هذه مناظرة البرفسور الملحد ريتشارد دوكنز والبرفسور المسيحي جون لينكس استاذ الرياضيات بجامعة اكسفورد
جرت في عام 2011 في متحف التأريخ الطبيعي في جامعة إكسفورد العريقة في بريطانيا
موضوع المناظرة : هل دفن العلم الله ؟
عنوان المناظرة مقتبس من عنوان كتاب لينُكس / المسيحي المتديّن وليس من داوكنز ( اللاربوبي حسب تسميّة خصمه لينكس ) .
البرفسور المسيحي جون لينكس لم يكن لديه ادلة قوية للرد خصوصا عندما طرح البرفسور الملحد ريتشارد دوكنز عليه السؤال
هل يحتاج الله ان يصلب على الصليب ليغفر خطايا المسيحين ؟
اتركم مع المناظرة والتي قد تكون مفيدة لغرض معرفة طريقة تفكير الملحدين كذلك نقاط الضعف في العقيدة المسيحية والتي تجعل الكثير من المسيحين يتركون الدين المسيحي ليتجهوا للالحاد
مُناظرة علميّة فلسفيّة مهمّة وعميقة في نقاطها التي تمزج بين اللاهوت والماورائيات , مع علوم حياتنا الحقيقية في هذا العالم الواقعي المتنوّع
المناظرة مكتوبة للذين لا يسمح لديهم النت بمشاهدة الفيديو
يقول مدير الحوار ( لاري تاونتن ) , مساء الخير , هذهِ ليست المرّة الأولى يلتقي فيها الرجلان , فقد إلتقيا الخريف الماضي في بيرمنغهام / ولاية ألاباما . وقالت صحيفة ( وول ستريت ) أنّهما عرضا في تلك المُناظرة مهارات خِطابيّة على الطريقة البريطانيّة المُثلى !
موضوع اليوم هو / هل دَفَنَ العِلمُ .. الأله ؟
ملاحظة : مذكور في ترجمة الشريط ( الله ), لكنّي أستبدلها ب (الإله ) كي تكون عامة لا تتقصد المسلمين بالتحديد . وعلى كلٍ المناظرة تدور حول الإله المسيحي ( يسوع ) كما سترون
ويكمل لاري : سنتناول 3 محاور , هي
أولاً / موضوع العلم نفسهِ , ثمّ / الثغرات والعقيدة والبراهين
وفي الختام / سينتقلون الى موضوع الأخلاق والغاية .
إنْ لمْ يوجد إله , فما هي العواقب ؟
سوف نعطي هذهِ المناقشة حوالي 50 دقيقة , بعدها سنتلقى أسئلة الحضور ونعرضها على الرجلين على المنصّة وهذا سوف يستغرق 20 دقيقة , ثم سندعو الإعلاميين للتوجه الى قاعة المُحاضرات في الدور العلوي , حيث سيلتقي بكم الرجلان قبل أن يتوجها الى توقيع الكُتب .
وهذا سيعطي للجمهور فرصة إقتناء كتاب والإصطفاف للقائهما .
أعتذر لقلّة المقاعد , لكنّكم ستتفقون معي على أنّ هذا المكان , رائع في جمالهِ وتأريخهِ .
يجب أن أذكر أيضاً أنّ التصوير ممنوع بتاتاً , فالمناظرة مُسجلّة على الفيديو .
نشكر المتحف على إستضافتنا , ونشكر ريتشارد داوكنز وجون لينكس لحضورهم , نعلم أنّهم مشغولين أغلب الاوقات .
ريتشارد سيقدم هذا الإسبوع محاضرة ( سيموني ) الوداعيّة .وهي محاضرة هامة جداً بالنسبة لهُ , هل تُريد أن تُخبرنا عنها شيئاً ؟
ريتشارد داوكنز : لقد عملتُ في اُستاذيّة مقعد السيموني لل 12 سنة الماضيّة .وفي ال 10 سنوات الاخيرة إستضفتُ محاضرات لعلماء مُميزين سنوياً , حيث كنتُ أنظمّها . وسأحاضر الخميس المقبل وستكون وداعي وهي العاشرة من محاضرات سيموني وأتمنى ان تكون مناسبة مهرجانية كبيرة , وللأسف تمّ بيع التذاكر ونفذت قبل شهرين , ولا أدري لماذا أقوم بعمل دعاية لها الآن ؟ (تصفيق وضحك خفيف من الجمهور) !
مدير الحوار / لاري تاونتون : يبدو هذا مُثير .
و جون لينكس , أنتَ كنتَ تعمل على إعداد طبعة جديدة من كتابكَ ؟
جون لينُكس : بالفعل كتابي هو حانوتي الله , هل دفنَ العلم الله ؟
وهو في الواقع عنوان محاضرتنا اليوم .
