إعـــــــلان

Collapse
No announcement yet.

شبهة: المعصوم يُعرف بعلمه بكل اللغات - بقلم الشيخ ناظم العقيلي

Collapse
X
 
  • Filter
  • الوقت
  • Show
Clear All
new posts
  • محمد الانصاري
    MyHumanity First
    • 22-11-2008
    • 5048

    شبهة: المعصوم يُعرف بعلمه بكل اللغات - بقلم الشيخ ناظم العقيلي

    شبهة: المعصوم يُعرف بعلمه بكل اللغات

    (1)

    معرفة كل اللغات:
    معرفة كل اللغات صفة من صفات الله تعالى، كما سيأتي ذكره في نصوص متعددة عن آل محمد (ع)، فلا يمكن أن يتصف بها مخلوق، لأن ذلك يعني أنه مساوٍ لله تعالى في ذلك وهذا باطل بداهة، واكتساب معرفة كل اللغات أمر مستحيل وخارج عن استطاعة البشر مهما بلغ من الذكاء وسرعة الحفظ، فاللغات الحية الآن في العالم أكثر من ثلاثة آلاف لغة – كما قيل -، فضلاً عن اللغات المنقرضة الميتة، وحتى لو قلنا بأن اللغات هي ألف لغة فقط، وفرضنا أن شخصاً يتعلم كل لغة في شهرين فقط، فهذا يعني أنه سيتعلم الألف لغة في (166) سنة، وهذا مما لا يمكن حصوله لأحد من البشر عادة.


    إذن فمعرفة كل اللغات خارجة عن قدرة أي فرد من أفراد البشر، بل خارج عن قدرة كل الخلق بما فيهم الملائكة، بعد أن عرفنا أنه من صفات الله تعالى، وبعد أن عرفنا استحالة اكتساب أي فرد من أفراد البشر لذلك.
    أما معرفة بعض اللغات، فهو يتصور على نحوين:

    النحو الأول:
    أن يعلم عدداً من اللغات يعجز أبناء جنسه أن يحيطوا بها، مثلاً أن يعلم (100) لغة، وكون معرفة هذا العدد من اللغات لفرد من البشر بما هو بشر مستحيل، فهذا يعني أنه لا يكون لفرد من البشر إلا بإعجاز إلهي، والإعجاز له قانون إلهي فقد يحصل لبعض البشر كالأنبياء والأئمة وقد لا يحصل لهم، وسيأتي بيان أن المعجزة التي يمكن أن تتخلف لا يتوقف عليها صدق صاحب أي دعوة.

    النحو الثاني:
    أن يعلم عدداً من اللغات يمكن لأمثاله من البشر أن يحيطوا بها، كأن يعلم مثلاً (30) لغة، والمعرفة لهذا العدد من اللغات لا تثبت لصاحبها خصوصية منفية عن أبناء جنسه، كنبوة أو إمامة، لأن هذا بمقدور البشر أو بعضهم، والعلم الذي يستدل به على مزية خاصة كالنبوة أو الإمامة لابد أن يكون خارج عن قدرة البشر فعندما يتصف به أحدهم يكون دليلاً على تأييده من الله تعالى.

    إذن فمعرفة بعض اللغات على النحو الأول المتقدم هو إعجاز إلهي، والإعجاز قد يحصل وقد لا يحصل، فعند عدم اتصاف صاحب أي دعوة بهذا الإعجاز لا يعني كذبه، فقد يكون صادقاً ولكن الله تعالى لم يشأ إظهار هذه المعجزة على يديه، والآيات بيد الله تعالى لا بيد الرسل والأئمة.
    وأما معرفة بعض اللغات على النحو الثاني، فسواء وجدت أم لم توجد لا تدل على صدق المدعي، لأنها ممكنة لبقية البشر أو بعضهم، فلا يمكن أن تكون دليلاً موصلاً إلى الجزم بصدق صاحب دعوة إلهية.



    والآن أذكر بعض الأدلة الروائية على كون (معرفة كل اللغات) من صفات الله تعالى:
    1 – الكليني في الكافي ج2 ص593 – 595: بسند صحيح عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع): قال:
    (قل : اللهم إني أسألك قول التوابين وعملهم و نور الأنبياء وصدقهم .......... ويا أكمل منعوت ويا أسمح المعطين ويا من يفقه بكل لغة يدعى بها ويا من عفوه قديم وبطشه شديد وملكه مستقيم
    ...) ( ).



    2 – السيد ابن طاووس في جمال الأسبوع ص 183: بسنده عن الحسن بن القاسم العباسي قال: دخلت على أبى الحسن موسى ابن جعفر عليهما السلام ببغداد وهو يصلى صلاة جعفر عند ارتفاع النهار يوم الجمعة فلم أصل خلفه فرغ ثم رفع يديه إلى السماء ثم قال :
    (يا من لا تخفى عليه اللغات ولا تتشابه عليه الأصوات ويا من هو كل يوم في شأن يا من لا يشغله شأن عن شأن يا مدبر الأمور يا باعث من في القبور يا محيى العظام
    ...).



    3 - العلامة المجلسي في بحار الأنوار ج 91 ص 294 – 295: قال: ومن ذلك : دعاء لمولانا الصادق جعفر بن محمد عليه أفضل الصلاة والسلام لما استدعاه المنصور به مرة سادسة وهي ثاني مرة إلى بغداد ، بعد قتل محمد و إبراهيم ابني عبد الله بن الحسن .....:
    (يا من ليس له ابتداء ولا انتهاء ، يا من ليس له أمد ولا نهاية ، ولا ميقات ولا غاية ، يا ذا العرش المجيد ، والبطش الشديد ، يا من هو فعال لما يريد ، يا من لا يخفى عليه اللغات ، ولا تشتبه عليه الأصوات ، يا من قامت بجبروته الأرض والسماوات يا حسن الصحبة يا واسع المغفرة ، يا كريم العفو صل على محمد وآل محمد واحرسني في سفري ومقامي وفي حركتي وانتقالي بعينك التي لا تنام ، واكنفني بركنك الذي لا يضام
    ).



    4 - بحار الأنوار ج 82 ص 235:
    (يامن لا تغيره الأيام والليالي ، ولا تتشابه عليه الأصوات ، ولا تخفى عليه اللغات ولا يبرمه إلحاح الملحين أسألك أن تصلي على محمد وآل محمد خيرتك من خلقك ، فصل عليهم بأفضل صلواتك ، وصل على جميع النبيين والمرسلين الذين بلغوا عنك الهدى وعقدوا لك المواثيق بالطاعة ، وصل على عبادك الصالحين).



    5 - الشيخ الطوسي في مصباح المتهجد ص 240 – 241:
    قال: (ومما يختص بسجدة الشكر ، عقيب صلاة الصبح ، أن تقول : يا ماجد ! يا جواد ! يا حي حين لا حي ! يا فرد ! يا متفردا بالوحدانية ! يا من لا تشتبه عليه الأصوات ! يا من لا تخفي عليه اللغات ! يا من يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد ، يا من يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ! يا من هو أعلم بسريرتي مني بها ...).



    6 - الشيخ المفيد في المقنعة ص 183:
    (ثم اسجد ، وقل في سجودك : " يا سامع كل صوت ، ويا جامع كل فوت ، ويا بارئ النفوس بعد الموت ، يا من لا تغشاه الظلمات ، ولا تشابه عليه الأصوات ، ولا تحيره اللغات).



    7 – الشيخ الطوسي في مصباح المتهجد ص 306:
    فإذا فرغت من الصلاة ، عقبت بعدها ، وسبحت تسبيح الزهراء عليها السلام ، ثم تدعو بهذا الدعاء : (يا من لا تخفي عليه اللغات ولا تتشابه عليه الأصوات ! ويا من هو كل يوم في شأن ! يا من لا يشغله شأن عن شأن ، يا مدبر الأمور ! يا باعث من في القبور ! يا محيي العظام وهي رميم ! يا بطاش يا ذا البطش الشديد ! يا فعالا لما يريد ! يا رازق من يشاء بغير حساب ! يا رازق الجنين والطفل الصغير وراحم الشيخ الكبير وجابر العظم الكسير ! يا مدرك الهاربين ! ويا غاية الطالبين ! يا من يعلم ما في الضمير وما تكن الصدور ! يا رب الأرباب وسيد السادات وإله الآلهة وجبار الجبابرة ...).



    8 – الشيخ الطوسي في مصباح المتهجد ص 561:
    ثم اسجد ، وقل في سجودك : (اللهم ! إني أسألك يا سامع كل صوت ويا بارئ النفوس بعد الموت يا من لا تغشاه الظلمات ولا تتشابه عليه الأصوات ولا تغلطه الحاجات ، يا من لا ينسي شيئا لشئ ولا يشغله شئ عن شئ أعط محمدا وآل محمد صلواتك عليه وعليهم أفضل ما سألوا وخير ما سألوك وخير ما سئلت لهم ، وخير ما سألتك لهم وخير ما أنت مسؤول لهم إلى يوم القيامة ثم ارفع رأسك وادع بما أحببت).



    9 – الشيخ الطوسي في تهذيب الأحكام ج 3 ص 75 – 79: بسنده عن عن أبي حمزة الثمالي قال : أخذت هذا الدعاء من أبي جعفر عليه السلام وكان يسميه الدعاء الجامع بسم الله الرحمن الرحيم ....... الى قوله: ثم تسجد وتقول في سجودك :
    (يا سامع كل صوت ويا بارئ النفوس بعد الموت ويا من لا تغشاه الظلمات ، ويا من لا تتشابه عليه الأصوات
    .....).



    10 – الشيخ الطوسي في تهذيب الأحكام ج 3 ص 86: بسنده عن الرضا (ع):
    (...... ثم اسجد وقل في سجودك : ( اللهم إني أسألك يا سامع كل صوت ، ويا بارئ النفوس بعد الموت ، ويا من لا تغشاه الظلمات ، ولا تتشابه عليه الأصوات ، ولا تغلطه الحاجات ، يا من لا ينسى شيئا لشئ ، ولا يشغله شئ عن شئ ، اعط محمدا وآل محمد صلواتك عليه وعليهم أفضل ما سألوا وخير ما سألوك وخير ما سئلت لهم وخير ما سألتك لهم وخير ما أنت مسؤول لهم إلى يوم القيامة).



    11 – الميرزا النوري في مستدرك الوسائل ج 4 ص 301 – 302: عن الصادق (عليه السلام) قال : ما لأحدكم إذا ضاق بالأمر ذرعا ، ان [ لا ] يتناول المصحف بيده ، عازما على امر يقتضيه من عند الله ، ثم يقرأ فاتحة الكتاب ثلاثا ، والاخلاص ثلاثا ، وآية الكرسي ثلاثا ، وعنده مفاتح الغيب ثلاثا ، والقدر ثلاثا والجحد ثلاثا والمعوذتين ثلاثا ويتوجه بالقرآن قائلا :
    (اللهم إني أتوجه إليك بالقرآن العظيم ، من فاتحته إلى خاتمته ، وفيه اسمك الأكبر ، وكلماتك التامات ، يا سامع كل صوت ، يا جامع كل فوت ، ويا بارئ النفوس بعد الموت ، يا من لا تغشاه الظلمات ، ولا تشتبه عليه الأصوات ، أسألك ان تخير لي بما أشكل علي به ، فإنك عالم بكل معلوم غير معلم ...... ثم تنظر آخر سطر تجده كالوحي فيما تريد ، إن شاء الله تعالى
    ).



    12 – بحار الأنوار ج 92 ص 398 – 400: عن أمير المؤمنين (ع):
    (...... يا من لا تشتبه عليه الأصوات ، يا من لا تضجره المسئلات ، ولا تغشاه الظلمات ، يا نور الأرض والسماوات . يا سابع النعم ، يا دافع النقم ، يا بارئ النسم ، يا جامع الأمم ، يا شافي السقم يا خالق النور والظلم ، يا ذا الجود والكرم ، يا من لا يطأ عرشه قدم . يا أجود الأجودين ، يا أكرم الأكرمين يا أسمع السامعين ، يا أبصر الناظرين ، يا جار المستجيرين ، يا أمان الخائفين ، يا ظهير اللاجين ، يا ولي المؤمنين يا غياث المستغيثين ، يا غاية الطالبين
    ).



    13 - بحار الأنوار ج 92 ص 154 – 155: عن أبي عبد الله (ع):
    (يا من لا يحجبه سماء عن سماء ، ولا أرض عن أرض ، ولا جنب عن قلب ، ولا ستر عن كن ولا جبل عما في أصله ، ولا بحر عما في قعره ، يا من لا تشتبه عليه الأصوات ، ولا تغلبه كثرة الحاجات ، ولا يبرمه إلحاح الملحين ، صل على محمد وآل محمد " ثم سل حاجتك).



    14 - بحار الأنوار ج 94 ص 264 – 265:
    (يا من لا يشغله سمع عن سمع ، يا من لا تشتبه عليه الأصوات ، ولا يغلطه السائلون ، ولا تختلف عليه اللغات ، يا من لا يبرمه إلحاح الملحين أذقنا برد عفوك وحلاوة مغفرتك ، والفوز بالجنة ، والنجاة من النار ، برحمتك يا أرحم الراحمين ويا خير الغافرين).
    ولا تخفى دلالة هذه الأدعية الشريفة على أن معرفة كل اللغات هي من صفات الله تعالى.
    فإن قيل بأن معرفة كل اللغات تتوقف عليها هداية البشر، فكيف يستطيع النبي أو الإمام أن يهدي أو يبلغ أو يحكم لمن لا يتكلمون لغته ؟


    أقول:
    1 – تقدم إثبات أن معرفة كل اللغات من صفات الله تعالى ومختصاته، ولا يمكن لمخلوق أن يتصف بذلك على نحو الإطلاق، ومعرفة بعض اللغات إما أن يكون معرفة عدد خارج عن قدرة البشر وهو معجزة والمعجزة لا تكون دائماً وخصوصاً مع وجود الأسباب الطبيعية وفعاليتها، وإما أن يكون معرفة بعض اللغات على سبيل معرفة عدد منها باستطاعة البشر أن يحيطوا بها، وقلت بأن هذا لا يكون دليلاً على معرفة الإمام أو الحجة ولا من مختصاته، ولا يجب توفرها.

    2 – النبي محمد (ص) كان نبياً مرسلاً للعالمين، والى الآن الخلاف قائم هل أنه كان يحسن القراءة والكتابة أم لا، فافترق المسلمون بين مانع ومجوز وموجب. وعدم معرفة القراءة والكتابة يعني أنه يحتاج الى من يكتب ويقرأ ويترجم له الكتب، ولا يخفى أن ذلك لا يقدح في نبوته ورسالته، وخصوصاً عند عدم قيام الدليل القطعي على خلافه حسب ما صرح به السيد المرتضى (ره) – كما يأتي -، أذن فلا إشكال حتى لو كان الإمام لا يحسن علوم لغة قومه كالقراءة والكتابة فضلا عن سائر اللغات.


    ومن المعلوم أن النبي محمداً (ص) عندما راسل الملوك والرؤساء كتب لهم بالعربية وليس بلغاتهم، وحينئذ أكيداً سيعتمد بيان مراد النبي ومضمون رسائله على المترجمين، وهذا يعني جواز التعويل على المترجمين في بيان رسالة النبي أو الإمام.

