استمرت وراثة الأنبياء من آدم إلى نبيّنا محمد ، يوصي بها السابق إلى اللاّحق، فعندما أوصى آدم بها إلى هابيل ودفع إليه مواريث النبوة، حسده أخيه قابيل وادعى أنه أحق بها منه؛ لأنه الأكبر سنّاً، فأجابه آدم بأن الأمر ليس بيده، وإنه باختيار الله تعالى يضعه حيث يشاء، فحسد قابيلُ هابيلَ فقتله، فكانت هذه الحادثة أول بذرة خبيثة أسست الصراع على وراثة الإمامة، وأستمر قتل آلاف الأنبياء والمرسلين، كل ذلك اعتراضاً على تنصيب الله تعالى ووصايا الأنبياء وتعيينهم لورثتهم. ثم رزق الله تعالى آدم ولداً ذكراً أسماه هبة الله، فكان هو وارثه ووصيه.
فعن أبي عبد الله ، قال: (لما انقضت نبوة آدم وأنقطع أكله، أوحى الله إليه: يا آدم، أنه قد انقضت نبوتك وأنقطع أكلك فأنظر إلى ما عندك من العلم والإيمان وميراث النبوة وآثار العلم والاسم الأعظم فاجعله في العقب من ذريتك عند هبة الله، فإني لن أدع الأرض بغير عالم يعرف به الدين ويعرف به طاعتي ويكون نجاة لمن يولد بين قبض النبي إلى ظهور النبي الآخر) ( ).
واستمرت هذه الوراثة والوصية من وصي إلى آخر حتى مبعث نبي الله نوح ، ومن بعده حتى انتهت إلى نبي الله إبراهيم ، فأوصى بها إلى إسماعيل ومن بعده ... هلم جراً إلى نبي الله موسى، ثم إلى نبي الله زكريا فيحيى فعيسى ، ثم ختمت النبوة بالنبي الأكرم محمد ، فاجتمعت عنده كل مواريث الأنبياء والمرسلين ووصاياهم، فكان هو الوارث المنصوص عليه والمبشر به في كل الكتب السماوية السابقة وعلى لسان كل الأنبياء والمرسلين والأوصياء.
قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ﴾( ).
وكما قدَّمت فيما سبق من أن الوصي والوارث لابد أن يكون معصوماً عن إدخال الناس في باطل أو إخراجهم من حق، والعصمة أمر باطني وليس بظاهر، فلا يعلمه إلاّ الله تعالى، فلا بد من اختياره من قبل الله تعالى والوصية به عن طريق الأنبياء والأوصياء ، كما نص على ذلك الإمام السجاد حين قال في حديث له: (الإمام منا لا يكون إلاّ معصوماً، وليست العصمة في ظاهر الخلقة فيعرف بها ولذلك لا يكون إلاّ منصوصاً ...) ( ). (ومنصوصاً) أي موصَّى به من قبل الله تعالى عن طريق الرسول محمد .
وقد بيَّن الله تعالى أوصياء الرسول محمد في وصيته عند وفاته والتي أتاه بها جبرائيل عن الله تعالى فسماهم واحداً بعد واحد، من أبيهم وسيدهم وأفضلهم علي بن أبي طالب فالحسن والحسين (عليهما السلام)، حتى انتهى إلى المهدي المنتظر ، ثم ولده أحمد، فالمهديين من ذرية أحمد المهدي ولكن بدون تشخيص أسمائهم.
والظاهر أن من أسباب تسمية أول ولد ووارث للإمام المهدي ، هو لوقوع الاختلاف والافتراق فيه من قبل الأمة؛ لأنه يظهر قبل قيام الإمام المهدي بالسيف كما تشير إليه الوصية الآتية، وأما بقية ذرية الإمام المهدي لم تذكر أسماؤهم في وصية رسول الله ؛ لأن الإمام المهدي هو الذي سيشخص أسماءهم واحداً واحداً بعد قيامه الشريف وقبل استشهاده، كما نص رسول الله على أوصيائه واحداً واحداً، فلا تبقى حجة لمحتج ولا عذر لمعتذر في الالتواء على الأوصياء من ذرية القائم .
