مع الشيخ الطوسي في غيبته - 2 / الواقفية - 2
إبراهيم عبد علي
المحور الثالث : أدلة الواقفة
بعد انتهاء " المؤلف " من استعراض أدلته على إثبات وفاة سيدنا موسى الكاظم " رحمه الله " ، وإيراده النصوص التي تؤكد وصيته إلى ولده علي الرضا " صلوات الله وسلامه عليه " بالإمامة ؛ ينتقل بنا إلى المبحث الثالث ، الذي يتمحور حول الأدلة التي يسوقها الواقفة ، لدعم مذهبهم واعتقادهم ، وردّ الشيخ الطوسي ، على هذه الإدعاءات .. ويعتمد المؤلف ، في ذلك ، على أحد شيوخ الواقفة ، واسمه ؛ علي بن أحمد العلوي الموسوي ، في كتاب له " في نصرة الواقفة " وصل المؤلف ، ولم يصلنا ...
( قال الموسوي : حدّثني أحمد بن الحسن الميثمي ، عن أبيه ، عن أبي سعيد المدايني ، قال :
سمعتُ أبا جعفر " ع " يقول : إنّ اللهَ استنقذ بني إسرائيل من فرعونها بموسى بن عمران ، وإنّ الله مستنقذ هذه الأمة ، من فرعونها ، بسميّه ) ـ1ـ
ويردّ " مولانا " هذه الرواية بقوله :
( فالوجه فيه ، بعد كونه خبرا واحدا ؛ أنّ الله استنقذهم ، بأن دلهم على إمامته ، والإبانة عن حقه ) ـ2ـ
وهذا " الوجه " لا يُحتمل ، ولا أظن النص يتسع له ، أو يشير إليه ، لا من قريب ، ولا من بعيد ، فـ " الباقر " هنا يقارن إنقاذ النبي موسى لبني إسرائيل ـ هذا الحدث الهائل ، والعظيم ـ بإنقاذ سميّه لأمة محمد " ص " من فرعونها .. وهذا الأمر ، أكبر وأوضح ، من أن يعني بـ " استنقاذهم " من خلال دلالتهم عليه بالإمامة ، وإيضاح أولويته ، وحقه فيها .
ثم يورد الشيخ حديثا آخر :
( قال الموسوي : وحدثني بحر بن زياد الطحان ، عن محمد بن مروان ، عن أبي جعفر " ع " قال : قال " له " رجل : جُعلت فداك ، إنهم يروون أن أمير المؤمنين " ع " قال بالكوفة على المنبر : " لو لم يبق من الدنيا إلا يوم ؛ لطوّل الله ذلك اليوم ، حتى يبعث الله رجلا مني ، يملأها قسطا وعدلا ، كما مُلئت ظلما وجورا "
فقال أبو جعفر " ع " : نعم ..
قال " الرجل " : فأنتَ هو ؟ ..
فقال : لا .. ذاك سميّ فالق البحر .. ) ـ3ـ
ويعلق " المؤلف " حول هذا النص قائلا :
( فالوجه فيه ، بعد كونه خبرا واحدا ؛ أنّ لسميّ فالق البحر ، أن يقوم بالأمر ، ويملأها قسطا وعدلا ، إن مُكن مِن ذلك ... ) ـ4ـ
ولا أدري كيف أعطى " المؤلف " الحق لنفسه ، لتأويل نص الإمام بـ " إن مُكن من ذلك " مع عدم إحتمال النص لمثل ذلك التأويل البعيد ، بل الممتنع ؟ .. فـ ( لو لم يبق من الدنيا إلا يوم ) أأكثر من ذا الوضوح ؟ ( لطوّل الله ذلك اليوم ) لمَ يطوّله " يا شيخ " أليسَ لكي قضي الله أمرا كان مفعولا ؟ ( حتى يبعث الله رجلا مني ، يملأها قسطا وعدلا ) ، إذن هو سيملؤها قسطا وعدلا ، وإن لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد فقط ، وهذا يعني ، أنّ هنالك " حتمية " في الموضوع ، وليس احتمالا بـ ( إن مُكن ) ...
الغريب في الأمر ؛ هو أن هذا الحديث الذي يوجهه " الشيخ " وجهته السمجة تلك ، يعود ليستدلّ به في إثبات وجود " مهديه " سلام الله عليه ...