    أخرج الشيخ الطوسي بسنده عن أبي بصير، عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين (عليهم السلام) ، عن رسول الله (ص) أنه قال : (... إن الله بعث كل نبي كان قبلي إلى أمته بلسان قومه ، وبعثني إلى كل أسود وأحمر بالعربية ...) ( ).

    وكل أسود وأبيض يعني إلى كل الناس على اختلاف لغاتهم، أي إن النبي محمداً (ص) بعثه الله تعالى إلى كل البشر بالعربية وليس بغيرها.
    إذن فالنبي محمد (ص) أرسل بلغة قومه إلى جميع العالمين، وهذا يعني أنه يبين لقومه الحق والهدى، وقومه هم من ينشروا رسالته إلى بقية الأمم على اختلاف ألسنتهم.


    ثم إن القرآن الكريم بتعاليمه وهدايته عام لكل البشر وليس للعرب فقط، وهذا مما لا يختلف فيه اثنان من أهل الإسلام، فلماذا لم يعمد النبي (ص) الى ترجمته الى جميع لغات من تشملهم تكاليف القرآن وتعاليمه ؟ لماذا ترك هذا الأمر الى المترجمين ؟ أليس على فكر المستشكل أن هداية بقية الأمم غير العرب تتوقف على فهم معاني القرآن ومضامينه ؟ فلماذا ترك النبي ترجمة القرآن الى لغاتهم ؟!

    كل هذا يدل على أن بقية الأمم مكلفون بإيجاد مقدمات فهم معاني القرآن وتعاليمه، كترجمة القرآن وسنة النبي (ص) الى لغاتهم، ويضاف الى ذلك أن المؤمنين أيضا مكلفون بنشر تعاليم القرآن وسنة النبي (ص) الى بقية اللغات وحسب الإمكان.
    والنتيجة أن هداية بقية الأمم لا تستلزم أن يكون الإمام عارفاً بجميع لغاتها ما دام أن هناك أسباباً طبيعية يمكن أن تفي بهذا الغرض، فلا داع للإعجاز.




    المصدر: صفحة الشيخ ناظم العقيلي - على الفيس بوك

    ---


    ---


    ---

  • محمد الانصاري
    MyHumanity First
    • 22-11-2008
    • 5048

    #2
    رد: شبهة: المعصوم يُعرف بعلمه بكل اللغات - بقلم الشيخ ناظم العقيلي

    شبهة: المعصوم يُعرف بعلمه بكل اللغات

    (2)

    وبعد أن انتهينا من رد الإشكال نقول:
    إن جعل أي شيء معين كدليل على معرفة أو تعيين حجة الله على خلقه، لابد أن يكون هذا الشيء ثابتاً باليقين صدوراً ودلالة، لأن العقائد لا تؤخذ بالظنون بل يشترط فيها الجزم واليقين الذي لا يقابله احتمال المخالفة.
    فإن قال شخص بأننا نشترط في الإمام أن يكون متصفاً بمعرفة جميع اللغات، وإن لم يكن كذلك فليس بإمام !


    نقول له:
    1 – إن هذا أمر عقائدي ولا يثبت إلا بدليل قطعي الدلالة والصدور، فهل اشتراط معرفة الإمام لكل اللغات ثابت بدليل قطعي الدلالة والثبوت حتى نعمل به في العقائد ؟!
    الجواب: كلا .. كما سيأتي بيانه عند التطرق إلى الروايات التي يستدل بها على ذلك.

    ثم هل هناك إجماع لعلماء الأمة المتقدمين على ذلك ؟!
    الجواب: كلا ... ولنسمع كلام الشيخ المفيد (ره) بخصوص اللغات:

    [القول في معرفة الأئمة (ع) بجميع الصنايع وساير اللغات وأقول : إنه ليس يمتنع ذلك منهم ولا واجب من جهة العقل والقياس وقد جاءت أخبار عمن يجب تصديقه بأن أئمة آل محمد (ص) قد كانوا يعلمون ذلك ، فإن ثبت وجب القطع به من جهتها على الثبات . ولي في القطع به منها نظر ، والله الموفق للصواب ، وعلى قولي هذا جماعة من الإمامية ، وقد خالف فيه بنو نوبخت - رحمهم الله - وأوجبوا ذلك عقلا وقياسا وافقهم فيه المفوضة كافة وسائر الغلاة] ( ).


    وكلام الشيخ المفيد صريح في أن معرفة الأئمة (ع) بسائر اللغات ليست ممتنعة، وأيضاً غير واجبة التحقق فيهم من جهة العقل، وقد جاءت روايات عن المعصومين بثبوت ذلك لهم ولكنها في القطع بها نظر أي القطع بها غير حاصل، ومع رأي الشيخ المفيد هذا مجموعة من علماء الإمامية، وقد خالفهم بذلك بنو نوبخت والمفوضة والغلاة حيث جزموا بأن الأئمة (ع) يعلمون سائر اللغات.


    ولا يخفى أن جهة الاعتدال والرصانة هو الشيخ المفيد ومن وافقه من علماء الطائفة، لا الجهة التي يطغوا عليها التفويض والغلو.
    وملخص كلام الشيخ المفيد أن معرفة الأئمة لكل اللغات غير ممتنع، ولكنه ليس بشرط في ثبوت إمامة أهل البيت (ع) لعدم إفادة الأدلة القطع والجزم على ذلك، أي أن ذلك ليس بواجب ولا شرط؛ يعني أن إثبات إمامة الأئمة (ع) لا يتوقف على ذلك، ولا يشترط تحققه فيهم لتثبت لهم الإمامة.



    ولنسمع أيضاً كلام السيد المرتضى في ذلك بخصوص النبي محمد (ص):
    قال السيد المرتضى قدس الله روحه : (هذه الآية ( ) تدل على أن النبي صلى الله عليه وآله ما كان يحسن الكتابة قبل النبوة ، فأما بعدها فالذي نعتقده في ذلك التجويز لكونه عالما بالقراءة والكتابة ، والتجويز لكونه غير عالم بهما من غير قطع على أحد الأمرين ، وظاهر الآية يقتضي أن النفي قد تعلق بما قبل النبوة دون ما بعدها ، ولان التعليل في الآية يقتضي اختصاص النفي بما قبل النبوة ، لان المبطلين إنما يرتابون في نبوته صلى الله عليه وآله لو كان يحسن الكتابة قبل النبوة ، فأما بعد النبوة فلا تعلق له بالريبة والتهمة ، فيجوز أن يكون قد تعلمها من جبرئيل عليه السلام بعد النبوة) ( ).


    إذن فحتى معرفة الكتابة والقراءة باللغة العربية غير مسلمة عند العلماء وغير متفق عليها، وهذا السيد المرتضى لا يقطع على أحد الأمرين، فقد يكون النبي يعلم القراءة والكتابة بعد هذه الآية وقد يكون لا يعلمهما.


    ونأتي الآن بكلام آخر للسيد المرتضى يشمل به النبي والأئمة (ع):
    فقط طرح عليه السؤال الآتي:
    [ما الذي يجب أن يعتقد في النبي صلى الله عليه وآله، هل كان يحسن الكتابة وقراءة الكتب أم لا؟].
    فأجاب السيد المرتضى بقوله:
    [الجواب:
    وبالله التوفيق الذي يجب اعتقاده في ذلك التجويز، لكونه عليه السلام عالما بالكتابة وقراءة الكتب، ولكونه غير عالم بذلك، من غير قطع على أحد الأمرين.
    وإنما قلنا ذلك، لأن العلم بالكتابة ليس من العلوم التي يقطع على أن النبي والإمام عليهما السلام لابد من أن يكون عالما بها وحائزا لها.
    لأنا إنما نقطع في النبي والإمام على أنهما لا بد أن يكون كل واحد عالما بالله تعالى وأحواله وصفاته، وما يجوز عليه وما لا يجوز، وبجميع أحوال الديانات وبسائر أحكام الشريعة التي يؤديها النبي صلى الله عليه وآله أن يحفظها الإمام عليه السلام ويتقدمها، حتى لا يشذ على كل واحد منهما من ذلك الشيء يحتاج فيه إلى استفتاء غيره، كما يذهب المخالفون لنا.
    أما ما عدى ذلك من الصناعات والحرف، فلا يجب أن يعلم نبي أو إمام شيئا من ذلك. والكتابة صنعة كالنساجة والصياغة، فكما لا يجب أن يعلم ضروب الصناعات، فكذلك الكتابة.
    وقد دللنا على هذه المسألة، واستقصينا الجواب عن كل ما يسأل عنه فيها في مسألة مفردة أمليناها جوابا لسؤال بعض الرؤساء عنه، وانتهينا إلى أبعد الغايات.
    وقلنا: أن إيجاب ذلك يؤدي إلى إيجاب العلم بسائر المعلومات الغائبات والحاضرات، وأن يكون كل واحد من النبي والإمام محيطا بمعلومات الله تعالى كلها .........
    فإن قالوا: الفرق بين الصناعات وبين الكتابة، أن الكتابة قد تتعلق بأحكام الشرع، وليس كذلك باقي الصناعات.
    قلنا: لا صناعة من نساجة أو بناء أو غيرهما إلا وقد يجوز أن يتعلق به حكم شرعي كالكتابة.
    ألا ترى أن من استأجر بناءا على مخصوص، وأيضا النساجة قد يجوز أن يختلف، فيقول الصانع: قد وفيت العمل الذي استؤجرت له، ويقول المستأجر: ما وفيت بذلك.
    فمتى لم يكن الإمام عالما بتلك الصناعات ومنتهيا إلى أبعد الغايات لم يمكنه أن يحكم بين المختلفين.
    فإن قيل: يرجع إلى أهل تلك الصناعة فيما اختلفا فيه.
    قلنا: في الكتابة مثل ذلك سواء.
    وبينا في تلك المسألة التي أشرنا إليها، بأن هذا يؤدي إلى أن علم الإمام تصديق الشهادة أو كذبه فيما يشهد به، لأنه إذا جاز أن يحكم بشهادة مع تجويز كونه كاذبا....
    وإلا جاز أن يحكم بقول ذي الصناعات في قيم المتلفات وأروش الجنايات وكل شيء اختلف فيه فيما له تعلق بالصناعات وإن جاز الخطأ على المقومين.
    وبينا أن ارتكاب ذلك يؤدي إلى كل جهالة وضلالة
    ...] انتهى ( ).



    فإذا كان الإمام يجوز أن يكون غير عالماً بالقراءة والكتابة بالعربية، كيف يشترط به أن يكون عالماً بجميع اللغات ؟!

    قال السيد المرتضى أيضاً: (معاذ الله ان نوجب للإمام من العلوم الا ما تقتضيه ولايته، واسند إليه من الأحكام الشرعية....... لا يجب ان يعلم الإمام بالحرف والمهن والصناعات، وما إلى ذاك ممّا لا تعلق له بالشريعة. ان هذه يرجع فيها إلى اربابها، وان الإمام يجب ان يعلم الأحكام، ويستقل بعلمه بها، ولا يحتاج إلى غيره في معرفتها، لأنّه ولي اقامتها، وتنفيذها) ( ).



    ونأتي الآن بكلام للشيخ الطوسي يدل بعمومه على المطلوب:
    قال الشيخ الطوسي:
    [وإنما قلنا " إنه يجب أن يكون أفضل فيما هو إمام فيه " لأنه يجوز أن يكون في رعيته من هو أفضل منه فيما ليس هو إمام فيه ككثير من الصنائع والمهن وغير ذلك، والمعتبر كونه أفضل فيما هو إمام فيه.
    وبذلك نجيب من قال: إن النبي صلى الله عليه وآله قدم عمرو بن العاص على فضلاء الصحابة وقدم زيدا على جعفر [وهو أفضل منه وقدم خالدا أيضا على جعفر] . وذلك أن كل هؤلاء إنما قدموا في سياسة الحرب وتدبير الجيوش وهم أفضل في ذلك ممن قدموا عليه، وإن كانوا أولئك أفضل في خصال دينية أو دنياوية، فسقط الاعتراض ..........
    ويجب أن يكون الإمام عالما بتدبير ما هو إمام فيه من سياسة رعيته والنظر في مصالحهم وغير ذلك بحكم العقل.
    ويجب أن يكون أيضا بعد الشرع عالما بجميع الشريعة، لكونه حاكما في جميعها .......
    ولا يلزم إذا قلنا أنه يجب أن يكون عالما بما أسند إليه، أن يكون عالما بما ليس هو إماما فيه كالصنائع وغير ذلك، لأنه ليس هو رئيسا فيها. ومتى وقع فيها تنازع من أهلها ففرضه الرجوع إلى أهل الخبرة والحكم بما يقولونه.
    وكل من ولي ولاية صغرت أو كبرت كالقضاء والإمارة والجباية وغير ذلك فإنه يجب أن يكون عالما فيما أسند إليه ولا يجب أن يكون عالما بما ليس بمستند إليه، لأن من ولي القضاء لا يلزم أن يكون عالما بسياسة الجند، ومن ولي الأمارة لا يلزم أن يكون عالما بالأحكام، وهكذا جميع الولايات، ولا يلزم أيضا أن يكون عالما بصدق الشهود والمقرين على أنفسهم، لأنه إنما جعل إماما في الحكم بالظاهر دون الباطن.
    وإنما يجب أن يكون الإمام عالما بما أسند إليه في حال كونه إماما، فأما قبل ذلك فلا يجب أن يكون عالما. ولا يلزم أن يكون أمير المؤمنين عليه السلام عالما بجميع الشرع في حياة النبي صلى الله عليه وآله، أو الحسن والحسين عليهما السلام عالمين بجميع ذلك في حياة أبيهما، بل إنما يأخذ المؤهل للإمامة العلم ممن قبله شيئا بعد شيء ليتكامل عند آخر نفس من الإمام المتقدم عليه بما أسند إليه
    ......] انتهى ( ).



    إذن فأبرز العلماء المتقدمين (المفيد والطوسي والمرتضى) لا يقولون بوجوب علم الأئمة (ع) بكل اللغات، بل المشروط هو أن يكون أعلم الناس بما هو إمام به وهو الشريعة وهداية الناس عقيدة وفقهاً وأخلاقاً. وأقل ما يقال إن مسألة علم المعصوم بكل اللغات ليس عليها الإجماع من العلماء المتقدمين. وقد تقدم كون ذلك من صفات الله تعالى أي العلم بكل اللغات، أما علم بعض اللغات فقد تقدم بيان أنه على نحوين؛ إما علم عدد من اللغات باستطاعة البشر تعلمه، وهذا لا يكون دليلاً على الإمامة لإمكان المحق والمبطل معرفته. وإما علم عدد من اللغات يعجز أي إنسان من تعلمه، وهذا هو الإعجاز، والأئمة (ع) لا يشترط أن يظهروا الإعجاز في غير علم الشريعة والهداية، فقد تحصل المعجزات للأئمة وقد لا تحصل، أي إن عدم حصولها لا يعني نفي إمامتهم، لأن المعجزة ليست شرطاً ولا واجباً في ثبات إمامتهم (ع).


    وهذا ما أفاده الشيخ المفيد (رحمه الله) بقوله:
    [فأما ظهور المعجزات عليهم والإعلام فإنه من الممكن الذي ليس بواجب عقلا ولا ممتنع قياسا ، وقد جاءت بكونه منهم - عليهم السلام - الأخبار على التظاهر والانتشار فقطعت عليه من جهة السمع وصحيح الآثار ، ومعي في هذا الباب جمهور أهل الإمامة وبنو نوبخت تخالف فيه وتأباه ، وكثير من المنتمين إلى الإمامية يوجبونه عقلا كما يوجبونه للأنبياء . والمعتزلة بأسرها على خلافنا جميعا فيه سوى ابن الأخشيد ومن اتبعه يذهبون فيه إلى الجواز ، وأصحاب الحديث كافة تجوزه لكل صالح من أهل التقى والإيمان] ( ).


