[align=justify][align=justify]
بسم الله الرحمن الرحيم
الحلقة الثانية
اجتمع الأب وولديه بعد العشاء ،فابتدأ واثق قائلاً :أبي لقد نقلت مضمون الحوار الذي دار بيينا ليلة البارحة الى زملائي في الجامعة الذين بعضهم على غير مذهب أهل البيت(ع) ففرحوا كثيراً ؛وأصرّوا على مقابلتك والاستفادة أكثر من كلامك،فماذا تقول يا ابتاه؟
الأب:إن شاء الله نجلس ان اراد الله ذلك فيما بعد ؛لأني اُريد التحدث معكما انتما بالتحديد لكي اشرح لكما معالم الدعوة اليمانية،ونؤخر اجتماعنا بزملائك الى وقت آخر؛لأنّ طبيعة الكلام معهم تختلف عن طبيعة كلامنا بيننا،فأخر لقائنا بهم الى وقت آخر.
واثق: إن شاء الله اخبرهم بأننا سنلتقي لكن في وقت غير محدد،واخبرهم في الموعد الذي نلتقي فيه بحسب رأيك يا أبي.
الأب:أبدأ كلامي لكما حول الدعوة اليمانية ببسم الله الرحمن الرحيم،والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليماً.
لقد أخبر أهل البيت(ع) بظهور شخص يمهّد للامام المهدي(ع) وأسموه بأنّه اليماني،فقد جاء عن الامام الباقر(ع)خروج السفياني واليماني والخراساني في سنة واحدة ، في شهر واحد ، في يوم واحد ، نظام كنظام الخرز يتبع بعضه بعضاً فيكون البأس من كل وجه ، ويل لمن ناواهم ، وليس في الرايات راية أهدى من راية اليماني ، هي راية هدى ، لأنه يدعو إلى صاحبكم ، فإذا خرج اليماني حرم بيع السلاح على الناس وكل مسلم ، وإذا خرج اليماني فانهض إليه فإن رايته راية هدى ، ولا يحل لمسلم أن يلتوي عليه ، فمن فعل ذلك فهو من أهل النار ، لأنه يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم).(1).
فلو دققتما في الرواية هذه لوجدتم عدّة حقائق،أُشير لكما الى بعضها:
الاولى:ان الرواية عبّرت بالخروج ولم تعبّر بالظهور،ومن الواضح ان الخروج يسبقه ظهور،والّا كيف تخرج هذه الرايات؟ اي:توجد مرحلة اعدادية لجيش السفياني وتوجد مرحلة اعدادية لجيش اليماني،وفي هذه المرحلة كل واحد منهما يقوم بجمع أنصاره،وجمع الانصار يكون في زمن الظهور لا في زمن الخروج. أليس كذلك؟
واثق:نعم يا ابي.
الاب:وأنت يامحمود.
محمود:نعم صحيح يا أبي؛إذ لا يعقل الخروج للقتال بدون الاعداد المسبق له،وهذا ما نشاهده اليوم ونقرأ عنه في السابق.
الاب :
الثانية:ان الامام الباقر(ع) في مقام بيان القتال الذي يحصل في زمن ظهور الأمام المهدي (ع)،فهذا الخروج هو خروج للقتال ـ كما قال محمود ـ وفي هذا الزمان تكون هناك ثلاث رايات، وأهل البيت(ع) حريصين كل الحرص على هداية الناس،فمن هنا بيّن الإمام الباقر(ع) الصفات التي تتصف بها راية الحق وجيش الغضب الالهي ؛لكي يبعدوا الناس عن الضلال والتيه ،وليدفعوا عنهم الحيرة،فوصف الإمام راية الهدى والتي يكون صاحبها اليماني،فأعطى اليماني مميّزات تميّزه عن غيره،ووصف الامام رايته المباركة وصفاً دقيقاً،فقالوليس في الرايات راية أهدى من راية اليماني ، هي راية هدى)،فالراية التي يرفعها اليماني هي راية هدى،ثم يعلل الامام الباقر(ع) سبب ذلك،فيقوللأنه يدعو إلى صاحبكم)،أي: إلى الإمام المهدي(ع)،ومن هنا قال البعض بأنّ اليماني نائب الإمام المهدي الخاص(2).
الثالثة:ان الرواية حرّمت ثلاثة اُمور:
الاول:حرمة بيع السلاح على الناس عموماً،وعلى المسلمين على وجه الخصوص فقال(ع) فإذا خرج اليماني حرم بيع السلاح على الناس وكل مسلم)،والسبب في ذلك يعود الى أن اليماني بما أنّه نائب الامام المهدي(ع) الذي يملأ الارض قسطاً وعدلاً ليس مختصاً بالمسلمين،بل يشمل اليهود والنصارى ،فلذا حرمت بيع السلاح على الناس مطلقاً،وخصّت المسلمين بالذكر لمزيد من التأكيد،أو من باب عطف الخاص على العام كما هو وارد في كثير من التعابير.فعملية بيع وشراء السلاح محرّمة؛لكي لا يقع السلاح في يد أعداءه ويحابوه به.
الثاني: التخاذل عنه وعدم نصرته،فهو محرم أيضاً؛لأن الرواية امرت بالخروج اليه،ومخالفة الامر بالخروج الذي يكون بالتخاذل عنه وعدم نصرته محرّمة؛لذا قال الامام الباقر(ع) وإذا خرج اليماني فانهض إليه).
الثالث: حرمة الالتواء عليه،فقال الامام الباقر(ع) ولا يحل لمسلم أن يلتوي عليه)، فالذي يلتوي عليه يكون من أهل النار نعوذ بالله من غضبه وناره، وأود ا نابيّن لكما حقيقة وهي:ان الانسان الذي يخالف مرجعاً من مراجع الدين في فتواه ويلتوي عليه هل يعد من أهل النار؟ الجواب:كلا.وهذا معناه ان شخصية اليماني تختلف عن شخصية المراجع!!ثم ان الامام الباقر علل ذلك فقال لأنه يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم).
