إعـــــــلان

Collapse
No announcement yet.

كتب علم نفس : تحميل كتاب الأنا والهُو لسيجموند فرويد

Collapse
X
 
  • Filter
  • الوقت
  • Show
Clear All
new posts
  • الرؤيا الصادقة
    عضو نشيط
    • 24-08-2010
    • 281

    كتب علم نفس : تحميل كتاب الأنا والهُو لسيجموند فرويد












    كتب علم نفس : تحميل كتاب الأنا والهُو لسيجموند فرويد

    الهو والأنا والأنا العليا ثلاثة مصطلحات قدمها سغموند فرويد يعتبرها أقسام النفس حسب ما يدعى "النظرية البنيوية" لسيغموند فرويد.
    في عام 1932 قدم فرويد هذه المصطلحات الثلاث ليصف فكرته عن التقسيم بين العقل الواعي والعقل اللاواعي وهي :

    الهو 'Ego'

    والأنا 'Id'

    والأنا العليا 'super-ego'.

    يعتقد فرويد أن هذه المصطلحات تقدم وصفا ممتازا للعلاقات الديناميكية بين الوعي واللاوعي فالأنا (غالبا ما تكون واعية) تتعامل مع الواقع الخارجي، والأنا العليا (واعية جزئيا) هي الوعي أو المحاكمة الأخلاقية الداخلية في حين تمثل الهو اللاوعي وهي مخزن الرغبات والغرائز اللاواعية والدوافع المكبوتة.

    الهو والأنا والأنا العليا


    يقول فرويد أن الشخصية مكونة من ثلاثة أنظمة هي الهو، والأنا، والأنا الأعلى، وأن الشخصية هي محصلة التفاعل بين هذه الأنظمة الثلاثة.

    1.الهو (ID):

    • الهو هو الجزء الأساسي الذي ينشأ عنه فيما بعد الأنا والأنا الأعلى. • يتضمن الهو جزئين:
    جزء فطري: الغرائز الموروثة التي تمد الشخصية بالطاقة بما فيها الأنا والأنا الأعلى.
    جزء مكتسب: وهي العمليات العقلية المكبوتة التي منعها الأنا (الشعور) من الظهور.
    • ويعمل الهو وفق مبدأ اللذة وتجنب الألم. • ولا يراعي المنطق والأخلاق والواقع. • وهو لا شعوري كلية.


    2.الأنا (Ego):

    • الأنا كما وصفها فرويد هي شخصية المرء في أكثر حالاتها اعتدالاً بين الهو والأنا العليا، حيث تقبل بعض التصرفات من هذا وذاك، وتربطها بقيم المجتمع وقواعده، حيث من الممكن للأنا ان تقوم باشباع بعض الغرائز التي تطلبها الهو ولكن في صورة متحضرة يتقبلها المجتمع ولا ترفضها الأنا العليا.
    • مثال: عندما يشعر شخص بالجوع، فان ما تفرضه عليه غريزة البقاء (الهو) هو أن يأكل حتى لو كان الطعام نيئاً أو برياً، بينما ترفض قيم المجتمع والأخلاق (الأنا العليا) مثل هذا التصرف، بينما تقبل الأنا اشباع تلك الحاجة ولكن بطريقة متحضرة فيكون الأكل نظيفاً ومطهواً ومعد للاستهلاك الآدمي ولا يؤثر على صحة الفرد أو يؤذي المتعاملين مع من يشبع تلك الحاجة.
    • يعمل الأنا كوسيط بين الهو والعالم الخارجي فيتحكم في إشباع مطالب الهو وفقا للواقع والظروف الاجتماعية.
    • وهو يعمل وفق مبدأ الواقع.
    • ويمثل الأنا الإدراك والتفكير والحكمة والملاءمة العقلية.
    • ويشرف الأنا على النشاط الإرادي للفرد.
    • ويعتبر الأنا مركز الشعور إلا أن كثيرا من عملياته توجد في ما قبل الشعور ،وتظهر للشعور إذا اقتضى التفكير ذلك.
    • ويوازن الأنا بين رغبات الهو والمعارضة من الأنا الأعلى والعالم الخارجي، وإذا فشل في ذلك أصابه القلق ولجأ إلى تخفيفه عن طريق الحيل الدفاعية.


    3.الأنا الأعلى (super-ego)

    • الأنا العليا كما وصفها فرويد هي شخصية المرء في صورتها الأكثر تحفظاً وعقلانية، حيث لا تتحكم في أفعاله سوى القيم الأخلاقية والمجتمعية والمبادئ، مع البعد الكامل عن جميع الأفعال الشهوانية أو الغرائزية

    • يمثل الأنا الأعلى الضمير، وهو يتكون مما يتعلمه الطفل من والديه ومدرسته والمجتمع من معايير أخلاقية

    • والأنا الأعلى مثالي وليس واقعي، ويتجه للكمال لا إلى اللذة – أي أنه يعارض الهو والأنا.

    • إذا استطاع الأنا أن يوازن بين الهو والأنا الأعلى والواقع عاش الفرد متوافقا ،أما إذا تغلب الهو أو الأنا الأعلى على الشخصية أدى ذلك إلى اضطرابها.

    • أنظمة الشخصية ليست مستقلة عن بعضها ،ويمكن وصف الهو بأنه الجانب البيولوجي للشخصية، والأنا بالجانب السيكولوجي للشخصية، والأنا الأعلى بالجانب السسيولوجى للشخصية


    هناك صورة قد تكون أسهل للفهم وممكن تبسيطها بان :

    الهو (Id) : هو الشيطان وهو الشر وهو الحيوان وهي طبيعة الإنسان التي طبع عليها، وهي طبيعة غرائزية شهوانية تملكية، تريد الاستحواذ علي كل النساء وتستأثر بكل المال وتهيمن على كل الاشياء وتنازع من اجل البقاء والسيطرة من يوم تكونها جنيناً وحتى آخر لحظات حياتها بما يسمى النزع الأخير ، وتسعى على طول الحياة ان تكون حرة بلا رادع اخلاقي أو ديني أو قانوني وبلا اي ضوابط وتمثلها اقلية قليلة من البشر.


    الانا العليا (super ego) : وهو النقيض تماماً للهو هو الملاك وهوالمثال وهو الخير وهو الاخلاق وهو مكتسب من الاسرة والمجتمع المدني والدولة والدين، والانا العليا تنشد الحرية بان تتحرر من غرائزها ومن الشيطان والشر ومن نوازعها الحيوانية لتسموا عاليا في عالم المثل والمباديء والاخلاق والقيم السامية وتعيش من اجل الغير وهي اقلية قليلة من الناس.


    الانا (Ego) : وهي التي تشكل حالة وسطية بين الانا الاعلى وبين الهو ... اي بين الخير والشر.. بين الملائكية والحيوانية ... تتصالح معهما وتسعى لان تكون حرة ولكن حريتها مقيدة فلا تطلق العنان للهو على حساب الانا العليا أو لأخرى على حساب الأولى فهي بين بين وهي الغالبية العظمى من البشر.

    -----------------------------

    تلخيص لكتاب الأنا والهُو لسيجموند فرويد


    الأنا وَ الهوَ - تلخيص


    المقدمة :

    كان اهتمام العلماء قبل ظهور مدرسة التحليل النفسي متركزاً على دراسة الظواهر العقليّة الشعوريّة , فلم يهتمُّوا بالعمليّات العقليّة اللاشعوريّة التي تُحرِّك سلوك الإنسان و تدفعهُ للقيام بالنشاطات المختلفة . و يرجع الفضل إلى سيغموند فرويد , مُؤسس مدرسة التحليل النفسي (1856-1939) , في اكتشاف الحقيقة الهامة , و هي أن جزء كبير من حياتنا العقليّة لاشعوريّ . و لهُ تأثير كبير على سلوكنا و مشاعرنا , في الناحية السويّة أو فيما نتعرَّض له من اضطرابات نفسيّة .

    -الفصل الأوّل-

    نظريّة اللاشعور :

    يرجِع تاريخ اكتشاف فرويد للاشعور و أهميته في حياة الإنسان إلى وقت اشتغالهِ بدراسة الهستيريا , بالاشتراك مع جوزيف بروير (1841-1925) , أحد أطباء فيينا المشهورين , و اتَّضحَ لهما أثناء الدراسة أن الأعراض الهستيريّة تنشأ عن ذكريات مكبوتة في اللاشعور و هذه الأعراض تزول إذا استطاعَ المريض تذكّر هذه الذكريات (الأحداث) أثناء العلاج .

    و لم يكن من السهل أن يقتنع الفلاسِفة بفكرة (العقل اللاشعوري) , كما يقول فرويد ,التي كانت برأيهم تُناقِض المنطِق . فلا بُدَّ أن يكون العقل شعوريّاً , و في هذا الكتاب نجد تعديلاً بآراء فرويد , فيما يتعلَّق باللاشعور و علاقته بأجزاء الجهاز النفسي , عن مؤلفاتِهِ الأولى . و من المعروف أن فرويد كثير التعديل و التغيير لآرائه و نظريّاتهِ على ضوء ما كانت تكشُفهُ لهُ ملاحظاته و أبحاثه من معلومات جديدة .


    نظريّة الجهاز النفسيّ :

    برأي فرويد , هناك ثلاث أقسام للجهاز النفسي , و هي : الشعور و ما قبل الشعور و اللاشعور .

    الشعور: هو ذلك القسم من العمليات النفسيّة التي نشعر بها دون و نُدركها , و من المشاهد أن العمليّات النفسيّة الشعوريّة لا تكون سلسلة متَّصلة , بل يوجد فيها دائماً الكثير من الثغرات و الفجوات , و أن تفسير هذه الثغرات يعود بالرجوع إلى العمليّات النفسيّة التي تجري في القسمين الآخرين من العقل و هُما : (ما قبل الشعور) و (اللاشعور) .

    إنّ الشعور حالة وقتيّة -(مؤقتة)- و ليست دائمة , قد تظهر فيها الفكرة لفترة قصيرة ثم تختفي , و بإمكانها الظهور مرة أخرى إذا توافرت شروط معيّنة . عندما تبتعد الفكرة عن الشعور لحينٍ ما , فهي تكون موجودة في قسم معيَّن من الجهاز النفسيّ (ما قبل الشعور) , و يقع في مكان متوسِّط بين الشعور و اللاشعور .

