إعـــــــلان

Collapse
No announcement yet.

مالك الاشتر ع رضوان الله عليه

Collapse
X
 
  • Filter
  • الوقت
  • Show
Clear All
new posts
  • almawood24
    يماني
    • 04-01-2010
    • 2174

    مالك الاشتر ع رضوان الله عليه

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الحمد لله وصلى الله على محمد وآله الأئمة والمهديين وسلم تسليما كثيرا
    بسم الله الرحمن الرحيم
    الربذة
    منطقة صحراوية بين مكّة و المدينة ، هي منطقة جرداء لا يسكنها أحد . و لكن في عام 30 هجرية ، كانت هناك خيمة وحيدة . في داخل الخيمة شيخٌ كبير و امرأة عجوز هي زوجته و ابنتهما .
    لماذا جاء الشيخ إلى هذه المنطقة البعيدة في وسط الصحراء ؟
    انّه لم يأت بإرادته ، لقد نفاه الخليفة ليموت في تلك الصحراء .
    كان الشيخ مريضاً ، و كانت زوجته تبكي فقال لها :
    ـ لماذا البكاء يا اُم ذر ؟
    قالت العجوز :
    ـ كيف لا أبكي و أنت تموت في هذه الصحراء .
    قال الشيخ :
    ـ كنت مع بعض أصحابي جالسين مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال لنا : سيموت أحدكم في الصحراء و سيحضر موته جماعة من المؤمنين . لقد توفي كلّ أصحابي عند أهلهم و لم يبق سواي ، سوف يأتي مَن يساعدك .
    قالت العجوز :
    ـ لقد مضى موسم الحجّ و هذه الصحراء لا يمرّ بها أحد .
    قال الشيخ :
    ـ لا عليك اصعدي التلّ و انظري إلى طريق القوافل .
    صعدت المرأة التلّ و راحت تنظر إلى طريق القوافل .
    مرّ وقت طويل ، فشاهدت من بعيد قافلة قادمة .
    لوّحت المرأة بقطعة قماش للقافلة ، و تعجّب المسافرون و تساءلوا مَن تكون هذه المرأة الوحيدة في الصحراء ؟!
    فجاءوا اليها . سألوها عن شأنها فقالت :
    ـ ان زوجي يموت و ليس قربه أحد .
    و مَن هو زوجك ؟
    فقالت المرأة و هي تبكي :
    ـ أبو ذرّ صاحب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .
    و تعجّب أهل القافلة فقالوا :
    ـ أبو ذر صاحب النبي ؟! هيا بنا إليه .
    و ذهب الرجال إلى الخيمة ، و عندما دخلوها وجدوا أبا ذر في فراشه . و قال الرجل :
    السلام عليك يا صاحب رسول الله .
    فقال أبو ذر بصوت ضعيف :
    ـ و عليكم السلام مَن أنت ؟
    قال الرجل :
    ـ مالك بن الحارث الأشتر و معي رجال من أهل العراق ، نريد الذهاب إلى المدينة لنشتكي إلى الخليفة ما يحلّ بنا من الظلم .
    ابتسم أبو ذر و قال :
    ـ ابشروا يا إخواني لقد أخبرني رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بأنني سأموت في الصحراء ، و سيحضر وفاتي رجال مؤمنون .
    فرح مالك و من معه بهذه البشرى النبويّة و جلسوا في خيمة أبي ذر ، و كان مالك الأشتر حزيناً من أجل الصحابي الجليل أبي ذر و ما حلَّ به على أيدي بني اُميّة .
    الأشتر
    ينتمي مالك بن الحارث النخعي إلى قبيلة يمنية عريقة ، أسلم في عهد النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) و كان من المخلصين في ايمانه و إسلامه .
    اشترك في معركة اليرموك و قاتل ببسالة فريدة ، و كانت له مواقف شجاعة في صدّ هجمات الروم على الجيش الإسلامي فشترت عينه بالسيف أي انشق جفنها السفلي و لذلك عُرِفَ بالأشتر .
