إعـــــــلان

Collapse
No announcement yet.

كتاب الطاغية - دراسة فلسفية لصور من الاستبداد السياسي - البرفسور إمام عبد الفتاح إمام

Collapse
X
 
  • Filter
  • الوقت
  • Show
Clear All
new posts
  • نجمة الجدي
    مدير متابعة وتنشيط
    • 25-09-2008
    • 5278

    كتاب الطاغية - دراسة فلسفية لصور من الاستبداد السياسي - البرفسور إمام عبد الفتاح إمام






    رابط القراءة والتحميل






    الطاغية دراسة فلسفية لصور من الاستبداد السياسي
    تأليف أ د إمام عبد الفتاح إمام
    نشر في مجلة التبيان


    من هو الطاغية ؟ أهو ذلك الشخص المتجهم الذي يصعب تمييز أنفه من فمه لامتزاجهما معاً في حركة غاضبة ترهب من أمامه ؟ أم هو حامل السوط يلوّح به في الهواء فيصدر عنه أصوات قد تلهب أشد من لسعة السوط نفسه ؟ أم هو الذي يقود جمعاً من الناس كقود القطيع محاطاً بحرس شديد يشهرون أسلحتهم لاستئصال أي فكرة عن الهرب قد تدور بخلد بعض أولئك المقهورين ؟ .


    هذا الكتاب يعطيك صورة أخرى عن الطغاة ، فقد يكون الطاغية هو هذا المتأنق عذب الكلام وتملأ الابتسامة وجهه ، وقد يكون هذا الذي يجلس وسط قوم بسطاء يشاطرهم طعامهم وسمرهم ، وقد يكون هذا الإنسان الذي يكّرم نفراً من قومه لنبوغهم في بعض المجالات ، وهو قد يرتدي أحدث الموديلات أو يرتدي حتى عمامة فوق قميص فيبدو مظهرة كمظهر أعبد الناس ، إنه شخصية قد نحب النظر إليها مالم تكن لدينا فكرة كافية عن حقيقة أعماله ، ولكنه في الحقيقة ذئب مفترس يلتهم لحوم البشر ، هذا بعض ماتظهره الدراسة التي بين أيدينا ، وفوق ذلك فإن هذه الدراسة تدلك علي المعين الذي يخرج منه الطغاة ، وقد صدر الكتاب ضمن سلسلة عالم المعرفة وهي سلسلة كتب ثقافية يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بالكويت .


    والدراسة لاتبرئ الشعوب من تهمة صناعة الطغاة عبر العصور ، بل توجه إليهم اتهاماً صريحاً في أن ميلهم للاستكانة والاستضعاف يساهم في خلق الطغاة كما يرسخ لهم في الأرض ، والنظرة الفاحصة لطبيعة الشعوب المستكينة تظهر وكأن الطغاة علي الأرض جزء من تخيلنا وآمالنا لو لم نجده عليها لاخترعناه ( مع الاعتذار للشاعر ) ، وهي تجيب علي العديد من التساؤلات وتفسر العديد من الظواهر المستغربة والتي لاتخضع لعقل أو منطق من قبل الطغاة والشعوب علي حد سواء .

    البداية عن فلسفة السلطة ، إذ يبين الكاتب أن الحياة الإنسانية لابد لها من قدر من التنظيم إن أردنا لها أن تحقق شيئاً ذا قيمة ، لا أن تكون مجرد عبث لامعني له أو فوضي تقترب من حياة الحيوان ، ولايقوم نظام من دون قانون ، وهذا التنظيم يحتاج إلي سلطة منظمة تخضع لها الجماعة ، إذ لايمكن تصور المجتمع بغير سلطة حاكمة تنظمه وتضع له القواعد .

    ووفقاً لفقهاء القانون فإن مبررات وجود السلطة هو تحقيق الأمن والاستقرار للجماعة كلها ، وهي تنقسم إلي سلطة سياسية توجد في الدولة وسلطة اجتماعية توجد في المجتمعات الصغيرة كالأسرة والنقابة والمؤسسات التربوية ، ويشير الكاتب إلي أن الخلط بين السلطتين يحدث كثيراً ويترتب علي ذلك الخلط أضرار كثيرة .