يعني أن اليماني دائماً وأبداً يدعو الى الطريق المستقيم،والذي عبرت الرواية عنه فيما سبق لأنه يدعو إلى صاحبكم)،اي الامام المهدي(ع)،فهو الطريق المستقيم الذي من سار على نهجه عُصم من الضلال والحيرة؛ولهذا شبه الرسول(ص) أهل البيت(ع) تارة بسفينة نوح(ع) التي من ركب فيها نجى ومن تخلف عنها غرق،وثانية بباب حطّة في بني أسرائيل،وثالثة قرنهم في القرآن الكريم وأناط الهداية بالتمسك بهما معاً،فمن أراد ان ينقص واحداً فقد خالف حديث رسول الله (ص) كما فعل عمر(لع) حينما قالحسبنا كتاب الله).(3).وكذلك من أراد ان يزيد على الثقلين شيئاً ثالثاً ايضاً لا يكون من الناجين،كمن يحاول ان يضيف عقله الناقص ويجعله ملاكاً يقيّم به الأشياء التي هي خارجة عن إدراك العقل.
والنتيجة التي نستخلصها ممّا تقدّم هي:أن لهذه الشخصية منزلة عظيمة وهي شخصية معصومة بحيث ان الامام (ع) امرنا بطاعتها مطلقاً وحرّم الالتواء على اوامرها ونواهيها،ولا يأمر الامام(ع) بالطاعة المطلقة لشخص الا اذا كان ذلك الشخص معصوماً لا يوقع من اتبعه في معصية الله تبارك وتعالى.
الأب:ماذا تقولان يا ولدي؟
واثق: نعم يا أبي.
محمود:نعم هذا صحيح.
الأب:الأن اذكر لكما رواية عن امير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع)،ايضاً تشير الى هذه الشخصية الممهدة للأمام المهدي(ع) لكن جاءت الرواية بتعبير آخر، واليكما هذا المقطع من خطبة لهُ(ع) يذكرها الشيخ الكليني في الكافي،قال(ع)... ووا أسفا من فعلات شيعتي من بعد قرب مودتها اليوم كيف يستذل بعدي بعضها بعضا وكيف يقتل بعضها بعضا ، المتشتة غدا عن الأصل النازلة بالفرع ، المؤملة الفتح من غير جهته ، كل حزب منهم آخذ [ منه ] بغصن ، أينما مال الغصن مال معه ، مع أن الله - وله الحمد - سيجمع هؤلاء لشر يوم لبني أمية كما يجمع قزع الخريف يؤلف الله بينهم ، ثم يجعلهم ركاما كركام السحاب،ثم يفتح لهم أبوابا يسيلون من مستثارهم كسيل الجنتين سيل العرم حيث بعث عليه فارة فلم يثبت عليه أكمة ولم يرد سننه رض طود يذعذعهم الله في بطون أودية ثم يسلكهم ينابيع في الأرض يأخذ بهم من قوم حقوق قوم ويمكن بهم قوما في ديار قوم تشريدا لبني أمية ولكيلا يغتصبوا ما غصبوا ، يضعضع الله بهم ركنا وينقض بهم طي الجنادل من إرم ويملا منهم بطنان الزيتون ، فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة ليكونن ذلك ،وكأني أسمع صهيل خيلهم وطمطمة رجالهم وأيم الله ليذوبن ما في أيديهم بعد العلو و التمكين في البلاد كما تذوب الالية على النار من مات منهم مات ضالا وإلى الله عز وجل يفضي منهم من درج ويتوب الله عز وجل على من تاب ولعل الله يجمع شيعتي بعد التشتت لشر يوم لهؤلاء وليس لاحد على الله عز ذكره الخيرة بل لله الخيرة والامر جميعا . أيها الناس إن المنتحلين للإمامة من غير أهلها كثير ولو لم تتخاذلوا عن مر الحق ولم تهنوا عن توهين الباطل لم يتشجع عليكم من ليس مثلكم ولم يقو من قوي عليكم وعلى هضم الطاعة وإزوائها عن أهلها ، لكن تهتم كما تاهت بنو إسرائيل على عهد موسى [ بن عمران ] ( عليه السلام ) ولعمري ليضاعفن عليكم التيه من بعدي أضعاف ما تاهت بنو إسرائيل ولعمري أن لو قد استكملتم من بعدي مدة سلطان بني أمية لقد اجتمعتم على سلطان الداعي إلى الضلالة وأحييتم الباطل وخلفتم الحق وراء ظهوركم وقطعتم الأدنى من أهل بدر ووصلتم الابعد من أبناء الحرب لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ولعمري أن لو قد ذاب ما في أيديهم لدنا التمحيص للجزاء وقرب الوعد وانقضت المدة وبدا لكم النجم ذو الذنب من قبل المشرق ولاح لكم القمر المنير ، فإذا كان ذلك فراجعوا التوبة واعلموا أنكم إن اتبعتم طالع المشرق سلك بكم مناهج الرسول ( صلى الله عليه وآله ) فتداويتم من العمى والصم والبكم وكفيتم مؤونة الطلب والتعسف ونبذتم الثقل الفادح عن الأعناق ولا يبعد الله إلا من أبى وظلم واعتسف وأخذ ما ليس له ( وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ).(3).
الأب:أقف عند هذا النص لأذكر لكما بعض الحقائق التي ذكرها أمير المؤمنين(ع) وارث علم رسول الله(ص).