    ومعنى كلامه رحمه الله أن الروايات قد أثبتت تحقق المعجزات للأئمة (ع)، ولكنه ليس بواجب عقلاً، أي إن ثبوت إمامة الأئمة غير مشروطة بالإتيان بالمعجزة، فهي غير ممتنعة ولا واجبة، فقد تتحقق وقد لا تتحقق، بل بنو نوبخت – من متقدمي الشيعة – يرفضون القول بتحقق المعجزات للأئمة (ع)، أو القطع بها، كما يظهر من كلام المفيد (رحمه الله).


    وقد سُئل السيد المرتضى (رحمه الله): كل الأئمة عليهم السلام يخبرون بالشيء قبل كونه أم لا؟

    فأجاب بقوله:
    [ليس من شرط الإمامة الإخبار عن الشيء قبل كونه، لأن ذلك معجز. وقد يجوز إظهار المعجزات على أيدي الأئمة عليهم السلام، وقد يجوز ألا يظهر على أيديهم.
    إلا أنا قد علمنا بالأخبار الشائعة أنهم عليهم السلام أخبروا بالغائبات، فعلمنا أن الله تعالى قد أطلعهم على ذلك
    ].

    وهو صريح بأن المعجزة لا يشترط تحققها على يد الإمام، فقد تحصل وقد لا تحصل، وعدم حصولها لا ينفي إمامة الإمام المنصوص عليه.


    وقال السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر (رحمه الله) في كلامه عن الإمام المهدي (ع) وظهوره:
    [ ... من أن طريق الدعوة الإلهية لا يقوم على المعجزات ، لأن الهدى والعدل الناتجان عن المعجزات أقل وأضحل من الهدى والعدل الناتجان عن طرقهما الطبيعية . ومن هنا كانت كل نتيجة يمكن تحقيقها بالطرق الطبيعية ، فإنها لا توجد عن طريق المعجزة، بل يوكل أمرها إلى تلك الطرق مهما طال بها الزمن. لا يستثنى من ذلك إلا قيام المعجزة عند انحصار السبب بها انحصاراً مطلقاً .
    وحيث كان الهدف البشري العام الموعود ، يمكن إيجاده بالطرق الطبيعية وكانت هذه الطرق تحتاج في فعالياتها إلى طوال الزمان ، كما سبق أن عرضناه هناك . إذن فقد تعين تأجيل الموعد إلى حين وجوده بالسبب الطبيعي .
    ولما عرفنا من ذلك ، بنحو القاعدة العامة ، أن طريق الدعوة الإلهية ، ليس بطريق إعجازي ، فهذا لا يختلف فيه الحال ما بين عصور ما قبل الظهور ، وعصور ما بعده
    ...] ( ).



    وقال السيد الطباطبائي في تفسيره عن اقتراح المعجزات:
    [واما قوله "إنما أنت منذر ولكل قوم هاد" فاعطاء جواب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وفى توجيه الخطاب إليه دونهم وعدم أمره أن يبلغ الجواب إياهم تعريض لهم انهم لا يستحقون جوابا لعدم فقههم به وفقدهم القدر اللازم من العقل والفهم وذلك أن اقتراحهم الآية مبنى على زعمهم كما يدل عليه كثير مما حكى عنهم القرآن في هذا الباب على أن من الواجب أن يكون للرسول قدرة غيبية مطلقة على كل ما يريد فله أن يوجد ما أراد وعليه أن يوجد ما أريد منه . والحال ان الرسول ليس الا بشرا مثلهم أرسله الله إليهم لينذرهم عذاب الله ويحذرهم ان يستكبروا عن عبادته ويفسدوا في الأرض بناء على السنة الإلهية الجارية في خلقه انه يهدى كل شئ إلى كماله المطلوب ويدل عباده على ما فيه صلاح معاشهم ومعادهم . فالرسول بما هو رسول بشر مثلهم لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا وليس عليه الا تبليغ رسالة ربه واما الآيات فأمرها إلى الله ينزلها ان شاء وكيف شاء فاقتراحها على الرسول جهل محض . فالمعنى أنهم يقترحون عليك آية وعندهم القرآن أفضل آية وليس إليك شئ من ذلك وانما أنت هاد تهديهم من طريق الإنذار وقد جرت سنة الله في عباده أن يبعث في كل قوم هاديا يهديهم] ( ).



    ثم إن أهل البيت (ع) قد بينوا بأن سمو المقام والرفعة عند الله تعالى ليس بحدة اللسان أو بإتقان الأحرف وإعرابها، بل هو بنورانية القلب وخشيته لله تعالى:
    الكليني: مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ عَمْرٍو عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) قَالَ قَالَ لَنَا ذَاتَ يَوْمٍ: [تَجِدُ الرَّجُلَ لَا يُخْطِئُ بِلَامٍ وَ لَا وَاوٍ خَطِيباً مِصْقَعاً وَ لَقَلْبُهُ أَشَدُّ ظُلْمَةً مِنَ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ وَ تَجِدُ الرَّجُلَ لَا يَسْتَطِيعُ يُعَبِّرُ عَمَّا فِي قَلْبِهِ بِلِسَانِهِ وَ قَلْبُهُ يَزْهَرُ كَمَا يَزْهَرُ الْمِصْبَاحُ] ( ).



    وقد قال المولى محمد صالح المازندراني في شرح هذا الحديث:
    [(تجد الرجل لا يخطئ بلام ولا واو) هذا مثل لمن يقدر على الكلام قدرة كاملة بحيث لا يفوته شيء من الوجوه المحسنة اللفظية . (خطيبا مصقعا) المصقع بكسر الميم وفتح القاف البليغ أو العالي الصوت أو من لا يضطرب في كلامه ولا يلتبس عليه وجوهه المعتبرة في تحسينه لفظا ومعنا ولا يتعتع . (ولقلبه أشد ظلمة من الليل المظلم) المراد بالقلب الروح الانساني وهو من عالم الامن نزل في هذا العالم بأمر ربه للتجارة والحراثة كما قيل : الدنيا مزرعة الآخرة وبذره الايمان وماؤه الحكمة وثمرته الأعمال والأخلاق والمقصود من جميع ذلك النعيم الأبدي وقرب الحق والمنافق لما كان فاقدا لجميع هذه الأمور التي هي أضواء عقلية وأنوار الهية لفقده البصيرة القلبية التي هي مبدأ المشاهدات والمكاشفات ومنشأ صفاء مرآة القلب واستضاءته بنور تلك الأنوار كان قلبه لا محالة مظلما لا يمكنه رؤية جمال المعارف وهذا بخلاف المؤمن العارف المطيع كما أشار بقوله : (وتجد الرجل لا يستطيع يعبر عما في قلبه بلسانه) لقصور في لسانه ونقض في بيانه (وقلبه يزهر كما يزهر المصباح) باعتبار نور الايمان وأركانه وعقائده الحقة وأخلاقه الحسنة وأعماله الصالحة وتنزهه عما يوجب ظلمة القلب وغلبته على القوة الشهوية والغضبة المكدرة لصفاء مرآته وهذه الأمور توجب صفاء القلب ونورانيته ومشاهدة ما في عالم الغيب والشهادة وفيه دلالة واضحة على أن حسن الظاهر وطلاقة اللسان وفصاحة البيان بدون تنور القلب وصفاءه واستقامته لا عبرة بها وإنما العبرة بصفاء الباطن ونورانيته وإن لم يكن معه صفاء الظاهر والله الناظر الرقيب لا ينظر إلى صور ظاهركم وانما ينظر إلى صور باطنكم . اللهم نور قلوبنا بنور الإيمان] ( ).


    وقال الإمام الصادق (ع) في وصيته لمحمد بن النعمان الأحول:
    [يا ابن النعمان ليست البلاغة بحدة اللسان، ولا بكثرة الهذيان، ولكنها إصابة المعنى وقصد الحجة] ( ).



    المصدر: صفحة الشيخ ناظم العقيلي - على الفيس بوك


    ---


    ---


    ---

    Comment

    • محمد الانصاري
      MyHumanity First
      • 22-11-2008
      • 5048

      #3
      رد: شبهة: المعصوم يُعرف بعلمه بكل اللغات - بقلم الشيخ ناظم العقيلي

      شبهة: المعصوم يُعرف بعلمه بكل اللغات

      (3)


      والآن أشرع بمناقشة الروايات التي تنص أو تشير الى أن الإمام يعرف كل اللغات:

      الرواية الأولى:
      الكافي ج 1 ص 285:
      الكليني: أحمد بن مهران ، عن محمد بن علي ، عن أبي بصير قال : [قلت لأبي الحسن عليه السلام : جعلت فداك بم يعرف الإمام ؟ قال: فقال: بخصال: أما أولها فإنه بشئ قد تقدم من أبيه فيه بإشارة إليه لتكون عليهم حجة ويسأل فيجيب وإن سكت عنه ابتدأ ويخبر بما في غد ويكلم الناس بكل لسان ، ثم قال لي : يا أبا محمد أعطيك علامة قبل أن تقوم فلم ألبث أن دخل علينا رجل من أهل خراسان ، فكلمه الخراساني بالعربية فأجابه أبو الحسن عليه السلام بالفارسية فقال له الخراساني : والله جعلت فداك ما منعني أن أكلمك بالخراسانية غير أني ظننت أنك لا تحسنها ، فقال : سبحان الله إذا كنت لا أحسن أجيبك فما فضلي عليك ثم قال لي : يا أبا محمد إن الإمام لا يخفى عليه كلام أحد من الناس ولا طير ولا بهيمة ولا شئ فيه الروح ، فمن لم يكن هذه الخصال فيه فليس هو بإمام] .

      وفي الرواية عدة مناقشات:

      المناقشة الأولى:
      الرواية آحاد لا يعتمد عليها في العقائد، لأن العقائد تبنى على العلم أي القطع والجزم، وهو لا يكون إلا بآية محكمة أو روايات متواترة أو محفوفة بقرائن الصحة، وسيأتي أن القرائن ضد ظاهر هذه الرواية.

      المناقشة الثانية:

      الرواية ضعيفة السند وبذلك فهي لا تفيد الظن فضلاً عن العلم، أي لا يعتمد عليها في الفقه فضلاً عن العقائد، وقد نص على ضعفها العلامة المجلسي في مرآة العقول ( )، ومحمد باقر البهبودي في صحيح الكافي.
      وضعف السند هو بـالتالي:
      1 - أحمد بن مهران:
      فقد ضعفه ابن الغضائري بقوله: (أحمد بن مهران . روى عنه الكليني في كتاب "الكافي" . ضعيف) ( ).
      وقد ذكره العلامة الحلي في القسم الثاني من الخلاصة – قسم غير المعتمدين – وقال عنه: (أحمد بن مهران ، روى عنه في كتاب الكافي . قال ابن الغضائري : انه ضعيف) ( ).
      وقال المحقق الخوئي: (أحمد بن مهران : روى عنه الكليني في كتاب الكافي ، ضعيف . ذكره ابن الغضائري . أقول : اعتمد عليه الوحيد - قدس سره - في التعليقة لترحم الكليني عليه في عدة موارد ، وإكثاره الرواية عنه ، وفيه ما لا يخفى ...) ( ).


      وقال محمد الجواهري في المفيد من معجم رجال الحديث ص48: (أحمد بن مهران : روى 52 موردا ، روى عنه في جميع ذلك الشيخ الكليني - مجهول - اعتمد عليه الوحيد لترحم الكليني عليه واكثار الراوية عنه . وفيه ما لا يخفى).
      إذن فـ (أحمد بن مهران) إن لم نقل إنه ثابت الضعف، فهو لم تثبت وثاقته، فيكون سند الرواية ضعيفاً لجهالة حال أحمد بن مهران.


      2 –
      محمد بن علي : الذي يروي عنه أحمد بن مهران، وهو محمد بن علي الصيرفي ابن سمينة، بدليل أن محمد بن جرير الطبري الشيعي روى عنه نفس هذه الرواية في كتابه دلائل الإمامة ص337 بالسند التالي:
      (روى الحسن، قال : أخبرنا أحمد بن محمد ، عن محمد بن علي الصيرفي ، عن علي ، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة ، عن أبيه ، عن أبي بصير ، قال : دخلت على أبي الحسن - عليه السلام - ...).
      إذن فراوي هذه الرواية هو (محمد بن علي الصيرفي أبو سمينة) دون غيره، وهذا الرجل اشتهر بالضعف والكذب والغلو وفساد العقيدة، قال عنه النجاشي: (... ضعيف جدا ، فاسد الاعتقاد ، لا يعتمد في شئ ، وكان ورد قم ، وقد اشتهر بالكذب بالكوفة ، ونزل على أحمد بن محمد بن عيسى مدة ، ثم تشهر بالغلو فجفي ...) ( )، وقيل إنه أشهر الكذابين، وصرَح الخوئي بأنه لا شك في ضعفه، راجع معجم رجال الحديث ج 17 ص 319 وما بعدها برقم 11286.
      وحسب ما تقدم تكون هذه الرواية رواية غلاة كذابين فاسدي العقيدة، فكيف يبنى عليها عقيدة وتكون ميزاناً لإثبات إمامة الأئمة (ع) ؟!!!


      3 –
      بالإرسال؛ فالسند مرسل قطعاً، لأن محمد بن علي الصيرفي ومن في طبقته لا يمكن أن يروي عن أبي بصير بلا واسطة، فأبو بصير يحيى بن القاسم الأسدي روى عن الباقر والصادق والكاظم (ع) وتوفي سنة 150 هـ ( )، وأبو بصير ليث بن البختري المرادي روى عن الباقر والصادق (ع) ( ) ( )، فالأسدي توفي بعد الإمام الصادق (ع) بسنتين، والمرادي لم يُعَد في أصحاب الكاظم (ع)، وهذا يشير إلى أنه لم يدرك إمامته (ع) وكان قد استلم الإمامة سنة 148 هـ، ومحمد بن علي الصيرفي عده الطوسي والبرقي في أصحاب الرضا (ع) ( )، وهذا يعني أنه لم يدرك الكاظم (ع)، فكيف يروي عمن توفي عام 150 هـ ولم يدرك من إمامة الكاظم (ع) إلا سنتين ؟!
      ولا توجد رواية للصيرفي عن أبي بصير لا في الكتب الأربعة ولا في غيرها من الكتب المعتبرة المشهورة، بل يروي عنه بأكثر من واسطة.
      وعلي أي حال يكفي في المقام تضعيف العلامة المجلسي في مرآة العقول، والبهبودي في صحيح الكافي لسند هذه الرواية.
      وروى هذه الرواية عبد الله بن جعفر الحميري في قرب الإسناد مع زيادة في المتن واختلاف في الألفاظ مع اتحاد القصة، وبالسند التالي:
      (محمد بن خالد الطيالسي ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي الحسن الماضي عليه السلام ... ) ( ).


      والسند ضعيف بكل من:
      1 – محمد بن خالد الطيالسي: فقد ذكره النجاشي والطوسي من دون توثيق أو مدح، فهو مجهول الحال، راجع معجم رجال الحديث ج17 ص75 برقم 10717. وقد صرَّح بمجهوليته محمد الجواهري في المفيد من معجم رجال الحديث ص524.