    في عام ثلاثين للهجره كان المسلمون في مدينة الكوفة و غيرها من المدن الإسلامية غاضبين من تصرّفات الولاة .
    فمثلاً كان " الوليد بن عقبة " و هو أخو الخليفة عثمان حاكماً على الكوفة و كانت تصرفاته منافية للإسلام و الدين ، فهو يشرب الخمر ، و يقضي وقته في مجالس الغناء و اللهو .
    ذات يوم جاء الوليد إلى المسجد سكران و صلّى بالمسلمين صلاة الصبح أربع ركعات ، ثم التفت إلى المصلّين و قال مستهزئاً :
    ـ أتريدون أن أزيدكم ؟
    كان الناس غير راضين عن سيرته و كانوا ينتقدونه في الأسواق و البيوت و المساجد .
    كانوا يتساءلون قائلين :
    ـ ألم يجد الخليفة شخصاً غير هذا الفاسق لكي يجعله والياً ؟!
    ـ انّه يعتدي على حرمات الدين و المسلمين .
    لهذا فكّروا بطريقة للحلّ ، فوجدوا ان أفضل طريق هو أن يستشيروا أهل التقوى و الصلاح ، فذهبوا إلى مالك الأشتر فهو شخص تقيّ و شجاع و لا يخاف أحداً غير الله . قال مالك الأشتر :
    ـ الأفضل أن ننصحه أوّلاً فاذا لم يرتدع نشكوه إلى الخليفة .
    ذهب مالك و معه بعض الناس الصالحين إلى قصر الوالي .
    عندما دخلوا ، وجدوه يشرب الخمر كعادته ، فنصحوه أن يكفّ عن تصرفاته المشينة و لكنّه انتهرهم و طردهم .
    عندها قرّروا السفر إلى المدينة المنوّرة و مقابلة الخليفة لإطلاعه على الأمر .
    قابل الوفد الخليفة و لكنّه ـ مع الأسف ـ انتهرهم و طردهم و رفض شهادتهم ، فخرجوا يائسين .
    فكّروا في الذهاب إلى ابن عمّ سيّدنا محمّد (( صلى الله عليه وآله ) علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) فهو الأمل الوحيد في الإصلاح .
    الوفود
    و في تلك الفترة جاءت وفود من المدن الإسلامية الاُخرى كلّها تشكوا من ظلم الولاة و سوء سيرتهم .
    و ذهب الصحابة إلى منزل الإمام علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) و اشتكوا عنده ما يلاقيه المسلمون من الظلم و الفساد .
    كان الإمام علي يشعر بالحزن لذلك ، فذهب إلى قصر الخليفة و دخل على عثمان و نصحه قائلاً :
    ـ يا عثمان ان المسلمين يشتكون من الظلم . و لست أدلّك على أمر لا تعرفه ، و اني سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : " يؤتى يوم القيامة بالإمام الجائر و ليس معه نصير و لا عاذر ، فيلقى في جهنّم فيدور كما تدور الرحى ثم يرتطم في غمرة جهنّم " . و انّي اُحذّرك الله ، فانّ عذابه شديد .
    فكّر عثمان قليلاً و أطرق حزيناً و اعترف بأخطائه و وعده بأن يتوب إلى الله و يعتذر من المسلمين .
    خرج الإمام علي يبشّر المسلمين بذلك و عمّت الفرحة الجميع .
    و لكن مروان و كان رجلاً منافقاً دخل على الخليفة و تحدّث اليه فغيّر رأيه و قال له :
    ـ الأفضل أن تخرج إلى الناس و تهدّدهم حتى لا يتجرأوا على مقام الخلافة .
    الثورة
    تراجع عثمان عن وعوده بإصلاح سيرته و تغيير الولاة و اتبع سياسة قاسية تجاه الناس .
    أشار معاوية و هو حاكم الشام آنذاك بنفي بعض الصحابة .