    كانت السلطة السياسية في الماضي تختلف باختلاف أشخاص الحكام ، فقد كانوا يمارسون هذه السلطة علي أنها امتياز شخصي بفضل مواهبهم أو أشخاصهم لهذا لم يكن هناك فرق بين الحاكم والسلطة ، وهذا يؤذن بزوال السلطة بزوال الشخص ، وفي الدول الحديثة أصبحت السلطة ملكاً للدولة وليس لأشخاص الحكام الذين أصبحوا فقط ممثلين للسلطة وممارسين لها باسم الدولة ، وهذا الانتقال لم يتم دفعة واحدة بل هو ثمرة عملية تاريخية طويلة ساهم فيها كفاح الشعوب وأفكار الفلاسفة ، وكانت الفكرة الأساسية التي انطلق منها هذان العنصران هي قول اللورد أكتون ( كل سلطة مفسدة والسلطة المطلقة مفسدة مطلقة ) .

    والسلطة التي تقوم علي القهر المادي فقط ( إفعل ولاتفعل ) تكشف عن انحراف مرضي من جانب الحكام والشعوب ولاتنبئ عن الوضع الطبيعي للأمور الذي ينبغي أن يكون ، فالسلطة ليست مجرد قهر مادي وإنما هي تعتمد إلي جانب ذلك علي عوامل نفسية واقتصادية واجتماعية وتاريخية ، وافتقار السلطة إلي هذا الفهم ينطبق عليه قول مونتسكيو ( موقف الطاغية هو موقف ذلك الذي يقطع الشجرة لكي يقطف ثمرة ) .
    يستهل الكاتب الفصل الثاني بقول الله تعالي في سورة القصص ( وقال فرعون ياأيها الملأ ماعلمت لكم من إله غيري ) ثم قول عبد الرحمن الكواكبي ( مامن مستبد سياسي إلا ويتخذ له صفة قدسية يشارك بها الله أو تعطيه مقاماً ذا علاقة بالله ) وهو في هذا الفصل يستخدم مجهراً ومشرطاً حاداً في تشريح نفسية الشرق التي تميل كما عبر هو ( إلي تأليه الحاكم ) .

    ذلك الفصل الذي يقول فيه : إننا نظلم الدين كثيراً عندما ننسب إليه مثل هذا الحكم المطلق المتعسف الذي يأخذ برقاب الناس باسم الإرادة الإلهية ، وهو يوضح أن في كل عصر تظهر مجموعة من أتباع هذا الدين أو ذلك تلجأ إلي تأويل النصوص وتقدم اجتهادات شخصية وتفسيرات ذاتية تمكنها من الوصول إلي السلطة وغالباً ماتستخدم أحط السبل كالدسائس والقتل والرشوة واستمالة الأشخاص بالمال والنفاق والكذب علي الله ، وحينئذ ينقسم المجتمع إلي فئتين فئة حاكمة وأخري محكومة ، ويتم إضفاء صفة الطبيعة الخاصة علي الحكام لتبرر تميزهم ، وهكذا صور القدماء الحاكم علي أنه إله أو ابن إله وبالتالي فهو يحكم وفقاً لنظرية الحق الإلهي المباشر ، ظهر هذا في مصر القديمة وفي بلاد مابين النهرين وفي فارس وفي الصين ، وأثناء الصراع بين الكنيسة والامبراطور في في العصور الوسطي في أوروبا ظهرت فكرة جديدة سميت ( نظرية الحق الإلهي غير المباشر ) تقوم علي الفصل بين السلطة والحاكم ، فالله هو مصدر السلطة واختيار الشخص الذي يمارسها يكون للشعب .