الحقيقة الاولى: أنه يحصل خلاف كبير بين شيعته(ع) مما جعل أمير يتأسف على ذلك،بحيث يؤدي الخلاف الى استذلال وقتل الشيعي المنتسب لعلي(ع) في الظاهر أخاه الذي مثله،وهذ ما عبّر عنه بقوله يستذل بعدي بعضها بعضا وكيف يقتل بعضها بعضا)،وهذه الحقيقة قد عبّر عنها أهل البيت(ع) في أكثر من مورد،أذكر لكما بعض الموارد لتتميم الفائدة:
المورد الاول: عن مالك بن ضمرة قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : يا مالك ابن ضمرة ! كيف أنت إذا اختلفت الشيعة هكذا ، وشبك أصابعه وأدخل بعضها في بعض ، فقلت : يا أمير المؤمنين ما عند ذلك من خير ؟ قال : الخير كله عند ذلك يا مالك ، عند ذلك يقوم قائما فيقدم سبعين رجلا يكذبون على الله وعلى رسوله فيقتلهم ، ثم يجمعهم الله على أمر واحد.(4).
المورد الثاني: عن الحسن بن علي عليهما السلام : لا يكون هذا الامر الذي تنتظرون ، حتى يتبرأ بعضكم من بعض ، ويلعن بعضكم بعضا ، ويتفل بعضكم في وجه بعض ، وحتى يشهد بعضكم بالكفر على بعض . قيل : ما في ذلك خير ؟ قال : الخير كله في ذلك ، عند ذلك يقوم قائمنا ، فيرفع ذلك كله .(5).
الحقيقة الثانية:ان الشيعة متشتتون عن الأصل نازلين بالفرع،وقد اتخذوا من هذه الفروع احزاباً،يميلون معها فحيثما مالت مصالح تلك الاحزاب مالوا،فهم كمن تمسّك بغصن شجرة اينما مال الغصن مال معه،وهذا يعني ان المقدّم عندهم ليس مصالح الدين الحق ،بل مصالح أحزابهم التي اتخذوها ملاذاً لهم؛لذا وصفهم مولى الموحدين(ع)المتشتة غداً عن الأصل النازلة بالفرع...... كل حزب منهم آخذ [ منه ] بغصن ، أينما مال الغصن مال معه).
الحقيقة الثالثة:أن هؤلاء الشيعة يتأملون ان يأتيهم الفتح من جهة هم تصوروا ان الفتح يأتي منها، ومن الواضح ان المراد بالفتح ،هو ظهور الامام المهدي(ع) واجتثاثه لملك الظالمين الذين لطالما تربّعوا على كرسي الحكم وظلموا الناس وسلبوا حقوقهم ،وهذا المعنى واضح كما سيشير اليه أمير المؤمنين في آخر خطبته هذه .فكل حزب منهم يتصور ان الفتح يأتي عن طريقة ،فكل واحد منهم رسم في ذهنه صورة لظهور الأمام المهدي(ع)،بحيث يريده ان يأتي عن طريقه وإلا فلا يؤمن به،فكانّهم هم الأئمة وليس الإمام المهدي هو إمامهم كما عبر عن ذلك أمير المؤمنين(ع) كأنهم أئمة الكتاب وليس الكتاب إمامهم . فلم يبق عندهم منه إلا اسمه ، ولا يعرفون إلا خطه وزبره).(6).
فهؤلاء هم المؤملة الفتح من غير جهته).
الحقيقة الرابعة:وهي حقيقة مؤلمة جدّاً ،وهي أنّ هؤلاء الشيعة على الرغم من تفرقهم فيما بينهم إلّا أنّهم سيتفقون ،ويكون اتفاقهم يصب في مصلحة الطغاة الظالمين الذين يقفون في وجه حركة الأمام المهدي(ع)؛لذا عبّر الأمير(ع) عن هذه الحقيقة بقوله مع أن الله - وله الحمد - سيجمع هؤلاء لشر يوم لبني أمية كما يجمع قزع الخريف يؤلف الله بينهم ، ثم يجعلهم ركاماً كركام السحاب)،فهم يجتمعون لشر يوم لبني اُمية ،وهو يوم ظهور الامام المهدي(ع)؛لأنّه اليوم الذي يحاكم به بني اُمية ويقتل ذراريهم الذين رضوا بفعل أبائهم.
وعبّر الإمام ببني اُمية؛لأنّ الناس لا تفهم جميع الحقائق المستقبلية التي يبينها الامام(ع)،كما سأبين لكما هذه الحقيقة بعد قليل.
فالشيعة على الرغم من تخالفهم وتشتتهم فيما بينهم إلّا ان الشيطان يجمعهم لشر يوم لبني اُمية،وهو يوم قيام القائم(ع)،كما يجمع الغيوم المتشتتة في السماء في فصل الخريف؛إذالغيوم تكون فيه متشتته،فكما تجتمع هذه الغيوم المتشتتة البعيدة احداهما عن الأخرى سيجتمع الشيعة على الرغم من اختلافهم،لكن اجتماعهم يكون على الباطل وضد آل محمد(ص)!
الحقيقة الخامسة: وهي التيه الذي تبتلي به الشيعة بسوء اختيارهم وابتعادهم عن تعاليم أهل البيت(ع)،بحيث يكون هذا التيه أضعاف ماتاهت به بنو إسرائيل،لاحظا قول الأمير(ع) لكن تهتم كما تاهت بنو إسرائيل على عهد موسى [ بن عمران ] ( عليه السلام ) ولعمري ليضاعفن عليكم التيه من بعدي أضعاف ما تاهت بنو إسرائيل).