أنا اُحاول الرّد على بعض الملاحظات التي قدّمها القرّاء
وأن اُنقّح الكتاب الذي صدرَ عن دار( ليون هيدسون) في رأس السنة .
لاري تاونتون / جيد جداً ,سنبدأ الآن ياسادة , واُريد أن اُذكركم بالتزام الوقت , ( يمزح ) مشيراً الى هيكل الديناصور ويقول هذا يعمل آلياً , فإن تجاوزتم الوقت , فلدينا من يُحركهُ
نبدأ مع ريشارد داوكنز
ريتشارد , هل دفن العلم .. الإله ؟
داوكنز / حسناً أيّ إله ؟
أعني قد نُشير الى إله آينشتاين , الذي لا يُعتبر إلهاً شخصياً أبداً , بل تشبيهاً شعرياً لما لا نفهمهُ في الكون !
يُمكننا أن نأخذ إلهاً ربوبياً مثل إله الفيزيائيين , كإله ( پول دافيس ) الذي هيّأ قوانين الفيزياء . أو الإله عالم الرياضيّات . أو الإله الذي وضعَ نظام الكون في الأساس , ثمّ إكتفى بمراقبة حدوث الأشياء . أعتقد أنّ الإله الربوبي هو الذي يُمكن أن تُقدّم لهُ حُجة مُحترمة .
هي ليست حُجة أقبلها , لكن يُمكن مناقشتها جدياً !
النوع الثالث من الآلهة هو ذلكَ الذي لهُ آلاف الاشكال , كزيّوس وثور وأبوللو وآمون رع ويهوه .
بالطبع لانحتاج أن نمّر على كلّ هؤلاء , لأنّي إلتقيتُ ( جون لينكس ) من قبل , وأعرف الإله الذي يؤمن بهِ , وهو الإله المسيحي .
إذاً كلّ ما علينا أن نتحدّث عنهُ , هو الإله المسيحي !
جون لينكس , عالِم يُؤمن بأنّ يسوع حوّل الماء الى نبيذ .
عالِم يُؤمن بأنّ يسوع أثّرَ بشكلٍ ما على كلّ جزيئات الماء , وأدخلّ إليها بروتينات وكربوهيدرات وأحماض وكحول , وحوّلها الى نبيذ .
إنّهُ يؤمن بأنّ يسوع , مشى على الماء !
لقد تعوّدتُ على مُناظرة عُلماء لاهوت مُثقفين .
ثمّ ألتقي اليوم جون لينكس , العالِم الذي يُصدّق كلّ هذهِ الأشياء .
إنّهُ يؤمن بالتفصيل أنّ خالق الكون , الإله الذي صمّمَ قوانين الفيزياء والرياضيّات وثوابتهم , والذي إبتكرَ الفراسخ الفلكيّة , مليارات السنوات الضوئيّة من الفضاء , ومليارات السنوات من الزمن , هذا المُجَسّدْ للعلوم الماديّة , وعبقري الرياضيّات لم يجد وسيلة أفضل لتخليص العالم من الخطيئة , سوى أن يأتي الى بقعة الغُبار الكوني هذهِ , وأن يجعل نفسهُ يُعذّب ويُقتَل , كي يستطيع أن يُسامح نفسهُ !!
هذا ليس علمياً بعمق !
ليس غير علمي وحسب , بل ينتقص من جلالة الكون .
إنّهُ تافه وصغير العقل , ذلك هو الإله الذي يؤمن بهِ جون لينكس !
********
ردّ من جون لينكس
حسناً ريتشارد , شكراً لكَ توضيحكَ لما أؤمن بهِ على الأقلّ جُزئياً .
يسعدني أن أسمعكَ تقول , أنّهُ يمكن أن تُقدّم حجة جيّدة بأنّ هناك عقلانيّة وراء الكون . وقولكَ أنّهُ شيء لا تقبلهُ شخصياً .
إذاً أنتَ تؤمن أنّ هذا الكون مُجرّد حادث غريب . وأنّهُ لا يوجد عقل وراءهِ . لكن ها أنتَ ذا تملك أحد أفضل العقول في العالم !
إذاً أنتَ تُصدّق بعدّة اشياء , أجدها صعبة التصديق بإعتباري عالم .
يمكننا بالتأكيد التحدّث عن عقيدتي المسيحيّة الخاصة لاحقاً . لكنّي أعترف بها بالتأكيد !
أعتقد بوجود خالق للكون , هو الذي خلقهُ , وهو ليس مجرد طاقة .
بل هو (( شخص )) , ونحنُ أشخاص مخلوقين على صورتهِ .
أنتَ قلتَ أنّ تحوّل الإله الى إنسان , ثمّ موتهِ على الصليب ,ثمّ بعثهِ , فكرة تافهه .