    ويتحدث الكاتب بعد ذلك عن أفراد العائلة غير الكريمة التي هي عائلة الطغيان والتي حكمت فترة طويلة من التاريخ ويفوق عدد أبنائها عدد الحكام الخيّرين الصالحين بشكل هائل ، وكانوا دائماً موضوعاً للكراهية والخوف ولم يكونوا أبداً موضوعاً للحب والإعجاب ، وهذه العائلة تشمل العديد من الأنظمة السياسية التي تتفق في أصول وتختلف في فروع ضئيلة القيمة ، فمن هذه الأنظمة ( الطغيان والدكتاتورية ، الاستبداد ، السلطة المطلقة ، الشمولية ... الخ ) .

    فالطاغية هو من تولي حكماً فاستبد وطغا وتجاوز حدود الاستقامة والعدل تنفيذاً لمآربه فيمن تناوله حكمه أو بلغت سلطته إليه ومن سماته أنه يصل إلي الحكم بطريق غير مشروع فليس من حقه أن يحكم لو سارت الأمور سيراً طبيعياً ، وتصبح إرادته هي القانون الذي يحكم ويسخر كل موارد البلاد لإشباع رغباته ، وهو لايخضع للمساءلة أو الرقابة ، وهكذا يقترب من التأله .

    أما المستبد فهو الحاكم الذي يبرر حكمه بأبوته للمواطنين يعاملهم علي أنهم أطفاله القصر غير البالغين لايقدرون علي حكم أنفسهم ولذا فهو الذي يوجههم ويعاقبهم ، وهذا خلط بين سلطة الأب الأخلاقية وبين سلطة الحاكم السياسية .

    والدكتاتور حاكم يتمتع بسلطات استثنائية وتخضع له الدولة والقوات المسلحة ، وبعض الدول تستخدم هذا الإجراء في أوقات الأزمات ولفترة لاتجاوز ستة أشهر ، أما الدول المنكوبة فهذا هو نظامها الدائم ، ومن صور هذه الدكتاتورية أيضاً الدكتاتورية الجماعية مثل ( دكتاتورية الطبقة العاملة ) وفقاً للمصطلح الماركسي .

    الحكم الشمولي أو مذهب السلطة الجامعة يقوم علي إذابة جميع الأفراد والمؤسسات والجماعات عن طريق العنف والإرهاب في كيان واحد علي رأسه الزعيم وهو شخصية لها قوة سحرية علي الجماهير ويجمع في يديه كل السلطات وله الطاعة المطلقة ، والشمولية ضرب من ضروب الحكم التسلطية تتسمك بالمظهر الديموقراطي لتسويغ سلطتها ، وترجمتها الحقيقية أن إرادة الزعيم تصبح هي إرادة الشعب والتي يتم تكوينها بالتلاعب بمشاعر الجماهير حتى تتم السيطرة علي الشعب باسم الشعب وتستفيد الشمولية من تحديث وسائل الإعلام والاتصال والإثارة والترغيب والترهيب للتأثير علي جماهير الناس .
    أما الحكومة المطلقة فهي الحكومة التي لايحدها حد من داخلها ، فالقانون يتم تطبيقه انتقائياً ، ولايكون للمؤسسات النيابية دور حقيقي ، ويصبح الدستور وسيلة لتحقيق أغراض الحكومة ، كما قال أحدهم يوماً حينما قال له ناصح أمين : إن الدستور لايسمح بهذا الإجراء ، فرد عليه : أمثالنا هم الذين يضعون الدساتير للناس .

