إعـــــــلان

Collapse
No announcement yet.

الدين الالهي الاسلام القران لعلاء السالم

Collapse
X
 
  • Filter
  • الوقت
  • Show
Clear All
new posts
  • ya howa
    مشرف
    • 08-05-2011
    • 1106

    #46
    رد: الدين الالهي الاسلام القران لعلاء السالم

    #الدين_الالهي
    #الاسلام
    #القرآن
    .
    (64)
    .
    مثال 48: يرى بعض المشككين أنّ الآية: "قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاء إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لَّأُوْلِي الأَبْصَار" آل عمران: 13، تتعارض مع الآية: "وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ" الأنفال: 44، إذ الأولى تدل على أنّ المسلمين يرون الكافرين مثلي عددهم أو العكس (بحسب اختلاف المفسرين)، بينما الثانية تدل على أنّ كلّاً من الطرفين يرى الآخر قليلاً، وهذا تناقض!
    .
    الجواب: لا يوجد تعارض بين الآيتين؛ لأن كل منهما تشير إلى غرض وعبرة أرادها الله سبحانه أن تكون في واقعة بدر، ودرساً يستفيد منه جميع المؤمنين بالله في دنيا الامتحان التي يحتدم فيها الصراع بين الحق والباطل دائماً وأبداً.
    .
    عدد المسلمين يوم بدر في الواقع - بحسب كتب السير والتاريخ - كان أقل من عدد المشركين بمرتين تقريباً، إذ كان عددهم 313 رجلاً في حين كان عدد المشركين يقارب الألف رجل. لذا فمن الطبيعي بحسب الظاهر والواقع الخارجي والرؤية البصرية أن يرى المسلمون عدوهم "مثليهم" أي بزيادة على عددهم مرتين.
    .
    ("... قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله" يعني فئة المسلمين وفئة الكفار "وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين" أي كانوا مثلي المسلمين "والله يؤيد بنصره من يشاء" يعني رسول الله صلى الله عليه وآله يوم بدر "إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار") تفسير القمي: 1/97.
    .
    وبحسب الآية الأولى، فإنّ رؤية المسلمين للكافرين مثلي عددهم كانت دافعاً لهم للاستعانة بالله على عدوهم ورفع شعار: "لا قوة إلا بالله"، وأكيد أنّ المؤمنين الذين يرفعون هذا الشعار ويتيقنون بمضمونه يؤيدهم الله بنصره "وَاللّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاء"، فينتصرون بالله وإن كانوا قلة - عدة وعدداً - قياساً بعدوهم المخذول من الله وإن كان كثيراً، ولهذا كان الدرس المستقى من هذا التأييد الإلهي نافعاً لأولي الأبصار والقلوب الواعية دون غيرهم "إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لَّأُوْلِي الأَبْصَار".
    .
    أما الآية الثانية، فتقليل المشركين في حساب المؤمنين سببه أنّ المؤمن الذي يرفع شعار "لا قوة إلا بالله" ويتوكل على الله حقيقة يكون ذلك سبباً في أن يكون قوياً بالله ويرى عدوه مهما كانت آلته المادية ضخمة وكبيرة (عدة، وعدداً ....... إلخ) قليلاً وضعيفاً ومخذولاً ويتعامل معه على أساس هذه الرؤية، فالعدو وإن كان كثير العدد بحسب الظاهر لكنه في نفس الوقت ضعيف وهيّن عند من يعتقد بـ "لا قوة إلا بالله"، وعلى هذا الأساس استطاع رسل الله النهوض بدعواتهم الإلهية في ظل أشد حكم الطواغيت قسوة وفتكاً وظلماً.
    .
    وأيضاً: تقليل المشركين بنظر المؤمنين في بدر كان بتأييد من الله سبحانه للمؤمنين؛ لأن رؤيتهم قليلين - رغم كثرتهم في الواقع - سيكون دافعاً للمسلمين على الإقدام والانتصار بعد رفع الجبن والتردد الذي ربما يستحوذ على بعض النفوس في وقت منازلة العدو المتفوق عدة وعدداً، ولذا بيّنت الآية السابقة على هذه الآية أنّ الله سبحانه أرى رسوله (ص) في الرؤيا الصادقة قلة المشركين وضعفهم بحسب الحقيقة لا الظاهر (الذي يبدون فيه أنهم أكثر من المسلمين عدة وعدداً)، وأراهم في أعين المسلمين قليلاً أيضاً؛ لأنهم لو كانوا يرونهم كثر لأدى ذلك إلى فشل المسلمين وانكسارهم في المعركة نتيجة تردد بعضهم واختلاف الرأي فيما بينهم، قال تعالى: "إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّه فِي مَنامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَلكِنَّ اللَّه سَلَّمَ إِنَّه عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ".
    .
    أما تقليل المؤمنين بنظر المشركين، فهو أيضاً تأييد من الله سبحانه للمؤمنين ليقضي الله بذلك أمره وينجز وعده بنصر المؤمنين المتوكلين عليه؛ باعتبار أنّ الخصم الذي لا يأبه بخصمه ولا يعير له وزناً قد يؤدي به ذلك إلى الاستهانة وعدم الاستعداد للمنازلة فيكون ذلك سبباً لخسارته المعركة، وهو ما حصل بالفعل لمشركي قريش "وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ"، فأنجز الله أمره ونصر رسوله (ص) والثلة القليلة التي كانت معه في بدر بعد أن كانت كل التوقعات تشير إلى انتصار قريش وهزيمة المسلمين والقضاء على الإسلام.
    .
    فتلخص أنّ الآيتين تلتقيان في بيان التأييد الإلهي للرسول (ص) والمؤمنين به:
    1- رؤية المؤمنين للكافرين مثلي عددهم يدفعهم للرجوع إلى الله والتوكل عليه حقيقة ومن ثمّ تيقنهم بلا قوة إلا بالله، وبهذا يكون الكثير ظاهراً بنظرهم قليلاً وضعيفاً مهما تراءت للعيون أعداده وعدته.
    .
    2- حكمة تقليل الكافرين بنظر المؤمنين هو تأييد من الله للمؤمنين لرفع معنوياتهم وإقدامهم وبالتالي نصرهم، كما أنّ حكمة تقليل المؤمنين بنظر الكافرين هو خذلان الكافرين وانكسارهم، وهو أيضاً تأييد من الله للمؤمنين.
    .

    #الدين_الالهي #الاسلام #القرآن . (64) . مثال 48: يرى بعض المشككين أنّ الآية: "قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي...
    نزل صامتاً، وصلب صامتاً، وقـُتل صامتاً، وصعد الى ربه صامتاً، هكذا إن أردتم أن تكونوا فكونوا...

