::: خلافة علي (ع) طريق الأمة الى الجنة :::
بقلم الشيخ ناظم العقيلي من على صفحته الرسمية في الفيسبوك
---------------------------
خلافة علي (ع) طريق الأمة الى الجنة
لا يخفى على المتتبع، الاحاديث النبوية الصحيحة والمعتبرة، التي تنص وتشير الى أحقية علي بن أبي طالب بالخلافة بعد النبي محمد (ص) بلا فصل، وأنّ النبي (ص) قد قرنه بنفسه في الطاعة والمعصية والمحبة والنفس والحرب والسلم ... الخ. ونص على أنه وزيره ووصيه وخليفته في كل مؤمن.. وأنه مع الحق والحق معه وأنه هاد مهدي.. وأنه باب مدينة العلم.. وأنه قسيم الإيمان والنفاق.. الى غير ذلك من الخصائص العلوية التي تمنع أي شخص أن يتخطى أبا الحسن (ع) ويجعله مأموماً وتابعاً لا متبوعاً.
وأحب هنا أن أتناول حديثاً مهماً قد وصلنا رغم كل حملات العداء والتضليل التي حرصت على طمس وحذف مناقب وفضائل أمير المؤمنين (ع)، وقد حاول بعض المتعصبين أن يخدشوا بهذا الحديث بلا حجة أو دليل.. واليكم الحديث:
المصنف، لعبد الرزاق الصنعاني ج11 ص317 برقم 20646:
أخبرنا عبد الرزاق عن أبيه عن ميناء عن عبد الله ابن مسعود قال:
(كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة وفد الجن، قال: فتنفس، فقلت: ما شأنك يا رسول الله ! قال، نعيت إلي نفسي يا ابن مسعود ! قلت: فاستخلف، قال: من ؟ قلت: أبو بكر، قال: فسكت، ثم مضى ساعة ثم تنفس، قال: فقلت: ما شأنك ؟ قال: نعيت إلي نفسي يا ابن مسعود ! قال: قلت: فاستخلف، قال: من ؟ قلت: عمر، قال: فسكت، ثم مضى ساعة ثم تنفس، قال: فقلت: ما شأنك ؟ قال: نعيت إلي نفسي يا ابن مسعود ! قال: قلت: فاستخلف، قال: من ؟ قال: قلت: علي بن أبي طالب، قال: أما والذي نفسي بيده لئن أطاعوه ليدخلن الجنة أجمعين أكتعين).
وفي الحديث عدة نقاط مهمة:
النقطة الأولى:
أن النبي محمداً (ص) سكت عندما اقترح عليه ابن مسعود استخلاف أبي بكر وعمر، وفي أحد ألفاظ الرواية [فأعرض عني فرأيت أنه لم يوافقه] بدل [فسكت]، ودلالة ذلك واضحة على عدم رضى النبي محمد (ص) عن استخلاف أبي بكر وعمر بن الخطاب، وعدم رضى النبي محمد (ص) بلا شك ينبئ عن عدم رضى الله تعالى.
النقطة الثانية:
قول النبي محمد (ص) بعدما سأله ابن مسعود عن استخلاف علي بن أبي طالب (ع): [أما والذي نفسي بيده لئن أطاعوه ليدخلن الجنة أجمعين أكتعين]، يدل بكل وضوح على أن علياً (ع) مرضي للخلافة من قبل الله تعالى ورسوله (ص)، بل سيترتب على قبول خلافته دخول جميع من أطاعه الجنة. وهو نص صريح على استخلاف علي بن أبي طالب (ع)، وإشارة واضحة الى أن الأمة ستحرم نفسها من هذه النعمة بعصيانها لهذا الرجل العظيم.
فكون علي بن أبي طالب (ع) مرضي للخلافة وأهل لها دون أبي بكر وعمر أمر واضح من الرواية، ولكن الرواية تنبئ عن أن الناس ستعزف عن هذا الخليفة وتتبع غيره ممن هو لا يحقق لهم ما يريده الله تعالى؛ وهو دخولهم الجنة أجمعين.
النقطة الثالثة:
لقد أقسم النبي محمد (ص) على أن الأمة إن أطاعت علياً ستدخل الجنة جميعاً، وهذا يدل على عصمة الإمام علي (ع) بلا شك، لأنه لو لم يكن علي (ع) معصوماً عن الضلال والانحراف عن الدين لما أطلق القول بأن طاعته توجب الجنة، وهذا إشارة الى وجوب طاعة علي (ع) كما صرحت به أحاديث أخرى أذكر منها ما صح عن طرق السنة:
عن أبي ذر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله : (من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع علياً فقد أطاعني ومن عصى علياً فقد عصاني).
أخرجه الحاكم النيسابوري في المستدرك: ج3 ص121 وصححه، وتابعه الذهبي فصححه في تلخيص المستدرك.
وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وآله: (يا علي من فارقني فقد فارق الله ومن فارقك يا علي فقد فارقني).
المستدرك للحاكم النيسابوري ج3 ص123 – 124، وقال عنه: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، مجمع الزوائد للهيثمي ج9 ص135، وقال عنه: " رواه البزاز ورجاله ثقات".