وربما يفاجئ البعض ويستغرب من ذكر المهديين من ذرية الإمام المهدي في هذه الوصية، فأقول له: أن هذه الوصية ذكرها الشيخ الطوسي في الغيبة (ص150)، وهذا الكتاب يعتبر من أوثق الكتب الشيعية، ومؤلفه هو شيخ الطائفة وهو غني عن التعريف، وذكرها المجلسي (رحمه الله) في بحاره، وذكرها الحائري في إلزام الناصب، وذكرها السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر في تاريخ ما بعد الظهور (ص640)، وغيرها من مصادر الحديث المعتبرة.
ثم إنّ هذه الوصية مؤيدة بقرائن كثيرة، مثل قول الإمام الصادق لأبي حمزة في حديث طويل: (... يا أبا حمزة، إن منّا بعد القائم أحد عشر مهدياً من ولد الحسين) ( ).
وفي الحديث عن أبي بصير، قال: قلت للصادق جعفر بن محمد : يا ابن رسول الله، إني سمعت من أبيك أنه قال: يكون بعد القائم اثنا عشر مهدياً. فقال الصادق : (إنما قال: أثنا عشر مهدياً ولم يقل أثنا عشر إماماً، ولكنهم قوم من شيعتنا يدعون الناس إلى موالاتنا ومعرفة حقنا) ( ).
وعن الصادق : (إن منّا بعد القائم اثنا عشر مهدياً من ولد الحسين) ( ).
وعن الإمام السجاد : (يقوم القائم منّا ثم يكون بعده اثنا عشر مهدياً) ( ).
وغيرها الكثير من الروايات التي تؤكد على حكم المهديين من ذرية الإمام المهدي بعد أبيهم، ثم يكون بعد ذلك الرجعة للأئمة . وقد ضبط الأستاذ ضياء الزيدي في كتابه (المهديين) ما يناهز الأربعين رواية تذكر ذرية الإمام المهدي ، ومن أراد المزيد من التوضيح فليراجع كتاب (الرد الحاسم على منكري ذرية القائم)، و (الوصية والوصي أحمد الحسن).
وموضوع الكلام، هو أن ورثة الأنبياء بعد محمد هم الأئمة المعصومون من ذرية الإمام علي ، والمهديون من ذرية الإمام المهدي بعد أبيهم . فلا يكون الوارث وارثاً أو وصياً إلاّ أن يكون منصوصاً عليه بالاسم والصفة، ويعتبر ذكره والوصية به من أهم العلامات المشخصة له عن غيره.
وإلى هذا المعنى أشار الأئمة :
عن أبي عبد الله ، قال: (إن الوصية نزلت من السماء على محمد كتاباً، لم ينزل على محمد كتاب مختوم إلاّ الوصية، فقال جبرائيل : يا محمد، هذه وصيتك في أمتك عند أهل بيتك، فقال رسول الله : أي أهل بيتي يا جبرائيل؟ قال: نجيب الله منهم وذريته ليرثك علم النبوة كما ورثه إبراهيم وميراثه لعلي وذريتك من صلبه، قال: وكان عليها خواتيم، قال: ففتح علي الخاتم الأول ومضى لما فيها، ثم فتح الحسن الخاتم الثاني ومضى إلى ما أمر به، فلما توفي الحسن ومضى، فتح الحسين الخاتم الثالث فوجد فيها أن قاتل فاقتل وتقتل وأخرج بأقوام للشهادة ولا شهادة لهم إلاّ معك، قال: ففعل ...) ( ).
وفي حديث طويل عن تميم بن بهلول، عن عبد الله بن أبي الهذيل، قال: (... وهم عترة الرسول عليه وعليهم السلام المعروفون بالوصية والإمامة، لا تخلوا الأرض من حجة منهم في كل عصر وزمان وفي كل وقت وأوان، وهم العروة الوثقى، وأئمة الهدى، والحجة على أهل الدنيا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وكل من خالفهم ضال مضل تارك للحق والهدى، وهم المعبرون عن القرآن، الناطقون عن الرسول ، من مات ولم يعرفهم مات ميتة جاهلية)( ).
وفي محاججة الإمام الرضا في مجلس المأمون (لعنه الله)، إذ سأل أحدهم: (يا ابن رسول الله بأي شيء تصح الإمامة لمدّعيها ؟ قال : بالنص والدليل، قال له: فدلالة الإمام فيما هي ؟ قال : في العلم واستجابة الدّعوة) ( ).
بل ورد أن الإمام المهدي عند قيامه يعرف بالوصية ووراثته العلماء أي الأئمة إمام بعد إمام.