    يحوي اللاشعور الدوافع الغريزيّة البدائيّة الجنسيّة و العدوانيّة ’ و التي غالباً ما تُكبَتْ في مجتماتنا المُتحضِّرة , تحت تأثير المعايير الخُلقيَّة و الدينيّة و الاجتماعيَّة التي ينشأ فيها الفرد . و تنزع الدوافع و الرغبات المكبوتة في اللاشعور إلى الإشباع و الظهور في الشعور , و كثيراً ما تلجأ , في سبيل ذلك إلى طرق شاذّة و مُلتوية كما يُشاهَد مثلاً في الأمراض العصبيَّة .

    و ذهب فوريد في كتاباتِهِ الأولى إلى أنَّ كبتَ هذه الدوافع الغريزيّة الموجودة في اللاشعور , يتم على يد الرقيب (القوة النفسيّة) , و مهمتها منع ظهور الدوافع الغريزيّة اللاشعوريّة في الشعور , و أنَّ المريض لا يشعُر بها و إذا وُوجِهَ بها , أنكرها و إذا شعرَ بها فلا يستطيع أن يعرِف ما هي و ما هو مصدرها .

    (الهُوَ) هو القسم الذي يحوي ما هو موروث و موجود منذ الولادة و ثابت في تركيب البدن , و يحوي الغرائز و العمليات النفسيّة المكبوتة التي فصلتها المقاومة عن الأنا , فالهو يحتوي على جزء فطري و جزء مكتسب .

    يُطيع الهو مبدأ اللذة و لا يُراعي المنطِق أو الأخلاق أو الواقع , و اللاشعور هو الكيفيّة الوحيدة التي تسود في الهوَ . و تحت تأثير العالم الخارجي عن طريق جهاز الإدراك الحسي و الشعور , تغيَّر الجزء الخارجي من الهو و نما و أكتسبَ خصائص معيَّنة أطلق عليها اسم (الأنا) و هي تُشرِف على الحركة الإداريّة و تقوم بمهمة حفظ الذات و تقبِض على زمام الرغبات الغريزيّة التي تنبعث من الهو , فيقوم بإشباع ما يشاء و يكبت ما يرى ضرورة كبته مُراعياً (مبدأ الواقِع) . يُمثّل الأنا الحكمة و سلامة العقل على خلاف الهوَ الذي يحوي الانفعالات , و تَقع العمليات النفسية الشعورية على سطح الأنا .

    الأنا الأعلى أو الأنا المثالي (ما يُعرَف بالضمير) : و هو الأثر الذي يبقى في النفس من فترة الطفولة الطويلة التي يعيش فيها الطفل معتمداً على والديه و خاضِع لأوامرهم . تتقمَّص الأنا هؤلاء الأشخاص من مدرسين و أهل و تتحوَّل سلطة هؤلاء إلى سلطة داخليَّة في نفس الطفل تُراقِبه و تصدر إليه الأوامر .

    و الأنا الأعلى , تُمثل ما هو سامِ في الطبيعة الإنسانيّة (فهو الذي يُمثل علاقتنا بوالدينا و قد عرفنا هذين الكائنين الساميين حين كنّا أطفال صغار و قد أعجبنا بهما و خشيناهما ثم تمثلناهما في أنفُسِنَا ).

    بهذا , تُصبح مهمة الأنا شاقة و دقيقة , فيجب عليه مُراعاة السُلطات الثلاث و هي : العالم الخارجي و الهو و الأنا الأعلى , و يُحاول الأنا دائماً أن يوَفق بينها و إذا فشِل , تنشأ الاضطرابات العصبيّة و الذهنيّة .


    نظريّة الغرائز :

    رأى فرويد أن جميع الظواهر النفسيّة الشعوريّة و اللاشعوريّة , سواء كانت سويّة أو مرضيّة , تصدُر عن قوى أساسيّة , تنبعِث عن التركيب الفسيولوجي و الكيميائي للكائن الحي , تُسمَّى غرائِز و هي الطاقة التي تصدُر عنها جميع ظواهر الحياة .
    في بادئ الأمر , فسَّر فرويد أن جميع الظواهر النفسيّة بافتراض مجموعتين أساسيّتين من الغرائز :

    - مجموعة أولى : هي غرائز جنسيّة تصدر عن طاقة خاصّة تُسمّى الليبدو (Libido) , تهدف إلى الإشباع و اللذة .
    - المجموعة الثانية : هي (غرائز الأنا) , مهمتها حفظ الذات و ذلك بمراعاة العالم الخارجي و مُقتضيات الواقع , و كبت الدوافع الجنسيّة التي تتعارض مع مقتضيات الواقع من جهة, أو مع وظائف غرائز الأنا من جهة أخرى .

    تعمل الغرائز وفق مبدأ اللذة , فليس الواقع الغريزي إلا ناتجاً عن حالة من التوتر ينتج عنهُ إحساس بالألم , و يهدف الدافع الغريزي إلى خفض هذا التوتر أو إزالتهِ , و عندما ينخفض التوتر أو يزول , يحدُث الشعور باللذة .

    اتخذ فرويد مبدأ اللذة أساس يفسر به الظواهر النفسيّة المختلفة كما الأعراض العصبيّة , و هنا واجهَ فرويد صُعوبات في تفسير بعض الظواهر النفسيّة , فلم يكن من السهل الملائمة بين نظريته السابِقة في الغرائز و بين النرجسيّة و هي ظاهرة تُعبّر عن حب الإنسان لنفسه و عشقهُ لذاته , و هذه الظاهرة تدل على أن الغريزة الجنسيّة لا تتعلق فقط بالأهداف الجنسيّة الخارجيّة , و إنما تتعلق بالذات أيضاً و تتخذها هدفاً لها .

    و قد دفع ذلك فرويد إلى القول أن ليبدو الطفل (طاقته الجنسيّة) , معلّقة بذاته و جميع اللذات التي يشعر بها تصدُر من بدنه الخاص , و الأشياء الخارجيّة التي تسبب له شيء من اللذة هي جزء من بدنُه .

    ثمَّ تبدأ الموضوعات الخارجيّة تتميّز في نظر الطفل شيئاً فشيئاً , و قد يستمر (حب الذات) جنباً إلى جنب مع حب الموضوع .
    و قد شاهد أيضاً أن المرضى يُظهِرون ميل شديد إلى تكرار خبراتهم المؤلمة السابِقة , و استنتجَ فرويد وجود دافع غريزي سمّاه (إجبار التكرار) , و اعتبَرَهُ دافعاً غريزياً أكثر بدائيةً و فطريّة من مبدأ اللذة و يُناقِضهُ , فالمريض لا يحصل على أي لذة من تكرار الخبرات المؤلمة القديمة .

    و أثناء الحرب العالميّة الأولى , اكتشفَ ظاهِرة جديدة أيّدت رأيه في مبدأ (إجبار التكرار) تُسمّى (أعصاب الصدمة) , فقد لوحِظَ أن الجنود الذين تعرَّضوا لصدمات أثناء القتال , يُكررون الخبرات المؤلمة في أحلامِهم . و كانت الأحلام بالنسبة لفرويد , وسائل لإشباع الدوافع المكبوتة , و كل إشباع بالطبع يؤدي إلى لذة!

    اضطرّ فرويد أمام هذه الحقائق التي ناقشها في كتابه (ما فوق مبدأ اللذة) , أن يقول بوجود ميل غريزي و هو غريزة الموت , يدفع الكائنات إلى الرجوع إلى الحالة الغير عضويّة السابقة للحياة , و تهدُف غريزة الموت إلى الهدم و إنهاء الحياة . وإذا اتَّجهت هذه الغريزة إلى الخارج , ظهرت في صورة رغبة في العدوان و التدمير . تهدف غريزة الموت إلى تفتيت الذرات و تفكيك الارتباطات , أي أنها تهدف إلى هدم الأشياء و إنهاء الحياة .

    مقابل غريزة الموت هناك غريزة الحب و الحياة إيروس(Eros) , و هي تهدف دائماً إلى استمراريّة الحياة . و تصبح الحياة صراعاً و حلاً بين هذين الاتِّجاهين .

    من الأمثلة النموذجيَّة على إتحاد هاتين المجموعتين , الساديّة (التلذذ في إيلام الغير) و هي عِبارة عن إتحاد الغرائز الجنسيّة مع غرائز الهدم الموجهة نحو العالم الخارجي , و تنشأ الماسوكيّة (التلذذ في إيلام الذات) عن اتحاد الغرائز الجنسيّة مع غرائز الهدم الموجهة ضد الذات .

    زيادة العدوان الجنسيّ من شأنِِهِ أن يجعل المُحِب قاتِلاً , و بينما يؤدي النقصان الكبير في العامل العدواني إلى الخجل أو فقدان القدرة الجنسيّة . قد تنفصل هاتان المجموعتان من الغرائز , فنُشاهد غريزة الموت تظهر بوضوح في نوبة الصرع في الكثير من الأمراض العصبية الشديدة كالأمراض العصبية القهريّة .

    (ما فوق مبدأ اللذة)

    الشُّعور و اللاشعور :

    لفظ (شعوري) , من جهة أولى , هو لفظ وصفي بحت يعتمد على إدراك حسّي ذي طابع مباشر , و تُبيِّن الخبرة من جهة ثانية أن العنصر النفسي كالفكرة مثلاً لا يكون شعوريّاً دائماً . الفكرة التي تكون شعوريّة الآن لا تظل شعوريّة , و نستطيع أن نقول أن الفكرة كانت كامنة و نعني بذلك أنها (تستطيع أن تُصبح شعوريّة) في أي وقت .

    السبب في أن مثل هذه الأفكار لا يُمكنها أن تصبح شعوريّة لأن هناك قوى معيّنة تُقاومها , و لولا ذلك لكان في إمكانها أن تصبح شعوريّة . و هناك حقيقة تجعل هذه النظريّة غير قابلة للرفض و هي أننا وجدنا في التحليل النفسيّ وسيلة يُمكن بها إزالة القوّة المُقاومة و جعل الأفكار المُقَاومة شعريّة , و نُسمي الحالة التي تكون فيها الأفكار قبل أن تُصبح شعوريّة بـ (الكبت).

