بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الائمه والمهديين وسلم تسليما
استدلوا كذلك بما ورد في إنجيل يوحنا: (لا تتعجبوا من هذا فانه تأتي ساعة فيها يسمع جميع الذين في القبور صوته* فيخرج الذين فعلوا الصالحات الى قيامة الحياة و الذين عملوا السيئات إلى قيامة الدينونة) ([1]). جاء هذا النص في سياق هو الآتي: ( 19 فأجاب يسوع و قال لهم الحق الحق أقول لكم لا يقدر الابن أن يعمل من نفسه شيئا إلا ما ينظر الآب يعمل لان مهما عمل ذاك فهذا يعمله الابن كذلك* 20 لان الآب يحب الابن و يريه جميع ما هو يعمله و سيريه أعمالاً أعظم من هذه لتتعجبوا انتم* 21 لأنه كما إن الآب يقيم الأموات و يحيي كذلك الابن أيضاً يحيي من يشاء* 22 لان الآب لا يدين أحداً بل قد أعطى كل الدينونة للابن* 23 لكي يكرم الجميع الابن كما يكرمون الآب من لا يكرم الابن لا يكرم الآب الذي أرسله* 24 الحق الحق أقول لكم إن من يسمع كلامي و يؤمن بالذي أرسلني فله حياة أبدية و لا يأتي إلى دينونة بل قد انتقل من الموت إلى الحياة* 25 الحق الحق أقول لكم انه تأتي ساعة و هي الآن حين يسمع الأموات صوت ابن الله و السامعون يحيون* 26 لأنه كما إن الآب له حياة في ذاته كذلك أعطي الابن أيضا أن تكون له حياة في ذاته* 27 و أعطاه سلطاناً أن يدين أيضاً لأنه ابن الإنسان* 28 لا تتعجبوا من هذا فانه تأتي ساعة فيها يسمع جميع الذين في القبور صوته* 29 فيخرج الذين فعلوا الصالحات الى قيامة الحياة و الذين عملوا السيئات إلى قيامة الدينونة* 30 أنا لا اقدر أن افعل من نفسي شيئا كما اسمع أدين و دينونتي عادلة لأني لا اطلب مشيئتي بل مشيئة الآب الذي أرسلني )([2]).
من هذا السياق يتوضح أن الابن لا يقدر أن يعمل شيئاً من نفسه، والآب هو من يقيم الأموات، وإذا كان للابن شيء من ذلك فهو بسلطان من الآب، فالابن من هذه الجهة تبع للآب وهو لا ينفذ مشيئته بل مشيئة الآب. ويتفرع عن هذا المعنى أن الابن غير مستقل عن الآب وهو محتاج له، فليس هو لاهوتاً مطلقاً.
والنص كما يتضح من سياقه لا يتحدث عن عيسى (عليه السلام) بل عن ابن الإنسان، وسيأتي لاحقاً أن المقصود منه شخص آخر ليس هو عيسى (عليه السلام).
وكذلك فإن القيامة والدينونة يراد منها – كما سنبينه بعون الله – زمن ظهور المنقذ الذي سنعرف أنه يمثل القيامة الصغرى، وهي حدث يقع على هذه الأرض وليس في عالم الآخرة.
وغير هذا توجد نصوص يُفهم منها معنى مغاير للدينونة، من قبيل: (لأنه لم يرسل الله ابنه إلى العالم ليدين العالم، بل ليخلّص به العالم، الذي يؤمن به لا يدان، والذي لا يؤمن قد دين، لأنه لم يؤمن باسم ابن الله الوحيد)([3]).
والمعنى هنا هو أن من لا يؤمن بعيسى (عليه السلام) يكون قد ثبت كفره بالله تعالى لأنه هو أرسل عيسى (عليه السلام)، وهذا ما قاله عيسى: (20اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمُ: الَّذِي يَقْبَلُ مَنْ أُرْسِلُهُ يَقْبَلُنِي، وَالَّذِي يَقْبَلُنِي يَقْبَلُ الَّذِي أَرْسَلَنِي)([4]).