وفي الحقيقة ان كل ما تقدّم من التشتت والاختلاف وغيرهما من الظواهر التي أشار اليها الأمير(ع) فيما تقدّم ليس إلّا نتيجة لهذا التيه الفكري التي تصاب به الشيعة نتيجة ابتعادها عن التعاليم الحقّة لآل محمد(ع) وابتعادهم عن القرآن والعترة الذين هما الثقلين العاصمين من الضلال الرافعين للحيرة والتيه،فما وجد التيه عند الشيعة إلّا ببتعادهم عن الثقلين الذين انيطت الهداية بالتمسك بهما.
الحقيقة السادسة:وهي المهمّة في حديثنا،وهي ان في هذا الوقت الذي تختلف به الشيعة سيظهر لهم رجل وصفه الأمير(ع) بأنه النجم ذو الذنب، وبين أنّه يخرج من قبل المشرق،وأكد الأمير(ع) على ان الذي يسير معه ويتبعه فهو يكون سائراً بمنهج الرسول الكريم(ع)،لا حظا تعبير الأمير(ع) ولعمري أن لو قد ذاب ما في أيديهم لدنا التمحيص للجزاء وقرب الوعد وانقضت المدة وبدا لكم النجم ذو الذنب من قبل المشرق ولاح لكم القمر المنير ، فإذا كان ذلك فراجعوا التوبة واعلموا أنكم إن اتبعتم طالع المشرق سلك بكم مناهج الرسول (ص)،فطالع المشرق له درجة عالية من الفضل بحيث الأمير(ع) يصفه بأنّه (النجم)،كما وصف الرسول أهل بيته بأنّ مثلهم كمثل النجوم،فقال(ص) النجوم أمان لأهل السماء وأهل بيتي أمان لامتي).(7).
ويأمرأمير المؤمنين(ع) الناس بالسير معه ومتابعته ،وهذا معناه أنّه معصوم ولا يخرج الناس من حق ويدخلهم في باطل،وهذا لايكون إلّا في المعصومين(ع)؛إذ هم الذين يسيرون بالناس بمناهج الرسول(ص)؛لأنّهم أوصياءه من بعده عليهم السلام.
ثم ان الامام علي(ع) يبيّن أمرين:
الاول: فوائد اتباع طالع المشرق فيقول فتداويتم من العمى والصم والبكم وكفيتم مؤونة الطلب والتعسف ونبذتم الثقل الفادح عن الأعناق).
فبأتباعه يرتفع عنا التيه،فيكون اتباعة علاجاً لنا من العمى والصم والبكم والتعسّف،يعني تنفتح قلوبنا العمياء،وتنطق ألسنتنا بما يريده الله تعالى،وتنفتح مسامع عقولنا وقلوبنا للحق،ونبتعد عن التعسف الذي هو:أخذالقول على غير هداية وحمل الكلام على معنى لا تكون دلالته عليه ظاهرة.والأهم من ذلك كله ان اتباعنا له يكفينا مؤونة الطلب،الطلب لإمامنا المهدي(ع)،فبتباعه قد اتبعنا الامام(ع) ،فطالع المشرق يوصلنا للإمام المهدي(ع)،وبوصولنا يسقط عنا الثقل الفادح الذي نحمله.
الثاني: ان الامام علي (ع) يبيّن لنا من الذي لا يوفق لاتباع طالع المشرق،فيقول ولا يبعد الله إلا من أبى وظلم واعتسف وأخذ ما ليس له ( وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ).
فالذين لا يوفقون لاتباع طالع المشرق هم اربعة أصناف من الناس:
الصنف الاول:الذي يأبى.
الصنف الثاني:الذي ظلم.
الصنف الثالث: المتعسف.
الصنف الرابع:من يدعي او يأخذ ماليس له.
وخلاصة ما تقدّم يا ولدَي: أنّ مفاد كلام أمير المؤمنين(ع) ينطبق تماماً مع مفاد رواية اليماني المتقدّمة ،والتي رواها النعماني في كتابه الغيبة عن الامام الباقر(ع)،فطالع المشرق هو اليماني نفسه.
كما سأبين لكما في الحلقة الآتية ما يدلل على خروج رجل من المشرق.
والحمد لله تعالى والصلاة على نبيه الخاتم وآله الأئمة والمهديين وسلم تسليماً
والسلام عليكما ورحمة الله وبركاته.
واثق ومحمود:وعليك السلام يا ابتي ورحمة الله وبركاته،ولك منا جزيل الشكر على هذا البيان،وكشفك لنا حقائق كلام أهل البيت(ع)،فدمت لنا أباً رحيماً عطوفاً .
هوامش الحلقة الثانية:
(1) الغيبة لمحمد بن إبراهيم النعماني : 264.
(2) معجم أحاديث الامام المهدي(ع). .(ص: 619) قال الشيخ الكوراني:في معجمه: والمرجح عندنا في الجواب:أن ثورة اليماني تحضى بشرف التوجيه المباشر من الامام المهدي(ع) فاليماني سفيره الخاص يتشرف بلقائه ويأخذ توجيهه منه.وقال في كتابه عصر الظهور: ولكن المرجح ان يكون السبب الأساسي في أن ثورة اليماني أهدى أنها تحضى بشرف التوجيه المباشر من المهدي عليه السلام ، وأنها جزء مباشر من خطة حركته عليه السلام ، وأن اليماني يتشرف بلقائه ويأخذ توجيهه منه . ويؤيد ذلك أن أحاديث ثورة اليمانيين تركز على مدح شخص اليماني قائد الثورة وأنه " يهدي إلى الحق " ويدعو إلى صاحبكم " وانه " لا يحل لمسلم ان يلتوي عليه ، فمن فعل ذلك فهو إلى النار. (ص:147).
(3) الكافي : 8 / 64 .
(4) بحار الأنوار :52 / 115.
(5) الخرائج والجرائح : 3 / 1153.
(6) نهج البلاغة :2 / 31.
(7) عيون أخبار الرضا (ع) : 1 / 30.
