إعـــــــلان

Collapse
No announcement yet.

المعتقدات الدينية في بلاد الرافدين بقلم هاله عبد الامير محسن

Collapse
X
 
  • Filter
  • الوقت
  • Show
Clear All
new posts
  • نجمة الجدي
    مدير متابعة وتنشيط
    • 25-09-2008
    • 5278

    المعتقدات الدينية في بلاد الرافدين بقلم هاله عبد الامير محسن






    المعتقدات الدينية في بلاد الرافدين

    إن العقيدة الدينية قديمة في وجودها قدم الإنسان نفسه، ولكن من الصعب تحديد البدايات لهذه العقيدة الدينية من حيث الزمان والمكان، ولكن يمكن القول إن الإيمان بالدين وجد في مناطق عديدة من العالم وبين أقدم الجماعات البشرية التي عثر عليها المنقبون والانثروبولوجيون في مواقع استيطانهم، وعلى مخلفاتهم التي لها علاقة بالدين والعقيدة الدينية([1]).

    وإن ما نعرفه عن ديانات سكان بلاد الرافدين في عصور ما قبل التأريخ قليلٌ جداً، ومعظم هذا القليل غير مؤكد وغير كامل، لأن معلوماتنا عنها تعتمد على المخلفّات المادية التي تركها إنسان الكهوف والملاجئ الجبلية والأكواخ التي اتخذها مسكناً له، وأهم تلك المخلفّات هي التماثيل والقبور والتعاويذ والرسوم والنقوش البارزة والآلات والأدوات وعظام الحيوانات. وليس لدينا وثائق مدوّنة عن الأفكار والممارسات الدينية، لأن الكتابة لم تكن معروفة ولم تُخترَع إلاّ في منتصف الألف الرابع قبل الميلاد([2]).

    إن نشأة المعتقدات الدينية في العصور التأريخية تستند على أسباب منطقية، إلاّ إن ذلك وحده ليس كافياً ما لم تكن طبيعة الديانة تنسجم وطبيعة الإنسان نفسه والظروف المحيطة به، وتمثلت باستحداث آلهة رئيسة وهي الآلهة التي عبدها السومريون، والتي كانت متمثلةً بالإله (آنو) (Anu) إله السماء والإله (إنليل) (Enlil) إله الهواء والإله (إنكي) (Enki) إله الأرض والمياه العذبة، تلك الآلهة التي ذكرتها وعظّمتها أغلب الملاحم والأساطيرالسومرية والبابلية([3]).

    وكان من الطبيعي أن يكون الإنسان الرافديني القديم متديناً، لأن الدين كان يقدم نفسه في حدود المستوى الذي كان عليه التطور المادي في بلاد الرافدين، إذ إنه مثّل آنذاك انعكاساً خيالياً داخل الوعي الاجتماعي لعلاقات الناس فيما بينهم بصفة عامة، وعلاقاتهم مع الطبيعة بصفة خاصة، فكان هذا الإنسان يعيش في حالة من الترابط مع الطبيعة، وبقي هذا الشعور يلازمه طوال الفترة التي حافظ فيها المجتمع على تماسكه الثقافي، وبقي هذا الشعور حياً بالرغم من تطور أحوال الحياة المدنية([4]).

    ويبدو إن الخوف الذي كان يسيطر على العراقي القديم وهو يواجه قوى الطبيعة، ساهم في دفعه نحو ابتكار الآلهة وعبادته لها، ليجد فيها ملجأ يزيل عنه هذا الخوف، إذ إن ذهنية حضارة بلاد الرافدين كانت تعكس هذا الخوف والقلق، وإن كل هذا قاد به إلى إيجاد الآلهة لتكون تعبيراً عن قوى الطبيعة التي يخاف منها، وإن قلقه المتزايد نحو العالم الآخر قد زاد من هذا الخوف، إذ كان يرى إن الموت أمر مقرر ذلك ((لأن الآلهة منذ أن خلقت الإنسان, كانت قد جعلت الموت حظاً له، وإن الحياة بقيت بيد الآلهة هذه))، إن هذا النص المأخوذ من (ملحمة گلگامش) يكشف عن مدى استسلام العراقي القديم لقبول الموت كأمر مسلمٍ به([5]).