      2 –
      علي بن أبي حمزة: وهو البطائني، فالمشهور ضلاله وأنه أصل الواقفة، وقال العلامة الحلي إنه ضعيف جداً، وحكم الخوئي بضعفه، راجع معجم رجال الحديث ج12 ص234 برقم 7846.
      وأيضاً روى محمد بن جرير الطبري الشيعي هذه الرواية في كتابه دلائل الإمامة ص337، وبالسند التالي:
      (روى الحسن (علي بن هبة الله) ، قال : أخبرنا أحمد بن محمد ، عن محمد بن علي الصيرفي ، عن علي ، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة ، عن أبيه ، عن أبي بصير ، قال : دخلت على أبي الحسن - عليه السلام - ...).
      وهذا السند يؤكد أن سند الرواية في الكافي مرسل فهنا أبو سمينة يروي عن أبي بصير بثلاثة وسائط، بينما في الكافي روى عن أبي بصير مباشرة وبدون أي واسطة.


      وسند دلائل الإمامة ضعيف بكل من:
      1 – محمد بن علي الصيرفي: هو أبو سمينة، قال عنه النجاشي: (... ضعيف جدا ، فاسد الاعتقاد ، لا يعتمد في شئ ، وكان ورد قم ، وقد اشتهر بالكذب بالكوفة ، ونزل على أحمد بن محمد بن عيسى مدة ، ثم تشهر بالغلو فجفي ...)، وقيل إنه أشهر الكذابين، وصرَح الخوئي بأنه لا شك في ضعفه، راجع معجم رجال الحديث ج 17 ص 319 وما بعدها برقم 11286.
      2 – علي: فلم يذكر له في هذا السند أب أو كنية أو لقب، فلا نعرفه من هو.
      3 – الحسن بن علي بن أبي حمزة: نقل النجاشي الطعن عليه، وقال الكشي إنه كذاب، وقال علي بن الحسن بن فضال إنه كذاب ملعون، وضعفه ابن الغضائري، وقد حكم الخوئي بضعفه ( ).
      4 – علي بن أبي حمزة: وهو البطائني، والمشهور ضلاله وأنه أصل الواقفة، وقال العلامة الحلي إنه ضعيف جداً، وحكم الخوئي بضعفه، راجع معجم رجال الحديث ج12 ص234 برقم 7846.
      فالسند مهلهل كما ترى لا يعتمد عليه في شيء عند القوم.


      المناقشة الثالثة:

      هناك أمر مريب في هذه الرواية وهو أنها منسوبة الى أكثر من رجل، أي إن الرجل الذي سأل الإمام الكاظم (ع) (بم يعرف الإمام) وأجابه الكاظم (ع) بالجواب المذكور أكثر من واحد، فقد أخرج هذه الرواية حسين بن عبد الوهاب ( ) في كتابه عيون المعجزات عن علي بن حمزة الثمالي:

      عيون المعجزات: عن علي بن حمزة الثمالي قال: (دخلت على أبي الحسن موسى بن جعفر (ع) وكان يكنى أبا الحسن وأبا إبراهيم فقلت جعلت فداك بم يعرف الإمام فقال بخصال أولها النص من أبيه عليه ونصبه للناس علما حتى يكون عليهم حجة كما نصب رسول الله (ص) أمير المؤمنين (ع) إماما وعلما وكذلك الأئمة نص الأول على الثاني ونصبه حجة وعلما ان تسأله فيجيب فتسكت عنه فيبتدء ويخبر الناس بما يكون في غد ويكلم الناس بكل لسان ويعرف منطق الطير والساعة أعطيك العلامة قبل ان تقوم من مقامك فما برحت حتى دخل علينا رجل من أهل خراسان فتكلم بالعربية فاجابه (ع) بالفارسية فقال الخراساني ما معنى ان أكلمك بكلامي إلا ظني بأنك لا تحسنه فقال (ع) سبحان الله ان كنت لا أحسن أجيبك فما فضلي عليك ثم قال لي يا أبا محمد ان الإمام لا يخفى عليه كلام أحد من الناس ولا منطق الطير والبهائم فمن لم يكن فيه هذه الخصال فليس بإمام) ( ).

      فرواية الكافي تصرح بأن السائل هو أبو بصير، ورواية عيون المعجزات تصرح بأن السائل هو علي بن حمزة الثمالي، وأحداث الرواية متطابقة تماماً، وهذا ما يثير الاستغراب !

      وأيضاً روى الشيخ الصدوق صدر الرواية بمعناه، ولكن عن أبي الجارود عن الباقر (ع):
      معاني الأخبار: حدثنا إبراهيم بن هارون العبسي ( )، قال : حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد ، قال : حدثنا جعفر بن عبد الله ، قال : حدثنا كثير بن عياش ( )، عن أبي الجارود ( ) قال : (سألت أبا جعفر الباقر عليه السلام : بم يعرف الإمام ؟ قال : بخصال أولها : نص من الله تبارك وتعالى عليه و نصبه علما للناس حتى يكون عليهم حجة ، لان رسول الله صلى الله عليه وآله نصب عليا عليه السلام وعرفه الناس باسمه وعينه وكذلك الأئمة عليهم السلام ينصب الأول الثاني وأن يسأل فيجيب وأن يسكت عنه فيبتدئ ، ويخبر الناس بما يكون في غد ، ويكلم الناس بكل لسان ولغة) ( ).


      فالسائل هنا هو زياد بن المنذر أبو الجارود، والمسؤول هو الإمام الباقر (ع)، بينما في رواية الكافي وعيون المعجزات المسؤول هو الإمام الكاظم (ع)، والسائل في رواية الكافي هو ابو بصير، وفي رواية عيون المعجزات هو علي بن حمزة الثمالي ! وهذا الاضطراب يضع على هذه الرواية شبهات مريبة !


      المناقشة الرابعة:
      هذه الرواية تنص على أن الإمام يعلم لغات كل البشر بل ومنطق الطير والبهائم بل وكل ذي روح وهو يشمل الملائكة والجن: (إن الإمام لا يخفى عليه كلام أحد من الناس ولا طير ولا بهيمة ولا شئ فيه الروح). وقد تقدم أن الذي يعلم كل ذلك هو الله فقط، وإذا كان مخلوق يعلم ذلك سيكون مساوياً لله تعالى في علمه باللغات، وهذا باطل حتى لو كان بتعليم الله، لأن النتيجة واحدة وهي مساواة مخلوق لله تعالى في معرفة كل اللغات.

      نعم يمكن فهم الرواية بفهمين صحيحين:
      الأول:
      أن يكون علم الإمام بكل اللغات بالقوة لا بالفعل، بمعنى إن اقتضت الضرورة في مناسبة ما أن يعلم المعصوم منطق طير أو بهيمة ما أو لغة قوم معينين، يُعلمه الله تعالى ذلك على نحو الإعجاز إن شاء، لا أن الإمام متصف بمعرفة كل اللغات في كل الأحوال.
      ووقوع الإعجاز للأئمة (ع) بهذا النحو لا ننكره، ولكنه ليس شرطاً في إثبات الإمامة، أي إنه قد يكون وقد لا يكون، وتخلفه لا يعني نقض الإمامة.

      الثاني:
      أن يعلم الإمام بعض اللغات التي يستحيل أن يعلمها بشر غيره بالفعل، لا كل اللغات، ولكن تقدم أن هذا لا يكون إلا بإعجاز، والإعجاز ليس شرطاً في إثبات الإمامة، بمعنى إن لم يتصف المعصوم بذلك لا يكون دليلاً على نقض إمامته، وأيضاً الإعجاز له قانونه الإلهي الذي يقتضي إن لا يكون إلا في حال توقف إقامة الحجة عليه ...، فهو رهن هذا الشرط وجوداً وعدماً.


      المناقشة الخامسة:

      أما ذيل الرواية القائل: (فمن لم يكن هذه الخصال فيه فليس هو بإمام)، فلا يمكن أخذه على ظاهره، بحيث أن الإمامة متوقفة على إثبات معرفة الإمام لكل اللغات وإخباره الناس بما في غد، لأن هذا أمر عقائدي وهو لا يثبت إلا بدليل قطعي، وهذه الرواية آحاد بل وسندها ضعيف جداً وتدور حولها الشبهات. ولم نجد نبياً أو إماماً أثبت نبوته أو إمامته بمعرفة كل اللغات.

      نعم .. تقدم أننا نجوِّز أن يعلم الإمام لغات يعجز البشر عن معرفتها، ولكن ذيل الرواية السابقة يجعل ذلك شرطاً في ثبوت الإمامة، وهذا ما أنكره حتى أشهر العلماء المتقدمين كالسيد المرتضى (ره)، ولا يخفى أن المشروط عدم عند عدم شرطه، أي أن من لم يثبت أنه يعلم كل اللغات تبطل إمامته، وهذا أصل عقائدي خطير لا يمكن أن يسلم به إلا بدليل قطعي الصدور والدلالة، وهو مفقود. فهناك فرق مهم جداً بين أن نجد رواية تقول أن الإمام يعلم كل اللغات أو المعجز منها وبين أن تنص رواية على أن ذلك شرط في ثبوت الإمامة، فعلى الأخير تكون الرواية بصدد بيان طريق الى معرفة الإمام الحجة، بخلاف ما لم تنص على ذلك.

      ولكن لا نسلم أن ذيل الرواية يجعل ذلك شرطاً في إثبات الإمامة بدلالة قطعية، بل هناك احتمال آخر لفهم ذيل الرواية، وهو أن معرفة كل اللغات ومنطق الطير بما أنه معجزة، فهو يكون عند توقف إقامة الحجة أو الهداية عليه، فمن لا يعرف لغات الرعية عند انعدام السبل الطبيعية لمعرفتها، فهو ليس بإمام، لأن المفروض أنه مؤيد وملهم من الله تعالى، فلابد أن يُعلمه عندئذ لغة ما لا يجد سبيلاً الى معرفته من اللغات على نحو الإعجاز المؤقت لا الدائم، قال الله تعالى: {وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ} الرعد:8. وبهذا تكون الرواية أجنبية عن جعل معرفة اللغات شرطاً في إثبات الإمامة، بل ناظرة إلى إثبات صفة للإمام بما هو هو، لا من حيث كونها طريقاً لإثبات إمامته للناس، والفرق بين الأمرين لا يخفى على اللبيب.

      فمثلاً ما رواه الكليني بسنده عن أبي عبد الله (ع): [أي إمام لا يعلم ما يصيبه وإلى ما يصير، فليس ذلك بحجة لله على خلقه] ( ).
      لا يعني بأن الإمام يجب عليه أن يخبر الناس بما سيصيبه في المستقبل وما سينتهي إليه أمره وإلا فهو ليس بإمام، وأعتقدُ بأنَّ هذا لا يحتاج مزيد بيان.

      وكذلك إن أخبر الإمام بما سيصيبه في المستقبل، لا يعني أن إثبات إمامته تكون رهن وقوع ما أخبر به في أرض الواقع، بمعنى أن إمامته غير ثابتة حتى يقع ما أخبر به.
      إنما الرواية ناظرة إلى بيان أن الإمام لابد أن يعرفه الله تعالى ما سيصيبه، ولم تتطرق إلى أن الإمام يجب عليه أن يخبر الناس بذلك أو أن إظهار ذلك شرط في أثبات الإمامة.
      وهذا التفسير هو المتعين لموافقته لعموم القرآن والسنة والحكمة الإلهية.






      ---


      ---


      ---

      Comment

      • محمد الانصاري
        MyHumanity First
        • 22-11-2008
        • 5048

        #4
        رد: شبهة: المعصوم يُعرف بعلمه بكل اللغات - بقلم الشيخ ناظم العقيلي

        شبهة: المعصوم يُعرف بعلمه بكل اللغات

        (4)

        الرواية الثانية:
        الكافي ج 1 ص 509:
        الكليني: إِسْحَاقُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْأَقْرَعِ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو حَمْزَةَ نُصَيْرٌ الْخَادِمُ قَالَ: [سَمِعْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ غَيْرَ مَرَّةٍ يُكَلِّمُ غِلْمَانَهُ بِلُغَاتِهِمْ تُرْكٍ وَ رُومٍ وَ صَقَالِبَةَ فَتَعَجَّبْتُ مِنْ ذَلِكَ وَ قُلْتُ هَذَا وُلِدَ بِالْمَدِينَةِ وَ لَمْ يَظْهَرْ لِأَحَدٍ حَتَّى مَضَى أَبُو الْحَسَنِ (عليه السلام) وَ لَا رَآهُ أَحَدٌ فَكَيْفَ هَذَا أُحَدِّثُ نَفْسِي بِذَلِكَ فَأَقْبَلَ عَلَيَّ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى بَيَّنَ حُجَّتَهُ مِنْ سَائِرِ خَلْقِهِ بِكُلِّ شَيْءٍ وَ يُعْطِيهِ اللُّغَاتِ وَ مَعْرِفَةَ الْأَنْسَابِ وَ الْآجَالِ وَ الْحَوَادِثِ وَ لَوْ لَا ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْحُجَّةِ وَ الْمَحْجُوجِ فَرْقٌ].


        وفي الرواية عدة مناقشات:
        المناقشة الأولى:
        السند ضعيف أشد الضعف بكل من؛ إسحاق ( )، وأحمد بن محمد بن الأقرع ( )، ونصير الخادم ( ). وقد ضعفه العلامة المجلسي في مرآة العقول، وأيضاً ضعفه البهبودي في صحيح الكافي. فالرواية مروية عن رجل متهم بأنه معدن التخليط، بل متهم بالكذب والوضع، وهو إسحاق !

        المناقشة الثانية:
        الرواية تقول: [إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى بَيَّنَ حُجَّتَهُ مِنْ سَائِرِ خَلْقِهِ بِكُلِّ شَيْءٍ]، وهذا على ظاهره مخالف للقرآن والسنة الثابتة، فالرواية نفت أن يكون الإمام مساوياً لسائر الخلق بشيء، لأن قوله [بكل شيء] تفيد العموم، في حين أننا مثلا نجد القرآن ينص على أن النبي محمداً (ص) وهو سيد الأئمة بأنه في البشرية كباقي البشر، قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً } الكهف:110.
        بمعنى أنه كسائر البشر من لحم ودم وعظم ويأكل ويشرب ويتغوط وينكح وينام ويحزن ويفرح ويمرض ويموت ويتعب وله قوة وقدرة محدودة ...الخ. فكيف يكون مختلفاً عن البشر بكل شيء ؟!
        ولا يخفى أن الروايات متواترة على أن الرواية التي تخالف القرآن والسنة تُرد أو يُتوقف فيها.

        المناقشة الثالثة:
        وتقول الرواية أيضاً: [وَ يُعْطِيهِ اللُّغَاتِ وَ مَعْرِفَةَ الْأَنْسَابِ وَ الْآجَالِ وَ الْحَوَادِثِ وَ لَوْ لَا ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْحُجَّةِ وَ الْمَحْجُوجِ فَرْقٌ]، و كلمة [فرق] هنا نكرة في سياق النفي، وهي تفيد العموم عند الأكثر، أي لولا ما تقدم لا يكون أي فرق بين الحجة والمحجوج، وهذا غير صحيح على ظاهره، لأن البداهة قاضية بأن من يكون أعلم الناس بالقرآن والسنة وأعملهم بهما بحيث لا يخرج الناس من حق ولا يدخلهم في باطل، يكون فرق بينه وبين سائر الناس، بل الفرق أبعد ما بين السماء والأرض، بل من عنده أقل من ذلك يكون فرق كبير بينه وبين سائر الناس المحجوجين والذين يحتاجون إليه.