    إننا نستمد مفهومنا في اللاشعور من نظريّة الكبت و نعتبر المكبوت كنموذج للاشعور , و مع ذلك يوجد نوعان من اللاشعور . اللاشعور الذي يكون كامناً و لكنه يستطيع أن يُصبح شعوريّاً , و اللاشعور المكبوت الذي لا يستطيع بذاتِهِ و بدون كثير من العناء أن يُصبح شعوريّاً . فما هو (كامن و لا شعوري) بالمعنى الوصفيّ , و ليس بالمعنى الدينامي , فهُنا نُسمّيهِ (قبل الشعور) .

    • يوجد في كل فرد منظمة دقيقة للعمليات العقليّة و قد سمَّيناها (الأنا) , و يشمُل هذا الأنا الشعور و يُشرِف على وسائل الحركة , أي تفريغ التهيُّجات في العالم الخارجي , و هو المنظمة العقليّة التي تُشرف على جميع العمليات العقلية , و هي التي تنام في الليل و مع ذلك تستمر بمراقبة الأحلام . يصدُر عنها أيضاً الكبت الذي تمنع بِهِ بعض نزعات العقل , لا من الظهور في الشعور و حسب , بل من الظهور في سائر الصور و النشاطات الأخرى .

    تظهر هذه النزعات المكبوتة أثناء التحليل متعارضة مع الأنا , و المريض يجد الكثير من المشقّة حينما نُجابِهُهُ ببعض المهام أثناء التحليل . كما نرى تداعي أفكاره يتوقَّف كلما اقترب من الأشياء المكبوتة و لا يكون المريض متنبّه لتلك المقاومة . ثمَّ وجدنا في الأنا ذاته شيئاً لاشعوريّاً أيضاً و هو يتصرَّف كالشيء المكبوت , أي كشيء يُحدِث آثاراً بالِغة بدون أن يكون هو نفسه ظاهراً في الشُعور , و هو يحتاج إلى مجهود خاص قبل أن يستطيع الظهور في الشعور .

    إننا نُدرِك أن اللاشعور لا يتطابق مع المكبوت و لا يزال صحيحاً أن كل ما هو مكبوت , لاشعوريّ , و لكن ليس كل ما هو لاشُعوريّ , مكبوت . فإن جزءً من الأنا لاشعوري و ليس هذا اللاشعور المُتعلِّق بالأنا كامناً مثل ما قبل الشعور , لأنه لو كان كذلك لما استطاع أن ينشط بدون أن يُصبِح شعوريّاً و لتمَّت عمليّة جعلِهِ شعوريّاً بدون أن تُلاقي مثل هذه المشقّة العظيمة . عندما نجد أنفسنا مضطرين إلى افتراض لاشعور ثالث لا يكون مكبوت , فمن الواجب أن نعترف أن خاصيِّة اللاشعور أخذت تفقد أهميّتها لأنها بدأت تُصبح كيفيّة , تستطيع أن تتضمَّن معاني كثيرة و مع ذلك لا يجوز نكران أهميتها , لأن كيفيّة الشعور أو اللاشعور هي شُعاع الضوء الوحيد الذي ينفذ إلى ظلام سيكولوجيّة الأعماق .


    -الفصل الثاني-

    الأنا و الهُوا :

    الآن , قد أصبحت معرفتنا كلها بدون استثناء مرتبطة باللاشعور . و حتى معرفتنا باللاشعور , ليس من الممكن أن تتم إلا بجعلهِ شعورياً , و لكن كيف يمكن ذلك ؟ ما هو معنى قولنا (بجعلهِ شعوريّاً) ؟ و كيف يحدث ذلك ؟

    الشعور هو سطح الجهاز العقلي , و قد جعلناهُ وظيفة لجهاز هو من الناحية المكانيّة أول ما يتصل به من العالم الخارجي (ما أثبتهُ البحث التشريحي).

    إن جميع الإدراكات التي تصلنا من الخارج ( الإدراكات الحسيّة) , و من الداخل ما نسميها الإحساسات و المشاعر الوجدانيّة, إنما هي شعوريّة من البداية . و لكن ما هو شأن تلك العمليات الداخلية التي قد نُطلق عليها في شيء من الغموض اسم (العمليات الفكريّة)؟! . إنها عبارة عن عمليات بديلة للطاقة العقليّة , تمّت في مكان ما داخل الجهاز أثناء اتجاه هذه الطاقة نحو الحركة . و لسنا ندري هل تقترب هذه العمليات الفكريّة من سطح الجهاز الذي يسمح حينئذ بحدوث الشعور , أم أنّ الشعور هو الذي ينتقل إليها ؟ و هذه إحدى الصعوبات التي تنشأ عندما يبدأ الإنسان بأخذ النظريّة المكانية للحياة العقليّة بصورة جديّة , و كِلا هذين الاحتمالين لا يمكن تخيُّله و لا بدَّ أن يكون هناك احتمال ثالث .

    سبق أن افترضنا أن الفرق الحقيقي بين المعنى (أو الفكرة) اللاشعوري و المعنى قبل اللاشعوري , إنما يتلخص في أن المعنى الأول ينشأ من مادة تظل غير معروفة , بينما يكون المعنى الثاني قبل الشعور و , بالإضافة لذلك , مرتبطاً بعض الصور اللفظيّة . يبدو إذن أن هذا السؤال ( كيف يُصبِح المعنى شعوريّاً ؟) , يُمكن أن يُوضّح بطريقة أفضل , على هذه الصورة (كيف يُصبِح المعنى شعوريّاً ؟) . و يُصبِح الجواب هو : (بأن يرتبط بالصور اللفظيّة المطابِقة لهُ) , و هذه الصور اللفظيّة هي الآثار الباقية في الذاكِرة و قد كانت في وقتٍ ما إدراكات حسّيّة , و تستطيع مثل جميع الآثار الباقية في الذاكرة أن تُصبِح شعوريّة مرَّة أخرى .

    إن ذلك الشيء الذي كان إدراكاً حسّيّاً شعوريّاً , هو وحدهُ الذي يستطيع أن يُصبِح شعوريّاً . و إن أي شيء يأتي من الداخل (ما عدا المشاعر الوجدانيّة) و يُحاول أن يُصبِح شعوريّاً , يجب أن يُحوِّل نفسه إلى إدراكات حسّيّة خارجيّة . و من الممكن أن يحدث ذلك عن طريق الآثار الباقية في الذاكرة .

    إننا نتصوَّر الآثار الباقية في الذاكرة بأنها مُجاوِرة لجهاز الإدراك الحسّيّ-الشعوري مُباشرةً . و بذلك تستطيع الشحنات النفسيّة المتعلقة بهذه الآثار أن تمتد بسهولة نحو العناصر الموجودة بجهاز الإدراك الحسّيّ و الشعور . و نتذكّر هنا الهلاوس و أن أكثر الذكريات قوة تكون دائماً متميّزة عن كلٍ من الهلوسة و الإدراك الحسّيّ الخارجي , و بأنه عندما تعود إحدى الذكريات فإن الشحنة النفسيّة تظل باقية في جهاز الذاكرة , أما الهلوسة التي لا تكون متميّزة عن الإدراك الحسّيّ فلا تحدث بمجرّد امتداد الشحنة النفسيّة من الأثر الباقي في الذاكرة نحو عنصر الإدراك الحسّيّ فقط و إنّما بالانتقال إليهِ كليّاً .

    تُستَمدّ الآثار اللفظيّة أولاً من الإدراكات السمعيّة و لِذلك كان لجهاز ما قبل الشعور مصدر حسّيّ خاص أما العناصر البصريّة من الصور اللفظيّة , فهي شيء ثانوي و تُكتَسب عن طريق القراءة و قد تلعب الصور الذهنيّة الحركيّة للكلمات دوراً ثانويّاً إلا في حالة الصم البكم , فأساس الكلمة هو فوق كل شيء الأثر الذي يبقى في الذاكرة عن الكلمة التي تُسمع .

    لا يجب ان ننسى أهميّة الآثار البصريّة الموجودة في الذاكرة _آثار لِأشياء في مُقابل الكلمات , أو إلى إنكار إمكان ظهور العمليّات الفكريّة في الشعور عن طريق رُجوعِها من الآثار البصريّة و هي الطريقة التي يفضلها الناس. و تُعطينا دراسة الأحلام و الخيالات (القبل الشعوريّة) , طِبقاً لملاحظات(ج.فاريندونك) , فِكرة عن الطابع الخاص بالتفكير البصريّ .

    إن ما يظهر في الشعور هو في العادة مادة التفكير فقط , أما العلاقات التي بين العناصر المختلفة لهذه المادة , و هي ما يُميّز التفكير بصفة خاصَّة , فلا تستطيع أن تظهر في صور بصريّة . التفكير بصورة بصريّة إذن , إنما هو عبارة عن الشعور بشكل ناقص جداً فقط , و هو أكثر قرباً إلى العمليات اللاشعوريّة من التفكير بالألفاظ . إذا كانت هذه إذا هي الطريقة التي يستطيع بها ما هو في ذاتِهِ (لا شعوريّ) أن يُصبح (قبل شُعوريّ) , فكيفَ يستطيع ما هو مكبوت أن يُصبِح قبل شعوري ؟ يُمكن أن يحدث , ما هو مكبوت أثناء التحليل , ببعض الروابط القبل شعوريّة المتوسِّطة .

    إن الإحساسات و المشاعر الوجدانيّة المتعلقة بسلسلة اللذة و الألم , هي أكثر أوليّة من الإدراكات الحسّيّة الخارجيّة , كما أنها تستطيع أن تنشأ حتّى في الحالات التي يكون الشعور فيها غامِضاً .

    لا تتميّز الإحساسات اللذيذة بأية كيفيّة نزوعيّة فطريّة , بينما توجد هذه الكيفيّة في الإحساسات المؤلمة بدرجة كبيرة . فالإحساسات المؤلمة تنزع نحو التغيير و نحو التفريغ , و لهذا السبب نفسّر الألم على أنّه يتضمّن ازدياد شحنة الطاقة النفسيّة , و نفسر اللذة على أنها تتضمن خفضها .

