إعـــــــلان

Collapse
No announcement yet.

من تكون أنانا ومن هو دموزي ؟ بحث د. علاء السالم

Collapse
X
 
  • Filter
  • الوقت
  • Show
Clear All
new posts
  • منى محمد
    عضو مميز
    • 09-10-2011
    • 3320

    من تكون أنانا ومن هو دموزي ؟ بحث د. علاء السالم

    (3) الرمزية في ألواح سومر
    مأساة دموزي ورحلة جلجامش نموذجاً
    .
    الخطأ الذي وقع فيه أغلب علماء الآثار - كما علماء الأديان أيضاً - هو ركونهم إلى التفسير اللغوي للنصوص السومرية في أغلب الأحيان، وإغفال الرمزية الواضحة التي انطوت عليها؛ خصوصاً ما يتعلق منها بالجانب الديني.
    هذا الخطأ المنهجي كلّف السومريين الشيء الكثير؛ كلّفهم اتهامهم بأنهم أسرى أساطير وطرف نسجها ذهنهم وخيالهم، وكانت (الأساطير والطرف) هي سلوتهم ومتنفسهم الوحيد في التفكير وتفسير الظواهر المادية والروحية معاً، يتبع ذلك - بطبيعة الحال - أن يكون دينهم ومعتقدهم أسير الذهن والخيال أيضاً.
    .
    لا شك أنّ فهم أيّ نصٍ كان لا ينبغي إغفال قائله والمتحدث به، فالنص الديني مثلاً له حكمته ومنهجه الخاص به الذي يستعمله في إيصال الفكرة إلى المعنيّين بها، وقد لا يلتقي بالضرورة بمنهج التفهيم الذي نعتمده أنا وأنت في إيصال الفكرة. وعادة ما تكون النصوص الدينية مرمّزة لغايات كثيرة ليس مجال بحثها الآن.
    .
    ما أريد بيانه هنا:
    إنّ فهم النصوص الدينية من خلال ظاهر اللفظ فقط وإغفال الرمزية فيها يؤدي إلى نتائج كارثية وخطيرة، وليس المحسوبين على الدين الإلهي من وقعوا في هذا المنحدر الخطير وأثبت بعضهم أنّ لله يداً وعيناً ووجهاً على نحو الحقيقة أو ألّه عبداً من عباد الله ألوهية مطلقة، بل حتى غيرهم وقع في شباك هذا الخطأ، فعلماء الآثار - مثلاً - صوّروا سبب نواح السومريين الذي استمر آلاف السنين بـ "الخصب والجدب" اللذين يتعاقبان في السنة بحسب الفصول فيها اعتماداً على ظواهر بعض النصوص المسمارية !
    وسأكتفي بعرض قصة شخصيتين عظيمتين تكرر اسمهما كثيراً في بلاد ما بين النهرين لنرى التصوّر العام الذي كوّنه العلماء والباحثون عنهما، والذي أعتبره تصوراً كلاسيكياً؛ لأنه السائد لدى الكثير من العلماء والباحثين الآثاريين والدينيين معاً، وأقارنه بتصور آخر (قدمه السيد أحمد الحسن) لنفس الشخصيتين لم يغفل الرمزية في النصوص، ومن ثم نرى النتائج ومدى الفارق الكبير الذي يترتب على كلا النظرتين. والقصتان ترتبطان بالملكين الإلهيين "دموزي" و"جلجامش".
    .
    3/1- أنانا ومأساة دموزي:
    يطرح علماء السومريات ما يسموه بـ "عقيدة الخصب" ويعتبرونها - إلى جنب عقيدة التكوين - من صلب الديانة السومرية؛ نظراً للحيز الكبير الذي شغلته هاتان العقيدتان في المصادر المسمارية.
    .
    يصوّر د. فاضل عبدالواحد هذه العقيدة: (عندما جسّد الإنسان القوى المهيمنة في آلهة تصورها قياساً على البشر في جنسين مذكر ومؤنث، فقد كان منطقياً أن يعزو كل مظاهر الخصب والتكاثر في الطبيعة بما في ذلك تكاثر الإنسان والحيوان والنبات إلى قوى الخصب الإلهية المتمثلة بالإلهة الأم "التي عرفت فيما بعد تحت اسم أنانا أو عشتار" وبإله الخصب "دموزي أو تموز". وكان منطقياً بالمثل أن يعزو أيضاً كل مظاهر الجفاف والنقص في الخيرات كاصفرار العشب وندرة الأمطار وقلة اللبن في الماشية إلى اختفاء "أو موت" إله الخصب في العالم الأسفل) (1).
    .
    فعقيدة الخصب بنظرهم لها طرفان لتكتمل وتؤدي هدفها، هما: أنانا ودموزي.
    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    1- د. فاضل عبدالواحد علي، عشتار ومأساة تموز: 16 - 17.
    المصدر: من أسرار سومر؛ دراسة مقارنة بين رؤيتين
    يتبع...
    ولم أنسى تلك الكلمات التي كان يرددها في أيام الدعوة اليمانية المباركة نقلاً عن الإمام المهدي (ع )
    أنا منسي منسي .. و القرآن مهجور مهجور مهجور ..
    كان يرددها بألم و حزن و لوعة .
    هكذا عرف الشيخ ناظم العقيلي الإمام احمد الحسن ( ع ).
  • منى محمد
    عضو مميز
    • 09-10-2011
    • 3320