        ثم إن معرفة كل الآجال والحوادث مخالف للقرآن أيضاً، قال تعالى عن سيد الأئمة محمد المصطفى (ص): {قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ} الأحقاف:9.
        فالرواية لا تتم لا سنداً ولا دلالة، فكيف تكون صالحة لتأسيس العقائد ؟!

        الرواية الثالثة:
        أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ رِجَالِهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ( عليه السلام ) قَالَ إِنَّ الْحَسَنَ ( عليه السلام ) قَالَ: [إِنَّ لِلَّهِ مَدِينَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا بِالْمَشْرِقِ وَ الْأُخْرَى بِالْمَغْرِبِ عَلَيْهِمَا سُورٌ مِنْ حَدِيدٍ وَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلْفُ أَلْفِ مِصْرَاعٍ وَ فِيهَا سَبْعُونَ أَلْفَ أَلْفِ لُغَةٍ يَتَكَلَّمُ كُلُّ لُغَةٍ بِخِلَافِ لُغَةِ صَاحِبِهَا وَ أَنَا أَعْرِفُ جَمِيعَ اللُّغَاتِ وَ مَا فِيهِمَا وَ مَا بَيْنَهُمَا وَ مَا عَلَيْهِمَا حُجَّةٌ غَيْرِي وَ غَيْرُ الْحُسَيْنِ أَخِي].

        وفي الرواية عدة مناقشات:
        المناقشة الأولى:
        السند ضعيف بالإرسال، لأن واسطة ابن أبي عمير مجهولة.

        المناقشة الثانية:
        الرواية لا تتكلم عن كل اللغات، بل تتكلم عن لغات المدينتين؛ مدينة المشرق ومدينة المغرب، المعزولتان عن سائر سكان الأرض، وهذا خارج عن موضوعنا. واللام التي في [اللغات] هي لام العهد الذكري والتي تعود على ما ذكر قبلها من لغات المدينتين، وليست لام الاستغراق التي قد تفيد العموم.

        المناقشة الثالثة:
        الرواية تنص على أن الإمام الحسن يعلم سبعين ألف ألف لغة، أي سبعين مليون لغة ! وقد تكلم بعض العلماء عن هذا الأمر.
        فقد سئل السيد المرتضى عن هذه الرواية فأجاب بقوله:
        [إن الخبر قد ورد بذلك، ولا يقطع عليه بصحة ولا بطلان، لأنه من أخبار الآحاد، فلن نقطع ( ) على صحته، فإن قد اتصل بهم خبر نبينا عليه السلام فهم متعبدون بما في العقل وشريعته ويجرون مجرانا، وإن لم يكن قد اتصل بهم خبر نبينا عليه السلام فهم متعبدون بما في العقل فقط] ( ).


        وقال الميرزا أبو الحسن الشعراني في تعليقه على كتاب شرح أصول الكافي للمازندراني:
        [قوله «ولا يبعد أن تكون المدينتان» ولكن لابد أن يلتزم بكون ما روى في وصف المدينتين من الأبواب واللغات مبالغة مما قد يتفق في نقل الغرائب ، وقد روى الخبر عن جماعة من رجال مجهولين لا يبعد منهم نقل المبالغات فإن قيل : ابن أبي عمير راوي الخبر ممن أجمعوا على تصحيح ما يصح عنهم . قلنا تحقق لنا بالتتبع التام في كلام أعاظم الفقهاء في موارد متفرقة عدم تعبدهم بقبول روايات هؤلاء والإجماع غير محقق] ( ).

        وقال أيضاً:
        [... وأما في الكتاب فمشتمل على غرائب من المبالغات التي تسري الأخبار على ما هو معهود في نقل الوقائع لأن ألف ألف مصراع يقتضي كون محيط البلد أعظم من محيط كرة الأرض خمس مرات إن فرض بين كل باب وباب آخر أربعمائة ذراع فقط ومحيط الأرض لا يزيد على ستة آلاف فرسخ ، والمقدار المذكور يناهز ثلاثين ألف فرسخ . وأيضا سبعون ألف ألف لغة يقتضى على فرض كون المتكلم بكل لغة ألف إنسان على الأقل - إذ لا يتصور لأقل من هذا العدد لغة مستقلة - أن يكون عدة نفوس تلك المدينة سبعين ألف ألف إنسان وأهل الأرض كلها في زماننا جزء من ثلاثين جزءا من هذا العدد ، وبالجملة فهذه الأمور مما أوجبت على عقلاء الناس إما تأويله بعالم المثال أو رده بجهالة حال الرواة لئلا يستهزئ الملاحدة بالأخبار المنسوبة إلى المعصومين (عليهم السلام) ولا يطغوا فيها فكم شككوا ضعفاء العقول من المؤمنين بهذا الخبر وأمثاله ، والإصرار في تحصيح [تصحيح] الخبر وحمله على ظاهره مفسدة للدين ومنفرة للمؤمنين ولا حاجة إليه بعد الشك في صدوره من المعصوم أو اليقين بعدم صدوره] ( ).


        الرواية الرابعة:
        عيون أخبار الرضا (ع) ج 1 ص 251:
        الشيخ الصدوق: حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه قال : حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم [عن أبيه] عن أبي الصلت الهروي قال : [كان الرضا عليه السلام يكلم الناس بلغاتهم وكان والله أفصح الناس وأعلمهم بكل لسان ولغة فقلت له يوما : يا بن الله إني لأعجب من معرفتك بهذه اللغات على اختلافها ! فقال : يا أبا الصلت أنا حجة الله على خلقه وما كان الله ليتخذ حجة على قوم وهو لا يعرف لغاتهم أو ما بلغك قول أمير المؤمنين عليه السلام : أوتينا فصل الخطاب ؟ ! فهل فصل الخطاب إلا معرفة اللغات].


        وفي الرواية عدة مناقشات:

        المناقشة الأولى:
        الرواية وإن كانت صحيحة أو حسنة السند إلا أنها وما كان بمعناها لا تخرج عن كونها أخبار آحاد، لا توجب علماً عند القوم، فلا يمكن تأسيس العقائد بها.

        المناقشة الثانية:
        أيضاً الرواية لا دلالة فيها على أن معرفة كل اللغات طريق إثباتي لمعرفة الإمامة، أي إنها ليست شرطاً يجب إثباته لمدعي الإمامة وإن تخلف هذا الشرط دل على بطلان إمامته، الرواية لا تتكلم عن هذا أبداً، بل غاية ما تفيده أن الإمام الحجة لابد أن يكون عارفاً بلغات المحجوجين به لكي يفهموا عنه ويفهم عنهم ويوصل لهم الحق والهداية والتكاليف التي يردها الله تعالى، وهذا الأمر يتصور على نحوين:

        النحو الأول:
        أن الإمام الحجة يعلمه الله تعالى ذلك بالإعجاز كلما دعت الضرورة إلى ذلك، فكلما ابتلى الإمام بقوم لا يعرف لغتهم ولا يوجد طريق طبيعي لإيصال الكلام لهم، يعلمه الله لغتهم لكي يوصل لهم ما يريد، لا أنه متصف بهذا الإعجاز على الدوام في كل الأحوال وإن لم توجد حاجة لذلك.
        وهذا النحو ممكن وجائز بل لعله واجب، فلا ننكره.

        النحو الثاني:
        أن يكون الإمام الحجة متصفاً بهذا الإعجاز على الدوام سواء كان محتاجاً إلى ذلك أم لم يكن بحاجة إليه.
        والاعتقاد بذلك يصدنا عنه أن للإعجاز قانوناً وحكمة ولا يكون عبثاً – وحاشا لله من العبث -، فالمعجزة لا تكون إلا عند فشل أو انعدام الأسباب الطبيعية في إقامة الحجة أو حفظ الإمام، أما عند إمكان ذلك بالأسباب الطبيعية فلا مبرر للإعجاز.
        إذن فيتعين النحو الأول فقط، ولا دلالة قطعية للرواية على أكثر منه، وبه يصدق أن الله قد أعطى للأئمة (ع) معرفة لغات رعيتهم، بمعنى أنه هيأ لهم أسبابها، فمتى احتاجوا إليها علمهم الله تعالى، بخلاف سائر الناس الذين يتوقف علمهم باللغات إلى الاكتساب.


        وهذا هو الموافق لما بيَّنه أهل البيت (ع) عن حقيقة علمهم، كما في الروايات الآتية:
        قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام): [يُبْسَطُ لَنَا الْعِلْمُ فَنَعْلَمُ وَ يُقْبَضُ عَنَّا فَلَا نَعْلَمُ ...] ( ).
        عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) قَالَ: [إِذَا أَرَادَ الْإِمَامُ أَنْ يَعْلَمَ شَيْئاً أَعْلَمَهُ اللَّهُ ذَلِكَ] ( ).
        عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) قَالَ: [إِنَّ الْإِمَامَ إِذَا شَاءَ أَنْ يَعْلَمَ عُلِّمَ] ( ).
        عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) قَالَ: [إِنَّ الْإِمَامَ إِذَا شَاءَ أَنْ يَعْلَمَ أُعْلِمَ] ( ).
        عَنْ عَمَّارٍ السَّابَاطِيِّ قَالَ: [سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) عَنِ الْإِمَامِ يَعْلَمُ الْغَيْبَ فَقَالَ لَا وَ لَكِنْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَعْلَمَ الشَّيْءَ أَعْلَمَهُ اللَّهُ ذَلِكَ] ( ).
        وعن أبي جعفر الباقر (ع) أنه قال: [أَمَّا جُمْلَةُ الْعِلْمِ فَعِنْدَ اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ وَ أَمَّا مَا لَا بُدَّ لِلْعِبَادِ مِنْهُ فَعِنْدَ الْأَوْصِيَاءِ] ( ).

        وكل هذه الروايات تبين أنه ليس جميع العلم حاضراً عند أهل البيت (ع) فعلاً، بل متى ما شاءوا أن يعلموا شيئاً أعلمهم الله تعالى به.

        المناقشة الثالثة:
        ذيل الرواية يحصر [فصل الخطاب] بمعرفة اللغات، وهذا على ظاهره محل نظر، لأنه لا يخفى أن المعرفة بالقرآن والسنة محكمهما ومتشابههما والحكم بين الناس والبراهين القاطعة للخصوم، والفصل بين الحق والباطل ... هي من أبين مصاديق [فصل الخطاب]. والله العالم.


        ---


        ---


        ---

        Comment

        • محمد الانصاري
          MyHumanity First
          • 22-11-2008
          • 5048

          #5
          رد: شبهة: المعصوم يُعرف بعلمه بكل اللغات - بقلم الشيخ ناظم العقيلي

          شبهة: المعصوم يُعرف بعلمه بكل اللغات

          (5)

          وبعد أن تم مناقشة الروايات التي قد يُستدل بها على أن الإمام يتصف بمعرفة جميع اللغات في جميع الأحوال، نأتي إلى سماع الروايات التي تنص على أن الإمام كلم بعض الأشخاص بلغاتهم في مناسبات معينة، أو أنه يعلم كل لسان، وكل هذه الروايات إلا ما ندر أصلها كتاب الهداية الكبرى للخصيبي الاختصاص للمفيد وبصائر الدرجات للصفار ومناقب آل أبي طالب لابن شهراشوب ودلائل الإمامة ونظائرها، وهذه الكتب فيها كلام عن ثبوت نسبتها إلى مؤلفيها وما شابه، ذكرته في الكلام عن خبر زينب الكذابة وعن كون الإمام لا ظل له وفي غير ذلك.


          وسأذكر هذه الروايات بدون التعليق عليها إلا نادراً، واكتفي فقط بالإشارة إلى صحة أو ضعف أسانيدها.
          الكليني: مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ سَهْلٍ عَنْ كِرْدِينٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ وَ أَبِي جَعْفَرٍ ( عليه السلام ) قَالَ: [ إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ( عليه السلام ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ أَتَاهُ سَبْعُونَ رَجُلًا مِنَ الزُّطِّ فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ وَ كَلَّمُوهُ بِلِسَانِهِمْ فَرَدَّ عَلَيْهِمْ بِلِسَانِهِمْ ثُمَّ قَالَ لَهُمْ إِنِّي لَسْتُ كَمَا قُلْتُمْ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ مَخْلُوقٌ فَأَبَوْا عَلَيْهِ وَ قَالُوا أَنْتَ هُوَ فَقَالَ لَهُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا وَ تَرْجِعُوا عَمَّا قُلْتُمْ فِيَّ وَ تَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ] ( ).

          والرواية ضعيفة السند بصالح بن سهل ( )، وبالإرسال لإبهام واسطة كردين الى الإمام الصادق (ع). والرواية ضعفها المجلسي في مرآة العقول، والبهبودي في صحيح الكافي.
          وهي لا دلالة فيها على معرفة الإمام لكل اللغات.

          الهداية الكبرى للحسين بن حمدان الخصيبي ص 315 – 316:
          وعنه [الحسن بن محمد بن جمهور] عن محمد بن موسى القمي عن الحسن بن علي الوشا ، قال : [دخلت يوما على علي الرضا بن موسى (عليه السلام) فرأيت عنده فوما لم أرهم ولم أعرفهم وهو يخاطبهم بالسندية مثل زقزقة الزرازير ثم لقيت بعده صاحبنا أبا الحسن محمدا (عليه السلام) بسامراء وعنده نجار يصلح عتبة بابه وهو يخاطبه بالسندية كخطاب الزرازير فقلت في نفسي لا إله إلا الله هكذا كان جده الرضا يخاطب بهذا اللسان فقال أبو الحسن من فرق بيني وبين جدي انا هو وهو انا والينا فصل الخطاب فقلت جعلت فداءك وما معنى فصل الخطاب قال إجابة كل عن لغته لغة مثلها وجميع ما خلق الله تعالى] .

          وهنا أيضاً عدة مناقشات:
          المناقشة الأولى:
          الرواية ضعيفة السند بالحسين بن حمدان الخصيبي صاحب كتاب الهداية الكبرى ( )، وبمحمد بن موسى القمي ( ).

          المناقشة الثانية:
          ليس في الرواية دلالة ولا إشارة الى أن معرفة كل أو بعض اللغات طريق الى معرفة الإمام، أو أنها شرط في إثبات الإمامة، فكون الإمام يعرف اللغات شيء، وكونها دليلاً وطريقاً وشرطاً في ثبوت الإمامة شيء آخر كما لا يخفى.


          وأيضاً هناك فرق بين اتصاف المعصوم بعلم معين وبين جعله علامة فارقة أو دليلاً مشخصاً له عن غيره، فالصفات قسمان؛ قسم يختص به الإمام المعصوم، وقسم لا يختص به الإمام المعصوم، أي يمكن أن يشاركه به غيره، فمثلاً جاءت روايات تنص على أن الأئمة عندهم علم المنايا والبلايا، في حين أننا نجد هذه الصفة موجودة عند غير الأئمة وهو مثلاً [رُشيد الهجري] كما نطقت بذلك عدة روايات.