    Comment

    • ya howa
      مشرف
      • 08-05-2011
      • 1106

      #47
      رد: الدين الالهي الاسلام القران لعلاء السالم

      #الدين_الالهي
      #الاسلام
      #القرآن
      .
      (65)
      .
      إشكال 10: إشكال القصص القرآني:
      يزعم كثير من المشككين أنّ بعض القصص القرآني يتضمّن عدم معقولية، أو إبهام وتردد (عدم الوضوح) في بعض مضامين القصة، أو يتضمن - أحياناً - اختلافات في تركيب أحداث القصة وتسلسل وقوعها بين مورد وآخر، ومن الأمثلة التي يسوقونها لهذا الإشكال:
      .
      • مثال 1: انتقال أصنام قوم نوح إلى العرب:
      جاء في الآيات التي يشكو فيها نوح قومه وعبادتهم للأصنام: "قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا * وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا * وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آَلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا * وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا" نوح: 21 - 24.
      .
      استناداً إلى بعض الروايات فإنّ أصنام قوم نوح (ود، سواع، يغوث، يعوق، نسر) كانت تُعبد في الجزيرة العربية قبل بعثة الرسول (ص)، إذ ورد عن ابن عباس: (صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد اما ود كانت لكلب بدومة الجندل واما سواع كانت لهذيل واما يغوث فكانت لمراد ثم لبني غطيف بالجوف عند سبأ واما يعوق فكانت لهمدان واما نسر فكانت لحمير لآل ذي الكلاع أسماء رجال صالحين من قوم نوح فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم ان انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابا وسموها بأسمائهم ففعلوا فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك وتنسخ العلم عبدت) صحيح البخاري: 6/73.
      .
      يقول الرازي: (وفيه إشكال لأن الدنيا قد خربت في زمان الطوفان، فكيف بقيت تلك الأصنام، وكيف انتقلت إلى العرب، ولا يمكن أن يقال: إن نوحاً عليه السلام وضعها في السفينة وأمسكها لأنه عليه السلام إنما جاء لنفيها وكسرها فكيف يمكن أن يقال إنه وضعها في السفينة سعياً منه في حفظها) تفسير الرازي: 30/144.
      .
      بعض المشككين اعتبر مسألة انتقال أصنام قوم نوح إلى العرب سبباً للطعن بالقرآن والقصص الوارد فيه؛ إذ - بحسبهم - العقل يحيل - عادة - مسألة بقائها كل تلك الفترة الزمنية الطويلة؛ ونجاتها من الطوفان الهائل الذي عمّ المكان الذي كانت تُعبد فيه.
      .
      الجواب: إشكال المشككين ليس له علاقة بالقرآن أصلاً؛ إذ لم يرد في آيات سورة نوح أنّ الأصنام التي عبدها قوم نوح انتقلت إلى عبدة الأصنام العرب قبل الإسلام، وإنما هذا أمر ذكرته بعض الروايات.
      .
      وثانياً: إشكالهم إنما يكون له وجه فيما إذا قيل إنّ أصنام قوم نوح انتقلت إلى العرب الجاهليين "عبدة الأصنام" بعينها وشخصها أي نفس هيكلها المنحوت، وليس في الروايات المذكورة تصريح بذلك وإنما أقصى ما ورد ذكره في بعضها أنها - أي الأصنام - صارت في العرب، ويكفي في تحقق ذلك أن يكون عبدة الأصنام العرب أطلقوا على أصنامهم نفس الأسماء التي كانت لأصنام قوم نوح، أو أنهم نحلوا أصنامهم نفس الصفات التي أضفاها قوم نوح على أصنامهم، أي كانت عقيدتهم بها كعقيدة قوم نوح بأصنامهم تماماً، فيكون الخلف المنحرف قد طابق سيرة السلف ومنهجهم الباطل نعلاً بنعل رغم الفاصل الزمني بينهما، وهذا كافٍ في تحقيق صفة الانتقال للعقيدة الصنمية الباطلة والمنحرفة.
      .
      ذكر الطبرسي في تفسيره معاناة نبي الله نوح (ع) من قومه ونقل حديثاً لوهب بن منبه يقول فيه: (..... فلما يئس منهم، أقصر عن كلامهم، ودعائهم، فلم يؤمنوا وقالوا: "لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا" الآية. يعنون آلهتهم، حتى غرقهم الله وآلهتهم التي كانوا يعبدونها.
      فلما كان بعد خروج نوح من السفينة، وعبد الناس الأصنام، سموا أصنامهم أصنام قوم نوح، فاتخذ أهل اليمن يغوث ويعوق، وأهل دومة الجندل صنماً سموه وداً، واتخذت حمير صنماً سمته نسرا، وهذيل صنماً سموه سواعاً، فلم يزالوا يعبدونها حتى جاء الاسلام) مجمع البيان: 4/282.
      .
      واضح أنّ العرب الجاهليين سمّوا أصنامهم التي عبدوها بأسماء أصنام قوم نوح وساروا بسيرتهم ونهجهم الباطل، يقول الإمام الصادق (ع): (كانت قريش تلطخ الأصنام التي كانت حول الكعبة بالمسك والعنبر وكان يغوث قبال الباب وكان يعوق عن يمين الكعبة وكان نسر عن يسارها وكانوا إذا دخلوا خروا سجداً ليغوث ولا ينحنون ثم يستديرون بحيالهم إلى يعوق ثم يستديرون بحيالهم إلى نسر ثم يلبون فيقولون: "لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك" قال: فبعث الله ذباباً أخضر له أربعة أجنحة فلم يبق من ذلك المسك والعنبر شيئاً إلا أكله وأنزل الله تعالى: "يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين يدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب") الكليني، الكافي: 4/542.
      .
      طرفا الصراع في عالم الامتحان هما: العقل والخير والحق والإيمان من جهة والجهل والشر والباطل والكفر من جهة أخرى، وهما في صراع مستمر في دنيا الامتحان منذ أول لحظة انطلق فيها مشروع الرسالة الإلهية مع الإنسان على هذه الأرض وسيبقى محتدماً حتى يوم الامتحان الأخير، فمبدأ توحيد الله وحاكميته الذي دعا له أبونا آدم (ع) لا زال ينتقل في ورثة المنهج الإلهي "خلفاء الله" ومن يتبعهم ويقتص أثرهم، ومبدأ الشرك بالله وحاكمية الناس المتمثلة بعبادة الأصنام (الصنم المنحوت، أو طاعة النفس والهوى، أو إبليس، أو العالم الضال ...إلخ) لا زال ينتقل أيضاً في ورثة المنهج الشيطاني ومن يعتقد به ويقتص أثره، وهذا يعني أنّ استمرار وجود الخطين أمر حتمي طالما نحن في عالم امتحان سواء اتحدت الأسماء والمسمّيات في نهج ورموز كلا الطرفين أو اختلفت.
      .
      #الدين_الالهي #الاسلام #القرآن . (65) . إشكال 10: إشكال القصص القرآني: يزعم كثير من المشككين أنّ بعض القصص القرآني يتضمّن عدم معقولية، أو إبهام وتردد...
      نزل صامتاً، وصلب صامتاً، وقـُتل صامتاً، وصعد الى ربه صامتاً، هكذا إن أردتم أن تكونوا فكونوا...

      Comment

      • ya howa
        مشرف
        • 08-05-2011
        • 1106

        #48
        رد: الدين الالهي الاسلام القران لعلاء السالم

        #الدين_الالهي
        #الاسلام
        #القرآن
        .
        (66)
        .
        تابع لإشكال 9 المتقدم، إذ ذكرنا فيه (49) مثالاً...

        • مثال 50: يرى بعض المشككين أنه بمقتضى الآية: "الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ.." النور: 26، يفترض أن تكون زوجة كل طيب طيبة وزوجة كل خبيث خبيثة، لكن الآية: "ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا ..." أثبتت أنّ زوجتي نوح ولوط - وهما طيبان بحسب الفرض - خبيثات، وكذلك الآية: "وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ" التحريم: 11. أثبتت أنّ زوجة فرعون - الخبيث بحسب الفرض - طيبة، وبهذا تتعارض الآيتان الأخيرتان مع الآية الأولى.
        .
        الجواب: لا تعارض بين الآيات إذا ما عرفنا المعنى الصحيح للآية: "الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ..".
        .
        أولاً: هذه بعض أقوال علماء المسلمين ومفسّريهم في الآية:
        1- فهم بعضهم الآية بنفس الفهم الذي فهمها به المشككون (أي: أنها تشير إلى حقائق الناس "الأزواج" ومآلهم من جهة الطيب والخبث)، ولأن هذا المعنى لا يصدق في بعض الحالات صرّح هؤلاء بأنّ الآية ليست عامة وإنما خاصة في بعض الحالات كما في آدم وحواء (كلاهما طيب)، وأبو لهب وأم جميل (كلاهما خبيث)، ولكنها لا تشمل مثل حالة آسية (الطيبة) وزوجها فرعون (الخبيث).
        2- بعض آخر حصر فهم الخبث والطيب في الآية بالكلم فقط، بمعنى: الكلمات الطيبة تصدر من الرجل الطيب والكلمات الخبيثة تصدر من الرجل الخبيث، ولا علاقة لها ببيان حال الناس (الأزواج) ومصائرهم، بل لا علاقة لها بالمرأة أصلاً.
        3- بعض ثالث قال: إنّ الخبث والطيب في الآية هو السيئات والحسنات، بمعنى: أن السيئات تصدر من الرجل الخبيث، والحسنات تصدر من الرجل الطيب، فالآية أيضاً خاصة بالرجل من جهة صدور الحسنات والسيئات منه.
        4- بعض رابع فسّر "الخبيثات" في الآية بخصوص النساء الزواني، وكذلك يكون المقصود بالخبيثين من الرجال هم الزناة فقط، ويكون معنى "الطيب" في الرجال والنساء هو عدم الزنا، فالآية - بنظر هؤلاء - لا تشمل غير الزناة من سيّئي الخلق وغير المتدينين عموماً.
        (انظر: الطوسي، التبيان: 7/424؛ الطبرسي، مجمع البيان: 7/227؛ ابن شهراشوب، متشابه القرآن ومختلفه: 1/205؛ تفسير السمرقندي: 2/506؛ تفسير البغوي: 3/335؛ تفسير الرازي: 23/194؛ وغيرهم).
        .
        ويكفي في رد الآراء المتقدمة معرفتنا بأنها جعلت الآية خاصة بالكلام فقط أو بالرجال فقط بناء على تفسير "الخبيثات" بالكلمات أو السيئات التي تصدر من الرجل، أو خاصة بالنساء والرجال الزناة دون غيرهم من الرجال والنساء المتصفين بالخبث والسوء (غير الزنا)، أو حتى خاصة ببعض الحالات ولا تصدق في حالات أخرى بناء على أنها تنظر إلى مصائر الأزواج من حيث الخبث والطيب كما لاحظنا.
        .
        ثانياً: الصحيح أنّ الآية عامة، لكن ليس المقصود بها الإخبار عن حقيقة الناس وباطنهم وما يؤول إليه حالهم ومصيرهم كما توهم المشككون وبعض علماء المسلمين، وإنما هي بمثابة حكم شرعي في استحباب أن يختار كل من الرجل والمرأة المؤمنين الزوج المناسب والكفؤ له، وأكيد أنّ أهم تلك الأمور التي ينبغي مراعاتها عند الإقدام على الزواج هو ملاحظة دين الإنسان وأخلاقه كما نصّت على ذلك نصوص دينية كثيرة، والآية التي نحن بصددها إحدى هذه النصوص، فالآية تبيّن أنّ المؤمن الطيب يستحب له أن يختار المؤمنة الطيبة كزوجة له، ويكره له الزواج بالسيئة والخبيثة، وكذا الحال في المؤمنة إذا أرادت الزواج.
        .
        على هذا، تكون الآية شبيهة تماماً بقوله تعالى: "الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ" النور: 3، من حيث الحكم باستحباب الزواج بالمؤمنة الطيبة ذات الخلق والدين وكراهة الزواج بغيرها ممّن يجوز الزواج بهن، وكذا المرأة يستحب لها أن تختار الرجل الطيب صاحب الخلق والدين ويكره لها الزواج بغيره ممن يجوز الزواج منه.
        .
        عن الإمامين الباقر والصادق (ع)، قالا عن الآية "الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ...": (هي مثل قوله: "الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة" الآية. إن أناساً هموا أن يتزوجوا منهن، فنهاهم الله عن ذلك، وكره ذلك لهم) الطيبرسي، مجمع البيان: 7/237.
        .
        ولا يصح أن يشكل أحد فيقول: لِمَ لم يختار النبي زوجته على الوجه الأتم بعد كون اختيارها تكليفاً شرعياً، ومعلوم أنّ المؤمن يؤدي تكليفه بأتم وجه؟
        لأنّ جوابه: أنّ أنبياء الله ورسله يعملون ويؤدون تكاليفهم مع الناس بحسب ظاهرهم، أما مصائر الناس وعواقب أمورهم ومآلهم فهو من الغيب الذي لا يعلمه إلا الله، والرسل هم عباد لله لا يعلمون من الغيب والأمور المستقبلية إلا ما أطلعهم الله سبحانه عليه، ويبقى علم الغيب المطلق منحصر بالله فقط، وبالتالي فيمكن أن يعمل النبي بتكليفه ويختار زوجة ظاهرها الإيمان والصلاح وحسن الخلق ثم يتضح له حقيقتها السيئة بمرور الزمن.
        .
        وهذا سؤال وجّهته إلى السيد أحمد الحسن بخصوص الآية وجوابه عليه:
        .
        (سؤال: قوله تعالى: "الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيم" النور: 26، كيف نفهم هذه الآية إذا ما لاحظنا أنّ زوجات بعض الأنبياء خبيثات، وزوجات بعض الخبثاء طيبات؟
        .
        الجواب: الآية بمثابة حكم شرعي وليست تقريراً وإخباراً عن أمر واقع وثابت حتى يمكن الإشكال بأنّ زوجة نبي سيئة أو ما شابه.
        وهذه الآية مثل قوله تعالى: "الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ" النور: 3، أي بمعنى أنها حكم كراهة واستحباب، وكما قال رسول الله (ص): "اظفر بذات الدين تربت يداك" لمن يريد أن يتزوج، كذا للمرأة يقال المثل، يعني: "اظفري بصاحب دين وخلق".
        ثم إنّ الرسول اختار حسب الظاهر وهو لا يعلم الغيب، والدليل لمن يجادل في أنّ الرسول لا يعلم الغيب ويمكن أن يختار زوجة ثم يظهر أنها سيئة الخلق أو ما شابه قوله تعالى: "قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلَّا مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ" الأعراف: 188.
        "وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ" معناها واضح.
        ‏طبعاً، الله يعلمه ببعض الغيب ولكن ليس كل الغيب، ربما يعرف كثير من الغيب ولكن ليس كل الغيب. الله يطلع رسله على كثير من الغيب وهم أكيد ليسوا كغيرهم من هذه الناحية، ولكن الكلام في كل الغيب وكل التفاصيل المستقبلية.
        قال تعالى: "قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً *عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً * لِيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً" الجن: 25 - 28.
        يعني: يطلع رسله على الغيب، وكما بيّنت سابقاً: يطلعهم بقدر وليس كل الغيب "قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً" أي: لا أعلم متى هو.
        وأيضاً: حتى الاطلاع على الغيب بصورة صحيحة ودقيقة ليس بأمر هيّن أو ممكن لكل أحد حتى وإن أخلص لله سبحانه؛ لأنها معلومات تنزل إلى هذا العالم السفلي، وبالتالي يمكن أن تختلط بوساوس الشيطان وما شابه من باطل، لهذا فالغيب النقي الذي لا يمكن أن يمسه وساوس الشيطان وما شابه فقط عند الرسل؛ لأن جهتهم محميّة من قبله سبحانه، قال تعالى: ‏"إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً".
        "فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً"؛ أي: لأنه توجد حماية للغيب النازل للرسول ‏فلا يمكن أن يختلط بكلام الشيطان أو الباطل، ولهذا فهو صحيح ودقيق) انتهى.
        .

