الخطبة الأولى:
باذن الله سأقرأ لكم خطبة عيد الأضحى الموحدة من مكتب السيد أحمد الحسن (ع)... تقول الخطبة...
{ بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
اَلْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ، وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ ، ثُمَّ الَّذينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ، لا نُشْرِكُ بِاللَّهِ ، وَلا نَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ اِلهاً وَلا وَلِيّاً . اَلْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي لا مَقْنُوطٌ مِنْ رَحْمَتِهِ، ولا مَخْلُوٌّ مِنْ نِعْمَتِهِ ، وَلا مُسْتَنْكِفٌ عَنْ عِبادَتِهِ ، بِكَلِماتِهِ قامَتِ السَّماواتُ ، وَاسْتَقَرَّتِ الْأَرَضُونَ ، وَثَبَتَتِ الْجِبالُ الرَّواسي ، وَجَرَتِ الرِّياحُ اللَّواقِحُ ، وَسارَ في جَوِّ السَّمآءِ السَّحابُ ، وَقامَتْ عَلى حُدُودِهَا الْبِحارُ ، قاهِرٌ يَخْضَعُ لَهُ الْمُعِزُّونَ ، وَيَذِلُّ طَوْعاً وَكُرْهاً لَهُ الْعالَمُونَ . نَحْمَدُهُ كَما حَمِدَ نَفْسَهُ وَكَما هُوَ اَهْلُهُ ، وَنَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ ، وَنَشْهَدُ اَنْ لا اِلهَ اِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ ، وَنَشْهَدُ اَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَنَبِيُّهُ ، وَرَسُولُهُ اِلى خَلْقِهِ ، وَاَمينُهُ عَلى وَحْيِهِ، قَدْ بَلَّغَ رِسالاتِ رَبِّهِ ، وَجاهَدَ في اللَّهِ ، الْمُوَلِّينَ عَنْهُ الْعادِلينَ بِهِ ، وَعَبَدَ اللَّهَ حَتّى اَتاهُ الْيَقينُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَالِهِ وَسَلَّمَ . ونشهدُ أنَّ خليفتَه علياً والأئمةَ من ولدِه حججُ الله ، أئمةُ هدىً ، وسادةُ تقىً ، ونورٌ يُسلك به إلى الرضوان ، ويُنال به جنانُ الرحمن . ونشهدُ أنّ المهديَّ والمهديينَ من ولدِه حججُ الله ، أئمةٌ أبرارٌ أخيار ، وقوّامٌ أطهار ، ورعاةٌ صالحون ، وقادةٌ منصَّبون ، وسادةٌ يُقتدى بهم ، ويُستضاءُ بنورِ علمهِم وسمتِهم وهداهُم ، صلى الله عليهم ما بقي الليلُ والنهار ، وما طلعت شمسٌ أو غربت إلى أبد الآبدين.
عبادَ الله .. اُوصيكُمْ وَنَفْسي بِتَقْوَى اللَّهِ ، الَّذي لا تَنْفَدُ مِنْهُ نِعْمَةٌ ، وَلا تفْقَدُ لَهُ رَحْمَةٌ ، الَّذي رَغَّبَ بِالتَّقْوى ، وَزَهَّدَ في الدُّنْيا، وَحَذَّرَ مِنَ الْمَعاصي ، وَتَعَزَّزَ بِالْبَقآءِ ، وَذَلَّلَ خَلْقَهُ بِالْمَوْتِ وَالْفَنآءِ ، فَالْمَوْتُ غايَةُ الْمَخْلُوقينَ ، وَسَبيلُ الْعالَمينَ ، وَمَعْقُودٌ لِنَواصِي الْباقينَ ، فَاذْكُرُوا اللَّهَ يَذْكُرْكُمْ، وَادْعُوهُ يَسْتَجِبْ لَكُمْ ، واستعطفوهُ يُعطف عليكم ، ويفيض عليكم من شآبيب رحمته ، وينجيكم ويحميكم ويدافع عنكم بجوده وفضله ، فإنه الجوادُ الرحيم ، الغيورُ الكريم ، تباركتَ وتعاليتَ من ربٍّ عظيم .
