إعـــــــلان

Collapse
No announcement yet.

قراءة في الوضع السايسي والاجتماعي قبل استشهاد الامام الحسين ع

Collapse
X
 
  • Filter
  • الوقت
  • Show
Clear All
new posts
  • kehf_alfetya
    مشرف
    • 23-06-2012
    • 380

    قراءة في الوضع السايسي والاجتماعي قبل استشهاد الامام الحسين ع

    بسم الله الرحمن الرحيم
    اللهم صلي على محمد وال محمد الائمة والمهديين وسلم تسليما كثيرا

    أثرت الاحداث الرهيبة التي عاصرها الامام الحسين (ع) تاثيراهائلا في تغيير مناهج الحياة الفكرية والاجتماعية في الاسلام، كما لعبت دورها الخطير على مسرح الحياة السياسية على امتداد التاريخ، وكان من أبرز نتائج تلك الاحداث التناحر على السلطة، والتنافس على الحكم ،والصراع على الظفر بخيرات البلاد .

    وكان من الطبيعي ان يحدث ذلك الصراع السياسي باقسى صوره ،وأبشع ألوانه، وان يحتدم الجدال كاشد واعنف ما يكون الجدال فقد سحرت عيون الكثيرين من الصحابة والتابعين ما رؤوه من ألوان الترف ، وخفض العيش ورقته، وما شاهدوه من جلال الملك الذي أزالوه من فارس، وما احتلوه من بلاد الروم، وهالتهم الفتوحات التي تقوم بها الجيوش الاسلامية، وما يفتح الله على أيديهم، وما يجلبونه من البلاد المحتلة من الرقيق، وسائر الاموال التي لم يكونوا يحملون بالنظر اليها، كل ذلك دفعهم إلى التهالك على السلطة، وفتنهم عن دينهم .
    واستشف الرسول الاعظم (ص) من وراء الغيب ما تبلغه أمته من المجد والسيادة على جميع شعوب الارض، وسقوط الدول الكبرى تحت وطاة الزحف الاسلامي المقدس، فادع ذلك بين المسلمين وآمنوا به كجزء من عقيدتهم، كما استشف النبي (ص) من وراء الغيب ما تمنى به أمته من الفتنة والفرقة فاحتاط لها كاشد ما يكون الاحتياط فوضع لها رصيدا يحسم كل داء، ويقضي على كل خلاف فدلل على امامة العترة الطاهرة من أهل بيته الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، ولم يكن بذلك مدفوعا بدافع العاطفة أو الحب فان شان النبوة أسمى من أن يخضع لاي عامل من عوامل الحب أو غيره من الاعتبارات المادية .
    وبلغت أحاديث الرسول (ص) في فضل عترته حد التواتر، ولم يتطرق إليها الريب والشك عند أحد من المسلمين، فقد قرنهم بمحكم التنزيل - الذي لا ياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه - وجعلهم سفن النجاة وأمن العباد، وأما سيد العترة الامام أمير المؤمنين (ع) فانه - حسب النصوص النبوية - أخو النبي ونفسه، وباب مدينة علمه، واقضى امته ، وانه منه بمنزلة هارون من موسى، ومن كنت مولاه فهذا علي مولاه...
    ولكن القوم كرهوا اجتماع النبوة والخلافة في بيت واحد فتاولوا النصوص وزووا الخلافة عن أهل بيت النبوة، ومعدن الحكمة، ومهبط الوحي ، وحرموا الامة من التمتع بظلال حكمهم الهادف إلى نشر عدالة السماء في الارض .
    وأدت عملية الفصل إلى التطاحن الفظيع على كراسي الحكم بين الاسر البارزة في الاسلام، فمنيت الامة من جراء ذلك بالكوارث والخطوب الني أحالت الحياة في تلك العصور إلى جحيم لا يطاق، فقد كان حكم النطع والسيف هو السائد بين الناس.