        #الدين_الالهي #الاسلام #القرآن . (66) . تابع لإشكال 9 المتقدم، إذ ذكرنا فيه (49) مثالاً... • مثال 50: يرى بعض المشككين أنه بمقتضى الآية: "الْخَبِيثَاتُ...
        نزل صامتاً، وصلب صامتاً، وقـُتل صامتاً، وصعد الى ربه صامتاً، هكذا إن أردتم أن تكونوا فكونوا...

        Comment

        • ya howa
          مشرف
          • 08-05-2011
          • 1106

          #49
          رد: الدين الالهي الاسلام القران لعلاء السالم

          #الدين_الالهي
          #الاسلام
          #القرآن
          .
          (67)
          .
          الإشكال 10........
          .
          • مثال 2: قصة أصحاب الكهف:
          بحسب المشككين: سورة الكهف تتحدث عن أصحاب الكهف، وكان يفترض أن تتكفل بيان حالهم وعددهم ومدة لبثهم، وفق الآية: "نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ " الكهف: 13، لكن القرآن - من جهة - ردّد عدد الفتية بين "ثلاثة رابعهم كلبهم" و"خمسة سادسهم كلبهم" و"سبعة ثامنهم كلبهم"، ولم يذكر العدد الحقيقي لهؤلاء!
          .
          ومن جهة ثانية: لم يذكر عدد السنين الحقيقي لمدة لبثهم، وإنما قال: "وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا" ثم أعقبه بقوله: "قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا..." الكهف: 25 - 26، لهذا قالت اليهود: (لو كان خبراً من الله عن قدر لبثهم في الكهف لم يكن لقوله "قل الله أعلم بما لبثوا" وجه مفهوم وقد أعلم الله خلقه مبلغ لبثهم فيه وقدره "ولبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعا") انظر: الثعلبي، الكشف والبيان: 6/165.
          .
          الجواب: الدليل العقلي والنقلي القطعي قام على اتصاف الله سبحانه بالعلم المطلق الذي لا جهل فيه، وبالتالي فالله يعلم بعدة أصحاب الكهف وبمدة لبثهم في الكهف قطعاً، أما الترديد الوارد في الآية - بخصوص عدتهم - فهو قول الذين عثروا عليهم وأيضاً هو قول الخائضين في أمرهم بدون علم، وقد أخبر الله عن ترددهم وعدم علمهم في بيان عدتهم في الآية، وليس ترديداً منسوباً لله تعالى عن ذلك علواً كبيراً.
          .
          قال تعالى: "وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا * سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا * وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا * وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا * قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا" الكهف: 21 - 22.
          .
          أوضح خلفاء الله قصة أصحاب الكهف وما ذكره القرآن بخصوصهم، وكان سبب نزول السورة أنّ قريشاً أرسلت ثلاثة نفر إلى نجران ليتعلموا منهم مسائل يسألونها الرسول (ص) كان منها سؤاله "عن فتية كانوا في الزمن الأول فخرجوا وغابوا وناموا وكم بقوا في نومهم حتى انتبهوا؟ وكم كان عددهم؟ وأي شيء كان معهم من غيرهم وما كان قصتهم؟"، وبعد عودتهم سألوا الرسول (ص)، وبعد فترة قص الله خبرهم على رسوله (ص).
          .
          (..... فقال الصادق عليه السلام: إن أصحاب الكهف والرقيم كانوا في زمن ملك جبار عات وكان يدعو أهل مملكته إلى عبادة الأصنام فمن لم يجبه قتله وكان هؤلاء قوماً مؤمنين يعبدون الله عز وجل ووكل الملك بباب المدينة وكلاء ولم يدع أحداً يخرج حتى يسجد للأصنام فخرج هؤلاء بحيلة الصيد وذلك أنهم مروا براعٍ في طريقهم فدعوه إلى أمرهم فلم يجبهم وكان مع الراعي كلب فأجابهم الكلب وخرج معهم ...، فخرج أصحاب الكهف من المدينة بحيلة الصيد هرباً من دين ذلك الملك، فلما أمسوا دخلوا ذلك الكهف والكلب معهم فألقى الله عليهم النعاس كما قال الله تعالى "فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا"، فناموا حتى أهلك الله ذلك الملك وأهل مملكته وذهب ذلك الزمان وجاء زمان آخر وقوم آخرون ثم انتبهوا فقال بعضهم لبعض: كم نمنا ها هنا؟ فنظروا إلى الشمس قد ارتفعت فقالوا: نمنا يوماً أو بعض يوم ثم قالوا لواحد منهم خذ هذا الورق وادخل المدينة متنكراً لا يعرفوك فاشتر لنا طعاماً فإنهم إن علموا بنا وعرفونا يقتلونا أو يردونا في دينهم، فجاء ذلك الرجل فرأى مدينة بخلاف الذي عهدها ورأي قوماً بخلاف أولئك لم يعرفهم ولم يعرفوا لغته ولم يعرف لغتهم، فقالوا له: من أنت ومن أين جئت؟ فأخبرهم فخرج ملك تلك المدينة مع أصحابه والرجل معهم حتى وقفوا على باب الكهف وأقبلوا يتطلعون فيه فقال بعضهم: هؤلاء ثلاثة ورابعهم كلبهم وقال بعضهم: خمسة وسادسهم كلبهم وقال بعضهم: هم سبعة وثامنهم كلبهم وحجبهم الله عز وجل بحجاب من الرعب فلم يكن أحد يقدم بالدخول عليهم غير صاحبهم فإنه لما دخل إليهم وجدهم خائفين أن يكون أصحاب دقيانوس شعروا بهم فأخبرهم صاحبهم أنهم كانوا نائمين هذا الزمن الطويل وأنهم آية للناس فبكوا وسألوا الله تعالى أن يعيدهم إلى مضاجعهم نائمين كما كانوا ثم قال الملك، ينبغي أن نبني ههنا مسجداً ونزوره فإن هؤلاء قوم مؤمنون، .....) تفسير القمي: 2/32 - 34.
          .
          وهذا يعني أنّ الترديد في بيان عدّتهم كان من القوم الذين عثروا عليهم، وبالتالي فلا إشكال في أن تذكر الآية عطفاً على ترددهم بين "ثلاثة وخمسة وسبعة" أنّ الله هو الأعلم بعدتهم: "سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ".
          .
          أما عددهم الحقيقي فعلاً فهو سبعة، قال السيد أحمد الحسن:
          (قصة "أصحاب الكهف" معروفة، وهي باختصار قصة رجال مؤمنين عددهم سبعة كفروا بالطاغوت في زمانهم، والمتمثل بجهتين:
          - الأولى: هي الحاكم الظالم الجائر الكافر.
          - والثانية: هي علماء الدين الضالون الذين حرّفوا دين الله وشريعته.
          فكلّ من هذين؛ الطاغوت نصّب نفسه إلهاً يُعبد من دون الله، الحاكم الجائر نصّب نفسه إلهاً يُعبد من دون الله في أمور الدنيا ومعاش العباد وسياستهم، والعلماء غير العاملين الضالون نصبوا أنفسهم آلهة يعبدون من دون الله في أمور الدين والشريعة. وهكذا تحرّر هؤلاء الفتية من عبادة الطاغوت، وكفروا بالطاغوت. وهذا الكفر بالطاغوت هو أول الهدى، فزادهم الله هدى بأن عرّفهم طريقه سبحانه، والإيمان به، والعمل لإعلاء كلمته سبحانه وتعالى، "إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدى"، "وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا َعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقاً" الكهف: 13، 16.......) المتشابهات: جواب سؤال 72.
          .
          وأما مدة لبثهم في الكهف فهي 309 سنة كما أخبر سبحانه: "وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا"، وأما قوله تعالى: "قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ" فهو للتأكيد على الإخبار وعلى جهل من يجادل فيما يخبر به الله سبحانه، يعني هكذا: (الله يقول: إنهم لبثوا 309 سنة، وأنا أعرف منكم وأعلم منكم لأن كل شيء مكشوف لي وفي علمي وتحت تصرفي) بهذا المعنى تقريباً. هذا ما عرفته من السيد أحمد الحسن في بيان معنى الآيتين.
          .
          بهذا يتضح أنّ إشكال المشككين لا وجه له أصلاً.
          .