أيها المؤمنون .. مباركٌ لكم عيد الأضحى ، طوبى لمن استجلى فيه الدروسَ والعبر ، واستزاد فيه لمعادِه عظيمَ الزادِ بعد التأمّلِ والنظر ، فآهٍ آه من قلةِ الزادِ وبعدِ السفر ، آهٍ من وحشةِ الطريقِ وعظمِ الخطر ، فشمّروا - عباد الله - عن سواعدِ الهمّةِ بالجدِّ والعمل ، ولا يشغلنّكم عن آخرتِكم غرورٌ أو خطل ، أو لعبٌ أو هزل ، فاليوم المضمار وغداً السباق والسبقة الجنّة ، فاعترفوا لله سبحانه بالفضلِ والمنّة ، وسلوه التوفيقَ والتسديد ، والنصرَ والتأييد ، ينصركم ويثبت أقدامكم.
أحبتي الكرام .. لا يخفى عليكم ما في هذا الشهرِ الكريم ، ذي الحجة الحرام ، من مواقفَ عظيمة ، وذكرياتِ جليلة ، تستحقُّ منّا الارتحالَ إليها ، والوقوفَ عليها ، لعلّنا نحظى بالاعتبارِ بها ، والسيرِ على خطاها ، رحلةً أحوجُ ما نكونُ إليها ، لتطيبَ القلوبُ والنفوس ، بعد استقائها من معينِ الدروس ..
في ذي الحجة الحرام .. وفي يوم التروية من عام 60 للهجرة ، شاء الله سبحانه أن يسقي أول الهاشميين تضحيةً شجرةَ حاكميةِ الله بدمه المهراق ، إنه سفيرُ الحسين ورسولُه إلى أهل العراق ، ثقتُه وابنُ عمِّه مسلمُ ابن عقيل ، وما جرى عليه من خطبٍ ورزءٍ جليل ، فكم أنت عظيمٌ أيها العبد الصالح وأنت تسطّر للأجيال ملحمةَ العطاءِ والتضحيةِ لدين الله بمهجتك ، ولم يثنك عن ذلك غربتك ووحدتك ، حملت الحقَّ وحدك ، ونهضتَ بأعباء رسالةِ مرسلِك فأدّيتها بأروع ما يكون ، ودافعت عن إمامك وسيدك ، حتى أُثخنت بالجراح ، وسقطت ثناياك ولم يبرد عطشُ قلبِك بالماء القراح ، فتجرّعت كأسَ المنون ، ولم يرف لك جفنٌ أو تطرف لك عين ، نعم .. دمعت عيناك لذكر حسين وآل حسين ، لأنك تعلم أنهم على إثرك قادمون ، وأنت الخبير بما سيلاقون .
سيدي يا ابن عقيل .. كم نحن بحاجة إلى الاقتداء بك في خط الرسالات الإلهية ، وإلى بذل مثل هذا العطاء والتضحيات لإقامة دولة الحق الربانية ، فسلامٌ عليك من قلوب لكم تائقة ، وعلى مصائبكم تئن شاهقة ، وعند الله تحتسب دماءكم الطاهرة ، فهو حسبنا ونعم الوكيل .