    وظهر الصراع السياسي يابشع ألوانه حينما استولى الامام أمير المؤمنين عليه السلام على زمام السلطة في البلاد، فقد تحركت القوى الطامعة في الحكم وهي تعلن العصيان المسلح محاولة بذلك اسقاط حكومته التي احتضنت مصالح الشعوب الاسلامية، وتبنت حقوق الانسان وراحت تؤسس معالم العدل والحق، وتدك حصون الظلم، وتنسف قلاع الباطل، وترفع منار الكرامة الانسانية، وتقضي على جميع أسباب التخلف والفساد التي تركها الحكم المباد .
    لقد أوجد الامام انقلابا جذريا، وتحولا اجتماعيا في الميادين السياسية والفكرية والاقتصادية، التي كان منها العدالة في التوزيع، وإلغاء الامتيازات التي منحتها حكومة عثمان لبني أمية وآل أبي معيط، ومصادرة الاموال التي اختلسوها بغير حق وعزل الولاة وسائر الموظفين الذين اتخذوا الحكم وسيلة للاثراء والاستعلاء على الناس بغير حق .
    وقد أدت التغييرات الاجتماعية التي أوجدتها حكومة الامام إلى زيادة الازمات النفسية في نفوس القرشيين وغيرهم من الحاقدين على الاصلاح الاجتماعي، فايقنوا أن حكومة الامام ستدمر مصالحهم الاقتصادية وغيرها ، فهبوا متضامنين إلى اعلان المعارضة، ومن المؤسف - حقا - أن تضم المعارضة بعض أعلام الصحابة كطلحة والزبير، وأن يكون العضو البارز فيها السيدة عائشة زوج النبي (ص) ومن المؤكد أنه لم تكن للمعارضين أية أهداف اجتماعية أو اصلاحية، وإنما دفعتهم الانانية والاطماع حسب التصريحات التي أدلوا بها في كثير من المناسبات، وقد كان في طليعة القوى المنامرة على الامام الحزب الاموي فقد سخر جميع أرصدته المالية التي حصل عليها أيام حكومة عثمان، فجعلها تحت تصرف المعارضين فاشتروا جميع أدوات الحرب ووهبوا الكثير من الاموال للمرتزقة وقد اندلعت بذلك نار الحرب التي اسماها بعض المؤرخين بحرب الجمل، وقد أسرع الامام اليها فاخمد نارها، وقضى على معالمها، إلا انها اسفرت عن أفدح الخسائر التي مني بها المسلمون، فقد فتحت باب الحرب بين المسلمين، ومهدت الطريق إلى معاوية أن يعلن تمرده على الامام، ويناجزه أعنف الحروب، وأشدها ضراوة .
    وأخذت الاحداث الجسام يتصل بعضها ببعض، ويتفرغ بعضها على بعض حتى انتهت بمقتل الامام أمير المؤمنين، وخذلان ولده الحسن وانتصار القوى الحاقدة على الاسلام، ويعرض هذا الكتاب الى تفصيل ذلك بصورة موضوعية بما لا تحيز فيه.