أنا أعتقد العكس تماماً .
إنّها ليست فكرة تافهه , لأنّها تُعالج بجديّة مُشكلة جوهرية .
لا أظن بأنّ ( اللاربوبيّة ) تبدأ حتى بالتعامل معها .
إنّها مُشكلة عُزلة الإنسان عن الإله , التي لن تكون منطقيّة إلاّ لو كنّا نؤمن بالإله .
فربّما أفضل طريقة للبداية هي هكذا
بإعتباري عالِم ( هو يكرّر هذهِ الجملة كثيراً ) , نحنُ كلانا نؤمن بالمفهوميّة العقلانيّة للكون .
أنا أؤمن بأنّ الكون مفهوم عقلانيّاً , لأنّ الإله الخالق وراءه .
حسناً , فكيفَ تُفسّر أنتَ مفهوميّة الكون العقلانيّة ؟؟؟
أنا أؤمن بأنّ الكون مفهوم عقلانيّاً , لأنّ الإله الخالق وراءه .
حسناً , فكيفَ تُفسّر أنتَ مفهوميّة الكون العقلانيّة ؟
يُجيب ريتشارد داوكنز : حسناً جون , أنتَ قُلتَ أنّي اُؤمن أنّ الكون حادث غريب , وأنّ هذا هو عكس ما تؤمن بهِ .
لسنواتٍ كثيرة , بل بالأحرى لقرون عديدة , كان من الظاهر إستحالة أن يكون الكون حادثاً غريباً , فكان يكفي أن تنظر للأحياء وللتنوّع البديع الذي نراهُ في هذا المتحف ( يُشير الى موجودات قاعة متحف التأريخ الطبيعي في جامعة إكسفورد التي يتواجدون فيها ) .
ويضيف , كلّ شيء يبدو مُصمماً , فكان من السُخف تماماً القول أنّها وِجدت من حادث غريب .
ثمّ جاء داروين وأثبتَ أنّها ليست من حادث غريب , وليست مُصممة كذلك . بل هناك طريقة ثالثة تتمثل في علم الأحياء , بالتطوّر , بالإصطفاء ( الإنتقاء ) الطبيعي Natural selection والتي ينتج عنها شكل شبيه بما هو مُصَمّم . إنّهُ ليس مُصمّم , نحنُ نعرف هذا الآن . ونعرف كيفَ حصل . لكنّهُ يوحي بالتصميم كثيراً !
بينما النظام الكوني لم يلتقي داروينهُ بعد !
فنحنُ لانعرف بعد كيفَ نشأت قوانين الفيزياء والثوابت الفيزيائيّة . بالتالي يُمكننا أن نتسائل ,إن كانت حادثاً غريباً أم أنّها مُصمّمة ؟
وبالمقارنة مع البايولوجيا يمكننا أن نتوّرع عن الثقة الزائدة بأنّها مُصمّمة لأنّنا أخطأنا قبل ذلك قبل ق.التاسع عشر,عندما ظننا أنّ الأحياء مُصمّمة.
الآن بخصوص النظام الكوني , وأنّهُ إمّا حادث غريب .. أو مُصمّم ؟
لقد جادلتُ كثيراً , بأنّهُ حتى لو لم نكن نعرف كيف نشأ الكون , يبقى ليس من المُفيد إستجلاب فكرة صانع للكون .
لأنّ الصانع هو بحّد ذاتهِ يتطلب تفسيراً لوجودهِ !
ورغمَ صعوبة تفسير أصل بسيط في الكون , أيّ كيفيّة وجود المادة والطاقة والثابت الفيزيائي والتواجد الكيميائي .
بالرغم أنّه يصعب تفسير ظهور البساطة للوجود .
لكن من الأصعب جداً تفسير نشوء ( شيء) بمستوى تعقيد الإله !
يصعب تفسير نشوء إله ربوبي , وأصعب من هذا تفسير نشوء إله مسيحي , يهتم بالخطايا ويجعل نفسهُ يولد من العذراء .
***********
ردّ جون لينوكس
حسناً هناك ثلاث أو أربعة محاور , أوّلها ما فعلهُ داروين .. الخ
ولكن بالطبع كما يبدو لي أنّكَ إعترفت بأنّ داروين لم يُفسّر أصلَ الحياة , ولا أصلَ الكون . وأنا أريد البدء من هناك
أنتَ تقول , لانعرف كيف نشأت الكون
لكن حين يقوم علماء الكون والفيزياء بدراستهِ , فدراستهم بذاتها وعِلمكَ أنتَ أيضاً يفترض أنّ الكون قابل للفهم عقلانياً .