وكذلك: (وإن سمع أحد كلامي ولم يؤمن فأنا لا أدينه، لأني لم آت لأدين العالم بل لأخلص العالم، من رذلني ولم يقبل كلامي فله من يدينه؛ الكلام الذي تكلمت به هو يدينه في اليوم الأخير)([5]).
ومن قوله: (الكلام الذي تكلمت به هو يدينه في اليوم الأخير) يتضح أن عيسى يدين الناس لا بمعنى إنه هو يفعل وأنه هو الله، وإنما بمعنى أن الدين الحق الذي نطق به والرسالة الصحيحة هي التي يدينهم بها الله تعالى، وحيث إن عيسى (عليه السلام) هو مُبلّغ هذه الرسالة يكون كأنه هو من يدينهم.
ويمكن أيضاً أن نفهم من مجموع النصوص أن عيسى يدينهم بمعنى أن الله تعالى يخوله ذلك، ولا ضرورة تقتضي هنا أن يكون هو الله جل وعلا. بل ورد أن التلاميذ، أو أمثالهم أيضاً يدينون فقال لهم يسوع: الحق أقول لكم: إنكم أنتم الذين تبعتموني في التجديد، متى جلس ابن الإنسان على كرسي مجده؛ تجلسون أنتم أيضاً على اثني عشر كرسياً، تدينون أسباط إسرائيل الاثني عشر)([6]).
(ألستم تعلمون أن القديسين سيدينون العالم؟ … ألستم تعلمون أننا سندين ملائكة)([7]).
وإذا قيل: إن التلاميذ يدينون بتخويل من عيسى (عليه السلام)، نقول: وما الذي يمنع أن يكون عيسى (عليه السلام) يدين بتخويل من الله تعالى ؟
واستدلوا بقول المسيح لليهود فقال لهم أنتم من أسفل، أما أنا فمن فوق. أنتم من هذا العالم، أما أنا فلست من هذا العالم)([8]). وهو عين ما أكده لنيقوديموس قبل ذلكوليس أحد صعد إلى السماء، إلا الذي نزل من السماء، ابن الإنسان الذي هو في السماء)([9]).
ومثله ما نطق به يوحنا المعمدان: (الذي من الأرض هو أرضي، ومن الأرض يتكلم، الذي يأتي من السماء هو فوق الجميع)([10]).
المقصود هنا ليس هو ما يفهمه من يستدل بهذه النصوص على إلوهية المسيح إلوهية مطلقة، فالمسيح ليس من هذا العالم كما قال بمعنى أنه ليس مثل من نسميهم أبناء الدنيا، أي نمط الناس الذي يحصرون همهم كله في الدنيا أو المادة فقط، ولا يلتفتون إلى الروح والحياة الحقيقية التي يريد لهم الأنبياء (عليه السلام) أن يرتقوا لها، وهذا هو ما قاله عيسى (عليه السلام) لنيقوديموس: ( 3 أجاب يسوع وقال له الحق الحق أقول لك إن كان أحد لا يولد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله . 4 قال له نيقوديموس كيف يمكن الإنسان أن يولد وهو شيخ . ألعله يقدر أن يدخل بطن أمه ثانية ويولد . 5 أجاب يسوع الحق الحق أقول لك إن كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله . 6 المولود من الجسد جسد هو والمولود من الروح هو روح . 7 لا تتعجب أني قلت لك ينبغي أن تولدوا من فوق . 8 الريح تهب حيث تشاء وتسمع صوتها لكنك لا تعلم من أين تأتي ولا إلى أين تذهب . هكذا كل من ولد من الروح 9 أجاب نيقوديموس وقال له كيف يمكن أن يكون هذا . 10 أجاب يسوع وقال له أنت معلم إسرائيل ولست تعلم هذا . 11 الحق الحق أقول لك إننا إنما نتكلم بما نعلم ونشهد بما رأينا ولستم تقبلون شهادتنا . 12 إن كنت قلت لكم الأرضيات ولستم تؤمنون فكيف تؤمنون إن قلت لكم السماويات . 13 وليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء ابن الإنسان الذي هو في السماء )([11]).
