دفاع عن الرسول - بحوث في الشبهات على رسول الله (ص) والاجابة عنها
للتحميل pdf
وصف الكتاب
محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله) عبد الله ورسوله إلى الخلق أجمعين وخليفته الكامل الذي انعكست في صفحة وجوده المقدسة الصفات الإلهية بأروع ما يكون. محاكاة صفات الرسول للكمال المطلق الذي يتصف به مرسله أهّله لأن يحتل وجوده المقدس رتبة الصدارة في الخلق، ولأن الله سبحانه فرد ووتر لا ند له ولا نظير كان محمد وتراً لا نظير له في الخلق أبداً. لذا، من الصعب جداً أن تحيط دراسة واحدة بكل جوانب هذه الشخصية العظيمة.
و”دفاع عن الرسول” الذي وسمت به هذه الدراسة، ما هو إلا بحث ودراسة تتناول شخصية الرسول من جهة إجابة الإشكالات والشبهات التي أثيرت حولها ليس إلا، ولم تكن بصدد بيان مقام الرسول وصفاته بحسب النصوص الدينية القطعية ولا حتى بصدد بيان عطائه الإنساني والحضاري الفذ.
لا يشك أحد من المنصفين بعظمة شخصية الرسول ببعديها الرسالي والإنساني، وكشأن أي حقيقة ناصعة تعرّضت للطعن والتشكيك في عالمنا الدنيوي الذي نعيش فيه، تعرّض الرسول الأكرم – على المستويين: الشخصي والدعوي – إلى حملات التشكيك والطعن التي قادها المنافقون والمرجفون والملحدون والمشككون بما فيهم أتباع بعض الديانات السابقة أيضاً؛ الأمر الذي لم يسلم منه نبياً من الأنبياء أو رسولاً من الرسل أو عظيماً من العظماء، بل لم يسلم منه حتى الرب سبحانه وتعالى. فمن يتصفح الكتب والمقالات يجد الكثير من الشبهات والإشكالات التي تثار على صفات الله وأفعاله بل والتشكيك بوجوده، فما بالك بمحمد (صلى الله عليه وآله) وهو عبد من عبيده سبحانه، هكذا هو حال الدار التي نعيش فيها فهي دنيا الامتحان.
لكن، الإنصاف العلمي يفرض علينا مراعاة عدة أمور:
أولاً: إنّ النهج العلمي والمعرفي السليم يتطلب مقابلة الدليل بالدليل، وليس من العلم في شيء مقابلة العلم بالشك والدليل بالشبهة، فالشبهة مهما عظمت في نفس صاحبها تبقى مجرد شبهة وشك لا يرتقي إلى مقابلة الدليل العلمي. وفي حالتنا: الرسول محمد (صلى الله عليه وآله) ثبت حقه وصدقه بالدليل الذي عرف به جميع خلفاء الله أعني: (النص وشهادة الله + العلم والحكمة + الدعوة إلى الله)، فمثلاً: جانب العلم والحكمة بدا واضحاً على شخصية الرسول من خلال تعاليمه التي بثها في الناس وإجاباته على أسئلتهم، ولا عاقل لديه أدنى مستويات الإدراك يعتبر تلك المضامين خالية من العلم والحكمة، ومن ثمَّ لا يمكن أن ينتقض ذلك بطرو شبهة من هنا أو هناك تطعن بحكمته أو علمه، وإنما يجب عقلاً على المنكر لصدق رسالة الرسول وبعثه من الله أن يقدم الدليل القطعي على أنّ دعوة الرسول – بما تضمنته من تعاليم ووصايا وقيم – خالية تماماً من العلم والحكمة! وهيهات له ذلك.
ثانياً: لا شك أنّ الرسول محمد (صلى الله عليه وآله) شخصية إنسانية مهمة؛ ليس فقط من جهة كونه رسولاً إلهياً متصلاً بالغيب ومبعوثاً من الله سبحانه، ولكن أيضاً من جهة كونه صاحب دعوة إصلاحية كبرى وقائد نهضة فكرية واجتماعية وأخلاقية أحدثت تغييراً كبيراً في المجال الديني والمعرفي والاجتماعي والأخلاقي والسياسي وباقي جوانب الحياة الإنسانية – ضمن المتاح له في زمانه – خلال فترة وجيزة جداً في المحيط الذي بعث فيه، وهذا الأمر لم يستطع إنكاره حتى ألد أعداء الرسول وأكثرهم طعناً وتشكيكاً به وبرسالته.