( قال الموسوي : حدّثني أبو محمد الصيرفي ، عن حسين بن سليمان ، عن ضريس الكناسي ، عن أبي خالد الكابلي قال : سمعتُ علي بن الحسين " ع " وهو يقول : إنّ قارون كان يلبس الثياب الحمر ، وإن فرعون كان يلبس السود ، ويرخي الشعور ، فبعث الله عليهم موسى ، وإنّ بني فلان " يعني بني العباس " لبسوا السواد ، وأرخوا الشعور ، وإنّ الله مهلكهم بسميّه ) ـ5ـ
( والوجه فيه ، بعد كونه خبرا واحدا ؛ ما قدّمناه من أن موسى هو المستحق للقيام بالأمر بعد أبيه ، ويُحتمل ، أيضا ، أن يريد ؛ أن الذي يفعل ما يتضمنه الخبر ، والذي له العدل ، والقيام بالأمر ، يتمكن منه ، من وُلد موسى .... ) ـ6ـ
وفي هذه الرواية نجد أنّ " إمامنا " زين العابدين علي " ع " يقول ، وبمنتهى الوضوح " أنّ الله مهلكهم بسميّه " ، فكيف يصرف الشيخ مفردة " مهلكهم " من دلالتها اللفظية والواقعية ، إلى دلالة أخرى ، لا تمت لها باية صلة ، وهي أنه يقصد قيامه بالأمر والإمامة بعد أبيه الصادق ؟ .. أو أنه " عنيتُ الطوسي " يوجّه النص وجهة أخرى ، ليست بعيدة فقط وإنما معدومة الإحتمال ، بعد أن أحسّ ، بالتأكيد ، بحراجة ولا معقولية الوجهة الأولى التي ذهب إليها ، فيقول " رحمه الله " ؛ إنّ الإمام كان يقصد بأنه مُهلكهم بأحد أبناء سَميّه .. وهذا أيضا غريب ولا يتناسب مع سياق النص ، ودلالة ألفاظه ...
وعلى العموم ، فقد كان يكفي أن يقول " الطوسي " في رده على هذه الرواية ؛ بأنها واضحة الإختلاق ، كون أن " سيدنا " زين العابدين " ع " توفي عام ( 95 هـ ) وهذا يعني أن وفاته كانت قبل قيام الدولة العباسية " يرحمها الله " بحوالي ( 37 سنة ) لأن قيام الدولة العباسية كان في عام ( 132 هـ ) ، فكيف يقول " سيد الساجدين " ؛ أن بني فلان ، ويعني بهم بنو العباس ، لبسوا السواد ، وهو قد انتقل إلى رضوان ربه ورحمته قبل أن يلبسوه ؟! ..
ويستمر " شيخ الطائفة " بذكر الأدلة الروائية ، لأصحاب الوقف " رحمهم الله " ولا يني ، من جهته ، بتوجيهها وجهته المعتادة والغريبة ... وسنكتفي ، لننهي الحديث حول " المحور الثالث " من دراسته للفرقة الواقفية ، بإيراد روايتين اثنتين ، وردّ المؤلف عليهما ..
( قال الموسوي : وأخبرني علي بن رزق الله ، عن أبي الوليد الطرائفي ، قال : كنتُ ، ليلة ، عند أبي عبد الله " ع " إذ نادى غلامه فقال " له " : " إنطلق ، فادع لي سيد وُلدي ..
فقال له الغلام : من هو ؟
فقال : فلان ـ يعني أبا الحسن ـ ..
فلم ألبث ، حتى جاء بقميص بغير رداء ... إلى أن قال : ثم ضرب بيده على عضدي وقال : يا أبا الوليد ، كأني بالراية السوداء ، صاحبة الرقعة الخضراء ، تخفق فوق رأس هذا الجالس ، ومعه أصحابه ، يهدّون جبال الحديد هدّا ، لا يأتون على شيء ، إلا هدّوه ..
قلتُ : جُعلت فداك .. هذا ؟
قال : نعم ، هذا ، يا أبا الوليد ، يملأها قسطا وعدلا ، كما مُلئت ظلما وعدوانا ، يسير في أهل القبلة ، بسيرة علي بن أبي طالب " ع " ، يقتل أعداء الله ، حتى يرضى الله ..