    و لنفرض أننا نضيف ما نشعر به على هيئة لذة أو ألم بأنه عقليّ كمّيّ أو كيفيّ غير محدد , فالمشكلة حينئذٍ تُصبح : هل يمكن أن يصبح هذا العنصر شعوريّاً في المكان الذي يوجد فيه بالفعل أم هل يجب أن ينتقل أولاً إلى جهاز الإدراك الحسيّ ؟
    تدل الخبرة على صحة الرأي الثاني , فهي تبيّن لنا أن هذا العنصر غير المحدد , يتصرّف كما يتصرّف الدافع المكبوت , فهو يستطيع أن يُبدي قوّة دافعة بدون أن يلاحظ الأنا ما في ذلك من إلزام . و لا يصبح هذا العنصر غير المحدد واضحاً في الشعور على هيئة ألم إلا إذا نشأت مقاومة ضد الإلزام . كما يُمكن أن تظل التوترات التي تنشأ عن الحاجة البدنيّة لاشعوريّة . كذلك الألم هو شيء متوسّط بين الإدراك الحسّيّ الخارجي و بين الإدراك الحسّيّ الداخلي , و هو يتصرّف كأنه إدراك حسي داخلي حتى لو كان صادراً عن العالم الخارجي , و إنَّ الإحساسات و المشاعر الوجدانيّة , تظهر في الشعور حينما تصل إلى جهاز الإدراك الحسيّ .
    لا بُدَّ من إيجاد حلقات الربط أولاً قبل أن تتمكن الأفكار اللاشعوريّة من الظهور في الشعور , أما في حالة المشاعر الوجدانيّة , فيمكن أن تنفذ إلى الشعور مباشرةً و بمعنى آخر الفرق بين شعوري و قبل شعوري , يُصبِح بِلا معنى عندما نتكلّم عن المشاعر الوجدانيّة فلا وجود لما قبل الشعور في هذه الحالة . المشاعر الوجدانيّة إما أن تكون شعوريّة أو لاشعوريّة .
    حتى لو اتصلت المشاعر الوجدانيّة بالصور اللفظيّة , فإن ظهورها في الشعور لا يتوقّف على هذا الأمر , و إنما تستطيع أن تظهر في الشعور مباشرةً .

    دور الصور اللفظيّة هو تحويل العمليّات الفكريّة الداخليّة إلى إدراكات حسّيّة و ذلك يبرهن نظريّة أن مصدر جميع أنواع المعرفة هو الإدراكات الحسيّة الخارجيّة .

    و بعد توضيح العلاقات الموجودة بين الإدراك الحسيّ الخارجي و الداخلي و بين جهاز الإدراك الحسي الخارجي (الشعور) , فإننا نستطيع أن نبدأ بشرح فكرتنا عن الأنا .

    ينشأ الأنا في جهاز الإدراك الحسّيّ , ثم يبدأ في اشتمال ما قبل الشعور الذي يُجاور الأثار الباقية في الذاكرة , و هو (أي الأنا) منطقة إسقاط لجميع الإحساسات التي تحدث في البدن .

    سننظر الآن إلى الفرد باعتبار أنه (هو)نفسيّ مجهول و لاشعوريّ , و يوجد على سطحه (أنا) نما من نواتِهِ جهاز الإدراك الحسيّ و لكن الأنا لا يُحيط بجميع الهوَ و لكنه يحيط به فقط بالقدر الذي يسمح بتكوين جهاز الإدراك الحسّيّ على سطحه, و يشبه ذلك وجود الطبقة الجرثوميّة على البيضة . ليس الأنا منفصلاً عن الهو تمام الانفصال , و إنما يندمج جزؤهُ الأسفل في الهو , و لكن الشيء المكبوت مندمج في الهو و جزء منهُ . المكبوت , شيء قد فصلتهُ عن الأنا المقاومة التي يبذلها الكبت و هو يستطيع أن يتصل بالأنا عن طريق الهو . فالأنا , هو ذلك القسم من الهو الذي تعدَّل نتيجة تأثير العالم الخارجي فيهِ تأثيراً مباشراً بواسطة جهاز الإدراك الحسيّ(الشعور) , و يقوم الأنا بنقل تأثير العالم الخارجي إلى الهو و ما فيه من نزعات , ويحاول أن يضع مبدأ الواقع محل مبدأ اللذة الذي يسيطر على الهو . و يلعب الإدراك الحسيّ في الأنا , نفس الدور الذي تلعبهُ الغريزة في الهو و يُمثّل الأنا ما نسمّيهِ الحكمة و سلامة العقل , على خلاف الهو الذي يحوي الانفعالات . وظيفة الأنا تكون عادةً في تولّيهِ الإشراف على منافذ الحركة و تنفيذ رغبات الهو دائماً كأنها رغباته الخاصّة . و يوجد إلى جانب تأثير الإدراك الحسيّ , عامل آخر لهُ دور في تكوين الأنا و تمايزه عن الهو , و هو بدن الشخص ذاته الذي تنبعث منه الإدراكات الحسيّة الخارجيّة و الداخليّة . و إنَّ للألم دوراً في معرفة أعضائنا و هو الطريقة التي نصل بها إلى فكرتنا عن بدننا الخاص .
    مسرح نشاط الانفعالات الدنيا موجود في اللاشعور , وكلما ارتفعت درجة الوظيفة العقليّة في سلم قيمنا , كان ظهورها في الشعور أكثر سهولة .

    و لكن تبيَّنَ أن حتّى تلك العمليات العقليّة الدقيقة تتطلب في العادة انتباه شديد , فمن الممكن أن تحدث أيضاً و هي قبل شعوريّة و دون أن تظهر في الشعور . قد تحدث هذه العمليّات مثلاً أثناء النوم(عندما يجد شخص عُقب استيقاظه مباشرةً , أنهُ يعرف حل مشكلة كان يحاول حلها عبثاً في اليوم السابق ). و هناك ظاهرة أخرى , هي قوة نقد النفس و قوة الضمير عند الأشخاص , و هُما في مرتبة عالة جداً بين أنواع النشاط العقلي , لا شعوريّتين . يلعب الإحساس اللاشعوري بالذنب دور إقتصادي هام في عدد كبير من الأمراض العصبيّة , فهو يضع أعظم العوائق في طريق الشفاء .
    إن الإحساسات البدنيّة , و هي التي تكوِّن حقيقة الأنا , تنفذ إلى الشعور مباشرةً , أمَّا العمليّات العقليّة قد تكون لاشعوريّة و قد لا تستطيع النفاذ إلى الشعور مباشرةً .


    -الفصل الثالث-

    الأنا و الأنا الأعلى (الأنا المثالي):


    إن الاضطراب المؤلم المعروف بالمالنخوليا و هي مرض عقلي يتميّز بحالة من الكآبة تسود المريض , و من أعراضها : الإكتئاب و فقدان الاهتمام بالعالم الخارجي و فقدان القدرة على الحب و الشعور بالنقص و الميل نحو تأنيب الذات و لومها مما يؤدي إلى التوقع الوهمي للعقاب . الأنا عند هؤلاء الأشخاص المصابين بهذا الاضطراب قد استعاد أحد موضوعات حبِّهِ القديمة , أي أنه قد استبدل حبَّه لهذا الموضوع بتقمُّص شخصيته في أول الأمر . أثناء المرحلة الفهميّة البدائيَّة عند الفرد , يكون من الصعب جداً التمييز بين حب الموضوع و التقمّص , و نفترض أن حب الموضوع يصدر عن الهو الذي يشعر كأنها حاجات , و يفطن الأنا الذي لا يزال ضعيفاً إلى حبه للموضوع و هو إما يستسلم لهذا الحب و إما أن يحاول أن يقي نفسه منه بعمليّة الكبت .
    إن التغير الذي يطرأ عن الأنا هو عبارة عن وسيلة يستطيع بها الأنا أن يقبض على زمام الهو و أن يوثق علاقته به و هو يدفع ثمن لذلك استسلامه لخبرات الهو إلى درجة كبيرة . و عندما يتخذ الأنا صفات الموضوع , فإنه يقوم بفرض نفسه على الهو كموضوع للحب و يحاول أن يهوِّن من أمر ضياع ذلك الموضوع بقولِه : ( انظر إنني أشبه الموضوع أيضاً فأنت تستطيع أن تحبني كذلك ) .
    إن تحول الليبدو المتعلق بالموضوع إلى ليبدو نرجسي , و هو ما يحدث في هذه الحالة , إنما يتضمن بوضوح التخلي عن الأهداف الجنسيّة . أي يتضمَّن عمليّة سحب الطاقة الجنسيّة , فهو إذن عبارة عن نوع من الإعلاء. فمن الممكن أن تحول الطاقة النفسيّة المتعلقة بالرغبة الجنسيّة نحو أنواع كثيرة من النشاط الغير جنسي , كالألعاب الرياضيّة و الآداب و الفنون . و تُعرَف عملية تجريد الدافع الجنسي من طلقته الجنسيّة بـ(سحب الطاقة الجنسيّة) , أما عمليّة سحب الطاقة الجنسيّة من هدفها الجنسي و تحويلها إلى أهداف غير جنسيّة , تكون مقبولة من المجتمع , فتُعرَف بالإعلاء أو التسامي و هذه هي الطريقة العامة للإعلاء التي تتم بواسطة الأنا .
    و بالرغم مما في ذلك من خروج عن موضوعنا , إلا أننا لا نستطيع أن نتجنّب توجيه اهتمامنا نحو تقمصات الأنا للموضوعات . فإذا تغلبت هذه التقمصات على الأنا , و إذا كثر عددها و ازدادت شدَّتُها , و تعارض بعضها مع البعض الآخر , قد ينتج عن ذلك تمزيق لوحدة الأنا . ذلك حينما تأخذ المقاومات تفصل هذه التقمصات المختلفة عن الشعور الواحدة بعد الأخرى . و مهما أصبحت قدرة الشخص على مقاومة تأثير حبه السابق المهجور للموضوع , فإن آثار التقمصات الأولى التي تتم في الأيام الأولى من الطفولة ستكون عامة و باقية للأبد .