    كان الخليفة قد نفى الصحابي الجليل أبا ذر الغفاري فمات وحيداً في صحراء " الربذة " و قام بضرب الصحابي عمّار بن ياسر و هو ابن أول شهيدين في الإسلام .
    كما جلد الصحابي عبد الله بن مسعود لهذا تذمّر الناس من سياسة عثمان و ولاته .
    و بعث صحابة سيّدنا محمّد ( صلى الله عليه وآله ) برسائل إلى كافّة المدن الإسلامية و مضمونها :
    ـ أيُّها المسلمون ، تعالوا الينا ، و تداركوا خلافة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فان كتاب الله قد بدّل و سنّة رسوله قد غيّرت . فأقبلوا الينا ان كنتم تؤمنون بالله و اليوم الآخر . فأقيموا الحق على المنهاج الواضح الذي فارقتم عليه نبيّكم .
    و تدفّق المسلمون الثائرون من كلّ أنحاء الدولة الإسلامية إلى المدينة المنوّرة .
    كان مالك الأشتر يمثّل الثائرين فدخل على عثمان لإجراء المفاوضات من أجل إصلاح الاُمور .
    و كانت مطالب الثّوار هي أن يعتزل عثمان الخلافة .
    لم يستجب الخليفة لذلك .
    حاول الإمام علي ( عليه السَّلام ) التدخّل مرّة اُخرى و إصلاح الاُمور و لكن بلا فائدة .
    كان المسلمون غاضبين من سيرة عثمان و ولاته و ظلمهم و كان عثمان يعاند مصرّاًًًًً على سياسته .
    حاصر الثوّار قصر عثمان ، فطلب الإمام ( عليه السَّلام ) من ولديه الحسن و الحسين أن يقفا للحراسة .
    غير ان الثوّار تسوّروا جدران القصر ، و اقتحموا غرفة الخليفة و قتلوه ، و فرّ مروان و غيره من المنافقين .
    كان طلحة و الزبير يطمعان في الخلافة فساعدا الثوّار و لكن الناس كانوا لا يفكرون إلاّ بشخص واحد ليكون خليفة عليهم و هو الإمام علي ( عليه السَّلام ) .
    تدفقت الجماهير إلى منزل الإمام و طلبوا منه أن يكون خليفة ، و لكن الإمام رفض ذلك .
    أصرّ مالك الأشتر و غيره من الصحابة على ذلك ، و ألقى مالك خطاباً حماسياً في الجماهير قائلاً :
    ـ أيُّها الناس
    هذا وصي الأوصياء .
    و وارث علم الأنبياء .
    الذي شهد له كتاب الله بالايمان .
    و رسوله بجنّة الرضوان .
    من كملت فيه الفضائل .
    و لم يشكّ في سابقته و علمه الأواخر و الأوائل .
    و هكذا كان مالك أول من بايع علي بن أبي طالب و تبعته جماهير المسلمين .
    و عندما أصبح الإمام علي خليفة ، بدأ عهد جديد فقد أصدر أمراً بإقالة جميع الولاة الظالمين و عيّن مكانهم أشخاصاً معروفين بالتقوى و الصلاح .
    معركة الجمل
    كان البعض يطمع بالخلافة و الحكم ، من هؤلاء " طلحة " و " الزبير " فذهبا إلى مكّة و حرّضا اُم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر .
    استغل مروان ذلك فراح ينفق من أموال المسلمين التي سرقها ، و ألّف جيشاً كبيراً ، و رفعوا شعار الثأر لدم عثمان .
    توجّه الجيش إلى مدينة البصرة ، و هناك طردوا الوالي بعد أن نتفوا لحيته و استولوا على بيت المال .
    و كان على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أن يواجه هذا التمرّد بحزم ، فزحف بجيشه إلى البصرة .
    أرسل الإمام ابنه الحسن ( عليه السَّلام ) و الصحابي الجليل عمّار بن ياسر إلى " الكوفة " و دعوة أهلها للجهاد .
    كان والي الكوفة آنذاك " أبو موسى الأشعري " فراح يدعو الناس للتقاعس عن الجهاد و عصيان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) .