قلتُ : جُعلتُ فداك ، هذا ؟
قال : هذا ..
ثم قال " لي " : فاتبعه ، وأطعه ، وصدّقه ، واعطه الرضا من نفسك ، وستدركه إن شاء الله ) ـ7ـ
( فالوجه فيه ، أيضا ، أن يكون قوله " كأني بالراية على رأس هذا " ، اي على رأس مَن يكون من وُلد هذا ) ـ8ـ
بالله عليكم ؛ أيُعقل هذا ؟! ، فقط دققوا في النص السابق ، واحكموا بأنفسكم ؛ هل يمكن أن يكون الإمام الصادق " روحي فداه " يقصد غير وَلده موسى " عجّل الله تعالى فرجه " خصوصا أننا نجد تأكيد كلمة " هذا " يرد لخمسة مرات في هذا النص " المقدس " ، وليس هنالك أية إشارة فيه ، توحي بأن المقصود غيره ...
( قال الموسوي : وحدّثني حنان بن سدير ، عن أبي إسماعيل الأبرص ، عن ابي بصير ، قال : قال أبو عبد الله ( الصادق ) " ع " : على رأس السابع منا الفرج .. ) ـ9ـ
ويردّ الشيخ " رحمه الله " قائلا :
(يُحتمل أن يكون السابع " منه " .. لأنه الظاهر من قوله " منا " إشارة إلى نفسه .. وكذلك نقول ( يعني نحن الإثني عشرية ) السابع منه ( هو ) القائم .. وليس في الخبر ، السابع " من أولنا " .. وإذا احتُمل ما قلناه ، سقطتْ المعارضة به ) ـ10ـ
وهذا من أغرب الردود التي سمعتها في حياتي ـ إن كانت تستحق أن تسمى حياة أصلا ـ لأن الشيخ وقع في اشتباه كبير في ذات الوقت الذي ظن فيه ، أنه وجّه الرواية الوجهة التي تدعم مذهبه الإثني عشري ؟.. لأننا لو دققنا كلام الإمام الصادق " ع " بعملية حسابية ، وفق وجهة الشيخ نفسه ؛ لخرجنا بنتيجة لا ترضيه هو بذاته ، لأنه حينها سيكون عدد الأئمة ثلاثة عشر ، لا إثنا عشر ، وكذلك سيكون مهديُه ليس مهديَه ، بمعنى أن " القائم " الذي سيكون على يديه الفرج ليس محمد بن الحسن ، إنما ابنه .. وإليك التفصيل :
أبو عبد الله الصادق " ع " ، صاحب الحديث ، هو الإمام السادس من الأئمة ، وهو هنا يتحدث لأبي بصير فيقول له : على راس السابع منا " يكون " الفرج .. الواقفية يقولون أنه عنى بذلك ؛ " السابع من الأئمة " ، وهذا يعني ابنه موسى الكاظم " ع " كما هو واضح .
أما الشيخ الطوسي فيرد ذلك باحتمالية غريبة ، بل الأدهى أنها لا ترضيه هو نفسه ، كما سيأتي ، واحتمالية الشيخ ؛ هي أن الصادق عنى بـ " السابع منا " السابعَ منه لا منا ككل ، وهذا يعني السابع من نسل الصادق نفسه .. وإذا حسبنا الأئمة من نسله " ع " ، لنصل إلى السابع منه ، والذي سيكون الفرج على يديه ؛ سنفاجأ بأن " محمد بن الحسن العسكري " ( أي المهدي لدى الإثني عشرية ) سوف لن يكون ، وفقا لذلك ، هو السابع ، إنما " السادس " ، ويترتب على ذلك ، أن يكون " السابع منه " هو ابن محمد بن الحسن العسكري ، والذي سيكون الفرج على يديه ، وليس محمد بن الحسن ( الثاني عشر ) إنما هو وَلده ( يعني الثالث عشر من الأئمة ، والسابع من وُلد الصادق ) .. واليك الجدول التوضيحي لهذا الأمر :
الأئمة حسب التسلسل
ــــــــــــــــــــــــــــــ
