إعـــــــلان

Collapse
No announcement yet.

الصوم عبر الأديان - بقلم الشيخ عبد الله المحمدي

Collapse
X
 
  • Filter
  • الوقت
  • Show
Clear All
new posts
  • Saqi Alatasha
    عضو مميز
    • 09-07-2009
    • 2487

    الصوم عبر الأديان - بقلم الشيخ عبد الله المحمدي

    الصوم عبر الأديان - بقلم الشيخ عبد الله المحمدي من على صفحته في الفيس بوك
    ----------------------
    الحلقة الثانية
    ----------------
    ( كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم.. ) وبعد أن تشير الآيــة الكريمة إلى تشريع الصوم، وأنه فريضة كتبها الله علينا، تلفتنا إلى : أننا لسنا أول أمة فرض عليها الصوم، بل انه تشريع عريق في تاريخ البشرية، مما يؤكد أهمية الصوم، وأنه فريضة ضرورية لا غنى لمجتمع عنه.
    ولكن ذلك لا يعني أن الصوم المفروض علينا كان مفروضا على من قبلنا، بالضبط في جميع أحكامه، وكل حدوده، فإن الدين الإلهي مر في أدوار تاريخية، وبمراحل من التجديد والتطور، حتى نزل بالصيغة النهائية الكاملة، على يد الرسول الأعظم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).
    وقد شمل التجديد والتطوير للدين الإلهي، جانبيه العقيد والتشريعي، إلّا انه في الحقل الثاني يختلف عنه في الحقل الأول، فهو في حقل العقيدة لا يعني سوى التوضيح والتعميق، أما في الثاني فقد يكون تغيير أو تفصيلا..
    فالصوم كما تقرره الآية، تشريع مشترك، في جميع الشرائع والأديان، مما يؤكد أهميته، وأنه من الاحتياجات البشرية الأولى، في جميع الظروف والأدوار، التي مرت بها البشرية، ولأن الصوم حاجة ضرورية، تنبع من طبيعة الفرد والمجتمع، وجانب إصلاحي هام، لا غنى للمجتمع عنه. ولكن ليس من الضروري أن يكون في جميع الأدوار السابقة، بهذه الصورة التي مارسها الإسلام، فمن الممكن أن يكون قد أخذ صورا متنوعة، بر الأديان والشرائع، وفقا لنمو الإنسان الاجتماعي، إلى أن أخرجته الشريعة الإسلامية بهذه الصيغة الأخيرة الكاملة.

    فلسفة الصوم
    -------------------
    ( لعلكم تتقون.. ).
    وبعد أن قررت الآية أن الصوم فريضة عريقة، في تاريخ الإنسان، ألمحت إلى فلسفته التشريعية، وإلى آثاره التي يجنيها الفرد، وتنعكس على مسيرة المجتمع. حيث ترجو الآية، أن يكون الصوم مولدا لملكة التقوى، الملكة التي توقف كل إنسان عند حده، وتحجزه عن التجاوز على حقوق الآخرين ، وعن الاستجابة لنداءات الشهوة والغريزة، فيصبح إنسانا مثاليا، قائما بواجباته، ملتزما بحقوق أبناء جنسه، وإذا توفرت هذه الملكة عند جميع أفراد المجتمع، فستتحول الحياة إلى جنة نعيم ورخاء، وذلك حينما تغمر السعادة أجواء ذلك المجتمع.
    والتقوى تعني لغة: الوقاية والمحاذرة.
    واصطلاحا: اجتناب المعاصي والابتعاد عنه
    وهناك تقارب ظاهر بين المعنيين: اللغوي والاصطلاحي. سئل كعب عن التقوى فقال للسائل:
    هل أخذت طريقا شائكا؟
    - نعم.
    - فما صنعت؟
    - حذرت وتشمرت.
    - فذلك هو التقوى. ونقيضها الغفلة وهي مانعة الاستغفار.