    اعتقد سكان بلاد الرافدين أن آلهتهم لم تكن شيئاً في بدايتها أي إنها كانت عدماً، وإن من جراء هذا العدم خُلق إلهان أحدهما مذكر ويدعى (آبسو) (Apsu)، وهو محيط المياه الحلوة المحدق بالأرض، والثاني مؤنث وتدعى (تيامة) (Tiamat) ومعناها البحر، وهذان الإلهان كانا الأصل لكل شيء موجود، وهذا ما نجده في مستهل أسطورة الخليقة:

    ((يوم لم تكن السماوات العلى،

    ولا الأرض من أسفل قد تسمّت باسمها،

    من الأب الأول آبسو،

    ومن أم الجميع، تيامة الهائجة،

    تجمعت المياه في مَجْمَعٍ واحد،

    يوم لم تكن لمنابتِ الأسلِ تخوم،

    ولا وقعت عين راءٍ على مجامع القصب،

    يوم أحد من الآلهة لم يكن بعد قد نودي باسمه،

    ولا حدد لواحد منها، مصيره،

    يومئذٍ كانت الآلهة!...))([6]).

    وهنا تكونت الآلهة الأولى التي عبدها السومريون، والمتمثلة بالإله (آنو) (Anu) إله السماء، والإله (إنليل) (Enlil) إله الهواء، والإله (إنكي) (Enki) إله الأرض والحكمة([7])، إذ كان هؤلاء الآلهة يقتسمون العالم، ولكل من هؤلاء الآلهة طريقه الخاص في المدار الشمسي، ومساكنهم جميعاً في أعالي السماء([8]).

    والمعتقدات الدينية والقيم الأخلاقية لبلاد الرافدين يمكن استقصاؤها من خلال نصوصٍ متنوعة تشمل: القصص والأساطير الملحمية، والطقوس والتراتيل، والصلوات والتعازيم الدينية، فضلاً عن قوائم بأسماء الآلهة ومجاميع للأقوال المأثورة والأمثال الدارجة؛ ووصلتنا هذه المواد من ثلاثة مصادر رئيسة هي: مكتبة الكهنة في (نفر) المركز الديني للسومريين، ومكتبتي قصر ومعبد آشور في نينوى، وقد دونت هذه النصوص باللغة السومرية، ويُعدّ البعض الآخر منها نسخاً آشورية أو بابلية لتقاليد سومرية الأصل([9]).

    كان الإله (إنليل) (Enlil) رب الفضاء، وسيد مدينة (نُفّر) شمال سومر بين دجلة والفرات، وكان يسكن معبده الشهير (إيكور) مع الآلهة (ننخرساك) ((سيدة الجبل))، وفي الجنوب في منطقة البحيرات كانت مدينة (أريدو) من نصيب الإله (إنكي) (Enki) رب الأرض وسيد المياه العذبة والمعرفة، وكان يقال عنه إنه جاء عن طريق البحر في الأزمنة الموغلة في القدم، من (دلمون) البعيدة أرض الفيض ((حيث تشرق الشمس))، وبين هاتين المدينتين الكبيرتين، وبالقرب من الفرات إزاء الصحراء كانت مدينة (أوروك) مقراً لإله السماء (آنو) (Anu)([10]).