الإمام علي بن أبي طالب
الإمام الحسن بن علي
الإمام الحسين بن علي
الإمام زين العابدين علي
الإمام الباقر
الإمام الصادق ( وهو السادس من الأئمة )
وهنا يجب علينا أن نعد سبعة أئمة لنصل إلى معرفة " السابع منه " ( كما أراد الشيخ الطوسي نفسه ) مَن على يديه يكون الفرج :
1ـ الإمام الكاظم ( السابع وفق التسلسل الأثني عشري )
2ـ الإمام الرضا ( الثامن وفق التسلسل الإثني عشري )
3ـ الإمام الجواد ( التاسع وفق التسلسل الإثني عشري )
4ـ الإمام الهادي ( العاشر وفق التسلسل الإثني عشري )
5ـ الإمام العسكري ( الحادي عشر وفق التسلسل الإثني عشري )
6ـ الإمام محمد بن الحسن " المهدي " ( الثاني عشر وفق التسلسل الإثني عشري )
7 ـ الإمام ... ؟ " وهو مرادنا " ( الثالث عشر وهوالذي فرجنا على يديه )
وأظن أن هذه النتيجة هي الأقرب لدعم موقف " الإمام أحمد بن الحسن " يماني آل محمد ، عنيتُ الحركة المهدوية المعاصرة ، والتي تدعو لوصي ورسول وابن الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري " مكن الله له في الأرض " والذي سنفرد له ، إن شاء الله ، موضوعا خاصا ، دراسة ، وتحليلا ، ونقدا ...
ثم ينتقل بنا المؤلف " رحمه الله " لدراسة المحاور الأخرى ، في مجال بحثه حول " الفرقة الواقفية " ، فيبدأ ببيان السبب الإقتصادي ـ المادي للقول بـ " الوقف " ، وكذلك يعرّج على " الطعن في رجال الواقفة وفقهائهم " ثم يختم بالروايات التي تشير إلى ظهور " المعجزات " الدالة على إمامة " الرضا علي " عليه الصلاة والسلام ..
وهنا نكون قد انتهينا من استعراض دليلين ساقهما المؤلف ، لإثبات إمامة ومهدوية محمد بن الحسن ؛ أولهما ): ضرورة الإمامة والعصمة ، غائبا كان هذا الإمام ، أو حاضرا .. وثانيهما ) : نفي إمامة وعصمة ومهدوية ، كل من إدعيَ غيبته من قبل الفرق الشيعية الأخرى عدا الإثني عشرية ..
وبعد كل ما مر ؛ سيأخذ المؤلف بأيدينا ، نحو أدلة أخرى ، يرى أنها تثبت " مدّعاه " بمهدوية ابن الحسن ، وصحة ولادته ووجوده ..
ويمكن لنا تقسيم رحلتنا المقبلة ، إلى عدة محاور بحثية :
1ـ الدليل على أن الأئمة اثنا عشر ، وما يستتبعه ذلك ، من الإقرار بالثاني عشر .
2ـ الأحاديث والروايات التي تذكر " الغيبة " والتي ذُكرتْ قبل زمن " الثاني عشر " بسنين طويلة ، وما تعنيه تلك الحقيقة ، من صحة ما ذهب إليه " الإثني عشرية " من غيبة الإمام محمد بن الحسن .
3ـ الإثبات ـ عن طريق النصوص الروائية ـ أنّ المهدي هو من وُلد " الحسين " ، وبذات الوقت ، إبطال إدعاء كل مَن ادّعاها ، أو ادُعيَتْ له ، من وُلد الحسين ، عدا محمد بن الحسن العسكري .
4ـ ذكر ولادة الإمام الحجة المنتظر " روحي لمقدمه الفدا " .
5ـ ذكر الوكلاء الأربعة لـ " مهدي الإثني عشرية " وتوقيعاته " الشريفة " لهم .
ولنشرع في مواصلة رحلتنا بآهيا ، شراهيا ، بأصباؤوت ، أدونا ، وماد الماد ، والطبنِ ...