    ونجحت الاموية باساليبها الماكرة، وبما استخدمته من وسائل دبلوماسيتها الغادرة في الاستيلاء على السلطة في البلاد، وظهرت على الصعيد الاسلامي دولة الامويين بقيادة زعيمهم معاوية بن أبي سفيان القائد الاول لجميع عمليات الحروب التي ناهضت الاسلام حينما فجر المعلم والقائد الرسول (ص ) دعوته الخلافة الهادفة لتطوير الوعي الاجتماعي، وتاسيس مجتمع يقوم على العدل والمساواة .
    ووقعت الامة فريسة تحت أنياب الامويين، واستسلمت لحكم إرهابي عنيف تتصاعد فيه الاحقاد والاضغان على قيم الامة ومكوناتها الفكرية والاجتماعية، وإزالة ما حققه الاسلام من المكاسب على الصعيد الاقتصادي والسياسي والتربوي .
    واتجهت السياسية الاموية تضع المخططات الرهيبة للقضاء على مقومات الامة، واستئصال أرصدتها الروحية والفكرية، وكان من أفجع وأقسى ما اتخدته من المقررات السياسية ما يلي :
    أ - الحط من قيمة أهل البيت الذين هم مركز الوعي الاجتماعي في الاسلام، والعصب الحساس في جسم الامة الذي يمدها بالنهوض والارتقاء وقد سخرت السلطة جميع أجهزتها السياسية والاقتصادية، وسائر امكانياتها الاخرى لتحويل قلوب المسلمين عن أهل البيت وفرض بغضهم على واقع الحياة الاسلامية، وجعله جزءا لا يتجزء من الاسلام، وقد استخدمت في هذا السبيل أجهزة التربية والتعليم، وأجهزة الوعظ والارشاد وغيرها ، واتخذت سب العترة على المنابر فرضا واجبا تحاسب عليه وتنزل أقصى العقوبات على من يتهاون في أدائه .
    ب - ابادة العناصر الواعية في الاسلام، والتي تربت على هديه وواقعه فقد ساقت الى ساحات المجازر أعلام الاسلام كحجر بن عدي وميثم التمار ورشيد الهجري، وعمرو بن الحمق الخزاعي، وأمثالهم من الذين يملكون القدرة على التوجيه الاجتماعي، والقابلية على صيانة الامة من الانحراف والسلوك في المنعطفات، وتذرعت السلطة في سفك دمائهم من أنهم خلعوا يد الطاعة، وفارقوا الجماعة، ولم يكن لذلك أي نصيب من الصحة، وإنما رؤا الاتجاه السياسي يتصادم مع الدين، ويتصادم مع مصالح الامة فامروا السلطة بالاستقامة والخلود الى التوازن، ومجافاة الاضرار بمصالح المجتمع، فاستباحت من أجل ذلك دمائهم .
    ج - تغيير الواقع المشرق للاسلام، وقلب جميع مفاهيمه ومقوماته ، وتدنيسه بالخرافات والاوهام حتى تشل طاقاته، ويصبح عاجزا عن مسايرة الحياة، والانطلاق مع الانسان لتنمية ملكاته، وقدراته وتطوير وسائل حياته ووضعت الحكومة لجان الوضع، ورصدت لها الاموال الهائلة لتضع الاحاديث على لسان المنقذ العظيم الرسول (ص) لتكون من بنود التشريع وتلحق بقافلة السنة التي هي من مدارك الاحكام، وقد راح الوضاعون يلفقون الاكاذيب، وينسبونها للنبي (ص) وكثير مما وضعوه يتنافى مع منطق العقل، ويتجافى مع سنن الحياة، ومن المؤسف أنها دونت في كتب السنة، ودرجت في كتب الاخبار، مما اضظر بعض تلك المسلمون فانه لم يكن الابتلاء به آنيا من الزمن، وانما ظل مستمرا مع امتداد التاريخ فقد تفاعلت تلك الموضوعات مع حياة الكثيرين من المسلمين، وظلوا متمسكين بها على أنها جزء من دينهم، وقد وضعت الحواجز في نمو المواهب وانطلاق الفكر، كما بقيت حجر عثرة في طريق التطور والابداع الذي يريده الاسلام لابنائه .

    وعانى الانسان المسلم في عهد معاوية ضروبا شاقة وعسيرة من المحن والبلوى، فقد جهدت حكومة معاوية على نشر الظلم والجور في جميع أرجاء البلاد، وعهدت بامور المسلمين الى الجلادين والجزارين أمثال زياد بن أبيه وبسر بن أبي ارطاة، وسمرة بن جندب والمغيرة بن شعبة، وأمثال هؤلاء من أرجاس البشرية، وقد صبوا على الناس وابلا من العذاب الاليم لم تشهد له الانسانية مثيلا في كثير من مراحل تاريخها .
    لقد كانت المظالم الاجتماعية - في عهد معاوية - بمراى من الامام الحسين عليه السلام ومسمع، فروعته وافزعته إلى حد بعيد، فقد كان بحكم قيادته الروحية لامة جده يحسن باحاسيسها، ويتالم لآلامها، ويحيا بحياتها، وكان من أعظم ما عاناه من المحن والخطوب تتبع الجزارين والجلادبن من ولاة معاوية لشيعة أهل البيت امعانا في قتلهم، وحرقا لبيوتهم، ومصادرة لاموالهم، لا يالون جهدا في ظلمهم بكل طريق، وقد قام الامام بدوره في شجب تلك السياسة الظالمة فبعث المذكرات الصارخة لطاغية دمشق يشجب فيها الاجراءات الظالمة التي اتخذها عماله وولاته لابادة محبي أهل البيت والعارفين بفضلهم، وقد جاء في بعض بنودها أنه نفى أن يكون معاوية من هذه الامة، وانما هو عنصر غريب، ومعاد لها، والحق إنه كذلك فقد أثبتت تصرفاته السياسية أنه من ألد أعدائها، وانه كان يبغي لها الغوائل ويكيد لها في غلس الليل، وفي وضح النهار، قد جهد في اذلالها وارغامها على الجور .
    وكان من أفج مارزا به معاوية الامة أنه فرض خليعه المهتوك يزيد القرود والفهود - كما يسميه المؤرخون - خليفة عليها يعيث في دينها ودنياها، ويجر لها الويلات والخطوب .