    و هنا نعود إلى نشأة الأنا المثالي , إذ ورائها يكمن أول و أهم التقمصات و هو تقمص شخصيّة الأب . إن الموضوع كله معقد جداً , و يرجع تعقيد المشكلة إلى عاملين :

    1- الصفة الثلاثيّة لموقف أوديب: و هو الموقف الذي تظهر فيه عقدة أوديب و تتلخص في حب الطفل لأمه و كرهه لأبيه و تسمى أوديب الإيجابية , أما حب الطفل لأبيه و كرهه لأمهِ , و هو الاتجاه الذي تسلكه البنت عادةً و يسمى عقدة أوديب السلبيّة . تُطلق عقدة أوديب الكاملة على الحالات التي تظهر فيها عقدة أوديب السلبية و الإيجابيّة عند الطفل الواحد . فقد يحب الطفل أمه أحياناً و يشعر بالتناقض الوجداني تجاه أبيه مما يؤدي إلى تقمص شخصيّة الأب , و قد يحب نفس الطفل أباه أحياناً أخرى و يشعر بالتناقض الوجداني نحو أمه مما يؤدي إلى تقمص شخصيّة الأم . إن عقدة أوديب الكاملة ترجع إلى الثنائية الجنسيّة الموجودة في طبيعة كل طفل . و تتوقف الصورة النهائية التي تتخذها عقدة أوديب على مقدار عناصر الذكورة و الأنوثة الموجودة بالفطرة في طبيعة كل فرد , و على التجارب و الخبرات الشخصيّة التي تعرّض لها في مرحلة الطفولة .

    2- الثنائيّة الجنسيّة في بنية كل فرد: و هي وجود خصائص الذكورة و الأنوثة في شخص واحد و تظهر الثنائيّة الجنسيّة بصورة عضويّة حينما توجد أعضاء تناسل الرجل و المرأة في شخص واحد و تُعرف هذه الحالة بالخنوثة . و قد تظهر الثنائيّة الجنسيّة بصورة سيكولوجيّة فقط و ذلك حينما توجد الخصائص و الصفات السيكولوجيّة لكل من الذكورة و الأنوثة .

    و تتوقف شخصيّة الفرد و خُلقُهُ إلى حد كبير على مقدار الكبت و التدعيم الذي يتعرض له كل نوع من هذه العناصر في مرحلة الطفولة .
    *و يمكن وصف حالة الطفل الذكر في أبسط صورها كما يلي:

    يبدأ الولد الصغير في سن مبكرة يشعر بالحب نحو أمّه وهو حب في الأصل متعلق بثدي الأمّ وأول حالة من حالات اختيار الموضوع تنشأ على صورة الاعتماد على الأمّ وهنا يقوم الولد بتقمص شخصيّة الأب وتبقى هاتان العلاقتان جنباً إلى جنب لفترة حتى تأخذ الرغبات الجنسيّة المُّتجهة نحو الأمّ تزداد في الشدة ويبدو الأب كأنه يعوّق تحقيق هذه الرغبات وعن ذلك تنشأ عقدة أوديب ثم يأخذ تقمص شخصيّة الأب صفة عدائية ويتحول إلى رغبة في التخلص من الأب لكي يأخذ مكانه من الأمّ وتصبح علاقته الوجدانية مع الأب متناقضة وهذا أمر طبيعي في التقمص ويتكون من موقف التناقض الوجداني نحو الأب وعلاقة الحب الشديدة نحو الأمّ (مضمون عقدة أوديب الإيجابية)وبزوال عقدة أوديب يصبح من الواجب على الولد أن يتخلى عن حب أمّه وقد يُملأ مكانها أحد الأمرين:

    إما بتقمص شخصية الأمّ ،أو زيادة شدّة تقمصه لشخصية أبيه والنتيجة الثانية هي السَّوية لأنها تسمح لعلاقة الحب نحو الأمّ بالبّقاء على نحو ما ويؤدي زوال عقدة أوديب إلى تأكيد صفة الذكورة في الولد وبنفس الطريقة تؤدي عقدة أوديب في البنت زيادة شدة تقمصها لشخصية أمها وتأكيد صفات الأنوثة فيها .

    وهناك حالات أخرى تلاحظ عند البنات أكثر من الأولاد وهي أن البنت الصغيرة بعد أن تتخلى عن أبيها من حيث هو موضوع حُبها تأخذ في إظهار ذكورتها وفي تقمص شخصية أبيها (أي تقمص شخصية الموضوع المفقود) بدلاً من تقمص شخصية أمّها وهذا يتوقف على درجة شدة الذكورة في استعدادها الطبيعي.

    ويتضح من خبرتنا بالتحليل أن أحد عنصري عقدة أوديب يكون في كثير من الحالات غير ظاهر فيما عدا بعض الآثار الطفيفة بحيث تكون النتيجة وجود سلسلة تقع عقدة أوديب الإيجابية على أحد طرفيها وعلى الطرف الآخر عقدة أوديب السلبية بينما تتكون الحالات المتوسطة من نوع عقدة أوديب الكاملة التي ترجح فيها كفة أحد عنصري عقدة أوديب وعندما تُحل عقدة أوديب فإن الاتجاهات التي تتكون من هذه العقدة تتجمع على نحو ما بحيث تؤدي إلى تقمص شخصية الأب وإلى تقمص شخصية الأمّ وإن النتيجة العامة لعقدة أوديب تشكيل أثر في الأنا يتكون من هذين النوعين من التقمص مجتمعين معاً على نحو ما.

    وليس الأنا الأعلى مجرد أثر خلفته اختيارات الموضوع المبكرة التي قام بها الهُو ولكنه يمثل أيضا تكوين رد فعل قوي ضد هذه الاختيارات وليست علاقته بالأنا قاصرة على إتباع هذا القانون ( ينبغي عليك أن تكون كذا وكذا مثل أبيك ) ولكنها أيضاً تشمل هذا التحريم ( لا يجب عليك أن تفعل كل ما يفعل فهناك أشياء كثيرة تعتبر من حقوقه الخاصة ) وينشأ هذا الازدواج في علاقة الأنا المثالي من قيامه بمهمة كبت عقدة أوديب وذلك لم يكن بالأمر السهل فقد كان الطفل يدرك أن الوالدين وخاصة الأب يقفان عقبة في سبيل تحقيق الرغبات الأوديبية ولذلك قام أنا الطفل بتقديم هذه المعونة لتحقيق هذا الكبت وذلك بإقامة نفس العائق في داخل نفسه وقد استعار الطفل قوته على القيام بهذه المهمة من الأب فالأنا الأعلى تقوم بالإبقاء على خُلُق الأب وكلما اشتدت وطأة عقدة أوديب كلما كان كبتها يتم بسهولة ( تحت تأثير السلطة والتعاليم الدينية و التعليم) ، كانت سيطرة الأنا الأعلى على الأنا فيما بعد أشد و تظهر هذه السيطرة بصورة الضمير أو الإحساس اللاشعوري بالذنب فإن نشأة الأنا الأعلى تَظهر نتيجة عاملين :أحدهما العامل البيولوجي ،والآخر عامل تاريخي أي أنه يحدث نتيجة الفترة الطويلة التي يقضيها الإنسان في حالة ضعف واعتماد على الغير أثناء طفولته ونتيجة عقدة أوديب التي بَينا أن لكبتها علاقة بظهور مرحلة الكمون التي تعطل نمو الليبدو وبظهور النشاط المزدوج التي تتميز به الحياة الجنسية عند الإنسان فإن فرويد يرى بأن الحياة الجنسية تظهر عقب الولادة مباشرة وتمر بمراحل مختلفة :

    *المرحلة الأولى: هي المرحلة الفميّة وتتميز بحصول الطفل على اللذة من منطقة الفم .
    *المرحلة الثانية: هي المرحلة الإستية تبدأ حوالي نهاية العام الأول ويحصل الطفل فيها على اللذة عن طريق التبرز، وتظهر فيها بوضوح ميول الطفل العدوانية .

    *المرحلة الثالثة: هي المرحلة القضيبية وتبدأ في السنة الثانية أو الثالثة وهي تتميز ببدء اهتمام الطفل بعضو الذكر التناسلي وفي هذه المرحلة تبلغ الحياة الجنسية عند الطفل ذروتها وفيها تقع المرحلة الأوديبية إذ يأخذ الطفل يشعر بميل جنسي نحو أمه ويكره أباه وينتهي الأمر بالوالدين إلى تهديد الطفل بالخصاء ويؤدي ذلك إلى قيام الطفل بكبت عقدة أوديب.

    *المرحلة الرابعة: هي مرحلة الكمون وتبدأ عادة حوالي السنة الخامسة أو السادسة وتستمر حتى مرحلة المراهقة وهذه المرحلة يتميز بها الإنسان وليس لها نظير عند الحيوانات ، وفي هذه المرحلة يهدأ النشاط الجنسي عند الطفل وتأخذ طاقته الجنسية تنصرف نحو كثير من أنواع النشاط الغير جنسي .

    فالأنا المثالي إذن وريث عقدة أوديب وهو أقوى الدوافع وأهم التقلبات اللبيدية في الهُو وبتكوين هذا الانا المثالي يقوم الأنا بالتغلب على عقدة أوديب كما يقوم في نفس الوقت بوضع نفسه تحت سلطة الهُو فبينما يقوم الأنا على الأخص بتمثيل العالم الخارجي أي الواقع يقوم الأنا الأعلى على العكس من ذلك بتمثيل العالم الداخلي أي الهو فإن الصراع الذي ينشب بين الأنا والانا المثالي يعكس بالنهاية الخلاف بين ما هو واقعي و ما هو نفسي أي بين العالم الخارجي والداخلي


    لفصل الرابع :

    مجموعتان من الغرائز:

    هنا يجب أن نميز بين مجموعتين من الغرائز وأولى هاتين المجموعتين هي (إيروس) : وهي لا تشمل فقط الغريزة الجنسية الحقيقة التي لم يتناولها الإعلاء والدوافع الغريزية المُشتقة منها والتي تناولها الإعلاء وإنما تشمل أيضاً غريزة حفظ الذات التي يجب أن تنسب إلى الأنا .