ــــــــــــــــ
1ـ الكتاب : 30
2ـ الكتاب : 30
3ـ الكتاب : 31
4ـ الكتاب : 31
5ـ الكتاب : 31ـ32
6ـ الكتاب : 32
7ـ الكتاب : 32ـ33
8ـ الكتاب : 33
9ـ الكتاب : 36
10ـ الكتاب : 36
إبراهيم عبد علي
المحور الثالث : أدلة الواقفة
بعد انتهاء " المؤلف " من استعراض أدلته على إثبات وفاة سيدنا موسى الكاظم " رحمه الله " ، وإيراده النصوص التي تؤكد وصيته إلى ولده علي الرضا " صلوات الله وسلامه عليه " بالإمامة ؛ ينتقل بنا إلى المبحث الثالث ، الذي يتمحور حول الأدلة التي يسوقها الواقفة ، لدعم مذهبهم واعتقادهم ، وردّ الشيخ الطوسي ، على هذه الإدعاءات .. ويعتمد المؤلف ، في ذلك ، على أحد شيوخ الواقفة ، واسمه ؛ علي بن أحمد العلوي الموسوي ، في كتاب له " في نصرة الواقفة " وصل المؤلف ، ولم يصلنا ...
( قال الموسوي : حدّثني أحمد بن الحسن الميثمي ، عن أبيه ، عن أبي سعيد المدايني ، قال :
سمعتُ أبا جعفر " ع " يقول : إنّ اللهَ استنقذ بني إسرائيل من فرعونها بموسى بن عمران ، وإنّ الله مستنقذ هذه الأمة ، من فرعونها ، بسميّه ) ـ1ـ
ويردّ " مولانا " هذه الرواية بقوله :
( فالوجه فيه ، بعد كونه خبرا واحدا ؛ أنّ الله استنقذهم ، بأن دلهم على إمامته ، والإبانة عن حقه ) ـ2ـ
وهذا " الوجه " لا يُحتمل ، ولا أظن النص يتسع له ، أو يشير إليه ، لا من قريب ، ولا من بعيد ، فـ " الباقر " هنا يقارن إنقاذ النبي موسى لبني إسرائيل ـ هذا الحدث الهائل ، والعظيم ـ بإنقاذ سميّه لأمة محمد " ص " من فرعونها .. وهذا الأمر ، أكبر وأوضح ، من أن يعني بـ " استنقاذهم " من خلال دلالتهم عليه بالإمامة ، وإيضاح أولويته ، وحقه فيها .
ثم يورد الشيخ حديثا آخر :
( قال الموسوي : وحدثني بحر بن زياد الطحان ، عن محمد بن مروان ، عن أبي جعفر " ع " قال : قال " له " رجل : جُعلت فداك ، إنهم يروون أن أمير المؤمنين " ع " قال بالكوفة على المنبر : " لو لم يبق من الدنيا إلا يوم ؛ لطوّل الله ذلك اليوم ، حتى يبعث الله رجلا مني ، يملأها قسطا وعدلا ، كما مُلئت ظلما وجورا "
فقال أبو جعفر " ع " : نعم ..
قال " الرجل " : فأنتَ هو ؟ ..
فقال : لا .. ذاك سميّ فالق البحر .. ) ـ3ـ
ويعلق " المؤلف " حول هذا النص قائلا :
( فالوجه فيه ، بعد كونه خبرا واحدا ؛ أنّ لسميّ فالق البحر ، أن يقوم بالأمر ، ويملأها قسطا وعدلا ، إن مُكن مِن ذلك ... ) ـ4ـ
ولا أدري كيف أعطى " المؤلف " الحق لنفسه ، لتأويل نص الإمام بـ " إن مُكن من ذلك " مع عدم إحتمال النص لمثل ذلك التأويل البعيد ، بل الممتنع ؟ .. فـ ( لو لم يبق من الدنيا إلا يوم ) أأكثر من ذا الوضوح ؟ ( لطوّل الله ذلك اليوم ) لمَ يطوّله " يا شيخ " أليسَ لكي قضي الله أمرا كان مفعولا ؟ ( حتى يبعث الله رجلا مني ، يملأها قسطا وعدلا ) ، إذن هو سيملؤها قسطا وعدلا ، وإن لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد فقط ، وهذا يعني ، أنّ هنالك " حتمية " في الموضوع ، وليس احتمالا بـ ( إن مُكن ) ...
الغريب في الأمر ؛ هو أن هذا الحديث الذي يوجهه " الشيخ " وجهته السمجة تلك ، يعود ليستدلّ به في إثبات وجود " مهديه " سلام الله عليه ...
