#عام #ملحدين
********
داروين لم يكن ملحدا .. و التطور لا يفرض عليك الإلحاد*
عقائد المفكرين في القرن العشرين
عباس محمود العقاد
اقترن مذهب التطور في النصف الأخير من القرن التاسع عشر باسمين عظيمين , هما اسم الفرد راسل والاس و اسم
تشارلز داروين , و ذاعت شهرة داروين بالمذهب حتى كاد أن ينسب إليه و يعرف به , فيقال مذهب داروين كما يقال مذهب
التطور أو مذهب النشوء و الارتقاء , و قد عدل أخيرا عن تسمية المذهب بالنشوء و الارتقاء ,و بقيت الداروينية غالبة عليه .
و لقد هوجم المذهب كثيرا باسم الدين , و جعله بعضهم مرادفا للإلحاد و المادية , و مع هذا لم يكن والاس ولا داروين
ملحدين معطلين , و كان والاس شديد الإيمان بالله و بحكمته , و من كلامه ما يُستدل به على تصديق المعجزات و خلود
الإنسان .
أما داروين فلم يزعم قط أن ثبوت التطور ينفي وجود الله , و لم يقل قط أن التطور يفسر خلق الحياة , و غاية ما ذهب إليه
أن التطور يفسر تعدد الأنواع الحيوانية و النباتية , و في ختام كتابه عن أصل الأنواع يقول أن الأنواع ترجع في أصولها إلى
بضعة أنواع تفرعت على جرثومة الحياة التي أنشأها الخلاق .
و قد قال والاس في كتابه عالم الحياة the world of life متحدثا عن عقيدة داروين "إنه على ما يظهر قد صار إلى نتيجة
واحدة , و هي أن الكون لا يمكن أن يكون قد وجد بغير علة عاقلة , و لكن إدراك هذه العلة على أي وجه كامل يعلو على
إدراك العقل البشري .
ثم عقب والاس قائلا : "و إني لأولي هذه النظرة كل عطفي و شعوري , و لكنني مع هذا أرى أننا مستطيعون أن نلمح
قبسا من القدرة التي تعمل في الطبيعة , يساعدنا على تذليل الصعوبة البالغة التي تحول دون العلم بحقيقة الخالق
الأبدي الذي لا أول له و لا آخر" .
و لما سُئل والاس عن عقيدته الدينية (سنة 1879) قال في خطاب إلى مستر فوردايس Fordyce صاحب كتاب ملامح في
الشكوكية :
" إن آرائي الخاصة مسألة لا خطر لها ولا تعني أحدا غيري , ولكنك سألتني فاسمح لي أن أقول أنني متردد , و لكنني في
أقصى خطرات هذا التردد لم أكن قط ملحدا بالمعنى الذي يُفهم فيه الإلحاد على أنه إنكار لوجود الله , و أحسب أن وصف
اللاأدري يصدق علي في أكثر الأوقات - لا في جميعها - كلما تقدمت بي الأيام " .
و قد كتب قبل ذلك (سنة 1873) إلى طالب هولندي سأله السؤال نفسه فقال : " إن استحالة تصور هذا الكون العظيم
العجيب و فيه نفوسنا الشاعرة قائما على مجرد المصادفة - هي في نظري أقوى البراهين على وجود الله , و لكنني لم
أستطع قط تحديد قيمة هذا البرهان" .
و سأله طالب ألماني (سنة 1879) : هل يتفق مذهب التطور و الإيمان بوجود الله , فأوصى أحد أعوانه أن يكتب إليه ما
فحواه أنهما يتفقان , و لكن الناس يختلفون في فهم المقصود بالإله .
و آخر ما عندنا من آرائه في هذا الموضوع خطاب أرسله إلى غراهام صاحب كتاب عقيدة العلم كتبه سنة 1881 و قال فيه :
"إنك عبرت عن عقيدتي الباطنة .. إن الكون لم ينجم عن مصادفة , ثم عاد يتساءل : ما قيمة هذه العقيدة في إثبات حقيقتها ؟
و المهم في هذا الصدد أن صاحبي مذهب التطور كما شاع في النصف الأخير من القرن التاسع عشر لم يستندا إليه في
إنكار العقيدة الدينية , و لم يزعما أنه يفسر سر الحياة أو سر الكون , و أحدهما .. وهو والاس - كان مؤمنا بالله و بحكمته
في مخلوقاته , و الآخر - وهو داروين كان يأبى أن يوصف بالإلحاد , و يحسب نفسه أحيانا "ربانيا" أي منكرا للمصادفة و
مرجحا لعقيدة الربوبية , و يؤكد إلى آخر أيامه أن الاستدلال بمذهب التطور على إنكار الإله خطأ كبير و ادعاء لا سند له من
العلم ولا من التفكير الأمين .