    في الباب الثالث نري الطاغية يرتدي عباءة الدين ، ولهذا فإن بعضاً من الطغاة جمع الفقهاء فأصدروا فتواهم أن ليس علي الحاكم باسم الدين حساب ولاعقاب ، ووصل الأمر أن كان بعض الطغاة يساءل في دهشة : أيمكن أن يكون للحاكم المطلق حساب في الآخرة ؟ إن هؤلاء لم يكن لديهم ضمير بالفعل فكانت أقوالهم وأفعالهم في غاية الغباء وصورة مجسدة لأشد أنواع الظلم ، وفي النهاية كانت ضد الدين الذي استتروا بعباءته زمناً .
    قال جيمس الأول ملك انجلترا ( إننا نحن الملوك نجلس علي عرش الله علي الأرض ) وقال لويس الخامس عشر ( إننا لم نتلق التاج إلا من الله فسلطة سن القوانين هي من اختصاصنا وحدنا بلا تبعة ولاشركة ) وقال المنصور الخليفة العباسي الثاني ( أيها الناس إنما أنا سلطان الله في الأرض ) وقال عبد الملك بن مروان ( والله لايأمرني أحد بتقوي الله بعد مقامي هذا إلا ضربت عنقه ) وقال الحجاج بن يوسف الثقفي ( والله لا آمر أحداً أن يخرج من باب من أبواب المسجد فيخرج من الباب الذي يليه إلا ضربت عنقه ) وأخيراً قال بوش ( لقد غزوت العراق بأمر من الله ) .

    إن حكاماً كأبي بكر وبن الخطاب خرجوا من رحم هذا الدين الحق ، وكانت ممارساتهم مثالاً يعجز التاريخ أن يأتي بمثلها ، فلقد كان الرأي الحر في اختيار الخليفة والمعارضة ونقد تصرفات الحاكم والرقابة لسلوك الحاكم وتصرفاته ومحاسبته وتحديد راتب له بحيث لايوحد بينه وبين بيت المال ، وهذه قيم نابعة من قلب الإسلام لامن خارجه ، أضف إلي هذا أن حقوق الإنسان وحريته وكرامته منصوص عليها في القرآن الكريم والأحاديث النبوية بحيث كانت إعلاماً إلهياً بهذه الحقوق يقف دونها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر 1948 ، وعليه فلم يكن هناك معني لأن يأتي أحدهم بعد ذلك ليقدم نفسه علي أنه التجربة الإسلامية غير المسبوقة فينحرف وينجرف ومعه الأمة إلي الحضيض ، فتتحول الخلافة إلي ملكية مستبدة ويستثمر ميل الشرقيين لتأليه الحكام لتوارث الحكم وبقائه في أيدي السلالة الذكية من هؤلاء الناس ، إنها الصورة المشوهة التي يستثمرها الأعداء الآن ضد الدين ، في محاولة منهم لإظهار أن الاستضعاف والتأليه مكون ديني إسلامي ، وفي نفس الوقت يقابلون هذا الافتراء بأفكار أخرى كفكرة فرنسوا كيناي الذي صاغ سؤالاً وجواباً عن الحكم فقال : ماذا تفعل لوكنت ملكاً ؟ الجواب : لآ أفعل شيئاً ، السؤال التالي : ومن الذي يحكم إذن ؟ الجواب : القوانين .

    ويعود الكاتب ليبرز مايحدث في نظام الطغيان وهوالارتباط بين شخصية الحاكم ومسار الطبيعة ، فيصبح الحاكم الأوحد ومبعوث العناية الإلهية والقائد الملهم والمعلم المفكر الهادي إلي صراط الحق وطريق مستقيم ( ما أريكم إلا ما أري وما أهديكم إلا سبيل الرشاد ) ، وعند موته تهتف الأمة ( السيد نام ، كيف أصدق أن الهرم الرابع مات ، القائد لم يذهب أبداً بل دخل غرفته كي يرتاح ) .

    إن المفكرين في كل أقطار العالم قابلتهم إشكالية في فهم هذه الظاهرة الغريبة التي حدثت علي أرض مصر قبل سنوات طويلة ، فرجل أضاع خمس الأراضي المصرية وأضاع ماكان بيد العرب من الأراضي الفلسطينية إلي الضفة الغربية وقتل ألافاً من المصريين والعرب وقام بتحطيم نفسية الإنسان المصري حينما يعلن تنازله عن الحكم فخرج الشعب ليطالبه بالبقاء في الحكم ، وحينما يموت تنهار الأمة وتتوقف الحياة ، ويحظي باستقبال حافل في السودان بعد الهزيمة بشهرين حتي قالت الصحف الغربية : إنه لأول مرة في التاريخ يحظي قائد مهزوم بذلك الاستقبال الذي يندر أن يحظي به الغزاة المنتصرون ) .