فهذه الروايات وغيرها تدل بوضوح على أن علياً إنما هو امتداد لولاية النبي محمد (ص)، كما هو نص حديث الغدير:
مسند أحمد ج4 ص370: حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا حسين بن محمد وأبو نعيم المعنى قالا ثنا فطر عن أبي الطفيل قال:
(جمع على رضى الله تعالى عنه الناس في الرحبة ثم قال لهم أنشد الله كل امرئ مسلم سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم غدير خم ما سمع لما قام فقام ثلاثون من الناس وقال أبو نعيم فقام ناس كثير فشهدوا حين أخذ بيده فقال للناس أتعلمون انى أولى بالمؤمنين من أنفسهم قالوا نعم يا رسول الله قال من كنت مولاه فهذا مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. قال فخرجت وكأن في نفسي شيئا فلقيت زيد بن أرقم فقلت له انى سمعت عليا رضى الله تعالى عنه يقول كذا وكذا قال فما تنكر قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك له).
قال الألباني عن هذا الحديث: [وإسناده صحيح على شرط البخاري] السلسلة الصحيحة ج4 ص331 تحت رقم 1750. وقال الهيثمي: [رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير فطر بن خليفة وهو ثقة] مجمع الزوائد ج9 ص104. وصححه حمزة أحمد الزين في تحقيقه لمسند أحمد ج14 ص436 برقم 19198، إذ قال: [إسناده صحيح]. وصححه شعيب الأرنؤوط في تحقيقه لمسند أحمد ج32 ص55 – 56 برقم 19302، إذ قال: [إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين غير فطر – وهو ابن خليفة –فمن رجال أصحاب السنن، وروى له البخاري مقروناً، وهو ثقة].
وما دام أن النبي (ص) أولى بالمؤمنين من أنفسهم كذلك علي (ع) أولى بالمؤمنين من أنفسهم، قال الله تعالى: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ)، ولا يخفى أن ولاية النبي (ص) ولاية طاعة وتصرف، فكذلك ولاية علي (ع).
تخريج الحديث:
حديث [أما والذي نفسي بيده لئن أطاعوه ليدخلن الجنة أجمعين أكتعين]، أخرجه:
عبد الرزاق الصنعاني في المصنف ج11 ص317 برقم 20646، عن ميناء عن ابن مسعود.
وأخرجه ابن أبي عاصم في كتاب السنة عن سلمة عن عبد الرزاق... الخ، ص 549 برقم 1183، بلفظ: [ليلة الجن نعيت إلي والله نفسي فقلت: يقوم بالناس أبو بكر الصديق فسكت، فقلت: يقوم بالناس عمر، فسكت فقلت: يقوم بالناس علي، فقال: لا يفعلون ولو فعلوا دخلوا الجنة أجمعين].
وأُخرج في مسند أحمد ج1 ص449، عن عبد الرزاق عن أبيه عن مينا عن ابن مسعود مبتوراً هكذا: [كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة وفد الجن فلما انصرف تنفس فقلت ما شأنك فقال نعيت إلى نفسي يا ابن مسعود] وسيأتي الكلام عن هذا البتر إن شاء الله تعالى.
وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير ج10 ص67 برقم 9969، بسنده عن أبي عبد الله الجدلي عن ابن مسعود، هكذا سنداً ومتناً:
حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ثنا علي بن الحسين بن أبي بردة الأسماء الذهبي ثنا يحيى بن يعلى الأسلمي عن حرب بن صبيح ثنا سعيد بن مسلم عن أبي مرة الصنعاني عن أبي عبد الله الجدلي عن عبد الله بن مسعود قال:
استتبعني رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن فانطلقت معه حتى بلغنا أعلى مكة فخط علي خطة وقال لا تبرح ثم انصاع في أجبال فرأيت الرجال يتحدرون عليه من رؤوس الجبال حتى حالوا بيني وبينه فاخترطت السيف وقلت لأضربن حتى استنقذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذكرت قوله لا تبرح حتى آتيك قال فلم أزل كذلك حتى أمنا الفجر فجاء النبي صلى الله عليه وسلم وأنا قائم فقال ما زلت على حالك قلت لو لبثت شهرا ما برحت حتى تأتيني ثم أخبرته بما أردت أن أصنع فقال لو خرجت ما التقيت أنا ولا أنت إلى يوم القيامة ثم شبك أصابعه في أصابعي فقال إني وعدت أن يؤمن بي الجن والإنس فأما الإنس فقد آمنت بي وأما الجن فقد رأيت قال وما أظن أجلي إلا قد اقترب قلت يا رسول الله ألا تستخلف أبا بكر فأعرض عني فرأيت أنه لم يوافقه قلت يا رسول الله ألا تستخلف عمر فأعرض عني فرأيت أنه لم يوافقه قلت يا رسول الله ألا تستخلف عليا قال ذاك والذي لا إله غيره لو بايعتموه وأطعتموه أدخلكم الجنة أكتعين.
وأخرجه أيضاً في نفس المصدر برقم 9970، عن عبد الرزاق عن أبيه عن ميناء عن ابن مسعود، هكذا سنداً ومتناً:
حدثنا إسحاق بن إبراهيم الدبري ثنا عبد الرزاق عن أبيه عن ميناء عن عبد الله بن مسعود قال كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة وفد الجن فتنفس فقلت مالك يا رسول الله قال نعيت إلى نفسي يا بن مسعود قلت استخلف قال من قلت أبو بكر قال فسكت ثم مضى ساعة ثم تنفس فقلت ما شأنك معبد أنت وأمي يا رسول الله قال نعيت إلى نفسي يا بن مسعود قلت فاستخلف قال من قلت عمر فسكت ثم مضى ساعة ثم تنفس فقلت ما شأنك قال نعيت إلى نفسي يا بن مسعود قلت فاستخلف قال من قلت علي بن أبي طالب قال أما والذي نفسي بيده أداء أطاعوه ليدخلن الجنة أجمعين أكتعين.