الآن , صححني إن كنتُ مُخطئاً , يبدو لي أنّ اللاربوبيّة تقول :
أنّ الأفكار في عقولنا هي مجرد نتاج لعمليّة بلا عقل ولا دليل .
فإن كان الأمر هكذا فيبدو لي أنّهُ من الصعب تصوّر قدرتهم على إخبارنا بأيّ شيء حقيقي عن أنفسنا . أعتقد ( ستيفن پنكر ) هو من قال أنّ التطوّر لهُ صلة بالنجاح في التكاثر , وليس لهُ صلة بالحقيقة !
و( جون غراي ) وهو لا ربوبي أيضاً على حدّ علمي , قال قبل وقت ليس بعيداً , أنّ المشكلة في الداروينيّة إذا أخذتها بشكلها المُتطرّف فهي ستُضعِف فكرة أنّنا نستطيع الإعتماد على تفكيرنا .
إذاً يبدو لي , أنّ لاربوبيتكَ تُقلّل من شأن العقلانيّة ذاتها , تلك التي نفترضها أنا وأنتَ حين ندرس الكون !
*******
ريتشارد داوكنز يقول : دعني اُجيبكَ عن ذلك .
يبدو لي من السُخفِ حقاً القول , أنّهُ مادامت الأدمغة تطوّرت بالإصطفاء الطبيعي , فمعنى ذلك تقويض قدرتنا على فهم أيّ شيء .
لماذا يحدث هذا أساساً ؟
الإصطفاء الطبيعي يبني أدمغة قادرة على البقاء . والأدمغة القادرة على البقاء هي التي تبقى في العالم .
يقاطعهُ لينوكس مُتسائلاً : لكن أين هو مبدأ الحقيقة ؟
كيف يُمكن للأدمغة تمييز الأشياء الحقيقية ؟
إنْ كانت تلك الافكار تُختزل بالفيزياء والكيمياء وفسيولوجيا الاعصاب
فكيف تُبيّن الحقيقة ؟
يُجيب داوكنز بحزم : الحقيقة هي مايحدث في الواقع !
الحيوان الذي حاولَ البقاء ولم يُميّز بين الحقيقة والزيف بشكلٍ ما على مستوى البقاء لديهِ , فلن يستطيع البقاء .
الحقيقة معناها أنّكَ تعيش في العالم الحقيقي . وتتصرّف في العالم الحقيقي بالطريقة البديهيّة في العالم الحقيقي .
حينَ ترى صخرة في طريقكَ لن تتجه لإختراقها . ستموت إنْ فعلتَ ذلك
وإذا قفزتَ من جبل , ستموت , تلك حقيقة !
ومن المفهوم تماماً أنّ الإصطفاء الطبيعي سيفضّل لدى أيّ حيوان الأدمغة التي تُميّز الحقيقة وتتصرف بناءً عليها .
يُجيب جون لينوكس
لكنّي لاحظتُ الكثير من إخوتي البشر يؤدون جيداً من خلال قول الأكاذيب .
يقاطعهُ داوكنز : هذهِ نقطة منفصلة !
يُكمل لينوكس : نعم إنّها نقطة منفصلة , لكنّي لا أرى كيفَ يُمكن للإصطفاء الطبيعي أن يُنتج هذهِ الحقيقة ؟
الآن عوداً الى هذا بحّد ذاتهِ , أنتَ تقول أنّ ( صورة التصميم الخادعة ) هذه , وبالطبع أنا أرى كتاباتكَ آسرة جداً بسبب التشبيهات والمقاربات التي تستخدمها , وهي قدرة أحسدكَ عليها .
وأنتَ تقول في مكانٍ ما , أنّهُ من المُغري جداً أن نُصدّق بأنّ الكائنات مُصمّمة . لكن داروين كشفَ لنا أنّ التصميم هو إيحاء خادع .
ولكنّي مهتم جداً بما يُماثل قول ( سايمون موريس ) مؤخراً , بأنّكَ لو نظرتَ للمسارات التطوّريّة فستجدها تستدل في فضاء معلوماتي ضخم بدّقة مُدهشة . ولهذا هناك بصمة تصميم على ذاك المستوى .
أعني .. لو أنّ تلك الآليّة ( الإصطفاء الطبيعي ) التي تتحدث عنها والتي لاتشرح أصل الحياة , لو كانت ذكيّة بشكل مُدهش , فإنّها هي بحّد ذاتها تعطي دليلاً على وجود عقل ورائها .
يُجيب داوكنز :
إنّ الغاية الكُليّة للإصطفاء الطبيعي الدارويني , هو أنّها تعمل بدون تصميم , وبدون بصيرة , وبدون إرشاد .
يُقاطعهُ لينوكس : لكن هذا إفتراض !
يُكمل داوكنز : لا ليس إفتراضاً . بل هكذا تعمل بالضبط .