فالناس كل الناس قد ولدوا من الجسد، ومع ذلك عيسى (عليه السلام) يريد منهم أن يولدوا ولادة جديدة، أي أن يتساموا بأرواحهم فوق متطلبات الجسد والحياة المادية الضيقة ليدخلوا في رحاب ملكوت الله، أو ما يسميه النص بـ ( السماويات ).
فالمراد هو الاستعداد الروحي لتقبل عطاء السماء كما قال يوحنا المعمدان: ( 27 أجاب يوحنا وقال لا يقدر إنسان أن يأخذ شيئا إن لم يكن قد أعطي من السماء )([12]).
وبالنتيجة عيسى (عليه السلام) من فوق لأنه يتكلم بكلام الله كما في هذا النص الذي قاله يوحنا: ( 31 الذي يأتي من فوق هو فوق الجميع . والذي من الأرض هو أرضي ومن الأرض يتكلم . الذي يأتي من السماء هو فوق الجميع . 32 وما رآه وسمعه به يشهد وشهادته ليس أحد يقبلها . 33 ومن قبل شهادته فقد ختم أن الله صادق . 34 لأن الذي أرسله الله يتكلم بكلام الله . لأنه ليس بكيل يعطي الله الروح )([13]).
والذي يوضح ما قلناه هو أن عيسى (عليه السلام) ليس هو وحده الذي لا ينتمي لهذا العالم، بل التلاميذ أيضاً، يقول عيسى 14 أنا قد أعطيتهم كلامك والعالم أبغضهم لأنهم ليسوا من العالم كما أني أنا لست من العالم . 15 لست أسأل أن تأخذهم من العالم بل أن تحفظهم من الشرير . 16 ليسوا من العالم كما أني أنا لست من العالم )([14]).
ومثله: ( لو كنتم من العالم لكان العالم يحب خاصته، لكن لأنكم لستم من العالم، بل أنا اخترتكم من العالم، لذلك يبغضكم العالم)([15]).
وإذا كان (ليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء، ابن الإنسان الذي هو في السماء)([16])، فإن أخنوخ صعد إلى السماء، ولابد إذن أن يكون قد نزل من السماء: (وسار أخنوخ مع الله، ولم يوجد، لأن الله أخذه)([17])، فهل يقولون بإلوهيته ؟
والكلام نفسه يقال بالنسبة لإيليا الذي صعد إلى السماء: (ففصلت بينهما فصعد إيليا في العاصفة إلى السماء)([18]).
بل لو قلنا إن عيسى (عليه السلام) ، أو ابن الإنسان إله فهل يعني هذا إنه الإله المطلق ؟ الجواب هو كلا.
([1]) يوحنا: 5- 28و29.
([2]) يوحنا:5.
([3]) يوحنا: 3-17.
([4]) يوحنا:13.
([5]) يوحنا: 12-47-48.
([6]) متى:19/28- ولوقا:22-30.
([7]) كورنثوس: (1) 6-2-3.
([8]) يوحنا:8-23.
([9]) يوحنا:3- 13.
([10]) يوحنا:3- 31.
([11]) يوحنا: 3.
([12]) يوحنا: 3.
([13]) يوحنا: 3.
([14]) يوحنا: 17.
([15]) يوحنا: 15-19.
([16]) يوحنا: 3-13.
([17]) التكوين: 5-24.
([18]) الملوك: (2) 2-11.