وغير ذلك من المصادر.
تصحيح الحديث:
للحديث اسنادان عن عبد الله بن مسعود، أحدهما ينتهي بـ [ميناء]، والثاني ينتهي بـ [أبو عبد الله الجدلي]، وكلاهما عن عبد الله بن مسعود.
ورجال السند الأول هم: [عبد الرزاق بن همام الصنعاني عن أبيه عن ميناء عن عبد الله ابن مسعود]، ولم يقدح في أحد منهم سوى [ميناء] فقد اتهموه بالوضع والكذب ... الخ.
وحقيقة الأمر أنّ تضعيفهم لميناء جاء من جهة مذهبه فقد كان شيعياً وقد نقل فضائل أهل البيت (ع) ومثالب بعض الصحابة وهذا لا يروق لمن يسعون الى كتم الحقائق، وهكذا تضعيف لا يعبأ به أبداً لأنه مبني على التعصب المذهبي وقمع الرواة وتسقيطهم بما يروونه من حقائق، بمعنى أنهم إما أن ينقل الراوي ما يوافق أهوائهم ومذاهبهم فيكون مقبولاً عندهم، وإما إن نقل ما يخالف أهوائهم ومذاهبهم فيضعفونه ويتهمونه بالكذب والوضع والمنكرات، وهذا منهج أعوج لا يستند الى دليل.
و [ميناء] من كبار التابعين، بل عده بعضهم من الصحابة، وثقه ابن حبان في كتابه الثقات ج5 ص455. وقد ذكره البخاري في التاريخ الكبير ج8 ص31 برقم 2050، ولم يقدح فيه لا من قريب ولا من بعيد.
وقد ذكر بأن سبب انكار الأئمة لحديث ميناء إنما هو بسبب مذهبه، حيث قال الجوزجاني: [أنكر الأئمة حديثه لسوء مذهبه] تهذيب التهذيب ج10 ص354 برقم 714.
وقال ابن عدي: [ويبين على حديثه أنه يغلو في التشيع] المصدر السابق.
وقال أبو حاتم: [منكر الحديث روى أحاديث مناكير في الصحابة لا يعبأ بحديثه كان يكذب] المصدر السابق.
أقول:
لا يخفى أنَّ ميناء إنما نقموا عليه تصلبه في التشيع – وهو مفخرة له -، ونقله لأحوال بعض الصحابة، وبما أن القوم قد قالوا بعدالة كل الصحابة – وبلا دليل طبعاً – فاعتبروه قد تعدى الخطوط الحمراء واعتبروه من أصحاب المناكير !
ولم يعبأ أحمد محمد شاكر بتضعيفهم هذا، في تحقيقه لمسند أحمد في نفس سند الرواية التي نتكلم عنها، ج4 ص207 برقم 4294، إذ قال: [إسناده صحيح، والد عبد الرزاق: هو همام بن نافع الحميري الصنعاني، وهو ثقة، وثقه إسحق بن منصور، وذكره ابن حبان في الثقات، وترجمه البخاري في الكبير 4/2/237. ميناء بن أبي ميناء الخزاز: هو مولى عبد الرحمن بن عوف، وهو تابعي كبير، حتى أخطأ بعضهم فذكره في الصحابة، وذكره ابن حبان في الثقات، وضعفه ابن معين والنسائي وغيرهما، والظاهر من كلامهم أنهم أخذوا عليه الغلو في التشيع، ولكن ترجمه البخاري في الكبير 4/2/31 فلم يذكر فيه جرحاً ...].
إذن فـ [ميناء] موثق من قبل ابن حبان، وترجمه البخاري ولم يتعرض لجرحه، وحكم أحمد شاكر بوثاقته وصحة إسناد الرواية التي نحن الآن بصددها، وقد تبين أن تضعيف ابن معين والنسائي وغيرهما لا يعبأ به.
ثم أنَّ ميناء مع أنه موثق فقد برئ من التهمة، لأنه قد تابعه أبو عبد الله الجدلي عند الطبراني:
[حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ثنا علي بن الحسين بن أبي بردة الأسماء الذهبي ثنا يحيى بن يعلى الأسلمي عن حرب بن صبيح ثنا سعيد بن مسلم عن أبي مرة الصنعاني عن أبي عبد الله الجدلي عن عبد الله بن مسعود قال: ....] وقد تقدم ذكر المتن في تخريج الحديث.