    ويدافع الكاتب عن طبيعة الشعوب الشرقية أمام افتراء أرسطو الذي قال : إن الشرقيين ولدوا عبيداً ، فيقول الكاتب : إنهم ليسوا كذلك أبداً ولكنهم ألفوا الطغيان من طول معاشرتهم له حتى أصبح لديهم الاستعداد المكتسب لقبول هذا اللون من الحكم علي أنه أمر طبيعي أو أنه قدر مفروض عليهم لايستطيعون التخلص منه ، وهذا في الحقيقة وهم خلقه سلوك الطغاة طوال التاريخ وليس من الطبيعة التي خلق عليها الإنسان في شيئ .
    كتبه
    مرسي بسيوني مرسي


    -----------------

    تأليه الحاكم في الشرق"

    "كل سلطة مفسدة، والسلطة المطلقة، مفسدة مطلقة""لورد أكتون"
    "موقف الطاغية، هو موقف ذلك الذي يقطع الشجرة لكي يقطف ثمرة ...!""مونتيسكيو"


    أشار توماس هوبز إلى أن حالة الفوضى هي الحالة الطبيعية في حياة الإنسان، في حين أن المجتمع المنظم والاجتماعي هو "مجتمع صناعي"، خلقه الإنسان بإرادته. معارضاً بذلك فكرة أرسطو التي ظلت سائدة في تاريخ الفكر السياسي طوال العصر القديم، والوسيط، وصولاً إلى عصر النهضة.

    كانت فكرة أرسطو تذهب إلى "أن الإنسان مدني بالطبع"، وأنه يتجه للعيش في إطار الجماعة (السياسية، الاقتصادية، الإثنية، ...إلخ) بالفطرة. فعارض هوبز كل هذا الإرث الأرسطي، وأعتقد بأن الإنسان لا هو حيوان سياسي بفطرته، ولا يميل إلى الجماعة المنظمة. لكن التنشئة الاجتماعية هي التي تشكل شخصيته ليصبح صالحاً للحياة في المجتمع السياسي.

    وقد ظهرت العديد من النظريات التي تفسر السلطة بالإطار الفلسفي أهمها:

    1- النظرية الثيوقراطية: وهي نظرية تبرز إطلاق يد الحاكم في السلطة باسم شخصيته المقدسة.

    2- النظرية التعاقدية: قامت على أساس النظام الديمقراطي الحديث، لا سيّما العقد الاجتماعي عند "لوك وروسو".

    3- النظرية التطورية: التي أخذت من تطور العائلة (الأسرة) مثالاً في تفسير نشأة السلطة.


    تأليه الحاكم في الشرق

    "ما من مستبد سياسي إلا ويتخذ له صفة قدسية يشارك بها الله، أو تعطيه مقاماً ذا علاقة بالله" عبد الرحمن الكواكبي


    الحكم الثيوقراطي

    ينشأ الحكم الثيوقراطي عندما ينقسم المجتمع السياسي إلى فئتين متمايزتين، حاكمة ومحكومة، وهذا التمايز بين الفئتين جاء نتيجة اعتقاد القدماء بأن الحكام لابدّ أن يكونوا من طبيعة غير طبيعة البشر، أي من طبيعة إلهية، فالحاكم إله على الأرض أو هو ابن الإله!. ومن هنا جاء سمو إرادته؛ فهي سامية لأنها إرادة إلهية عليا، ثم تدرج الأمر فيما بعد إلى أن الله يختار الحاكم اختياراً مباشراً ليمارس السلطة باسمه على الأرض.
    فتم تأسيس السلطة أولاً على أساس إلهي، لأن السلطة مصدرها الله يختار من يشاء لممارستها، وما دام الحاكم يستمد سلطته من مصدر علوي فهو يسّمو على الطبيعة البشرية، بالتالي فإن إرادته تسّمو على إرادة المحكومين؛ فهو منفّذ المشيئة الإلهية.


