكري ، وغيرهم كثير ....
فما ذُكر من نصوص حول الغيبة ، هي أكثر لصوقا ، بالسبأية ، والكيسانية ، والناووسية ، والواقفية ، والمحمدية ، والحسنية ، ممّن أصّلوا فكرة " غيبة المهدي " .. أو على أقل تقدير ، فإنّ هذه النصوص ، تمتدّ لتشمل ، أيضا ، تلك الفرق الشيعية ، التي ادّعتْ المهدوية ، والغيبة ، لأئمتها ، وهذا يعني عدم اختصاصها فقط بـ " مهدي الإثني عشرية " ، بل لعلها ، الأبعد انطباقا عليه ، واختصاصا به ...
وهنا نكون قد انتهينا من استعراض دليل آخر من أدلة الشيخ " رحمه الله " ، وننتقل معه ، وهو يأخذ بأيدينا إلى رحاب دليل جديد ، حول مهدوية ابن الحسن ؛ وهو " الإثبات " عن طريق النصوص الروائية ، أنّ المهدي هو مِن وُلد " الحسين " ، وبذات الوقت ، العمل على إبطال إدّعاء مهدوية كل مَن ادّعاها ، أو ادُّعيَتْ له ، مِن وُلد الحسين ، عدا ابن العسكري ، وبذا يتحقق المراد ، ويصلُ إلى رشادهمُ العباد .....
ــــــــــــ
1ـ الكتاب : 101
2ـ الكتاب : 102
3ـ الكتاب : 102
4ـ الكتاب : 102
5ـ الكتاب : 42
6ـ الكتاب : 37
7ـ الكتاب : 44
8ـ الكتاب : 104
9ـ الكتاب : 108 ـ 109
10ـ من قصيدة للشاعر السيد الحميري ( ت 173 هـ )
إبراهيم عبد علي
يرى الشيخ الطوسي " رحمه الله " أنّ من الأدلة المهمة على وجود ، ومهدوية " إمامنا " محمد بن الحسن ؛ هي النصوص التي وردت عن " أهل البيت " عليهم السلام ، بخصوص غيبة " المهدي المنتظر " قبل زمان غيبته .. ولنستمع إليه ، وهو يصرّح بذلك ، قائلا :
( ويدلّ على إمامة ابن الحسن " ع " ، وصحة غيبته ؛ ما ظهر ، وانتشر ، من الأخبار الشائعة ، الذايعة ، عن آبائه " ع " قبل هذه الأوقات ، بزمن طويـــل ، من أنّ لصاحب هذا الأمر غيبة ... ولولا صحتها ، وصحة إمامته ؛ لما وافق ذلك ، لأن ذلك لايكون إلا بإعلام الله تعالى على لسان نبيه " ص " ) ـ1ـ
ثم يبدأ " المؤلف " بسرد تلك النصوص " الغيبية " عن " غيبة " " الغائب " (عج ) .
( أخبرني جماعة ، عن أبي جعفر محمد بن سفيان البزوفري ، عن أحمد بن إدريس ، عن علي بن محمد بن قتيبة ، عن الفضل بن الشاذان ، عن عبد الرحمن بن أبي نجران ، عن صفوان بن يحيى ، عن أبي أيوب ، عن أبي بصير ، قال : قال أبو عبد الله " ع " :
" إن بلغكم ، عن صاحبكم ، غيبة ؛ فلا تنكروها ) ـ2ـ
وبما أنّ الحديث مروي عن سيدنا الصادق " رضي الله عنه " ، وبما أنّ " صاحبكم " قد تعني ، فيما تعني ، ولعلها الأقرب لما يعني ؛ الإمام من بعده ، وقد وردتْ هذه المفردة ، لأكثر من مرة ، بلسان أكثر من إمام ، وكانوا يعنون بها الذي يلي الإمامة من بعدهم .. كل هذا يجعلنا لا نستبعد أن يكون المعني بحديث " الصادق " هو ولده موسى الكاظم " عجّل الله تعالى فرجه الشريف " ، خصوصا إذا علمنا أنّ أحد رجال الحديث ، هو من أتباع المذهب الواقفي ، على الأقل في فترة من فترات حياته ...
وبشكل عام ، أرى أنّ هذا النص ، أقرب لدعم " الفرقة الواقفية " منه إلى " إسناد " مَيَلان " الفرقة الإثني عشرية " ...
( أحمد بن إدريس ، عن علي بن محمد ، عن الفضل بن شاذان ، عن عبد الله بن جبلة ، عن عبد الله بن المستنير ، عن المفضل بن عمر قال : إنّ لصاحب هذا الأمر غيبتين ، أحدهما تطول ، حتى يقول بعضهم مات ، ويقول بعضهم قتل ، ويقول بعضهم ذهبْ ، حتى لا يبقى على أمره ، من أصحابه ، إلا نفر يسير ، لا يطلع على موضعه أحد من وُلده ، ولا غيره ، إلا المولى الذي يلي أمره ) ـ3ـ
وهذه الرواية " الشريفة " أيضا تدعم المذهب الواقفي ، وبشكل صريح ، فالرواية مذكورة عن سيدنا الصادق " ع " متحدثا فيها عن " صاحب الأمر " عنى بذلك ؛ الإمام من بعده ، وما سيجري عليه " روحي لمقدمه الفدا " مما يُمتحن به شيعته ، ومحبيه ، من غيبته الأولى " سجنه " ، ثم غيبته الكبرى التي يزعم البعض فيها ، أنه قد مات " حتف أنفه ، ويزعمُ ، وهْما ، آخرون " بل بسجن الرشيد ، بالسّم قتلوه " ، فيما يتخبط بعضهم بـ " ذهابه " لما لا يعلمون ، ولا يبقى من " أهل الحق وأنصاره ، إلا " نفر يسير " من القائلين بغيبته ، والمنتظرين لظهوره ، ولا يطلع على موضعه في " غيبته " من أحد من وُلده " سلام الله عليهم أجمعين " ولا غيرهم ، إلا المولى " الثقة " الذي يلي أمره ، ويعرف سرّه ، ويتلقى منه أوامره ..
وأظنّ " وكم أغنى الظنُ ، ولم يُغنِ اليقين من الحق شيئا " ؛ أنّ هذه الرواية واضحة الدلالة ، والإشارة إلى سيدنا موسى الكاظم " ع " ، فضلا عن أن فيها ، مِن رواة " الواقفة " مَن لا يُجهل حاله ، ولا يخفى ، على المتحقق ، مقاله ...
( عن الفضل بن شاذان النيشابوري ، عن عبد الرحمن بن أبي نجران ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر " ع " قال : لابدّ لصاحب هذا الأمر من عزلة ، ولا بدّ في عزلته من قوة ، وما بثلاثين من وحشة ، ونعم المنزل طيبة ) ـ4ـ
وبغضّ النظر عن متن الحديث ، وعدم دلالته على غيبة " مهدي الإثني عشرية " ، فالحديث يؤكد على " العزلة " وأنّ هنالك معه في عزلته " ثلاثون " يطردون عنه الوحشة ، وأنه يعيش في " المدينة " ، وكل هذه الأمور ، لا تنطبق على " غيبة ابن الحسن " ، وإضافة لذلك ، وهذا هو الأهم ، فإنّ في سلسلة رواة النص " علي بن أبي حمزة البطائني " الذي يصفه الشيخ الطوسي ، بأنه " أول مَن أظهر الإعتقاد بالوقف " ـ5ـ وأنه " مطعون عليه " ـ6ـ وأنه " رئيس الواقفة " ـ7ـ وهو مذموم من قبل معظم ، إن لم يكن كل ، علماء الطائفة ، كالنجاشي ، والكشي ، وابن الغضائري ، والنص بشكل عام أقرب لنصرة الواقفة ...
( سعد بن عبد الله ، عن محمد بن الحسن بن أبي الخطاب ، عن الحسن بن علي بن فضال ، عن ثعلبة بن ميمون ، عن مالك الجهني ، عن الأصبغ بن نباته قال : أتيتُ أمير المؤمنين ، عليه السلام ، فوجدته ينكت في الأرض ، فقلت له : يا أمير المؤمنين ؛ مالي أراك مفكرا ، تنكت في الأرض ؟ أرغبة منك فيها ؟..
قال : لا والله ، ما رغبت فيها ، ولا في الدنيا قط ، ولكني تفكرتُ في مولود ، يكون من ظهر الحادي عشر من وُلدي ، هو المهدي الذي يملأها عدلا وقسطا ، كما مُلئت ظلما وجورا ، يكون له حيرة وغيبة ، تضلّ فيها أقوام ، ويهتدي فيها آخرون ..
قلت : يا مولاي ؛ فكم تكون الحيرة والغيبة ؟..
قال : ستة أيام ، أو ستة أشهر ، أو ست سنين ) ـ8ـ
و" الطوسي " رحمه الله ، عن طريق هذا النص ، أراد إثبات " إمامة ومهدوية " محمد بن الحسن ، من خلال " ذكر " سيدنا علي " كرّم الله وجهه " لـ " غيبة المهدي " ، ولا شك أنّ الحديث ، بظاهره العام ، يثبت أنّ للمهدي غيبة ، لكن المشكلة التي تعترضنا ، بسبب هذه النص " المربِك " هي مشكلة ذات ثلاث شعَبْ :
الأول ) : النص يؤكد أنّ " المهدي " الذي سيغيب ، هو " من ظهر الحادي عشر من وُلدي " فيكون المولود المبارك هذا هو ، بالضرورة " الثاني عشر من وُلدي " ، فإذا أضفنا إليهم سيدنا علي بن أبي طالب " جلّ ذكره " ، حينها يكون العدد ثلاثة عشر ، بينما الإثنا عشرية ، يقولون بإثني عشر ، خاتمهم مهديهم ..
الثاني ) : الغيبة ، كما أوضحها النص ، واحدة ، لا اثنتان ..
الثالث ) : " وهو الأدهى والأمرّ " .. النص نفسه يحدّد زمن الغيبة بـ " ستة أيام " أو " ستة اشهر " أو " ست سنين " ، بينما نجد أنّ مدة غيبة " مهدي الشيخ الطوسي " ، لحين تأليف كتابه هذا ، هي حوالي " 91 " عاما ، فكيف ارتضى المؤلف ، الإستدلال بهذا النص ، مع علمه أنه يخالف الواقع ، لا في مدة " غيبة إمامه " فقط ، وإنما في تحديد الإمام " الغائب " نفسه ؟
فإن قيل أنّ هنالك تصحيف ، أو خطأ ، من قبل الناسخ ، فبدلا من كتابته " من ظهري ... الحادي عشر من وُلدي " ، كتبَ " مِن ظهر الحادي عشر من ولدي " ، فاختفت الـ " ياء " نتيجة لسهو الناسخ ، أو لخطأ مطبعي .. قلنا ؛ أنه من غير المعقول ، أن يرد الخطأ والسهو لمرتين ، بذات الكتاب ، وبنفس الموضع ، مرة في الصفحة " 104 " والثانية في الصفحة " 204 " ، وهل يُعقل أن تُرتكب نفس الأخطاء ، أيضا ، في " الإختصاص " لـ " شيخ الطوسي " العلامة المفيد ، الصفحة " 209 " ، و" دلائل الإمامة " للطبري ، الصفحة " 289 " ، وكذلك " الهداية الكبرى " لـ " سيدي ، ومولاي ، ومعتمدي " أبي عبد الله الخصيبي الصفحة " 362 " ، مع اختلاف ألازمنة والأمكنة ؟ هل يُعقل ، بالله عليكم ، هذا ؟
ويستمر " مولانا الطوسي " بسرد الروايات الواردة عن أئمة الهدى " ع " بخصوص الغيبة ، وينبغي ملاحظة أنه ليس هنالك ، من نص واحد ، مروي عن الرسول الكريم " ص " حول هذا الموضوع ، على الرغم من أهميته ...