******
[/align][/align]
الحلقة الثانية
اجتمع الأب وولديه بعد العشاء ،فابتدأ واثق قائلاً :أبي لقد نقلت مضمون الحوار الذي دار بيينا ليلة البارحة الى زملائي في الجامعة الذين بعضهم على غير مذهب أهل البيت(ع) ففرحوا كثيراً ؛وأصرّوا على مقابلتك والاستفادة أكثر من كلامك،فماذا تقول يا ابتاه؟
الأب:إن شاء الله نجلس ان اراد الله ذلك فيما بعد ؛لأني اُريد التحدث معكما انتما بالتحديد لكي اشرح لكما معالم الدعوة اليمانية،ونؤخر اجتماعنا بزملائك الى وقت آخر؛لأنّ طبيعة الكلام معهم تختلف عن طبيعة كلامنا بيننا،فأخر لقائنا بهم الى وقت آخر.
واثق: إن شاء الله اخبرهم بأننا سنلتقي لكن في وقت غير محدد،واخبرهم في الموعد الذي نلتقي فيه بحسب رأيك يا أبي.
الأب:أبدأ كلامي لكما حول الدعوة اليمانية ببسم الله الرحمن الرحيم،والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليماً.
لقد أخبر أهل البيت(ع) بظهور شخص يمهّد للامام المهدي(ع) وأسموه بأنّه اليماني،فقد جاء عن الامام الباقر(ع)خروج السفياني واليماني والخراساني في سنة واحدة ، في شهر واحد ، في يوم واحد ، نظام كنظام الخرز يتبع بعضه بعضاً فيكون البأس من كل وجه ، ويل لمن ناواهم ، وليس في الرايات راية أهدى من راية اليماني ، هي راية هدى ، لأنه يدعو إلى صاحبكم ، فإذا خرج اليماني حرم بيع السلاح على الناس وكل مسلم ، وإذا خرج اليماني فانهض إليه فإن رايته راية هدى ، ولا يحل لمسلم أن يلتوي عليه ، فمن فعل ذلك فهو من أهل النار ، لأنه يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم).(1).
فلو دققتما في الرواية هذه لوجدتم عدّة حقائق،أُشير لكما الى بعضها:
الاولى:ان الرواية عبّرت بالخروج ولم تعبّر بالظهور،ومن الواضح ان الخروج يسبقه ظهور،والّا كيف تخرج هذه الرايات؟ اي:توجد مرحلة اعدادية لجيش السفياني وتوجد مرحلة اعدادية لجيش اليماني،وفي هذه المرحلة كل واحد منهما يقوم بجمع أنصاره،وجمع الانصار يكون في زمن الظهور لا في زمن الخروج. أليس كذلك؟
واثق:نعم يا ابي.
الاب:وأنت يامحمود.
محمود:نعم صحيح يا أبي؛إذ لا يعقل الخروج للقتال بدون الاعداد المسبق له،وهذا ما نشاهده اليوم ونقرأ عنه في السابق.
الاب :
الثانية:ان الامام الباقر(ع) في مقام بيان القتال الذي يحصل في زمن ظهور الأمام المهدي (ع)،فهذا الخروج هو خروج للقتال ـ كما قال محمود ـ وفي هذا الزمان تكون هناك ثلاث رايات، وأهل البيت(ع) حريصين كل الحرص على هداية الناس،فمن هنا بيّن الإمام الباقر(ع) الصفات التي تتصف بها راية الحق وجيش الغضب الالهي ؛لكي يبعدوا الناس عن الضلال والتيه ،وليدفعوا عنهم الحيرة،فوصف الإمام راية الهدى والتي يكون صاحبها اليماني،فأعطى اليماني مميّزات تميّزه عن غيره،ووصف الامام رايته المباركة وصفاً دقيقاً،فقالوليس في الرايات راية أهدى من راية اليماني ، هي راية هدى)،فالراية التي يرفعها اليماني هي راية هدى،ثم يعلل الامام الباقر(ع) سبب ذلك،فيقوللأنه يدعو إلى صاحبكم)،أي: إلى الإمام المهدي(ع)،ومن هنا قال البعض بأنّ اليماني نائب الإمام المهدي الخاص(2).
الثالثة:ان الرواية حرّمت ثلاثة اُمور:
الاول:حرمة بيع السلاح على الناس عموماً،وعلى المسلمين على وجه الخصوص فقال(ع) فإذا خرج اليماني حرم بيع السلاح على الناس وكل مسلم)،والسبب في ذلك يعود الى أن اليماني بما أنّه نائب الامام المهدي(ع) الذي يملأ الارض قسطاً وعدلاً ليس مختصاً بالمسلمين،بل يشمل اليهود والنصارى ،فلذا حرمت بيع السلاح على الناس مطلقاً،وخصّت المسلمين بالذكر لمزيد من التأكيد،أو من باب عطف الخاص على العام كما هو وارد في كثير من التعابير.فعملية بيع وشراء السلاح محرّمة؛لكي لا يقع السلاح في يد أعداءه ويحابوه به.
الثاني: التخاذل عنه وعدم نصرته،فهو محرم أيضاً؛لأن الرواية امرت بالخروج اليه،ومخالفة الامر بالخروج الذي يكون بالتخاذل عنه وعدم نصرته محرّمة؛لذا قال الامام الباقر(ع) وإذا خرج اليماني فانهض إليه).
الثالث: حرمة الالتواء عليه،فقال الامام الباقر(ع) ولا يحل لمسلم أن يلتوي عليه)، فالذي يلتوي عليه يكون من أهل النار نعوذ بالله من غضبه وناره، وأود ا نابيّن لكما حقيقة وهي:ان الانسان الذي يخالف مرجعاً من مراجع الدين في فتواه ويلتوي عليه هل يعد من أهل النار؟ الجواب:كلا.وهذا معناه ان شخصية اليماني تختلف عن شخصية المراجع!!ثم ان الامام الباقر علل ذلك فقال لأنه يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم).