    ويُعتقد إن أول معبود تصورته المجتمعات الزراعية في بلاد الرافدين كان ذا صلة بقوى الأرض المنتجة، وجسدها العراقي القديم على هيئة آلهة تمثل الأرض وخصوبتها، عرفت باسم (الآلهة الأم) (Mother Goddess)، التي وُجد لها الكثير من الدمى الطينية الصغيرة على هيئة امرأة عارية بولغ بإظهار أنوثتها كرمز للخصوبة والتكاثر في الكثير من المواقع الأثرية القديمة، وكان هذا التصور بشكلٍ خاص بعد معرفة الإنسان للزراعة واستئناس الحيوان، واستقراره في المستوطنات الزراعية([11]). فالطبيعة هي التي أثرت في حياة العراقي القديم، وبعثت فيه روح التفكير والتأمل في ماهية الموجودات؛ لذلك بدأ يبحث عن حلول للظواهر الطبيعية، وكان في مقدمة تلك الحلول إعطاء صفة الإلوهية لكل ظاهرة، باعتقاده إن وراء كل ظاهرةٍ قوى خفية غير مرئية ليس باستطاعته مجابهتها؛ لذا عُرف عند العراقيين القدماء مبدأ (الشرك)(Polytheism) أي تعدد الآلهة، وبقيت صفة الشرك ملازمة للديانة العراقية إلى آخر الأدوار التأريخية، إذ إنها لم تصل إلى مستوى التوحيد أي عبادة إله واحد([12]).

    إن دمى الطين المصنوعة على هيئة نسوة بدينات, واللاتي وجدنَ في مستوطناتٍ عدة من قرى العصر الحجري الحديث ومنها قرية (جرمو)([13])، تمثل ديانة الخصب، كما يرجح إن الإنسان قَرَنَ خصب الأرض ونتاجها الزراعي بإخصاب الأنثى بالعضو الذكري، الأمر الذي يفسر لنا الأشكال الغريبة المصنوعة من الطين والفخار والتي وجدت منها نماذج عديدة في العراق والشرق الأدنى([14]).

    واتصلت فكرة الخصوبة اتصالاً مباشراً بالإنسان وبتعرضه للخطر وضرورة محافظته على بقائه، ومن هنا نظر إلى الخصوبة بصفتها عنصراً حيوياً مباشراً لكيانه، ولذا بدأ بتقديس القوى المنتجة([15])، لأن الأرض في نظره لا تحتاج إلى الخصوبة، فعند توافرها يكثر الإنتاج الذي يضمن له البقاء، فعبر عن القوى المنتجة على شكل تمثال امرأة حامل([16])، كما إن الصورة التي تَخليّها الإنسان العراقي عن الآلهة الأم، ومثلها في دمى طينية في حدود 6000 سنة قبل الميلاد، بقيت هي ذات الصورة التي يمكن أن نجدها في رُقم الطين المسمارية عن الآلهة الأم قبل خمسة آلاف سنة أو أكثر.

    إن السبب الذي دعا سكان المناطق الشمالية من العراق القديم إلى عبادة الخصوبة، يرجع إلى إنها كانت العامل المهم والأساس الذي يتحكم في حياتهم، إذ ما دامت كمية الأمطار كافية لنمو الزرع فإن الإنتاج الوفير لا يتحقق إلاّ من خلال توفير الخصوبة في الأرض، غير إن انتشار هذه الحضارات منذ بداية الألف السادس قبل الميلاد في المناطق الواقعة جنوب خط المطر والممتدة حتى (تل الصوان)([17])، أدى إلى زعزعة أركان تلك العبادة، إذ إن أمطار هذه المناطق السنوية كانت متذبذبة وغير مستقرة، وهذا التذبذب دفع إنسان تلك المناطق إلى أن يتجه بأنظاره إلى العوامل الجوية المؤثرة على المطر والزرع والحصاد أكثر من اهتمامه بالخصوبة وكل ما يولّد الوفرة في الإنتاج، لأن الخصوبة بدت بلا قيمة من دون المطر الكافي لنمو الزرع، والحيوانات التي هي مصدر أساس لتوليد الغذاء يتهدد حياتها أيضاً انعدام الزرع الذي يتسبب المطر في نموه، ولذلك فإن هذه الظروف قد أدت إلى ظهور فكرة دينية جديدة تعتمد في طقوسها قدسية العوامل الطبيعية والنظر إلى الماء على إنه أساس الحياة([18]).

    إن هذا الانتقال في العبادة إن دل على شيء فهو يدل على تطور الوعي الفكري والديني لدى سكان بلاد الرافدين، وهذا دليل واضح على إن الإنسان قد بذل جهوداً كبيرة في تفسير كل ما هو محيط به، والبحث عن أصل الحياة، والذي تدرج به من عبادة الخصوبة للانتقال إلى مرحلة مهمة في التفكير الديني وهي التفكير في العوامل المؤثرة في الماء ومن ثم تقديس العوامل الحيوية المؤثرة في المطر والنبات([19]).