    وكذلك فإن الحياة طريق شائك بالشهوات والميول ودواعي الانحراف، وعلى الإنسان أن يحذر ويشمر في سيره، لئلا تسيل دماؤه من الأشواك، أو تعز به العراقيل، بل أن عليه أن يحطم الأشواك، ويزيل العراقيل، ليسير في طريقه الحياتي بأمن وسلام.
    ولكن ذلك يحتاج إلى إرادة صلبة، وعزيمة قوية، فمجاهدة الإنسان لشهواته وميوله وانحرافاته الغريزية، يتطلب إرادة قولة. والإرادة القوية هي التي تملك أن تقبض وتبسط حياة الإنسان، وتحدد شهواته وعواطفه، وبها يكون الإنسان حرا في حياته، بحيث لا تستعبده شهوة، ولا تقهره عاطفة، ولا يملك عليه مصيره أحد. وحينما يملك الإنسان رصيد الإرادة، يستطيع أن يكون تقيا متعاليا، عن أن تناله أشواك الشهوة والانحراف. فالإرادة هي التي تولد التقوى عند الإنسان.
    والإسلام لاحظ هذا الجانب الطبيعي للإنسان، فاهتم بتكوين الإرادة لديه، ليستطيع تلبية نداءات الإسلام، والدعوات الالهية, واكتساح العراقيل عن طريقة، ففرض عليه "الصوم" الذي هو مدرسة الإرادة، حيث يحد من طغيان الجسم على الروح، والمادية على الإنسانية. ويظهر ذلك حينما نلاحظ:
    ا- نوعية الأمور التي حرمها الله على الصائم، وشدة علاقتها بحياته اليومية، كالأكل والشرب. إذا لاحظنا ذلك، عرفنا قوة عملية الصوم، وأثرها في تربية الإرادة عند الإنسان. لأن الإنسان إذا استطاع أن يبتعد اختياريا عن أمور تفاعل معها في سلوكه اليومي، فمن الطبيعي أن تتصاغر أمام إرادته بقية العوامل التي تحاول استعباده، واستغلال موقفه.
    2- أن الصوم يحطم قيود الرتابة، ويتغلب على العادة، التي تؤطر الإنسان، طوال أيام السنة. فبمجرد بزوغ هلال شهر رمضان يتغير برنامج حياته، وروتين سلوكه اليومي: فيتغير وقت وجبات طعامه، ووقت نومه واستيقاظه ودوامه وراحته.. وهكذا يحدث شهر رمضان تغييرا كليا في حياة الإنسان، وتمردا عارما على عادته وروتينه.
    ولا يخفى ما لهذا من أثر كبير على حياة الإنسان، فان الإنسان الذي يغير مجرى حياته فجأة ولمدة شهر، ولا لشيء، إلا استجابة لأمر واحد من أوامر دينه، لابد وأن تخر على أقدامه الأهواء والعادات، ويبرز في المعركة قائدا منتصرا. بالإضافة إلى أن الإنسان قد تعترضه في الحياة مواقف، يتوقف كسبه لها على تخليه عن رتابته وعادته، ولكنه إذا كان غير متروض على ذلك، فانه سيرجح الالتزام بالرتابة والعادة على استغلال الموقف، وبعكسه الإنسان الصائم.
    وبهذا نستطيع التوصل إلى مغزى الآية ( لعلكم تتقون ) بعد أن عرفنا: أن التقوى وليدة الإرادة، وأن الإنسان بلا إرادة لا يستطيع أن يكون تقيا، واتضح لنا أن الصوم مدرسة الإرادة ومزرعتها.
    والحمدلله رب العالمين وصل اللهم على محمد وال محمد الائمة والمهديين وسلم تسليما كثيرا.
    وللحديث تتمة تابعونا في الحلقة القادمة انشاءالله ان كان للعمر بقية
    Last edited by Saqi Alatasha; 30-06-2014, 18:23.
    هل يصعب عليك أن تسجد ولا ترفع رأسك حتى تسمع جواب ربك لتنجو في الآخرة والدنيا ؟
    وهل يصعب عليك أن تصوم ثلاثة أيام وتتضرع في لياليها إلى الله أن يجيبك ويعرفك الحق ؟

    الامام احمد الحسن (ع) ـ كتاب الجواب المنير
Working...
X
😀
🥰
🤢
😎
😡
👍
👎