    #2
    رد: من تكون أنانا ومن هو دموزي ؟ بحث د. علاء السالم

    3/1/1- من تكون أنانا ومن هو دموزي ؟
    باختصار، وبحسب علماء الآثار:
    إنّ "أنانا - عشتار" هي الإلهة الأم التي عُبدت في بلاد سومر في وقت مبكر جداً، حيث وجد اسمها منقوشاً على ألواح الطين في عصر الوركاء (3200 - 3000 ق.م).
    د. كريمر لا يعتبرها أنثى حقيقية، وإنما هي تجسيد انقاد إليه السومريون لضمان بقاء الإنسان وتكاثره، فهي المسؤولة عن إثارة الحب والعاطفة والرغبة الجنسية ويصفها بأنها إلهة جميلة ومغرية مرهفة وشبقة (1).
    .
    ومثله في القول بعدم تأنيث "أنانا" حقيقة ما ذكره د. شارل فيروللو إذ يقول: (يوجد الكثير من الأمثلة في تغيير الجنس - التذكير والتأنيث - بين آلهة الأساطير ولا سيما للإلهين الشمس والقمر. وبما أننا نتكلم عن عشتار فهي مؤنثة عندما تمثل نجمة المساء وهي مذكرة في مظهر آخر أي عندما تمثل نجمة الصبح) (2).
    .
    إذن، هي ليست أنثى حقيقية والتأنيث بالنسبة لها مجازي.
    من صفاتها: أنها لم تخلص يوماً ما لأيٍّ من عشّاقها رغم كثرتهم، متلوّنة متقلّبة في مواقفها تماماً كالدنيا.
    (فلا غرابة إذا ما تعددت وتنوّعت صورها في التآليف المسمارية فيجدها الباحــــث مـــرة وهي امـــرأة مستضعفـــة تقــــع فريسة سهلــــة جــداً بيد الرجـــل، وتشخـــص في مناسبة ثانية بدور فتاة حيرى بين حبيبين يتنافسان على حبها، وفي قصة ثالثة بدور فتاة أحبت من تفانى في حبها ولكنها تتنكر له في آخر لحظة فتكون سبباً في مأساته) (3).
    .
    اشتهرت "أنانا" كذلك بكونها إلهة الحب والجمال والجنس، ومن صفاتها أيضاً أنها إلهة الحرب. (حب وحرب) ما شكّل بنظر العلماء تناقضاً لم يتمكنوا من تفسيره بعد بنحو أكيد. وقد برزت بعض المحاولات (4) لحل التناقض:
    .
    منها: تفاوت وقت ظهور "نجمة الزهرة" في السماء - التي ترمز لعشتار بحسبهم - بين المساء حيناً ووقت السحر حيناً آخر ما اكسبها صفة الازدواجية والتناقض.
    .
    ومنها، ما احتمله د. عبدالواحد من أنّ صفة "إلهة الحرب" ربما أدخلها الجزريون إلى وادي الرافدين بعدما كان سكانه يعتقدون بأنها "إلهة الحب" فقط.
    (ومن الغريب حقاً أن تجتمع إلهة الحب في شخصها مثل هذه الصفة "أي إلهة الحرب" التي تتناقض كلياً مع صفتها الأولى والرئيسة أي كونها إلهة الحب والجنس. وليس هناك من تفسير أكيد لظاهرة التناقض هذه) (5).
    .
    لكن تناقض (الحب والحرب) يمكن تفسيره من خلال نفس النصوص الآثارية، إذ ورد في بعضها أنّ "أنانا - عشتار" عدّدت ما مُنح لها من نواميس فكان من بينها "الحب والحرب" بشكل واضح، وهذه بعض نواميسها التي وردت على لسانها:
    "الملكية (إله يُعبد)، الكهانة اللاصقة بالجسم، السحر، الدعارة والعهر والبغاء، فنون الجنس، الخنجر والسيف واستلاب المدن، الثوب الأسود والملون (حزن وفرح)، الافتراء وتزيين الخطاب، الغناء، الشيخوخة، الغدر، العويل، الخداع، التمرّد، الخوف والفزع، عود حطب النار (الفتنة) والخصام، الإنجاب وتكوين العائلة، وغير ذلك" (6).
    .
    جلّ نواميس "أنانا - عشتار" - كما نرى - مخيفة ومردية للإنسان حقيقة، لذا وقف منها "جلجامش" موقف الرافض المتنمّر لما عرضت عليه الزواج:
    .
    [ففتح جلجامش فاه وأجاب عشتار الجليلة وقال: .......
    أي خير سأناله لو تزوجتك ؟
    أنتِ !
    ما أنتِ إلا الموقد الذي تخمد ناره في البرد،
    أنتِ كالباب الناقص لا يصد عاصفة ولا ريحاً،
    أنتِ قصر يتحطم في داخله الأبطال،
    أنتِ فيل يمزق رحله،
    أنتِ قير يلوث من يحمله وقربة تبلل حاملها،
    أنتِ حجر مرمر ينهار جداره،
    أنتِ حجر يشب يستقدم العدو ويغريه،
    وأنتِ نعل يقرص قدم منتعله،
    أي من عشّاقك من بقيت على حبه أبداً ؟
    وأي من رعاتك من رضيت عنه دائماً ؟ ...........] (7).
    .
    .
    وأما دموزي (دمو: الابن، زي: الصالح - البار - المخلص) (8)، فبحسب الباحثين فإنّ السومريين اعتبروه إلهاّ يجسّد ظاهرة الخصب، ووصفته بعض نصوصهم بأنه زوج أنانا (عشتار).
    ومن حيث الأصل، يرى د. كريمر - وغيره أيضاً - أنه شخصية تاريخية حقيقية وملكاً دنيوياً، إذ بموجب "ثبت ملوك سومر" يوجد اثنان من الملوك حملوا هذا الاسم، الأول: دموزي الراعي، حكم في فترة ما قبل الطوفان في مدينة "بادتبيرا" مدة 36,000 سنة (هكذا ورد في القائمة)، والثاني: دموزي صياد السمك، أحد ملوك سلالة الوركاء الأولى، حكم بحدود (2700 ق.م) 100 سنة. وهذا الأخير - بنظر كريمر - هو من كُتب له أن يكون دموزي الإله المقدس على مرّ العصور.
    .
    علماً أنّ د. كريمر نفسه يعترف بأنّ سبب اختيار "دموزي" من بين من وردت أسماؤهم في "ثبت ملوك سومر" لا زال مجهولاً:
    (أما لماذا بالضبط اختير "دموزي" من قبل رجال الدين السومريين المتأخرين كبطل لهذه الشعيرة والأسطورة بشكل خاص، فإنه أمر ما زال مجهولاً، ولابد أنه كان يعود على الأقل في جزئه الأكبر إلى الأثر العميق الذي تركه "دموزي" خلال حياته كرجل وكحاكم على السواء، ولكن لا توجد حتى الآن معلومات تاريخية من أي نوع كان لتأييد وجهة النظر هذه) (9).
    .
    علماء آخرون - منهم د. فاضل عبدالواحد - يرفضون بشكل قاطع ما انتهى إليه كريمر في تحديد شخصية "دموزي"؛ ذلك أنّ دموزي الوركاء لم يعرف له عمل يستحق به التأليه والاهتمام بهذا الشكل إطلاقاً، إضافة إلى أنّ د. كريمر نفسه نشر في عام 1952 م ما يعرف بملحمة "انميركار وحاكم أرتا" - وهو سابق على دموزي الوركاء بجيلين على أقل تقدير - ورد فيها اسم "دموزي" صراحة إلى جنب أنانا التي أحبّته (10).
    وليس زمنه سابقاً بجيلين فقط، ولكن "دموزي" الصالح أشارت النصوص إلى أنّ ذكره كان متداولاً ومعروفاً حتى عند أسلاف السومريين "أصحاب الرؤوس السود":
    .
    [... في فضاء بلاد سومر وأكاد امنحيه الصولجان والنفاذ،
    حيث كان أصحاب الرؤوس السود هو راعيهم،
    كالفلاح يجعل الحقول تنتج الغلال،
    مثل الراعي يجعل حظائر الغنم متعددة الطبقات، .....] (11).
    .
    ومهما يكن، فبين "دموزي" الصالح المقدس وبين دموزي الوركاء مجرد تشابه في الاسم فقط:
    (ليس تطابق الاسم بين دموزي الإله ودموزي الملك إلا من قبيل تسمّي الملك باسم الإله، وهذا أمر شائع في الشرق القديم) (12).
    .
    والنتيجة: إنّ شخصية "دموزي" لا زالت مجهولة عند الباحثين ولم يحسم القول فيها بينهم بضرس قاطع.
    .
    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    1- انظر: د. فاضل عبدالواحد علي، عشتار ومأساة تموز: 27،
    2- شارل فيروللو، أساطير بابل وكنعان: 32.
    3- د. فاضل عبدالواحد علي، عشتار ومأساة تموز: 61،
    4- انظر: د. فاضل عبدالواحد علي، عشتار ومأساة تموز: 36.
    5- المصدر نفسه.
    6- انظر: كريمر - ولكشاين: أنانا ملكة السماء والأرض: 74 - 78، ترجمة: د. شاكر الحاج مخلف.
    7- طه باقر، ملحمة جلجامش: 61.
    8- انظر: د. فاضل عبدالواحد علي، عشتار ومأساة تموز: 26، 29.
    9- صموئيل كريمر، السومريون: 60.
    10- انظر: د. فاضل عبدالواحد علي، عشتار ومأساة تموز: 27، 105.
    11- انظر: كريمر - ولكشاين: أنانا ملكة السماء والأرض: 103 - 104.
    12- فراس السواح، قراءة في ملحمة جلجامش، 22.
    المصدر: من أسرار سومر؛ دراسة مقارنة بين رؤيتي
    يتبع....
    ولم أنسى تلك الكلمات التي كان يرددها في أيام الدعوة اليمانية المباركة نقلاً عن الإمام المهدي (ع )
    أنا منسي منسي .. و القرآن مهجور مهجور مهجور ..
    كان يرددها بألم و حزن و لوعة .
    هكذا عرف الشيخ ناظم العقيلي الإمام احمد الحسن ( ع ).

    Comment

    • منى محمد
      عضو مميز
      • 09-10-2011
      • 3320

      #3
      رد: من تكون أنانا ومن هو دموزي ؟ بحث د. علاء السالم

      3/1/2- الزواج المقدس:
      .
      أحد الطقوس المرتبطة بـ "عقيدة الخصب" السومرية هو زواج "أنانا" من "دموزي"، حيث يعتقد الكثير من الباحثين - بحسب بعض النصوص - أنّ زواجاً مثل هذا قد حصل وأضفوا عليه صفة القدسية. وزاد الأمر ترسيخاً أنّ نصوصاً مسمارية أكدت وجود طقوس هذا الزواج لدى السومريين كانت تُعقد في شهر نيسان من كل عام (في المعابد تحديداً) ضماناً لاستمرار أسباب الخصب والنماء، يمثّل فيه الملك الحاكم (بصفته الممثل الشرعي للآلهة) دور "دموزي"، وأما دور "أنانا" الزوجة فجرت العادة على اختيارها من بين كاهنات المعبد.
      د. كريمر من جهته يرى أنّ فكرة "الزواج المقدس" بدعة ابتدعها كهنة الوركاء، ربما تزلّفاً لملكهم دموزي الوركاء "صياد السمك":
      .
      (ولعله لم يمضِ زمن على هذا التاريخ "أي سنة 3000 ق.م" حتى راح بعض الكهنة ورجال اللاهوت المفكرون وذوو المخيّلة في مدينة إيريك "الوركاء" يعتنقون فكرة تدخل الاطمئنان والبهجة على القلب، هي أنّ ملكهم قد أصبح عاشقاً وزوجاً للإلهة أنانا، وبذلك يشاركها قوتها وقدرتها على الإخصاب التي لا تقدر بثمن، كما يشاركها خلودها، هذا مذهبنا في كيفية ظهور طقس الزواج المقدس الذي يضم دموزي، الذي يعتقد أنه كان أحد حكام ايريك المرموقين، وإلهتها أنانا الشهوانية الشهية التي تحظى باحترام عميق) (1).
      .
      وإذا استثنينا قوله الأخير في تحديد شخصية "دموزي" الذي تمّت مناقشته سابقاً، فالنتيجة - بعد رفع بدعة الكهنة - هي أنّ السومريين سيبقون محتفظين بدموزي (الابن الصالح) صاحب المأساة الكبرى كمعتقد يحيون ذكراه والنواح عليه كل عام دون أن تشوبه بدعة "الزواج المقدس".
      .
      وعموماً، كانت مراسيم الزواج "المبتدعة" تتسم بالفرح والطرب والبذخ والحبور، يكتسب فيها الحاكم الذي ينتحل شخصية "دموزي" صفة الألوهية وينعت بالنعوت الخاصة به (فهناك حقيقة معروفة لدى الباحثين وهي أنّ الملك، مهما كان اسمه الحقيقي، يصبح من خلال الطقوس الإله دموزي فينعت ويوصف بأسماء وأوصاف هذا الإله في الأناشيد والقصائد المؤلفة بالمناسبة) (2).
      .
      وهذا أمر في غاية الخطورة ! تخيّل أنّ دموزي (الملك الإلهي والابن الصالح) يمكن أن يمثّل شخصيته في طقوس الزواج المبتدع حاكماً ربما هو في حقيقته ليس صالحاً بل وربما محارباً للملك المنصب من قبل الله، والأدهى من ذلك أنه يوصف بصفاته ويسمى باسمه في الأناشيد والقصائد، ثم تدوّن وتنقل لنا تلك القصائد ذات المشاهد الفاضحة في الألواح والرقم الطينية !
      .
      ونحن إذ سيتضح لنا لاحقاً حقيقة دموزي (الراعي الصالح) ومقامه الإلهي الشامخ وأنه ملك إلهي منصب ومختار من الله، متصف بالصلاح والتضحية من أجل إنقاد الناس من الهلاك، نقطع بأنّ ما ورد في النصوص الآثارية من قصائد حب وغرام وتفاصيل أخرى متبادلة بين "دموزي وأنانا" لا تعني دموزي الإلهي (الراعي الصالح) في شيء أبداً، وإنما تعني من مثّلوا أدواره من ملوك وحكام في طقوس الزواج المبتدعة من قبل الكهنة كما اتضح لنا قبل قليل. ومن ثمَّ لابد أن يكون الباحث الآثاري على دراية تامة من هذا الأمر ويتمكّن من الفرز بشكل علمي دقيق بين دموزي الحقيقي ودموزي المزيف (الممثل) الذي ينتحل شخصيته واسمه وصفاته.
      .
      فمثلاً: كان من بين طقوس الزواج المقدس - بحسب كريمر (3) - انتقاء "أنانا" لدموزي لمنصب ألوهية البلاد. وواضح من خلال ما ألفتنا إليه أنّ دموزي هذا الذي تنتقيه "أنانا" للملوكية والألوهية هو الملك والحاكم الدنيوي المزيف، أما "دموزي" الحقيقي (الراعي الصالح) فنفسها (أنانا - عشتار) أسلمته إلى الشياطين ليقتلوه.
      وهذه أسماء بعض الحكام السومريين الذين انتحلوا دور "دموزي" في مراسم الزواج وأنشئت بحقهم القصائد (4):
      - الملك شولجي: ملك مدينة أور (2093 - 2046 ق.م)،
      - شوسين: ملك مدينة أور (2036 - 2028 ق.م)،
      - إيدين داجان: ملك مدينة إيسين (1974 - 1954 ق.م)،
      - إيشمي داجان: ملك مدينة إيسين (1953 - 1935 ق.م).
      .
      ــــــــــــــــــــــــــــــــ
      1- صموئيل كريمر، طقوس الجنس المقدس عند السومريين، ترجمة نهاد خياطة.
      2- د. فاضل عبدالواحد علي، عشتار ومأساة تموز: 27، 105.
      3- انظر: صموئيل كريمر، طقوس الجنس المقدس عند السومريين، ترجمة نهاد خياطة.
      4- انظر: أدونيس، ديوان الأساطير - الكتاب الأول: 154 فما بعد.