في ذي الحجة الحرام .. يحقُّ للمؤمن أن يقف على عطائك مذهولاً يا حسين ، ويتبع ذهولَه بكاءً وأنيناً ، على ما ألمَّ بكَ ودهاك ، وما أصابكَ واعتراك ، حيث قُتلتَ عُطشاناً ، وذهبتَ إلى ربِّك ظمآناً ، تعلوكَ السيوفُ ببواترِها ، وتطأُكَ الخيولُ بحوافرِها ، كلُّ ذلك من أجلِ رضا ربِك وهدايةِ خلقِه ، وتثبيتِ أركانِ دينهِ وحاكميتِه ودولتِه .. كان بوسعك يا سيدَ الشهداء أن تلوذَ ببيتِه الحرام في شهرِه الحرام ، متعلّقاً بأستار قبلتِه ، طائفاً حول بيتِه وكعبتِه ، ساعياً بين صفاه ومروتِه ، متوسلاً به في عرفة ، راجياً إيّاه في منى ، طالباً منه الأمنيات ، رامياً عقب ذلك الجمرات ، فيكتمل حجُّك وفق تصوّر الحجيج ، وما يفتي به كبارُهم من ضجيج ، ولكنّك تركتَ كلَّ ذلك يوم التروية يا سليلَ الهدى ، وآثرت إلّا أن تفارقَ زمزم والصفا ، وعرفةَ ومنى ، منصرفاً عن تمنّي الأمنيات ورمي الجمرات ، والطواف حول بيت الرب وقبلة المعبود ، ميمّماً إلى العراق وجهك ، سائراً بضعنك وأهل بيتك ، زينب والبنين ، يصحبك بدورُ الهاشميين ، وقلةٌ ممّن وفّوا بعهد الله طائعين ملبّين.
أنت بهذا - يا ذبيح الله - وضعتَ الحجيجَ وكلَّ مَن يقدّس أحجار بيت الرب في موضعٍ لا يُحسدون عليه ، تركتهم يطوفون حول أحجار ليس إلّا ، يسعون بين وهمهم وخيالهم ، يقفون في عرفة بجهلهم وجحودهم ، لا يتمنّون غير الطمع والدنيا ، يحسبون أنهم يرمون الشيطان ونفوسهم أولى بأن تُرمى ، فإنّما وضع الله الحج – كما يقول صادق آل محمد – ليَعْرِض المؤمنون على خليفة الله ولايَتَهم ونصرَتَهم ، ليتطهّروا من ذنوبهم ويكونوا حقاً على الله ضيوف ، فعلى مَن يَعْرِض المتخلّفون عنك ولايتَهم بعد انصرافك وارتحالك من بينهم ، وإعراضك عنهم .. هل يكفيهم أن يحسبوا أنفسهم على الرحمن ضيوفاً ، وهل يعقل أن يقابل الرحمن ضيفه بصواعق ورعود ، وقذف بالأحجار والصخور والتراب ، فينتشر الموت والذعر وينزف الدم داخل البيت الحرام !
إذن – وكما يقول ولدك اليماني المظلوم - : "يا حسين ، تركتها يوم التروية ، ولا زالت تصب لعنة غضبها عليهم، فإليك حججت يا قبلة الله".
بهذا نعرف حقيقة ربما جهلها الكثير وهي أنّ القبلةَ الحقيقية والحج الحقيقي هو خليفة الله ، وغايته هي اتباعه والتسليم له وطاعته ونصرته والذود عنه ، عدا ذلك لا يعدو أن يكون الحج صفيراً وتصفيقاً "وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاء وَتَصْدِيَةً فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ".
في ذي الحجة الحرام .. نحن والعالم أجمع على موعد مع عيد الله الأكبر ، عيد الغدير الأغر ، يوم اكتمال الدين وتمامه ، بتنصيب أمير المؤمنين خليفة ووصياً لسيد الخلق محمد (ص) ، يتلوه من بعده أبناؤه الميامين ، الذين تجرّعوا كؤوس المرار والألم ؛ من سجون وتشريد ، وقتل وتعذيب ، في سبيل إنقاذ الخلق من الردى ، والأخذ بأيديهم إلى جادة الحق والهدى .
