

لا شك أن زيارة الرئيس مرسى إلى طهران تعد حدثًا سياسيًّا بارزًا. وكانت الزيارة فى الظروف الطبيعية لتؤدى إلى عودة العلاقات الدبلوماسية المقطوعة بين البلدين منذ عام 1979، لكن وضح أن تجاهل الضغوط الأمريكية الإسرائيلية السعودية يفوق طاقة رئيس مصر فى الوقت الحالى. ولقد كان أفضل توقيت لعودة العلاقات وطى صفحة الماضى هو فى الأيام التى أعقبت قيام الثورة وخلع القاتل النذل.. وقتها أرسل الإيرانيون طائرة خاصة لنقل الوفد المصرى الذى تحضّر للسفر من أجل مد الجسور مع الشعب الإيرانى. وكان مما شجع على الاستبشار خيرًا بعهد جديد هو تصريحات السيد نبيل العربى وزير الخارجية آنذاك، الذى تحدّث عن إيران باعتبارها دولة صديقة ليس بيننا وبينها أى أسباب للقطيعة، ووعد بعودة العلاقات قريبًا. ولا بأس من التذكير بما حدث بعد ذلك من لوبى إسرائيل والسعودية فى مصر.. قام المجلس العسكرى الحاكم بإزاحة نبيل العربى بتوجهاته الوطنية غير المألوفة ثم وضعوه بثلاجة الجامعة العربية.. أما الطائرة الإيرانية الخاصة التى خصصت لنقل الوفد الشعبى المصرى فلم يمنحوها تصريحًا بالهبوط بمطار القاهرة، واضطر أعضاء الوفد للسفر إلى دبى ومنها إلى طهران! والأبشع أنهم قاموا صباح نفس اليوم باتهام القائم بالأعمال الإيرانى بتهمة سخيفة وكاذبة، وكل ذلك حتى يضربوا كرسيا فى الكلوب ويمنعوا أى تقارب يحقق مصلحة الشعبين المصرى والإيرانى. لأجل هذا نرى أن المعيار الحقيقى لاستقلال القرار المصرى بعد الثورة هو الإسراع بعودة العلاقات بيننا وبين البلد الشقيق الذى يحاربه أعداؤنا بضراوة ويعتبرون تدميره هدفًا استراتيجيًّا لا يغفلون عنه. صحيح أن زيارة مرسى حرّكت الماء الراكد قليلًا، لكن حتى متى سنظل أسرى الرضا الإسرائيلى السعودى؟ إننى أشعر بالأسى كلما رأيت مَن يزكون الخلاف بين الشيعة والسنة، بينما إسرائيل تفرك يديها من السعادة لهذا الخلاف المفتعل. نستطيع فهم الخلاف السعودى الإيرانى المتعلق بالعداء الإيرانى لإسرائيل الحبيبة! ونفهم كذلك مخاوف السعودية من تحرك أبنائها الشيعة سكان المنطقة الشرقية الذين ضاقوا بالظلم والتهميش.. ولكن ما لنا وهذا؟ نحن نشارك إيران العداء للمارسات الصهيونية، وموقفنا هنا لا بد أن يتمايز عن الموقف السعودى الذى طالما وقف إلى جانب الاعتداءات الإسرائيلية على العرب.. وحرب تموز على لبنان 2006، وكذلك قصف غزة بالفوسفور الأبيض 2009 خير مثال على ذلك. بعد ثورة عظيمة من أجل الحرية دفعنا ثمنها دمًا يجب أن نتحرر من التبعية للسعودية وإسرائيل. أنا لا أدعو إلى تبنى المواقف الإيرانية كافة، ومن بينها ما يتعارض مع مصالحنا وما يتعارض مع حقوق الشعوب العربية فى الحرية والكرامة، ومثال هذا الموقف الإيرانى المؤيد للسفاح بشار الأسد، ولقد أحسن الرئيس مرسى حينما أدان بكل قوة جرائم الأسد ضد شعبه وهو الموقف الذى أحجمت مصر عن اتخاذه طوال الفترة الانتقالية تحت حكم العسكر ربما لأن العسكر شاركوا بشار ارتكاب بعض جرائمه بحق الشباب المصرى! لكن ما لم نفهمه بكل صراحة من الرئيس مرسى هو هذا اللمز الطائفى الذى لم يكن منه داعٍ سوى مغازلة السعوديين وإرسال رسائل طمأنة إلى الإسرائيليين بأن ما نفعله معهم من ضبط النفس واللسان لن نمنحه للإيرانيين! صحيح أن الإيرانيين ارتكبوا خطيئة إعلامية حين تعمّدوا عدم ترجمة بعض كلمات مرسى وحينما أبدلوا كلامه عن سوريا ليجعلوه عن البحرين.. ولكن مَن قال إن الإيرانيين هم أساتذتنا فى الإعلام والحريات؟ إننا نقيم علاقات عظيمة بدول بوليسية قمعية دون أدنى حرج، وذلك من أجل المصالح، وبعض هذه الدول يقوم بجلد المصريين بالسياط، ونحن لم نطلب إقامة علاقات طبيعية مع إيران من منطلق أنها واحة الديمقراطية فى المنطقة، وإنما تعزيز لمصالحنا.. فلماذا يا مرسى تفعل ما يعمق الشقاق مع الإخوة الإيرانيين بدلًا من مد الجسور؟ سيقول البعض إن الشيعة يسبُّون الصحابة.. إلخ، هذا الكلام الوارد من منتديات النت السعودية، ورغم إدراكى أن حكام طهران لم يفعلوا هذا أبدًا وأن هذا لو حدث فهو من فعل المهاويس من العوام والجهلاء هناك، أما الناس الطبيعيون فلا يفعلون ذلك.. فضلًا عن أن الهوس الطائفى ليس منتَجًا إيرانيًّا حصريًّا، وإنما هو موجود طوال الوقت على الجانبين! ورغم ذلك فإن رئيس مصر لم يحصل على توكيل من الله لرد العدوان عن صحابة رسوله (هذا العدوان الذى لم يقع) وإنما قد انتخبه المصريون لأسباب أخرى تمامًا تتعلق بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية. ولو كان للرئيس أن يغضب لله ورسوله فالأولى أن يتوجه بغضبه نحو مَن يقومون بتهويد القدس وزعزعة أساسات المسجد الأقصى. لقد هلّلت وسائل الإعلام السعودية لخطاب مرسى فى طهران وكذلك فعلت الصحافة الإسرائيلية، فوصفت «يديعوت أحرونوت» مرسى بأنه زعيم كبير! وبصراحة لو كنت من الرئيس لقلقت من المدح حينما يأتى من صحافة السعودية وإسرائيل، وهما من أكثر الدول تضررًا من الثورة المصرية ومن أكثرها محاربة لها فى الخفاء وفى العلن. ما زلنا نأمل أن يتخذ الرئيس مرسى القرار السليم بعودة العلاقات مع إيران، وله أن يختلف مع سياساتها كما يشاء مثلما تفعل كل الدول ذات العلاقات الطبيعية.. لكن الخضوع للضغط السعودى الإسرائيلى لا يليق برئيس مصر الثورة.
رابط المقال: http://tahrirnews.com/مقالات/إيران-ومصر-الثورة/