وهذا ما نص عليه السيوطي كما نقله عنه صاحب تنزيه الشريعة:
تنزيه الشريعة، علي بن محمد بن عراق الكناني ج1 ص377، برقم 101:
[(حديث) ابن مسعود كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة وفد الجن فتنفس فقلت ما شأنك يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: نعيت إلى نفسي، قلت: فاستخلف، قال من قلت أبو بكر فسكت ثم مضى ساعة، فتنفس، قلت: ما شأنك ؟ قال: نعيت إلى نفسي، قلت فاستخلف، قال من ؟ قلت عمر. ثم مضى ساعة ثم تنفس، فقلت: ما شأنك قال: نعيت إلى نفسي، قلت فاستخلف قال: من ؟ قلت: علي بن أبى طالب، قال: أما والذي نفسي بيده لئن أطاعوه ليدخلن الجنة أجمعين أكتعين (طب) من طريق مينا مولى عبد الرحمن بن عوف (تعقب) بأن مينا تابعه أبو عبد الله الجدلي أخرجه الطبراني أيضاً ...].
وأبو عبد الله الجدلي تابعي معروف، وثقه أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وابن حبان، والعجلي [راجع تهذيب التهذيب ج12 ص133 برقم 8540]. ووثقه ابن حجر في تقريب التهذيب ج2 ص428 برقم 8243. واسمه عبد بن عبد أو عبد الرحمن بن عبد.
فحتى لو قلنا بضعف ابن ميناء، فالسند صحيح، لأن الضعيف إن تابعه ثقة يبرأ من تهمة الوضع أو الوهم ... الخ.
وقد رد شعيب الأرنؤوط على هذه المتابعة في تحقيقه لمسند أحمد ج7 ص322 – 323 برقم 4294، بقوله:
[وهذه المتابعة لا يُفرح بها، فهي عند الطبراني في "الكبير" (9969) من طريق يحيى بن يعلى الأسلمي، عن حرب بن صبيح، عن سعيد بن مسلم، عن أبي مرة الصنعاني، عن أبي عبد الله الجدلي، عن ابن مسعود به، مطولاً.
ويحيى بن يعلى الأسلمي، قال ابن معين: ليس بشيء، وقال البخاري: مضطرب الحديث، وقال ابن حبان: يروي عن الثقات الأشياء المقلوبة، وحرب بن صبيح أبو مرة الصنعاني ليس لهما ترجمة في كتب الجرح والتعديل].
أقول:
الإسناد الى عبد الله بن مسعود متصل برجال ثقات ولا يوجد كلام إلا في ميناء الذي يروي عن ابن مسعود مباشرة، وبهذا فقد برئ الأسلمي وحرب بن صبيح والصنعاني من التهمة، فإسناد أحمد والطبراني عن ميناء ثابت ودافع لتهمة الوضع أو الوهم .. عن الوسائط الموصلة الى أبي عبد الله الجدلي في الإسناد الثاني، إذن فلا حاجة الى اثبات وثاقتهم، إنما نحتاج الى متابعة الجدلي لميناء فقط، وهي متحققة، فالإسناد إن لم يكن صحيحاً فهو حسن على أقل تقدير.
وبذلك يكون كلام السيوطي متين للغاية في اثبات متابعة الجدلي لميناء، وكلام الأرنؤوط أنما هو [شنشنة أعرفها من أخزم].
والغريب أن الحديث جاء في مسند أحمد مبتوراً عن ابن مسعود هكذا: [كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة وفد الجن فلما انصرف تنفس فقلت ما شأنك فقال نعيت إلى نفسي يا ابن مسعود].
ولم يذكر فيه مسألة الاستخلاف وعزوف النبي (ص) عن ارتضاء أبي بكر وعمر للخلافة، وارتضاؤه علي بن أبي طالب (ع) للخلافة وقوله عنه: [أما والذي نفسي بيده لئن أطاعوه ليدخلن الجنة أجمعين أكتعين]، في حين أنَّ السند نفسه عن عبد الرزاق عن أبيه عن ميناء عن ابن مسعود !
لا شك أن المقص قد نال من هذا الحديث ليخفي دلالته على خلافة علي بن أبي طالب (ع)، وهذا القص أو البتر إما من قبل أحمد بن حنبل نفسه أو من قبل غيره ممن تسلط على مسند أحمد بن حنبل بعده، والراجح أنه من قبل المتسلطين على المسند بعد وفاة أحمد بن حنبل، بقرينة أنَّ الحديث قد روي عن أحمد بن حنبل كاملاً بلا قص أو بتر وبنفس السند، كما روى ذلك ابن كثير في تفسيره:
تفسير ابن كثير ج4 ص178، قال:
وقد رواه الحافظ أبو نعيم في كتابه دلائل النبوة فقال حدثنا سليمان بن أحمد بن أيوب حدثنا إسحاق بن إبراهيم وحدثنا أبو بكر بن مالك حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثنا أبي قالا حدثنا عبد الرزاق عن أبيه عن ميناء عن ابن مسعود قال:
كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة وفد الجن فتنفس فقلت مالك يا رسول الله ؟ قال "نعيت إلي نفسي يا ابن مسعود" قلت استخلف قال "من ؟" قلت أبا بكر قال فسكت ثم مضى ساعة فتنفس فقلت ما شأنك بأبي أنت وأمي يا رسول الله ؟ قال "نعيت إلي نفسي يا ابن مسعود" قلت فاستخلف قال "من ؟" قلت عمر فسكت ثم مضى ساعة ثم تنفس فقلت ما شأنك. قال "نعيت إلي نفسي" قلت فاستخلف قال صلى الله عليه وسلم "من ؟" قلت علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم: أما والذي نفسي بيده لئن أطاعوه ليدخلن الجنة أجمعين أكتعين".