فعن الباقر في حديث طويل: (... فيبايعونه بين الركن والمقام، ومعه عهد من رسول الله ، قد توارثته الأبناء عن الآباء. والقائم يا جابر رجل من ولد الحسين يصلح الله أمره في ليلة، فما أشكل على الناس من ذلك يا جابر فلا يشكلن عليهم ولادته من رسول الله ، ووراثته العلماء عالم بعد عالم) ( ).
ومن الواضح أن العهد الذي توارثه الأئمة عن رسول الله هو الوصية على الأئمة واحداً بعد الآخر، فالإمام المهدي هو صاحب الوصيات، أي إن وصايا الأئمة قد اجتمعت عنده، وبيّن هذا الحديث أيضاً أن الإمام المهدي هو وارث الأئمة والأنبياء وليس غيره، بل عدّ الإمام الباقر هذه من العلامات التي لا ينبغي أن تشكل على الناس. وقد وردت الإشارة إلى أن قبل قيام الإمام المهدي يخرج ابن له من ذريته يوصف بأنه ابن صاحب الوصيات.
عن أبي الحسن ، قال: (كأني برايات من مصر مقبلات، خضر مصبغات، حتى تأتي الشامات، فتهدى إلى ابن صاحب الوصيات) ( ).
وتهدى أي تبايع ابن صاحب الوصيات، الذي هو ابن الإمام المهدي ؛ لأن صاحب الوصيات ووارثها هو الإمام المهدي .
عن أبي جعفر في خبر طويل نقتطف منه مقدار الحاجة: (... ثم يخرج من مكة هو ومن معه الثلاثمائة وبضعة عشر يبايعونه بين الركن والمقام، معه عهد نبي الله ورايته وسلاحه ووزيره معه، فينادي المنادي بمكة باسمه وأمره من السماء حتى يسمعه أهل السماء كلهم، اسمه اسم نبي، ما أشكل عليكم فلم يشكل عليكم عهد نبي الله ورايته وسلاحه والنفس الزكية من ولد الحسين .... إلى أن يقول: ... وإيّاك وشذّاذ من آل محمد ، فأن لآل محمد وعلي راية، ولغيرهم رايات. فألزم الأرض ولا تتبع منهم رجلاً أبداً حتى ترى رجلاً من ولد الحسين معه عهد نبي الله ورايته وسلاحه، فإن عهد نبي الله صار عند علي بن الحسين، ثم صار عند محمد بن علي ويفعل الله ما يشاء ...) ( ).
ولا يخفى على القارئ الفطن شدة التأكيد على عهد رسول الله (الوصية)، وبها يعرف القائم وذريته . ولا يخفى أيضاً أن ورثة الأنبياء هم الأئمة خاصة الذين معهم وصية رسول الله . وإليك هذا الحديث الذي ينص أيضاً على أن ورثة الأنبياء هم علماء آل محمد خاصة، أي الأئمة المعصومين .
عن أمير المؤمنين في حديث طويل: (أيها الناس، عليكم بالطاعة والمعرفة بمن لا تعذرون بجهالته، فإن العلم الذي هبط به آدم وجميع ما (فضلت به) النبيون إلى خاتم النبيين في عترة محمد المصطفى ، فأين يتاه بكم ؟ بل أين تذهبون ؟! يا من نسخ من أصلاب أصحاب السفينة، هذه مثلها فيكم فأركبوها، فكما نجا في هاتيك من نجا، فكذلك ينجو في هذه من دخلها، أنا رهين بذلك قسماً حقاً وما أنا من المتكلفين...)( ).
وبعد هذا كله نختم ونقول: إن وراثة الأنبياء والأئمة لا تكون إلاّ بوصية خاصة من الله ورسوله ، قال تعالى: ﴿ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾( )، وهم الأئمة المعصومون والمهديون من ذرية القائم ، فمن أدعى من غيرهم أنه من ورثة الأنبياء، فنقول له هات الوصية، وإلاّ فأنت سارق لحق غيرك !!
ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
الشيخ ناظم العقيلي - كتاب ( من هم ورثة الانبياء - الاوصياء ام العلماء )
الهوامش /
- المحاسن: ج1 ص235.
- الصف: 6.
- معاني الأخبار: 132.
- غيبة الطوسي: ص309.