    مثل العراقي القديم الحيوان في نقوشه الفنية رمزاً من رموز الخصوبة منذ عصر العُبيد([20]) (4000ق.م.) من حيث ارتباط بعض الحيوانات مثل الأفعى بالأشكال الأنثوية التي تظهر بشكل واضح في مشاهد الأختام المنبسطة التي عثر عليها في (تبه كورا)([21]) تحمل طبعات تتضمن صوراً للأفاعي مع نسوةٍ رسمت في وضعيات التشابك والآخر بوضعية الاحتضان، إذ تعطي انطباعاً للناظر تبدو وكأنها تتغازل أو في حالات التزاوج، وكذلك وصلتنا طبعات أختام من (الوركاء) تحتوي على صور للأفاعي وهي في وضعيات التشابك([22]).

    اعتقد العراقي القديم بوجود قوى خلاقة في الطبيعة جسدوها بإلهة الخصب، وأطلقوا عليها اسم (إنانّا) (Inanna)، وجسدوا هذه القوة أيضاً بإله ذكر عرف في العصور التاريخية القديمة باسم (دموزي) (Dumuzi)، الذي جُعِل منه حبيباً ثم زوجاً لإلهة الخصب (إنانّا) (Inanna), واعتقدوا إن نتيجة (اتصال) إله الخصب بإلهة الحب والخصب سوف يخلق التجدد والنماء في مختلف مظاهر الحياة؛ وفي عصور ما قبل التأريخ كان يرمز لإله الخصب بدلايات حجرية مصنوعة على شكل رأس ثور، كما صوروا رأس الثور هذا على الأواني الفخّارية من عصر (حلف) في حدود (4000ق.م.) وإن وجود مثل هذه الصور والدلايات يشير إلى أن إنسان عصور ما قبل التأريخ في العراق القديم اتخذ من الثور رمزاً للعنصر الذكري، وجُعِل نظيراً لرمز الأنوثة الذي عبر عنه بدمى طينية لها ثديين وأرداف كبيرتين([23]). وارتبطت أشكال الحيوانات ارتباطاً وثيقاً بديانة بلاد الرافدين، فكانت بعض أشكال الحيوانات تعتبر رموزاً لآلهة معينة، وكان الثور رمزاً من رموز الإله (دموزي) (Dumuzi)، إذ إن هذا الإله كان يلقب بالثور الوحشي للدلالة على قدرته وقوته في الإخصاب، وهو من عناصر الخصب الممتازة للزراعة بوصفه سيد الماشية([24])، كما يتضح ذلك من خلال مخاطبة (إنانّا) (Inanna) ومغازلتها لحبيبها (دموزي) (Dumuzi) عندما تصفه بالثور الوحشي([25]).

    صور العراقي القديم آلهته على نفس صورة البشر، إذ إن أجسام الآلهة شبهت بأجسام البشر, وحتى جنسها فيما إذا كانت ذكوراً أو إناثاً، وميزوا حتى على مقدرتهم الجنسية، فالإله (تموز) كان ((يضطجع مع)) الآلهة عشتار، وتذكر النصوص ((القوة الذكرية)) (بمفهومها الفسلجي) للإله (ننورتا) ((الذي لا يناله الضعف أبداً))، وكان لهذه الآلهة ملابس وزينة، كما كانت تنام وتأكل، كما كان لها بيوتاً تعيش فيها وهي عادةً في السماء، وهذا هو المفهوم الثاني (التشبيه) (Anthropomorphism)([26]). ومع كل هذا فقد اختلفت الآلهة عن البشر بالدرجة الأولى بتمييز خاص بكونها (آلهة) وهي خالدة لا تموت، إذ إن الخلود هو من أهم صفات الآلهة وكذلك القدسية:

    ((عندما خلقت الآلهة البشر،

    قدرت الموت على البشرية

    واستأثرت هي بالحياة...))([27]).