في ذي الحجة الحرام أيضاً .. نحن على موعد مع عطاء إلهي محمدي آخر ، من أجل هداية الخلق وإنقاذهم مرة أخرى ، يتجسّد بإرسال الإمام المهدي (ص) لنفس بريئة ، طاهرة زكية ، من أهل بيته الكرام ، إلى قريشَ آخر الزمان ، فيستقبلوه كاستقبال أسلافهم للأنبياء والرسل ، وليتهم اكتفوا برميه بما رمى به آباؤهم جده محمد في مكة عند بعثته ، إنما زادوا على آبائهم إجراماً ، ولم تكتفِ نفوسهم التوّاقة لدماء الأولياء ما فعله أسلافهم بآل محمد قتلاً ، فيعمدوا إليه فيقتلوه ، فتحزن لمقتله الأرض والسماء ، ويثأر لدمه الملأ الأعلى ، ويوتر آل محمد بعزيز من جديد ، فينقطع العذر ويقترب النصر. ... }
نتوقف عند هذا القدر ونكمل في الخطبة الثانية ان شاء الله
هذا والحمدلله رب العالمين
بسم الله الرحمن الرحيم
"قل هو الله أحد * الله الصمد * لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفواً أحد"
***
الخطبة الثانية:
ان شاء الله سأكمل الخطبة التي ابتدأتها في الخطبة الأولى
{ ... أيها المؤمنون .. يا أنصار الإمام المهدي (ص) :
إنّ المحطات التي وقفنا عليها معاً باختصار خلال رحلتنا هذه في رحاب شهر ذي الحجة الحرام ، لهي محطات إلهية وعَدَ الله سبحانه أنها الأعمال الكبرى التي تبرز للإنسان يوم يقف بين يديه في ساحته ، وبها يمتاز الخلق جميعاً ..
يقول السيد أحمد الحسن (ع) لمن سأله عن معيار التمايز بين الناس في الآخرة :
(( التمايز في الآخرة على أساس الإيمان والعمل الذي قدمه الانسان لآخرته .. "وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى* وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى* ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاء الْأَوْفَى"، "وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورا"، "فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَاباً مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ". فالله لا يضيع عمل عامل للآخرة وسيجزيه بأحسن الجزاء، فقط الآية الأخيرة لو تلاحظ ما هي الأعمال الكبرى التي تبرز للإنسان في الساحة الالهية "فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ " .. يُهجّرون بسبب إيمانهم ، يُؤذون بسبب إيمانهم ، يُسجنون بسبب إيمانهم ، يُعذبون بسبب إيمانهم بخليفة الله ، هذه الابتلاءات التي ربما يتذمّر البعض منها هي أفضل الأعمال إذا كانت خالصة وحدثت للمؤمن بسبب نصرته لخليفة الله )) انتهى.
وقد اتضح لنا من خلال عرض المحطات أعلاه أنّ خلفاء الله ومن التحق بركبهم (رحمهم الله) هم أول من خاض غمار هذه الأعمال الكبرى وارتحلوا إلى ربهم الكريم متوّجين بها .
ختاماً نقول : إن عرفنا هذا وعقلناه ، وعاهدنا الله على العمل به حتى اخر نفس ، حق لنا ان نحتسب هذا اليوم عيداً رغم الحزن والألم الذي يعتصر القلوب النقية لذكره ، ولكن ما خلقنا للدنيا والراحة فيها ، وللآخرة خير وأبقى .
السلام على الحسين الذي ذبح عطشاناً ..
السلام على السائرين على نهجه ودربه من الأولين والآخرين ..
السلام على المقتولين والمعذبين والمظلومين والمسجونين من أجل نصرة خليفة الله في زمانهم.
والحمد لله رب العالمين. ... } خطبة عيد الأضحى الموحدة من مكتب السيد أحمد الحسن (ع) التي تم إلقائها بتاريخ العاشر من ذي الحجة الحرام 1436
هذا والحمد لله رب العالمين
((بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْر(3)))
وصلى الله على محمد وعلى آل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليماً.
