Tweet
يقول سید الخميني قدس سره:
"...أما عالم برزخك: فانك إن انتقلت من هذه الدنيا – لا سمح الله- قبل أن تصلحه، فالله يعلم كيف تكون صورتك، وكيف تكون أحوالك!
إذ أن قوى الإدراك في هذا العالم عاجزة عن أن تسمع أو ترى أو تشم شيئا من ذلك العالم . إن ما تسمعه عن ظلمة القبر ووحشته وضيقه إنما تقيسه على ما في هذا العالم من ظلمة ووحشة وضيق، مع أن هذا القياس وهذه المقارنة باطلة.
نسأل الله أن ينجينا مما أعددنا لأنفسنا بأنفسنا!
إن عذاب القبر أنموذج من عذاب الآخرة، والمستفاد من بعض الأحاديث أن أيدينا تقصر عن الوصول إلى شفاعة الشفعاء في القبر، فيا له من عذاب !
إن نشأة الآخرة أشد وأفظع من جميع الحالات السابقة.
إنه يوم تبرز فيه الحقائق، وتنكشف فيه السرائر، وتتجسد فيه الأعمال والأخلاق. يوم تصفية الحساب ، يوم الذلة في المواقف. تلك هي أحوال القيامة[1]!.
فـ"كيف تنسى الموت وآثاره تذكرك [2]؟".
فتعال معي نستذكر أيضا بعض مشاهد ذاك العاَلم من خلال التأمل في كلمات هذا العالِم الجليل
الشيخ حسين قلي الهمداني رحمه الله التي قال فيها :
"ماذا أقول عن شر ذلك اليوم المملوء بالآه والحرقة الذي أذاب خوفه قلوب الخائفين.
وكيف لا تذوب قلوبهم من يوم أرضه نار محرقة، وصراطه أحد من السيف القاطع
العقول طائرة
والدموع منهمرة
والنجوم فيه متناثرة
والناس كالجراد المنتشر!
هوله عظيم!
والأنبياء في اضطراب
والأخيار مدهشون
والأبرار أغمي عليهم "لا يعون"!.
الشدائد كثيرة
والمحن لا تحصى
الشمس من فوق "رؤوس العباد"
والأرض كتنّور الحداد.
والأبدان غارقة في العرق
واللحوم والعظام تحترق
أحاطت بهم جهنم
وسدت في وجوههم سبل الفرار
الظالم خجل
والعادل بدمعه خضل
الصحف تتطاير عن اليمين واليسار
الناس في دهشة وانتظار
والملائكة الغلاظ الشداد في جيئة وذهاب
يتشددون في تنفيذ العقوبة الإلهية على المردة والعصاة [3].
والإمام الصادق ع يعطينا صورة أخرى بقوله :إن رسول الله ( ص ) ذات يوم كان قاعدا، إذ نزل جبرائيل " ع " وهو كئيب حزين متغير اللون!
فقال له رسول الله ( ص ) : مالي أراك كئيبا حزينا ؟
قال يا محمد: وكيف لا أكون كذلك وإنما وضعت منافيخ جهنم اليوم
فقال رسول الله ( ص ) : وما منافيخ جهنم يا جبرائيل ؟
قال إن الله تبارك وتعالى أمر بالنار فأوقد عليها ألف عام حتى احمرت ثم أمر بها فأوقد عليها ألف عام حتى ابيضت ثم أمر فأوقد عليها ألف عام حتى اسودت وهي سوداء مظلمة فلو أن حلقة من السلسلة التي طولها سبعون ذراعا وضعت على الدنيا لذابت الدنيا من حرها ولو أن قطرة من الزقوم والضريع قطرت في شراب أهل الدنيا لمات أهل الدنيا من نتنها[4]
ثم ذكر لنا الإمام الصادق عليه السلام ع حجم هذه النار بقوله: إن ناركم هذه جزء من سبعين جزءا من نار جهنم ، وقد أطفأت سبعين مرة بالماء ثم التهبت ، ولولا ذلك ما استطاع آدمي أن يطيقها ( يطفأها ) وإنه ليؤتي بها يوم القيامة حتى توضع على النار فتصرخ صرخة لا يبقي ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا جثا على ركبتيه فزعا من صرختها[5].
وأما بعد
"فعلينا أن نلتفت إلى عذاب الله في الآخرة، ونقيسه إلى عذاب الدنيا الذي لا يعتبر بالنسبة لذاك عذابا أصلا. ونخاطب ربنا بقولنا:"...
والروايات في أوصاف عذاب جهنم كثيرة لا تحصى. وقد نسلي أنفسنا عن كل واحدة منها بأنه خبر واحد محتمل الصدق والكذب، ولكن ماذا نفعل بتواترها المعنوي أو الإجمالي؟!