********
داروين لم يكن ملحدا .. و التطور لا يفرض عليك الإلحاد*
عقائد المفكرين في القرن العشرين
عباس محمود العقاد
اقترن مذهب التطور في النصف الأخير من القرن التاسع عشر باسمين عظيمين , هما اسم الفرد راسل والاس و اسم
تشارلز داروين , و ذاعت شهرة داروين بالمذهب حتى كاد أن ينسب إليه و يعرف به , فيقال مذهب داروين كما يقال مذهب
التطور أو مذهب النشوء و الارتقاء , و قد عدل أخيرا عن تسمية المذهب بالنشوء و الارتقاء ,و بقيت الداروينية غالبة عليه .
و لقد هوجم المذهب كثيرا باسم الدين , و جعله بعضهم مرادفا للإلحاد و المادية , و مع هذا لم يكن والاس ولا داروين
ملحدين معطلين , و كان والاس شديد الإيمان بالله و بحكمته , و من كلامه ما يُستدل به على تصديق المعجزات و خلود
الإنسان .
أما داروين فلم يزعم قط أن ثبوت التطور ينفي وجود الله , و لم يقل قط أن التطور يفسر خلق الحياة , و غاية ما ذهب إليه
أن التطور يفسر تعدد الأنواع الحيوانية و النباتية , و في ختام كتابه عن أصل الأنواع يقول أن الأنواع ترجع في أصولها إلى
بضعة أنواع تفرعت على جرثومة الحياة التي أنشأها الخلاق .
و قد قال والاس في كتابه عالم الحياة the world of life متحدثا عن عقيدة داروين "إنه على ما يظهر قد صار إلى نتيجة
واحدة , و هي أن الكون لا يمكن أن يكون قد وجد بغير علة عاقلة , و لكن إدراك هذه العلة على أي وجه كامل يعلو على
إدراك العقل البشري .
ثم عقب والاس قائلا : "و إني لأولي هذه النظرة كل عطفي و شعوري , و لكنني مع هذا أرى أننا مستطيعون أن نلمح
قبسا من القدرة التي تعمل في الطبيعة , يساعدنا على تذليل الصعوبة البالغة التي تحول دون العلم بحقيقة الخالق
الأبدي الذي لا أول له و لا آخر" .
و لما سُئل والاس عن عقيدته الدينية (سنة 1879) قال في خطاب إلى مستر فوردايس Fordyce صاحب كتاب ملامح في
الشكوكية :
" إن آرائي الخاصة مسألة لا خطر لها ولا تعني أحدا غيري , ولكنك سألتني فاسمح لي أن أقول أنني متردد , و لكنني في
أقصى خطرات هذا التردد لم أكن قط ملحدا بالمعنى الذي يُفهم فيه الإلحاد على أنه إنكار لوجود الله , و أحسب أن وصف
اللاأدري يصدق علي في أكثر الأوقات - لا في جميعها - كلما تقدمت بي الأيام " .
و قد كتب قبل ذلك (سنة 1873) إلى طالب هولندي سأله السؤال نفسه فقال : " إن استحالة تصور هذا الكون العظيم
العجيب و فيه نفوسنا الشاعرة قائما على مجرد المصادفة - هي في نظري أقوى البراهين على وجود الله , و لكنني لم
أستطع قط تحديد قيمة هذا البرهان" .
و سأله طالب ألماني (سنة 1879) : هل يتفق مذهب التطور و الإيمان بوجود الله , فأوصى أحد أعوانه أن يكتب إليه ما
فحواه أنهما يتفقان , و لكن الناس يختلفون في فهم المقصود بالإله .
و آخر ما عندنا من آرائه في هذا الموضوع خطاب أرسله إلى غراهام صاحب كتاب عقيدة العلم كتبه سنة 1881 و قال فيه :
"إنك عبرت عن عقيدتي الباطنة .. إن الكون لم ينجم عن مصادفة , ثم عاد يتساءل : ما قيمة هذه العقيدة في إثبات حقيقتها ؟
و المهم في هذا الصدد أن صاحبي مذهب التطور كما شاع في النصف الأخير من القرن التاسع عشر لم يستندا إليه في
إنكار العقيدة الدينية , و لم يزعما أنه يفسر سر الحياة أو سر الكون , و أحدهما .. وهو والاس - كان مؤمنا بالله و بحكمته
في مخلوقاته , و الآخر - وهو داروين كان يأبى أن يوصف بالإلحاد , و يحسب نفسه أحيانا "ربانيا" أي منكرا للمصادفة و
مرجحا لعقيدة الربوبية , و يؤكد إلى آخر أيامه أن الاستدلال بمذهب التطور على إنكار الإله خطأ كبير و ادعاء لا سند له من
العلم ولا من التفكير الأمين .