          #الدين_الالهي #الاسلام #القرآن . (67) . الإشكال 10........ . • مثال 2: قصة أصحاب الكهف: بحسب المشككين: سورة الكهف تتحدث عن أصحاب الكهف، وكان يفترض أن...
          نزل صامتاً، وصلب صامتاً، وقـُتل صامتاً، وصعد الى ربه صامتاً، هكذا إن أردتم أن تكونوا فكونوا...

          Comment

          • ya howa
            مشرف
            • 08-05-2011
            • 1106

            #50
            رد: الدين الالهي الاسلام القران لعلاء السالم

            #الدين_الالهي
            #الاسلام
            #القرآن
            .
            (68) - ق1
            .
            • مثال 3: قصة اصطفاء الله لموسى وإرساله إلى فرعون:
            حادثة اصطفاء موسى وإرساله إلى فرعون في القرآن وردت في أكثر من موضع منها سورة طه والقصص والنمل، وبنظر المشككين: فإنّ من يقرأها في تلك المواضع يجد أنها تختلف في:
            1- قول موسى لأهله.
            2- القول الذي قيل لموسى عند وصوله إلى مكان الاصطفاء.
            3- موقف موسى عند رؤية آيات الله.
            وبالنتيجة: الحادثة واحدة، ولكن القرآن يعرضها بصور مختلفة، فكيف يتفق هذا مع وحدة الحادثة!
            .
            الجواب: قبل عرض القصة في السور الثلاث ينبغي لنا ابتداءً أن نعرف مسألة تكاد تكون واضحة وبديهية، هي: إنّ بيان حقيقة ما لا يشترط في إثبات صدقها من قائلها أن يذكرها بتمامها وبنفس الطريقة في كل المناسبات التي يتعرّض فيها لتلك الحقيقة، فمثلاً لو كانت الحقيقة تتضمن عشرة أمور وهو عند بيانه لها ذكر أمرين فقط أو ثلاثة يصح منه ذلك كما يصح منه ذكر الأمور العشرة بتمامها.
            .
            وأيضاً: يمكنه أن يبيّن الحقيقة بأكثر من طريق، فربما أوجز أو أجمل في البيان لغرض ما، وربما قدّم أو أخّر في بعض التفاصيل ونحو ذلك مما لا يؤثر على الحقيقة نفسها، ويبقى الناطق بها صادقاً في جميع طرق بيانه لها طالما أنّ ما يذكره حاصل فعلاً وهو جزء من نفس الحقيقة وليس شيئا دخيلاً عليها.
            .
            وأيضاً: إذا كان غرض المتكلم هو بيان الحقيقة، فيمكنه إيصالها إلى المتلقي بعبارات وألفاظ مختلفة بل وحتى معاني مختلفة طالما أنها توصل المتلقي إلى نفس الحقيقة أو تقرّبه من فهمها ومعرفتها. فمثلاً: الحكيم الذي يريد حث المتلقي على "وضع الشيء في موضعه" وتقريب الفكرة له بمثال، يمكنه أن يقرّب له الصورة بقوله: "لا تجمع الهواء في شبك"، أو قوله: "لا تزرع في أرض سبخة"، ... وغير ذلك من ألفاظ ومعاني مختلفة لكن جميعها يدور في فلك تقريب الحقيقة المراد تفهيمها للمتلقي.
            .
            إذا عرفنا هذا، نعود الآن إلى قراءة القصة "محل البحث" في المواضع الثلاثة في القرآن الكريم:
            1- القصة في سورة طه، قال تعالى: "وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى * إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى * فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى * إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى * وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى * إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي * إِنَّ السَّاعَةَ آَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى * فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى * وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآَرِبُ أُخْرَى * قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى * فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى * قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى * وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آَيَةً أُخْرَى * لِنُرِيَكَ مِنْ آَيَاتِنَا الْكُبْرَى * اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى" طه: 10 - 24.
            .
            2- القصة في سورة النمل، قال تعالى: "إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا سَآَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آَتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ * فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآَهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ * إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آَيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ" النمل: 7 - 12.
            .
            3- القصة في سورة القصص، قال تعالى: "فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آَنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ * فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآَهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآَمِنِينَ * اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ" القصص: 29 - 32.
            .
            ذكر آل محمد (ع) في رواياتهم تفاصيل كثيرة عن نبي الله موسى (ع) وما جرى معه ابتداء بمولده ونشأته في بيت فرعون مروراً بتركه مصر وتوجّهه إلى مدين بعد طلب فرعون له، ثم ما جرى له في مدين وزواجه من بنت نبي الله شعيب (ع).
            .
            وبعد مضي فترة من الزمن أراد موسى (ع) الرجوع إلى وطنه وأهله، فسار بأهله وغنمه بعد أن أعطاه نبي الله شعيب (ع) عصا كان قد احتفظ بها كإرث وصله من أنبياء الله السابقين تنفعه لسوق غنمه في الطريق، فلما وصلوا في طريقهم إلى مفازة جنّ عليهم الليل وأصابهم ريح وبرد شديد وكان موسى (ع) قد أخطأ الطريق وإذا به يرى ناراً قد ظهرت، فذهب نحوها لعله يأتي منها بأمرين (أو أحدهما):
            .
            - "إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى".
            - "إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا سَآَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آَتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ".
            - "آَنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ".
            .
            وبحسب ظاهر الآيات، الأمران هما: "قبس + هدى" في الآية الأولى، و"خبر + قبس" في الآية الثانية، و"خبر + جذوة من النار" في الآية الثالثة.
            .
            قبس من النار: أي شعلة منها تؤخذ بطرف عود أو قضيب لأجل التدفئة أو الإنارة ونحو ذلك، والجذوة - لغة - هي قطعة ملتهبة من النار، وبالتالي فالقبس هو جذوة حتماً. كما أنّ الـ "خبر" الذي يريد الإتيان به هو "هدى" يهتدي به لمعرفة الطريق، إذ - بحسب الظاهر - كان ذهاب موسى (ع) للنار لأجل معالجة الحال الذين يعانون منه أي شدة البرد "لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ"، وأيضاً إيجاد السبيل الذي يهتدون به في معرفة الطريق.
            .
            موسى (ع) الذي لم يفضّل نفسه على مخلوق من مخلوقات الله - كما ورد في النصوص - أكيد لم يكن يخطر في باله أنّه سيُصطفى للرسالة الإلهية ويحظى بكل التكريم الربّاني الذي حظي به عند ذهابه إلى النار التي تراءت له من جانب الطور الأيمن.
            .
            ذهب موسى (ع) باتجاه النار وفي طريقه إليها جاءه النداء الذي تحقق له (ع) أنه نداء ووحي إلهي: "إني أنا ربك ... إنني أنا الله لا إله إلا أنا ... أنا الله العزيز الحكيم ... أنا الله رب العالمين"، فعرف حينذاك أنه في محضر قدس وطهارة، ومن لاحظ النداء بحسب الآيات المتقدمة وجد مضمونه متفقاً في مجمل الأمور الأساسية التي حصلت في حادثة الاصطفاء، وهي:
            .
            1- موسى (ع) نودي بعد ذهابه باتجاه النار التي تراءت له.
            2- النداء كان نداء ووحياً إلهياً.
            3- وحدة الجهة التي نادته بالرغم من اختلاف الإشارة لها، حيث رمز لها بـ "الوادي المقدس"، "مباركة" هي ومن يقترب منها ويكون حولها، "الوادي الأيمن" في "البقعة المباركة" من "الشجرة"، أو "الطور الأيمن" كما في قوله تعالى: "وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً" مريم: 52، وسيتضح لاحقاً أنها صفات ورموز لجهة واحدة وليس كما توهم من يجهل الحقيقة.
            4- اصطفاء موسى واختياره رسولاً إلهياً وبعثه إلى الطاغية فرعون وقومه الفاسقين بعد تأييده باثنتين من آيات الله الكبرى؛ العصا واليد البيضاء.
            5- بخصوص آية العصا فقد تحولت إلى حية "جان" ما تسبّب بخوف موسى (ع) فطلب منه أن لا يخاف وأنه من المرسلين الآمنين. وأما آية اليد البيضاء وضمّها إلى الجيب والجناح فهي أيضاً موجودة في كل المواضع، وقد تقدم بيان معناها في جواب مثال 19 من إشكال 9).
            .
            وهكذا، نرى بوضوح تام أنّ الأمور الأساسية لقصة اصطفاء موسى في القرآن يلتقي بعضها بالبعض الآخر في جميع السور التي تعرّضت لها. نعم، كانت هناك تفاصيل أخرى في النداء وما أوحي لموسى (ع) ذكرت في موضع ولم تذكر في آخر مثل: عبادة الله والصلاة والساعة والسؤال عن العصا التي وردت في سورة طه بالخصوص، وأيضاً مثل: بيان حال موسى (ع) "وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ" حيث أجمل الأمر في سورة طه "خُذْهَا وَلَا تَخَفْ"، لكن بيّنت سابقاً أنّ ذكر الحقيقة بتفصيل أكثر في موضع دون آخر لا يؤثر على صدقها وأحقيتها ووحدتها؛ خصوصاً وأنّ المواضع الأخرى لم تنفِ حصول تلك التفاصيل.
            .
            والنتيجة: إنّ موسى (ع) الذي ذهب ليقتبس لأهله ناراً عاد لهم وقد ظفر بالخير كله، قال الإمام الصادق (ع): (كن لما لا ترجو أرجى منك لما ترجو فإنّ موسى (ع) ذهب ليقتبس لأهله ناراً فانصرف إليهم وهو نبي مرسل) الكليني، الكافي: 5/83.
            .
            ........... (يتبع)



