إعـــــــلان

Collapse
No announcement yet.

الأحزاب الإسلامية بلا إسلام

Collapse
X
 
  • الوقت
  • Show
Clear All
new posts
  • محمد الانصاري
    MyHumanity First
    • 22-11-2008
    • 5047

    الأحزاب الإسلامية بلا إسلام

    الأحزاب الإسلامية بلا إسلام
    أبو محمد الأنصاري
    المبدأ الإقتراضي الذي تنشأ الأحزاب الإسلامية على أساس منه يتمثل بالسعي لتحقيق حاكمية الدين والقرآن على أرض الواقع ، فهي أحزاب إسلامية لأنها تتبنى الإسلام بكل شموليته ، وتسعى لتنظيم الحياة على أساسه ، وبقدر تعلق الأمر بأدبيات الأحزاب الإسلامية المعاصرة يبدو هذا الأمر واضحاً ، بل بديهياً ، ولكن الإدعاء بتبني النظرية ورفع شعارها لا بد أن تتم ترجمته على أرض الواقع التطبيقي وإلا كان الشعار وسيلة استخفاف وتضليل لا أكثر .
    والملاحظة التي لا تكاد تخطئها عين هي إن الفجوة قد تباعدت كثيراً بين الشعار والممارسة التطبيقية ، بل إن تناقضاً كتناقض النور والظلمة بات يميز العلاقة بينهما . فالأحزاب التي تدعي أنها إسلامية لا تختلف بشئ اليوم عن الأحزاب العلمانية ، إذ إن ما يميز الحزب ذا التوجه الإسلامي عن غيره إنما هو الهدف الذي يتطلع لتحقيقه والإيديولوجية التي يريد لها أن تحكم الواقع ، وعلى هذا المستوى – وبعد الإقرار بالدستور الوضعي الذي حدد السقف الأعلى لطموح كل الأحزاب – أصبح من غير الممكن الإدعاء بوجود ما يميز حزباً عن حزب ، فالكل سواسية في الخضوع للفكر المادي الديمقراطي الذي جعله الدستور المرجع الوحيد لكل القوانين الممكنة ، أي الفكر الذي يُسقط الدين والسماء من معادلة الحكم على كل المستويات ؛ السياسية و الإجتماعية و الإقتصادية .. وغيرها .
    هذه هي الحقيقة ، ولكنها كما هو واضح قاتلة كحد السكين ، وأقرب ما تكون الى الإنتحار بالنسبة للأحزاب الإسلامية ، ولكن هذه الأحزاب المتشبثة بالكرسي بأي ثمن لم تترك لهذه الحقيقة حرية المرور الى وعي الناس كما هي ، بل لجأت الى المكر ، فكانت المؤامرة – الفجيعة التي إقترفتها الأحزاب الإسلامية بالإتفاق مع مراجع آخر الزمان ( حصون الإسلام كما يسميهم اليعقوبي / وهو تعبير أراه أقرب الى السخرية السوداء منه الى الحقيقة ) متمثلة بالدستور العلماني القذر الذي لوحوا للناس برضا المرجعية عنه ، بل إنهم أوحوا للناس بأن هذا الدستور قد خرج من تحت العمائم ، وإنه بالنتيجة يحظى برضا الله ورسوله (قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) .
    طبعاً أنا لا أشك بأن الدستور قد خرج من تحت العمائم إياها ، وإن كان كاتبه يهودياً ، ولكن المشكلة إن الناس تكن للعمائم إياها احتراماً كبيراً ولهذا تم استغلال هذا الإحترام من قبل دهاقنة التضليل . ولكن هذه الوسيلة ليست هي كل شئ ، فالثعالب التي أدمنت ألاعيب السياسة القذرة أضافت بعض اللمسات الديكورية على الدستور فأضافت الفقرات الثلاث الآتية :-
    لا يجوز سن قوانين تخالف ضروريات الإسلام .
    الدين مصدر أساسي من مصادر التشريع .
    الإسلام هو دين الدولة الرسمي .
    الحق إن هذه الفقرات الثلاث ليست في المحصلة الأخيرة سوى رماد يراد منه التعمية على الإنحراف المخزي عن الهدف الذي يفترض بالأحزاب الإسلامية والمرجعيات الدينية أن تسعي لتحقيقه .
    فالفقرة الأولى ليست سوى قيد سلبي فهي لا تمنح الأحزاب ( الإسلامية ) إمكانية سن قانون إسلامي ، فمن شأن هذه الفقرة أن تقف عقبة بوجه كل قانون يخالف ضروريات الإسلام ، ولكنها لا تمنح المشرع القانوني قاعدة يرتكز عليها في سن قوانين إسلامية ، فهي قاعدة منع لا قاعدة إيجاد ، وبوضوح أكثر هي تقول بعدم جواز سن قوانين مخالفة ، ولكنها لا تقول يجوز سن قوانين موافقة .