والحمد لله رب العالمين
----------------
بقلم الشيخ ناظم العقيلي من على صفحته الرسمية في الفيسبوك
---------------------------
خلافة علي (ع) طريق الأمة الى الجنة
لا يخفى على المتتبع، الاحاديث النبوية الصحيحة والمعتبرة، التي تنص وتشير الى أحقية علي بن أبي طالب بالخلافة بعد النبي محمد (ص) بلا فصل، وأنّ النبي (ص) قد قرنه بنفسه في الطاعة والمعصية والمحبة والنفس والحرب والسلم ... الخ. ونص على أنه وزيره ووصيه وخليفته في كل مؤمن.. وأنه مع الحق والحق معه وأنه هاد مهدي.. وأنه باب مدينة العلم.. وأنه قسيم الإيمان والنفاق.. الى غير ذلك من الخصائص العلوية التي تمنع أي شخص أن يتخطى أبا الحسن (ع) ويجعله مأموماً وتابعاً لا متبوعاً.
وأحب هنا أن أتناول حديثاً مهماً قد وصلنا رغم كل حملات العداء والتضليل التي حرصت على طمس وحذف مناقب وفضائل أمير المؤمنين (ع)، وقد حاول بعض المتعصبين أن يخدشوا بهذا الحديث بلا حجة أو دليل.. واليكم الحديث:
المصنف، لعبد الرزاق الصنعاني ج11 ص317 برقم 20646:
أخبرنا عبد الرزاق عن أبيه عن ميناء عن عبد الله ابن مسعود قال:
(كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة وفد الجن، قال: فتنفس، فقلت: ما شأنك يا رسول الله ! قال، نعيت إلي نفسي يا ابن مسعود ! قلت: فاستخلف، قال: من ؟ قلت: أبو بكر، قال: فسكت، ثم مضى ساعة ثم تنفس، قال: فقلت: ما شأنك ؟ قال: نعيت إلي نفسي يا ابن مسعود ! قال: قلت: فاستخلف، قال: من ؟ قلت: عمر، قال: فسكت، ثم مضى ساعة ثم تنفس، قال: فقلت: ما شأنك ؟ قال: نعيت إلي نفسي يا ابن مسعود ! قال: قلت: فاستخلف، قال: من ؟ قال: قلت: علي بن أبي طالب، قال: أما والذي نفسي بيده لئن أطاعوه ليدخلن الجنة أجمعين أكتعين).
وفي الحديث عدة نقاط مهمة:
النقطة الأولى:
أن النبي محمداً (ص) سكت عندما اقترح عليه ابن مسعود استخلاف أبي بكر وعمر، وفي أحد ألفاظ الرواية [فأعرض عني فرأيت أنه لم يوافقه] بدل [فسكت]، ودلالة ذلك واضحة على عدم رضى النبي محمد (ص) عن استخلاف أبي بكر وعمر بن الخطاب، وعدم رضى النبي محمد (ص) بلا شك ينبئ عن عدم رضى الله تعالى.
النقطة الثانية:
قول النبي محمد (ص) بعدما سأله ابن مسعود عن استخلاف علي بن أبي طالب (ع): [أما والذي نفسي بيده لئن أطاعوه ليدخلن الجنة أجمعين أكتعين]، يدل بكل وضوح على أن علياً (ع) مرضي للخلافة من قبل الله تعالى ورسوله (ص)، بل سيترتب على قبول خلافته دخول جميع من أطاعه الجنة. وهو نص صريح على استخلاف علي بن أبي طالب (ع)، وإشارة واضحة الى أن الأمة ستحرم نفسها من هذه النعمة بعصيانها لهذا الرجل العظيم.
فكون علي بن أبي طالب (ع) مرضي للخلافة وأهل لها دون أبي بكر وعمر أمر واضح من الرواية، ولكن الرواية تنبئ عن أن الناس ستعزف عن هذا الخليفة وتتبع غيره ممن هو لا يحقق لهم ما يريده الله تعالى؛ وهو دخولهم الجنة أجمعين.
النقطة الثالثة:
لقد أقسم النبي محمد (ص) على أن الأمة إن أطاعت علياً ستدخل الجنة جميعاً، وهذا يدل على عصمة الإمام علي (ع) بلا شك، لأنه لو لم يكن علي (ع) معصوماً عن الضلال والانحراف عن الدين لما أطلق القول بأن طاعته توجب الجنة، وهذا إشارة الى وجوب طاعة علي (ع) كما صرحت به أحاديث أخرى أذكر منها ما صح عن طرق السنة:
عن أبي ذر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله : (من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع علياً فقد أطاعني ومن عصى علياً فقد عصاني).
أخرجه الحاكم النيسابوري في المستدرك: ج3 ص121 وصححه، وتابعه الذهبي فصححه في تلخيص المستدرك.
وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وآله: (يا علي من فارقني فقد فارق الله ومن فارقك يا علي فقد فارقني).
المستدرك للحاكم النيسابوري ج3 ص123 – 124، وقال عنه: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، مجمع الزوائد للهيثمي ج9 ص135، وقال عنه: " رواه البزاز ورجاله ثقات".