( قال الموسوي : حدّثني أبو محمد الصيرفي ، عن حسين بن سليمان ، عن ضريس الكناسي ، عن أبي خالد الكابلي قال : سمعتُ علي بن الحسين " ع " وهو يقول : إنّ قارون كان يلبس الثياب الحمر ، وإن فرعون كان يلبس السود ، ويرخي الشعور ، فبعث الله عليهم موسى ، وإنّ بني فلان " يعني بني العباس " لبسوا السواد ، وأرخوا الشعور ، وإنّ الله مهلكهم بسميّه ) ـ5ـ
( والوجه فيه ، بعد كونه خبرا واحدا ؛ ما قدّمناه من أن موسى هو المستحق للقيام بالأمر بعد أبيه ، ويُحتمل ، أيضا ، أن يريد ؛ أن الذي يفعل ما يتضمنه الخبر ، والذي له العدل ، والقيام بالأمر ، يتمكن منه ، من وُلد موسى .... ) ـ6ـ
وفي هذه الرواية نجد أنّ " إمامنا " زين العابدين علي " ع " يقول ، وبمنتهى الوضوح " أنّ الله مهلكهم بسميّه " ، فكيف يصرف الشيخ مفردة " مهلكهم " من دلالتها اللفظية والواقعية ، إلى دلالة أخرى ، لا تمت لها باية صلة ، وهي أنه يقصد قيامه بالأمر والإمامة بعد أبيه الصادق ؟ .. أو أنه " عنيتُ الطوسي " يوجّه النص وجهة أخرى ، ليست بعيدة فقط وإنما معدومة الإحتمال ، بعد أن أحسّ ، بالتأكيد ، بحراجة ولا معقولية الوجهة الأولى التي ذهب إليها ، فيقول " رحمه الله " ؛ إنّ الإمام كان يقصد بأنه مُهلكهم بأحد أبناء سَميّه .. وهذا أيضا غريب ولا يتناسب مع سياق النص ، ودلالة ألفاظه ...
وعلى العموم ، فقد كان يكفي أن يقول " الطوسي " في رده على هذه الرواية ؛ بأنها واضحة الإختلاق ، كون أن " سيدنا " زين العابدين " ع " توفي عام ( 95 هـ ) وهذا يعني أن وفاته كانت قبل قيام الدولة العباسية " يرحمها الله " بحوالي ( 37 سنة ) لأن قيام الدولة العباسية كان في عام ( 132 هـ ) ، فكيف يقول " سيد الساجدين " ؛ أن بني فلان ، ويعني بهم بنو العباس ، لبسوا السواد ، وهو قد انتقل إلى رضوان ربه ورحمته قبل أن يلبسوه ؟! ..
ويستمر " شيخ الطائفة " بذكر الأدلة الروائية ، لأصحاب الوقف " رحمهم الله " ولا يني ، من جهته ، بتوجيهها وجهته المعتادة والغريبة ... وسنكتفي ، لننهي الحديث حول " المحور الثالث " من دراسته للفرقة الواقفية ، بإيراد روايتين اثنتين ، وردّ المؤلف عليهما ..
( قال الموسوي : وأخبرني علي بن رزق الله ، عن أبي الوليد الطرائفي ، قال : كنتُ ، ليلة ، عند أبي عبد الله " ع " إذ نادى غلامه فقال " له " : " إنطلق ، فادع لي سيد وُلدي ..
فقال له الغلام : من هو ؟
فقال : فلان ـ يعني أبا الحسن ـ ..
فلم ألبث ، حتى جاء بقميص بغير رداء ... إلى أن قال : ثم ضرب بيده على عضدي وقال : يا أبا الوليد ، كأني بالراية السوداء ، صاحبة الرقعة الخضراء ، تخفق فوق رأس هذا الجالس ، ومعه أصحابه ، يهدّون جبال الحديد هدّا ، لا يأتون على شيء ، إلا هدّوه ..
قلتُ : جُعلت فداك .. هذا ؟
قال : نعم ، هذا ، يا أبا الوليد ، يملأها قسطا وعدلا ، كما مُلئت ظلما وعدوانا ، يسير في أهل القبلة ، بسيرة علي بن أبي طالب " ع " ، يقتل أعداء الله ، حتى يرضى الله ..