    افترض أهل اللاهوت من السومريين، افتراضاً مسلّماً بحقيقته هو وجود مجموعة من الآلهة قوامها كائنات حية شبيهة في هيئتها بالإنسان ولكنها فوق الإنسان وخالدة، وهي وإن كانت لا يمكن رؤيتها بعين الإنسان الفاني، تسير الوجود وتسيطر عليه بموجب خططٍ مضبوطة ونواميس معينة ومقررة، واعتقدوا إن كل واحد من هذه الكائنات الشبيهة بالإنسان تتميز عنه بخلودها وإنها فوق الإنسان في القدرة، وموكل بجزء خاص من هذا الكون ليسيّر شؤونه بموجب قواعد معينة؛ ومما لا شك فيه إنه يكمن وراء هذا الافتراض استنتاج منطقي وهو إنه لما كانوا لم يروا أياً من هذه الكائنات الشبيهة بالإنسان بأعينهم فإنهم اشتقوا صورتهم الأولى التي تصوروا بها تلك الكائنات من المجتمع البشري كما عرفوه، فاستدلوا من المعلوم على المجهول([28]).

    وظهر التشبيه في الأعمال الفنية القديمة، إذ إن المسلة الشهيرة (مسلة العقبان) التي خلدت انتصار الملك (أياناتم) (Eannatum) ملك (لگش) على دولة المدينة المجاورة (أوما)، إذ تبدو صورة الإله (ننكرسو) هي المسيطرة على المشهد، فهو يحمل بيده اليمنى صولجاناً من الحجر يوشك أن يهوي به على جنود الأعداء الذين وقعوا في شبكة يمسك بها في يده اليسرى([29]).

    أما المفهوم الثالث الذي يعتمد عليه الفكر الديني فهو (الشرك) (Polytheism)، إذ عدّ الإنسان لكل ظاهرة من الظواهر الطبيعية إلهً معيناً يسيطر على هذه الظاهرة ويتحكم بها، أما بشكل سلبي أو إيجابي، ونتيجة لذلك فقد ظهرت فكرة تعدد الآلهة، ومبدأ الشرك يقوم على تعدد الآلهة والذي انتشر بشكل واسع في ديانة بلاد الرافدين([30])، وبمرور الزمن ولكثرة الظواهر الطبيعية ازداد عدد هؤلاء الآلهة وأصبح لكل منطقة من مناطق بلاد الرافدين مجموعة كبيرة من الآلهة. ووضع البابليون جداولاً بأسماء آلهتهم، وقسموا على الآلهة الكبرى منها شؤون الكون ليحكم كل قسم منه إله أو مجموعة آلهة([31]). ويبدو إن تكوّن المدن وتطورها في نهاية الألف الرابع قبل الميلاد في جنوب بلاد الرافدين، وبعد أن أصبحت الحياة أكثر تعقيداً، ظهرت حاجات إضافية على الرغم من إن الخصوبة بقيت دائماً العنصر الرئيس إلاّ إن طريقة رؤيتهم للقوى الخارقة قد تغيّرت([32]).

    والمفهوم الرابع من مفاهيم وصفات الآلهة العراقية القديمة، (التفريد) (Henotheism)، وهو تفضيل أحد الآلهة في العبادة على غيره([33])، وهذا المبدأ أو المفهوم ظهر لدى البابليين بسبب محاولتهم من فرض سيطرة آلهتهم على البلاد بأكملها، رغبة منهم في إيجاد وحدة دينية موازية للوحدة السياسية وذلك عن طريق سيادة الإله (مردوخ) البابلي على بلاد الرافدين، ولكن سكان البلاد رفضوا ذلك المبدأ وظلوا محتفظين بآلهتهم المحلية([34]).

    ارتبطت فكرة تفريد الآلهة بالأوضاع السياسية التي كان يعيشها سكان بلاد الرافدين، فانتقال السلطة من سلالة لأخرى يصاحبه في كثيرٍ من الأحيان تغيير في مكانة الآلهة، إذ يمكن القول إن إله السلالة التي بيدها مقاليد الحكم يحظى عادة بقسط أكبر من التقديس، ويكون له شأن كبير بين الآلهة الأخرى، ويخصص له معبد خاص به، لأن مدن هذه الدولة كلها ملك لهذا الإله، على الرغم من إن الآلهة الأخرى لها معابد فيها أيضا([35]).