- كما الدين وتمام النعمة: ص358 ح56.
- بحار الأنوار: ج53 ص148.
- شرح الأخبار: ج3 ص400.
- الكافي: ج1 ص279 ح1.
- عيون أخبار الرضا : ج1 ص58.
- عيون أخبار الرضا: ج2 ص216.
- غيبة النعماني: ص289.
- الإرشاد: ص250.
- إلزام الناصب: ج2 ص96.
- الإرشاد: ص90.
------------
فعن أبي عبد الله ، قال: (لما انقضت نبوة آدم وأنقطع أكله، أوحى الله إليه: يا آدم، أنه قد انقضت نبوتك وأنقطع أكلك فأنظر إلى ما عندك من العلم والإيمان وميراث النبوة وآثار العلم والاسم الأعظم فاجعله في العقب من ذريتك عند هبة الله، فإني لن أدع الأرض بغير عالم يعرف به الدين ويعرف به طاعتي ويكون نجاة لمن يولد بين قبض النبي إلى ظهور النبي الآخر) ( ).
واستمرت هذه الوراثة والوصية من وصي إلى آخر حتى مبعث نبي الله نوح ، ومن بعده حتى انتهت إلى نبي الله إبراهيم ، فأوصى بها إلى إسماعيل ومن بعده ... هلم جراً إلى نبي الله موسى، ثم إلى نبي الله زكريا فيحيى فعيسى ، ثم ختمت النبوة بالنبي الأكرم محمد ، فاجتمعت عنده كل مواريث الأنبياء والمرسلين ووصاياهم، فكان هو الوارث المنصوص عليه والمبشر به في كل الكتب السماوية السابقة وعلى لسان كل الأنبياء والمرسلين والأوصياء.
قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ﴾( ).
وكما قدَّمت فيما سبق من أن الوصي والوارث لابد أن يكون معصوماً عن إدخال الناس في باطل أو إخراجهم من حق، والعصمة أمر باطني وليس بظاهر، فلا يعلمه إلاّ الله تعالى، فلا بد من اختياره من قبل الله تعالى والوصية به عن طريق الأنبياء والأوصياء ، كما نص على ذلك الإمام السجاد حين قال في حديث له: (الإمام منا لا يكون إلاّ معصوماً، وليست العصمة في ظاهر الخلقة فيعرف بها ولذلك لا يكون إلاّ منصوصاً ...) ( ). (ومنصوصاً) أي موصَّى به من قبل الله تعالى عن طريق الرسول محمد .
وقد بيَّن الله تعالى أوصياء الرسول محمد في وصيته عند وفاته والتي أتاه بها جبرائيل عن الله تعالى فسماهم واحداً بعد واحد، من أبيهم وسيدهم وأفضلهم علي بن أبي طالب فالحسن والحسين (عليهما السلام)، حتى انتهى إلى المهدي المنتظر ، ثم ولده أحمد، فالمهديين من ذرية أحمد المهدي ولكن بدون تشخيص أسمائهم.
والظاهر أن من أسباب تسمية أول ولد ووارث للإمام المهدي ، هو لوقوع الاختلاف والافتراق فيه من قبل الأمة؛ لأنه يظهر قبل قيام الإمام المهدي بالسيف كما تشير إليه الوصية الآتية، وأما بقية ذرية الإمام المهدي لم تذكر أسماؤهم في وصية رسول الله ؛ لأن الإمام المهدي هو الذي سيشخص أسماءهم واحداً واحداً بعد قيامه الشريف وقبل استشهاده، كما نص رسول الله على أوصيائه واحداً واحداً، فلا تبقى حجة لمحتج ولا عذر لمعتذر في الالتواء على الأوصياء من ذرية القائم .
وربما يفاجئ البعض ويستغرب من ذكر المهديين من ذرية الإمام المهدي في هذه الوصية، فأقول له: أن هذه الوصية ذكرها الشيخ الطوسي في الغيبة (ص150)، وهذا الكتاب يعتبر من أوثق الكتب الشيعية، ومؤلفه هو شيخ الطائفة وهو غني عن التعريف، وذكرها المجلسي (رحمه الله) في بحاره، وذكرها الحائري في إلزام الناصب، وذكرها السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر في تاريخ ما بعد الظهور (ص640)، وغيرها من مصادر الحديث المعتبرة.