(صحيفة الصراط المستقيم ـ العدد 8 ـ الصادر بتاريخ 5 شوال 1431 هـ الموافق ل 14/09/2010 م)
اللهم صل على محمد وآل محمد الائمه والمهديين وسلم تسليما
استدلوا كذلك بما ورد في إنجيل يوحنا: (لا تتعجبوا من هذا فانه تأتي ساعة فيها يسمع جميع الذين في القبور صوته* فيخرج الذين فعلوا الصالحات الى قيامة الحياة و الذين عملوا السيئات إلى قيامة الدينونة) ([1]). جاء هذا النص في سياق هو الآتي: ( 19 فأجاب يسوع و قال لهم الحق الحق أقول لكم لا يقدر الابن أن يعمل من نفسه شيئا إلا ما ينظر الآب يعمل لان مهما عمل ذاك فهذا يعمله الابن كذلك* 20 لان الآب يحب الابن و يريه جميع ما هو يعمله و سيريه أعمالاً أعظم من هذه لتتعجبوا انتم* 21 لأنه كما إن الآب يقيم الأموات و يحيي كذلك الابن أيضاً يحيي من يشاء* 22 لان الآب لا يدين أحداً بل قد أعطى كل الدينونة للابن* 23 لكي يكرم الجميع الابن كما يكرمون الآب من لا يكرم الابن لا يكرم الآب الذي أرسله* 24 الحق الحق أقول لكم إن من يسمع كلامي و يؤمن بالذي أرسلني فله حياة أبدية و لا يأتي إلى دينونة بل قد انتقل من الموت إلى الحياة* 25 الحق الحق أقول لكم انه تأتي ساعة و هي الآن حين يسمع الأموات صوت ابن الله و السامعون يحيون* 26 لأنه كما إن الآب له حياة في ذاته كذلك أعطي الابن أيضا أن تكون له حياة في ذاته* 27 و أعطاه سلطاناً أن يدين أيضاً لأنه ابن الإنسان* 28 لا تتعجبوا من هذا فانه تأتي ساعة فيها يسمع جميع الذين في القبور صوته* 29 فيخرج الذين فعلوا الصالحات الى قيامة الحياة و الذين عملوا السيئات إلى قيامة الدينونة* 30 أنا لا اقدر أن افعل من نفسي شيئا كما اسمع أدين و دينونتي عادلة لأني لا اطلب مشيئتي بل مشيئة الآب الذي أرسلني )([2]).
من هذا السياق يتوضح أن الابن لا يقدر أن يعمل شيئاً من نفسه، والآب هو من يقيم الأموات، وإذا كان للابن شيء من ذلك فهو بسلطان من الآب، فالابن من هذه الجهة تبع للآب وهو لا ينفذ مشيئته بل مشيئة الآب. ويتفرع عن هذا المعنى أن الابن غير مستقل عن الآب وهو محتاج له، فليس هو لاهوتاً مطلقاً.
والنص كما يتضح من سياقه لا يتحدث عن عيسى (عليه السلام) بل عن ابن الإنسان، وسيأتي لاحقاً أن المقصود منه شخص آخر ليس هو عيسى (عليه السلام).
وكذلك فإن القيامة والدينونة يراد منها – كما سنبينه بعون الله – زمن ظهور المنقذ الذي سنعرف أنه يمثل القيامة الصغرى، وهي حدث يقع على هذه الأرض وليس في عالم الآخرة.
وغير هذا توجد نصوص يُفهم منها معنى مغاير للدينونة، من قبيل: (لأنه لم يرسل الله ابنه إلى العالم ليدين العالم، بل ليخلّص به العالم، الذي يؤمن به لا يدان، والذي لا يؤمن قد دين، لأنه لم يؤمن باسم ابن الله الوحيد)([3]).
والمعنى هنا هو أن من لا يؤمن بعيسى (عليه السلام) يكون قد ثبت كفره بالله تعالى لأنه هو أرسل عيسى (عليه السلام)، وهذا ما قاله عيسى: (20اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمُ: الَّذِي يَقْبَلُ مَنْ أُرْسِلُهُ يَقْبَلُنِي، وَالَّذِي يَقْبَلُنِي يَقْبَلُ الَّذِي أَرْسَلَنِي)([4]).