فهذه الروايات وغيرها تدل بوضوح على أن علياً إنما هو امتداد لولاية النبي محمد (ص)، كما هو نص حديث الغدير:
مسند أحمد ج4 ص370: حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا حسين بن محمد وأبو نعيم المعنى قالا ثنا فطر عن أبي الطفيل قال:
(جمع على رضى الله تعالى عنه الناس في الرحبة ثم قال لهم أنشد الله كل امرئ مسلم سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم غدير خم ما سمع لما قام فقام ثلاثون من الناس وقال أبو نعيم فقام ناس كثير فشهدوا حين أخذ بيده فقال للناس أتعلمون انى أولى بالمؤمنين من أنفسهم قالوا نعم يا رسول الله قال من كنت مولاه فهذا مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. قال فخرجت وكأن في نفسي شيئا فلقيت زيد بن أرقم فقلت له انى سمعت عليا رضى الله تعالى عنه يقول كذا وكذا قال فما تنكر قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك له).
قال الألباني عن هذا الحديث: [وإسناده صحيح على شرط البخاري] السلسلة الصحيحة ج4 ص331 تحت رقم 1750. وقال الهيثمي: [رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير فطر بن خليفة وهو ثقة] مجمع الزوائد ج9 ص104. وصححه حمزة أحمد الزين في تحقيقه لمسند أحمد ج14 ص436 برقم 19198، إذ قال: [إسناده صحيح]. وصححه شعيب الأرنؤوط في تحقيقه لمسند أحمد ج32 ص55 – 56 برقم 19302، إذ قال: [إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين غير فطر – وهو ابن خليفة –فمن رجال أصحاب السنن، وروى له البخاري مقروناً، وهو ثقة].
وما دام أن النبي (ص) أولى بالمؤمنين من أنفسهم كذلك علي (ع) أولى بالمؤمنين من أنفسهم، قال الله تعالى: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ)، ولا يخفى أن ولاية النبي (ص) ولاية طاعة وتصرف، فكذلك ولاية علي (ع).
تخريج الحديث:
حديث [أما والذي نفسي بيده لئن أطاعوه ليدخلن الجنة أجمعين أكتعين]، أخرجه:
عبد الرزاق الصنعاني في المصنف ج11 ص317 برقم 20646، عن ميناء عن ابن مسعود.
وأخرجه ابن أبي عاصم في كتاب السنة عن سلمة عن عبد الرزاق... الخ، ص 549 برقم 1183، بلفظ: [ليلة الجن نعيت إلي والله نفسي فقلت: يقوم بالناس أبو بكر الصديق فسكت، فقلت: يقوم بالناس عمر، فسكت فقلت: يقوم بالناس علي، فقال: لا يفعلون ولو فعلوا دخلوا الجنة أجمعين].
وأُخرج في مسند أحمد ج1 ص449، عن عبد الرزاق عن أبيه عن مينا عن ابن مسعود مبتوراً هكذا: [كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة وفد الجن فلما انصرف تنفس فقلت ما شأنك فقال نعيت إلى نفسي يا ابن مسعود] وسيأتي الكلام عن هذا البتر إن شاء الله تعالى.
وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير ج10 ص67 برقم 9969، بسنده عن أبي عبد الله الجدلي عن ابن مسعود، هكذا سنداً ومتناً:
حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ثنا علي بن الحسين بن أبي بردة الأسماء الذهبي ثنا يحيى بن يعلى الأسلمي عن حرب بن صبيح ثنا سعيد بن مسلم عن أبي مرة الصنعاني عن أبي عبد الله الجدلي عن عبد الله بن مسعود قال:
استتبعني رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن فانطلقت معه حتى بلغنا أعلى مكة فخط علي خطة وقال لا تبرح ثم انصاع في أجبال فرأيت الرجال يتحدرون عليه من رؤوس الجبال حتى حالوا بيني وبينه فاخترطت السيف وقلت لأضربن حتى استنقذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذكرت قوله لا تبرح حتى آتيك قال فلم أزل كذلك حتى أمنا الفجر فجاء النبي صلى الله عليه وسلم وأنا قائم فقال ما زلت على حالك قلت لو لبثت شهرا ما برحت حتى تأتيني ثم أخبرته بما أردت أن أصنع فقال لو خرجت ما التقيت أنا ولا أنت إلى يوم القيامة ثم شبك أصابعه في أصابعي فقال إني وعدت أن يؤمن بي الجن والإنس فأما الإنس فقد آمنت بي وأما الجن فقد رأيت قال وما أظن أجلي إلا قد اقترب قلت يا رسول الله ألا تستخلف أبا بكر فأعرض عني فرأيت أنه لم يوافقه قلت يا رسول الله ألا تستخلف عمر فأعرض عني فرأيت أنه لم يوافقه قلت يا رسول الله ألا تستخلف عليا قال ذاك والذي لا إله غيره لو بايعتموه وأطعتموه أدخلكم الجنة أكتعين.
وأخرجه أيضاً في نفس المصدر برقم 9970، عن عبد الرزاق عن أبيه عن ميناء عن ابن مسعود، هكذا سنداً ومتناً:
حدثنا إسحاق بن إبراهيم الدبري ثنا عبد الرزاق عن أبيه عن ميناء عن عبد الله بن مسعود قال كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة وفد الجن فتنفس فقلت مالك يا رسول الله قال نعيت إلى نفسي يا بن مسعود قلت استخلف قال من قلت أبو بكر قال فسكت ثم مضى ساعة ثم تنفس فقلت ما شأنك معبد أنت وأمي يا رسول الله قال نعيت إلى نفسي يا بن مسعود قلت فاستخلف قال من قلت عمر فسكت ثم مضى ساعة ثم تنفس فقلت ما شأنك قال نعيت إلى نفسي يا بن مسعود قلت فاستخلف قال من قلت علي بن أبي طالب قال أما والذي نفسي بيده أداء أطاعوه ليدخلن الجنة أجمعين أكتعين.