ثم ماذا نفعل بالقران الذي هو مليء بذكر أوصاف عذاب جهنم بما يقشعر جلد الإنسان لمجرد سماعه، ولو لم تكن إلا أية واحدة لكفت نوهي قوله تعالى: كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب..."
وقد قالوا: إن الجلد هو مركز الإحساس بالألم ن وليس اللحم ، ولذا لو غرزت جلدك بإبرة تحّس بالألم، ثم لا تحس بالألم بتعمق الإبرة في لحمك...ونار جهنم لا تنهي المعذب ولا تميته بل الجلد يتبدل متى نضج الجلد السابق. وقد قال الله تعالى: لا يقضى عليهم فيموتوا"[6].
..."فهذه أصناف عذاب جهنم على الجملة وتفصيل غمومها وأحزانها ومحنها وحسراتها لا نهاية له. ومن أعظم الأمور عليهم مع ما يلقونه من شدّة العذاب هو حسرة فوت نعيم الجنة وفوت لقاء الله وفوت رضاه، مع علمهم بأنهم باعوا ذلك بثمن بخس دراهم معدودة، باعوها بشهوات حقيرة في الدنيا ولأيام معدودة ، رغم أنها لم تكن صافية لهم أيضا، بل كانت مكّدرة منغّصة، عندها سيكون لسان حالهم : واحسرتاه كيف أهلكنا أنفسنا بعصيان ربنا؟
وكيف لم نكّلف أنفسنا بالصبر أياما معدودة؟ ولو صبرنا لكانت قد انقضت عنّا أيامه، ولكنا الآن في جوار الرحمن منعّمين بالرضا والرضوان"[7].
--------------------------------------------------------------------------------
[1] الأربعون حديثا، ص 99
[2] عيون الحكم والمواعظ - علي بن محمد الليثي الواسطي - ص 384
[3] تذكرة المتقين في آداب السير والسلوك، الشيخ محمد البهاري الهمداني، ص 227
[4] روضة الواعظين - الفتال النيسابوري - ص 506 - 507
[5] بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 8 - ص 288
[6] تزكية النفس ، الحائري، ص 244-245
[7] الرجوع إلى الله، الفيض الكاشاني، ص 285- 286
"...أما عالم برزخك: فانك إن انتقلت من هذه الدنيا – لا سمح الله- قبل أن تصلحه، فالله يعلم كيف تكون صورتك، وكيف تكون أحوالك!
إذ أن قوى الإدراك في هذا العالم عاجزة عن أن تسمع أو ترى أو تشم شيئا من ذلك العالم . إن ما تسمعه عن ظلمة القبر ووحشته وضيقه إنما تقيسه على ما في هذا العالم من ظلمة ووحشة وضيق، مع أن هذا القياس وهذه المقارنة باطلة.
نسأل الله أن ينجينا مما أعددنا لأنفسنا بأنفسنا!
إن عذاب القبر أنموذج من عذاب الآخرة، والمستفاد من بعض الأحاديث أن أيدينا تقصر عن الوصول إلى شفاعة الشفعاء في القبر، فيا له من عذاب !
إن نشأة الآخرة أشد وأفظع من جميع الحالات السابقة.
إنه يوم تبرز فيه الحقائق، وتنكشف فيه السرائر، وتتجسد فيه الأعمال والأخلاق. يوم تصفية الحساب ، يوم الذلة في المواقف. تلك هي أحوال القيامة[1]!.
فـ"كيف تنسى الموت وآثاره تذكرك [2]؟".
فتعال معي نستذكر أيضا بعض مشاهد ذاك العاَلم من خلال التأمل في كلمات هذا العالِم الجليل
الشيخ حسين قلي الهمداني رحمه الله التي قال فيها :
"ماذا أقول عن شر ذلك اليوم المملوء بالآه والحرقة الذي أذاب خوفه قلوب الخائفين.
وكيف لا تذوب قلوبهم من يوم أرضه نار محرقة، وصراطه أحد من السيف القاطع
العقول طائرة
والدموع منهمرة
والنجوم فيه متناثرة
والناس كالجراد المنتشر!
هوله عظيم!
والأنبياء في اضطراب
والأخيار مدهشون
والأبرار أغمي عليهم "لا يعون"!.
الشدائد كثيرة
والمحن لا تحصى
الشمس من فوق "رؤوس العباد"
والأرض كتنّور الحداد.