قبلَ أن يأتي داروين كان من الواضح أنّهُ حتى لو حدثَ التطوّر , فلابّد من قوّة مُرشدة لتُخبر الحيوانات والنباتات كيفَ تتطوّر .
الإصطفاء الطبيعي هو قوّة عمياء , فما يبقى حيّاً يبقى !
ويُمكننا بالإدراك المتأخر أن نُلاحظ أنّ الحيوانات الباقيّة هي القادرة على البقاء . فلديها الجينات التي تجعلها تبقى .
سايمون موريس لن يُنكر هذا , وأنا أتفق مع وجهة نظرهِ حول التطوّر التقاربي . أنا وهو على الطرف المتشدّد بين الداروينيين في تأكيدنا على قدرة الإصطفاء الطبيعي بأن يسترشد نحو نتائج مُحدّدة .
لو ألقيتَ نظرة حول هذا المتحف سترى حيوانات جرابيّة من إستراليا , تشبه بشكلٍ خارق حيوانات غير جرابيّة . أنا وسايمون مُهتمّين بهذا . لكن هذا نتيجة إصطفاء طبيعي .
الإصطفاء الطبيعي natural selection هو قوّة آليّة عمياء تلقائيّة .
لا أستطيع أن أقول أنّها غير مُرشدة , لكنّها لاتحتاج الإرشاد .النقطة الجوهرية هي أنّها تعمل بلا إرشاد .
يسأل لينوكس : ولكن يمكن أن تكون مُرشدة Guided ؟ أم هل تلغي هذا تماماً ؟
يُجيب داوكنز : لا ... أعني لماذا القلق وأنتَ تملك تفسيراً كاملاً لا يتطلّب الإرشاد ؟
يقاطعهُ لينوكس : لماذا تستخدم كلمات مثل عمياء وتلقائيّة ؟
ساعتي هذهِ عمياء وتلقائية ... ولكن تمّ تصميمها !
الكلمات نفسها لاتلغي الفكرة !
والإنطباع الذي أشعر بهِ وهو ما يتضح لنا , هو أنّ عمليّة التطوّر راقيّة جداً .حتى أنّها بذاتها تُقدّم دليلاً على وجود عقل منطقي ورائها .
لكن هل فهمتكَ صواباً حين قلتَ أنّكَ تُنكر هذا لأنّكَ لديكَ سبب مبدأي في رفضهِ ؟ وهو أنّ كل شيء من وجهة نظركَ يجب أن ينتقل من الأبسط الى الأعقد ؟ ولهذا فحجتكَ الاساسيّة في كتاب ( وهم الإله ) لو فهمتها بشكلٍ صحيح / هي أنّ الإله بالتعريف أكثرُ تعقيداً ممّا يُحاول تفسيرهِ , وبالتالي لابّد أن يكون لهُ تفسير ؟
يُجيب داوكنز :نعم هذهِ نقطة رئيسة أردتُ وضعها , لكن دعني أعود لما كُنتَ تقولهُ عن الإرشاد .
حين ترمي حجراً ويقع على الأرض , أنتَ كعالم سوف تفسّر هذا بالجاذبيّة . أنتَ لن تحلم بالقول أنّ هناك إله يدفعهُ للأسفل . هذا بالضبط ما تقولهُ عن التطوّر . لأنّنا نفهم التطوّر بنفس مستوى فهمنا للجاذبيّة , بل ربّما بمستوى أفضل !
يُجيب لينوكس :
لا ...وهذهِ نقطة مهمة جداً
لأنّي لاحظتُ في الكثير من كتاباتكَ أنّك ترفض الإله في التفسيرات العلميّة . حين إكتشف نيوتن قانون الجاذبيّة لم يقل / رائع الآن لا أحتاج الى الله !
حينَ إكتشفَ نيوتن قانون الجاذبيّة لم يقل , رائع الآن لا أحتاج الى الإله
الإله هو تفسير للظواهر على مستوى الوكالة , وليس على مستوى الآليّة
فيمكننا دراسة آليات البيولوجيا , وكلّما كانت متطوّرة أكثر , كلّما كانت تُشير الى وكيل Agent
لايُمكنكَ إستبعاد وجود وكيل من خلال الإشارة الى وجود آليّة Mechanism
وأنا لا أستوعب كيف يُمكنكَ أن تصل الى أنّ الله والعلم هما تفسيران متناقضان ؟
يقاطعهُ ريتشارد داوكنز قائلاً :
أعتقد أنّكَ لاتحتاج لوكيل إذا كان الوكيل غير ضروري في التفسير !
حينَ تُراقب حدثاً ما , قد يكون هناك وكيل .
لو كنتَ تٌراقب سيارة تمضي وتتجنب الحواجز , وتنعطف يميناً وشمالاً
ستقول هناك وكيل يقود السيارة , وهذا صحيح لأنّهُ هناك السائق .