وغير ذلك من المصادر.
تصحيح الحديث:
للحديث اسنادان عن عبد الله بن مسعود، أحدهما ينتهي بـ [ميناء]، والثاني ينتهي بـ [أبو عبد الله الجدلي]، وكلاهما عن عبد الله بن مسعود.
ورجال السند الأول هم: [عبد الرزاق بن همام الصنعاني عن أبيه عن ميناء عن عبد الله ابن مسعود]، ولم يقدح في أحد منهم سوى [ميناء] فقد اتهموه بالوضع والكذب ... الخ.
وحقيقة الأمر أنّ تضعيفهم لميناء جاء من جهة مذهبه فقد كان شيعياً وقد نقل فضائل أهل البيت (ع) ومثالب بعض الصحابة وهذا لا يروق لمن يسعون الى كتم الحقائق، وهكذا تضعيف لا يعبأ به أبداً لأنه مبني على التعصب المذهبي وقمع الرواة وتسقيطهم بما يروونه من حقائق، بمعنى أنهم إما أن ينقل الراوي ما يوافق أهوائهم ومذاهبهم فيكون مقبولاً عندهم، وإما إن نقل ما يخالف أهوائهم ومذاهبهم فيضعفونه ويتهمونه بالكذب والوضع والمنكرات، وهذا منهج أعوج لا يستند الى دليل.
و [ميناء] من كبار التابعين، بل عده بعضهم من الصحابة، وثقه ابن حبان في كتابه الثقات ج5 ص455. وقد ذكره البخاري في التاريخ الكبير ج8 ص31 برقم 2050، ولم يقدح فيه لا من قريب ولا من بعيد.
وقد ذكر بأن سبب انكار الأئمة لحديث ميناء إنما هو بسبب مذهبه، حيث قال الجوزجاني: [أنكر الأئمة حديثه لسوء مذهبه] تهذيب التهذيب ج10 ص354 برقم 714.
وقال ابن عدي: [ويبين على حديثه أنه يغلو في التشيع] المصدر السابق.
وقال أبو حاتم: [منكر الحديث روى أحاديث مناكير في الصحابة لا يعبأ بحديثه كان يكذب] المصدر السابق.
أقول:
لا يخفى أنَّ ميناء إنما نقموا عليه تصلبه في التشيع – وهو مفخرة له -، ونقله لأحوال بعض الصحابة، وبما أن القوم قد قالوا بعدالة كل الصحابة – وبلا دليل طبعاً – فاعتبروه قد تعدى الخطوط الحمراء واعتبروه من أصحاب المناكير !
ولم يعبأ أحمد محمد شاكر بتضعيفهم هذا، في تحقيقه لمسند أحمد في نفس سند الرواية التي نتكلم عنها، ج4 ص207 برقم 4294، إذ قال: [إسناده صحيح، والد عبد الرزاق: هو همام بن نافع الحميري الصنعاني، وهو ثقة، وثقه إسحق بن منصور، وذكره ابن حبان في الثقات، وترجمه البخاري في الكبير 4/2/237. ميناء بن أبي ميناء الخزاز: هو مولى عبد الرحمن بن عوف، وهو تابعي كبير، حتى أخطأ بعضهم فذكره في الصحابة، وذكره ابن حبان في الثقات، وضعفه ابن معين والنسائي وغيرهما، والظاهر من كلامهم أنهم أخذوا عليه الغلو في التشيع، ولكن ترجمه البخاري في الكبير 4/2/31 فلم يذكر فيه جرحاً ...].
إذن فـ [ميناء] موثق من قبل ابن حبان، وترجمه البخاري ولم يتعرض لجرحه، وحكم أحمد شاكر بوثاقته وصحة إسناد الرواية التي نحن الآن بصددها، وقد تبين أن تضعيف ابن معين والنسائي وغيرهما لا يعبأ به.
ثم أنَّ ميناء مع أنه موثق فقد برئ من التهمة، لأنه قد تابعه أبو عبد الله الجدلي عند الطبراني:
[حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ثنا علي بن الحسين بن أبي بردة الأسماء الذهبي ثنا يحيى بن يعلى الأسلمي عن حرب بن صبيح ثنا سعيد بن مسلم عن أبي مرة الصنعاني عن أبي عبد الله الجدلي عن عبد الله بن مسعود قال: ....] وقد تقدم ذكر المتن في تخريج الحديث.