    مرّت الأيام و لم يعُد الحسن و عمّار بن ياسر فبعث الإمام مالكاً الأشتر في أثرهما .
    كان مالك الأشتر رجلاً شجاعاً معروفاً بالحزم ، و هو يدرك ان المسلمين في الكوفة يؤيدون الإمام ضد أعدائه ، و ان العقبة الوحيدة هي " ابو موسى الأشعري " .
    وصل مالك الأشتر الكوفة و راح يدعو الناس في أن يتبعوه ، و اجتمع حوله جمهور غفير ، فاقتحم بهم قصر الامارة و طرد الحرّاس منه .
    كان أبو موسى الأشعري وقتها في المسجد يدعو الناس إلى لزوم بيوتهم و عدم الاستجابة لأوامر أمير المؤمنين . فجاء الحرّاس و أخبروه بسقوط القصر في قبضة مالك الأشتر .
    طلب " أبو موسى الأشعري " مهلة يوم واحد لمغادرة الكوفة ، فأُجيب طلبه .
    و في نفس اليوم أسرع مالك الأشتر إلى المسجد و خطب في الجماهير يحرّضهم لنصرة الإمام علي .
    فاجتمع منهم جيش بلغ تعداده ثمانية عشر ألفاً من المقاتلين ، تسعة آلاف في قيادة الحسن فسلك بهم الطريق البرّي ، فيما سلك الباقون الطريق النهري لكي يلتحق الجميع بجيش الإمام علي في منطقة " ذي قار " في جنوب العراق .
    اتّجه الجيش بقيادة الإمام إلى مدينة البصرة فالتقى بجيش عائشة و طلحة و الزبير و مروان بن الحكم .
    كان مالك الأشتر قائداً للجناح الأيمن و كان عمّار بن ياسر قائداً للجناح الأيسر ، فيما وقف الإمام في قلب الجيش حيث حمل الراية ابنه محمد بن الحنفية .
    بدأ جيش عائشة بالعدوان فأمطر جيش الإمام بوابل من السهام ، فسقط عددٌ من القتلى و الجرحى .
    أراد جيش الإمام المقابلة بالمثل فمنعهم الإمام و قال :
    ـ من يأخذ هذا المصحف و يذهب إليهم فيدعوهم للاحتكام عليه ؟
    انّهم يقتلونه لا محالة .
    و هنا انبرى شابّ و قال :
    ـ أنا آخذه يا أمير المؤمنين .
    تقدّم مسلم نحو جيش الجمل رافعاً المصحف .
    صاحت عائشة :
    ـ ارشقوه بالسهام . فأمطره الرماة بوابل من السهام فسقط فوق الأرض شهيداً .
    و في تلك اللحظات رفع أمير المؤمنين يديه إلى السماء داعياً الله سبحانه أن ينصر الحق و أهله و قال :
    ـ اللّهم إليك شخصت الأبصار .
    و بسطت الأيدي .
    ربنا افتح بيننا و بين قومنا بالحق .
    و أنت خير الفاتحين .
    ثم أصدر الإمام أمره بالهجوم الشامل ، و تقدّم الأشتر يقاتل ببسالة ، و حدثت اشتباكات عنيفة حول الجمل .
    أدرك الإمام ان عقر الجمل سوف يضع حدّاً لنزيف الدم ، و اقتتال الاخوة .
    قاد مالك الأشتر هجوماً عنيفاً باتجاه الجمل .
    كان مالك الأشتر يقتل بشجاعة و فروسية ، أي انّه لا يقتل الجرحى و لا يطارد الذين يفرّون من المعركة .
    كان مالك يقتدي في أخلاقه بالإمام علي ( عليه السَّلام ) ، فهو يحبّ وصي رسول الله ، و كذلك كان الإمام يحبّ مالكاً لأنّه من أهل التقوى ، و الله يحبّ المتقين .
    الانتصار
    و بعد معارك ضارية تمكّن جيش الإمام من عقر الجمل فانهارت معنويات الجيش المقابل و فرّ المقاتلون من ساحة المعركة .