إنّ شخصية كبيرة بهذا المستوى بالتأكيد توجد قناة رسمية تعرّف بها وبمشروعها الإلهي وتنطق باسمها وتفسر مقاصدها وتعاليمها – خصوصاً الكلية منها والإجمالية – وتبيّن موقفها تجاه مختلف الأحداث والوقائع، وأيضاً: عليها يكون المعوّل في بيان بعض المواقف والقضايا وصحة صدورها من عدمه بما يكشف اللبس عن الناس الذين يعنيهم الأمر، تماماً كشأن أي شخصية أو جهة مهمة، وليس الأمر متاحاً لكل أحد.
وبخصوص الرسول محمد (صلى الله عليه وآله)، فإنّ التعريف به وبمشروعه الرسالي منحصر بقنوات خاصة تتمثل بالله سبحانه وبه هو شخصياً وبأوصيائه المعصومين “الأئمة الاثني عشر والمهديين الاثني عشر” فقط، وكل ما سوى ذلك لا يمثّل الرسول ولا يعنيه في شيء إطلاقاً، بل عهدته على صاحبه.
وهذا يؤكد:
1- إنّ الطعن بالرسول لمجرد الرجوع إلى المأثور وبعض المرويات في كتب المسلمين مما لا ينسجم مع العصمة أو المروءة والعفة والحياء أو الرحمة والعدل وغير ذلك من الأخلاق الحميدة لا يصح معاملته معاملة قطعي الصدور والوقوع منه؛ إذ لا يمكن قبول صدور ما ينافي مكارم الأخلاق من شخص وصفه الله سبحانه بالعظمة من هذه الجهة، قال تعالى: “وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ” [القلم: 4]. وبالتالي، فإنّ هذا النص القطعي – صدوراً ودلالة – أكثر من كافٍ للحكم على كل منقول روائي وتاريخي يتضمن صدور ما لا ينسجم مع مكارم الأخلاق من قبل الرسول؛ سواء كان صادراً من عدو للرسول أو صحابي له أو حتى زوجة من زوجاته، ليس فقط من جهة تقديم النص القرآني على الروائي واشتراط قبول الأخير بعدم مخالفة القرآن، وإنما أيضاً من جهة أنّ النصوص الروائية والتاريخية تعرّض بعضها للتحريف والتزوير والاختلاق؛ لدوافع وأسباب كثيرة منها: دينية وسياسية، خصوصاً من قبل الموتورين الذين سلب الإسلام وجاهتهم الاجتماعية وفضح فسادهم وخبثهم فعزموا على الانتصار لأنفسهم من خلال دس ما يناسب خبثهم وحقدهم على الرسول وعترته الطاهرة بين المرويات مما تسبب لاحقاً – وإلى يومنا هذا – بالطعن والتشكيك برسول الله وهو منه بريء.
2- ما تقدم أعلاه يجري في كل الحالات التي يثبت فيها مخالفة المنقول لنص قطعي محكم، أما الحالات التي لا تكون فيها المخالفة بهذا المستوى، فمن غير الصحيح الحكم عليها مباشرة قبل الرجوع إلى القناة الرسمية الممثلة للرسول، أعني سؤال وصي من أوصيائه الطاهرين ومعرفة وجه صدورها من الرسول قبل الحكم عليها لمجرد وجهة نظر بدوية وشخصية.
3- بعض الشبهات التي أثيرت على الرسول أو أوصيائه سببها أقوال من نصّب نفسه ناطقاً باسم الدين ومنح نفسه – تبرّعاً وفضولاً – حق تمثيل الرسول أو أوصيائه، فأعطى لنفسه الحق في بيان العقيدة والشريعة وتفسير مقاصد القرآن الكريم والروايات ومفاهيم الإسلام عموماً التي بثها خلفاء الله في نصوصهم ورواياتهم، وهي متشابهة في كثير من الأحيان وبحاجة إلى وصي معصوم ليحكم القول فيها. من ثمَّ آل الحال إلى أنّ ما تم بيانه من قبل العلماء يخالف بعضه بعضاً في أحيان بل ومناقض لحقائق علمية قطعية وثابتة في أحيان أخرى، ليتضح فيما بعد أنّ ما ذكره العلماء مجرد آراء شخصية خاصة بهم ولا تعني الرسول ولا أوصياءه في شيء، آراء لا تمثل وجهة نظر خلفاء الله (الرسول وأوصياؤه) الحقيقية التي يريدها الله سبحانه، ولذلك كانت سبباً في تقسيم المسلمين على طوائف وفرق فقهية وعقائدية مختلفة ومتناحرة فيما بينها. والحقيقة إنّ تحميل خلفاء الله جريرة وتبعات ما نطق به غيرهم واعتبار ذلك سبباً منطقياً للتشكيك بهم وبرسالتهم ليس من الإنصاف في شيء بل ويكشف عن أنّ المشكك مجرد عابث لا يهمه معرفة الحقيقة.