يعني أن اليماني دائماً وأبداً يدعو الى الطريق المستقيم،والذي عبرت الرواية عنه فيما سبق لأنه يدعو إلى صاحبكم)،اي الامام المهدي(ع)،فهو الطريق المستقيم الذي من سار على نهجه عُصم من الضلال والحيرة؛ولهذا شبه الرسول(ص) أهل البيت(ع) تارة بسفينة نوح(ع) التي من ركب فيها نجى ومن تخلف عنها غرق،وثانية بباب حطّة في بني أسرائيل،وثالثة قرنهم في القرآن الكريم وأناط الهداية بالتمسك بهما معاً،فمن أراد ان ينقص واحداً فقد خالف حديث رسول الله (ص) كما فعل عمر(لع) حينما قالحسبنا كتاب الله).(3).وكذلك من أراد ان يزيد على الثقلين شيئاً ثالثاً ايضاً لا يكون من الناجين،كمن يحاول ان يضيف عقله الناقص ويجعله ملاكاً يقيّم به الأشياء التي هي خارجة عن إدراك العقل.
والنتيجة التي نستخلصها ممّا تقدّم هي:أن لهذه الشخصية منزلة عظيمة وهي شخصية معصومة بحيث ان الامام (ع) امرنا بطاعتها مطلقاً وحرّم الالتواء على اوامرها ونواهيها،ولا يأمر الامام(ع) بالطاعة المطلقة لشخص الا اذا كان ذلك الشخص معصوماً لا يوقع من اتبعه في معصية الله تبارك وتعالى.
الأب:ماذا تقولان يا ولدي؟
واثق: نعم يا أبي.
محمود:نعم هذا صحيح.
الأب:الأن اذكر لكما رواية عن امير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع)،ايضاً تشير الى هذه الشخصية الممهدة للأمام المهدي(ع) لكن جاءت الرواية بتعبير آخر، واليكما هذا المقطع من خطبة لهُ(ع) يذكرها الشيخ الكليني في الكافي،قال(ع)... ووا أسفا من فعلات شيعتي من بعد قرب مودتها اليوم كيف يستذل بعدي بعضها بعضا وكيف يقتل بعضها بعضا ، المتشتة غدا عن الأصل النازلة بالفرع ، المؤملة الفتح من غير جهته ، كل حزب منهم آخذ [ منه ] بغصن ، أينما مال الغصن مال معه ، مع أن الله - وله الحمد - سيجمع هؤلاء لشر يوم لبني أمية كما يجمع قزع الخريف يؤلف الله بينهم ، ثم يجعلهم ركاما كركام السحاب،ثم يفتح لهم أبوابا يسيلون من مستثارهم كسيل الجنتين سيل العرم حيث بعث عليه فارة فلم يثبت عليه أكمة ولم يرد سننه رض طود يذعذعهم الله في بطون أودية ثم يسلكهم ينابيع في الأرض يأخذ بهم من قوم حقوق قوم ويمكن بهم قوما في ديار قوم تشريدا لبني أمية ولكيلا يغتصبوا ما غصبوا ، يضعضع الله بهم ركنا وينقض بهم طي الجنادل من إرم ويملا منهم بطنان الزيتون ، فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة ليكونن ذلك ،وكأني أسمع صهيل خيلهم وطمطمة رجالهم وأيم الله ليذوبن ما في أيديهم بعد العلو و التمكين في البلاد كما تذوب الالية على النار من مات منهم مات ضالا وإلى الله عز وجل يفضي منهم من درج ويتوب الله عز وجل على من تاب ولعل الله يجمع شيعتي بعد التشتت لشر يوم لهؤلاء وليس لاحد على الله عز ذكره الخيرة بل لله الخيرة والامر جميعا . أيها الناس إن المنتحلين للإمامة من غير أهلها كثير ولو لم تتخاذلوا عن مر الحق ولم تهنوا عن توهين الباطل لم يتشجع عليكم من ليس مثلكم ولم يقو من قوي عليكم وعلى هضم الطاعة وإزوائها عن أهلها ، لكن تهتم كما تاهت بنو إسرائيل على عهد موسى [ بن عمران ] ( عليه السلام ) ولعمري ليضاعفن عليكم التيه من بعدي أضعاف ما تاهت بنو إسرائيل ولعمري أن لو قد استكملتم من بعدي مدة سلطان بني أمية لقد اجتمعتم على سلطان الداعي إلى الضلالة وأحييتم الباطل وخلفتم الحق وراء ظهوركم وقطعتم الأدنى من أهل بدر ووصلتم الابعد من أبناء الحرب لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ولعمري أن لو قد ذاب ما في أيديهم لدنا التمحيص للجزاء وقرب الوعد وانقضت المدة وبدا لكم النجم ذو الذنب من قبل المشرق ولاح لكم القمر المنير ، فإذا كان ذلك فراجعوا التوبة واعلموا أنكم إن اتبعتم طالع المشرق سلك بكم مناهج الرسول ( صلى الله عليه وآله ) فتداويتم من العمى والصم والبكم وكفيتم مؤونة الطلب والتعسف ونبذتم الثقل الفادح عن الأعناق ولا يبعد الله إلا من أبى وظلم واعتسف وأخذ ما ليس له ( وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ).(3).
الأب:أقف عند هذا النص لأذكر لكما بعض الحقائق التي ذكرها أمير المؤمنين(ع) وارث علم رسول الله(ص).