      المصدر: من أسرار سومر؛ دراسة مقارنة بين رؤيتين


      يتبع....
      ولم أنسى تلك الكلمات التي كان يرددها في أيام الدعوة اليمانية المباركة نقلاً عن الإمام المهدي (ع )
      أنا منسي منسي .. و القرآن مهجور مهجور مهجور ..
      كان يرددها بألم و حزن و لوعة .
      هكذا عرف الشيخ ناظم العقيلي الإمام احمد الحسن ( ع ).

      Comment

      • منى محمد
        عضو مميز
        • 09-10-2011
        • 3320

        #4
        رد: من تكون أنانا ومن هو دموزي ؟ بحث د. علاء السالم

        3/1/3- مأساة دموزي وطقوس العزاء:
        .
        بحسب النصوص، فإنّ (أنانا - عشتار) هي من سلّمت الراعي الصالح (دموزي) إلى أعدائه الشياطين ليعذبوه ويقتلوه في مشهد مؤلم.
        [...... ارتدى "دموزي" حلة فاخرة واعتلى جالساً على منصته،
        فمسكه الشياطين من فخذيه ....،
        لقد هجم عليه الشياطين السبعة كما يفعلون بجانب الرجل المريض،
        فانقطع الرعاة عن نفخ الناي والمزمار أمامه.
        ثم صوبت (أي "أنانا") نظرها عليه، ثبّتت عليه نظرة الموت،
        نطقت بالكلمة ضده، كلمة السخط والحنق،
        وصرخت ضده بصرخة التجريم قائلة:
        "أما هذا فخذوه"،
        وهكذا أسلمت "أنانا" الطاهرة الراعي "دموزي" إلى أيديهم.
        إن من رافقه،
        من رافق دموزي،
        كانوا مخلوقات لا يعرفون الطعام ولا يعرفون الماء،
        لا يأكلون الطحين المبسوس (السويق)،
        ولا يشربون الماء المقرب (المقدم قرباناً)، ...] (1).
        .
        لماذا هي ساخطة على (دموزي - تموز) كل هذا السخط وأسلمته إلى مخلوقات لا يوجد شيء اسمه رحمة أو طهارة في قاموسها ولم ينتفعوا يوماً من مائدة السماء ؟
        لماذا بدت وكأنها في مواجهة شرسة معه تحتمل أمرين لا ثالث لهما؛ إما موته هو أو موتها هي، فتختار أن يموت هو لا أن تموت هي في العالم الأسفل ؟
        .
        ما ذكره علماء السومريات كسبب يوضح مشكلتها معه وسخطها عليه بالذات غير مقنع حقيقة، وبعضه لا يعدو كونه تحليلاً باهتاً لا غير، على سبيل المثال: قول الباحث الألماني آدم فلكنشتاين Falkenstein Adam بأنّ (دموزي لم يكن في الأصل إلهاً، بل رقّي إلى مرتبة الألوهية، وكان من قبل إنساناً عادياً كغيره من البشر الفانين، ولهذا لا يمكن أن يتساوى وأنانا في مرتبة الألوهية أو أن يكون لها صنواً) (2).
        .
        يقول د. فاضل عبدالواحد: (ومهما كان السبب الذي دفع إلهة الحب أنانا إلى النزول إلى عالم الأموات، والذي ربما ستكشف عنه البحوث المسمارية في المستقبل، فإنه بكل تأكيد لم يكن من أجل استعادة حبيبها وزوجها دموزي لأنها هي التي سلّمته إلى الشياطين ليأخذ مكانها في عالم الأموات مقابل خروجها من هناك) (3).
        .
        من جهتي، لا أعتقد أنّ صفــة الحب التي تنسب إلى (أنــانــا - عشـــتار) حقيقيـــة،
        فمن يحب حبّاً حقيقياً لا يفعل بمحبوبه ما فعلته "أنانا" بالراعي الصالح، فلم يبقَ إلا أن يكون الحب الذي اتصفت بأنها إلهة له هو الحب المخادع والكاذب، وهو المناسب لنواميسها التي عرفناها سابقاً.
        .
        وعموماً، فقد ناح السومريون ومن تلاهم في بلاد الرافدين نياحة عظيمة على (دموزي - تموز) الراعي الصالح وما جرى عليه من مأساة كبيرة، وكانت لديهم طقوس خاصة للعزاء تتجدّد في كل عام، فإضافة للحزن والبكاء كانوا يقيمون مواكب للعزاء تُحمل فيها المشاعل، وكانوا يُجرون ما يعرف اليوم في العراق بـ "التشابيه" التي يجريها الناس في عزاء الإمام الحسين (عليه السلام).
        .
        (هناك إشارات إلى البكاء والحزن على دموزي يرد ذكرها في النصوص المسمارية. فنقرأ في ملحمة جلجامش أن البكاء كتب على عشتار من أجل زوجها تموز كل عام. كما نقرأ في التقاويم البابلية أن الحزن والبكاء على الإله كان يبدأ في اليوم الثاني من شهر "Du uzi" أي تموز وأنه كانت تقام مواكب للعزاء تحمل فيها المشاعل وذلك في اليوم التاسع والسادس عشر والسابع عشر. وكان يقام في الأيام الثلاثة الأخيرة من هذا الشهر احتفال اسمه بالأكدية "Talhimtu" يجري خلاله عرض ودفن طقسي لدمية تمثل الإله تموز) (4).
        .
        وبقدر ما كانت بدعة "الزواج المقدس" التي تعرضنا لها سابقاً مقتصرة في طقوسها على الحاكم والمعبد ورجالاته، فإنّ طقوس العزاء والنوح على "دموزي" كانت ممارسات شعبية فقط ولم تعقد يوماً ما في معابد الكهان أو قصور الحكام !
        .
        (على الرغم من الأثر الذي تركته عقيدة موت الإله دموزي في المجتمع القديم في وادي الرافدين وخارجه فإنّ الحزن عليه لم يصبح في يومٍ ما من طقوس المعبد بل ظل يقام سنوياً في نطاق الممارسات الشعبية على العكس تماماً من الزواج المقدس الذي كان له طابع الديانة الرسمية بدليل مشاركة المعبد والملك في إقامته) (5).
        .
        أجل، كأنّ الأمر لا يعني الحاكم والكاهن، وهذا يؤشر إلى مدى انحراف الاثنين معاً عن الخط الذي كان يمثّله الملك الإلهي "دموزي" بل وكان أحد علاماته المهمة.
        .
        (لم يكن إحياء ذكرى موت دموزي يقتصر على الأسطورة والغناء، بل كانت تقام أيام مخصصة للمناحات في مختلف المدائن السومرية، في أثنائها كانت تؤدى الطقوس ومراسم الحزن المنصبّة على موته) (6).
        .
        وبخصوص طريقة النوح على دموزي فيغلب عليها (طابع الحزن العميق والعاطفة الشديدة. كما يلاحظ فيها تكرار مستمر إما لصدر البيت أو عجزه. وأحياناً يتكرّر البيت الأول من المناحة بعد عدد معين من الأبيات كأن تكون ثلاثة مثلاً، ومن الأمثلة على هذا النوع من المناحات نقتبس المقطوعة التالية التي يقول فيها الشاعر السومري على لسان أنانا:
        "راح قلبي إلى "السهل" نائحاً نائحاً
        أنا سيدة معبد أي - أنا التي تحطم بلاد الأعداء،
        اني أنا ننسونا أم السيد (العظيم)،
        اني أنا كشتن - أنا أم الفتى المقدس،
        راح قلبي إلى السهل نائحاً نائحاً
        راح إلى مكان الفتى،
        راح إلى مكان دموزي،
        إلى العالم الأسفل، مستوطن الراعي
        راح قلبي إلى السهل نائحاً نائحاً
        إلى المكان الذي ربط فيه الفتى،
        إلى المكان الذي احتجز فيه دموزي ...
        راح قلبي إلى السهل نائحا نائحا"] (7).
        .
        طريقة النوح هذه على (دموزي - تموز) عند السومريين ومن تلاهم في بلاد ما بين النهرين تذكّرنا بطريقة النوح على الإمام الحسين (عليه السلام) التي لا زالت قائمة عندنا في العراق، وهذا مثال لها أذكره باللهجة العراقية الدارجة:
        "قـلـبـك سـفـيـنـة نـوح
        يا خامس أهل النَوْح
        ابّحر المصايب
        شفت العجايب
        يا خامس أهل النوح ......".
        .
        وأما سبب كل هذا النواح على "دموزي" وتجدده سنوياً، فعلماء الآثار - بحسب تفسيرهم للنصوص الآثارية التي تحت أيديهم - يعتقدون أنّ (دموزي - تموز) يتصف بالموت والبعث سنوياً تبعاً لتغير الفصول، فلما كان "دموزي" في عقيدة السومريين يجسد ظاهرة الخصب ونماء الزرع والعشب الذي يقترن عادة بفصل الربيع فإذن سيكون هذا الفصل فترة بعثه من الموت، ولكنه يموت مجدداً ويؤخذ إلى العالم الأسفل في فترة الجدب التي تصادف فصل الصيف عادة فيبدأ النواح عليه، وهكذا يتجدد عزاؤهم عليه في كل عام !
        .
        نواح أول حضارة إنسانية بحجم "سومر" على شخصية عظيمة مثل "دموزي" سببه ظاهرة الخصب والجدب ولا شيء آخر !! هكذا يرى علماء الآثار.
        .
        يقول السيد أحمد الحسن: (حقيقة إنّ ظلماً كبيراً يطال السومريين الذين علّموا الإنسانية الكتابة ووضعوا القوانين وأُسس العلوم، وهم أوّل من صنع العجلة ووضع نظم الحساب والجبر والهندسة عندما يصورهم د. كريمر ويتبعه بعض المختصين بالحضارة السومرية: إنهم ينوحون على شيء أُسطوري أو قصة أُسطورية هم من ألّفها، وهي مجرد تعبير عن الخصب والجدب اللذين يتعاقبان على السنة. وكأنهم شعب تعاطى كل أفراده مادة مخدرة أفقدتهم عقولهم بحيث إنهم وورثتهم البابليون ينوحون ويقيمون مجالس العزاء آلاف السنين على رمز في قصة هم ألّفوها من ألفها إلى يائها.
        آلاف السنين وسكان بلاد ما بين النهرين جيلاً بعد جيل وكل سنة يصورون جثة دموزي، وكل سنة يبكون على دموزي، وكل سنة يقرؤون قصائد رثاء دموزي.
        كل هذا مجرد أوهام ؟!
        ومجرد قصة هم ألّفوها !!
        ولأجل ماذا ؟!
        لأجل التعبير عن خصب يأتي في الربيع وجدب يتبعه في فصل آخر من السنة!!!.
        المفروض أن يكون هناك جواب معقول لنواح أوّل حضارة عرفتها الإنسانية وطيلة آلاف السنين على دموزي (الابن الصالح) أو تموز) (8).
        .
        ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
        1- صموئيل كريمر، من ألواح سومر: 278.
        2- انظر: د. خزعل الماجدي، أنبياء سومريون: 116.
        3- فاضل عبدالواحد علي، عشتار ومأساة تموز: 84.
        4- نفس المصدر.
        5- نفس المصدر: 125.
        6- صموئيل كريمر، طقوس الجنس المقدس عند السومريين، ترجمة نهاد خياطة.
        7- فاضل عبدالواحد علي، عشتار ومأساة تموز: 126 - 127.
        8- أحمد الحسن، وهم الإلحاد: 369 - 370.