            #الدين_الالهي #الاسلام #القرآن . (68) - ق1 . • مثال 3: قصة اصطفاء الله لموسى وإرساله إلى فرعون: حادثة اصطفاء موسى وإرساله إلى فرعون في القرآن وردت في...
            نزل صامتاً، وصلب صامتاً، وقـُتل صامتاً، وصعد الى ربه صامتاً، هكذا إن أردتم أن تكونوا فكونوا...

            Comment

            • ya howa
              مشرف
              • 08-05-2011
              • 1106

              #51
              رد: الدين الالهي الاسلام القران لعلاء السالم

              #الدين_الالهي
              #الاسلام
              #القرآن
              .
              (68) - ق2
              .
              (تكملة المنشور السابق)...
              .
              بالتأكيد إنّ مسألة اصطفاء الله لأي نبي ورسول تتم عن طريق رسل الله المكلّفين بتنفيذ تلك المهمة وإبلاغ الأمانة مبلغها وصاحبها بكل دقة وأمانة، ومسألة اصطفاء موسى (ع) نبياً ورسولاً إلهياً (محور هذه الحادثة) أيضاً كذلك، لذا فلا يكون لحادثة الاصطفاء معنى معقول إذا ما أردنا أن نفهم "النار، والشجرة، والطور الأيمن أو الوادي الأيمن" الواردة فيها بمعناها المادي والأرضي الصرف المعهود للجميع ودون أن تكون هذه المفردات إشارات ورموز تحكي وتشير إلى حقائق إلهية كامنة وراءها، بحيث يكون معرفة تلك الحقائق كفيل بتفسير حادثة اصطفاء موسى.
              .
              نحن نعتقد - وكذا جميع المؤمنين بالله صدقاً - أنّ الله سبحانه منزه عن الجسمية والتجسد ولا يتكلم بلغة كلغاتنا (حروف وصوت)؛ لأن كل ذلك من صفات الموجود الحادث والله سبحانه منزه عنها، ولهذا ورد في النصوص الدينية أنّ الله تجلّى (ظهر) لموسى بمخلوق من مخلوقاته وخاطب موسى من خلاله، ولما كان ذلك المخلوق يُصدِر عن مراد الله اعتبر كلامه كلام الله.
              .
              أوضح السيد أحمد الحسن معنى "الشجرة، الوادي الأيمن، الطور الأيمن" التي خاطب الله موسى بواسطتها، حيث سئل عن معنى قوله تعالى: "فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ"، ومعنى قوله تعالى: "وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً" مريم: 52، فأجاب:
              .
              (الشجرة هي: "الشجرة المباركة في القرآن"، وهي شجرة آل محمد (ع)، وفروعها الأئمة والمهديون: "أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ" إبراهيم: 24.
              والطور الأيمن، والوادي الأيمن هو: اليماني (المهدي الأول من المهديين)، والبقعة المباركة هو: الحسين (ع)، فالكلام من الطور الوادي الأيمن، أي اليماني (المهدي الأول)، والوادي الأيمن الطور الأيمن من البقعة المباركة أي من الحسين، فالمهدي الأول (اليماني) من ولد الحسين؛ لأنه من ذرية الإمام المهدي (ع)، والبقعة المباركة من الشجرة (أي محمد وعلي عليهما السلام)، فالحسين من محمد وعلي عليهما السلام.
              عن الصادق (ع): "شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ" الذي ذكره الله تعالى فِي كتابه هو الفرات "والْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ" هي كربلاء، والشجرة هي محمد" المجلسي، بحار الأنوار: 13/49.
              والفرات نهر من الجنة، واليماني أيضاً نهر من الجنة، تلقى فيه أعمال العباد كما ورد عن الصادق (ع): "الركن اليماني بابنا الذي يُدخل منه الجنة، وفيه نهر من الجنة تلقى فيه أعمال العباد" الحر العاملي، وسائل الشيعة (آل البيت):13/339.
              وكربلاء هي الحسين (ع)، والشجرة هي محمد وعلي عليهما السلام؛ لأنهما أبوا العترة. فالمُكلم المباشر هو المهدي الأول (اليماني): "وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً". وقائد المكلم هو علي بن أبي طالب (ع) "مِنَ الشَّجَرَةِ"؛ لأن الشجرة كلها علي بن أبي طالب (ع)، فهو أبو العترة، أما أصل الشجرة فهو محمد (ص).
              فمكلم موسى هو الله، ومكلم موسى هو محمد (ص)، وهو علي (ع)، ومكلم موسى هو المهدي الأول (اليماني). وقد سماه أمير المؤمنين (ع) مكلم موسى، وبيَّن علامات ظهوره: "إذا صاح الناقوس، وكبس الكابوس، وتكلم الجاموس (الجاموس هو الجامد، والمراد هنا: الصامت الساكت) فعند ذلك عجائب وأي عجائب إذا أنارت النار ببصرى، وظهرت الراية العثمانية بوادي سوداء، واضطربت البصرة وغلب بعضهم بعضا، وصبا كل قوم إلى قوم، وتحركت عساكر خراسان، ونبع شعيب بن صالح التميمي من بطن الطالقان، وبويع لسعيد السوسي بخوزستان، وعقدت الراية لعماليق كردان، وتغلبت العرب على بلاد الأرمن والسقلاب، وأذعن هرقل بقسطنطينة لبطارقة سينان، فتوقعوا ظهور مُكلِم موسى من الشجرة على الطور (وعلى الطور: أي في النجف؛ لأن الطور نقل إلى وادي السلام كما روي عنهم)، فيظهر هذا ظاهر مكشوف، ومعاين موصوف . . . ثم بكى صلوات الله عليه وقال: واهاً للأمم …" معجم أحاديث الإمام المهدي (ع): 3/27.
              وهذا موجود في القرآن، فالله يتوفى الأنفس، وأيضاً عزرائيل، وأيضاً جند عزرائيل: "اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا" الزمر: 42. "وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ" النحل: 70. "قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ" السجدة: 11. "وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ" الأنفال: 50. وفي كل الأحوال إذا توفى الأنفس الملائكة، أو ملك الموت، فالمتوفي الحقيقي هو الله، وكذلك الحال هنا فإذا كان مكلم موسى هو علي (ع)، أو المهدي الأول، فالمكلم الحقيقي لموسى هو الله سبحانه) المتشابهات: جواب سؤال 181.
              .
              الآن، بدا لنا جلياً أنّ حادثة اصطفاء الله لموسى لها ارتباط بسادة رسل الله وقادة جند الله أعني محمداً وآل محمد (صلوات الله عليهم) شاء من شاء وأبى من أبى، ولا أقل من أراد أن يفهم مراد الله في القرآن الكريم فيجب عليه أن يفهمه وفق ما بينه عِدْله الناطقون به.
              .
              صار بوسعنا الآن أن نعرف لماذا كانت النار التي أتاها موسى (ع) مباركة وكانت سبباً لإفاضة الخير والهدى والنور وجلباب الاصطفاء عليه، فمعلوم أنّ الإرسال والبعث إلهي بينما النار المادية تحرق من كان فيها وتلتهم ما كان حولها "قريباً منها" ولا تكون بركة عليه وعلى من حوله.
              .
              واضح أنّ النار التي اتجه إليها موسى (ع) - بحسب الحقيقة - هي نار هدى إلهي، فموسى ينشد الهدى الإلهي ومعرفة طرق السماء قبل طرق الأرض، والاصطلاء الذي يرجوه موسى (ع) ويتمناه لنفسه ولأهله هو زيادة المعرفة بالله والهيام بالحقيقة وتحصيل اليقين الذي لا يخالطه شك.
              .
              قال تعالى: "إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَاراً سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ * فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ".
              .
              يقول السيد أحمد الحسن في بيان معناها: (..... فمحمد (ص) هو النار في هذه الآية، وهو البركة التي يبارك بها الله على من في النار ومن حولها أما الذي في النار فهو علي (ع)، قال (ع) في إحدى خطبه: "أنا من كلّم موسى"، ..... أما الذين حولها - أي حول النار - فهم الأئمة (ع)، كحلقة أقرب إلى مركز النار، ثم تليهم حلقات تلتف حول المركز، وهم المهديون الإثنا عشر بعد القائم (ع)، والأنبياء والمرسلون وخاصة الشيعة من الأولياء الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون كالثلاث مائة وثلاثة عشر أصحاب القائم (ع) وسلمان المحمدي وأشباههم.