ثم إنّ هذه الوصية مؤيدة بقرائن كثيرة، مثل قول الإمام الصادق لأبي حمزة في حديث طويل: (... يا أبا حمزة، إن منّا بعد القائم أحد عشر مهدياً من ولد الحسين) ( ).
وفي الحديث عن أبي بصير، قال: قلت للصادق جعفر بن محمد : يا ابن رسول الله، إني سمعت من أبيك أنه قال: يكون بعد القائم اثنا عشر مهدياً. فقال الصادق : (إنما قال: أثنا عشر مهدياً ولم يقل أثنا عشر إماماً، ولكنهم قوم من شيعتنا يدعون الناس إلى موالاتنا ومعرفة حقنا) ( ).
وعن الصادق : (إن منّا بعد القائم اثنا عشر مهدياً من ولد الحسين) ( ).
وعن الإمام السجاد : (يقوم القائم منّا ثم يكون بعده اثنا عشر مهدياً) ( ).
وغيرها الكثير من الروايات التي تؤكد على حكم المهديين من ذرية الإمام المهدي بعد أبيهم، ثم يكون بعد ذلك الرجعة للأئمة . وقد ضبط الأستاذ ضياء الزيدي في كتابه (المهديين) ما يناهز الأربعين رواية تذكر ذرية الإمام المهدي ، ومن أراد المزيد من التوضيح فليراجع كتاب (الرد الحاسم على منكري ذرية القائم)، و (الوصية والوصي أحمد الحسن).
وموضوع الكلام، هو أن ورثة الأنبياء بعد محمد هم الأئمة المعصومون من ذرية الإمام علي ، والمهديون من ذرية الإمام المهدي بعد أبيهم . فلا يكون الوارث وارثاً أو وصياً إلاّ أن يكون منصوصاً عليه بالاسم والصفة، ويعتبر ذكره والوصية به من أهم العلامات المشخصة له عن غيره.
وإلى هذا المعنى أشار الأئمة :
عن أبي عبد الله ، قال: (إن الوصية نزلت من السماء على محمد كتاباً، لم ينزل على محمد كتاب مختوم إلاّ الوصية، فقال جبرائيل : يا محمد، هذه وصيتك في أمتك عند أهل بيتك، فقال رسول الله : أي أهل بيتي يا جبرائيل؟ قال: نجيب الله منهم وذريته ليرثك علم النبوة كما ورثه إبراهيم وميراثه لعلي وذريتك من صلبه، قال: وكان عليها خواتيم، قال: ففتح علي الخاتم الأول ومضى لما فيها، ثم فتح الحسن الخاتم الثاني ومضى إلى ما أمر به، فلما توفي الحسن ومضى، فتح الحسين الخاتم الثالث فوجد فيها أن قاتل فاقتل وتقتل وأخرج بأقوام للشهادة ولا شهادة لهم إلاّ معك، قال: ففعل ...) ( ).
وفي حديث طويل عن تميم بن بهلول، عن عبد الله بن أبي الهذيل، قال: (... وهم عترة الرسول عليه وعليهم السلام المعروفون بالوصية والإمامة، لا تخلوا الأرض من حجة منهم في كل عصر وزمان وفي كل وقت وأوان، وهم العروة الوثقى، وأئمة الهدى، والحجة على أهل الدنيا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وكل من خالفهم ضال مضل تارك للحق والهدى، وهم المعبرون عن القرآن، الناطقون عن الرسول ، من مات ولم يعرفهم مات ميتة جاهلية)( ).
وفي محاججة الإمام الرضا في مجلس المأمون (لعنه الله)، إذ سأل أحدهم: (يا ابن رسول الله بأي شيء تصح الإمامة لمدّعيها ؟ قال : بالنص والدليل، قال له: فدلالة الإمام فيما هي ؟ قال : في العلم واستجابة الدّعوة) ( ).
بل ورد أن الإمام المهدي عند قيامه يعرف بالوصية ووراثته العلماء أي الأئمة إمام بعد إمام.
فعن الباقر في حديث طويل: (... فيبايعونه بين الركن والمقام، ومعه عهد من رسول الله ، قد توارثته الأبناء عن الآباء. والقائم يا جابر رجل من ولد الحسين يصلح الله أمره في ليلة، فما أشكل على الناس من ذلك يا جابر فلا يشكلن عليهم ولادته من رسول الله ، ووراثته العلماء عالم بعد عالم) ( ).