        المصدر: من أسرار سومر؛ دراسة مقارنة بين رؤيتين


        يتبع.....
        ولم أنسى تلك الكلمات التي كان يرددها في أيام الدعوة اليمانية المباركة نقلاً عن الإمام المهدي (ع )
        أنا منسي منسي .. و القرآن مهجور مهجور مهجور ..
        كان يرددها بألم و حزن و لوعة .
        هكذا عرف الشيخ ناظم العقيلي الإمام احمد الحسن ( ع ).

        Comment

        • منى محمد
          عضو مميز
          • 09-10-2011
          • 3320

          #5
          رد: من تكون أنانا ومن هو دموزي ؟ بحث د. علاء السالم

          (5) - حقيقة أنانا ودموزي وفق رؤية أخرى:
          .
          الرؤية التي ربما تكشف لنا من تكون (أنانا - عشتار) ومن يكون (دموزي - تموز) وترفع الغموض والتناقضات التي أحرجت الباحثين وتعذّر عليهم إجابة بعضها كما رأينا، تقدم بها السيد أحمد الحسن، وهي - كما سنرى - لم تغفل الرمزية التي ألقت بظلالها على النصوص السومرية بشكل واضح.
          .
          أولاً: أنانا - عشتار
          تقدّم في وصفها أنها إلهة الحب والحرب، إنها لم تخلص لواحد من عشّاقها، تقتل من هام بها، متزينة مغرية متلوّنة متقلّبة لا أمان لها، هذه هي نواميسها التي منحت لها كما عرفنا، وهذا هو حال (الدنيا) بكل وضوح.
          يصف الإمام علي (عليه السلام) "الدنيا" بأنها: [دَارٌ بِالْبَلَاءِ مَحْفُوفَةٌ وبِالْغَدْرِ مَعْرُوفَةٌ - لَا تَدُومُ أَحْوَالُهَا ولَا يَسْلَمُ نُزَّالُهَا - أَحْوَالٌ مُخْتَلِفَةٌ وتَارَاتٌ مُتَصَرِّفَةٌ - الْعَيْشُ فِيهَا مَذْمُومٌ والأَمَانُ مِنْهَا مَعْدُومٌ - وإِنَّمَا أَهْلُهَا فِيهَا أَغْرَاضٌ مُسْتَهْدَفَةٌ - تَرْمِيهِمْ بِسِهَامِهَا وتُفْنِيهِمْ بِحِمَامِهَا] (1).
          .
          تتقلّب "الدنيا" بأهلها من حال إلى حال؛ بين حال حب ورخاء خادع وزائل، وحال حرب وموت وحزن وألم، ولكن رغم هذا فهي كانت ولا زالت تخدع الكثيرين بزبرجها وزينتها فيهرعون لعبادتها: [..... وكَذَلِكَ مَنْ عَظُمَتِ الدُّنْيَا فِي عَيْنِه - وكَبُرَ مَوْقِعُهَا مِنْ قَلْبِه آثَرَهَا عَلَى اللَّه تَعَالَى - فَانْقَطَعَ إِلَيْهَا وصَارَ عَبْداً لَهَا] (2).
          .
          إذن، ليس غريباً أن ينخدع الكثير من سكان بلاد ما بين النهرين كالسومريين ومن تلاهم بالدنيا ويتخذوها إلهاً يُعبد.
          .
          الخصب والنماء الذي ترمز له (أنانا - عشتار) أو (الدنيا) حكاه الله سبحانه بقوله: [اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ] سورة الحديد، آية 20. لكنه نماء زائل وفي يومٍ ما يصبح هشيماً تذروه الرياح. قال تعالى: [وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا] سورة الكهف، آية 45.
          .
          نحن الآن فعلاً في العالم الأسفل، ومَثَلُ "الدنيا أو أنانا أو عشتار" فيه كماء أُنزل من السماء (نزول أنانا أو عشتار إلى العالم الأسفل)، فاختلط به نبات الأرض ومنه الإنسان [وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا] سورة نوح، آية 17، قد يبدو للغافلين أنه مثلٌ للحياة والخصب والنماء الحقيقي لكن سرعان ما يتضح للإنسان أنه زائل كزوال الهشيم الذي تذروه الرياح في يوم عاصف.
          .
          نحن الآن فعلاً في العالم الأسفل، لذا صرف الله أولياءه الصالحين عن الدنيا رغم تعرّضها لهم في كثير من الأحيان، لكنهم لم ينخدعوا بها لأنهم يعلمون جيداً حقيقتها، فتمرّدوا عليها وأبوا أن يعبدوها كغيرهم، أبوا أن يسجدوا لها، فيزداد غيظها وحنقها عليهم فتستجمع كل أهلها وأوليائها وعبّادها لحربهم والقضاء عليهم، وهذا بالضبط ما حصل مع الراعي الصالح (دموزي).
          .
          يقول السيد أحمد الحسن: (وهكذا فإنّ عشتار - أنانا زوجة دموزي الملك سلّمته للشياطين ليقتلونه في مفارقة يصعب فهمها على من لا يعرفون معنى حاكمية الله أو التنصيب الإلهي، أو كما يُعبِّر عنها السومريون - الأكاديون "الملوكية التي نزلت من السماء". ولكنها حقيقة تكررت كثيراً في الدين الإلهي، وهي أنّ عشتار - الدنيا منقادة في كثير من الأحيان للملوك الذين لم ينصّبهم الله؛ لأنهم ساجدون وخاضعون لها، فهم يعبدون شهواتهم الدنيوية. وعشتار - الدنيا متمردة على المنصّبين من الله للحكم فيها؛ لأنهم في الحقيقة متمردون عليها. فنصيب علي (عليه السلام) كان خمس سنوات مُرّة، هاجت فيها كل شياطين الأرض لمحاربته في الجمل وصفين والنهروان، وما قرّوا حتى قتلوه في الكوفة. ونصيب الحسين (عليه السلام) الملك المنصَّب للحكم في الدنيا مذبحة لم يسلم منها حتى الرضيع) (3).
          .
          ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
          1- نهج البلاغة: 348، تحقيق: صبحي الصالح.
          2- المصدر نفسه: 348، 226.
          3- أحمد الحسن، وهم الإلحاد: 359.


          المصدر: من أسرار سومر؛ دراسة مقارنة بين رؤيتين


          يتبع....
          ولم أنسى تلك الكلمات التي كان يرددها في أيام الدعوة اليمانية المباركة نقلاً عن الإمام المهدي (ع )
          أنا منسي منسي .. و القرآن مهجور مهجور مهجور ..
          كان يرددها بألم و حزن و لوعة .
          هكذا عرف الشيخ ناظم العقيلي الإمام احمد الحسن ( ع ).