              إذن، فموسى (ع) أراد أن يأتي لأهله بالخبر والهدى من النار لعلهم يصطلون بالنار أي يحترقون بها، ليكونوا على اليقين الذي لا يخالطه شك، "وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى * إِذْ رَأى نَاراً فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً" ...) المتشابهات: جواب سؤال 106.
              يحترقون بها: أي تزداد معرفتهم ويقينهم بالحقيقة.
              .
              جاء موسى (ع) باتجاه النار التي آنسها، جاء باتجاه الشجرة التي كلّم منها، باتجاه النور الإلهي (محمد وعلي وآلهما)، ولما اقترب نودي أنه في محضر القدس والطهر الإلهي، ولما عرف ذلك جاء مسرعاً بعد أن طُلب منه أن يخلع نعليه "فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ"؛ لأنهما يبطّئان من سرعة سيره، وأيضاً لما كان في محضر قدس وطهارة فلا ينبغي أن يحمل معه كل ما يتنافى مع ساحة القدس الإلهي كالخوف ممّا سوى الله.
              .
              يقول السيد أحمد الحسن في بيان قوله تعالى: "إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً":
              (النعل في رجل أي إنسان يقيها، ولكنه أيضاً يُبطّئ من سرعة سيره. ولم يُرِد سبحانه وتعالى فقط النعلين الماديين اللتين تبطّئان من سرعة سيره (ع) للوصول إلى الشجرة التي كُلم منها، بل أيضاً كان سبحانه يريد من موسى (ع) أن ينزع من نفسه كل ما يعيقها في سيرها إلى الله سبحانه، فكان سبحانه يريد من موسى (ع) أن ينزع حبّه لما سوى الله، وأن ينزع خوفه مما سوى الله. فلا يقي نفسه بالخوف والحذر، بل بالله سبحانه وتعالى، ويكون حبّه لأي إنسان بالله ومن خلال حبّه لله سبحانه وتعالى.
              والخوف من الطواغيت - كفرعون - من صفات العلماء غير العاملين، فقلوبهم مليئة بالخوف من الطاغوت، أو كما يسميهم الله سبحانه في القرآن الكريم بالحمير، قال تعالى: "مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ …" الجمعة: 5، وقال تعالى: "إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ" لقمان: 19. وقال تعالى: "كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ" المدثر: 50.
              ورد عن الصادق (ع) في تفسير هذا الخطاب الإلهي لموسى (ع): "فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ": "لأنّها كانت من جلد حمار ميّت"، فلم يرد الصادق (ع) إلا بيان هذه الصفة، وهي الخوف من الطاغوت على النفس وهي من صفات العلماء غير العاملين أو الحمير، ولم يكن الصادق (ع) يريد أنّ في قلب موسى خوف من الطاغوت بعد دخوله ساحة القدس الإلهي.
              فالله سبحانه وتعالى يقول لموسى (ع): أنت وصلت إلى ساحة القدس الإلهية، "لا تَخَافُ دَرَكاً ولا تَخْشَى"؛ لأنّ الذي يدافع عنك هو الله، فأنت الآن في ساحة قدسه، الوادي المقدس طوى، ولم يكن في قلب موسى (ع) بعد أن وصل إلى ساحة القدس الإلهي أي خوف من الطواغيت، ولكنْ في هذا الخطاب الإلهي تعليم من الله سبحانه وتعالى لكل إنسان يريد الوصول إلى الساحة المقدّسة (الوادي المقدّس طوى) أنّ عليه أولاً وليكون أهلاً أن يلج هذه الساحة المقدّسة أن ينزع من قلبه الخوف من الطواغيت كفرعون، ويوقن أن الذي يدافع عنه هو الله سبحانه وتعالى القادر على كل شيء في مقابل من لا يقدرون على شيء.
              فالمطلوب من موسى (ع) الآن وهو يلج ساحة القدس أن ينزع من قلبه الخوف مما سوى الله ولو كان مثقال ذرة، ثم أن يملأ قلبه خوفاً من الله سبحانه وتعالى.
              أمّا قول موسى (ع): "وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ" الشعراء: 14، فقد أراد موسى (ع) الخوف على الرسالة الإلهية وليس على نفسه، فهو يخاف أن يقتلوه قبل أن يتم تبليغ الرسالة الإلهية المكلف بها، فلما أجابه الله تعالى بقوله: "كَلَّا فَاذْهَبَا بِآياتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ" الشعراء: 15، ذهب موسى مسرعاً إلى الطاغية، وأبلغه بالرسالة وبلّغ بني إسرائيل وأتم تبليغ الرسالة بفضل الله القادر على كل شيء) الجواب المنير عبر الأثير: جواب سؤال 60.
              .
              موسى (ع) الذي خرج من أهله وقومه وحيداً خائفاً ووصل مدين بعد مسير طويل، غريباً أنهكه الجوع والتعب وقد زويت عنه الدنيا تماماً، حتى قصّ القرآن قوله بعد أن سقى الماء لبنتي شعيب: "فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ" القصص: 24، يقول أمير المؤمنين (ع): (والله ما سأل الله إلا خبزاً يأكله لأنه كان يأكل بقلة الأرض ولقد رأوا خضرة البقل في صفاق بطنه - أي جلدها - من هزاله)، موسى (ع) الذي كان هذا حاله عاد إلى أهله وقومه أمة في رجل وهو معبّأ بنور الله، حاملاً رسالة الله، ممتلئاً يقيناً وثقة بالله، مرتدياً ثوب المعرفة به والإخلاص له والتوكل عليه، قائماً بدين الله بهمّة وعزم لا يلين لإنجاز مراد الله وتبليغ رسالته ودينه، ثائراً بوجه أعتى الطغاة، و "ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ" الحديد: 21.
              .
              وهكذا، نكون قد خلصنا إلى أنّ قصة اصطفاء موسى (ع) التي وردت في القرآن في أكثر من سورة مترامية الأطراف غزيرة المعنى تلتقي حقائقها وآيات ذكرها بعضها بالبعض الآخر، لكن الجهل - قاتله الله - كان السبب في إيهام المشككين بوجود الاختلاف والتضارب بين الآيات الحاكية لها، وهو مجرد وهم لا أصل له.
              .
              أما بالنسبة إلى علماء المسلمين فقد اكتفوا ببيان الآيات إجمالاً بحسب ظاهرها، بل خالفوا حتى الظاهر أحياناً، فمثلاً:
              في معنى قوله تعالى: "بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا" ذكروا عدة أقوال، منها:
              - بورك من في قرب النار وليس من يتوغل فيها، ومن حولها: أي من لم يقرب منها.
              - وقيل: المراد بورك نور الله في النار أو الملائكة الموكلين بالنار، ومن حولها: هم الملائكة أو موسى.
              - وقيل: بورك سلطان الله في النار وما حوله هم الملائكة وموسى.
              - وقيل: بورك مكان النار وما حوله من مكان.
              وذكروا أقوالاً أخرى أيضاً. (انظر: الطوسي، التبيان: 6/238، 8/77؛ الطبرسي، جامع الجوامع: 2/700، ومجمع البيان: 7/364؛ الطباطبائي، الميزان: 15/343؛ الطبري، جامع البيان: 19/163 - 164؛ النحاس، معاني القرآن: 5/116؛ تفسير الرازي: 24/182؛ وغيرهم).
              .
              وأيضاً: كما اكتفى أغلبهم بتفسير "النار" في آيات الحادثة بالنار المادية فقط فعلوا نفس الشيء في تفسيرهم لمعنى "الشجرة" و"الوادي الأيمن" أو "الطور الأيمن" الوارد ذكرها في الآيات، وهو أمر واضح لمن راجع كلامهم في تفاسيرهم، ولولا إتيانهم على ذكر "الملائكة" عند بيان الآيات لكانت حادثة اصطفاء الله لموسى رسولاً بنظرهم مادية وأرضية بنحو صرف 100%.
              .
              #الدين_الالهي #الاسلام #القرآن . (68) - ق2 . (تكملة المنشور السابق)... . بالتأكيد إنّ مسألة اصطفاء الله لأي نبي ورسول تتم عن طريق رسل الله المكلّفين...
              نزل صامتاً، وصلب صامتاً، وقـُتل صامتاً، وصعد الى ربه صامتاً، هكذا إن أردتم أن تكونوا فكونوا...