ومن الواضح أن العهد الذي توارثه الأئمة عن رسول الله هو الوصية على الأئمة واحداً بعد الآخر، فالإمام المهدي هو صاحب الوصيات، أي إن وصايا الأئمة قد اجتمعت عنده، وبيّن هذا الحديث أيضاً أن الإمام المهدي هو وارث الأئمة والأنبياء وليس غيره، بل عدّ الإمام الباقر هذه من العلامات التي لا ينبغي أن تشكل على الناس. وقد وردت الإشارة إلى أن قبل قيام الإمام المهدي يخرج ابن له من ذريته يوصف بأنه ابن صاحب الوصيات.
عن أبي الحسن ، قال: (كأني برايات من مصر مقبلات، خضر مصبغات، حتى تأتي الشامات، فتهدى إلى ابن صاحب الوصيات) ( ).
وتهدى أي تبايع ابن صاحب الوصيات، الذي هو ابن الإمام المهدي ؛ لأن صاحب الوصيات ووارثها هو الإمام المهدي .
عن أبي جعفر في خبر طويل نقتطف منه مقدار الحاجة: (... ثم يخرج من مكة هو ومن معه الثلاثمائة وبضعة عشر يبايعونه بين الركن والمقام، معه عهد نبي الله ورايته وسلاحه ووزيره معه، فينادي المنادي بمكة باسمه وأمره من السماء حتى يسمعه أهل السماء كلهم، اسمه اسم نبي، ما أشكل عليكم فلم يشكل عليكم عهد نبي الله ورايته وسلاحه والنفس الزكية من ولد الحسين .... إلى أن يقول: ... وإيّاك وشذّاذ من آل محمد ، فأن لآل محمد وعلي راية، ولغيرهم رايات. فألزم الأرض ولا تتبع منهم رجلاً أبداً حتى ترى رجلاً من ولد الحسين معه عهد نبي الله ورايته وسلاحه، فإن عهد نبي الله صار عند علي بن الحسين، ثم صار عند محمد بن علي ويفعل الله ما يشاء ...) ( ).
ولا يخفى على القارئ الفطن شدة التأكيد على عهد رسول الله (الوصية)، وبها يعرف القائم وذريته . ولا يخفى أيضاً أن ورثة الأنبياء هم الأئمة خاصة الذين معهم وصية رسول الله . وإليك هذا الحديث الذي ينص أيضاً على أن ورثة الأنبياء هم علماء آل محمد خاصة، أي الأئمة المعصومين .
عن أمير المؤمنين في حديث طويل: (أيها الناس، عليكم بالطاعة والمعرفة بمن لا تعذرون بجهالته، فإن العلم الذي هبط به آدم وجميع ما (فضلت به) النبيون إلى خاتم النبيين في عترة محمد المصطفى ، فأين يتاه بكم ؟ بل أين تذهبون ؟! يا من نسخ من أصلاب أصحاب السفينة، هذه مثلها فيكم فأركبوها، فكما نجا في هاتيك من نجا، فكذلك ينجو في هذه من دخلها، أنا رهين بذلك قسماً حقاً وما أنا من المتكلفين...)( ).
وبعد هذا كله نختم ونقول: إن وراثة الأنبياء والأئمة لا تكون إلاّ بوصية خاصة من الله ورسوله ، قال تعالى: ﴿ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾( )، وهم الأئمة المعصومون والمهديون من ذرية القائم ، فمن أدعى من غيرهم أنه من ورثة الأنبياء، فنقول له هات الوصية، وإلاّ فأنت سارق لحق غيرك !!
ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
الشيخ ناظم العقيلي - كتاب ( من هم ورثة الانبياء - الاوصياء ام العلماء )
الهوامش /
- المحاسن: ج1 ص235.
- الصف: 6.
- معاني الأخبار: 132.
- غيبة الطوسي: ص309.
- كما الدين وتمام النعمة: ص358 ح56.
- بحار الأنوار: ج53 ص148.
- شرح الأخبار: ج3 ص400.
- الكافي: ج1 ص279 ح1.
- عيون أخبار الرضا : ج1 ص58.
- عيون أخبار الرضا: ج2 ص216.
- غيبة النعماني: ص289.
- الإرشاد: ص250.
- إلزام الناصب: ج2 ص96.
- الإرشاد: ص90.
------------