    ثم تطورت هذه النظرية لتأخذ أشكالاً متعددة:

    - في الأصل كان الحاكم من طبيعة إلهية، فلم يكن مختاراً من الإله، بل كان الله نفسه. وقد قامت الحضارات القديمة في مصر وفارس والهند والصين على أساس هذه النظرية.

    - تطورت النظرية مع ظهور المسيحية، ولم يعد الحاكم إلهاً أو من طبيعة إلهية، ولكنه يستمد سلطته من الله. وهذا ما يسمى بالتفويض الإلهي المباشر. حيث لا وجود لوسطاء بين الحاكم والله، فيحكم بمقتضى الحق الإلهي المباشر.

    - في العصور الوسطى، ونتيجة للصراع بين الكنيسة والإمبراطوريات، ظهرت فكرة جديدة، تقتضي بأن الله لا يختار الحاكم بطريقة مباشرة، وأن السلطة وإن كان مصدرها الله، فإن اختيار الشخص الذي يمارسها يكون للشعب. وهنا ظهر الفصل بين السلطة والحاكم الذي يمارسها.



    مصر القديمة

    كان الملك في مصر القديمة يعتبر إلهاً منذ بداية النظام الملكي فيها، ولم تكن هذه الإلوهية رمزية أو مجازية؛ تشير فقط إلى سلطته المطلقة، ومكانته السامية، بل هي تعبّر حرفياً عن عقيدة؛ كانت إحدى السمات التي تميّزت بها مصر الفرعونية؛ وهي عقيدة تطوّرت على مرّ السنين، لكنها لم تفقد شيئاً من قدرتها وتأثيرها.

    ولمّا كان أحد الفراعنة يعتلي العرش، كان على الناس أن يفرحوا ويبتهجوا؛ لأن أحد الأرباب أقيم رئيساً على كل البلاد. إذ سوف ترتفع المياه في النيل ولا يهبط منسوبها. ويرافق اسم الملك شارات ترمز إلى "الحياة والصحة والقوة". وحتى بعد الوفاة يبقى فرعون يحدب على مصر ويعطف عليها، وهذا حقٌ له أكثر من أي إنسان آخر، أن يُخلّد ذكره ويبقى حيّاً إلى الأبد.
    وكان الملك المستبد في مصر يتصف ببعض السمات:

    - شخصية إلهية مقدسة، وبالتالي فهو أقدس من أن يخاطبه أحد مباشرة، فمن كان بشراً عادياً فهو لا يستطيع أن يتكلم مع الملك، وإنما من الممكن أن يتكلم في حضرة الملك!.

    - هذه الشخصية الإلهية تتمتع بعلم إلهي، ولا تخفى عليه خافية. "إن جلالته عليم بكل شيء بما حدث وبما يقع، وليس هناك في هذه الدنيا شيء لا يعلمه، إنه توت إله الحكمة في كل شيء، وما من معرفة إلا وقد أحاط بها".
    - كل ما يتفوه به صاحب الجلالة "الملك" يجب أن يُنفذ، بل لابدّ أن يتحقق فوراً, لأن مشيئة الملك وإرادته هي القانون.
    - هذه القداسة المطلقة لشخص الملك أفنت الحاجة إلى وجود قانون مكتوب، أي نصوص قانونية مكتوبة ومفصلة، إذ لم تكن هناك حاجة إليها ما دامت كلها متمثلة في شخص الإله الملك.
    - القضاة يحكمون حسب العادات والتقاليد المحلية؛ التي يرون أنها توافق الإرادة الملكية.
    - الملك هو همزة الوصل الوحيدة بين الناس والآلهة – فهو الكاهن الأكبر وهو الذي يعيّن الكهنة لمساعدته – وهو وحدة قادر على تفسير ما تريده (ماعت Maat) إلهة العدالة.