    أما المجموعة الثانية من الغرائز: فقد اعتبرنا السّادية ممثلة لهذه المجموعة وقد اقتضت بعض الاعتبارات التي أيدها علم البيولوجيا أن نفترض وجود غريزة الموت ومهمتها إعادة الحياة العضوية إلى حالة غير حية.

    وتكون كل من هاتين المجموعتين من الغرائز مرتبطة بعملية فسيولوجية خاصة (عملية البناء أو الهدم) ولذلك من الممكن إن يصبح جزء معين من المادة المُمثل الرئيسي لإيروس ولا يلقى هذا الغرض ضوءاً على الكيفية التي تكون بها هاتان المجموعتان من الغرائز متحدتين الواحدة بالأخرى إما إن ذلك يحدث بانتظام وبكثرة بالغة أو انه يحدث نتيجة لتجمع الكائنات الحية ذات الخلية الواحدة في كائنات حية كثيرة الخلايا أن يبطل فعل غريزة الموت الخاصة بالخلية الواحدة بطلاناً تاماً وان يحول اتجاه دوافع الهدم نحو العالم الخارجي بوساطة عضو خاص وهذا العضو هو الجهاز العضلي وهكذا يبدو إن غريزة الموت قد أصبحت غريزة هدم متجهة نحو العالم الخارجي وقد يتم ذلك بطريقة جزئية فقط.

    ما دمنا سلمنا بفكرة اتحاد هاتين المجموعتين من الغرائز فلا بد أن نسلم باحتمال إنفصالها الواحدة عن الأخرى انفصالاً كاملاً أو جزئياً و يعتبر العنصر السّادي مثلاً للاتحاد الغريزي الذي يؤدي خدمة مفيدة كما يعتبر الانحراف الذي تصبح فيه السّادية مستقلة بنفسها مثالاً نموذجياً للانفصال ولو انه ليس انفصال كامل ومن هنا ندرك أن غريزة الهدم إنما تقوم في العادة بخدمة إيروس في أغراض التفريغ وإن انفصال الغرائز والظهور الواضح لغريزة الموت إنما هما من أهم النتائج التي يسببها كثير من الأمراض العُصابيّة الشديدة مثل الأمراض العُصابيّة القهرية.

    والآن سنوجه اهتمامنا إلى التضاد القائم بين الحب والكره بدلاً من التضاد القائم بين هاتين المجموعتين من الغرائز وتبين الملاحظة أن الحب يكون دائما مصحوب بالكره (التناقض الوجداني) بشكل لم يكن متوقعاً وان الكره غالباً ما يكون مقدمة للحب في العلاقات الإنسانية و كثيراً ما يتحول الكره إلى حب والحب إلى كره فإذا كان ذلك التحول شيئاً أكثر من مجرد التعاقب الزمني الاصبح من الواضح انه لا يوجد دليل لذلك التمييز الأساسي بين غرائز الحب وغرائز الموت وهو التمييز الذي يقتضي وجود عمليات فسيولوجية متعارضة .
    فقد نجد شخصاً ما يحب شخصاً آخر ثم يكرهه بعد ذلك لان ذلك الشخص قد أعطاه سبباً لفعل ذلك وفي حالات أخرى نجد فيها مشاعر الحب التي لم تتضح بعد قد أخذت تعبر عن نفسها في أول الأمر باتجاهات الخصومة والعدوان فهنا تكون العناصر الخاصة بغريزة الهدم في الشحنة النفسية المتجهة نحو الموضوع قد سبقت العناصر الخاصة بغريزة الحب وان عناصر الحب قامت فيما بعد باللحاق بعناصر الهدم ولكن هناك حالات في علم النفس الأمراض العُصابيّة التي نجد فيها من المبررات القوية مما يجعلنا نفترض حدوث التحول ففي مرض البارانويا الاضطهادية (وهو ذهان تتسلط فيه على المريض أوهام تتعلق بتعقب الناس له ومُحاولتهم إيذائه والاعتداء عليه) يتخذ المريض طريقة للدفاع عن نفسه ضد رغبة جنسية مثلية شديدة للغاية متجهة نحو شخص معين بحيث ينجم عن ذلك أن يتحول الشخص الذي كان موضوع الحب إلى شخص مضطهد ثم يصبح موضوعاً لدوافع المريض العدوانية التي غالباً ما تكون خطيرة وقد بين البحث التحليلي بوجود مرحلة سابقة يتحول فيها الحب إلى كره فإن مصدر الجنسية المثلية وكذلك المشاعر الاجتماعية الغير جنسية إنما تشمل مشاعر التنافس الشديد التي تؤدي إلى نزعات عدوانية يعقبها بعد أن يتم التغلب عليها حب الموضوع الذي كان يُكره سابقاً أو تقمص شخصيته.

    فهناك اتجاه للتناقض الوجداني موجود منذ البداية ويحدث التحول عن طريق نقل الشحنة النفسية على سبيل رد الفعل وبهذا التحول تنسحب الطاقة من دافع الحب وتنضم إلى دافع العدوان ولا يتحول الكره تحولاً مباشراً إلى الحب فقد اعتبرنا كأنه توجد في العقل (سواء في الأنا أو الهُو) طاقة قابلة للنقل تكون في ذاتها محايدة ولكنها تستطيع أن تنضم إلى دوافع الحب أو دوافع الهدم وبذلك تتغير كيفيتها تبعاً لاختلاف كيفية هذه الدوافع وعلى زيادة مقدار شحنتها النفسية الكلية.
    ولكن من أين تأتي هذه الطاقة وما دلالتها ؟ إن الطاقة المحايدة القابلة للنقل والتي يحتمل أن تكون نشيطة في الأنا والهوا على السواء إنما تصدر عن الناحية النرجسية من الليبدو أي إنها عبارة عن إيروس مجرد من الطاقة الجنسية (فان غرائز الحب بصفة عامة أكثر مرونة من غرائز الهدم وأكثر منها قابلية للتحول والنقل) وبناء على ذلك نستطيع أن نفترض إن هذا الليبدو القابل للنقل انما يقوم بخدمة مبدأ اللذة ليزيل التجمع وليسهل التفريغ.

    ومن الممكن أن نصف تلك الطاقة بأنها متساوية لأنها لازالت متحفظة بغرض إيروس الأساسي وهو التوحيد والربط ـ مادامت تعين في تحقيق هذه الوحدة أو هذا الاتجاه نحو الوحدة وهي خاصية يمتاز بها الأنا على وجه خاص وإذا اعتبرنا العمليات العقلية بمعناها العام داخلة ضمن حالات النقل هذه لوجب أن تكون طاقة العمل الفكري نفسه مستمدة من مصادر جنسية متسامية .
    وننتهي مرة أخرى إلى أن الإعلاء قد يحدث بانتظام عن طريق الأنا وهذا يلقي الضوء على إحدى الوظائف الهامة للانا من حيث علاقته بإيروس فبحصول الأنا على الليبدو من الشحنات النفسية المتجهة نحو الموضوعات وبجعل نفسه الموضوع الوحيد للحب وبتجريد ليبدو الهُو من طاقته الجنسية أو بإعلائها فانه إنما يعمل بذلك ضد الأغراض التي يهدف إليها إيروس كما انه بذلك يضع نفسه في خدمة الدوافع الغريزية المضادة لإيروس فهو مضطر إلى الاستسلام إلى بعض الشحنات النفسية الأخرى الصادرة عن الهُو نحو بعض الموضوعات كما انه مضطر إلى الاشتراك فيها.

    ويبدو أن هذا يتضمن امتداد هام للنظرية النرجسية ففي البداية كان جميع الليبدو متجمعاً في الهُو في حين كان الأنا لا يزال في مرحلة التكوين أو لم يكن قد استكمل قوته بعد ثم اخذ الهُو يرسل جزءاً من هذا الليبدو إلى الشحنات النفسية المتجهة نحو موضوع الحب بينما اخذ الأنا وقد أصبح قوياً

    يحاول أن يحصل على الليبدو المتجه نحو الموضوع وان يفرض نفسه على الهُو كموضوع للحب وهكذا نرى أن نرجسية الأنا إنما هي أمر ثانوي قد اكتسب نتيجة ارتداد الليبدو عن الموضوعات .

    ان غرائز الموت هي بطبيعتها صامتة وان صخب الحياة إنما يصدر في الغالب عن إيروس ويصدر أيضاً عن الكفاح ضد إيروس! و إن مبدأ اللذة يقوم بخدمة الهُو كمرشد له في كفاحه ضد الليبدو وهو القوة التي أدخلت مثل هذه الاضطرابات في الحياة وإن كان صحيحاً إن الحياة خاضعة لمبدأ الاتزان الثابت الذي قال به ((Fechner فهي إذن عبارة عن هبوط مستمر نحو الموت وتصبح أهداف إيروس أي الغرائز الجنسية تعمل على إيقاف هذا الهبوط في صورة حاجات غريزية وان تعمل على إحداث توترات جديدة ويقوم الهُو بوقاية نفسه ضد هذه التوترات فهو يقوم بأسرع ما يمكن بإشباع النزعات الجنسية المباشرة وذلك بتفريغه للمواد الجنسية التي هي عبارة عن حامل جيد للتوترات الجنسية وقذف المواد الجنسية أثناء العملية الجنسية يشبه على نحو ما الانفصال بين البدن وبروتوبلازم الجرثومة.

    وهذا يفسر الشبه بين الموت والحالة التي تعقب الإشباع الجنسي التام كما انه يفسر حدوث الموت أثناء عملية الاتصال الجنسي عند بعض الحيوانات الدنيا فهذه الكائنات تموت لان غريزة الموت تجد الحرية الكاملة لتحقيق أغراضها بعد أن يتم طرد ايروس في عملية الإشباع وأخيراً يقوم الأنا بمعونة الهُو في عمله الخاص بالتغلب على التوترات وذلك بإعلائه لبض الليبدو من اجل نفسه ومن اجل أغراضه.
    ...................................................................... ..........


