إضاءة
من جهاد المسلمين مع رسول الله (ص)
من جهاد المسلمين مع رسول الله (ص)
في مكة كان رسول الله (ص) وأصحابه يجاهدون بالكلمة والموعظة الحسنة
﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ النحل: 125.
فلما واجههم أهل مكة بالأذى والسجن والتعذيب بدأوا يهاجرون من مكة أولاً إلى الحبشة، ثم إلى المدينة المنورة يثرب بعدما لقي ما لقي رسول الله (ص) في مكة والطائف.
وفي المدينة بدأ رسول الله (ص) يعد العدّة للجهاد ولإعلاء كلمة الله سبحانه، وكانت معركة بدر الكبرى، قال تعالى:
﴿وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ﴾ الانفال: 7.
وكان لهذا النصر أثر عظيم في نفوس المسلمين، فلم يكن نصراً عسكرياً فحسب بل كان آية من آيات الله ، ولمسوا فيه يد الغيب الإلهي وهي توقع الهزيمة في صفوف مشركي مكة.
ثم جاءت معركة أحد وفيها ما فيها، هزيمة للمسلمين كان سببها الدنيا وزخرفها لما طلب جماعة من المسلمين الغنائم وتركوا مواقعهم، وفيها كسرت رباعية رسول الله (ص) وتركه المسلمون في ساحة المعركة وفروا إلا قلة منهم وقوه بأنفسهم، وفيها نصر من الله للمسلمين لما قذف في قلوب المشركين الرعب بعد أن قرروا استئصال المسلمين، حيث سمع المشركون أن رسول الله والمسلمين قرروا مواجهتهم مستميتين ، فانكسرت شوكة المشركين ، وامتلأت قلوبهم رعباً وعادوا خائبين.
ثم كانت معركة الخندق وفيها برز الإسلام كله للكفر كله، لما قتل أمير المؤمنين علي (ع) عمرو بن ود العامري، وفيها جنود الله سبحانه وتعالى من الملائكة هم الذين يوقعون الهزيمة في صفوف المشركين بعد أن أوقعوا الوهن في نفوسهم لما ملؤوها رعباً، قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً ﴾ الاحزاب: 9.
أمّا معركة حنين فهي خير دليل على أن الكثرة لا تغني شيئاً، إنما النصر من عند الله، فسبحانه وتعالى نصر المؤمنين في بدر وهم قلة ولم تغن كثرتهم عنهم شيئاً في حنين حتى أيدهم الله بنصره
﴿ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ﴾ التوبة: 26.
والنتيجة قال تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ البقرة: 216.
هذا أمر من الله سبحانه وتعالى بالجهاد الهجومي والدفاعي، فكما قال تعالى :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ البقرة: 183.، قال أيضاً: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ ..﴾.
وكما أن المسلمين يجب عليهم الصيام إذا حضر وقته وتمت شروطه، ويجب عليهم الحج إذا حضر وقته وتمت شروطه، وإلاّ فإنّ المتخلف عن أداء الصيام والحج وهو مستطيع يعاقب بنار جهنم وساءت مصيراً، كذلك فإن الجهاد إذا حضر وقته وتمت شروطه وجب، ومن يتخلف عنه فإنه كتارك الصلاة والصوم والحج فتكون عاقبته إلى جهنم وساءت مصيراً.
ويبقى أنّ الجهاد كتب وهو كره لكم فليس هيناً أن يبيع الإنسان نفسه؛ ولذا كان هذا البيع لله سبحانه وكان الثمن الجنة:
﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ التوبة: 111.
فسبحان الذي جعل الجهاد امتحاناً يميز به الخبيث من الطيب، والصالح من الطالح والصادق من الكاذب، قال تعالى:
﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ﴾ ال عمران: 142.، وكذلك ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ التوبة: 16.
وفي النهاية يجب أن يعلم المؤمنون أن النتيجة الحتمية للجهاد هي النصر على النفس والشيطان وزخرف الدنيا والهوى وخروج من الظلمات الى النور، وهي نتيجة عظيمة وكافية سواء رافقها النصر المادي في ساحة المعركة أم لا
﴿فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً﴾ النساء: 74.
وتبقى هناك تساؤلات تنتظر الإجابة أو زيادة توضيح:
- فمع من يكون الجهاد الذي يريده الله؟
- وكيف يعرف صاحب الجهاد المرضي عند الله؟
- وما علاقة الحضارة المادية بالجهاد؟
- وما علاقة الحضارة الاخلاقية بالجهاد؟
- وما علاقة الحضارة الاخلاقية بالحضارة المادية؟
- وما علاقة الحضارة المادية بالتكامل الروحي للإنسان؟
المصدر : كتاب الجهاد باب الجنة للسيد أحمد الحسن (عليه السلام)