              Comment

              • ya howa
                مشرف
                • 08-05-2011
                • 1106

                #52
                رد: الدين الالهي الاسلام القران لعلاء السالم

                #الدين_الالهي
                #الاسلام
                #القرآن
                .
                (69) - ق1
                .
                • مثال 4: يقول بعض المشككين: إنّ القرآن بيّن في عدة آيات أنّ الشياطين أصبحت لا تستطيع الصعود للسماء بعد بعثة النبي ومن أراد منهم أن يخطف الخطفة (المعلومة) يتبعه شهاب ثاقب فيهلكه. فالجن كانت تقعد مقاعد للسمع ولكن الكواكب أصبحت رجوماً والشهب أصبحت رواصد: "وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا" الجن: 2. "إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ * وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ * لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ * دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ * إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ" الصافات: 6 - 10. "وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِّلشَّيَاطِينِ" الملك: 5.
                والإشكال بحسبهم هو:
                1- لماذا لم يكف الملائكة عن تناول الأخبار فيما بينهم ويفوّتوا على الشياطين غرضهم باستراق السمع منهم؟
                2- ألم يكن من الأسهل منع الشياطين من الصعود للسماء أصلاً بدلاً من الانتظار حتى اقترابهم منها ثم رميهم بالشهب بعد ذلك!
                3- ما دام قذف الشياطين بالشهب كان لحماية النبوة فلِمَ استمرت الشهب بعد موت النبي؟
                4- كيف لا يتعظ الجن ويكفّوا عن استراق السمع وهم يرون الشهاب الثاقب يتبع من يسترق السمع منهم (باعتبار أنّ ظاهرة الشهب موجودة الآن)؟!
                5- إذا كان الجن من نار فكيف تحرقهم الشهب وهي من نار، ومن المعلوم أنّ النار لا تحرق النار بل تزيدها اشتعالاً وتوهجاً.
                6- العلماء فسّروا الشهب تفسيراً علمياً ولا علاقة لها بما ذكره القرآن.
                .
                الجواب:
                .
                أولاً: مسألة استراق السمع من قبل إبليس وغيره من الشياطين وتجسسهم على أنباء الملأ الأعلى كانت تحصل قبل مولد الرسول (ص)، وانقطعت هذه الظاهرة بمولد رسول الله (ص).
                قال الإمام الصادق (ع): (كان إبليس (لعنه الله) يخترق السماوات السبع، فلما ولد عيسى (عليه السلام) حجب عن ثلاث سماوات، وكان يخترق أربع سماوات، فلما ولد رسول الله (صلى الله عليه وآله) حجب عن السبع كلها، ورميت الشياطين بالنجوم، وقالت قريش: هذا قيام الساعة الذي كنا نسمع أهل الكتب يذكرونه، وقال عمرو بن أمية، وكان من أزجر أهل الجاهلية: انظروا هذه النجوم التي يهتدى بها، ويعرف بها أزمان الشتاء والصيف، فإن كان رمي بها فهو هلاك كل شئ، وإن كانت ثبتت ورمي بغيرها فهو أمر حدث. .....
                قال: وصاح إبليس (لعنه الله) في أبالسته، فاجتمعوا إليه، فقالوا: ما الذي أفزعك يا سيدنا؟ فقال لهم: ويلكم، لقد أنكرت السماء والأرض منذ الليلة، لقد حدث في الأرض حدث عظيم ما حدث مثله منذ رفع عيسى بن مريم، فاخرجوا وانظروا ما هذا الحدث الذي قد حدث، فافترقوا ثم اجتمعوا إليه، فقالوا: ما وجدنا شيئا. فقال إبليس: أنا لهذا الامر. ثم انغمس في الدنيا، فجالها حتى انتهى إلى الحرم، فوجد الحرم محفوفا بالملائكة، فذهب ليدخل، فصاحوا به فرجع، ثم صار مثل الصر - وهو العصفور - فدخل من قبل حراء، فقال له جبرئيل: وراءك لعنك الله. فقال له: حرف أسألك عنه يا جبرئيل، ما هذا الحدث الذي حدث منذ الليلة في الأرض؟ فقال له: ولد محمد (صلى الله عليه وآله). فقال له: هل لي فيه نصيب؟ قال: لا. قال: ففي أمته؟ قال: نعم. قال: رضيت) الصدوق، الأمالي: 360.
                .
                لم يكن تزامن منع الشياطين عن الصعود إلى السماء وحجبهم عن أخبارها مع ولادة الرسول محمد (ص) أمراً حدث صدفة، وإنما سبب منعهم وحجبهم هو نزول رسول الله (ص) (خليفة الله الحقيقي) إلى الأرض، فبنزوله جُعل على السماء حرس شديد "وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا" (للمزيد أنظر: أحمد الحسن، المتشابهات: جواب سؤال 173).
                .
                الأمر الآخر: تقدم في إجابة (المثال 2 من الإشكال 7) بيان معنى الأيام الستة لخلق السماوات (عوالم الخلق)، وأنّ اليوم يعني مرحلة، وبالتالي فالمراحل الضرورية التي يتحتم توفرها في عملية خلق السماوات هي ست مراحل؛ كل مرحلة تتوقف على المرحلة التي سبقتها، فالمرحلة الأولى كانت السبب في إيجاد المرحلة الثانية وتدبير أمرها وشؤون أهلها، وهكذا.
                يقول السيد أحمد الحسن: (........ أما الأيام الستة للخلق: فهي ليست أياماً بمعنى مدة زمنية، بل هي مراحل، أي في ست مراحل، وهي ضرورية ولابد منها، فلابد في المرحلة الأولى من خلق النور وأمره، ثم الملكوت وأمره، ثم الأجسام وأقواتها؛ لاعتماد كل مرحلة على المرحلة التي سبقتها. فهذه المراحل الستة حتمية، أي لابد من اليوم الأول "المرحلة الأولى" أن تُخلق السماء السابعة، وفي اليوم الثاني "المرحلة الثانية" يـُخلق أمرها؛ لأن أمرها منها خُلق، فلابد أن يتأخر عنها مرحلة، ثم يُخلق منها ومن أمرها المثال "الملكوت" السماوات الست إلى الأولى "وهي نهاية السماء الدنيا"، ثم يخلق في الملكوت أمره؛ لأنه منه خلق، ففي اليوم الثالث الملكوت، وفي الرابع أمره لاعتماد الملكوت على خلق السابعة "اليوم الأول" وأمرها "اليوم الثاني"، فيتحتم خلق الملكوت في المرحلة الثالثة، ثم أمره في الرابعة؛ لاعتماده عليه ولأنه خلق منه. وهكذا اليوم الخامس والسادس، أي خلق عالم الأجسام أو الكون الجسماني، أو الأرض "بمعناها الأوسع" حيث تشمل الأرض التي نحن عليها وكل الكواكب والشموس، ثم يخلق فيه قوته؛ لأنه منه خلق. فالنبات من الأرض خلق وعليها ينبت، والحيوان من الأرض خلق وعليها يعيش ويقتات.
                وهذه الستة أيام أو الست مراحل حتمية ويحتاجها الخلق بترتيبها، فالداني يحتاج العالي ويفتقر إليه، ...........) أحمد الحسن، المتشابهات - جواب سؤال 175.
                .
                وإذا عرفنا هذا، يتضح لنا أمران:
                الأول: إنّ مراد الله حتى ينجز في هذا العالم الجسماني يمر بالسماء السابعة (سماء العقل) ثم السادسة (المثالية) ثم التي دونها وهكذا وصولاً إلى السماء الأولى (سماء الأنفس)، ثم يتنزّل الأمر الإلهي منها إلى العالم الجسماني بعد كون عالم الأنفس هو المدبّر لأمور وشؤون هذا العالم الذي نحن فيه وكل ما موجود فيه.
                .
                الثاني: إنّ عملية التنزّل تتم من خلال وسائط التدبير المكلّفين بذلك كالملائكة أو الأرواح أو ما شاء الله أن يكون واسطة في إنزال مراده وبلوغه غايته، هكذا اقتضت المشيئة الإلهية في إنفاذ مراده في عوالم الخلق، قال تعالى: "وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ" الأنبياء: 26 - 27.
                .
                (جعفر بن محمد، عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، أنه قال: "كنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذات ليلة، إذ رمي بنجم فاستنار، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) للقوم: ما كنتم تقولون في الجاهلية إذا رأيتم مثل هذا؟ قالوا: كنا نقول: مات عظيم وولد عظيم، قال: فإنه لا يرمى بها لموت أحد ولا لحياة أحد، ولكن ربنا إذا قضى أمرا سبح حملة العرش وقالوا: قضى ربنا بكذا، فتسمع ذلك أهل السماء التي تليهم، فيقولون ذلك، حتى يبلغ ذلك إلى السماء الدنيا، فيسرق الشياطين السمع، فربما اعتقلوا شيئا فأتوا به الكهنة، فيزيدون وينقصون فتخطئ الكهنة وتصيب، ثم إن الله عز وجل منع السماء بهذه النجوم فانقطعت الكهانة فلا كهانة، وتلا جعفر بن محمد (عليهما السلام) "الا من استرق السمع فاتبعه شهاب مبين" وقوله عز وجل: "انا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد شهابا رصدا") النوري، مستدرك الوسائل: 13/111.
                .
                واضح أنّ مراد الله يتنزل في عوالم الخلق وصولاً إلى عالمنا الجسماني عبر الوسائط، وقد توضح أنّ هذا التدرّج أمر حتمي وضروري لتوقف كل عالم (سماء) على العالم الذي سبقه؛ لأنه المدبّر له ولشؤون أهله كما عرفنا، وخلال عملية التدرج والتنزل هذه تسترق الشياطين السمع وتتجسس لمعرفة أخبار السماء قبل وصولها إلى هذا العالم الجسماني.
                .
                ثم إنّ قدرة شياطين الجن على استراق السمع والتجسس على أخبار السماء أمر تقتضيه طبيعتهم التي خلقوا عليها، فالجن مخلوق له جسد وروح، وأجساد الجن لطيفة للغاية بحيث تكون قريبة من أرواحهم (أنظر: أحمد الحسن، المتشابهات: جواب سؤال 147)، ولهذا فإنّ أثر أعمالهم تظهر على صورهم، ومن ثم يكون تمييز الصالح من الطالح - بحسب ما عرفت من السيد أحمد الحسن - يتم من خلال صورهم وأشكالهم، فلو قدّر لأحد رؤيتهم لرأى الصالح منهم بصورة حسنة والطالح بصورة قبيحة، وما ذاك إلا لقرب أجسادهم من أرواحهم.
                .
                على هذا، يكون تجسسهم "استراق السمع" لمعرفة أخبار السماء أمر ممكن بالنسبة لهم، ومنعهم عن ذلك بحاجة إلى وضع حرس ومانع يمنعهم عن الاستراق، فكان كما قص الله تعالى قولهم: "وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا".
                .
                فالمسألة - كما لا حظنا - تتعلق باستراق شياطين الجن أخبار السماء أثناء تنزل الأمر الإلهي عبر مراحله الضرورية التي يقتضيها التدبير الإلهي في عوالم الخلق، وتحصل من قبل بعض الخلق الممتحنين (شياطين الجن) الذين لديهم قدرة - بحسب طبيعة خلقهم - للتجسس على أخبار السماوات والعوالم، وليست كما توهم المشكك من أنّ الملائكة كان الأجدر بهم عدم تداول الأخبار فيما بينهم لتفويت الفرصة على الشياطين، وكأنهم يتصوّرون أنّ الملائكة (وحاشاهم) جلوس في مقهى يتحدثون فيما لا ينبغي الخوض فيه فتأتي الشياطين وتسترق السمع وتتعرف على أخبار السماء منهم!
                .
                ............(يتبع)