باذن الله سأقرأ لكم خطبة عيد الأضحى الموحدة من مكتب السيد أحمد الحسن (ع)... تقول الخطبة...
{ بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
اَلْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ، وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ ، ثُمَّ الَّذينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ، لا نُشْرِكُ بِاللَّهِ ، وَلا نَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ اِلهاً وَلا وَلِيّاً . اَلْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي لا مَقْنُوطٌ مِنْ رَحْمَتِهِ، ولا مَخْلُوٌّ مِنْ نِعْمَتِهِ ، وَلا مُسْتَنْكِفٌ عَنْ عِبادَتِهِ ، بِكَلِماتِهِ قامَتِ السَّماواتُ ، وَاسْتَقَرَّتِ الْأَرَضُونَ ، وَثَبَتَتِ الْجِبالُ الرَّواسي ، وَجَرَتِ الرِّياحُ اللَّواقِحُ ، وَسارَ في جَوِّ السَّمآءِ السَّحابُ ، وَقامَتْ عَلى حُدُودِهَا الْبِحارُ ، قاهِرٌ يَخْضَعُ لَهُ الْمُعِزُّونَ ، وَيَذِلُّ طَوْعاً وَكُرْهاً لَهُ الْعالَمُونَ . نَحْمَدُهُ كَما حَمِدَ نَفْسَهُ وَكَما هُوَ اَهْلُهُ ، وَنَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ ، وَنَشْهَدُ اَنْ لا اِلهَ اِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ ، وَنَشْهَدُ اَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَنَبِيُّهُ ، وَرَسُولُهُ اِلى خَلْقِهِ ، وَاَمينُهُ عَلى وَحْيِهِ، قَدْ بَلَّغَ رِسالاتِ رَبِّهِ ، وَجاهَدَ في اللَّهِ ، الْمُوَلِّينَ عَنْهُ الْعادِلينَ بِهِ ، وَعَبَدَ اللَّهَ حَتّى اَتاهُ الْيَقينُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَالِهِ وَسَلَّمَ . ونشهدُ أنَّ خليفتَه علياً والأئمةَ من ولدِه حججُ الله ، أئمةُ هدىً ، وسادةُ تقىً ، ونورٌ يُسلك به إلى الرضوان ، ويُنال به جنانُ الرحمن . ونشهدُ أنّ المهديَّ والمهديينَ من ولدِه حججُ الله ، أئمةٌ أبرارٌ أخيار ، وقوّامٌ أطهار ، ورعاةٌ صالحون ، وقادةٌ منصَّبون ، وسادةٌ يُقتدى بهم ، ويُستضاءُ بنورِ علمهِم وسمتِهم وهداهُم ، صلى الله عليهم ما بقي الليلُ والنهار ، وما طلعت شمسٌ أو غربت إلى أبد الآبدين.
عبادَ الله .. اُوصيكُمْ وَنَفْسي بِتَقْوَى اللَّهِ ، الَّذي لا تَنْفَدُ مِنْهُ نِعْمَةٌ ، وَلا تفْقَدُ لَهُ رَحْمَةٌ ، الَّذي رَغَّبَ بِالتَّقْوى ، وَزَهَّدَ في الدُّنْيا، وَحَذَّرَ مِنَ الْمَعاصي ، وَتَعَزَّزَ بِالْبَقآءِ ، وَذَلَّلَ خَلْقَهُ بِالْمَوْتِ وَالْفَنآءِ ، فَالْمَوْتُ غايَةُ الْمَخْلُوقينَ ، وَسَبيلُ الْعالَمينَ ، وَمَعْقُودٌ لِنَواصِي الْباقينَ ، فَاذْكُرُوا اللَّهَ يَذْكُرْكُمْ، وَادْعُوهُ يَسْتَجِبْ لَكُمْ ، واستعطفوهُ يُعطف عليكم ، ويفيض عليكم من شآبيب رحمته ، وينجيكم ويحميكم ويدافع عنكم بجوده وفضله ، فإنه الجوادُ الرحيم ، الغيورُ الكريم ، تباركتَ وتعاليتَ من ربٍّ عظيم .