4- طبعاً، ما تقدم لا يعني أنّ غير الأوصياء المعصومين لا يحق لهم نقل سيرة الرسول والأوصياء من بعده أو بيان تعاليمهم ووصاياهم وتصرفاتهم بنحو مطلق، ولكن يعني أنّ الحكم على المنقول ومعرفة الصحيح منه ثم الاعتقاد به – خصوصاً في موارد الشبه وعدم الوضوح – لا يصح إلا بعد سؤال الوصي “خليفة الرسول الشرعي” والتأكد من صحة صدوره وبيان وجه ذلك إن كان قد صدر فعلاً.
هذا، لكن المراجع لكلام المشككين يجد أنّ مساحة كبيرة من شبهاتهم وإشكالاتهم على الرسول والإسلام عموماً سببها:
إما بعض الروايات والأحداث التي كان الرسول طرفاً فيها بحسب رواية أحد المحسوبين على الصحابة أو ربما زوجة من زوجاته، مع أنه غير صحيح ولم يصدر منه أصلاً.
أو الجهل بالحِكَم والعلل التي كان الرسول (صلى الله عليه وآله) يستهدفها عند صدور الفعل منه.
وأيضاً: الجهل بمعنى النص الذي يتضمن بحسب فهمهم إدانة للرسول مع أنه بعيد كل البعد عن فهمهم، ومثل هذا الأمر نراه بوضوح كبير في الآيات القرآنية التي تعرّضت لذكر الرسول، فهي – بنظرهم – تتنافى مع عصمته مع أنّ الحقيقة ليست كذلك كما سنرى.
وأيضاً: واحدة من الأسباب المهمة لطعن المشككين بالرسول هي الحقد والبغض، “والناس أعداء ما جهلوا” كما يقول أمير المؤمنين (صلوات الله عليه)، أقول ذلك بسبب أني – وربما يتفق معي كل من يقرأ شبهاتهم لاحقاً – وجدت الكثير منهم يعمد إلى قلب الحقائق وربما عن عمد أحياناً، أو تزييفها وتحريفها لا لشيء إلا بغية الانتصار لحكمه المسبق بالطعن برسول الله (صلى الله عليه وآله) والنيل من شخصيته.
في هذا الدفاع، قمت بتوزيع شبهات المشككين على عدة مباحث وأبواب بحسب المضمون فكانت عشرة مباحث بالنحو التالي:
شبهات نشأة الرسول قبل البعثة.
شبهات النبوة والوحي.
شبهات عصمة الرسول.
شبهات أخلاق الرسول.
شبهات حروب الرسول.
شبهات زوجات الرسول.
شبهات تتعلق بسنّة الرسول.
شبهات تخص بعض تعاليم الرسول العبادية.
شبهات تخص التعامل مع أهل الكتاب.
شبهات تخص التعامل مع المرأة.
علماً، أني حاولت قدر الإمكان استعراض أهم شبهاتهم والإجابة عنها ولم أكن بصدد الاستقصاء؛ لأنها لا تنتهي ولن تنتهي ما دمنا في دنيا الامتحان، لكني أعتقد أنّ الإحاطة بأجوبة الشبهات المطروحة في هذا الكتاب يسهّل عملية إجابة غيرها أيضاً بكل تأكيد؛ باعتبار أنّ بعض الأجوبة التي اعتمدتها تعدُّ بمثابة أصول وأسس عامة تصلح لإجابة أيّ شبهة تطرح على الرسول الكريم.
والله سبحانه أسأل أن ينفع به خلقه والمؤمنين برسوله وعترته الأطيبين، ويتقبله بقبول حسن بفضله ومنّه وهو الجواد الكريم.
والحمد لله رب العالمين.
د. علاء السالم
18 ذو الحجة الحرام 1443 هـ
الموافق: 17/ 7/ 2022 م
النجف الأشرف