لكن لو كنتَ لاتحتاج وكيلاً لتفسير ما يحدث , ونحنُ لانحتاج وكيل في الأحياء ولا في الجاذبيّة .
بالطبع أنا أقبل أنّ نيوتن كان دينياً , فقد عاش في القرن السابع عشر , والجميع كان كذلك .
لكنّكَ لا تحتاج وكيل ! لأنّ الوكيل غير ضروري في التفسير هنا . هذا سيكون إعطاء مكسب مجاني , لشيء لا تحتاجهُ !
يُجيب جون لينوكس :
أجد هذا غير مُقنع , لأنّكَ حتى لو كنتَ تقبل النموذج التطوّري , فإنّ حدوثهِ يعتمد على وجود كون مضبوط .
هذا الكون المضبوط في ثوابتهِ يطرح بحّد ذاتهِ أسئلة كُبرى عن منشأ الكون . التطوّر لا يتناول مَنشأ الكون , ولا منشأ الحياة .
يقاطعهُ داوكنز : صحيح .. لكن هذهِ نقاط منفصلة .
لينوكس : هذهِ نقاط منفصلة ومهمة أيضاً .
داوكنز : نعم بالتأكيد .
طالما أننّا نتناول التطوّر Evolution سأتحدّث عنهُ إذا أردتَ أن نمضي للنقاش في هذهِ الأشياء فيسعدني ذلك .
لينوكس : نعم يُسعدني أن نناقشها , لكن فكرة أنّ الاشياء في المبدأ يجب أن تنتقل من البساطة الى التعقيد ( يبدو لي هذهِ عقيدتك وإيمانكَ )
يستفسر منهُ داوكنز : ماهي عقيدتي ؟ الأشياء يجب أن تنتقل من البساطة الى التعقيد ؟
لينوكس : نعم
داوكنز : لا ... إن كانت الأشياء تنتقل من البساطة الى التعقيد نحتاج تفسيراً , الإصطفاء الطبيعي هو تفسير ذلك في البايولوجيا .
لينوكس : حسناً فلنرجع الى مستوى أصل الكون وأصل الحياة .
الحياة مثلما نعرف جميعاً لديها قاعدة بيانات رقميّة , ولديها لغة خاصة بها . الآن : الشيء الوحيد الذي نعرف قدرتهِ على إنتاج اللغة هو العقل .
مع ذلك أنتَ ترفض هذا , ترفضهُ بالضرورة , بإعتباركَ لا ربوبي .
داوكنز يتصنع إبتسامة ) , نعم أرفضه !
حين تقول الشيء الوحيد الذي نعرف قدرتهِ على إنتاج اللغة هو العقل .
نحنُ نعرف أنّ ما يُنتج اللغة البشريّة هو العقل . لكن الحامض النووي D.N.A. , ليس لغة بشريّة .
يقاطعهُ لينوكس : لكنّها لغة مُعقدة ؟
داوكنز / نعم مُعقدة , لكن هذا لايستلزم نشأتها عن عقل .
لينوكس : لكننّا لانعرف أيّ طريقة ممكنة لإيجادها , لأنّهُ يبدو لي من وجهة نظر رياضيّة ويبدو لي أنّكَ ذكرتَ ذلك في سياق آخر وقلت
( خردة داخلة وخردة خارجة )
هنا لدينا مُعالج معلومات هائل إسمهُ الخليّة . هل يُمكنني أن اُصدّق أنّ آليّة مُعالجة المعلومات هذهِ ظهرت من خلال قوانين الطبيعة والعمليّات العشوائية بدون عقل ؟
داوكنز : نعم ... نعم
لينوكس : أنا أجد هذا مُستحيل التصديق كعالم رياضيّات .
داوكنز : أعلم ذلك . هذهِ تُسمى / الإحتجاج بالشكوكيّة الشخصيّة !
هههههههههههه ( ضحكات متوسطة من الجمهور )
لينوكس : لكن يُمكنني أن أقلب هذا وأقول أنّكَ تحتج بالسذاجة الشخصيّة !
فأنتَ تقول أنّ العقلانيّة تأتي من اللاعقلانيّة . وأنّ العقل يأتي من المادة .
بالنسبة لي تفسير الكتاب المُقدّس هو في البدء كانت الكلمة وكان اللوغوس وهذا منطقي تماماً .ويجعل قدرتنا على إستخدام العلم منطقيّة.
داوكنز : لكنّكَ لم تشرح من أين جاء اللوغوس أسأساً ؟
لينوكس : بالطبع لا , لأنّ اللوغوس لم يأتي من أيّ مكان .