    وبالنتيجة لا يُتاح لأحد انطلاقاً من هذه الفقرة أن يقف بوجه بعض المظاهر المناقضة للدين من قبيل السفور وشرب الخمر ، والإحتكار ، وغيرها ، ذلك أن هذه المظاهر لا تحتاج الى قانون يُسن بشأنها فهي جزء من الحريات العامة التي يكفلها الدستور ، وحيث أنه لا قانون يُسن بشأنها يصبح من غير الممكن منعها بذريعة الفقرة المشار إليها . بل إن هذه الفقرة لا تكتفي بسلبية المضمون الذي تعبر عنه ، وإنما هي تتعمد التمظهر بصورة لغوية ملتبسة تقبل الجدل واللف والدوران ، إذ ما معنى ضروريات الدين ؟ ومن يحدد كون هذه الظاهرة ، أو تلك هي من ضروريات الدين ؟ الدستور يسكت عن كل هذا ويمتنع عن تحديد المرجع القانوني الذي يمكن أن يفصل في هذه الأمور ، الأمر الذي يعني أن كل من هب ودب يمكنه المناقشة والأخذ والرد ، فالشيوعي ، والقومي .. و.. و كلهم يسعهم الخوض في المسألة ، ومعلوم أن ما يراه المؤمن من ضروريات الدين لا يراه غيره كذلك .
    أما الفقرة الثانية فهي وإن كانت تنص على كون الدين مصدر أساسي من مصادر التشريع ، إلا أنها لا تحصر المصادر به ، فهو في خاتمة المطاف مصدر من مصادر أساسية أخرى ( وضعية بطبية الحال ) ، ثم إن هذه الفقرة محكومة لفقرات دستورية أخرى لا يجوز خرقها أو تجاوزها بأي حال منها مسألة الديمقراطية والتداول السلمي ( عبر صناديق الإقتراع ) للسلطة ، وهذا يمنع قيام دولة إسلامية حتماً ( الهدف المفترض للإسلاميين ) ، ومنها مسألة الحريات العامة ، أي الحريات كما تحددها الأنظمة الليبرالية ، وغيرها من فقرات لا يسع المجال لذكرها ، هذا التعارض بين فقرات الدستور ينتج عنها إفراغ فقرة ( الدين مصدر أساسي .. الخ ) من كل مضمون . ولا يختلف مصير الفقرة الثالثة عن سابقاتها ، بل إنها في الحقيقة فقرة ديكورية بامتياز ، ولا تقدم شيئاً على الإطلاق ، بمعنى أنها لا تصلح لأن تكون مرتكزاً لسن قوانين انطلاقاً منها ، لأنها وإن نصت على أن دين الأغلبية هو الإسلام إلا أنها لا تذكر شيئاً عن ضرورة خضوع الدولة لقوانين الإسلام ، بل وأكثر من ذلك تكفّل الدستور الذي تمثل هي فقرة من فقراته ، تكفل بتحديد الأساسات التي تبنى عليها وتشتق منها القوانين وهذه هي وظيفة الدستور ، بمعنى أن الدستور الذي نص على أن دين الدولة الرسمي هو الإسلام ، هو نفسه جعل من فقراته الأخرى بديلاً عن الإسلام ( الدولة الديمقراطية على سبيل المثال ) ، فأصبح الإسلام مسمى فقط لا يقوم بأداء أية وظيفة على أرض الواقع ، أليس هذا هو الخداع والإستخفاف بعينه ؟
    والآن ماذا بقي للأحزاب التي تنتسب الى الإسلام زوراً وبهتاناً ؟ لا شئ سوى القنوات الفضائية التي تعرض اللطميات لتستخف عقول الناس وتخدعهم بأنها تهتم بإسلامهم ، بل إن هذه الأحزاب التي فرطت بأساساتها الإيديولوجية ( أي بالعقيدة التي جعلت منها شعاراً ) وجدت نفسها خالية اليد من أي خطاب إعلامي يمكن أن تستقطب به الجموع وتقنعهم بالإلتفاف حولها ، فما كان منها إلا أن ركبت ظهر المرجعيات وموجة الصراع الطائفي وصارت تطبل ليلاً ونهاراً وتتاجر بالدم الشيعي المسفوك ابتزازاً منها لعواطف الناس وتعويضاً عن الفراغ المخجل الذي صنعته بيدها ، فبدلاً من رفع شعار ضرورة عودة الدين الى مسرح الحياة العملية أضحى الشعار ( ياللهول الشيعة يقتلون ، فيا شيعة التفوا حولنا لننقذكم ) ويا ليت أنهم قادرون على إنقاذ أنفسهم من حبل الأمريكان الذي يزداد ضيقاً على أعناقهم يوماً بعد يوم ، ويا ليت أنهم حقاً يهتمون بإنقاذ الناس !
    والحق إن ما يقال عن الأحزاب الشيعة يقال بالحرف الواحد عن الأحزاب الإسلامية الأخرى ، فكل هذه الأحزاب التي تخلت عن إيديولوجياتها لم تجد ما تسوغ به وجودها على الساحة غير لعبة الطوائف المتقاتلة ، وهي لعبة لا يشك عاقل في أن من مصلحة هذه الأحزاب تغذيتها وإدامتها ، ولعل الأحزاب الشيعية تنفرد باستثمارها فكرة العودة الى الوثن ، فصور اللاتـ(ستاني) أضحت بديلاً عن كل شعار يمكن أن يرفع .. ولكن هذه حكاية أخرى ربما أفردنا لها مقالاً آخر .


    ---


    ---


    ---

Working...
😀
🥰
🤢
😎
😡
👍
👎