وهذا ما نص عليه السيوطي كما نقله عنه صاحب تنزيه الشريعة:
تنزيه الشريعة، علي بن محمد بن عراق الكناني ج1 ص377، برقم 101:
[(حديث) ابن مسعود كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة وفد الجن فتنفس فقلت ما شأنك يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: نعيت إلى نفسي، قلت: فاستخلف، قال من قلت أبو بكر فسكت ثم مضى ساعة، فتنفس، قلت: ما شأنك ؟ قال: نعيت إلى نفسي، قلت فاستخلف، قال من ؟ قلت عمر. ثم مضى ساعة ثم تنفس، فقلت: ما شأنك قال: نعيت إلى نفسي، قلت فاستخلف قال: من ؟ قلت: علي بن أبى طالب، قال: أما والذي نفسي بيده لئن أطاعوه ليدخلن الجنة أجمعين أكتعين (طب) من طريق مينا مولى عبد الرحمن بن عوف (تعقب) بأن مينا تابعه أبو عبد الله الجدلي أخرجه الطبراني أيضاً ...].
وأبو عبد الله الجدلي تابعي معروف، وثقه أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وابن حبان، والعجلي [راجع تهذيب التهذيب ج12 ص133 برقم 8540]. ووثقه ابن حجر في تقريب التهذيب ج2 ص428 برقم 8243. واسمه عبد بن عبد أو عبد الرحمن بن عبد.
فحتى لو قلنا بضعف ابن ميناء، فالسند صحيح، لأن الضعيف إن تابعه ثقة يبرأ من تهمة الوضع أو الوهم ... الخ.
وقد رد شعيب الأرنؤوط على هذه المتابعة في تحقيقه لمسند أحمد ج7 ص322 – 323 برقم 4294، بقوله:
[وهذه المتابعة لا يُفرح بها، فهي عند الطبراني في "الكبير" (9969) من طريق يحيى بن يعلى الأسلمي، عن حرب بن صبيح، عن سعيد بن مسلم، عن أبي مرة الصنعاني، عن أبي عبد الله الجدلي، عن ابن مسعود به، مطولاً.
ويحيى بن يعلى الأسلمي، قال ابن معين: ليس بشيء، وقال البخاري: مضطرب الحديث، وقال ابن حبان: يروي عن الثقات الأشياء المقلوبة، وحرب بن صبيح أبو مرة الصنعاني ليس لهما ترجمة في كتب الجرح والتعديل].
أقول:
الإسناد الى عبد الله بن مسعود متصل برجال ثقات ولا يوجد كلام إلا في ميناء الذي يروي عن ابن مسعود مباشرة، وبهذا فقد برئ الأسلمي وحرب بن صبيح والصنعاني من التهمة، فإسناد أحمد والطبراني عن ميناء ثابت ودافع لتهمة الوضع أو الوهم .. عن الوسائط الموصلة الى أبي عبد الله الجدلي في الإسناد الثاني، إذن فلا حاجة الى اثبات وثاقتهم، إنما نحتاج الى متابعة الجدلي لميناء فقط، وهي متحققة، فالإسناد إن لم يكن صحيحاً فهو حسن على أقل تقدير.
وبذلك يكون كلام السيوطي متين للغاية في اثبات متابعة الجدلي لميناء، وكلام الأرنؤوط أنما هو [شنشنة أعرفها من أخزم].
والغريب أن الحديث جاء في مسند أحمد مبتوراً عن ابن مسعود هكذا: [كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة وفد الجن فلما انصرف تنفس فقلت ما شأنك فقال نعيت إلى نفسي يا ابن مسعود].
ولم يذكر فيه مسألة الاستخلاف وعزوف النبي (ص) عن ارتضاء أبي بكر وعمر للخلافة، وارتضاؤه علي بن أبي طالب (ع) للخلافة وقوله عنه: [أما والذي نفسي بيده لئن أطاعوه ليدخلن الجنة أجمعين أكتعين]، في حين أنَّ السند نفسه عن عبد الرزاق عن أبيه عن ميناء عن ابن مسعود !
لا شك أن المقص قد نال من هذا الحديث ليخفي دلالته على خلافة علي بن أبي طالب (ع)، وهذا القص أو البتر إما من قبل أحمد بن حنبل نفسه أو من قبل غيره ممن تسلط على مسند أحمد بن حنبل بعده، والراجح أنه من قبل المتسلطين على المسند بعد وفاة أحمد بن حنبل، بقرينة أنَّ الحديث قد روي عن أحمد بن حنبل كاملاً بلا قص أو بتر وبنفس السند، كما روى ذلك ابن كثير في تفسيره:
تفسير ابن كثير ج4 ص178، قال:
وقد رواه الحافظ أبو نعيم في كتابه دلائل النبوة فقال حدثنا سليمان بن أحمد بن أيوب حدثنا إسحاق بن إبراهيم وحدثنا أبو بكر بن مالك حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثنا أبي قالا حدثنا عبد الرزاق عن أبيه عن ميناء عن ابن مسعود قال:
كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة وفد الجن فتنفس فقلت مالك يا رسول الله ؟ قال "نعيت إلي نفسي يا ابن مسعود" قلت استخلف قال "من ؟" قلت أبا بكر قال فسكت ثم مضى ساعة فتنفس فقلت ما شأنك بأبي أنت وأمي يا رسول الله ؟ قال "نعيت إلي نفسي يا ابن مسعود" قلت فاستخلف قال "من ؟" قلت عمر فسكت ثم مضى ساعة ثم تنفس فقلت ما شأنك. قال "نعيت إلي نفسي" قلت فاستخلف قال صلى الله عليه وسلم "من ؟" قلت علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم: أما والذي نفسي بيده لئن أطاعوه ليدخلن الجنة أجمعين أكتعين".
والحمد لله رب العالمين
----------------