                #الدين_الالهي #الاسلام #القرآن . (69) - ق1 . • مثال 4: يقول بعض المشككين: إنّ القرآن بيّن في عدة آيات أنّ الشياطين أصبحت لا تستطيع الصعود للسماء بعد بعثة...
                نزل صامتاً، وصلب صامتاً، وقـُتل صامتاً، وصعد الى ربه صامتاً، هكذا إن أردتم أن تكونوا فكونوا...

                Comment

                • ya howa
                  مشرف
                  • 08-05-2011
                  • 1106

                  #53
                  رد: الدين الالهي الاسلام القران لعلاء السالم

                  #الدين_الالهي
                  #الاسلام
                  #القرآن
                  .
                  (69) - ق2
                  .
                  ثانياً: مسألة استراق السمع من قبل شياطين الجن لا علاقة لها بالسهولة والصعوبة - من جهة صلتها بقدرة الخالق - ليقال: "ألم يكن من الأسهل منع الشياطين من الصعود للسماء أصلاً بدلاً من الانتظار حتى اقترابهم منها ثم رميهم بالشهب بعد ذلك!" كما ذكر المشكك، وإنما لها علاقة بطبيعة المخلوق (الجن) نفسه، فمنع الشياطين من الصعود إلى السماء أصلاً - كما يطالب به المشككون - لا يكون إلا بتغيير طبيعة خلق الجن من الأساس وذلك بأن تكون أجسادهم اللطيفة أكثر كثافة ويصبحوا قريبين من طبيعة خلق الإنسان - مثلاً - الذي منعته كثافة جسده من استراق السمع، وواضح أنّ السؤال عن "لماذا خلق الله الجن والإنس بالكيفية التي خلقوا بها" أمر آخر غير ما نحن بصدده، وبالتالي فمعرفتنا بطبيعة الجن التي خلقوا بها يجعل سبيل منعهم عن استراق السمع منحصراً - كما بيّن القرآن الكريم - بوضع الحرس الذي يحول بينهم وبين النفوذ إلى السماوات.
                  .
                  ثالثاً: أما السؤال عن سبب استمرار قذف الشياطين بالشهب عند إرادتهم استراق السمع بعد موت النبي (ص) والحال أنّ النبوة قد انقضت كما جاء في كلام المشككين، فهو سؤال يفترض أنّ الإنباء الإلهي والرسالة الإلهية قد انتهت وانقطعت بموت رسول الله (ص)، وهو افتراض باطل عقلاً ونقلاً:
                  - أما عقلاً: فلأن الغرض من الإرسال هو إقامة الحجة على الخلق، قال تعالى: "لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا" النساء: 165، وخلو الأرض من حجة يقوم مقام الرسول (ص) بعد رحيله إلى الله يعني أن تكون للناس الحجة على الله؛ تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، وهو افتراض باطل بطبيعة الحال.
                  - وأما نقلاً: فلتواتر روايات خلفاء الله على استمرار الرسالة الالهية بعد الرسول محمد (ص) بالحجج والأوصياء القائمين مقامه من بعده، وهم الاثنا عشر إماماً والاثنا عشر مهدياً كما نصّت على ذلك وصية الرسول محمد (ص) ليلة وفاته (انظر: الطوسي، الغيبة: 151).
                  .
                  رابعاً: بالنسبة إلى تساؤل المشككين: "لماذا لا يتعظ الجن ويكفّوا عن محاولة استراق السمع وهم يرون الشهب تقذف كل من حاول ذلك"، فالسؤال في الحقيقة لا يقتصر على الجن فقط وإنما يسري إلى الإنس أيضاً فيقال مثلاً: "لماذا لا يتعظ الناس من مخالفة رسل الله والاستهزاء بهم والحال أنهم يرون مصير وعاقبة المستهزئين برسل الله في كل زمن"، فمع أنّ عاقبة ومآل المستهزئين واضحة لكن تصرّ الأقوام التالية على تكرار مواقف من سبقهم من المعاندين، قال تعالى: "يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ" يس: 30.
                  .
                  كون عالمنا الذي نحن فيه عالم امتحان واختبار، والجن والإنس فيه مكلفون ممتحنون، يجعل حصول المعصية منهم أمراً ممكناً والطاعة أيضاً كذلك، وكذلك مسألة الإصرار على المعصية والخطأ فهي أيضاً قرار فردي من المكلف، ومثل هذا الأمر حصل ويحصل باستمرار من قبل الكثير من المكلفين (الجن والإنس) في دنيا الامتحان.
                  .
                  خامساً: مسألة كيف تحرق الشهب من يريد استراق السمع من الجن والحال أنهم مخلوقون من نار كما جاءت في كلام المشككين، فهو إشكال عبثي ولا قيمة علمية له حقيقة، ولكن لا بأس من توضيح الأمر باختصار فأقول:
                  إنّ مستند كلامهم في تحديد أصل الجن هو النص الديني كقول إبليس - وهو من الجن - الذي قصّه الله في بيان سبب رفضه السجود لآدم (ع)، قال: "أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ" الأعراف: 12. لكن كون الجن مخلوقاً من النار لا يعني أنه عبارة عن "كتلة نار مشتعلة"، وإلا لأمكن رؤيتهم بالعين كرؤية أي شعلة نارية، وهذا غير صحيح فالجن - كما تقدم - مخلوق له "روح وجسد" وأجسادهم لطيفة جداً يستحيل معها الرؤية البصرية، وهذه الأجساد يعود أصلها إلى النار، هذا هو معنى خلق الجن من نار، تماماً كقولنا عن الإنسان أنه مخلوق من طين فهو يعني أنّ الإنسان "كجسد" يعود أصله إلى الطين (التراب + الماء).
                  .
                  وإذا اتضح هذا: فكما يمكننا تعقّل ورود الأذى والمنع الناشئ من طين الأرض وحجرها وترابها على الإنسان بالرغم من أنّ جسده مخلوق من طين الأرض ومؤلف من عناصرها، فكذلك يمكننا تعقّل الأذى والمنع الناشئ من الشهب النارية لصد ومنع الجن عن استراق السمع بالرغم من أنّ أجسادهم يعود أصلها إلى النار.
                  .
                  سادساً: علمياً، الشهب في حقيقتها عبارة عن أجرام "أحجار" صغيرة نسبياً تسبح في الفضاء الخارجي، وهي بقايا أجرام سماوية كبيرة تفتّتت نتيجة انفجار حصل لها. ويدخل في تكوين الشهب عدة معادن منها الحديد والكربون إضافة إلى الغبار الكوني والغازات.
                  .
                  وأيضاً: بحسب معطيات العلم فإنّ هذه الأحجار الصغيرة "الشهب" ما إن تدخل مجال الأرض "الغلاف الجوي" إلا وتتعرّض إلى جاذبية الأرض فتبدأ تلك الأحجار بالتسارع بازدياد، وبمجرد عبورها الغلاف الجوي بتلك السرعة الكبيرة تشتعل مكوّناتها نتيجة الاحتكاك وتحترق بسرعة هائلة ثم تتلاشى، ولولا دخول الغاز في تكوينها لما أمكن رؤية الشهب وهي تحترق في السماء وكأنّ لها ذيلاً.
                  .
                  واضح أنّ هذا المعطى العلمي فسّر لنا طبيعة الشهب وكيفية احتراقها فيزيائياً، لكنه في نفس الوقت لا ينفي - بنحو قطعي - الحقيقة التي ذكرها القرآن الكريم من أنها بمثابة الرصد الذي يُقذف به الشياطين. علماً، أنّها - أي الحقيقة القرآنية - لا تتوقف على إثبات أنّ كل الشهب والنيازك (منذ نشوء هذه الظاهرة في الكون) وظيفتها هي هذه أعني رجم الشياطين الذين يحاولون استراق السمع، بل يكفي أن نفهم - بحسب ظاهر الآيات - أنّ من يحاول استراق السمع من الشياطين يتم قذفه بالشهب.
                  .
                  #الدين_الالهي #الاسلام #القرآن . (69) - ق2 . ثانياً: مسألة استراق السمع من قبل شياطين الجن لا علاقة لها بالسهولة والصعوبة - من جهة صلتها بقدرة الخالق -...
                  نزل صامتاً، وصلب صامتاً، وقـُتل صامتاً، وصعد الى ربه صامتاً، هكذا إن أردتم أن تكونوا فكونوا...

                  Comment

                  Working...
                  X
                  😀
                  🥰
                  🤢
                  😎
                  😡
                  👍
                  👎