    بابل

    استندت السلطة السياسية في بلاد ما بين النهرين إلى مصدر إلهي، فالنظام الملكي هبط من السماء، والملك هو حاكم المدينة، وهو الكاهن الأعظم، وهو نائب الآلهة ومندوبها. ويتفاخر ملوك بابل بالأصل الملكي، ولا يفتأون يذكرون الناس باختيار الآلهة لهم، وعندما يختارالملك ابناً ليتولى الحكم بعده، يحرص على أن يعرض هذا الأختيار على الآلهة لتقره. وبعد المصادقة على الاختيار يقسم الابن يمين الولاء والخضوع والاحترام لأبيه، ليدخل بعدها إلى بيت الوراثة ويدرّب على مهام منصبه المقبل. ومع ارتقائه العرش تُجرى له احتفالات دينية، ويختار الاسم الملكي الخاص به، ويقلّد الشعارات ورمز السلطة الإلهية.

    من الناحية القانونية ملك بابل يعتبر وكيلاً لإله المدينة، لذا كانت الضرائب تُفرض باسم الإله. وأثناء التتويج كانت تخلع عليه الكهنة سلطته الملكية ويأخذ بيد "بعل" ويخترق شوارع المدينة في موكب مهيب ممسكاً بصورة "مردوخ". وأسمى الفضائل في بلاد ما بين النهرين عامة، وبابل خاصةً هي الطاعة التامة. فالدولة تقوم على أساس الطاعة والخضوع للسلطة.



    فارس
    كان يطلق على الإمبراطور لقب "ملك الملوك". وهو صاحب السلطة المطلقة في طول البلاد وعرضها، فكانت الكلمة التي تصدر منه كافية لإعدام من يشاء من غير محاكمة ولا بيان للأسباب. وكان في بعض الأحيان يمنح أمه أو كبيرة زوجاته حق القتل القائم على النزوات و الأهواء، دون نقد أو لوم حتى من كبار موظفي الدولة. كما أن الرأي العام كان ضعيفاً عاجزاً عجزاً مصدره الحيطة والحذر. حتى إذا أقدم الملك على قتل ابنه البريء رمياً بالسهام، أشادوا بمهارته العظيمة في الرماية. وكان السجود طقساً من الطقوس المتبعة في بلاد فارس، فكانوا يألهون الملك، حتى أن الاسكندر المقدوني عندما غزا بلاد فارس، مزج بين الطقوس المقدونية والفارسية، ليبتدع أسلوباً خاصاً به.



    الصين

    كان التنظيم السياسي في الصين القديمة يقوم على أساس أن الإمبراطور يستمد سلطته من السماء، فهو يحكم وفقاً للحق الإلهي الذي يخوله سلطة مطلقة. فهو ابن السماء وممثل الكائن الأعلى. ولذلك كانت مملكته تسمى "تيان - شان" أي التي تحكمها السماء، وترجم الأوربيون هذه المقولة إلى المملكة السماوية.

    وقد كانت حكمته هي القانون، وأحكامه هي القضاء الذي لا مردّ له، فهو المدبر لشؤون الدولة، ورئيس ديانتها يعيّن جميع موظفيها، ويمتحن المتسابقين لأعلى المناصب ويختار من يخلفه على العرش.

    وكان يعاونه مجلسان في إدارة وتصريف شؤون الإمبراطورية، مجلس الأعيان ويَختار أعضاؤه من الأفراد الارستقراطين. ومجلس الوزراء وأعضاؤه ستة يُختارون من خيرة رجال الدولة.