    وفقدت الامة في عهد معاوية وخليعه يزيد جميع عناصرها ومقوماتها ولم تعد خير أمة أخرجت للناس - حسب ما يريده الله لها - فقد عاث فيها معاوية فرباها على الوصولية والانتهازية، ورباها على الذل والعبودية ، وسلب عنها صفاتها، وجرد عنها أخلاقها القويمة، فلم تعد تهتم بتحقيق أهدافها وآمالها، ولا بما يضمن لها الحياة الكريمة، قد استسلمت للحكم الاموي، وقبعت ذليلة مهانة تحت وطاة سياطه، وهو يسفك دماءها ، ويستنزف ثرواتها، ويشبع فيها الجور والفساد، فقد تخدرت بشكل فظيع وأصبحت جثة هامدة لا وعي فيها ولا حراك، فلم تهب للدفاع عن كرامتها وعزتها، ولم تنطلق في ميادين الشرف والتضحية لتحمي نفسها من الظلم والاعتداء .
    راى الامام الحسين (ع) وهو سبط الرسول (ص) وأمله الباسم الذي تجسدت فيه جميع طاقاته حالة المسلمين، وما هم فيه من الذل والهوان وانهم لم يعودوا تلك الامة العظيمة التي تبنت رسالة الاسلام، وحملت مشعل الهداية والنور إلى جميع شعوب الارض .
    واستوعب الالم القاسي مشاعر الامام وعواطفه، وراح يطيل التفكير وينفق الليل ساهرا في انقاذ دين جده العظيم، وحمايته من الردة الجاهلية ، فعقد المؤتمرات تارة في مكة وأخرى في يثرب، وعرض على الصحابة وأبنائهم الحالة الراهنة التي مني بها المسلمون، وأخذ يدلي بمنكرات معاوية وموبقاته، وقد استبان له أن هذه الطريقة لا تجدي باي حال في ميادين الاصلاح الاجتماعي، ولا يمكن أن ترد شوارد الاهواء وترجع للامة مافقدته من معنويات، فراى أنه بين أمرين لا ثالث لهما وهما :
    1 - أن يسالم الامويين، ويبايع ليزيد، ويغض الطرف عما تقترفه السلطة من الظلم والجور، وما تعانيه الامة من الازمات في مجالاتها العقائدية والاجتماعية، ويكون بذلك - على سبيل الاحتمال لا القطع - قد ضمن سلامته وحياته، ولكن هذا مما ياباه الله له، وياباه ضميره الحي المترع بتقوى الله فهو بحسب مكانته من رسول الله (ص) مسؤول أمام الله عن صيانة الامة وحماية أهدافها ومبادئها، ومسؤول أمام جده الرسول (ص) عن رعاية الاصلاح الاجتماعي، وصيانة الاسلام من عبث العابثين، وكيد الفاجرين وقد أعلن سلام الله عليه هذه المسؤولية الخطيرة وما يفرضه الواجب عليه في خطابه الذي ألقاه على الحر و أصحابه من شرطة ابن زياد قائلا :
    " أيها الناس إن رسول الله (ص) قال :
    من راى سلطانا جائرا مستحلا لحرم الله ناكثا عهده، مخالفا لسنة رسول الله يعمل في عباد الله بالاثم والعدوان فلم يغير عليه بفعل ولا قول كان حقا على الله أن يدخله مدخله.." .
    لقد كان الواجب الشرعي حسبما أدلى به مما يحتم عليه القيام في مقارعة الظلم ومناهضة الجور، والضرب على أيدي المعتدين والظالمين .
    2 - أن يعلن الثورة، ويضحي بنفسه وأهل بيته وشيعته، وهو على يقين بعدم نجاح الثورة، فقد درس أوضاع المجتمع، وعرف أن الدين لعق على ألسنة الناس، إلا أنه أيقن أن تضحيته ستعود على المسلمين بالخير العميم فستتحرر ارادتهم، ويهبون الى ميادين الجهاد، ويرفعون أعلام الحرية وينزلون الجبابرة الطغاة من بني أمية من عروشهم إلى قبورهم واختار هذا الطريق المشرق على ما فيه من ماسي وخطوب لا يطيقها أى كائن حي .