          Comment

          • منى محمد
            عضو مميز
            • 09-10-2011
            • 3320

            #6
            رد: من تكون أنانا ومن هو دموزي ؟ بحث د. علاء السالم

            (6) - حقيقة أنانا ودموزي وفق رؤية أخرى:
            .
            الرؤية التي ربما تكشف لنا من تكون (أنانا - عشتار) ومن يكون (دموزي - تموز) وترفع الغموض والتناقضات التي أحرجت الباحثين وتعذّر عليهم إجابة بعضها كما رأينا، تقدم بها السيد أحمد الحسن، وهي - كما سنرى - لم تغفل الرمزية التي ألقت بظلالها على النصوص السومرية بشكل واضح.
            .............................
            .
            ثانياً: العالم الأسفل
            .
            وصفته النصوص السومرية بأنه عالم الأموات، عالم اللارجعة، عالم الظلام "كور"، عالم الرذيلة (1). ومن صفاته أيضاً: أنّ جميع الناس لهم نصيب من الوجود فيه.
            (... والعالم الأسفل في معتقدات سكان وادي الرافدين مكان أبدي تقيم فيه أرواح الناس على اختلافهم: الأخيار والأشرار، الأغنياء والفقراء، العبيد والأسياد) (2).
            .
            ثم إنه في الوقت الذي تضفي النصوص الآثارية على ملوك السماء وأهلها صفات العظمة والطهر والتقديس، لكنها تنقلب تماماً لما تصف حال أهل العالم الأسفل فتصوّره بشكل تشمئز منه النفوس.
            .
            وهذا مقطع من أحد النصوص (3) التي تصور نزول (أنانا - عشتار) إلى العالم الأسفل "عالم الرذيلة"، فقد كانت النواميس فيه تقضي بأنّ من يختار الذهاب إليه لن يعود، فلما نزلت "أنانا" إليه نُطق الحكم بحقها بالموت فتحولت جثّة فاقدة للحياة، ولما أريد لها أن تحيا كان "الوسخ" والقذارة سبباً في حياة جثتها:
            .
            [........ اخرج الأب انكي من تحت أظفره وسخاً صنع منه "كوركرا" غير مذكر أو مؤنت،
            أخرج الأب انكي من تحت أظفره وسخاً صنع منه "جلاتور" غير مذكر أو مؤنث،
            أعطى "كوركرا" طعام الحياة،
            أعطى "جلاتور" ماء الحياة،
            الأب انكي قال لـ "كوركرا وجلاتور": اذهبا إلى العالم الأسفل،
            ادخلا الباب مثل الذباب، .....
            أحدكما سيرش طعام الحياة والآخر سيرش ماء الحياة على الجثة (أنانا)،
            أنانا سوف تنهض، .....
            عادت أنانا إلى الحياة، ....] (4).
            .
            وبالرغم من أنّ النص مليء بالرمزية، لكن صار بوسعنا فهمه بضميمة ما تقدم، فالدنيا (أنانا - عشتار) فعلاً حقيقتها جثة وجيفة بسبب نواميسها التي عرفناها، يقول علي (عليه السلام): "الدنيا جيفة وطلابها كلاب" (5)، ولكن لأن الله سبحانه أراد لهذا العالم الذي نحن فيه (عالم الدنيا - العالم الأسفل) أن يكون دار امتحان واختبار، كان حتمياً - بمقتضى العدالة الإلهية - أن يتواجد فيه الجميع (الأخيار والأشرار، الأغنياء والفقراء، العبيد والأسياد) ليؤدوا امتحانهم، وكان لابد أن يكون خيار النجاسة والشر متاحاً كخيار الخير والطهر ليتحقق الامتحان فعلاً. ولما كانت الدنيا (أنانا) - بحسب نواميسها المتقدمة - تمثل دائماً طرف الشر والرذيلة كان مناسب جداً أن تعاد الحياة لجثتها بالوسخ المشار إليه في النص "كوركرا، جلاتور"؛ لأنه ملائم تماماً لحقيقتها،
            - وهما ليسا بذكر ولا أنثى كما ورد في النص "غير مذكر أو مؤنث"، ولعله رمز إلى "متاع الحياة الدنيا الباطل والزائل"،
            - كما أنّ "ماء الحياة، طعم الحياة" الوارد في النص لما كانا ممنوحين لـ "وسخ"، فالحياة وطعمها المرشوشين على أنانا (الدنيا) - لأجل إحيائها - لا يكون حقيقياً بكل تأكيد حتى وإن بدا لبعض المخدوعين أنه حياة، فواقعه وحقيقته وسخ ودنس مقترن بالزوال والفناء والموت المحقق في الظلام،
            ولهذا فرّ الصالحون من الدنيا - كما أشرت سابقاً - وزهدوا فيها واكتفوا منها بأقل القليل، كما فرّ "جلجامش" إلى جده نوح طالباً الخلود والحياة الحقيقة التي لا موت ولا دنس فيها.
            .
            متى يعي الإنسان أنّ أصله سماوي، وأنّ النعيم والخلود والحياة الحقيقية هناك حيث موطنه الأصلي لا في هذا العالم الأسفل الزائل، "الدنيا دار ممر لا مقر" كما وصفها خلفاء الله.
            .
            هذه هي الحقيقة التي عرفها السومريون بفضل معلميهم الإلهيين قبل آلاف السنين وأشارت لها نصوصهم الدينية المرمزة، ولكن للأسف لا زال أكثر الناس إلى يومنا هذا يتهافتون على الدنيا ويتعاملون معها ومع عالمها الأسفل معاملة الوطن الحقيقي فتبلعهم بشره وتنادي هل من مزيد !
            .
            لا أريد التوسع أكثر في بيان "العالم الأسفل" وكونه موصوف بـ "أسفل" يعني أنّ هناك عالماً أو عوالم أعلى منه رتبة يكون فيها الخلق والتدبير، كعالم الذر الذي كنا فيه في السماء الأولى ثم أنزلنا الله منه لهذا العالم (وليس أنانا - عشتار وحدها التي نزلت فقط) لأداء الامتحان الثاني، وينتظرنا عالم موازٍ لعالم الذر اسمه "الرجعة" في قبال عالم اللاجعة. وعموماً، بحث العوالم والخلق يمكن لأي أحد التعرف عليه بالتفصيل في كتب السيد أحمد الحسن ككتاب "وهم الإلحاد" وكتاب "عقائد الإسلام".
            .
            ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
            1- انظر: كريمر - ولكشاين: أنانا ملكة السماء والأرض: 62.
            2- فاضل عبدالواحد علي، من سومر إلى التوراة: 273.
            3- انظر: كريمر - ولكشاين: أنانا ملكة السماء والأرض: 109 فما بعد.
            4- انظر: المصدر نفسه: 121 - 124.
            5- انظر: المجلسي، بحار الأنوار: 84/ 289.


            المصدر: من أسرار سومر؛ دراسة مقارنة بين رؤيتين
            يتبع.....
            ولم أنسى تلك الكلمات التي كان يرددها في أيام الدعوة اليمانية المباركة نقلاً عن الإمام المهدي (ع )
            أنا منسي منسي .. و القرآن مهجور مهجور مهجور ..
            كان يرددها بألم و حزن و لوعة .
            هكذا عرف الشيخ ناظم العقيلي الإمام احمد الحسن ( ع ).

            Comment

            • منى محمد
              عضو مميز
              • 09-10-2011
              • 3320

              #7
              رد: من تكون أنانا ومن هو دموزي ؟ بحث د. علاء السالم

              (7)- حقيقة أنانا ودموزي وفق رؤية أخرى:


              الرؤية التي ربما تكشف لنا من تكون (أنانا - عشتار) ومن يكون (دموزي - تموز) وترفع الغموض والتناقضات التي أحرجت الباحثين وتعذّر عليهم إجابة بعضها كما رأينا، تقدم بها السيد أحمد الحسن، وهي - كما سنرى - لم تغفل الرمزية التي ألقت بظلالها على النصوص السومرية بشكل واضح.
              .............................
              .
              ثالثاً: دموزي - تموز
              .
              هذا مقطع من نص سومري فيه بعض صفات الملك دموزي (الراعي الصالح):
              [.... أنت راعي المزار المقدس المختار،
              أنت، ملك أوروك الأمين،
              أنت، مصباح مزار آن العظيم،
              في كل العادات أنت صالح،
              أن يدوم رأسك عالياً على المنصة المتكبّرة،
              أن تجلس على عرش اللازورد،
              أن يغطي رأسك التاج المقدس،
              أن ترتدي الثياب الطوال على جسمك،
              ليزخرف جسدك بالثياب الملكية،
              أن تحمل الصولجان والسيف، .....
              أنت، العدّاء،
              الراعي المختار،
              في كل العادات أنت صالح، .....] (1).
              .
              "دموزي" بحسب النص ملك إلهي مقدس "ملك، يغطي رأسك التاج المقدس"، وكونه "راعٍ صالح" يعني أنه خليفة من خلفاء الله في أرضه، فوصف "الراعي" ما بارح واحداً منهم؛ لأن واحدة من وظائف الملوك الإلهيين هي هداية الخلق ورعايتهم وإدارة شؤونهم، قال الإمام علي (عليه السلام): [أنا الراعي؛ راعي الأنام، أفترى الراعي لا يعرف غنمه، ...]، وقال عيسى (عليه السلام): [أنا الراعي الصالح أعرف خرافي وخرافي تعرفني] (2)،
              .
              بحسب النص أيضاً: "دموزي" مختار من قبل الله سبحانه وفق مبدأ حاكمية الله، وليس هذا فقط بل هو ملك وخليفة إلهي ثائر "تحمل الصولجان والسيف"، ومتقدّم بين الخلق في سباق الاختبار والامتحان الإلهي "أنت العدّاء".
              .
              أيضاً: (دموزي - تموز) ورد وصفه في النصوص بأنه "إله"، وقد تقدم أنّ ألوهية ما سوى الله سبحانه هي ألوهية في الخلق، يتصف بها بعض الصالحين ممّن كان على درجة عالية من الكمال والرقي.
              .
              الملوك الإلهيين (خلفاء الله) بعلمهم وتعاليمهم التي يبثوها بين الناس يقومون في الحقيقة بإحياء القلوب الميتة، فأهل الدنيا موتى القلوب: [أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ] النحل: 21، لذا قرّر جلجامش الرحيل إلى جده نوح (عليه السلام) ليتعلم منه سرّ الحياة، حياة الروح لا حياة البدن - كما سيتضح لاحقاً - التي يُفترض أنه يملكها، كما يفترض أنّ من كانوا يعاصرون رسول الله محمداً (صلى الله عليه وآله) أحياء بأبدانهم لكن الله سبحانه يخاطبهم: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ] الأنفال: 24. ومن ثمَّ لا عجب أن يُقرَن ذكر (دموزي - تموز) في بعض النصوص بالخضرة والعشب والحياة والنماء؛ لأنه الراعي الصالح الذي يبعث الحياة من جديد في القلوب والأرواح الميتة الجدبة التي يمتلك أصحابها - من البشر - حياة البدن فقط، وهي حياة لا يمتاز بها الإنسان عن سائر مخلوقات الله الأخرى بشيء أبداً.
              .
              هذا - باختصار - مشروع الراعي الصالح الإلهي، وأكيد أنه لو قدّر له النجاح واستجاب له الناس وتمّ لا يُبقي للدنيا (عشتار - أنانا) شيئاً يذكر، سيجعلها مفلسة تماماً، فرصيدها وأهلها قائم بموتى القلوب (أهل الظلم والجور والفساد والشهوات وما شابه)، ومثل هؤلاء لو خسرتهم فمن سيبقى لها، لذا فهي تحملهم بقوة للقضاء على صاحب هكذا مشروع تضحوي كبير يهدف إلى إنقاذ الناس من الموت المؤكد في الظلام.
              .
              صار بوسعنا أن نعرف الآن لماذا كانت طقوس العزاء والنواح في سومر شعبية وليست ضمن طقوس الديانة الرسمية لكهنة المعبد والحكام؛ لأنهم أساساً من أهل الدنيا وقد تقدم أنّ أحد نواميسها "الكهانة اللاصقة بالجسم" فهم علماء غير عاملين، لا يفقهون غير البدن وشهواته وملذاته الدنيوية الفانية، في حين أنّ مشروع الراعي الصالح يهدف إلى إحياء القلب والروح بمعاني الخير والطهر والصلاح، وهذا لا يلتقي مع نهج الكهنة وفكرهم الدنيوي المادي في شيء أبداً.
              .
              وإذا عرفنا أنّ (دموزي - تموز) ملك إلهي فهو بالتأكيد خاضع للخطة الإلهية، وكان معلوماً مسبقاً ومقدّراً فيها أن يجري عليه ما جرى، وقد أعلم الله أنبياءه ورسله الأولين بذلك وأوحى لهم تلك المأساة العظيمة، فحزنوا وتألموا وبكوا على (دموزي - تموز)، ونشر أنبياء الله في سومر كنوح وإبراهيم (عليهما السلام) ومن قبلهم أبيهم آدم وإدريس (عليهما السلام) ومن تلاهم من خلفاء الله قصّته بين أقوامهم، فصارت ثقافة وأنشودة تتناقلها الأجيال شفاهة جيلاً بعد جيل، صار ذكر دموزي (الراعي الصالح) وما يجري عليه من مأساة - تحمّلها لأجل إنقاذ الناس - ترنيمة يترنم بها السومريون الأوائل في عصور ما قبل الكتابة والتدوين واستمر ذكره مكتوباً ومدوناً بعد اختراع الكتابة والتدوين ونقلته لنا الألواح والرقم الطينية، ولا زال ذكره وتخليد مأساته مستمراً في بلاد ما بين النهرين.
              .
              ـــــــــــــــــــــــــــــ
              1- انظر: كريمر - ولكشاين: أنانا ملكة السماء والأرض: 102 - 103.
              2- انظر: المجلسي، بحار الأنوار: 65/ 176؛ الكتاب المقدس - مجمع الكنائس الشرقية: 322.