قلتُ : جُعلتُ فداك ، هذا ؟
قال : هذا ..
ثم قال " لي " : فاتبعه ، وأطعه ، وصدّقه ، واعطه الرضا من نفسك ، وستدركه إن شاء الله ) ـ7ـ
( فالوجه فيه ، أيضا ، أن يكون قوله " كأني بالراية على رأس هذا " ، اي على رأس مَن يكون من وُلد هذا ) ـ8ـ
بالله عليكم ؛ أيُعقل هذا ؟! ، فقط دققوا في النص السابق ، واحكموا بأنفسكم ؛ هل يمكن أن يكون الإمام الصادق " روحي فداه " يقصد غير وَلده موسى " عجّل الله تعالى فرجه " خصوصا أننا نجد تأكيد كلمة " هذا " يرد لخمسة مرات في هذا النص " المقدس " ، وليس هنالك أية إشارة فيه ، توحي بأن المقصود غيره ...
( قال الموسوي : وحدّثني حنان بن سدير ، عن أبي إسماعيل الأبرص ، عن ابي بصير ، قال : قال أبو عبد الله ( الصادق ) " ع " : على رأس السابع منا الفرج .. ) ـ9ـ
ويردّ الشيخ " رحمه الله " قائلا :
(يُحتمل أن يكون السابع " منه " .. لأنه الظاهر من قوله " منا " إشارة إلى نفسه .. وكذلك نقول ( يعني نحن الإثني عشرية ) السابع منه ( هو ) القائم .. وليس في الخبر ، السابع " من أولنا " .. وإذا احتُمل ما قلناه ، سقطتْ المعارضة به ) ـ10ـ
وهذا من أغرب الردود التي سمعتها في حياتي ـ إن كانت تستحق أن تسمى حياة أصلا ـ لأن الشيخ وقع في اشتباه كبير في ذات الوقت الذي ظن فيه ، أنه وجّه الرواية الوجهة التي تدعم مذهبه الإثني عشري ؟.. لأننا لو دققنا كلام الإمام الصادق " ع " بعملية حسابية ، وفق وجهة الشيخ نفسه ؛ لخرجنا بنتيجة لا ترضيه هو بذاته ، لأنه حينها سيكون عدد الأئمة ثلاثة عشر ، لا إثنا عشر ، وكذلك سيكون مهديُه ليس مهديَه ، بمعنى أن " القائم " الذي سيكون على يديه الفرج ليس محمد بن الحسن ، إنما ابنه .. وإليك التفصيل :
أبو عبد الله الصادق " ع " ، صاحب الحديث ، هو الإمام السادس من الأئمة ، وهو هنا يتحدث لأبي بصير فيقول له : على راس السابع منا " يكون " الفرج .. الواقفية يقولون أنه عنى بذلك ؛ " السابع من الأئمة " ، وهذا يعني ابنه موسى الكاظم " ع " كما هو واضح .
أما الشيخ الطوسي فيرد ذلك باحتمالية غريبة ، بل الأدهى أنها لا ترضيه هو نفسه ، كما سيأتي ، واحتمالية الشيخ ؛ هي أن الصادق عنى بـ " السابع منا " السابعَ منه لا منا ككل ، وهذا يعني السابع من نسل الصادق نفسه .. وإذا حسبنا الأئمة من نسله " ع " ، لنصل إلى السابع منه ، والذي سيكون الفرج على يديه ؛ سنفاجأ بأن " محمد بن الحسن العسكري " ( أي المهدي لدى الإثني عشرية ) سوف لن يكون ، وفقا لذلك ، هو السابع ، إنما " السادس " ، ويترتب على ذلك ، أن يكون " السابع منه " هو ابن محمد بن الحسن العسكري ، والذي سيكون الفرج على يديه ، وليس محمد بن الحسن ( الثاني عشر ) إنما هو وَلده ( يعني الثالث عشر من الأئمة ، والسابع من وُلد الصادق ) .. واليك الجدول التوضيحي لهذا الأمر :
الأئمة حسب التسلسل
ــــــــــــــــــــــــــــــ
الإمام علي بن أبي طالب
الإمام الحسن بن علي
الإمام الحسين بن علي
الإمام زين العابدين علي