    أصدر الإمام أمراً أوقف فيه العمليات الحربية ، و أمر بمعاملة عائشة بكلّ احترام و إعادتها إلى المدينة معزّزة مكرّمة .
    أطلق الإمام الأسرى و أمر بمعالجة الجرحى و عفا عن الجميع .
    و دخل مالك الأشتر و عمّار بن ياسر على عائشة فقالت :
    ـ لقد كدت يا مالك أن تقتل ابن اختي .
    أجاب مالك :
    ـ نعم و لولا انّي كبير و كنت صائماً ثلاثة أيام لأرحت منه اُمّة محمّد ( صلى الله عليه وآله ) .
    في الكوفة
    و بعد أن أقام الإمام في البصرة أيّاماً عاد بجيشه قاصداً مدينة الكوفة .
    كان مالك الأشتر في المعارك كالأسد يُقاتل بشجاعة لا نظير لها ، و لهذا كان الأعداء يخافون منه .
    و لكنّه في الأيّام العادية كان يبدو كرجل فقير فهو يرتدي ثياباً بسيطة و يمشي بتواضع حتى أن أكثر الناس لا يعرفونه .
    ذات يوم و عندما كان مالك يسير في الطريق ، كان أحد السفهاء يأكل تمراً و يرمي النوى هنا و هناك .
    و عندما مرّ مالك أمامه ، رماه بنواة في ظهره و راح يضحك عليه .
    فقال له رجل رآه :
    ـ ماذا تفعل ؟! هل تعرف مَن هذا الرجل ؟
    أجاب :
    ـ كلاّ ، مَن هو ؟
    ـ إنّه مالك الأشتر .
    كان مالك الأشتر قد مضى في طريقه ، لأن المؤمن لا يهتم لما يفعله السفهاء من الناس ، و تذكّر ما كان يفعله المشركون بسيّدنا محمّد ( صلى الله عليه وآله ) في مكّة عندما كانوا يلقون عليه التراب و القاذورات فلا يقول شيئاً .
    دخل مالك المسجد و راح يصلّي لله و يستغفر لذلك الشخص الذي رماه بالنواة .
    جاء الرجل مهرولاً و دخل المسجد و ألقى بنفسه على مالك يعتذر إليه و قال :
    ـ اعتذر إليك ممّا فعلت فاقبل عذري .
    أجاب مالك بابتسام :
    ـ لا عليك يا أخي ، و الله ما دخلت المسجد إلاّ لكي أُصلّي و استغفر لك .
    معركة صفين
    كان الإمام يختار الصالحين من أهل التقوى و الإدارة و الحزم ولاةً على المدن ، لهذا عيّن مالكاً الأشتر حاكماً على الموصل و سنجار و نصيبين و هيت و عانات ، و هي مناطق واقعة على حدود الشام .
    كان معاوية قد أعلن العصيان للخلافة و انفرد بحكم الشام .
    حاول الإمام إقناع معاوية بالطاعة فبعث برسائل عديدة و أوفد إليه من يتحدّث معه ، و لكن بلا فائدة .
    لهذا جهّز الإمام جيشاً و أسند قيادته إلى مالك الأشتر .
    زحف الجيش باتجاه الشام و وصل منطقة " قرقيسيا " فاصطدم بجيش الشام تحت قيادة " أبي الأعور السلمي " .
    حاول مالك الأشتر إقناع " قائد الجيش " بإنهاء التمرّد و الدخول في طاعة أمير المؤمنين الذي ارتضاه الناس خليفة لهم فرفض ذلك .
    و في الليل ، انتهز جيش الشام الفرصة و قام بهجوم دون سابق انذار ، و كان هذا العمل مخالفاً للشريعة و الأخلاق لأنّه غدر .
    قاوم جيش الخلافة الهجوم المباغت و كبّد المهاجمين العديد من القتلى و أجبره على الإنسحاب إلى مواقعه .