داوكنز : إذن كيف تعتبر هذا جواباً ؟
لينوكس : لأنّ الفكرة أن تسأل مِنْ أينَ جاءَ اللوغوس تعني أنّكَ تسأل عن إله مخلوق .
بينما الصفة الأساسيّة للخالق في الكتاب المُقدّس أنّهُ ليس مخلوق بل هو أزلي !
وأنا أسأل نفسي لإستدلال الجواب الأفضل / ما الذي يُعتبر منطقياً أكثر؟
أنّ هناك لوغوس أزلي , وأنّ الكون وقوانينهِ والقدرة على التفسير الرياضي وخلافهِ وإنّ هذهِ الأشياء مشتقة , بما فيها العقل البشري من اللوغوس .
هذا منطقي أكثر بكثير بالنسبة لي كعالم من الفكرة المُعاكسة .
حينَ لايكون هناك تفسير لوجود الكون , هل تعتبر الكون حقيقة بسيطة ؟
داوكنز : الكون حقيقة بسيطة وأسهل للقبول من فكرة خالق واعي .
لينوكس : إذاً مَنْ صنعَ الكون ؟
داوكنز : أنتَ الذي تُصّر على هذا السؤال .
لينوكس : لا .. لا , أنتَ سألتني مَنْ صنعَ الخالق ؟
الكون صنعكَ يا ريتشارد , فمن صنع الكون ؟
داوكنز : الإله هو كيان مُعقّد ويتطلّب تفسيراً أكثر تطوّراً وصعوبة من تفسير الكون , الذي يُعتبر وفق الفيزياء الحديثة كياناً أبسط بكثير .
إنّها بداية بسيطة . بداية بسيطة لكن ليست هامشيّة .
لكن تفسيرها أبسط بكثير بالتأكيد من تفسير شيء مُعقّد كإلهٍ خالق .
لينوكس : نعم لا يُمكنكَ تفسير وجود الإله . لكنّي أعتقد أنّك لم تفهم سؤالي .
أنا أضع مُقارنة , أنتَ تقول , ولا تجعلني أتقوّل عليك , فهذا من غير العدل . لكن يبدو لي أنّكَ تعني , أنّهُ من السُخف أن أؤمن بإله صنعَ الكون , لأنّي لا أعرف مَنْ صنعَ الله !
كلّ ما أفعلهُ هو أنّي اقلب السؤال عليك , لاقول لكَ :
أنتَ تعترف أنّ الكون صنعكَ لأنّهُ لايوجد غيره , فمن صنعَ الكون إذاً ؟
داوكنز : أنا افهمكَ تماماً جون .
نحنُ الإثنان نواجه السؤال ذاتهِ , هو كيف بدءّ الكون !
لينوكس : نعم
داوكنز : أنا أقول أنّهُ من السهل بكثير أن نبدأ بشيء بسيط بدلاً أن نبدأ بشيء مُعقّد . وهذا ما يعنيهِ التعقيد .
لينوكس : ولكنّي لا أظنُ ذلك .
فلو أمسكتَ بكتاب إسمهُ وهم الإله ( هذا كتاب داوكنز الأشهر ) , وهو كتاب متطوّر وفيهِ الكثير من الكلمات .
في الواقع ومنذُ نظرتي للصفحة الأولى , ودون الحاجة لتجاوزها , أستنتج أنّ الكتاب يأتي من كائن أكثرُ تعقيداً من الكتاب نفسهِ , وهو أنت !
داوكنز : نعم , بالتأكيد الأشياء المُعقّدة موجودة , والأدمغة موجودة .
لينوكس : إذاً , لماذا لا ننظُر للكون وهو يشتمل على داوكنز ولينوكس ؟
داوكنز : سأخبركَ لماذا , سأخبرك .
لأنّ دماغي الذي أنتجَ الكتاب لهُ تفسير بدورهِ . هذا التفسير هو التطوّر !
وهكذا نعود شيئاً فشيئاً , الى بداية الكون .
هذا يُعطي تفسيراً للأدمغة المُركبّة التي تنتج كُتباً ومتاحف وسيارات وحواسيب . بالتأكيد توجد أشياء مُركبّة تصنع أشياء مُركبّة اُخرى .
ولكن العلم يعرف كيف تنشأ الأدمغة المُركبّة من بدايات بسيطة .
لينوكس , يقاطع : لا أعتقد ذلك أبداً .
على مستوى مَنشأ ( نشوء ) الحياة , فمن يقرأ الأدبيّات العلمية بما فيها المُعاصرة , فإنّ كلمة مُعجزة موجودة الى حدّ قد لا يُعجبك !
ذلك بأنّ الإنتقال من صفات التنظيم الذاتي للجزيئات الصغيرة في الزمن البدائي , الى صفات التنظيم الذاتي الهائلة في الجزيئات الكبيرة . لايوجد أيّ طريقة لهذا .
داوكنز يُقاطع : أنتَ تفترض أنّهُ لا يوجد , ولكن هناك الكثير من العمل اللازم . العلم لا يعرف كلّ شيء بعد . ولا تزال هناك ثغرات .
لينوكس : نعم أنا لا أستبعد وجود تفسير مادي لها , ولكن يبدو لي أنّ الوصف الأساس للغة الحامض النووي العتيقة يُشير أكثر بكثير الى وجود لوغوس إلهي بدأها . أكثر ممّا يمكن تفسيره بالكامل بالظواهر الطبيعيّة المحضة .لأنّي أوّد العودة للنقطة السابقة ,
بإنّ هذا الإختزال المُتطرّف , يستبعد عنّا العقلانيّة التي نُجري من خلالها هذا الحوار .
أنا لا أشعر بأنّي مُغرّر للإيمان بأنّ الكون مصنوع .
بل أؤمن حقاً انّهُ مصنوع .وهذا لايقف في طريق العلم .
أنا أخشى أحياناً , أنّ الإنقسام الذي تدعيهِ / إمّا العِلم أو الله ؟
قد يُبعد بعض الناس عن العِلم لأنّهم سيختارون ... الله ! ممّا سيكون مؤسفاً .
داوكنز : حسناً أنتَ تقفز من موضوع لآخر .
لينوكس : نعم
داوكنز : يُمكننا الحديث عن أصل الحياة أو فكرة المُعجزات أو فكرة أنّ إسلوبي في العلم يُنفّر الناس .
حسناً فلنبدأ من الأخير إذاً . عندما تشاء تقوم بإقحام السحر من أجلِ معجزات الكتاب المقدّس . وتُقحم السحر في مَنشأ الحياة .
أنا لا أستطيع تفسير مَنشأ الحياة حالياً . أعني , لا أحد يستطيع .
يقاطع لينوكس : لكن هل تؤمن أنّ تفسيرها سيكون طبيعياً ؟
داوكنز : نعم , وأعتقد أنّهُ من الجُبن والإنهزاميّة أن نفترض أنّهُ لمجرّد جهلنا بشيءٍ ما , فهو حدثَ بالسحر .
لينوكس : أنا أتفق معكَ ,أنا ضدّ فكرة إله الثغرات The God of the gaps
داوكنز يقاطع : لكن هذا ما تفترضهُ أنتَ . أنّهُ إله الثغرات !
أنتَ تُشير الى مَنشأ الحياة ومَنشأ الحامض النووي , وتقول ......
حسناً داروين فسّر كلّ شيء بعد مَنشأ الحياة , ولكنّهُ لم يُفسّر منشأ الحياة , وهذا إله الثغرات .
لينوكس : أعتقد هناك نوعين من الثغرات , هناك ثغرات سيّئة يغلقها العِلم . لكن أليس من الممكن أنّ العلم يفتح ثغرات جديدة ؟
ما أقصدهُ أنّ إفتراضكَ كما أفهمهُ ,سيوجد تفسير شامل إختزالي طبيعي لكل شيء بمصطلحات علميّة .
أنا لا أعتقد هذا . فإن كان هناك إله وهو الذي خلّقَ هذا الكون , وإن كان كما أؤمن به , إلهاً شخصياً , فأتوقع أن تحصل بعض الأشياء .
أحدها أننّا سنجد دلائل في الكون على وجود الإله , وأعتقد أنّها موجودة في قابليّة الكون للتفسير الرياضي . وفي التوليف الدقيق لقوانين الكون وفي التطوّر البديع فيه . أتوّقع أن أجد يدَ الله هناك .
سأتوقع أيضاً وجود حالات يتحدث فيها الإله بطريقة خاصة , وبالتالي أعتقد أنّنا حينما نحاول تفسير تلك الحالات بوسائل علميّة إختزاليّة بحته , تزداد الصعوبة , بدلاً من البساطة . ولا أتوّقع أنّ تلك الحالات كثيرة وأظنّ أنّ مَنشأ الحياة من ضمنها .
وبالتأكيد إذا تناولنا التأريخ القريب وأنتَ ذكرتَ المعجزات التي أعتبرها جوهرية , وأنتَ تُسميها تافهه .
أنا أعتبرها مهمة جداً لأنّها تتناول شيئاً يهّم كلّ إنسان / سؤال الموت !
إن كان يسوع فعلاً بُعِثَ من الموت تأريخياً فهذا يُشكّل فرقاً عظيماً في رؤيانا للعالم .
فعلى عكس إعتبارها تافهه إن كان هذا هو الإله الذي يُخاطبنا , فسآخذهُ بجديّة مُتناهيّة . فلماذا تعتبرها تافهه ؟
......