والأبدان غارقة في العرق
واللحوم والعظام تحترق
أحاطت بهم جهنم
وسدت في وجوههم سبل الفرار
الظالم خجل
والعادل بدمعه خضل
الصحف تتطاير عن اليمين واليسار
الناس في دهشة وانتظار
والملائكة الغلاظ الشداد في جيئة وذهاب
يتشددون في تنفيذ العقوبة الإلهية على المردة والعصاة [3].
والإمام الصادق ع يعطينا صورة أخرى بقوله :إن رسول الله ( ص ) ذات يوم كان قاعدا، إذ نزل جبرائيل " ع " وهو كئيب حزين متغير اللون!
فقال له رسول الله ( ص ) : مالي أراك كئيبا حزينا ؟
قال يا محمد: وكيف لا أكون كذلك وإنما وضعت منافيخ جهنم اليوم
فقال رسول الله ( ص ) : وما منافيخ جهنم يا جبرائيل ؟
قال إن الله تبارك وتعالى أمر بالنار فأوقد عليها ألف عام حتى احمرت ثم أمر بها فأوقد عليها ألف عام حتى ابيضت ثم أمر فأوقد عليها ألف عام حتى اسودت وهي سوداء مظلمة فلو أن حلقة من السلسلة التي طولها سبعون ذراعا وضعت على الدنيا لذابت الدنيا من حرها ولو أن قطرة من الزقوم والضريع قطرت في شراب أهل الدنيا لمات أهل الدنيا من نتنها[4]
ثم ذكر لنا الإمام الصادق عليه السلام ع حجم هذه النار بقوله: إن ناركم هذه جزء من سبعين جزءا من نار جهنم ، وقد أطفأت سبعين مرة بالماء ثم التهبت ، ولولا ذلك ما استطاع آدمي أن يطيقها ( يطفأها ) وإنه ليؤتي بها يوم القيامة حتى توضع على النار فتصرخ صرخة لا يبقي ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا جثا على ركبتيه فزعا من صرختها[5].
وأما بعد
"فعلينا أن نلتفت إلى عذاب الله في الآخرة، ونقيسه إلى عذاب الدنيا الذي لا يعتبر بالنسبة لذاك عذابا أصلا. ونخاطب ربنا بقولنا:"...
والروايات في أوصاف عذاب جهنم كثيرة لا تحصى. وقد نسلي أنفسنا عن كل واحدة منها بأنه خبر واحد محتمل الصدق والكذب، ولكن ماذا نفعل بتواترها المعنوي أو الإجمالي؟!
ثم ماذا نفعل بالقران الذي هو مليء بذكر أوصاف عذاب جهنم بما يقشعر جلد الإنسان لمجرد سماعه، ولو لم تكن إلا أية واحدة لكفت نوهي قوله تعالى: كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب..."
وقد قالوا: إن الجلد هو مركز الإحساس بالألم ن وليس اللحم ، ولذا لو غرزت جلدك بإبرة تحّس بالألم، ثم لا تحس بالألم بتعمق الإبرة في لحمك...ونار جهنم لا تنهي المعذب ولا تميته بل الجلد يتبدل متى نضج الجلد السابق. وقد قال الله تعالى: لا يقضى عليهم فيموتوا"[6].
..."فهذه أصناف عذاب جهنم على الجملة وتفصيل غمومها وأحزانها ومحنها وحسراتها لا نهاية له. ومن أعظم الأمور عليهم مع ما يلقونه من شدّة العذاب هو حسرة فوت نعيم الجنة وفوت لقاء الله وفوت رضاه، مع علمهم بأنهم باعوا ذلك بثمن بخس دراهم معدودة، باعوها بشهوات حقيرة في الدنيا ولأيام معدودة ، رغم أنها لم تكن صافية لهم أيضا، بل كانت مكّدرة منغّصة، عندها سيكون لسان حالهم : واحسرتاه كيف أهلكنا أنفسنا بعصيان ربنا؟
وكيف لم نكّلف أنفسنا بالصبر أياما معدودة؟ ولو صبرنا لكانت قد انقضت عنّا أيامه، ولكنا الآن في جوار الرحمن منعّمين بالرضا والرضوان"[7].
--------------------------------------------------------------------------------
[1] الأربعون حديثا، ص 99
[2] عيون الحكم والمواعظ - علي بن محمد الليثي الواسطي - ص 384
[3] تذكرة المتقين في آداب السير والسلوك، الشيخ محمد البهاري الهمداني، ص 227
[4] روضة الواعظين - الفتال النيسابوري - ص 506 - 507
[5] بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 8 - ص 288
[6] تزكية النفس ، الحائري، ص 244-245
[7] الرجوع إلى الله، الفيض الكاشاني، ص 285- 286