    الفصل الخامس-

    خضوع الأنا:

    تتكون الأنا من التقمصات التي تحل محل الشحنات النفسية التي كانت تصدر عن الهُو والتي قد توقفت بعد ذلك. وتتصرف هذه التقمصات باعتبارها منظمة خاصة في الأنا وهي تتميز عن بقية الأنا بأن تتخذ صورة الأنا الأعلى بينما يصبح الأنا فيما بعد حينما ينمو وتشتد قوته اقدر على مقاومة تأثيرات مثل هذه التقمصات ويرجع الفضل إلى المكانة الخاصة التي يحتلها الأنا الأعلى في الأنا إلى عامل يجب إن ننظر إليه من جهتين:

    الجهة الأولى: لقد كان الأنا الأعلى أول تقمص، وحدث في وقت كان الأنا فيه ضعيفاً،ومن الجهة الثانية: لقد كان الأنا الأعلى وريث عقدة أوديب وقد ضم إلى الأنا أخطر الموضوعات شأناً وعلاقة الأنا الأعلى بالتغيرات التي تقع في الانا تشبه تقريباً علاقة المرحلة الجنسية الأولى في أيام الطفولة بمرحلة النشاط الجنسي المتأخر بعد البلوغ ومع أن الأنا الأعلى يكون عرضة لكل تأثير يقع عليه إلا أنه يستمر طوال حياته يحتفظ بالخلق الذي اكتسبه عن نشأته عن عقدة الأب أي قدرته على الاستقلال عن الأنا وعلى التحكم فيه فالأنا الأعلى عبارة عن ذكرى فترة الضعف والاعتماد اللتين مر بهما الانا سابقاً وإن الانا الناضج ليستمر يخضع أيضاً لسلطته.

    إن نشأة الأنا الأعلى عن الشحنات النفسية الأولى التي كانت تنبعث عن الهُو نحو الموضوعات أي عن عقدة أوديب ترتبط بالمكتسبات التي ورثها الهُو أثناء نشوء النوع كما تجعله عبارة عن بعث للتطورات التي طرأت على الانا فيما سبق والتي خلفت لها رواسب في الهُو وعلى ذلك فالأنا الأعلى على اتصال وثيق دائماً بالهُو كما انه يقوم بتمثيله في الانا وهو يتصل بأعماق الهُو ولهذا السبب هو ابعد عن الشعور من الانا.

    يوجد بعض الأشخاص الذين يتصرفون أثناء التحليل بطريقة غريبة فإذا تكلم إليهم احد متفائلاً بتقدم العلاج أخذوا يظهرون علامات الاستياء وأخذت حالتهم تزداد سوءاً عن السابق .

    قد يعتبر الإنسان ذلك لإول وهلة كأنه تحدٍّ ومحاولة لإثبات تفوقهم على الطبيب وبعد ذلك يقتنع بأن هؤلاء الأشخاص يقوم بمقاومة الشفاء ويخشى تقدمه كأنه شيء خطير ونحن معتادون على القول بأن الحاجة إلى المرض قد تفوقت عند هؤلاء الأشخاص على الرغبة في الصحة فإذا حللنا المقاومة واستبعدنا منها اتجاه التحدي الموجه ضد الطبيب والتشبث بأنواع الفوائد المختلفة للمرض لوجدنا الجزء الأعظم من هذه المقاومة لا يزال باقياً وان هذه المقاومة هي أقوى العقبات جميعها في سبيل الشفاء وهي أيضاً أقوى من مثل هذه العقبات المألوفة كحالة النرجسية التي يصعب علاجها والاتجاه السلبي نحو الطبيب والتشبث بفوائد المرض.

    ويتضح لنا بالنهاية أننا بصدد شيء نسميه عاملاً (خلقياً) أي إحساساً بالذنب يجد في المرض نوعاً من التفكير ويرفض أن يكف عن تحمل عقاب الآلام وينطبق الوصف الذي ذكرناه على الحالات المتطرفة من هذا النوع وربما في جميع حالات العُصّاب الشديد وفي الواقع ربما يكون هذا العنصر بالذات وهو اتجاه الانا المثالي هو الذي يحدد شدة المرض العصابي.

    الإحساس الشعوري السوي بالذنب يرجع إلى التوتر بين الانا والانا المثالي وهو عبارة عن حكم بإدانة الانا يصدر عن وظيفة الانا النقدية ويظهر الإحساس بالذنب واضحاً جداً في الشعور في مرضين معروفين وهما العُصّاب القهري والمالنخوليا ويبدي الانا المثالي في هذين المرضين شدة خاصة وكثيراً ما يثور ضد الانا في قسوة متناهية .

    يظهر الإحساس بالذنب واضحاً جداً في صور معينة من العُصّاب القهري ولكنه لا يستطيع أن يبرر نفسه لدى الانا وينتج عن ذلك أن يثور أنا المريض ضد هذا الاتهام بالذنب ويطلب مساعدة الطبيب لنفي هذا الاتهام لان الاستسلام لا يؤدي النتيجة ويبين التحليل ان الانا الأعلى كان خاضعاً لتأثير بعض العمليات التي ظلت مختفية عن الانا ومن الممكن اكتشاف الرغبات المكبوتة التي تسبب الإحساس بالذنب في الحقيقة وهكذا فإن الانا الأعلى يعرف عن الهُو اللاشعوري أكثر مما يعرف الانا.

    وفكرة أن الانا الأعلى قد يسيطر على الشعور لتبدو بشكل أكثر وضوحاً في المالنخوليا غير أن الانا لا يجرؤ في هذه الحالة على إبداء أي اعتراض فهو يسلم بالذنب ويستسلم للعقاب فالدوافع التي تستحق اللوم والتي ينتقدها الانا الأعلى لم تصبح أبدا جزءاً من الانا في حالة العُصّاب القهري أما في المالنخوليا فقد أصبح الذي يسخط عليه الانا الأعلى جزءاً من الانا عن طريق التقمص.

    وهناك حالات أخرى فالهستيريا ( وهو مرض نفسي يتحول الصراع النفسي إلى صورة اضطرا بات فسيولوجية وحركية وسيكولوجية دون ان تكون هناك علل عضوية يمكن أن تسبب هذه الاضطرابات) فالانا ذو النزعة الهستيرية يقوم بوقاية نفسه من شحنة نفسية لا يطيق احتمالها تكون متعلقة بعملية كبت ولذلك فالأنا هو المسؤول عن بقاء الإحساس بالذنب لا شعورياً ونحن نعلم ان الانا يقوم بالعادة بتنفيذ عمليات الكبت في خدمة الانا الأعلى وبأمره ولكن هنا قام الانا بتوجيه نفس السلاح ضد رئيسه القاسي وفي العُصّاب القهري تسود ظواهر تكوين رد الفعل أما هنا فيكتفي الانا بإبقاء المادة التي يتعلق بها الإحساس بالذنب بعيدة عنه.

    وقد نذهب ابعد من ذلك ونفترض ضرورة بقاء جزء كبير من الإحساس بالذنب لا شعورياً في العادة وذلك لان نشأة الضمير تتصل اتصالاً وثيقاً بعقدة أوديب التي تنتمي إلى اللا شعور فإن هذه القضية المتناقضة وهي أن الإنسان السوي ليس فقط أكثر فجراً مما يعتقد وإنما هو أيضاً أكثر خُلُقاً مما يظن فإن القضية المتناقضة في الظاهر فقط فهي تقرر ان للطبيعة الإنسانية قدرة عظيمة لكل من الخير والشر ،أعظم كثيراً مما يظن الإنسان أي أعظم مما يفطن إليه الإنسان عن طريق إدراكات الانا الشعورية.

    وإن اشتداد هذا الإحساس اللاشعوري بالذنب قد يجعل الناس مجرمين فقد اكتشفنا عند كثير من المجرمين (خاصة الشباب منهم) إحساس قوي بالذنب كان موجوداً قبل الجريمة وهو لذلك ليس ناتجاً عنها وإنما الدافع لها وكأن هؤلاء الشبان يجدون شيئاً من الراحة إن تمكنوا من ربط هذا الإحساس اللاشعوري بالذنب بشيء واقعي ومباشر.

    وتقوم الانا الأعلى في جميع هذه الحالات بإظهار استقلاله عن الانا اللاشعوري وبإظهار دقة صلاته بالهُو اللاشعوري ان الانا الأعلى يتكون من الادراكات الحسية السمعية شأنه في ذلك شأن الانا فهو جزء من الانا وهو يظل قادراً على النفاذ إلى الشعور بسهولة عن طريق الصور اللفظية (المفاهيم و الأفكار المجردة) ولكن الطاقة الانفعالية لا تصل هذه العناصر التي تكوّن مضمون الانا الأعلى عن طريق الادراكات الحسية السمعية والأوامر والقراءة وإنما تنشأ عن مصادر موجودة في الهُو .

    كيف يتسنى للانا الأعلى أن يظهر بالذات في صورة إحساس بالذنب لان بالذنب لان الإحساس بالذنب عبارة عن حدوث إدراك حسي في الانا استجابة لهذا النقد ثم يقوم في نفس الوقت بإظهار مثل هذه القسوة والشدة الخارقتين للعادة نحو الانا؟ إن نظرنا الى المالنخوليا لوجدنا الانا الأعلى ذا البأس و المهيمن على الشعور يثور ضد الانا كأنه استحوذ على جميع السَّادية الموجودة في الشخص فإن الجزء الهدام في الغريزة قد استحكم في الانا الأعلى واخذ يتجه ضد الانا وقد أصبح نفوذ غريزة الموت هو السائد الآن في الانا الأعلى وغالباً ما تنجح هذه الغريزة في دفع الانا نحو الموت إذا لم يقم الانا بوقاية نفسه في الوقت المناسب وبالتحول إلى الهوس ويتميز الهوس بحالة من زيادة النشاط والمبالغة في وظائف ثلاث هي:

    *التفكير:فينتقل المريض بشكل سريع من فكرة إلى فكرة ولا يركز في موضوع معين ويتخيل العظمة والكمال .

    *الشعور الوجداني:المغالاة في الشعور بالصحة الجيدة والسعادة والفرح وحب المرح والفكاهة وقد ينقلب إلى غضب شديد إن شعر بالإساءة.

    *الحركة: نشاط بدني زائد عن الحد وفي حركة مستمرة لا تنقطع وفي سرعة الانتقال من عمل الى آخر.