أيها المؤمنون .. مباركٌ لكم عيد الأضحى ، طوبى لمن استجلى فيه الدروسَ والعبر ، واستزاد فيه لمعادِه عظيمَ الزادِ بعد التأمّلِ والنظر ، فآهٍ آه من قلةِ الزادِ وبعدِ السفر ، آهٍ من وحشةِ الطريقِ وعظمِ الخطر ، فشمّروا - عباد الله - عن سواعدِ الهمّةِ بالجدِّ والعمل ، ولا يشغلنّكم عن آخرتِكم غرورٌ أو خطل ، أو لعبٌ أو هزل ، فاليوم المضمار وغداً السباق والسبقة الجنّة ، فاعترفوا لله سبحانه بالفضلِ والمنّة ، وسلوه التوفيقَ والتسديد ، والنصرَ والتأييد ، ينصركم ويثبت أقدامكم.
أحبتي الكرام .. لا يخفى عليكم ما في هذا الشهرِ الكريم ، ذي الحجة الحرام ، من مواقفَ عظيمة ، وذكرياتِ جليلة ، تستحقُّ منّا الارتحالَ إليها ، والوقوفَ عليها ، لعلّنا نحظى بالاعتبارِ بها ، والسيرِ على خطاها ، رحلةً أحوجُ ما نكونُ إليها ، لتطيبَ القلوبُ والنفوس ، بعد استقائها من معينِ الدروس ..
في ذي الحجة الحرام .. وفي يوم التروية من عام 60 للهجرة ، شاء الله سبحانه أن يسقي أول الهاشميين تضحيةً شجرةَ حاكميةِ الله بدمه المهراق ، إنه سفيرُ الحسين ورسولُه إلى أهل العراق ، ثقتُه وابنُ عمِّه مسلمُ ابن عقيل ، وما جرى عليه من خطبٍ ورزءٍ جليل ، فكم أنت عظيمٌ أيها العبد الصالح وأنت تسطّر للأجيال ملحمةَ العطاءِ والتضحيةِ لدين الله بمهجتك ، ولم يثنك عن ذلك غربتك ووحدتك ، حملت الحقَّ وحدك ، ونهضتَ بأعباء رسالةِ مرسلِك فأدّيتها بأروع ما يكون ، ودافعت عن إمامك وسيدك ، حتى أُثخنت بالجراح ، وسقطت ثناياك ولم يبرد عطشُ قلبِك بالماء القراح ، فتجرّعت كأسَ المنون ، ولم يرف لك جفنٌ أو تطرف لك عين ، نعم .. دمعت عيناك لذكر حسين وآل حسين ، لأنك تعلم أنهم على إثرك قادمون ، وأنت الخبير بما سيلاقون .
سيدي يا ابن عقيل .. كم نحن بحاجة إلى الاقتداء بك في خط الرسالات الإلهية ، وإلى بذل مثل هذا العطاء والتضحيات لإقامة دولة الحق الربانية ، فسلامٌ عليك من قلوب لكم تائقة ، وعلى مصائبكم تئن شاهقة ، وعند الله تحتسب دماءكم الطاهرة ، فهو حسبنا ونعم الوكيل .
