لاهوت المسيح بين الحقيقة والوهم – الدكتور عادل السعيدي
من منا لم تخطر في باله أسئلة عن الله، وهو متعطش للإجابة عليها؟ ربما سألها أبواه أو معلّمه الذي يُدرسه مادة الدين، أو بالعكس سأله أطفاله، أو ربما اختلى إلى نفسه في ساعة من ساعات النقاء سائلاً بصوت خفي: أين أنت يا الله؟ كيف تكون؟ وما هو شكلك وصفتك ووو… ولم يحصل على إجابة شافية تطفئ ظمأ ذلك العطش الذي أٌحاول أن أطفئه من خلال هذا البحث.
منذ بدايات المعرفة الإنسانية حاول الإنسان الربط بين الأمور المحسوسة والأمور غير المحسوسة وبعبارة أخرى: حاول أن يفهم الماورائية – اللاهوت – من خلال الناسوت. فقد جرى تصوير الإله بأجسام مادية وربطه بالشمس أو القمر أو الريح أو المطر، ورغم بيان الأنبياء والمرسلين الواضح لبطلان مثل هكذا عقيدة وكون هذه الرموز، والعبارات التي تشير إليها، يجب ألا تؤخذ بحرفيتها، وبمعناها المباشر، وأنها تعبيرات رمزية تشير إلى ما وراءها- الماورائية – فالمتكلم يلجأ إلى الأمور المحسوسة لينقل لنا صوراً قريبة لأفهامنا ومعرفتنا الدنيوية، وهي دلالة رمزية مجازية من شأنها تقريب المعنى للأفهام التي لا تدرك إلا عن طريق المحسوس. مثال على ذلك نجده في التوراة عندما يُعبر عن اللاهوت بصورة شيخ طاعن في السن، الذي عبر عنه النبي دانيال في رؤياه بقديم الأيام، وأيضاً نجده في سفر الرؤيا عند يوحنا اللاهوتي عندما ذكر الشيخ الجالس على العرش وحوله أربعة وعشرون شيخاً.
فقد فهم النصارى والوهابيون بأن اللاهوت المطلق له جسد إنسان، بغض النظر عن الاختلاف في المفهومين – لأن الوهابيين يجسدون الله في السماء وبعكسهم المسيحيين يجسدونه في الأرض – ولذا يُعَبرون عن الرجل الطاعن في السن على أنه هو سبحانه، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
إن قوم موسى (عليه السلام) أرادوا أن يروا الله مادياً جالساً أمامهم، ولذلك طلبوا رؤية الله جهرة، وقبولهم عبادة العجل دليل على أن الناس تريد إلهاً محسوساً يُعبد، وإن كان للعجل معنى ورموز أُخرى دالة على انحراف الناس عن الوجهة الصحيحة الواجب التوجه لها ومعرفتها، التي دعا لها الأنبياء والمرسلون.
فإذا كان الواقع، على هذا الحال، دالاً على وجود طريقين عرفهما المعتقدون فهل يا ترى هناك طريق ثالث لم يُبيَّن لهم ولم يكن ضمن معرفتهم؟ هل هناك حالة وسط بين الله والناس، هل هناك إنسان على صورة الله، هل ممكن أن يوصف إنسان بأنه إله؟
إذن، البحث يسعى إلى دلالة أُخرى، وتعبيد طريق آخر لم يسلكه العابرون، ربما يكون الوسط بين الاعتقادين؛ بين النفي كلياً بعدم إطلاق لفظ الإله على إنسان، وبين اطلاق إله على إنسان. أسأل الله أن يعينني وأن يوفقني لبيان هذا الطريق بعد توضيح وبيان الطرق الأخرى، وجعل القراء يلتفتون إلى أن هناك طريقا ثالثة لم تكن بحساباتهم، ومنه الاستعانة واليه القصد.