الإمام الباقر
الإمام الصادق ( وهو السادس من الأئمة )
وهنا يجب علينا أن نعد سبعة أئمة لنصل إلى معرفة " السابع منه " ( كما أراد الشيخ الطوسي نفسه ) مَن على يديه يكون الفرج :
1ـ الإمام الكاظم ( السابع وفق التسلسل الأثني عشري )
2ـ الإمام الرضا ( الثامن وفق التسلسل الإثني عشري )
3ـ الإمام الجواد ( التاسع وفق التسلسل الإثني عشري )
4ـ الإمام الهادي ( العاشر وفق التسلسل الإثني عشري )
5ـ الإمام العسكري ( الحادي عشر وفق التسلسل الإثني عشري )
6ـ الإمام محمد بن الحسن " المهدي " ( الثاني عشر وفق التسلسل الإثني عشري )
7 ـ الإمام ... ؟ " وهو مرادنا " ( الثالث عشر وهوالذي فرجنا على يديه )
وأظن أن هذه النتيجة هي الأقرب لدعم موقف " الإمام أحمد بن الحسن " يماني آل محمد ، عنيتُ الحركة المهدوية المعاصرة ، والتي تدعو لوصي ورسول وابن الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري " مكن الله له في الأرض " والذي سنفرد له ، إن شاء الله ، موضوعا خاصا ، دراسة ، وتحليلا ، ونقدا ...
ثم ينتقل بنا المؤلف " رحمه الله " لدراسة المحاور الأخرى ، في مجال بحثه حول " الفرقة الواقفية " ، فيبدأ ببيان السبب الإقتصادي ـ المادي للقول بـ " الوقف " ، وكذلك يعرّج على " الطعن في رجال الواقفة وفقهائهم " ثم يختم بالروايات التي تشير إلى ظهور " المعجزات " الدالة على إمامة " الرضا علي " عليه الصلاة والسلام ..
وهنا نكون قد انتهينا من استعراض دليلين ساقهما المؤلف ، لإثبات إمامة ومهدوية محمد بن الحسن ؛ أولهما ): ضرورة الإمامة والعصمة ، غائبا كان هذا الإمام ، أو حاضرا .. وثانيهما ) : نفي إمامة وعصمة ومهدوية ، كل من إدعيَ غيبته من قبل الفرق الشيعية الأخرى عدا الإثني عشرية ..
وبعد كل ما مر ؛ سيأخذ المؤلف بأيدينا ، نحو أدلة أخرى ، يرى أنها تثبت " مدّعاه " بمهدوية ابن الحسن ، وصحة ولادته ووجوده ..
ويمكن لنا تقسيم رحلتنا المقبلة ، إلى عدة محاور بحثية :
1ـ الدليل على أن الأئمة اثنا عشر ، وما يستتبعه ذلك ، من الإقرار بالثاني عشر .
2ـ الأحاديث والروايات التي تذكر " الغيبة " والتي ذُكرتْ قبل زمن " الثاني عشر " بسنين طويلة ، وما تعنيه تلك الحقيقة ، من صحة ما ذهب إليه " الإثني عشرية " من غيبة الإمام محمد بن الحسن .
3ـ الإثبات ـ عن طريق النصوص الروائية ـ أنّ المهدي هو من وُلد " الحسين " ، وبذات الوقت ، إبطال إدعاء كل مَن ادّعاها ، أو ادُعيَتْ له ، من وُلد الحسين ، عدا محمد بن الحسن العسكري .
4ـ ذكر ولادة الإمام الحجة المنتظر " روحي لمقدمه الفدا " .
5ـ ذكر الوكلاء الأربعة لـ " مهدي الإثني عشرية " وتوقيعاته " الشريفة " لهم .
ولنشرع في مواصلة رحلتنا بآهيا ، شراهيا ، بأصباؤوت ، أدونا ، وماد الماد ، والطبنِ ...
ــــــــــــــــ
1ـ الكتاب : 30
2ـ الكتاب : 30
3ـ الكتاب : 31
4ـ الكتاب : 31
5ـ الكتاب : 31ـ32
6ـ الكتاب : 32
7ـ الكتاب : 32ـ33
8ـ الكتاب : 33
9ـ الكتاب : 36
10ـ الكتاب : 36