              المصدر: من أسرار سومر؛ دراسة مقارنة بين رؤيتين


              يتبع.....
              ولم أنسى تلك الكلمات التي كان يرددها في أيام الدعوة اليمانية المباركة نقلاً عن الإمام المهدي (ع )
              أنا منسي منسي .. و القرآن مهجور مهجور مهجور ..
              كان يرددها بألم و حزن و لوعة .
              هكذا عرف الشيخ ناظم العقيلي الإمام احمد الحسن ( ع ).

              Comment

              • منى محمد
                عضو مميز
                • 09-10-2011
                • 3320

                #8
                رد: من تكون أنانا ومن هو دموزي ؟ بحث د. علاء السالم

                (8) رابعاً: من يكون دموزي من بين خلفاء الله ؟
                .
                ابتداء، ينبغي أن نعرف أنّ خلفاء الله - وخصوصاً الذين يعتبرون علامات مهمة في مسيرة الدين الإلهي وهداية الخلق - مذكورون في النصوص الدينية الإلهية. وبقدر تعلق الأمر بالملك الإلهي (دموزي - تموز) وما جرى عليه من مأساة فمن يريد تحديده بشخص معين من خلفاء الله، فإضافة لما ذكر، لابد - كذلك - أن تكون حصّته من المأساة كتلك المذكورة في نصوص سومر.
                .
                ومن جانب آخر: نجد أنّ بعض الباحثين أثناء دراستهم للألواح الطينية التفتوا إلى مدى التشابه الكبير بين ما هو مدوّن في بعض الألواح وبين ما ورد في نصوص الكتب المقدسة اللاحقة في الأديان السماوية الثلاثة في مواضيع عديدة: كما سبق وأن أشرت لذلك. ومن ثمَّ، فليس أمراً مفاجئاً أن تكون النصوص السومرية أحياناً تتحدث عن أمر مستقبلي لم يحصل بعدُ في زمن تدوين وكتابة الحدث.
                وعلى هذا الأساس ذكر د. فاضل عبدالواحد (1) محاولة بعض الباحثين (ويبدو أنه يرتضيها لأنه لم يعلّق عليها) تجسيد مأساة "دموزي" بما جرى على السيد المسيح (عليه السلام) المتأخر - كما هو معلوم - عن زمن تدوين النص بفترة طويلة جداً،
                وصحيح أنّ غرض الكثير منهم - أعني الباحثين الآثاريين؛ وخصوصاً الملحدين منهم - من ذكر أوجه التشابه تلك بيان الأصول السومرية لكثير من معتقدات اليهودية والمسيحية وحتى الإسلام، ولما كان دين سومر بنظرهم (الخاطئ) مجرد تأليف أسطوري بشري فالنتيجة الحتمية المترتبة هي أن يكون منشأ الدين بشري أرضي، لكن من الصحيح أيضاً إمكان استفادة العكس من مبتغاهم تماماً بمعنى أننا اذا وجدنا حقيقة دينية تم ذكرها في نصوص سومر ثم رأينا تحققها في المستقبل فهذا دليل أكيد على أنّ منشأها غيبي إلهي، فمن يعتقد بوجود أيوب وعيسى (عليهما السلام) - مثلاً - في زمن متأخر جداً عن السومريين لمّا يجد ذكر هذه الشخصيات في نصوصهم ماذا بوسعة أن يقول غير أنّ الدين الإلهي كان موجوداً في سومر، وإلا فمن أين علم السومريون بخلفاء الله الذين يأتون بعد آلاف السنين ويجري عليهم ما هو مذكور في نصوصهم تماماً ؟!
                .
                يقول د. كريمر: (من بلاد الرافدين انتقل موضوع موت دموزي وقيامته إلى فلسطين، وليس عجيباً بعد هذا أن نجد نسوة أورشليم يعولن على تموز في إحدى بوابات معبد أورشليم. ولا يستبعد أبداً أن تترك أسطورة موت دموزي وقيامته بصمتها على قصة المسيح، على الرغم من الفجوة الروحية العميقة بينهما. ولقد كانت عدة أفكار رئيسية في قصة المسيح مما يمكن إرجاعه إلى أصول سومرية، .....).
                وبعد ذكره لأوجه الشبه ومنها لقب "الراعي" و"المسيح الممسوح رأسه بالزيت"، قال: (لعلنا نستطيع أن نضيف الآن العذاب الذي لقيه دموزي على أيدي العفاريت العتاة، مما يذكرنا إلى حدٍّ ما بآلام المسيح: شد وثاقه ودقت أطرافه بالمسامير؛ أجبر على خلع ثيابه والركض عارياً؛ جلد وضرب. وقد صرنا نعلم فوق كل هذا أن دموزي، وهو في هذا لا يختلف عن المسيح، لعب دور البديل الذي تعذب نيابة عن البشرية..... لكنا نسلم بأنّ نقاط الافتراق بين الاثنين أكبر وأظهر من نقاط الالتقاء) (2).
                .
                وفي مقام التعليق على كلامه أقول:
                أولاً: غير صحيح القول بوجود فجوة روحية عميقة بين دموزي الإلهي (الراعي الصالح) وبين عيسى (عليه السلام)، فالاثنان معاً خلفاء لله ويجمعهما الطهر والصلاح وغيرها من صفات الرقي والكمال. نعم، الفجوة كبيرة وعميقة بين عيسى وبين دموزي المزيف الدنيوي الذي أشرنا له سابقاً، تماماً كالفجوة الموجودة بينه (أي المزيف) وبين دموزي الإلهي.
                .
                وثانياً: وصف "الراعي" يطلق على جميع خلفاء الله كما عرفنا؛ لأنهم يسوسون الخلق ويديرون شؤونهم، كما أنّ وصف "المسيح" بمعنى الممسوح رأسه بالزيت (إشارة إلى العلم الثقيل الذي يتحلّى به صاحب الرأس الممسوح) هو الآخر وصف لجميع خلفاء الله، وليس الوصفان مختصين بعيسى ودموزي فقط، ومن ثم لا يمكن اعتبار الوصفين دليلاً على وحدة الشخصيتين كما ذكر د. كريمر.
                .
                وثالثاً - وهو الأهم -: فصحيح أنّ ما جرى على المصلوب مأساة كبيرة، لكن ما جرى على دموزي - بحسب النصوص - مأساة أشد وأكبر، على أننا نعتقد أنّ المصلوب شخص آخر من خلفاء الله وليس عيسى الذي دعا الله أن ينحّي عنه كأس الصلب، ويمكن لمن يريد التحقق من المسألة بالتفصيل الرجوع إلى كتاب "الحواري الثالث عشر" للسيد أحمد الحسن.
                .
                أضف إلى ذلك: إنّ نصوص سومر ذكرت شخصية معذّبة أخرى في مأساة "دموزي"، كان لها دور كبير وهي أخته العالمة "جشتي - نانا"، كان لدموزي أيضاً عائلة وأطفال هاموا على وجوههم في البراري بعد مقتله، كان له أنصار قتلوا قبله، إلى غير ذلك من تفاصيل أشار لها النص كما سنلاحظ، وهي تفاصيل مهمة تُبعد انطباق شخصية "دموزي" على عيسى الذي لم تُعرف له أخت أو عيال جرى عليهم ما هو مذكور في النص السومري.
                و د. كريمر نفسه يعرف ذلك جيداً، لذا ختم كلامه بقوله: "كما نسلّم بأنّ نقاط الافتراق بين الاثنين أكبر وأظهر من نقاط الالتقاء".
                .
                إذن، (دموزي - تموز) ليس عيسى (عليه السلام)، فمن يكون إذن ؟
                .
                ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
                1- د. فاضل عبدالواحد علي، من سومر إلى التوراة: 278 - 279.
                2- صموئيل كريمر، طقوس الجنس المقدس عند السومريين، ترجمة نهاد خياطة.