وكذلك: (وإن سمع أحد كلامي ولم يؤمن فأنا لا أدينه، لأني لم آت لأدين العالم بل لأخلص العالم، من رذلني ولم يقبل كلامي فله من يدينه؛ الكلام الذي تكلمت به هو يدينه في اليوم الأخير)([5]).
ومن قوله: (الكلام الذي تكلمت به هو يدينه في اليوم الأخير) يتضح أن عيسى يدين الناس لا بمعنى إنه هو يفعل وأنه هو الله، وإنما بمعنى أن الدين الحق الذي نطق به والرسالة الصحيحة هي التي يدينهم بها الله تعالى، وحيث إن عيسى (عليه السلام) هو مُبلّغ هذه الرسالة يكون كأنه هو من يدينهم.
ويمكن أيضاً أن نفهم من مجموع النصوص أن عيسى يدينهم بمعنى أن الله تعالى يخوله ذلك، ولا ضرورة تقتضي هنا أن يكون هو الله جل وعلا. بل ورد أن التلاميذ، أو أمثالهم أيضاً يدينون فقال لهم يسوع: الحق أقول لكم: إنكم أنتم الذين تبعتموني في التجديد، متى جلس ابن الإنسان على كرسي مجده؛ تجلسون أنتم أيضاً على اثني عشر كرسياً، تدينون أسباط إسرائيل الاثني عشر)([6]).
(ألستم تعلمون أن القديسين سيدينون العالم؟ … ألستم تعلمون أننا سندين ملائكة)([7]).
وإذا قيل: إن التلاميذ يدينون بتخويل من عيسى (عليه السلام)، نقول: وما الذي يمنع أن يكون عيسى (عليه السلام) يدين بتخويل من الله تعالى ؟
واستدلوا بقول المسيح لليهود فقال لهم أنتم من أسفل، أما أنا فمن فوق. أنتم من هذا العالم، أما أنا فلست من هذا العالم)([8]). وهو عين ما أكده لنيقوديموس قبل ذلكوليس أحد صعد إلى السماء، إلا الذي نزل من السماء، ابن الإنسان الذي هو في السماء)([9]).
ومثله ما نطق به يوحنا المعمدان: (الذي من الأرض هو أرضي، ومن الأرض يتكلم، الذي يأتي من السماء هو فوق الجميع)([10]).
المقصود هنا ليس هو ما يفهمه من يستدل بهذه النصوص على إلوهية المسيح إلوهية مطلقة، فالمسيح ليس من هذا العالم كما قال بمعنى أنه ليس مثل من نسميهم أبناء الدنيا، أي نمط الناس الذي يحصرون همهم كله في الدنيا أو المادة فقط، ولا يلتفتون إلى الروح والحياة الحقيقية التي يريد لهم الأنبياء (عليه السلام) أن يرتقوا لها، وهذا هو ما قاله عيسى (عليه السلام) لنيقوديموس: ( 3 أجاب يسوع وقال له الحق الحق أقول لك إن كان أحد لا يولد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله . 4 قال له نيقوديموس كيف يمكن الإنسان أن يولد وهو شيخ . ألعله يقدر أن يدخل بطن أمه ثانية ويولد . 5 أجاب يسوع الحق الحق أقول لك إن كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله . 6 المولود من الجسد جسد هو والمولود من الروح هو روح . 7 لا تتعجب أني قلت لك ينبغي أن تولدوا من فوق . 8 الريح تهب حيث تشاء وتسمع صوتها لكنك لا تعلم من أين تأتي ولا إلى أين تذهب . هكذا كل من ولد من الروح 9 أجاب نيقوديموس وقال له كيف يمكن أن يكون هذا . 10 أجاب يسوع وقال له أنت معلم إسرائيل ولست تعلم هذا . 11 الحق الحق أقول لك إننا إنما نتكلم بما نعلم ونشهد بما رأينا ولستم تقبلون شهادتنا . 12 إن كنت قلت لكم الأرضيات ولستم تؤمنون فكيف تؤمنون إن قلت لكم السماويات . 13 وليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء ابن الإنسان الذي هو في السماء )([11]).