    أما الشخص المصاب بالعُصّاب القهري على عكس المصاب بالمالنخوليا فهو لا يقدم أبداً على إبادة نفسه ويبدو كأن عنده مناعة ضد خطر الانتحار وان ما يضمن سلامة الانا هو الاحتفاظ بموضوع الحب فتتحول دوافع الحب إلى عدوانية متجهة ضد الموضوع وذلك بالنكوص إلى التنظيم السابق للمرحلة التناسلية وهنا تتحرر غريزة الهدم ويصبح غرضها وهدفها إبادة الموضوع ولا يقبل الانا هذه النزعات بل يكافح ضدها بما يقوم به من تكوينات رد الفعل و الإجراءات الوقائية فتظل هذه النزعات باقية في الهُو ويتصرف الانا الأعلى كأن الانا هو المسؤول عن هذه النزعات وهو باهتمامه في مغالبة نزعات الهدم فهو يبين أنها ليست مجرد شيء ظاهري سببه النكوص وإنما هو إبدال الكره بالحب.

    ولما كان الانا عاجز في كل من هاتين الناحيتين فهو يقوم بالدفاع عن نفسه دون جدوى سواء ضد تحريض الهُو القاتل أو ضد تأنيب الضمير الذي يتولى القصاص وينجح على الأقل بإيقاف أشد الأعمال وحشية من كلا الجانبين وأول ما ينتج عن ذلك هو تعذيب النفس بصفة مستمرة ثم تعذيب منظم للموضوع إذا كان قريباً .

    يتم التصرف في نشاط غرائز الموت الخطيرة الموجودة داخل الفرد بطرق مختلفة : فهي تجعل من جهة غير مضرة وذلك بمزجها بالعناصر الجنسية وهي توجه من جهة أخرى نحو العالم الخارجي في صورة عدوان ولكنها في الغالب تستمر قي عملها الداخلي دون أن يعوقها عائق .

    فكيف يمكن إذن أن يصبح الانا الأعلى في المالنخوليا بمثابة تجمع لغرائز الموت؟

    إن المعيار الذي يضعه الانا الأعلى إنما هو الدافع لقمع العدوان فكلما اشتد الشخص في ضبط عدوانه كانت ميول الانا الأعلى العدوانية التي توجه ضد أنا هذا الشخص أكثر شدة ويبدو ذلك كأنه إبدال أي تحول ضد أنا الشخص نفسه غير أن الأخلاق العادية العامة تتصف بالشدة فيما تفرضه من قيود ،وبالقسوة فيما تضعه من نواة ومن هنا ينشأ في الحقيقة تصور وجود كائن سام شديد المراس يقوم بالقصاص.
    فالأنا الأعلى ينشأ كما نعلم من تقمص شخصية الأب باعتباره مثالاً وكل تقمص من هذا النوع هو بمثابة تجرد من الغريزة الجنسية وبمثابة إعلاء للغريزة أيضاً وحينما يحدث تحول من هذا النوع يحدث في نفس الوقت انفصال في الغرائز بعد الإعلاء لا يصبح للجزء الجنسي من الغريزة القدرة على ضم كل الجزء الهدام الذي كان منضماً إليه من قبل فينطلق هذا الجزء في صورة ميل نحو العدوان والهدم ويصبح هذا الانفصال في الغرائز هو السبب في ذلك الخُلق العام الذي يتسم بالخشونة والقسوة اللتين يُبديهما الانا المثالي أي هذه الأوامر الدكتاتورية التي يصدرها وهي ((يجب عليك........)).

    وهنا سنتناول العُصّاب القهري مرة أخرى فإن تحول الحب إلى عداء لم يتم على يد الانا ولكنه كان نتيجة نكوص حدث في الهُو غير أن هذه العملية قد تجاوزت الهُو وامتدت إلى الانا الأعلى الذي اخذ حينئذ يشتد في استبداده بالانا البريء. فما يحدث فما يحدث بهذه الحالة يشبه ما يحدث بالمالنخوليا وهو أن الانا الأعلى الذي كان متحداً من قبل بالليبدو.

    فهنا توضح لنا دور الانا فهو يقوم بفضل علاقته بجهاز الإدراك الحسي بتنظيم عمليات العقل في ترتيب زمني وباختيار مقابلتها للواقع وهو يقوم بفضل إدخال عملية التفكير بتأخير حدوث الحركة ويقوم بالتحكم في منافذها وهي أمر يتعلق بالشكل أكثر مما يتعلق بالواقع فموقف الانا فيما يتعلق بالحركة يشبه موقف الملك الدستوري الذي لا يمكن ان يمر أي قانون بدون تصديقه عليه ولكنه مع ذلك يتردد كثيراً من ان يلغي أي قانون يضعه البرلمان وتقوم جميع خبرات الحياة التي تصدر من الخارج بزيادة ثروة الانا أما الهُو فعالم خارجي آخر بالنسبة الى الانا وهو يسعى لكي يخضعه لسلطته .

    وهناك مسلكين يمكن أن تنفذ منهما محتويات الهُو إلى الانا واحد هذين المسلكين مباشر أما الآخر فيمر عن طريق الانا المثالي وللمسلك الذي تتخذه محتويات الهُو من بين هذين المسلكين أهمية حاسمة بالنسبة إلى بعض أوجه النشاط العقلي وينشأ الانا من إدراك الغرائز ومن التحكم فيها ومن اطاعة الغرائز ومن قمعها ويتم ذلك على يد الانا المثالي الذي هو عبارة عن تكوين رد فعل بصورة جزئية ضد العمليات الغريزية في الهُو والتحليل النفسي عبارة عن وسيلة تمكن الانا من زيادة سيطرته على الهُو .

    فالأنا مخلوق ضعيف يقوم بخدمة أسياد ثلاثة وهو مهدد بأخطار مختلفة : من العالم الخارجي ومن ليبدو الهُو ومن قسوة الانا الأعلى .
    فإن الانا يحاول ان يتوسط بين العالم وبين الهُو وأن يجعل الهُو يسلم بمقتضيات العالم وان يقوم بوساطة النشاط العقلي بتعديل العالم لملاءمة رغبات الهُو وهو ليس فقط حليف للهو بل أيضاً عبد مستسلم يطلب حب سيده ويحاول أن يظل على صلة جيدة بالهُو دائماً.

    وهو يدعي أن الهُو يقاوم بإظهار طاعته لأوامر الواقع حتى لو ظل في الحقيقة عنيد لا يتزعزع عن رأيه ويقوم بإخفاء صراعاته مع الانا الأعلى وان مكانه في وضع متوسط بين الهُو والواقع يغريه في أغلب الأوقات لكي يصبح منافقاً ونهازاً للفرص وكاذباً.

    فما يقوم الانا به من تقمص وإعلاء إنما يساعد غرائز الموت في الهُو على التغلب على الليبدو ولكنه يعرض نفسه لان يصبح هدفاً لغرائز الموت والهلاك ولكي يكون الانا مفيد فإنه يَمتلىء بالليبدو فيصبح الانا ممثلاً لإيروس فيرغب في أن يَحيى ويكون محبوب.

    إن الانا هو موطن القلق فعندما يشعر بالخطر يبدأ يتعلم الهرب كرد فعل منعكس وهو يفعل ذلك بسحب شحنته النفسية من إدراك الشيء الذي يهدده أو من العملية المخيفة التي تجري في الهُو ثم يقوم بإطلاق هذه الشحنة النفسية في صورة قلق.

    إن وراء خوف الأنا من الأنا الأعلى أي (الضمير) فإن ذلك الكائن السامي الذي أصبح الانا المثالي قد قام ذات مرة بتهديد الانا بالخصاء وإن الخوف من الخصاء هو النواة التي تجمع حولها فيما بعد ذلك الخوف من الضمير.

    (كل خوف هو في النهاية خوف من الموت) عبارة لا معنى لها بل يجب أن نميز بين الخوف من الموت وبين كل من الخوف من شيء خارجي (القلق الموضوعي) والقلق الجنسي العصابي ( وهو خوف من خطر غريزي داخلي) فيبدو أن حيلة الخوف من الموت هي عبارة عن تخلي الانا بدرجة كبيرة عن شحنته الليبدية النرجسية أي عبارة عن تخلي الانا عن نفسه كما يقوم بالتخلي عن بعض الموضوعات الخارجية في الحالات الأخرى التي يشعر فيها بالقلق.

    إن الخوف من الموت يظهر في حالتين : كرد فعل لخطر خارجي أو كعملية داخلية كما في المالنخوليا ففي المالنخوليا أن الانا يقوم بتسلي نفسه لأنه يشعر بأنه مكروه ومضطهد من الانا الأعلى بدل أن يكون محبوباً ومعنى الحياة عند الانا أن يكون محبوباً.ويقوم الانا الأعلى بوظيفة الوقاية والحفظ وهي نفس الوظيفة التي يقوم بها الأب في الأيام الأولى .

    ولكن عندما يجد الانا نفسه في خطر لا يستطيع التغلب عليه فيأخذ يستسلم للموت .

    إن الأهمية الكبيرة التي تنسب للإحساس بالذنب في الأمراض العُصّابية تجعلنا ندرك أن القلق العُصّابي العادي يتدعم في الحالات الشديدة بنشوء القلق بين الانا والانا الأعلى (الخوف من الخصاء ، الخوف من الضمير ، الخوف من الموت). وليس للهو الذي نعود إليه أخيرا أية وسيلة يظهر فيها الحب أو الكره للأنا فإنه مقسم الإرادة فإيروس وغريزة الموت يتصارعان في داخله وقد رأينا الأسلحة التي تستخدمها إحدى هاتين المجموعتين من الغرائز في الدفاع عن نفسها ضد المجموعة الأخرى ومن الممكن أن نصور الهُو كأنه خاضع لسيطرة غرائز الموت الصامتة والقوية في نفس الوقت تلك الغرائز التي تود أن تكون في سلام وأن تدع إيروس الدخيل يستريح (كما يطلب مبدأ اللذة)




    تحميل كتاب الأنا والهُو لسيجموند فرويد



    قال يماني آل محمد الامام احمد الحسن (ع) ..أيها الأحبة تحملوا المشقة واقبلوا القليل من الحلال واقلوا العرجة على الدنيا ولا تداهنوا الطواغيت وأعوانهم فان فرج آل محمد وفرجكم قريب إن شاء الله إن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا
Working...
X
😀
🥰
🤢
😎
😡
👍
👎