في ذي الحجة الحرام .. يحقُّ للمؤمن أن يقف على عطائك مذهولاً يا حسين ، ويتبع ذهولَه بكاءً وأنيناً ، على ما ألمَّ بكَ ودهاك ، وما أصابكَ واعتراك ، حيث قُتلتَ عُطشاناً ، وذهبتَ إلى ربِّك ظمآناً ، تعلوكَ السيوفُ ببواترِها ، وتطأُكَ الخيولُ بحوافرِها ، كلُّ ذلك من أجلِ رضا ربِك وهدايةِ خلقِه ، وتثبيتِ أركانِ دينهِ وحاكميتِه ودولتِه .. كان بوسعك يا سيدَ الشهداء أن تلوذَ ببيتِه الحرام في شهرِه الحرام ، متعلّقاً بأستار قبلتِه ، طائفاً حول بيتِه وكعبتِه ، ساعياً بين صفاه ومروتِه ، متوسلاً به في عرفة ، راجياً إيّاه في منى ، طالباً منه الأمنيات ، رامياً عقب ذلك الجمرات ، فيكتمل حجُّك وفق تصوّر الحجيج ، وما يفتي به كبارُهم من ضجيج ، ولكنّك تركتَ كلَّ ذلك يوم التروية يا سليلَ الهدى ، وآثرت إلّا أن تفارقَ زمزم والصفا ، وعرفةَ ومنى ، منصرفاً عن تمنّي الأمنيات ورمي الجمرات ، والطواف حول بيت الرب وقبلة المعبود ، ميمّماً إلى العراق وجهك ، سائراً بضعنك وأهل بيتك ، زينب والبنين ، يصحبك بدورُ الهاشميين ، وقلةٌ ممّن وفّوا بعهد الله طائعين ملبّين.
أنت بهذا - يا ذبيح الله - وضعتَ الحجيجَ وكلَّ مَن يقدّس أحجار بيت الرب في موضعٍ لا يُحسدون عليه ، تركتهم يطوفون حول أحجار ليس إلّا ، يسعون بين وهمهم وخيالهم ، يقفون في عرفة بجهلهم وجحودهم ، لا يتمنّون غير الطمع والدنيا ، يحسبون أنهم يرمون الشيطان ونفوسهم أولى بأن تُرمى ، فإنّما وضع الله الحج – كما يقول صادق آل محمد – ليَعْرِض المؤمنون على خليفة الله ولايَتَهم ونصرَتَهم ، ليتطهّروا من ذنوبهم ويكونوا حقاً على الله ضيوف ، فعلى مَن يَعْرِض المتخلّفون عنك ولايتَهم بعد انصرافك وارتحالك من بينهم ، وإعراضك عنهم .. هل يكفيهم أن يحسبوا أنفسهم على الرحمن ضيوفاً ، وهل يعقل أن يقابل الرحمن ضيفه بصواعق ورعود ، وقذف بالأحجار والصخور والتراب ، فينتشر الموت والذعر وينزف الدم داخل البيت الحرام !
إذن – وكما يقول ولدك اليماني المظلوم - : "يا حسين ، تركتها يوم التروية ، ولا زالت تصب لعنة غضبها عليهم، فإليك حججت يا قبلة الله".
بهذا نعرف حقيقة ربما جهلها الكثير وهي أنّ القبلةَ الحقيقية والحج الحقيقي هو خليفة الله ، وغايته هي اتباعه والتسليم له وطاعته ونصرته والذود عنه ، عدا ذلك لا يعدو أن يكون الحج صفيراً وتصفيقاً "وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاء وَتَصْدِيَةً فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ".
في ذي الحجة الحرام .. نحن والعالم أجمع على موعد مع عيد الله الأكبر ، عيد الغدير الأغر ، يوم اكتمال الدين وتمامه ، بتنصيب أمير المؤمنين خليفة ووصياً لسيد الخلق محمد (ص) ، يتلوه من بعده أبناؤه الميامين ، الذين تجرّعوا كؤوس المرار والألم ؛ من سجون وتشريد ، وقتل وتعذيب ، في سبيل إنقاذ الخلق من الردى ، والأخذ بأيديهم إلى جادة الحق والهدى .