          فعن إسحاق ابن عمار قال : سمعت العبد الصالح ينعى إلى رجل نفسه ، فقلت في نفسي : وإنه ليعلم متى يموت الرجل من شيعته ! ؟ فالتفت إلي شبه المغضب ، فقال : [يا إسحاق قد كان رشيد الهجري يعلم علم المنايا والبلايا والإمام أولى بعلم ذلك ...] ( ).
          وقد كان أمير المؤمنين (ع) يسميه رشيد البلايا، وأنه كان يخبر من يلقاه بأنه يموت ميتة كذا أو يقتل قتلة كذا .. فيكون كما قال رشيد ( ).

          المناقشة الثالثة:
          أيضاً لا دلالة في الرواية على أن الإمام متصف بهذا الإعجاز على نحو الدوام وفي جميع الأحوال، بل لابد أن يكون حسب الحاجة والاضطرار، كما تقدم بيانه في التعليق على الرواية الرابعة المتقدمة.

          قرب الاسناد، للحميري القمي ص 335 – 336:
          محمد بن عيسى ، عن ابن فضال ، عن علي بن أبي حمزة قال : كنت عند أبي الحسن عليه السلام إذ دخل عليه ثلاثون مملوكا من الحبش ، وقد اشتروهم له ، فكلم غلاما منهم - وكان من الحبش جميلا - فكلمه بكلامه ساعة ، حتى أتى على جميع ما يريد وأعطاه درهما فقال : " اعط أصحابك هؤلاء ، كل غلام منهم كل هلال ثلاثين درهما " . ثم خرجوا فقلت : جعلت فداك ، لقد رأيتك تكلم هذا الغلام بالحبشية ، فماذا أمرته ؟ قال : " أمرته أن يستوصي بأصحابه خيرا ، ويعطيهم في كل هلال ثلاثين درهما ، وذلك أني لما نظرت إليه علمت أنه غلام عاقل من أبناء ملكهم ، فأوصيته بجميع ما أحتاج إليه ، فقبل وصيتي ، ومع هذا غلام صدق " . ثم قال : " لعلك عجبت من كلامي إياه بالحبشية ؟ لا تعجب فما خفي عليك من أمر الامام أعجب وأكثر ، وما هذا من الامام في علمه إلا كطير أخذ بمنقاره من البحر قطرة من ماء ، أفترى الذي أخذ بمنقاره نقص من البحر شيئا ؟ قال : فإن الامام بمنزلة البحر لا ينفد ما عنده ، وعجائبه أكثر من ذلك ، والطير حين أخذ من البحر قطرة بمنقاره لم ينقص من البحر شيئا ، كذلك العالم لا ينقصه علمه شيئا ، ولا تنفد عجائبه ) .
          والرواية ضعيفة السند بعلي بن أبي حمزة ( ).


          ورواه محمد بن جرير الطبري ( الشيعي) في دلائل الإمامة ص 338، بالسند الآتي:
          وروى الحسن ، قال : أخبرنا أحمد بن محمد ، عن محمد بن علي ( )، عن علي ( ) ، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة ( )، عن أبيه ( )، قال : كنت عند أبي الحسن ( عليه السلام ) إذ دخل عليه ثلاثون مملوكا من الحبش ....الخ.
          وكذلك الرواية لا تنص على أن الإمام يعرف كل اللغات، ولا تنص على أن ذلك دليل معرفة الإمام المعصوم.

          دلائل الإمامة، لمحمد بن جرير الطبري (الشيعي) ص 340:
          وروى الحسن ، قال : حدثنا أحمد بن محمد ، عن محمد بن علي ، عن علي ، عن الحسن ، عن عاصم الحناط ، عن إسحاق بن عمار ، قال : كنت عنده إذ دخل عليه رجل من أهل خراسان ، فكلمه بكلام لم أسمع قط كلاما كان أعجب منه ، كأنه كلام الطير ، فلما خرج قلت : جعلت فداك ، أي لسان هذا ؟ قال : هذا كلام أهل الصين . ثم قال : يا إسحاق ، ما أوتي العالم من العجب أعجب وأكثر مما أوتي من هذا الكلام . قلت : أيعرف الإمام منطق الطير ؟ قال : نعم ، ومنطق كل شئ ، ومنطق كل ذي روح ، وما سقط عليه شئ من الكلام .
          والرواية ضعيفة السند بكل من: محمد بن علي ( )، وعلي ( )، والحسن ( ).
          ومضمون الرواية لابد أن يؤول بما تقدم ذكره في الروايات السابقة، فلا داع للإعادة.


          مناقب آل أبي طالب، لابن شهر آشوب ج 1 ص 331:
          وروى سعيد بن طريف عن الصادق ، وروى أبو امامة الباهلي كلاهما عن النبي في خبر طويل واللفظ لأبي امامة : ان الناس دخلوا على النبي وهنؤه بمولوده ثم قام رجل في وسط الناس فقال : بأبي أنت وأمي يا رسول الله رأينا من علي عجبا في هذا اليوم ، قال وما رأيتم ؟ قال : اتيناك لنسلم عليك ونهنيك بمولودك الحسين فحجبنا عنك واعلمنا انه هبط عليه مائة الف ملك وأربعة وعشرون الف ملك فعجبنا من احصائه وعدده الملائكة ، فقال النبي : واقبل بوجهه إليه متبسما ما علمك انه هبط علي مائة وأربعة وعشرون الف ملك ؟ قال : بأبي أنت وأمي يا رسول الله سمعت مائة الف لغة وأربعة وعشرين الف لغة فعلمت انهم مائة وأربعة وعشرون الف ملك ، قال : زادك الله علما وحلما يا أبا الحسن.
          والرواية مرسلة.
          وهي لا تنص على معرفة الإمام لكل اللغات، ولا أن ذلك دليل معرفة الإمام، ولغات الملائكة لغات ملكوتية تختلف عن لغات أهل الدنيا التي تتحكم بها قوانين المادة، وكذلك طريق معرفتها يختلف عن طريق معرفة لغات أهل الدنيا، ولعل المراد من عدد اللغات في هذه الرواية عدد الأصوات والنغمات، وعلى العموم الكلام عن لغات الملكوت وكيفيتها وطريقتها وتعددها فيها كلام طويل، وهو خارج عن موضوعنا.


          بصائر الدرجات ص 353:
          حدثنا (أبو جعفر) أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن حماد بن عبد الله الفرا عن معتب انه اخبره ان أبا الحسن الأول لم يكن يرى له ولد فاتاه يوما اسحق ومحمد اخواه وأبو الحسن يتكلم بلسان ليس بعربي فجاء غلام سقلابى فكلمه بلسانه فذهب فجاء بعلى عليه السلام ابنه فقال لاخوته هذا على ابني فضموه إلى واحدا بعد واحد فقبلوه ثم كلم الغلام بلسانه فحمله فذهب فجاء بإبراهيم فقال هذا إبراهيم ابني ثم كلمه بكلام فحمله فذهب فلم ينزل يدعوا بغلام بعد غلام ويكلمهم حتى جاء خمسة أولاد والغلمان مختلفون في أجناسهم وألسنتهم .
          والسند ضعيف بكل من: علي بن الحكم ( )، وحماد بن عبد الله الفرا ( ).
          والرواية لا تنص على معرفة كل اللغات، ولا على أن الإمام يعرف بمعرفته لكل اللغات أو بعضها.

          بصائر الدرجات ص 353:
          حدثنا محمد بن عيسى عن علي بن مهزيار قال أرسلت إلى أبى الحسن عليه السلام غلامي وكان سقلاميا فرجع الغلام إلى متعجبا فقلت له مالك يا بنى قال كيف لا أتعجب ما زال يكلمني بالسقلانية كأنه واحدا منا فظننت انه إنما دار بينهم .
          الرواية ضعيفة بجهالة غلام ابن مهزيار لأنه هو من نقل القصة وهو مجهول هنا.
          وهي أيضاً لا دلالة فيها على علم كل اللغات، أو كونها دليلاً لمعرفة الإمام الحجة.

          بصائر الدرجات ص 353:
          حدثنا أحمد بن محمد عن ابن أبي القاسم وعبد الله بن عمران عن محمد بن بشير عن رجل عن عمار الساباطي قال قال لي أبو عبد الله عليه السلام يا عمار أبو مسلم فظلله فكساه فكسحه بساطورا قلت جعلت فداك ما رأيت نبطيا أفصح منك فقال يا عمار و بكل لسان .

          وهو في الاختصاص للمفيد ص289 بالسند الآتي:
          أحمد بن محمد ، عن أبي القاسم عبد الرحمن بن حماد الكوفي ، وعبد الله بن عمران ، عن محمد بن بشير ، عن رجل ، عن عمار بن موسى الساباطي ...الخ.
          والرواية ضعيفة السند بكل من: ابن أبي القاسم ( )، وعبد الله بن عمران ( )، وبالإرسال لإبهام واسطة محمد بن بشير الى عمار الساباطي.

          وقوله: (وبكل لسان)، لا يعني أن الإمام متصف بمعرفة كل اللغات على الدوام، ولا يعني أن معرفة كل اللغات طريق الى معرفة الإمام المعصوم، بل لابد أن تؤول بوجه مقبول؛ كأن يكون الإمام متى شاء أن يعرف لغة ما يعلمه الله هذه اللغة وبأعلى مستوى من الفصاحة.

          بصائر الدرجات ص 353 – 354:
          حدثنا الحسن بن محمد عن أبيه محمد بن علي بن شريف عن علي بن أسباط عن إسماعيل بن عباد عن عامر بن علي الجامعي قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام جعلت فداك انا نأكل ذبايح أهل الكتاب ولا ندري يسمون عليها أم لا فقال إذا سمعتهم قد سموا فكلوا أتدري ما يقولون على ذبايحهم فقلت لا فقرأ كأنه يشبه يهودي قد هذها (كذا في المتن) ثم قال بهذا أمروا فقلت جعلت فداك ان رأيت أن نكتبها فقال اكتب نوح ايوا ادينوا يلهيز مالحوا عالم اشرسوا أو رضوا بنو يوسعه موسق دغال اسطحوا .
          والرواية ضعيفة السند بكل من: الحسن بن محمد ( )، ومحمد بن علي بن شريف ( )، إسماعيل بن عباد ( )، وعامر بن علي الجامعي ( ).
          وهي لا دلالة فيها على معرفة الإمام لكل اللغات، أو أن معرفة كل اللغات طريق لمعرفة الحجة المعصوم.

          بصائر الدرجات ص 354:
          ( 6 ) حدثنا (الهيثم) النهدي عن إسماعيل بن مهران عن رجل من أهل بيرما قال كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فودعته وخرجت حتى بلغت الأعوص ثم ذكرت حاجة لي فرجعت إليه والبيت غاص باهله وكنت أردت ان أسأله عن بيوض ديوك الماء فقال لي ياتب يعنى البيض دعا نامينا يعنى ديوك الماء بناحل يعنى لا تأكل .
          الرواية ضعيفة لجهالة واسطة إسماعيل بن مهران.
          وهي أيضاً لا دلالة فيها على معرفة الإمام لكل اللغات، أو أن معرفة كل اللغات طريق لمعرفة الحجة المعصوم.

          بصائر الدرجات ص 354:
          حدثنا أحمد بن الحسين عن الحسن بن برا عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال حدثني رجل من أهل جسر بابل قال كان في القرية رجل يؤذيني ويقول يا رافضي ويشتمني و كان يلقب بقرد القرية قال فججت ( والظاهر فحججت ) سنة من ذلك اليوم فدخلت على أبى عبد الله عليه السلام فقال ابتدأ قوفه ما نامت قلت جعلت فداك متى قال في الساعة فكتبت اليوم والساعة فلما قدمت الكوفة تلقاني أخي فسألته عمن بقي وعمن مات فقال لي قوفه ما نامت وهي بالنيطية قردا القرية مات فقلت له متى فقال لي يوم كذا وكذا في الوقت الذي اخبرني به أبو عبد الله عليه السلام.
          والرواية ضعيفة السند بكل من: أحمد بن الحسين ( )، والحسن بن برا ( )، وبالإرسال لإبهام واسطة أحمد بن محمد بن أبي نصر.
          وهي كذلك لا دلالة فيها على معرفة الإمام لكل اللغات، أو أن معرفة كل اللغات طريق لمعرفة الحجة المعصوم.



          ---


          ---


          ---

          Comment

          • محمد الانصاري
            MyHumanity First
            • 22-11-2008
            • 5048

            #6
            رد: شبهة: المعصوم يُعرف بعلمه بكل اللغات - بقلم الشيخ ناظم العقيلي

            شبهة: المعصوم يُعرف بعلمه بكل اللغات

            (6)


            بصائر الدرجات ص 355 – 356:
            ( 10 ) حدثنا عبد الله بن جعفر عن أحمد بن محمد بن إسحاق الكرخي عن عمه محمد بن عبد الله بن جابر الكرخي وكان رجلا خيرا كاتبا كان لإسحاق بن عمار ثم تاب من ذلك عن إبراهيم الكرخي قال كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فقال يا إبراهيم أين تنزل من الكرخ قلت في موضع يقال له شادروان قال فقال لي تعرف قطفتا قال إن أمير المؤمنين عليه السلام حين اتى أهل النهروان نزل قطفتا فاجتمع إليه أهل بادرويا فشكوا إليه ثقل خراجهم وكلموه بالنبطية وان لهم جيرانا أوسع أرضا وأقل خراجا فأجابهم بالنبطية وغرزطا من عود يا قال فمعناه رب رجز صغير خير من رجز كبير.
            والرواية ضعيفة السند بكل من: أحمد بن محمد بن إسحاق الكرخي ( )، ومحمد بن عبد الله بن جابر الكرخي ( )، وإبراهيم الكرخي ( ).
            وهي كسابقتها لا دلالة فيها على معرفة الإمام لكل اللغات، أو أن معرفة كل اللغات طريق لمعرفة الحجة المعصوم.

            بصائر الدرجات ص 356:
            حدثنا محمد بن عبد الجبار عن الحسن بن الحسين اللؤلؤي عن أحمد بن الحسن عن الفيض بن المختار في حديث له طويل في أمر أبى الحسن حتى قال له هو صاحبك الذي سئلت عنه فقم فاقر له بحقه فقمت حتى قبلت رأسه ويده ودعوت الله له قال أبو عبد الله عليه السلام اما انه لم يؤذن له في ذلك فقلت له جعلت فداك فأخبر به أحدا فقال نعم أهلك وولدك ورفقائك وكان معي أهلي وولدي وكان يونس بن ظبيان من رفقائي فلما أخبرتهم حمدوا لله على ذلك وقال يونس لا والله حتى نسمع ذلك منه وكانت به عجلة مخرج فابتعته فلما انتهيت إلى الباب سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول وقد سبقني يا يونس الامر كما قال لك فيض زرقة زرقة قال فقلت قد فعلت والزرقه بالنبيطية أي خذه إليك .
            والرواية ضعيفة السند بالحسن بن الحسين اللؤلؤي ( ).

            وهي كسوابقها لا دلالة فيها على معرفة الإمام لكل اللغات، أو أن معرفة كل اللغات طريق لمعرفة الحجة المعصوم.


            وروي في الاختصاص للشيخ المفيد ص 289 – 290:
            أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، ومحمد بن خالد البرقي ، عن النضر ابن سويد ، عن يحيى بن عمران الحلبي ، عن أخي مليح قال : حدثني أبو يزيد فرقد قال : كنت عند أبي عبد الله عليه السلام وقد بعث غلاما " أعجميا " في حاجة ، فرجع إليه فجعل يغير الرسالة فلا يحيرها حتى ظننت أنه سيغضب عليه ، فقال : تكلم بأي لسان شئت ، فإني أفهم عنك.