ثم يختم المؤلف " رحمه الله " حديثه عن هذا الدليل ، بالقول :
( موضع الإستدلال ، من هذه الأخبار " هو " ما تضمّن الخبر بالشيء ، قبل كونه ، فكان كما تضمّنه ، فكان ذلك دليلا على صحة ما ذهبنا إليه ، من إمامة ابن الحسن ، لأن العلم بما يكون ، لا يحصل إلا من جهة علام الغيوب ، فلو لم يُروَ إلا خبر واحد ، ووافق مخبره ، ما تضمّنه الخبر ؛ لكان ذلك كافيا ) ـ9ـ
ويُردّ على المصنف " أعلى الله مقامه " ؛ بأن هذه النصوص " المقدسة " الواردة بشأن الغيبة ، هي ليست ، بالضرورة ، تدعم ما ذهب إليه الإثنا عشرية ، من إمامة ومهدوية ابن الحسن ، بل هي أقرب لدعم المهدويات السابقة لـ " مهدويته " ، أو هي أساسا من صنع رجالاتها ... فمفهوم الغيبة ، هو من القِدم ، بحيث أن أول مَن ابتدأه ، هو " سيد النجباء " عبد الله بن سبأ " رحمنا الله به " حين وصله خبر استشهاد سيدنا علي المرتضى " جلتْ قدرته " فما كان منه إلا أن صرخ بوجه " المقصّرة الحمير " بأن " عليا " لم يمتْ ، ولن يموت ( أيموتُ الله ؟ ) حتى يملأ الأرض قسطا وعدلا ، كما مُلئت ظلما وجورا ، وأنه ، الآن غائب ، وسيعودْ " قريبا يعود " ليسوق العربَ بعصاه .. فهو إذن " أول الغائبين " .. ثم توالتْ " الغيبات " بعد علي " رضي الله عنه " ، ولعلّ أبرزها غيبة محمد بن الحنفية ، الذي ادّعتْ " الكيسانية " غيبته ، وأنه لم يمتْ ، بل هو المهدي المنتظر الذي :
لو غابَ عنا عُمرَ نوح لأيقنتْ
منا النفوسُ بأنه ؛ سيـؤوبُ " 10 "
وكذا الأمر في " غيبة " الصادق ، والكاظم ، ومحمد بن علي الهادي ، والحسن العسكري ، وغيرهم كثير ....
فما ذُكر من نصوص حول الغيبة ، هي أكثر لصوقا ، بالسبأية ، والكيسانية ، والناووسية ، والواقفية ، والمحمدية ، والحسنية ، ممّن أصّلوا فكرة " غيبة المهدي " .. أو على أقل تقدير ، فإنّ هذه النصوص ، تمتدّ لتشمل ، أيضا ، تلك الفرق الشيعية ، التي ادّعتْ المهدوية ، والغيبة ، لأئمتها ، وهذا يعني عدم اختصاصها فقط بـ " مهدي الإثني عشرية " ، بل لعلها ، الأبعد انطباقا عليه ، واختصاصا به ...
وهنا نكون قد انتهينا من استعراض دليل آخر من أدلة الشيخ " رحمه الله " ، وننتقل معه ، وهو يأخذ بأيدينا إلى رحاب دليل جديد ، حول مهدوية ابن الحسن ؛ وهو " الإثبات " عن طريق النصوص الروائية ، أنّ المهدي هو مِن وُلد " الحسين " ، وبذات الوقت ، العمل على إبطال إدّعاء مهدوية كل مَن ادّعاها ، أو ادُّعيَتْ له ، مِن وُلد الحسين ، عدا ابن العسكري ، وبذا يتحقق المراد ، ويصلُ إلى رشادهمُ العباد .....
ــــــــــــ
1ـ الكتاب : 101
2ـ الكتاب : 102
3ـ الكتاب : 102
4ـ الكتاب : 102
5ـ الكتاب : 42
6ـ الكتاب : 37
7ـ الكتاب : 44
8ـ الكتاب : 104
9ـ الكتاب : 108 ـ 109
10ـ من قصيدة للشاعر السيد الحميري ( ت 173 هـ )