                المصدر: من أسرار سومر؛ دراسة مقارنة بين رؤيتين


                يتبع.....
                ولم أنسى تلك الكلمات التي كان يرددها في أيام الدعوة اليمانية المباركة نقلاً عن الإمام المهدي (ع )
                أنا منسي منسي .. و القرآن مهجور مهجور مهجور ..
                كان يرددها بألم و حزن و لوعة .
                هكذا عرف الشيخ ناظم العقيلي الإمام احمد الحسن ( ع ).

                Comment

                • منى محمد
                  عضو مميز
                  • 09-10-2011
                  • 3320

                  #9
                  رد: من تكون أنانا ومن هو دموزي ؟ بحث د. علاء السالم

                  (9) رابعاً: من يكون دموزي من بين خلفاء الله ؟
                  لا مجال للبتّ في المسألة إلا بالعودة إلى نصوص المأساة وقراءتها لنرى مَنْ مِن خلفاء الله قتل في بلاد سومر وجرت عليه فصول الألم والفاجعة التي يصوّرها النص السومري.
                  سأنقل الآن بعض النصوص من مقتل (دموزي - تموز) ولا أطلب من القارئ أكثر من أن يقارنها بفصول مأساة كربلاء - الواقعة جغرافياً ضمن حدود سومر - وما جرى فيها على الحسين بن علي حفيد رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله) وأخته زينب بنت علي (عليها السلام) التي شاركته مصيبته وتحملت أقسى فصول الألم بعد شهادته.
                  .
                  [..... قلب دوموزي يسبح بالحزن والدموع،
                  مضى إلى السهول الممتدة الواسعة،
                  علّق الناي في عنقه وصاح يندب حظه،
                  أيتها السهول الواسعة الممتدة بعيداً رددي بكائي، .....] (1).
                  .
                  بعد أن ترك محله ومضى إلى السهول البعيدة، تذكّر أمه الحزينة لأجله، والتي ما برحت تذرف الدموع عليه، ومثلها أخته الحزينة:
                  [.... لتطلق أمي صرخة عويل،
                  لتطلق أمي (سرتور) صرخة عويل،
                  لتطلق أمي التي لا تملك خمسة أرغفة، صرخة عويل،
                  لتطلق أمي التي ليس عندها عشرة أرغفة، صرخة عويل،
                  عندما تفقدني لن تجد من يهتم بها،
                  وأنت يا عيني التائهة في السهول، ادمُعي مثل عينِ أمي،
                  وأنت يا عيني التائهة في السهول، ادمُعي مثل عينِ أختي، ....] (2).
                  .
                  ورد في الروايات أنّ فاطمة (عليها السلام) كانت تبكي الحسين (عليه السلام) حتى تشهق بعبرتها (3).
                  .
                  في رحلته إلى السهل، استلقى دموزي ورأى رؤيا أزعجته، فطلب إحضار أخته ليقصها عليها، ولأنها العالمة فهي تعرف تأويل الرؤى:
                  [دوموزي استفاق وقال:
                  أحضروها لي، أحضروها، أجلبوا أختي،
                  أحضروا (جشتي نانا) أختي الصغيرة،
                  أحضروا الكاتبة العالمة بسر الأرواح،
                  أختي التي تعرف معنى الكلمات،
                  المرأة الحكيمة التي تعرف معنى الأحلام،
                  يجب أن أتحدث لها،
                  يجب أن أخبرها بالحلم الذي رأيته] (4).
                  .
                  وصف علي بن الحسين (عليه السلام) عمّته زينب (عليها السلام) - التي تصغر الحسين سنّاً - : "بعالمة غير معلمة وفهمة غير مفهمة" (5).
                  .
                  قص دموزي رؤياه على أخته العالمة:
                  [دوموزي تحدث إلى أخته (جشتي نانا) قال:
                  عن الحلم، أختي، استمعي إلى الحلم الذي رأيته،
                  الأسل يطلع في كل ما حولي،
                  الأسل يندفع من باطن الأرض كثيفاً،
                  واحدة من ذاك النبات وقفت وحيدة وحنت رأسها أمامي،
                  كل الأسل وقف في أزواج إلا واحدة أزيلت من مكانها،
                  في البستان انتصبت في محيط الأرض حولي أشجار طويلة مرعبة،
                  فوق أرض منامي لا ماء ينسكب،
                  محفظة متاعي خالية وقد أخذ منها ما بها،
                  وكوبي المقدس قد سقط من الوتد المعلق به،
                  عصا الراعي اختفت،
                  النسر يحمل حملاً بين مخالبه،
                  والصقر اختطف العصفور من سياج القصب،
                  أختي: جدائي الصغار تجرجر في التراب ويغطيها الغبار،
                  أغنامُ حظيرتي تتحرك فوق الأرض بقوائم ملتوية،
                  مخضة اللبن محطمة خاوية فارغة،
                  كوبي قد تهشم،
                  دوموزي لم يعد بين الأحياء،
                  حظيرة أغنامه صارت في مهب الريح] (6).
                  .
                  لما سمعت أخته منه رؤياه تألمت، وراحت تُأوّل له رموز رؤياه: فالأسل الذي رآه هو عصبة من السفاحين الذين سينقضون عليه لقتله. أما الواحدة التي كانت واقفة بانفراد وحانية رأسها أمامه فهي أمه. ولما كانت أخته لم تفارقه في حياته أبداً فهما في الرؤيا بمثابة زوج من الأسل لا يفترقان، ولكن في الرؤيا واحدة من الأسل أزيلت من مكانها فكانت إشارة إلى أنّ أحدهما سيتوارى ويزول.
                  .
                  استمرت أخته في تأويل رؤياه: فالأشجار الطويلة المرعبة هم الأشرار الذين سوف يرعبونه. وأما فوق أرض منامه وشهادته لا ماء ينسكب فمعناه أنّ بيته ومن كان يرعاه سيغدو خراباً بعد رحيله، نعم سيختفي دموزي ويرحل فمحفظته في الرؤيا باتت خالية وكوبه المقدس سقط وتهشم وعصاه وما يتقوّى به اختفت.
                  [قالت جشتي نانا:
                  أواه يا أخي، لا تحكِ حلمك لي،
                  ليس مريحاً،
                  الأسل يطلع في كل ما حولك،
                  الأسل يندفع من باطن الأرض كثيفاً،
                  عصبة من السفاحين ستنقض عليك،
                  هو حلمك،
                  واحدة من ذاك النبات وقفت وحيدة وحنت رأسها أمامك،
                  هي أُمك،
                  ستحني رأسها من أجلك،
                  كل الأسل وقف في أزواج إلا واحدة أزيلت من مكانها،
                  أنا وأنت،
                  أحدنا سوف يتوارى ويزول،
                  في البستان انتصبت في محيط الأرض حولك أشجار طويلة مرعبة،
                  الأشرار سوف يرعبونك،
                  فوق أرض منامك لا ماء ينسكب،
                  حظيرة الغنم سوف تغدو خراباً،
                  الأشرار سوف يُضيِقون الخناق عليك] (7).
                  .
                  ضيّق الأعداء الخناق على الحسين (عليه السلام)، فقد روي: (لما عبّأ عمر بن سعد أصحابه لمحاربة الحسين بن علي عليهما السلام ورتبهم مراتبهم، وأقام الرايات في مواضعها، وعبأ أصحاب الميمنة والميسرة، فقال لأصحاب القلب: أثبتوا، وأحاطوا بالحسين من كل جانب حتى جعلوه في مثل الحلقة ...) (8)،
                  .
                  ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
                  1- كريمر - ولكشاين: أنانا ملكة السماء والأرض: 132.
                  2- المصدر نفسه.
                  3- انظر: المجلسي، بحار الأنوار: 45/ 208.
                  4- كريمر - ولكشاين: أنانا ملكة السماء والأرض: 133.
                  5- انظر: المجلسي، بحار الأنوار: 45/ 164.
                  6- كريمر - ولكشاين: أنانا ملكة السماء والأرض: 133 - 134.
                  7- نفس المصدر: 134 - 135.
                  8- المجلسي، بحار الأنوار: 45/ 8.


                  المصدر: من أسرار سومر؛ دراسة مقارنة بين رؤيتين
                  يتبع.....
                  ولم أنسى تلك الكلمات التي كان يرددها في أيام الدعوة اليمانية المباركة نقلاً عن الإمام المهدي (ع )
                  أنا منسي منسي .. و القرآن مهجور مهجور مهجور ..
                  كان يرددها بألم و حزن و لوعة .
                  هكذا عرف الشيخ ناظم العقيلي الإمام احمد الحسن ( ع ).