            ورواه الصفار في بصائر الدرجات - ص 358 أيضاً:
            حدثنا أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن النضر بن سويد عن يحيى الحلبي عن أخي مليح قال حدثني فرقد قال كنت عند أبي عبد الله عليه السلام ... الخ.
            والسند ضعيف بكل من: أخي مليح ( )، وفرقد ( ).
            وقوله: (تكلم بأي لسان شئت، فإني أفهم عنك)، ينطبق عليه ما تقدم في التعليق على قوله (وبكل لسان)، وكذلك الرواية تصرح بأن الغلام أعجمي، والأعجمي هو غير العربي أو الفارسي بالذات، وعلى أي حال فهو له لغة أعجمية معينة وحاول أن يكلم الإمام باللغة العربية فلم يحسنها، فقال له الإمام: تكلم بأي لسان شئت أفهم عنك، يعني بما تحسنه؛ إما لسانك الأعجمي وإما بالعربية، أي لا يتحتم عليه أن يتكلم بالعربية حصراً، فالإمام أكيداً يعرف بأن الغلام لا يحسن غير لغته الأعجمية، فكيف يطلب منه أن يتكلم بأي لغة من لغات العالم ؟!

            نعم وردت نفس هذه القصة بلفظ آخر وهو: (تكلم بأي لسان شئت تحسنه سوى العربية، فإنك لا تحسنها، فاني أفهم .فكلمه بالتركية، فرد عليه الجواب بمثل لغته، ومضى الغلام متعجباً) ( ).
            وهذا اللفظ أيضاً ليس فيه دلالة على معرفة كل اللغات، بل لعله كقولك مثلاً لمن يمتلك حاجة أعجبتك: بعني هذه الحاجة بأي ثمن شئت. فأكيداً أنك لا تقصد ما يعادل قيمتها المتعارفة ألف مرة أو مليون مرة، ولا حتى مالك تلك الحاجة يفهم هذا، بل المقصود ربما ما يعادل قيمتها مرتين أو ثلاث.


            فالإمام يعلم أن لغة الغلام أعجمية، ورآه قد أعياه التعبير بالعربية، فقال له تكلم بأي لغة شئت فإني أفهم. أي لا تلتزم بالعربية فقط، بل كلمني بلغته التي تحسنها، وقد صُرح عنها بأنها اللغة التركية، كما في اللفظ الثاني للقصة.
            وحتى لو قلنا بأن المعنى هو تكلم بأي لغة من لغات العالم فإني أفهم عنك، فهو لا يعني بالضرورة أن يكون الإمام عالماً بكل اللغات فعلاً وعلى كل حال، بل معناه أن الله بمشيئته يُعلم الإمام حينها أي لغة يتكلم بها ذلك الغلام، فيبقى الأمر محكوماً بالقاعدة التي وضعها الأئمة (ع) عن كيفية علمهم وهي قول الباقر (ع): (يُبْسَطُ لَنَا الْعِلْمُ فَنَعْلَمُ ويُقْبَضُ عَنَّا فَلَا نَعْلَمُ) ( ).
            لأن العلم بكل اللغات على الدوام اعجاز – كما تقدم بيانه – والاعجاز لا يكون دائماً، ولا تتوقف عليه حجية المعصوم.
            بل لعل معرفة المعصوم للغات ومخاطبته لأهلها بها، هو أمر اعجازي، بمعنى أن الإمام يتكلم باللغة العربية ويُترجم للناس كلٌ بلغته، كما في القصة الآتية:

            روي أن أبان بن تغلب قال: غدوت من منزلي بالمدينة وأنا أريد أبا عبد الله عليه السلام فلما صرت بالباب، خرج علي قوم من عنده لم أعرفهم، ولم أر قوما أحسن زيا منهم، ولا أحسن سيماء منهم، كأن الطير على رؤوسهم، ثم دخلنا على أبي عبد الله عليه السلام، فجعل يحدثنا بحديث، فخرجنا من عنده، وقد فهم خمسة عشر نفرا منا متفرقوا الألسن: منها اللسان العربي، والفارسي، والنبطي، والحبشي والسقلبي، قال بعض: ما هذا الحديث الذي حدثنا به ؟ قال له آخر من لسانه عربي: حدثني بكذا بالعربية وقال له الفارسي: ما فهمت إنما حدثني كذا وكذا بالفارسية، وقال الحبشي: ما حدثني إلا بالحبشية، وقال السقلبي: ما حدثني إلا بالسقلبية، فرجعوا إليه فأخبروه، فقال عليه السلام: الحديث واحد، ولكنه فسر لكم بألسنتكم
            ) ( ).


            ثم إن الأئمة (ع) قد يعلموا بعض اللغات اكتساباً من خلال المعاشرة، أو لأن أكثر نسائهم وأمهاتهم وجداتهم من أصل أعجمي، وهذا أمر طبيعي في العوائل التي تكون كذلك.

            فليس من اللائق أننا كلما نسمع رواية تنص على أن المعصوم قد تكلم بغير اللغة العربية، نقول إنه تعلمها بالإعجاز أو بالإلهام، وكأن المعصوم محجوب عن اكتساب بعض لغات عصره، أو كأنه غير مؤهل لتعلم بعض اللغات فلابد من تدخل الاعجاز أو الإلهام، فالمعصوم ليس مجرد جهاز استقبال يبث ما يُرسل اليه فقط، فهذا تفكير سطحي للغاية، وهو اساءة للمعصوم في حقيقة الأمر.




            ---


            ---


            ---

            Comment

            • محمد الانصاري
              MyHumanity First
              • 22-11-2008
              • 5048

              #7
              رد: شبهة: المعصوم يُعرف بعلمه بكل اللغات - بقلم الشيخ ناظم العقيلي

              شبهة: المعصوم يُعرف بعلمه بكل اللغات

              (7)


              النبي (ص) يقرأ ويكتب بكل لسان:
              جاءت بعض الروايات تذكر أن النبي محمد (ص) كان يقرأ ويكتب بكل لسان أو بسبعين لسان، ونأتي الآن على الوقوف على دلالاتها:

              بصائر الدرجات - محمد بن الحسن الصفار - ص 245 – 247:
              حدثنا أحمد بن محمد عن أبي عبد الله البرقي عن جعفر بن محمد الصوفي ( ) قال سألت أبا جعفر عليه السلام محمد بن علي الرضا عليه السلام وقلت له يا بن رسول الله لم سمى النبي الأمي ؟
              قال: ما يقول الناس ؟
              قال قلت له: جعلت فداك يزعمون إنما سمى النبي الأمي لأنه لم يكتب.
              فقال: كذبوا عليهم لعنة الله انى يكون ذلك والله تبارك وتعالى يقول في محكم كتابه هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة فكيف كان يعلمهم ما لا يحسن والله لقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله يقرأ ويكتب باثنين وسبعين أو بثلاثة وسبعين لساناً وإنما سمى الأمي لأنه كان من أهل مكة و مكة من أمهات القرى وذلك قول الله تعالى في كتابه لتنذر أم القرى ومن حولها.



              الاختصاص - الشيخ المفيد - ص 263:
              أحمد بن محمد بن عيسى ، عن البرقي ، عن جعفر بن محمد الصوفي قال : سألت أبا جعفر محمد بن علي ابن الرضا عليهما السلام قلت له : ... مثله.


              علل الشرائع - الشيخ الصدوق - ج 1 - ص 124 – 125:
              أبى رحمه الله قال حدثنا سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسى عن ابن عبد الله محمد بن خالد البرقي عن جعفر بن محمد الصوفي قال : .... مثله.

              والكلام في هذه الرواية كالآتي:
              1 –
              نحن لا ننكر معرفة النبي (ص) للقراءة والكتابة، ولكن ظاهر القرآن ينفي عنه القراءة والكتابة قبل النبوة، قال تعالى:
              [وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ] العنكبوت: 48.
              وقال الإمام الرضا (ع) في جوابه لرأس الجالوت:
              [وكذلك أمر محمد (ص) وما جاء به وأمر كل نبي بعثه الله ومن آياته انه كان يتيماً فقيراً راعياً أجيراً لم يتعلم كتاباً ولم يختلف إلى معلم ثم جاء بالقرآن الذي فيه قصص الأنبياء عليهم السلام واخبارهم حرفاً حرفاً واخبار من مضى ومن بقي إلى يوم القيامة] ( ).


              ولذلك قال بعض علماء الشيعة بأن هذا مخصوص بما قبل البعثة أما بعدها فهو (ص) يعلم القراءة والكتابة، قال الشيخ المفيد:
              [وإذا كان الأمر على ما بيّنّاه ، ثبت أنّه صلَّى اللَّه عليه وآله كان يحسن الكتابة بعد أن نبّأه اللَّه تعالى على ما وصفناه ، وهذا مذهب جماعة من الإمامية ، ويخالف فيه باقيهم وسائر أهل المذاهب والفرق يدفعونه وينكرونه] ( ).

              واختار السيد المرتضى التجويز من غير قطع على العلم أو عدمه، حيث قال:
              (هذه الآية ( ) تدل على أن النبي صلى الله عليه وآله ما كان يحسن الكتابة قبل النبوة ، فأما بعدها فالذي نعتقده في ذلك التجويز لكونه عالما بالقراءة والكتابة ، والتجويز لكونه غير عالم بهما من غير قطع على أحد الأمرين ...) ( ).

              وقال أيضاً بعد أن طرح عليه السؤال الآتي:
              [ما الذي يجب أن يعتقد في النبي صلى الله عليه وآله، هل كان يحسن الكتابة وقراءة الكتب أم لا؟].
              فأجاب السيد المرتضى بقوله:
              [الجواب: وبالله التوفيق الذي يجب اعتقاده في ذلك التجويز، لكونه عليه السلام عالما بالكتابة وقراءة الكتب، ولكونه غير عالم بذلك، من غير قطع على أحد الأمرين.
              وإنما قلنا ذلك، لأن العلم بالكتابة ليس من العلوم التي يقطع على أن النبي والإمام عليهما السلام لابد من أن يكون عالما بها وحائزا لها
              ...] ( ).


              ثم إن قلنا بأنه (ص) علم القراءة والكتابة بعد النبوة أو مطلقاً كما تدل عليه بعض الروايات، فهل تعلمها بدون أي اكتساب طبيعي، أم باكتساب ؟
              فإن كان الأول فهو منحصر بالوحي دفعة واحدة فهو الاعجاز، وإن كان بالتدريج؛ يعني كما يتعلم الناس عند الاساتذة، تعلم النبي (ص) اللغة من جبرئيل (ع)، فهو ممكن لكل الناس ولا اشكال فيه، وسرعة التعلم تكون كلٌ بحسبه، ولكن لا تخرج عن الحال الطبيعي الى الاعجاز.

              وإن كان الثاني؛ فهو أمر طبيعي وقدرة النبي محمد (ص) عليه أكبر من قدرة أي مخلوق آخر سواء من البشر أم غيرهم، لكمال قدراته العقلية سلام الله عليه.
              وعلى أي حال فقراءة النبي وكتابته بلغة قومه أو ببعض اللغات أمر ممكن، ولكن الاشكال في معرفة النبي لكل اللغات أو لعشرات اللغات – كما تعبر بعض الروايات – أمر لا يكون إلا بالاعجاز، والاعجاز لا يكون إلا عند الضرورة، وليس دائماً وعلى أي حال.

              2 –
              هناك روايات تعارض رواية الباب الناطقة بأن النبي يقرأ ويكتب بثلاث وسبعين لسان، حيث نصت بعض الروايات على أن النبي (ص) كان يقرأ ولا يكتب، وهي:

              علل الشرائع - الشيخ الصدوق ج1 ص125 – 126:
              أبى رحمه الله قال حدثنا سعد بن عبد الله قال : حدثني معاوية بن حكيم عن أحمد بن أبي نصر عن بعض أصحابه عن ابن عبد الله (ع) قال:
              [كان مما من الله عز وجل على رسول الله صلى الله عليه وآله انه كان يقرأ ولا يكتب ، فلما توجه أبو سفيان إلى أحد كتب العباس إلى النبي صلى الله عليه وآله فجاءه الكتاب وهو في بعض حيطان المدينة فقرأه ولم يخبر أصحابه وأمرهم ان يدخلوا المدينة فلما دخلوا المدينة أخبرهم] .

              حدثنا محمد بن الحسن رضي الله عنه قال : حدثنا سعد بن عبد الله قال حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسين بن سعيد ومحمد بن خالد البرقي عن محمد ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله " ع " قال :
              [كان النبي (ص) يقرأ الكتاب ولا يكتب] .

              أبى رضي الله عنه قال حدثنا سعد بن عبد الله قال حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن أبان بن عثمان ، عن الحسن بن زياد الصيقل ( ) قال : سمعت أبا عبد الله يقول:
              [كان مما منَّ الله عز وجل به على نبيه صلى الله عليه وآله انه كان أمياً لا يكتب ويقرأ الكتاب].

              فكما ترى أن هذه الروايات صريحة في أن النبي محمد (ص) لم يكن يكتب وإن كان يقرأ، ولكنها أيضاً معارضة بغيرها، كالرواية الآتية:
              الكليني: وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) قَالَ:
              [كَانَ عَلِيٌّ (ع) كَثِيراً مَا يَقُولُ مَا اجْتَمَعَ التَّيْمِيُّ والْعَدَوِيُّ عِنْدَ رَسُولِ اللَّه ص وهُوَ يَقْرَأُ - إِنَّا أَنْزَلْنَاه بِتَخَشُّعٍ وبُكَاءٍ فَيَقُولَانِ مَا أَشَدَّ رِقَّتَكَ لِهَذِه السُّورَةِ فَيَقُولُ رَسُولُ اللَّه ص لِمَا رَأَتْ عَيْنِي ووَعَى قَلْبِي ولِمَا يَرَى قَلْبُ هَذَا مِنْ بَعْدِي فَيَقُولَانِ ومَا الَّذِي رَأَيْتَ ومَا الَّذِي يَرَى قَالَ فَيَكْتُبُ لَهُمَا فِي التُّرَابِ (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ والرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ) ...] ( ).


              وهي صريحة بأن النبي محمد (ص) كان يكتب بالعربية، وعموماً يمكن الجميع بين الروايات بأن النبي محمد (ص) كان يعلم الكتابة ولكنه لم يكتب فعلاً إلا في مواقف نادرة جداً، أو أن تكون الروايات النافية للكتابة محمولة على التقية. والله العالم.
              فيتحصل مما تقدم أنه لا إشكال في القول بأن النبي محمداً (ص) كان يقرأ ويكتب بالعربية، ولكن يبقى الاشكال حول اتقانه لثلاث وسبعين لغة أو اتقانه لكل اللغات، فهذا لا يمكن القول به إلا على نحو ما يأتي في النقطة الثالثة والرابعة.

              3 –
              أن تكون اللغات الثلاث والسبعين هي اللغات التي امتدت لها دعوة النبي محمد (ص) آنذاك، وعلم النبي محمد (ص) بتلك اللغات ليس فعلياً، بل هو أن الله تعالى يعلمه اللغة التي يحتاجها ويضطر اليها لتبليغ الرسالة في وقتها على نحو الاعجاز، والكلام في الاعجاز المؤقت يختلف عن الكلام في اتصاف المعصوم بالاعجاز على الدوام.