    تأليه الاسكندر لنفسه في الشرق
    عندما شهدت مدن الإغريق عصر الطغاة، ذاق المواطن الكثير من الظلم والاضطهاد والمعاناة. لكن لم يحدث أن طلب أحد الطغاة الإغريق من الشعب أن يسجد له. فالنظام الملكي الإغريقي لم يكن بالقسوة التي كان عليها النظام الملكي الشرقي. ويصح أن نقول بأن المدينة اليونانية كانت جمهورية في مقابل النظام الملكي الشرقي. ولكن بعد غزو الاسكندر للشرق انهزمت المدينة اليونانية الجمهورية وانتصر النظام الملكي.
    فنتيجة لاتساع الدولة وازدياد عدد السكان، انتقل مركز الثقل في العالم اليوناني نحو الشرق. وكان التطور أمراً محتوماً حينها، ولكن بأي اتجاه سيكون هذا التطور؟ ظل الرجل اليوناني يخضع للقانون الوضعي الذي يصنعه البشر، ولم يخطر له أن يكون الحاكم إلهاً، أو أنه يمثل الإله على الأرض. لكن بعد غزو الاسكندر للشرق التحم العالمان الغربي والشرقي على اختلاف نظامي الحكم فيهما. فالنظام الملكي الشرقي لا يقبل بمبدأ الحرية السياسية الذي كان سائداً في المدن اليونانية. وأصبح المواطن تابعاً الآن، وحلّ القصر محل الجمعية الشعبية أو "الجمعية الوطنية"، وكانت النتيجة أن أصبحت السلطة الملكية مطلقة، وأصبح الملك هو الشريعة الحيّة التي لا تقيدها شيء، وأصبح الملك غير خاضعٍ لأيّة رقابة فإرادته مطلقة. وظهرت العديد من العبارات التي تؤيد ذلك مثل: "إن ما يقره الملك هو عادل أبداً".
    نقل الاسكندر من جملة ما نقله عن الشرق فكرة التاج، حتى أصحبت مرادفة للملك، وكذلك لفظ العرش، واستخدمه كل خلفائه. وأصبح الملك في المرحلة الهلنستية غير مقيد، فهو المشرّع الوحيد للبلاد، والقائد الأعلى للجيش. وأطلق الاسكندر على نفسه لقب "سيد آسيا"، وكان يعني بها الإمبراطورية الفارسية. ثم تسمى باسم الملك، علماً بأنه لم يتداول بهذه الألقاب ولم يطبعها على العملة التي كانت تخص المقاطعات اليونانية.
    ومن ثم بدأ بآخذ عادات الشرق وثيابهم، وتزوج منهم، حتى وصل إلى أعلى عادة لديهم وهي تأليه الحاكم. فأراد أن يعترف به الشعب الآسيوي وحتى اليوناني أيضاً ابناً لـ "زيوس – آمون".
    المراجع
    إمام، عبد الفتاح إمام: الطاغية، عالم المعرفة، 1994، ط2
    Last edited by نجمة الجدي; 02-11-2020, 02:46.
    قال يماني ال محمد الامام احمد الحسن (ع) ليرى أحدكم الله في كل شيء ، ومع كل شيء ، وبعد كل شيء ، وقبل كل شيء . حتى يعرف الله ، وينكشف عنه الغطاء ، فيرى الأشياء كلها بالله ، فلا تعد عندكم الآثار هي الدالة على المؤثر سبحانه ، بل هو الدال على الآثار
  • نجمة الجدي
    مدير متابعة وتنشيط
    • 25-09-2008
    • 5278

    #2
    رد: كتاب الطاغية - دراسة فلسفية لصور من الاستبداد السياسي - البرفسور إمام عبد الفتاح إمام



    قال يماني ال محمد الامام احمد الحسن (ع) ليرى أحدكم الله في كل شيء ، ومع كل شيء ، وبعد كل شيء ، وقبل كل شيء . حتى يعرف الله ، وينكشف عنه الغطاء ، فيرى الأشياء كلها بالله ، فلا تعد عندكم الآثار هي الدالة على المؤثر سبحانه ، بل هو الدال على الآثار

    Comment

    Working...
    X
    😀
    🥰
    🤢
    😎
    😡
    👍
    👎