                  Comment

                  • منى محمد
                    عضو مميز
                    • 09-10-2011
                    • 3320

                    #10
                    رد: من تكون أنانا ومن هو دموزي ؟ بحث د. علاء السالم

                    (10) رابعاً: من يكون دموزي من بين خلفاء الله ؟
                    تستمر أخته "جشتي نانا" في ذكر ما سيفعله الشياطين بدموزي:
                    [محفظة متاعك خالية وقد أخذ منها ما بها،
                    وكوبك المقدس قد سقط من الوتد المعلق به،
                    سوف تقع من ركبة أمك التي حملتك،
                    متاع الراعي،
                    مخضة الراعي، كل شيء يختفي،
                    الأشرار سوف يفعلون كل شيء يضعفك،
                    تجمعوا،
                    البومة،
                    النسر،
                    الصقر،
                    العفريت الكبير،
                    كلهم يريدون أن يطردوك،
                    سيقضون عليك في حظيرة الغنم،
                    جداؤك الصغار تجرجر في التراب يغطيها الغبار،
                    الغضب سوف يدوم في السماء مثل الإعصار] (1).
                    .
                    من قتلوا (دموزي - تموز) قوم مجرمون قساة لا يعرفون الرحمة، هم في الحقيقة مسوخ شيطانية وحقائقهم حيوانية وإن كانوا بصورة بشر.
                    أما متى يسقط "دموزي" قتيلاً ؟ يسقط حينما يفقد أنصاره "غنمه" المدافعين عنه وهم عصارة وخلاصة الأمة الممتحنة به، التي دعاها إلى نصرته ولكن القلة هي من لبّت نداءه وانتفعت بعلمه وهُداه فقط "مخضة اللبن". نعم، عندما يسقط هؤلاء على الأرض مضرّجين بدمائهم "قوائم ملتوية" يُقتل "دموزي" ويكون كل شيء ذابلاً،
                    [أنت ستسقط إلى الأرض،
                    عندما أغنام حظيرتك تتحرك فوق الأرض بقوائم ملتوية،
                    عندما مخضة اللبن محطمة خاوية فارغة،
                    الشياطين ستجعل كل شيء ذابلاً] (2).
                    .
                    هل هذا كل ما فعلته أنانا - عشتار (الدنيا) وأتباعها الشياطين المجرمون بدموزي ؟ كلا، هذه المرة يخطف الشياطين القساة "الجالا" (3) منه حتى ابنه الصغير (رضيعه) فيقتلوه ويحتسبه قرباناً للمشروع الإلهي الذي نذر نفسه له،
                    روي أنّ الحسين (دعا ابنه عبد الله فجعل يقبّله وهو يقول: ويل لهؤلاء القوم إذا كان جدك محمد المصطفى خصمهم، والصبي في حجره، إذ رماه حرملة بن كاهل الأسدي بسهم فذبحه في حجر الحسين) (4).
                    .
                    [حينما يأخذ النسر الخروف الصغير،
                    الجالا سيخدش خدودك،
                    عندما يمسك الصقرُ العصفورَ من سياج القصب،
                    الجالا سوف يتسلق السور ليأخذك بعيداً.
                    دوموزي،
                    شعري سيدور في السماء لأجلك،
                    الخراف ستحفر الأرض بحوافرها،
                    أوه دوموزي أنا سوف أشقق خدودي بأسف عليك] (5).
                    .
                    حقَّ - إذن - لأخته أن تحزن عليه وتخمش خدودها لأجله ويطير فكرها عليه "شعري سيدور في السماء لأجلك" من شدة الدهشة والذهول الذي أصابها لما يجري عليه وانتهاك حرمته من قبل الشياطين المجرمين:
                    [عندما وجدت جشتي نانا دوموزي في حظيرة الأغنام بكت،
                    رفعت فمها بجانب السماء،
                    أحضرت فمها بجانب الأرض،
                    مثل الثوب غطى حزنها الأفق،
                    مزقت عينيها، مزقت فمها، مزقت أفخاذها،
                    صعد الـ (جلا) سياج القصب،
                    ضرب الـ (جلا) الأول دوموزي على الخد ونشب أظافره،
                    ضرب الـ (جلا) الثاني دوموزي على الخد الآخر،
                    الـ (جلا) الثالث حطم عجيزة المزبدة،
                    الـ (جلا) الرابع أنزل الكوب من وتده وحطمه،
                    الـ (جلا) الخامس حطم المزبدة،
                    الـ (جلا) السادس حطم الكوب،
                    الـ (الجلا) السابع بكى] (6).
                    .
                    لما أثخن الحسين (عليه السلام) بالجراح وضعف عن القتال: (نادى شمر: ما وقوفكم؟ وما تنتظرون بالرجل؟ قد أثخنته الجراح والسهام احملوا عليه ثكلتكم أمهاتكم، فحملوا عليه من كل جانب، فرماه الحصين بن تميم في فيه وأبو أيوب الغنوي بسهم في حلقه، وضربه زرعة بن شريك التميمي على كتفه وكان قد طعنه سنان بن أنس النخعي في صدره، وطعنه صالح بن وهب المزني على خاصرته فوقع عليه السلام إلى الأرض على خده الأيمن، ....) (7).
                    .
                    والملفت أنّ النص يذكر بكاء أحد هؤلاء الشياطين، فمَنْ مِن قتلة الحسين (عليه السلام) بكى وهو يريد قتله يوم عاشوراء ؟
                    لما أحاطوا بالحسين خرجت أخته زينب وقالت: (يا عمر بن سعد أيقتل أبو عبد الله وأنت تنظر إليه، قال فكأني أنظر إلى دموع عمر وهي تسيل على خديه ولحيته قال وصرف بوجهه عنها...... وسُلب الحسين ما كان عليه فأخذ سراويله بحر بن كعب وأخذ قيس بن الأشعث قطيفته وكانت من خز وأخذ نعليه رجل من بنى أود يقال له الأسود وأخذ سيفه رجل من بنى نهشل بن دارم ... ومال الناس على الورس والحلل والإبل وانتهبوها قال ومال الناس على نساء الحسين وثقله ومتاعه ...) (8).
                    .
                    [لِمَ تهيم هكذا، أيها الراعي؟
                    لقد أمسكوا بنعجاتك واستولوا على حملانك
                    لِمَ تهيم هكذا ؟
                    لقد أمسكوا بعنزاتك واستولوا على جديانك
                    لِمَ تهيم هكذا ؟ ...
                    مخضتك الجميلة، تم تفتيتها: لماذا غطيت
                    رأسك بقطعة قماش ؟
                    جديانك الأكثر سمنة، بقيت في الحظيرة في حالة خَدَر
                    وجديانك الأصغر تثغو يائسة بجوار المعالف !
                    وحملانك اليتامى تنوح بجوار قاعدة جدار الحظيرة !
                    واختك ذات اللطف، وهي متأثرة بنواحها] (9).
                    .
                    انهض يا حسين، فقد صودر مخيمك، انتهب رحلك، أطفالك وعيالك، بناتك ونساؤك سبايا، أيها القتيل المسلوب، المحزوز الرأس من القفا:
                    [انهض من نومك الزائف،
                    نعاجك صودرت،
                    حملانك صودرت،
                    عنزاتك صودرت،
                    نمسك أطفالكم (جديانك صودرت)
                    اخلع تاجك المقدس من رأسك،
                    انزع ملابسك الملكية من جسدك،
                    دع صولجانك الملكي يسقط على الأرض،
                    اخلع نعليك المقدسة من أقدامك،
                    عرياناً، تمضي معنا
                    أمسك الـ (جلا) دوموزي،
                    أحاطوه،
                    أوثقوا يديه،
                    ربطوا رقبته،
                    سكتت المزبدة،
                    لا حليب ينزل منها،
                    الكوب محطم،
                    لا دوموزي بعد الآن،
                    أصبحت حظيرة الغنم في مهب الريح] (10).
                    .
                    وهذا نداء زينب بعد مقتل أخيها الحسين (عليه الحسين):
                    [يا محمداه بناتك سبايا، وذريتك مقتلة، تسفي عليهم ريح الصبا، وهذا حسين مجزوز الرأس من القفا، مسلوب العمامة والرداء، بأبي من عسكره في يوم الاثنين نهبا، بأبي من فسطاطه مقطع العرى، بأبي من لا هو غائب فيرتجى، ولا جريح فيداوى، بأبي من نفسي له الفداء، بأبي المهموم حتى قضى، بأبي العطشان حتى مضى، بأبي من شيبته تقطر بالدماء ..] (11).
                    .
                    وهذا مقطع يزور به الإمام المهدي (عليه السلام) جده الحسين في يوم عاشوراء:
                    [.. وقد عجبت من صبرك ملائكة السماوات، وأحدقوا بك من كل الجهات، وأثخنوك بالجراح وحالوا بينك وبين ماء الفرات، ولم يبق لك ناصر، وأنت محتسب صابر، تذب عن نسوانك وأولادك. فهويت إلى الأرض طريحاً، ظمآن جريحاً، تطؤك الخيول بحوافرها، وتعلوك الطغاة ببواترها، قد رشح للموت جبينك، واختلفت بالانبساط والانقباض شمالك ويمينك، تدير طرفاً منكسراً إلى رحلك، وقد شغلت بنفسك عن ولدك وأهلك، وأسرع فرسك شارداً، وإلى خيامك قاصداً، محمحماً باكياً. فلما رأين النساء جوادك مخزياً، وأبصرن سرجك ملوياً، برزن من الخدور للشعور ناشرات، وللخدود لاطمات، وللوجوه سافرات، وبالعويل داعيات، وبعد العز مذللات، وإلى مصرعك مبادرات، وشمر جالس على صدرك، مولغ سيفه في نحرك، قابض شيبتك بيده، ذابح لك بمهنده، وقد سكنت حواسك، وخمدت أنفاسك، وورد على القناة رأسك، وسبي أهلك كالعبيد، وصفدوا في الحديد فوق أقتاب المطيات، تلفح وجوههم حرور الهاجرات، يساقون في الفلوات، أيديهم مغلولة إلى الأعناق، يطاف بهم في الأسواق ..] (12).


                    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
                    1- كريمر - ولكشاين: أنانا ملكة السماء والأرض: 134 - 135.
                    2- المصدر نفسه: 135 - 136.
                    3- الجالا: "نوع من الشياطين الأكثر شراسة". انظر: ديوان الأساطير - الكتاب الرابع: 98.
                    4- المجلسي، بحار الأنوار: 45/ 46.
                    5- كريمر - ولكشاين: أنانا ملكة السماء والأرض: 136.
                    6- المصدر نفسه: 142 - 143.
                    7- المجلسي، بحار الأنوار: 45/ 55.
                    8- الطبري، تاريخ الأمم والملوك: 4/ 345 - 346.
                    9- أدونيس، ديوان الأساطير - الكتاب الرابع،: 96.
                    10- كريمر - ولكشاين: أنانا ملكة السماء والأرض: 144.
                    11- المجلسي، بحار الأنوار: 45/ 59.
                    12- المصدر نفسه: 98/ 241.
                    المصدر: من أسرار سومر؛ دراسة مقارنة بين رؤيتين
                    ولم أنسى تلك الكلمات التي كان يرددها في أيام الدعوة اليمانية المباركة نقلاً عن الإمام المهدي (ع )
                    أنا منسي منسي .. و القرآن مهجور مهجور مهجور ..
                    كان يرددها بألم و حزن و لوعة .
                    هكذا عرف الشيخ ناظم العقيلي الإمام احمد الحسن ( ع ).

                    Comment

                    Working...
                    X
                    😀
                    🥰
                    🤢
                    😎
                    😡
                    👍
                    👎