الحقيقة الاولى: أنه يحصل خلاف كبير بين شيعته(ع) مما جعل أمير يتأسف على ذلك،بحيث يؤدي الخلاف الى استذلال وقتل الشيعي المنتسب لعلي(ع) في الظاهر أخاه الذي مثله،وهذ ما عبّر عنه بقوله يستذل بعدي بعضها بعضا وكيف يقتل بعضها بعضا)،وهذه الحقيقة قد عبّر عنها أهل البيت(ع) في أكثر من مورد،أذكر لكما بعض الموارد لتتميم الفائدة:
المورد الاول: عن مالك بن ضمرة قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : يا مالك ابن ضمرة ! كيف أنت إذا اختلفت الشيعة هكذا ، وشبك أصابعه وأدخل بعضها في بعض ، فقلت : يا أمير المؤمنين ما عند ذلك من خير ؟ قال : الخير كله عند ذلك يا مالك ، عند ذلك يقوم قائما فيقدم سبعين رجلا يكذبون على الله وعلى رسوله فيقتلهم ، ثم يجمعهم الله على أمر واحد.(4).
المورد الثاني: عن الحسن بن علي عليهما السلام : لا يكون هذا الامر الذي تنتظرون ، حتى يتبرأ بعضكم من بعض ، ويلعن بعضكم بعضا ، ويتفل بعضكم في وجه بعض ، وحتى يشهد بعضكم بالكفر على بعض . قيل : ما في ذلك خير ؟ قال : الخير كله في ذلك ، عند ذلك يقوم قائمنا ، فيرفع ذلك كله .(5).
الحقيقة الثانية:ان الشيعة متشتتون عن الأصل نازلين بالفرع،وقد اتخذوا من هذه الفروع احزاباً،يميلون معها فحيثما مالت مصالح تلك الاحزاب مالوا،فهم كمن تمسّك بغصن شجرة اينما مال الغصن مال معه،وهذا يعني ان المقدّم عندهم ليس مصالح الدين الحق ،بل مصالح أحزابهم التي اتخذوها ملاذاً لهم؛لذا وصفهم مولى الموحدين(ع)المتشتة غداً عن الأصل النازلة بالفرع...... كل حزب منهم آخذ [ منه ] بغصن ، أينما مال الغصن مال معه).
الحقيقة الثالثة:أن هؤلاء الشيعة يتأملون ان يأتيهم الفتح من جهة هم تصوروا ان الفتح يأتي منها، ومن الواضح ان المراد بالفتح ،هو ظهور الامام المهدي(ع) واجتثاثه لملك الظالمين الذين لطالما تربّعوا على كرسي الحكم وظلموا الناس وسلبوا حقوقهم ،وهذا المعنى واضح كما سيشير اليه أمير المؤمنين في آخر خطبته هذه .فكل حزب منهم يتصور ان الفتح يأتي عن طريقة ،فكل واحد منهم رسم في ذهنه صورة لظهور الأمام المهدي(ع)،بحيث يريده ان يأتي عن طريقه وإلا فلا يؤمن به،فكانّهم هم الأئمة وليس الإمام المهدي هو إمامهم كما عبر عن ذلك أمير المؤمنين(ع) كأنهم أئمة الكتاب وليس الكتاب إمامهم . فلم يبق عندهم منه إلا اسمه ، ولا يعرفون إلا خطه وزبره).(6).
فهؤلاء هم المؤملة الفتح من غير جهته).
الحقيقة الرابعة:وهي حقيقة مؤلمة جدّاً ،وهي أنّ هؤلاء الشيعة على الرغم من تفرقهم فيما بينهم إلّا أنّهم سيتفقون ،ويكون اتفاقهم يصب في مصلحة الطغاة الظالمين الذين يقفون في وجه حركة الأمام المهدي(ع)؛لذا عبّر الأمير(ع) عن هذه الحقيقة بقوله مع أن الله - وله الحمد - سيجمع هؤلاء لشر يوم لبني أمية كما يجمع قزع الخريف يؤلف الله بينهم ، ثم يجعلهم ركاماً كركام السحاب)،فهم يجتمعون لشر يوم لبني اُمية ،وهو يوم ظهور الامام المهدي(ع)؛لأنّه اليوم الذي يحاكم به بني اُمية ويقتل ذراريهم الذين رضوا بفعل أبائهم.
وعبّر الإمام ببني اُمية؛لأنّ الناس لا تفهم جميع الحقائق المستقبلية التي يبينها الامام(ع)،كما سأبين لكما هذه الحقيقة بعد قليل.
فالشيعة على الرغم من تخالفهم وتشتتهم فيما بينهم إلّا ان الشيطان يجمعهم لشر يوم لبني اُمية،وهو يوم قيام القائم(ع)،كما يجمع الغيوم المتشتتة في السماء في فصل الخريف؛إذالغيوم تكون فيه متشتته،فكما تجتمع هذه الغيوم المتشتتة البعيدة احداهما عن الأخرى سيجتمع الشيعة على الرغم من اختلافهم،لكن اجتماعهم يكون على الباطل وضد آل محمد(ص)!
الحقيقة الخامسة: وهي التيه الذي تبتلي به الشيعة بسوء اختيارهم وابتعادهم عن تعاليم أهل البيت(ع)،بحيث يكون هذا التيه أضعاف ماتاهت به بنو إسرائيل،لاحظا قول الأمير(ع) لكن تهتم كما تاهت بنو إسرائيل على عهد موسى [ بن عمران ] ( عليه السلام ) ولعمري ليضاعفن عليكم التيه من بعدي أضعاف ما تاهت بنو إسرائيل).