    لم يصل أي إله من الآلهة السومرية إلى درجة التفريد، وذلك لأن السومريون تمكنوا من صياغة نظام يعرفون به آلهتهم وأماكنها، وأيقنوا إن لكل إله واجباته الخاصة وأعماله التي يؤديها، ولكن وفي الوقت نفسه وصل الإله (مردوخ) إلى مرحلة التفريد والتنزه على بقية الآلهة([36]).









    المصادر:

    المصادر العربية:



    أكرم محمد الكسار، عصر حلف في العراق، رسالة ماجستير غير منشورة، (جامعة بغداد: كلية الآداب، 1982).
    أكرم محمد الكسار، قراءة في نتاجات الإنسان الفنية الأولى، مجلة سومر، العدد39، 1983.
    أندريه بارو، سومر فنونها وحضارتها، ترجمة: عيسى سلمان وسليم طه التكريتي، (بغداد: دار الحرية للطباعة والنشر، 1977).
    تقي الدباغ، الفكر الديني القديم، (بغداد: دار الشؤون الثقافية العامة، 1992).
    جان بوتيرو، الديانة عند البابليين، ترجمة: وليد الجادر، (حلب: مركز الإنماء الحضاري للنشر، 2005).
    جورج رو، العراق القديم، ترجمة وتعليق حسين علوان حسين، مراجعة د. فاضل عبد الواحد علي، ط 1 (بغداد: دار الحرية للطباعة، سلسلة الكتب المترجمة ، 1984).
    رشيد الناضوري، المدخل في التطور التاريخي للفكر الديني، (بيروت: دار النهضة العربية للطباعة)، ج3.
    رينيه لابات، المعتقدات الدينية في بلاد وادي الرافدين، ترجمة: الأب ألبير أبونا، ط2(بغداد: دار نجم المشرق، 2004).
    شيماء ماجد كاظم الحبوبي، الحيوية والاستمرارية في العقائد العراقية القديمة حتى سقوط بابل (539ق.م.)، رسالة ماجستير غير منشورة، (جامعة بغداد، كلية الآداب، 2007).
    صموئيل نوح كريمر، من ألواح سومر، ترجمة: طه باقر، مراجعة وتقديم: الدكتور أحمد فخري، (بغداد:مؤسسة فرانكلين للطباعة والنشر، 1957).
    طه باقر وعامر سليمان وفاضل عبد الواحد علي، تاريخ العراق القديم، (بغداد: 1986).
    طه باقر، مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة، ج1،(بغداد: دار الشؤون الثقافية العامة، 1986).
    عامر سليمان، العراق في التاريخ موجز التاريخ الحضاري، (الموصل: جامعة الموصل،1955)، ج2.
    عبد الرضا الطعان، الفكر السياسي في العراق القديم، ط2، ج2،(بغداد: دار الشؤون الثقافية العامة، 1986).
    عبد القادر الشيخلي، المدخل إلى تاريخ الحضارات القديمة القسم الأول الوجيز في تاريخ العراق القديم، ط1(بغداد:مطابع دار التعليم العالي، 1990).
    فاضل عبد الواحد علي، أناشيد الزواج المقدس، مجلة سومر، العدد34، 1978.
    فاضل عبد الواحد علي، سومر أسطورة وملحمة، ط2(بغداد: دار الشؤون الثقافية العامة، 2000).
    فوزي رشيد، المعتقدات الدينية، حضارة العراق، ج1(بغداد: دار الحرية للطباعة، 1985).
    ل. دولابورت، بلاد ما بين النهرين حضارة بابل وآشور، ترجمة: مارون الخوري، (بيروت: دار الروائع الجديدة، 1971).
    مريم عمران موسى، الفكر الديني عند السومريين في ضوء المصادر المسمارية، أطروحة دكتوراه غير منشورة، (جامعة بغداد: كلية الآداب ، 1996).
    نائل حنون، شخصية الآلهة الأم ودور الإلهة إينانا عشتار، مجلة سومر، العدد34، 1978.