فالناس كل الناس قد ولدوا من الجسد، ومع ذلك عيسى (عليه السلام) يريد منهم أن يولدوا ولادة جديدة، أي أن يتساموا بأرواحهم فوق متطلبات الجسد والحياة المادية الضيقة ليدخلوا في رحاب ملكوت الله، أو ما يسميه النص بـ ( السماويات ).
فالمراد هو الاستعداد الروحي لتقبل عطاء السماء كما قال يوحنا المعمدان: ( 27 أجاب يوحنا وقال لا يقدر إنسان أن يأخذ شيئا إن لم يكن قد أعطي من السماء )([12]).
وبالنتيجة عيسى (عليه السلام) من فوق لأنه يتكلم بكلام الله كما في هذا النص الذي قاله يوحنا: ( 31 الذي يأتي من فوق هو فوق الجميع . والذي من الأرض هو أرضي ومن الأرض يتكلم . الذي يأتي من السماء هو فوق الجميع . 32 وما رآه وسمعه به يشهد وشهادته ليس أحد يقبلها . 33 ومن قبل شهادته فقد ختم أن الله صادق . 34 لأن الذي أرسله الله يتكلم بكلام الله . لأنه ليس بكيل يعطي الله الروح )([13]).
والذي يوضح ما قلناه هو أن عيسى (عليه السلام) ليس هو وحده الذي لا ينتمي لهذا العالم، بل التلاميذ أيضاً، يقول عيسى 14 أنا قد أعطيتهم كلامك والعالم أبغضهم لأنهم ليسوا من العالم كما أني أنا لست من العالم . 15 لست أسأل أن تأخذهم من العالم بل أن تحفظهم من الشرير . 16 ليسوا من العالم كما أني أنا لست من العالم )([14]).
ومثله: ( لو كنتم من العالم لكان العالم يحب خاصته، لكن لأنكم لستم من العالم، بل أنا اخترتكم من العالم، لذلك يبغضكم العالم)([15]).
وإذا كان (ليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء، ابن الإنسان الذي هو في السماء)([16])، فإن أخنوخ صعد إلى السماء، ولابد إذن أن يكون قد نزل من السماء: (وسار أخنوخ مع الله، ولم يوجد، لأن الله أخذه)([17])، فهل يقولون بإلوهيته ؟
والكلام نفسه يقال بالنسبة لإيليا الذي صعد إلى السماء: (ففصلت بينهما فصعد إيليا في العاصفة إلى السماء)([18]).
بل لو قلنا إن عيسى (عليه السلام) ، أو ابن الإنسان إله فهل يعني هذا إنه الإله المطلق ؟ الجواب هو كلا.
([1]) يوحنا: 5- 28و29.
([2]) يوحنا:5.
([3]) يوحنا: 3-17.
([4]) يوحنا:13.
([5]) يوحنا: 12-47-48.
([6]) متى:19/28- ولوقا:22-30.
([7]) كورنثوس: (1) 6-2-3.
([8]) يوحنا:8-23.
([9]) يوحنا:3- 13.
([10]) يوحنا:3- 31.
([11]) يوحنا: 3.
([12]) يوحنا: 3.
([13]) يوحنا: 3.
([14]) يوحنا: 17.
([15]) يوحنا: 15-19.
([16]) يوحنا: 3-13.
([17]) التكوين: 5-24.
([18]) الملوك: (2) 2-11.
(صحيفة الصراط المستقيم ـ العدد 8 ـ الصادر بتاريخ 5 شوال 1431 هـ الموافق ل 14/09/2010 م)