وفي الحقيقة ان كل ما تقدّم من التشتت والاختلاف وغيرهما من الظواهر التي أشار اليها الأمير(ع) فيما تقدّم ليس إلّا نتيجة لهذا التيه الفكري التي تصاب به الشيعة نتيجة ابتعادها عن التعاليم الحقّة لآل محمد(ع) وابتعادهم عن القرآن والعترة الذين هما الثقلين العاصمين من الضلال الرافعين للحيرة والتيه،فما وجد التيه عند الشيعة إلّا ببتعادهم عن الثقلين الذين انيطت الهداية بالتمسك بهما.
الحقيقة السادسة:وهي المهمّة في حديثنا،وهي ان في هذا الوقت الذي تختلف به الشيعة سيظهر لهم رجل وصفه الأمير(ع) بأنه النجم ذو الذنب، وبين أنّه يخرج من قبل المشرق،وأكد الأمير(ع) على ان الذي يسير معه ويتبعه فهو يكون سائراً بمنهج الرسول الكريم(ع)،لا حظا تعبير الأمير(ع) ولعمري أن لو قد ذاب ما في أيديهم لدنا التمحيص للجزاء وقرب الوعد وانقضت المدة وبدا لكم النجم ذو الذنب من قبل المشرق ولاح لكم القمر المنير ، فإذا كان ذلك فراجعوا التوبة واعلموا أنكم إن اتبعتم طالع المشرق سلك بكم مناهج الرسول (ص)،فطالع المشرق له درجة عالية من الفضل بحيث الأمير(ع) يصفه بأنّه (النجم)،كما وصف الرسول أهل بيته بأنّ مثلهم كمثل النجوم،فقال(ص) النجوم أمان لأهل السماء وأهل بيتي أمان لامتي).(7).
ويأمرأمير المؤمنين(ع) الناس بالسير معه ومتابعته ،وهذا معناه أنّه معصوم ولا يخرج الناس من حق ويدخلهم في باطل،وهذا لايكون إلّا في المعصومين(ع)؛إذ هم الذين يسيرون بالناس بمناهج الرسول(ص)؛لأنّهم أوصياءه من بعده عليهم السلام.
ثم ان الامام علي(ع) يبيّن أمرين:
الاول: فوائد اتباع طالع المشرق فيقول فتداويتم من العمى والصم والبكم وكفيتم مؤونة الطلب والتعسف ونبذتم الثقل الفادح عن الأعناق).
فبأتباعه يرتفع عنا التيه،فيكون اتباعة علاجاً لنا من العمى والصم والبكم والتعسّف،يعني تنفتح قلوبنا العمياء،وتنطق ألسنتنا بما يريده الله تعالى،وتنفتح مسامع عقولنا وقلوبنا للحق،ونبتعد عن التعسف الذي هو:أخذالقول على غير هداية وحمل الكلام على معنى لا تكون دلالته عليه ظاهرة.والأهم من ذلك كله ان اتباعنا له يكفينا مؤونة الطلب،الطلب لإمامنا المهدي(ع)،فبتباعه قد اتبعنا الامام(ع) ،فطالع المشرق يوصلنا للإمام المهدي(ع)،وبوصولنا يسقط عنا الثقل الفادح الذي نحمله.
الثاني: ان الامام علي (ع) يبيّن لنا من الذي لا يوفق لاتباع طالع المشرق،فيقول ولا يبعد الله إلا من أبى وظلم واعتسف وأخذ ما ليس له ( وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ).
فالذين لا يوفقون لاتباع طالع المشرق هم اربعة أصناف من الناس:
الصنف الاول:الذي يأبى.
الصنف الثاني:الذي ظلم.
الصنف الثالث: المتعسف.
الصنف الرابع:من يدعي او يأخذ ماليس له.
وخلاصة ما تقدّم يا ولدَي: أنّ مفاد كلام أمير المؤمنين(ع) ينطبق تماماً مع مفاد رواية اليماني المتقدّمة ،والتي رواها النعماني في كتابه الغيبة عن الامام الباقر(ع)،فطالع المشرق هو اليماني نفسه.
كما سأبين لكما في الحلقة الآتية ما يدلل على خروج رجل من المشرق.
والحمد لله تعالى والصلاة على نبيه الخاتم وآله الأئمة والمهديين وسلم تسليماً
والسلام عليكما ورحمة الله وبركاته.
واثق ومحمود:وعليك السلام يا ابتي ورحمة الله وبركاته،ولك منا جزيل الشكر على هذا البيان،وكشفك لنا حقائق كلام أهل البيت(ع)،فدمت لنا أباً رحيماً عطوفاً .
هوامش الحلقة الثانية:
(1) الغيبة لمحمد بن إبراهيم النعماني : 264.
(2) معجم أحاديث الامام المهدي(ع). .(ص: 619) قال الشيخ الكوراني:في معجمه: والمرجح عندنا في الجواب:أن ثورة اليماني تحضى بشرف التوجيه المباشر من الامام المهدي(ع) فاليماني سفيره الخاص يتشرف بلقائه ويأخذ توجيهه منه.وقال في كتابه عصر الظهور: ولكن المرجح ان يكون السبب الأساسي في أن ثورة اليماني أهدى أنها تحضى بشرف التوجيه المباشر من المهدي عليه السلام ، وأنها جزء مباشر من خطة حركته عليه السلام ، وأن اليماني يتشرف بلقائه ويأخذ توجيهه منه . ويؤيد ذلك أن أحاديث ثورة اليمانيين تركز على مدح شخص اليماني قائد الثورة وأنه " يهدي إلى الحق " ويدعو إلى صاحبكم " وانه " لا يحل لمسلم ان يلتوي عليه ، فمن فعل ذلك فهو إلى النار. (ص:147).
(3) الكافي : 8 / 64 .
(4) بحار الأنوار :52 / 115.
(5) الخرائج والجرائح : 3 / 1153.
(6) نهج البلاغة :2 / 31.
(7) عيون أخبار الرضا (ع) : 1 / 30.
******