    المصادر الاجنبية:



    Budg. W. E., Babylonian Life and History, (London, 1978).
    Frankfort. H., La Royauté et les dieux, (Payot Paris 1951).
    James. E.O., The cult of the Mother Goddess, (London, 1985).
    Oppenheim. L. A., Ancient Mesopotamia Portrait of a Dead Civilization, (Chicago and London, 1977).
    Phinches. L. D., The Religion of Babylonia and Assyria, (USA 2000).
    Tobler. A. J., Excavations at Tepe Gawra, Iraq, (vol. II, 1950).

    ([1]) تقي الدباغ، الفكر الديني القديم، (بغداد: دار الشؤون الثقافية العامة، 1992)، ص5.

    (2) المصدر نفسه، ص13.

    فوزي رشيد، المعتقدات الدينية، حضارة العراق، ج1(بغداد: دار الحرية للطباعة، 1985)، ص148-149.
    ([4]) عبد الرضا الطعان، الفكر السياسي في العراق القديم، ط2، ج2،(بغداد: دار الشؤون الثقافية العامة، 1986)، ص13.

    (2) المصدر نفسه، ص18-21؛ كذلك أنظر:



    Frankfort. H., La Royauté et les dieux, (Payot Paris 1951), P 309.

    (1) ل. دولابورت، بلاد ما بين النهرين حضارة بابل وآشور، ترجمة: مارون الخوري، (بيروت: دار الروائع الجديدة، 1971)، ص158.

    (2) رشيد، المصدر السابق، ص148-149.

    (3) دولابورت، المصدر السابق، ص159.

    جورج رو، العراق القديم، ترجمة وتعليق حسين علوان حسين، مراجعة د. فاضل عبد الواحد علي، ط 1 (بغداد: دار الحرية للطباعة، سلسلة الكتب المترجمة ، 1984)، ص129.
    (2) رينيه لابات، المعتقدات الدينية في بلاد وادي الرافدين، ترجمة: الأب ألبير أبونا، ط2(بغداد: دار نجم المشرق، 2004)، ص25.

    3) عبد القادر الشيخلي، المدخل إلى تاريخ الحضارات القديمة القسم الأول الوجيز في تاريخ العراق القديم، ط1(بغداد:مطابع دار التعليم العالي، 1990)، ص223؛ أنظر كذلك:
    James. E.O., The cult of the Mother Goddess, (London, 1985), P 15-25;

    نائل حنون، شخصية الآلهة الأم ودور الإلهة إينانا عشتار، مجلة سومر، العدد34، 1978، ص23-24.

    (1) الشيخلي، المصدر السابق ، ص223-224.

    (2) قرية جرمو: هي من قرى العصر الحجري الحديث، تقع في شمال العراق قرب جمجمال بنحو 11كيلومتر شرقاً، و35 كيلومتر شرق كركوك على الوادي المسمى (جم كورا) أحد روافد نهر العظيم، وتعد هذه القرية أقدم مستوطن زراعي من مستوطنات ذلك العصر؛ أنظر: طه باقر، مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة، ج1،(بغداد: دار الشؤون الثقافية العامة، 1986)، ص195.

    (3) المصدر نفسه، ص201-202.

    (4) رشيد الناضوري، المدخل في التطور التاريخي للفكر الديني، (بيروت: دار النهضة العربية للطباعة)، ج3، ص31.

    (1) أكرم محمد الكسار، قراءة في نتاجات الإنسان الفنية الأولى، مجلة سومر، العدد39، 1983، ص31.

    (2) تل الصوان: هو من المواقع الأثرية التي كشف فيها عن أطوار العصر الحجري المعدني والأطوار الأخيرة من العصر الحجري الحديث، ويقع هذا الموضع على ضفة دجلة اليمنى على بعد 11كيلومتر جنوب سامراء، وهو تل صغير يرتفع عن السهل المحيط به زهاء (3-4) أمتار؛ أنظر: باقر، المصدر السابق، ص216.