    ودرس الامام أبعاد التضحية بعمق وشمول، فراى أن يزج بجميع ثقله في المعركة، ويقدم أروع النضحيات التي تهز الضمير الانساني على امتداد التاريخ، وتعيد للامة أصالتها ووعيها عبر أجيالها الصاعدة...
    لقد خطط الامام فصول ماساته، وفصول تضحيته على أسس عميقة من الوعي والادراك بحيث تؤدي إلى النتائج المشرقة التي منها انتصار القضية الاسلامية وإعادة الحياة الدينية الى شرايين الامة، وازالة التخدير الذي بسطه الامويون على جميع أجزائها .
    وقد أعلن سلام الله عليه ما صمم عليه، وأذاع فصول ماساته الخالدة في كثير من المناسبات، وهذه بعضها .
    1 - أدلى بمصرعه، وهو بمكة في خطابه الذي أعلن فيه الثورة على بني امية، فقد جاء فيه " وخير لي مصرع أنا لاقيه كاني باوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلا...
    " أليس في هذا الكلام دلالة على روعة العزم والتصميم على التضحية ؟ ! أليس فيه اخبار جازم عن مصرعه الكريم، وأنه في كربلاء، فهي التي تحضى بموارة جثمانه الطاهر كما أذاع ذلك جده وأبوه من قبل .
    2 - وأعلن الامام العظيم الماسي الاليمة، والخطوب المفجعة التي تحل باهل بيته من القتل والسبي والاسر، وذلك حينما أشار عليه ابن عباس بان لا يحمل معه مخدرات النبوة وعقائل الوحي الى العراق، ويتركهن في يثرب حتى تستقيم له الامور، فاجابه الامام قائلا :
    " قد شاء الله أن يراهن سبايا " .
    لقد صحب معه عياله وهو يعلم ما سيجري عليها من الاسر والسبي لان بها سوف تستكمل رسالته، وتؤدي فعاليتها في القضاء على العرش الاموي واعادة الحياة الاسلامية الى واقعها المضيئ .
    3 - كان الامام يتحدث وهو في طريقه الى العراق من أن راسه الشريف سوف يرفع على الحراب فيطاف به في الاقطار والامصار، ويهدى الى بغي من بغايا بني أمية كما صنع براس أخيه يحيى بن زكريا حيث أهدي الى بغي من بغايا بني اسرائيل .
    لقد استهان بجميع ما يعانيه في سبيل احقاق الحق، واعلاء كلمة الله في الارض .




    وفجر الامام ثورته الكبرى التي أوضح الله بها الكتاب، وجعلها عبرة لاولي الالباب، وهي بجميع مخططاتها جزء من رسالته الاسلام وامتداد مشرق لثورة الرسول الاعظم، وتجسيد حي لاهدافه وآماله، ولولاها لذهبت جهود النبي، وضاعت آماله، ولم يبق للاسلام أثر ولا عين .
    لقد انتصر الامام الحسين (ع) وفتح الله له الفتح المبين، فقد أشرقت سماء الاسلام بثورته الخالدة، وتفاعلت تضحيته مع مشاعر الناس وعواطفهم، وامتزجت بقلوبهم، وأصبحت أعظم مدرسة للايمان بالله ، تبث روح العقيدة والفداء في سبيل الحق والعدل، وتغدي الناس بالقيم الكريمة والمثل العليا، وتعمل على توجيههم نحو الخير وتهديهم إلى سواء السبيل .
    لقد أقبل الناس بلهفة على ماساة أبي الاحرار، وهم يمنعون النظر في فصولها ويقتبسون منها أروع الدروس عن الكرامة والتضحية ، والبطولات الخارقة والعزة التي لا يلويها الظلم والجور .
    إن الانسانية لتنحني اجلالا واكبارا للامام العظيم الذي رفع راية الحق عالية خفاقة.
    وتبنى حقوق المظلومين، ودافع عن مصالح المضطهدين...
    وانها لتمجد ذكره أكثر مما تمجد أي مصلح اجتماعي في الارض، وقد أحرز الامام العظيم بذلك من النصر ما لم يحرزه غير من المصلحين في العالم .
    لقد كان من أوليات النصر الذي حققه الامام تحطيم الكيان الاموي فقد وضعت ثورته الخالدة العبوات الناسفة في قصور الامويين، وألغمت طريقهم، فلم يمض قليل من الزمن حتى تفجرت فاطاحت برؤوس الامويين واكتسحت نشوة نصرهم، وجعلتهم أثرا بعد عين، ويعرض هذا الكتاب بصورة موضوعية إلى بعض ما قدمته الثورة من المعطيات المشرقة على الصعيد الفكري والاجتماعي للعالم الاسلامي .