في ذي الحجة الحرام أيضاً .. نحن على موعد مع عطاء إلهي محمدي آخر ، من أجل هداية الخلق وإنقاذهم مرة أخرى ، يتجسّد بإرسال الإمام المهدي (ص) لنفس بريئة ، طاهرة زكية ، من أهل بيته الكرام ، إلى قريشَ آخر الزمان ، فيستقبلوه كاستقبال أسلافهم للأنبياء والرسل ، وليتهم اكتفوا برميه بما رمى به آباؤهم جده محمد في مكة عند بعثته ، إنما زادوا على آبائهم إجراماً ، ولم تكتفِ نفوسهم التوّاقة لدماء الأولياء ما فعله أسلافهم بآل محمد قتلاً ، فيعمدوا إليه فيقتلوه ، فتحزن لمقتله الأرض والسماء ، ويثأر لدمه الملأ الأعلى ، ويوتر آل محمد بعزيز من جديد ، فينقطع العذر ويقترب النصر. ... }
نتوقف عند هذا القدر ونكمل في الخطبة الثانية ان شاء الله
هذا والحمدلله رب العالمين
بسم الله الرحمن الرحيم
"قل هو الله أحد * الله الصمد * لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفواً أحد"
***
الخطبة الثانية:
ان شاء الله سأكمل الخطبة التي ابتدأتها في الخطبة الأولى
{ ... أيها المؤمنون .. يا أنصار الإمام المهدي (ص) :
إنّ المحطات التي وقفنا عليها معاً باختصار خلال رحلتنا هذه في رحاب شهر ذي الحجة الحرام ، لهي محطات إلهية وعَدَ الله سبحانه أنها الأعمال الكبرى التي تبرز للإنسان يوم يقف بين يديه في ساحته ، وبها يمتاز الخلق جميعاً ..
يقول السيد أحمد الحسن (ع) لمن سأله عن معيار التمايز بين الناس في الآخرة :
(( التمايز في الآخرة على أساس الإيمان والعمل الذي قدمه الانسان لآخرته .. "وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى* وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى* ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاء الْأَوْفَى"، "وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورا"، "فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَاباً مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ". فالله لا يضيع عمل عامل للآخرة وسيجزيه بأحسن الجزاء، فقط الآية الأخيرة لو تلاحظ ما هي الأعمال الكبرى التي تبرز للإنسان في الساحة الالهية "فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ " .. يُهجّرون بسبب إيمانهم ، يُؤذون بسبب إيمانهم ، يُسجنون بسبب إيمانهم ، يُعذبون بسبب إيمانهم بخليفة الله ، هذه الابتلاءات التي ربما يتذمّر البعض منها هي أفضل الأعمال إذا كانت خالصة وحدثت للمؤمن بسبب نصرته لخليفة الله )) انتهى.
وقد اتضح لنا من خلال عرض المحطات أعلاه أنّ خلفاء الله ومن التحق بركبهم (رحمهم الله) هم أول من خاض غمار هذه الأعمال الكبرى وارتحلوا إلى ربهم الكريم متوّجين بها .
ختاماً نقول : إن عرفنا هذا وعقلناه ، وعاهدنا الله على العمل به حتى اخر نفس ، حق لنا ان نحتسب هذا اليوم عيداً رغم الحزن والألم الذي يعتصر القلوب النقية لذكره ، ولكن ما خلقنا للدنيا والراحة فيها ، وللآخرة خير وأبقى .
السلام على الحسين الذي ذبح عطشاناً ..
السلام على السائرين على نهجه ودربه من الأولين والآخرين ..
السلام على المقتولين والمعذبين والمظلومين والمسجونين من أجل نصرة خليفة الله في زمانهم.
والحمد لله رب العالمين. ... } خطبة عيد الأضحى الموحدة من مكتب السيد أحمد الحسن (ع) التي تم إلقائها بتاريخ العاشر من ذي الحجة الحرام 1436
هذا والحمد لله رب العالمين
((بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْر(3)))
وصلى الله على محمد وعلى آل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليماً.