عن محمد بن عبد الرحمن بن محمد الحسني ، عن محمد بن حفص الخثعمي ، عن الحسن بن عبد الواحد ، عن أحمد بن محمد الثعلبي ، عن محمد بن عبد الحميد ، عن حفص بن منصور ،عن أبي سعيد الوراق ، عن أبيه ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جده -عليهم السلام- قال : لما كان من أمر أبي بكر - وبيعة الناس له ، وفعلهم بعلي بن أبي طالب عليه السلام- ما كان ، لم يزل أبو بكر يظهر له الانبساط ويرى منه إنقباضاُ ، فكبر ذلك على أبي بكر ، فأحب لقائه واستخراج ما عنده ، والمعذرة اليه مما اجتمع الناس عليه ، وتقليدهم اياه امر الامة وقلة رغبته في ذلك وزهده فيه. أتاه في وقت غفلة وطلب منه الخلوه ، وقال له : والله يا أبا الحسن ما كان هذا الامر موطاة مني ، ولا رغبة في ما وقعت فيه ، ولا حرصا عليه ، ولا ثقة في نفسي فيما تحتاج اليه الامة ، ولا قوة لي بمالي ، ولا كثرة العشيرة ، ولا إستئثاراً به دون غيري ، فمالك تضمر علي ما لم استحقه منك ، وتظهر لي الكراهة فيما صرت اليه ، ونظر إليه بعين السآمة مني ؟ ! قال : فقال عليه السلام : فما حملك عليه اذا لم ترغب فيه ، ولا حرصت عليه ، ولا وثقت بنفسك في القيام به وبا يحتاج منك فيه ؟ ! فقال أبو بكر : حديث سمعته من رسول الله ( صلى الله عليه وآله) : إن الله لايجمع أمتي على ضلال ، ولما رأيت إجتماعهم اتبعت حديث النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأحلت ان يكون اجتماعهم على خلاف الهدى ، فاعطيتهم قود الاجابه ، ولو علمت أن أحداُ يتخلف لامتنعت ! قال : فقال عليه السلام : أما ما ذكرت من حديث النبي صلى الله عليه وآله : إن الله لا يجمع أمتي على ضلال ، أفكنت من الامة او لم أكن ؟ ! قال : بلى . قال : وكذلك العصابة الممتنعة عليك من سلمان وعمار وأبي ذر والمقداد وابن عبادة ومن معه من الانصار ؟ قال : كل من الامة . فقال على عليه السلام : فكيف تحتج بحديث النبي صلى الله عليه وآله و أمثال هؤلاء تخلفوا عنك ، وليس للأمة فيهم طعن ، ولا في صحبة الرسول ونصيحته منهم تقصير ؟ ! قال : ما علمت بتخلفهم إلا من بعد إبرام الامر ، وخفت إن دفعت عني الامر أن يتفاقم الى ان يرجع الناس مرتدين عن الدين ، وكان ممارستكم الى ان أجبتم أهون مؤنة على الدين وابقى له من ضرب الناس بعضهم ببعض فيرجعوا كفاراً ، وعلمت انك لست بدوني في الابقاء عليهم وعلى اديانهم ! قال علي عليه السلام : اجل ، ولكن اخبرني عن الذي يستحق هذا الامر ، بما يستحقه ؟ فقال أبو بكر : بالنصيحة ، والوفاء ، ودفع المداهنة ، والمحاباة ، وحسن السيرة ، واظهار العدل ، والعلم بالكتاب والسنة وفصل الخطاب، مع الزهد في الدنيا وقلة الرغبة فيها ، وانصاف المظلوم من الظالم للقريب والبعيد ... ثم سكت . فقال علي عليه السلام : والسابقة والقرابة ؟ ! فقال أبو بكر : والسابقة والقرابة . قال : فقال علي عليه السلام : أنشدك بالله يا أبا بكر أفي نفسك تجد هذه الخصال ، او فيْ . قال ابو بكر : بل فيك يا أباالحسن. قال : أنشدك بالله أنا المجيب لرسول الله صلى الله عليه وآله قبل ذكران المسلمين أم أنت ؟ قال : بل أنت . قال : فأنشدك بالله انا الأذان لاهل الموسم ولجميع الامة بسورة براءة ، أم أنت ؟ ! قال : بل أنت . قال : فأنشدك بالله أنا وقيت رسول الله بنفسي يوم الغار ، أم أنت ؟ قال : بل أنت . قال : فأنشدك بالله ألي الولاية من الله مع ولاية رسوله في آية زكاة الخاتم ، أم لك . قال : بل لك . قال : فأنشدك بالله أنا المولى لك ولكل مسلم بحديث النبي صلى الله عليه وآله يوم الغدير ، أم أنت . قال : بل أنت . قال : فأنشدك بالله ألي الوزارة من رسول الله صلى الله عليه وآله والمثل من هارون وموسى ، أم لك . قال : بل لك . قال : فأنشدك بالله أبي برز رسول الله صلى الله عليه وآله وبأهل بيتي وولدي في مباهلة المشركين من النصارى ، أم بك وبأهلك وولدك ؟ قال : بكم . قال : فأنشدك بالله ألي ولأهلي وولدي آية التطهير من الرجس ، ام لك وأهل بيتك ؟ قال : بل لك ولأهل بيتك . قال : فأنشدك بالله أنا صاحب دعوة رسول الله صلى الله عليه وآله وأهلي وولدي يوم الكساء : اللهم هؤلاء أهلي اليك لا الى النار ، أم انت ؟ قال : بل أنت وأهلك وولدك . قال : فأنشدك بالله أنا صاحب الآية ( يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا ) أم أنت ؟ قال : بل أنت . قال : فأنشدك بالله أنت الفتى الذي نودي من السماء : لا سيف الا ذو الفقارولا فتى الا علي ، أم أنا؟ قال : بل أنت . قال : فأنشدك بالله أنت الذي ردت له الشمس لوقت صلاته فصلاها ثم توارت ، أم أنا ؟ قال : أنت . قال : فأنشدك بالله أنت الذي حباك رسول الله صلى الله عليه وآله برايته يوم خيبر ففتح الله له ، أم أنا؟ قال : بل أنت . قال : فأنشدك بالله أنت الذي نفست عن رسول الله صلى الله عليه وآله كربته وعن المسلمين بقتل عمر بن عبد ود نأو أنا . قال : بل أنت . قال : فأنشدك بالله انت الذي أئتمنك رسول الله صلى الله عليه وآله على رسالته الى الجن فأجابت ، أم أنا؟ قال : بل أنت . قال : فأنشدك بالله انت الذي طهرك رسول الله صلى الله عليه وآله من السفاح من آدم الى أبيك بقوله صلى الله عليه وآله : أنا وأنت من نكاح لا من سفاح ، من آدم الى عبد المطلب ، أم أنا؟ قال : بل أنت . قال : فأنشدك بالله انا الذي أختارني رسول الله صلى الله عليه وآله وزوجتي أبنته فاطمة عليها السلام وقال : الله زوجك ، أم أنت ؟ قال : بل أنت . قال : فأنشدك بالله أنا والد الحسن والحسين ريحانتيه اللذين قال فيهما : هذان سيدا شباب أهل الجنة ، وأبوهما خير منهما ، أم أنت ؟ قال : بل أنت . قال : فأنشدك بالله أخوك المزين بجناحين في الجنة يطير بهما مع الملائكة ، أم أخي ؟ قال : بل أخوك . قال : فأنشدك بالله انا ضمنت دين رسول الله صلى الله عليه وآله وناديت في المواسم بانجاز موعده ، أم أنت ؟ قال : با أنت . قال : فأنشدك بالله انا الذي دعاه رسول الله صلى الله عليه وآله لطير عنده يريد أكله ، فقال : اللهم ائتني بأحب خلقك اليك بعدي ، أم أنت ؟ قال : بل أنت . قال : فأنشدك بالله انا الذي بشرني رسول الله صلى الله عليه وآله بقتل الناكثين والقاسطين والمارقين على تأويل القرآن ، أم أنت ؟ قال : بل أنت . قال : فأنشدك بالله أنا الذي شهدت آخر كلام رسول الله صلى الله عليه وآله ووليت غسله ودفنه أم أنت ؟ قال : بل أنت . قال : فأنشدك بالله انا الذي دل عليه رسول الله صلى الله عليه وآله بعلم القضاء بقوله : ( علي أقضاكم ) أم أنت ؟ قال : بل أنت . قال : فأنشدك بالله انا الذي أمر لي رسول الله صلى الله عليه وآله أصحابه بالسلام علي بالامرة في حياته ، أن أنت ؟ قال : بل أنت . قال : فأنشدك بالله انت الذي سبقت له بالقرابة من رسول الله صلى الله عليه وآله ، أم أنا ؟ قال : بل أنت . قال : فأنشدك بالله انت الذي حباك الله عزوجل بدينار عند حاجته ، وباعك جبرئيل عليه السلام ، وأضفت محمدا صلى الله عليه وآله ، وأضفت ولده ، أم أنا ؟ قال : فبكى أبو بكر ، وقال : بل انت. قال : فأنشدك بالله انت الذي حملك رسول الله صلى الله عليه وآله على كتفه في طرح صنم الكعبة وكسرة حتى لو شاء أن ينال أفق السماء لنالها ، أم أنا ؟ قال : بل أنت . قال : فأنشدك بالله انت الذي قال له رسول الله صلى الله عليه وآله : أنت صاحب لوائي في الدنيا والآخرة أم أنا ؟ قال : بل أنت . قال : فأنشدك بالله انت الذي أمر رسول الله صلى الله عليه وآلهبفتح بابه في مسجده حين أمر بسد جميع بابه - أبواب أصحابه وأهل بيته - وأحل له فيه ما أحله الله له ، أم أنا ؟ قال : بل أنت . قال : فأنشدك بالله انت الذي قدم بين يدي نجواه لرسول الله صلى الله عليه وآله صدقة فناجاه ، أم أنا - إذ عاتب الله عزوجل قوما فقال ( أءشفقتم أن تقدموا بين يدي نجويكم صدقة ) الآية ... قال : بل أنت . قال : فأنشدك بالله انت الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وآله لفاطمه : زوجك أول الناس إيمانا وأرجحهم إسلاما . في كلام له ، أم أنا ؟ قال : بل أنت . قال : فأنشدك بالله انت الذي قال له رسول الله صلى الله عليه وآله : الحق مع علي وعلي مع الحق ، لا يفترقان حتى يردا علي الحوض ، أم أنا ؟ قال : بل أنت . قال : ...... فلم يزل عليه السلام يعد عليه مناقبه التي جعل الله عزوجل له دونه ودن غيره. ويقول له أبو بكر : بل أنت. قال : فبهذا وشبهه يستحق القيام بأمور أمة محمد صلى الله عليه وآله . فقال له علي عليه السلام : فما الذي غرك عن الله وعن رسوله وعن دينه وأنت خلو مما يحتاج اليه أهل دينه ؟ قال : فبكى أبو بكر وقال : صدقت يا أبا الحسن ، أنظر في يومي هذا فأدبر ما انا فيه وما سمعت منك . قال : فقال له عليه السلام : لك ذلك يا أبا بكر . فرجع من عنده وخلا بنفسه يومه ولم يأذن لأحد الى الليل ، وعمر يتردد في الناس لما بلغه من خلوته بعلي عليه السلام . فبات في ليلته ، فرأى رسول الله صلى الله عليه وآله في منامه ممثلا له في مجلسه ، فقام له أبو بكر ليسلم عليه ، فولى وجهه فصار مقابل وجهه ، فسلم عليه فولى عنه وجهه . فقال أبو بكر : يا رسول الله ! هل أمرت بأمر فلم أفعل ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : أرد السلام عليك وقد عاديت الهه ورسوله وعاديت من ولاه الله ورسوله ! رد الحق الى أهله . قال : فقلت : من أهله ؟ قال : من عاتبك عليه ، وهو علي . قال : فقد رددت عليه يا رسول الله بأمرك . قال : فأصبح وبكى ، وقال لعلي عليه السلام : ابسط يدك ، فبايعه وسلم اليه الامر . وقال له : اخرج الى مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله ، فاخبر الناس بما رأيت في ليلتي وما جرى بيني وبينك ، فاخرج نفسي من هذا الامر وأسلم عليك بالامرة ؟ قال : فقال علي عليه السلام : نعم . فخرج من عنده متغيرا لونه عاليا نفسه ، فصادفه عمر وهو في طلبه . فقال : ما حالك يا خليفة رسول الله ....؟ فأخبره بما كان منه وما رأى وما جرى بينه وبين علي عليه السلام . فقال عمر : أنشدك بالله يا خليفة رسول الله أن تغتر بسحر بني هاشم !!! فليس هذا بأول سحر منهم..... فما زال به حتى رده عن رأيه وصرفه عن عزمه ، ورغبه فيما هو فيه ، وأمره بالثبات عليه والقيام به . قال : فأتى علي عليه السلام الى المسجد للميعاد ، فلم ير فيه منهم أحدا ، فأحس بالشر منهم ، فقعد الى قبر رسول الله صلى الله عليه وآله ، فمر به عمر فقال : يا علي دون ما تروم خرط القتاد ، فعلم بالامر وقام ورجع الى بيته . سلام الله عليك يا سيدي ومولاي يا أمير المؤمنين.