    ولن يستطيع التاريخ الاسلامي أن ياخذ حظه من الحياة اذا كان مثقلا بالقيود والاغلال، ولم يخضع للدراسة والنقد، فلا بد أن تتسلط مجاهر البحث العلمي النزيه على أحداثه، وتدرس بدقة وتجرد، شان غيره من تاريخ الاممم الحية التي تتناول أحداثه أقلام المفكرين والباحثين بكثير من العمق والتحليل، فان دراسة التاريخ عندهم تحتل الصدارة في دراساتهم الثقافية والعلمية .
    إنا إذا أردنا للتاريخ الاسلامي أن يزدهر، ويساير النهضة الفكرية ، والتطور العلمي في هذه العصور، فلا بد من دراسته دراسة واعية تعتمد على المناهج العلمية، وعلى التجرد من النزعات المذهبية والتقليدية، فننظر بدقة إلى الاحداث الجسام التي دهمت المسلمين في عصورهم الاولى فانها - فيما تعتقد - مصدر الفتنة الكبرى التي اخلدت لهم المصاعب، وجرت لهم الفتن والخطوب على امتداد التاريخ .
    إن البحث عن التاريخ الاسلامي في تلك الحقبة الخاصة من الزمن إذا لم يعرض لتلك الاحداث بالبسط والتحليل، ولم يلق الاضواء على دوافعها ومجرياتها فانه يكون بحثا تقليديا لا روح فيه، ولا ثمرة تعود فيه على القراء .
    وقد ألمعنا في الحلقة الاولى من هذا الكتاب إلى الكثير من الاحداث وعرضنا الانظمة السياسية والاقتصادية التي وضع برامجها الخلفاء في العصر الاول، وقد تاملنا في كثير منها بتحفظ وتجرد شان الباحث الذي يهمه الوصول إلى الواقع مهما استطاع إليه سبيلا، وانى - فيما اعتقد - ان من الاثم وتعمد الجهل ان نتكلف اخفاء أي ناحية من النواحي السياسية أو الاجتماعية في ذلك العصر فان اخفاء ذلك من ألوان التضليل والدجل على القراء .
    وليس في دراسة التاريخ منهجية تغيير له أو قلب لمفاهيمه ، أو خروج عن موازين البحث العلمي المجرد، وإنما هي من صميمه كما هي من متطلبات الحياة الثقافية في هذا العصر .
    وعلى أي حال فان هذه الدارسة ترتبط ارتباطا ذاتيا وموضوعيا بحياة الامام الحسين، فقد عاش ذلك الحقبة الخاصة من الزمن المليئة بالاحداث وقد نظر إليها بعمق وشمول، ووقف على أهدافها وهي - من دون شك - قد ساهمت مساهمة ايجابية في كثير من الاحداث التي فزع منها المسلمون والتي كان منها كارثة كربلاء، فانها كانت احدى النتائج المباشرة لذلك التخدير الذي منيت به الامة من جراء الحكم الاموي الذي جهد على شل الحياة الفكرية والاجتماعية واشاعة الانتهازية بين المسلمين .

    والحمد لله وحده















Working...
X
😀
🥰
🤢
😎
😡
👍
👎