              وقد يقال بأن اتقان سبعين لغة أمر ممكن لعامة البشر فلماذا الاصرار على أنه اعجاز، وخصوصاً أن النبي محمداً (ص) يتمتع بأكمل عقل وذهن بحيث لا يدانيه بشر ؟
              أقول:
              نعم .. هذا ممكن لمثل النبي محمد (ص)، ولكننا جميعاً نعلم بأن النبي محمداً (ص) لم يتعلم ذلك من معلم، ولم ينقل لنا التاريخ انشغاله بتعلم اللغات، وهذا يعني أنه لم يكتسب تلك اللغات بالتعلم الطبيعي، فيبقى الأمر محصوراً بالوحي والالهام، وهو اعجاز لا محالة بمعناه العام، ونحن لا ننكر الاعجاز، ولكننا نقول بأن الاعجاز لا يمكن أن يتصف به المعصوم على الدوام، وله قانونه وضرورته، وأيضاً هكذا اعجاز ليس شرطاً في إمامة المعصوم.

              4 –
              وقد يكون النبي محمد (ص) لا يتكلم بغير العربية، ولكن يترجم كلامه لكل أهل لغة بلغتهم، كما في الرواية الآتية:
              علل الشرائع ج1 ص 126:
              حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني ( ) رضي الله عنه قال : حدثنا أبو العباس أحمد بن إسحاق الماذراني ( ) بالبصرة قال : حدثنا أبو قلابة عبد الملك بن محمد ( ) قال حدثنا غانم بن الحسن السعدي ( ) قال : حدثنا مسلم بن خالد المكي ( ) عن جعفر ابن محمد عن أبيه عليهما السلام قال :
              [ما أنزل الله تعالى كتاباً ولا وحياً إلا بالعربية فكان يقع في مسامع الأنبياء عليهما السلام بألسنة قومهم وكان يقع في مسامع نبينا بالعربية فإذا كلم به قومه كلمهم بالعربية فيقع في مسامعهم بلسانهم وكان أحدنا لا يخاطب رسول الله بأي لسان خاطبه إلا وقع في مسامعه بالعربية كل ذلك يترجم جبرئيل (ع) عنه تشريفا من الله عز وجل له] .

              وهذا الأمر اعجاز قطعاً، أضف الى هذا أنه قد يكون من خواص النبي محمد (ص)، كما يشير اليه نهاية الرواية أعلاه.
              وحتى على ما تحكيه الرواية لا دلالة فيه على كونه شرطاً في إمامة المعصوم أبداً.


              والآن نأتي على ذكر بقية الروايات التي تخص النبي محمداً (ص):
              علل الشرائع ج1 ص125:
              حدثنا محمد بن الحسن رضي الله عنه قال حدثنا سعد بن عبد الله قال حدثنا الحسن بن موسى الخشاب ، عن علي بن حسان وعلي بن أسباط وغيره رفعه عن أبي جعفر (ع) قلت إن الناس يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله لم يكتب ولا يقرأ فقال:
              [كذبوا لعنهم الله أنى يكون ذلك وقد يكون وقد قال الله عز وجل (وهو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وان كانوا من قبل لفي ضلال مبين) فكيف يعلمهم الكتاب والحكمة وليس يحسن ان يقرأ ويكتب ، قال قلت فلم سمي النبي الأمي قال لأنه نسب إلى مكة وذلك قول الله عز وجل لتنذر أم القرى ومن حولها قام القرى مكة فقيل أمي لذلك] .
              وهذه الرواية غاية ما تدل عليه أن النبي محمداً (ص) كان يقرأ ويكتب، وهو يصدق على لغة واحدة، وهي العربية طبعاً، والذي يزعم أكثر من ذلك فعليه الدليل.

              علل الشرائع ج1 ص125:
              حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار رحمه الله ( ) قال : حدثنا سعد بن عبد الله قال :حدثنا عبد الله بن عامر عن عبد الرحمن بن أبي نجران عن يحيى بن عمر ( ) عن أبيه ( ) عن أبي عبد الله عليه السلام انه سئل عن قول الله تبارك وتعالى وأوحى إلى هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ قال:
              [بكل لسان].
              فقد يقال أن هذه الرواية تدل على أن النبي محمد (ص) بلغ القرآن بكل لسان !
              ويرد عليه:
              1 –
              لم ينقل لنا بأن النبي محمداً (ص) بلغ القرآن بغير العربية، فضلاً عن كل اللغات.
              2 -
              وقد يكون معنى [بكل لسان] ألسن الأئمة الأوصياء (ع) الى يوم القيامة، كما تنص عليه الروايتان الآتيتان في تفسير قوله تعالى {وأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لأُنْذِرَكُمْ بِه ومَنْ بَلَغَ}:
              الكليني: الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْوَشَّاءِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَائِذٍ عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ عَنْ مَالِكٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) قَوْلُه عَزَّ وجَلَّ : (وأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لأُنْذِرَكُمْ بِه ومَنْ بَلَغَ) قَالَ:
              [مَنْ بَلَغَ أَنْ يَكُونَ إِمَاماً مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ فَهُوَ يُنْذِرُ بِالْقُرْآنِ كَمَا أَنْذَرَ بِه رَسُولُ اللَّه (ص)]
              ( ).
              الكليني: أحْمَدُ عَنْ عَبْدِ الْعَظِيمِ عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ عَنْ مَالِكٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) : ... مثله سواء ( ).


              فيكون المراد من قوله [بكل لسان] ليس كل اللغات بل كل لسان من الأئمة الأوصياء من آل محمد (ع) الى يوم القيامة، فكلهم ينذر بالقرآن وليس النبي محمد (ص) فحسب، فتكون رواية [بكل لسان] أجنبية عن موضوع اللغات بالكلية.


              ولكن من المقطوع به أن في دولة العدل الإلهي سينذر كل العالم بالقرآن، سواء يترجم القرآن الى لغاتهم أو أن كل العالم يتعلم القرآن بلغته العربية، وهذا أيضاً لا يعني أن يكون الإمام المهدي (ع) عالماً بكل لغات العالم، بل هذا سيكون مجموع جهود الأمة المهتدية، ويكون الأمر تدريجياً لا دفعياً.


              الصفار في بصائر الدرجات:
              حدثنا الحسن بن علي عن أحمد بن هلال عن خلف بن حماد عن عبد الرحمن بن الحجاج قال قال أبو عبد الله عليه السلام:
              [ان النبي صلى الله عليه وآله كان يقرأ ويكتب و يقرأ ما لم يكتب] ( ).
              وهذه الرواية لا تثبت أكثر من قراءة النبي (ص) وكتابته، وهو لا ننكره، وليس موضوعنا الآن.

              عيون أخبار الرضا (ع) ج1 ص238:
              حدثنا المظفر بن جعفر بن المظفر ( ) رضي الله عنه قال حدثنا جعفر بن محمد بن مسعود ، عن أبيه قال حدثنا محمد بن نصير ، عن الحسن بن موسى قال روى أصحابنا ( ) عن الرضا (ع) أنه قال له رجل أصلحك الله كيف صرت إلى ما صرت إليه من المأمون فكان أنكر ذلك عليه فقال له أبو الحسن (ع):
              [يا هذا إنما أفضل النبي أو الوصي ؟].
              فقال: لا بل النبي.
              قال: [فأيما أفضل مسلم أو مشرك ؟].
              قال: لا بل مسلم.
              قال: [فان العزيز عزيز مصر كان مشركا وكان يوسف (ع) نبيا وان المأمون مسلم وانا وصى ويوسف سأل العزيز ان يوليه حين قال اجعلني على خزائن الأرض انى حفيظ عليم والمأمون أجبرني ما أنا فيه وقال (ع) في قوله تعالى (اجعلني على خزائن الأرض انى حفيظ عليم) قال حافظ لما في يدي عالم بكل لسان].


              علل الشرائع ج1 ص 125:
              حدثنا محمد بن الحسن رحمه الله قال : حدثنا سعد بن عبد الله بن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن شريف بن سابق التفليسي ( ) ، عن الفضل بن أبي قرة ( ) عن أبي عبد الله (ع) في قول يوسف إجعلني على خزائن الأرض انى حفيظ عليم ، قال:
              [حفيظ بما تحت يدي عليم بكل لسان] .


              والكلام عن هاتين الروايتين، كما يلي:
              1 -
              غاية ما تدل عليه هاتان الروايتان أن نبي الله يوسف (ع) كان عالماً بكل اللغات التي كانت في مصر أو في البلاد التي حولها، وبالتالي لا دلالة على معرفته كل اللغات، لأن أداة العموم [كل] مختلف في افادتها للعموم دائماً، ففي أدواة العموم ثلاث مذاهب؛ فهناك أرباب العموم؛ الذين يقولون بأنها موضوعة حقيقة في العموم مجاز في الخصوص. وهناك أرباب الخصوص؛ الذين يقولون بأنها حقيقة في الخصوص مجاز في العموم. وهناك أرباب التوقف؛ الذين يقولون بأنها مشتركة بين العموم والخصوص وتصرف الى أحدهما بقرينة.


              وهذا نص كلام السيد المرتضى (ره):
              [فصل في ذكر الدلالة على أنه ليس للعموم المستغرق لفظ يخصه واشتراك هذه الألفاظ التي يدعى فيها الاستغراق . الذي يدل على ذلك أن كل لفظة يدعون أنها للاستغراق تستعمل تارة في الخصوص ، وأخرى في العموم .... وهذه الجملة تقتضي اشتراك هذه الألفاظ ، واحتمالها العموم والخصوص ، وهو الذي اعتمدناه] ( ).

              وليس السيد المرتضى وحده على هذا الرأي بل الشيخ المفيد (ره) أيضاً، حيث قال في الكلام عن إثبات إمامة الإمامين الجواد والمهدي (ع):
              [ ... مع أن العموم لا صيغة له عندنا ...] ( ).
              يعني أن صيغ العموم غير موضوعة للعموم فقط بل قد تستعمل في العموم وقد تستعمل في الخصوص والذي يعين أحدهما إنما هو القرينة أو الدليل.


              بل الشيخ الطوسي نسب هذا المذهب الى كثير من الشيعة، حيث قال: [ ... أن العموم لا صيغة له على مذهب كثير من أصحابنا ...] ( ).

              والشيخ المفيد (ره) قد نقض على أصحاب العموم حتى بعض القضايا المسورة بـ [كل]، كقوله تعالى: {فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ } الأنعام:44. حيث قال: [ولم يفتح عليهم أبواب الجنان ولا أبواب النار].
              وأيضاً قوله تعالى: {... ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } البقرة:260. حيث قال: [وإنما أراد بعض الجبال]، ثم أكمل بقوله: [وكقول القائل: جائنا فلان بكل عجيبة ، والأمثال في ذلك كثيرة ، وهو كله عام في اللفظ ، خاص بقصوره عن الاستيعاب] ( ).
              ومحل الشاهد هو يوسف (ع) وعلمه بكل لسان، فهو لا يدل على عموم الألسن، بل الألسن التي يضطر لها ويبتلى بها في ادارته لخزائن الأرض في مصر آنذاك.


              2 –
              لا دلالة في الروايتين على أن معرفة كل اللغات شرط في ثبوت إمامة المعصوم.
              3 –
              جاء في الرواية عن الإمام الصادق (ع) بأن أبا طالب (ع) قد أسلم بكل لسان:
              الكليني: عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّه ومُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّه رَفَعَه عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) قَالَ: [إِنَّ أَبَا طَالِبٍ أَسْلَمَ بِحِسَابِ الْجُمَّلِ قَالَ بِكُلِّ لِسَانٍ] ( ).
              فهل يعني هذا أن أبا طالب (ع) نطق بالشهادتين بكل اللغات ؟!
              لا يستطيع أحد ادعاء أو اثبات ذلك، بل ما يمكن قوله أنه أسلم بالعربية، وهناك خبراً يذكر بأنه أسلم بالحبشية، أما جميع اللغات فدون اثباته خرط القتاد.
              إذن اداة [كل] لا تعني العموم دائماً.

              4 -
              كلٌ من الروايتين ضعيف السند، كما موضح في الهامش.

              بحار الأنوار ج35 ص78:
              مناقب ابن شهرآشوب: تفسير الوكيع قال: حدثني سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، عن أبيه، عن أبي ذر الغفاري قال:
              [والله الذي لا إله إلا هو ما مات أبو طالب حتى أسلم بلسان الحبشة وقال لرسول الله صلى الله عليه وآله: أتفقه الحبشة ؟ قال: يا عم إن الله علمني جميع الكلام، قال: (يا محمد اسدن لمصافا قاطالاها) يعني أشهد مخلصاً: لا إله إلا الله، فبكى رسول الله صلى الله عليه وآله وقال: إن الله أقر عيني بأبي طالب].

              1 –
              الرواية عامية وضعيفة السند.
              2 –
              يجري في صيغة العموم (جميع) ما جرى في (كل) فيما تقدم، فتبقى دلالتها على العموم متوقفة على القرائن الحالية والمقالية، وليس دائماً.
              3 –
              وأيضاً يجري في قوله (جميع الكلام) ما جرى في بعض الروايات المتقدمة، وهو أن معرفة كل اللغات هنا بالقوة لا بالفعل، يعني أن المعصوم يعلمه الله أي لغة إن اضطر اليها ولا يوجد سبب طبيعي للمعرفة أو الترجمة الى غير ذلك من الأسباب.
              4 –
              وقد يكون ذلك بالمعجزة، كما تقدم، وهو أن الرسول (ص) يتكلم بالعربية ويُترجم كلامه بلغات السامعين، وكذلك يُترجم كلام من يخاطبه الى العربية، والمعجزة ليست شرطاً في اثبات إمامة المعصوم.
              5 –
              لا دلالة في الرواية المتقدمة على أن معرفة جميع اللغات شرط في اثبات إمامة المعصوم، وأن المعصوم يجب عليه أن يتكلم بأي لغة تُطلب منه.

              تفسير القمي ج2 ص129:
              وقال الصادق عليه السلام:
              [وأعطي سليمان بن داود مع علمه معرفة المنطق بكل لسان ومعرفة اللغات ومنطق الطير والبهايم والسباع فكان إذا شاهد الحروب تكلم بالفارسية وإذا قعد لعماله وجنوده وأهل مملكته تكلم بالرومية وإذا خلا بنسائه تكلم بالسريانية والنبطية وإذا قام في محرابه لمناجاة ربه تكلم بالعربية وإذا جلس للوفود والخصماء تكلم بالعبرانية].

              1 –
              الرواية مرسلة، فهي بلا إسناد أصلاً.
              2 –
              يجري في قوله (ع): (بكل لسان) ما قلته حول ورود هذه العبارة في روايات متقدمة، من حيث عدم ملازمة معناها للكلية، وكونها بالقوة لا بالفعل، ومن شاء التفصيل فليراجع.
              3 –
              لا دلالة في الرواية على أن العلم باللغات من شرائط الإمامة.
              ومحصلة الكلام عن الروايات التي تتكلم عن معرفة المعصوم بكل اللغات أو معظمها؛ أنها لا تخلو من الخدشة سنداً ودلالة والنكارة أيضاً في بعضها أو أغلبها.




              ---


              ---


              ---

              Comment

              Working...
              X
              😀
              🥰
              🤢
              😎
              😡
              👍
              👎