    (3) رشيد، المصدر السابق، ص146-147.

    (1) شيماء ماجد كاظم الحبوبي، الحيوية والاستمرارية في العقائد العراقية القديمة حتى سقوط بابل (539ق.م.)، رسالة ماجستير غير منشورة، (جامعة بغداد، كلية الآداب، 2007)، ص12-13.

    (2) عصر العُبيد: أو دور العُبيد، هو تل أثري قريب من (أور) وَجدت فيه بعثة التنقيبات البريطانية في أثناء تحريات عام (1926-1927) نوعاً من الفخّار الملوّن، عد عند اكتشافه أقدم نوع من الفخار يمثل أول دور للاستيطان البشري في السهل الرسوبي لبلاد الرافدين، وتسمية عُبيد جاءت تصغير (عبد)، وأطلق عليه دور العُبيد نسبة إلى ذلك التل الأثري؛ أنظر: باقر، المصدر السابق، ص223.

    (3) تبه كورا: هي من القرى الأنموذجية القديمة التي تناولتها التنقيبات الأفقية في الكشف عن حارات ودور سكنية بحسب طبقاتها، ويقع موقع هذه القرية على بعد 15ميلاً شمال شرقي الموصل؛ أنظر: المصدر نفسه، ص231.

    ([22]) Tobler. A. J., Excavations at Tepe Gawra, Iraq, (vol. II, 1950), P 178-183.

    (1) فاضل عبد الواحد علي، سومر أسطورة وملحمة، ط2(بغداد: دار الشؤون الثقافية العامة، 2000)، ص110.

    (2) أكرم محمد الكسار، عصر حلف في العراق، رسالة ماجستير غير منشورة، (جامعة بغداد: كلية الآداب، 1982)، ص168.

    (3) فاضل عبد الواحد علي، أناشيد الزواج المقدس، مجلة سومر، العدد34، 1978، ص19.

    (1) جان بوتيرو، الديانة عند البابليين، ترجمة: وليد الجادر، (حلب: مركز الإنماء الحضاري للنشر، 2005)، ص85-86.

    (2) المصدر نفسه ، ص86-87.

    (3) صموئيل نوح كريمر، من ألواح سومر، ترجمة: طه باقر، مراجعة وتقديم: الدكتور أحمد فخري، (بغداد: مؤسسة فرانكلين للطباعة والنشر، 1957)، ص153-154.

    (1) أندريه بارو، سومر فنونها وحضارتها، ترجمة: عيسى سلمان وسليم طه التكريتي، (بغداد: دار الحرية للطباعة والنشر، 1977)، ص186.

    (2) باقر، المصدر السابق، ص227.

    (3) الدباغ، المصدر السابق، ص25.

    (4) مريم عمران موسى، الفكر الديني عند السومريين في ضوء المصادر المسمارية، أطروحة دكتوراه غير منشورة، (جامعة بغداد: كلية الآداب ، 1996)، ص52.

    (5) عامر سليمان، العراق في التاريخ موجز التاريخ الحضاري، (الموصل: جامعة الموصل،1955)، ج2، ص116.

    (1) Budg. W. E., Babylonian Life and History, (London, 1978), P100-101.

    (2) طه باقر وعامر سليمان وفاضل عبد الواحد علي، تاريخ العراق القديم، (بغداد: 1986)، ص9؛ أنظر كذلك:

    Oppenheim. L. A., Ancient Mesopotamia Portrait of a Dead Civilization, (Chicago and London, 1977), P 187-188.

    ([36]) Phinches. L. D., The Religion of Babylonia and Assyria, (USA 2000), P 64-65.
    قال يماني ال محمد الامام احمد الحسن (ع) ليرى أحدكم الله في كل شيء ، ومع كل شيء ، وبعد كل شيء ، وقبل كل شيء . حتى يعرف الله ، وينكشف عنه الغطاء ، فيرى الأشياء كلها بالله ، فلا تعد عندكم الآثار هي الدالة على المؤثر سبحانه ، بل هو الدال على الآثار
Working...
X
😀
🥰
🤢
😎
😡
👍
👎