    و مرّة اُخرى تجلّت فروسية مالك الأشتر ، فارسل إلى " أبي الأعور " مبعثواً يدعوه للمبارزة .
    قال الرسول :
    ـ يا أبا الأعور إن مالك الأشتر يدعوك للمبارزة .
    جبن قائد جيش معاوية و قال :
    ـ لا أُريد مبارزته .
    وصلت إمدادات كبيرة بقيادة معاوية ملتحقة بجيش الشام .
    و تقابل الجيشان في سهل " صفين " على ضفاف نهر الفرات .
    احتلّت قطعات من جيش معاوية الشواطئ و فرضت حصاراً على النهر .
    كان هذا العمل أيضاً مخالفاً للشريعة الإسلامية و لتقاليد الحروب .
    بعث الإمام أحد صحابة النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) و هو " صعصعة بن صوحان " للتفاوض :
    دخل صعصعة خيمة معاوية و قال :
    ـ يا معاوية إن عليّاً يقول : دعونا نأخذ حاجتنا من الماء حتى ننظر فيما بيننا و بينكم ، و إلاّ تقاتلنا حتى يكون الغالب هو الشارب .
    سكت معاوية و قال :
    ـ سوف يأتيك ردّي فيما بعد .
    خرج مبعوث الإمام ، و استشار معاوية رجال فقال الوليد بحقد :
    ـ امنع الماء منهم ، حتى يضطروا للاستسلام .
    و حظي هذا الرأي بتأييد كامل .
    لقد جمع معاوية حوله كلّ الأشرار الذين لا يعرفونه حرمة للدين و الإنسانية .
    كان مالك الأشتر يراقب ما يجري على الشواطئ فشاهد وصول تعزيزات عسكرية ، فأدرك أن معاوية يفكِّر بتشديد الحصار .
    شعر جنود الإمام بالعطش ، و كان مالك عطشان أيضاً ، فقال له جندي :
    ـ في قربتي ماء قليل اشربه .
    رفض مالك ذلك و قال :
    ـ كلاّ حتى يشرب جميع الجنود .
    ذهب مالك إلى الإمام و قال :
    ـ يا أمير المؤمنين ان جنودنا يصرعهم العطش و لم يبق أمامنا سوى القتال .
    أجاب الإمام :
    أجل لقد أعذر من أنذر .
    و خطب الإمام في الجنود و حثّهم على الاستبسال قائلاً :
    ـ الموت في حياتكم مقهورين .
    و الحياة في موتكم قاهرين .
    أي أن الموت هو أن يرضى الإنسان بالذلّ .
    و انّ الحياة في أن يموت المرء شهيداً .
    و قاد مالك الأشتر أوّل هجوم في حرب صفين و راح يقاتل ببسالة و يتقدّم باتجاه شواطئ الفرات .
    و بعد اشتباكات عنيفة تمّ تحرير ضفاف النهر و إجبار جيش معاوية على الإنسحاب .
    أصبح جيش معاوية بعيداً عن المياه ، و لهذا فكّر في حيلة لاستعادة مواقعه على نهر الفرات .
    و في اليوم التالي سقط سهم بين جنود الإمام و كان في السهم رسالة ، قرأها الجنود باهتمام .
    و انتقلت الرسالة بين الجنود بسرعة و انتشر الخبر : " من أخ ناصح لكم في جيش الشام : ان معاوية يريد أن يفتح عليكم النهر و يغرقكم ، فاحذروا " .
    و صدّق الجنود ما ورد في تلك الرسالة فانسحبوا و انتهز جيش الشام الفرصة فأعاد احتلاله للشواطئ مرّة اُخرى .
    غير أن جيش الإمام شن هجوماً كاسحاً و حرّر المنطقة من قبضة الاحتلال .
    شعر معاوية بالقلق ، فسأل عمرو بن العاص :
    ـ هل تظنّ ان عليّاً سيمنع علينا الماء ؟
    أجاب عمرو بن العاص :
    ـ إن عليّاً لا يفعل مثلما تفعل أنت .
    كان جنود الشام يشعرون بالقلق أيضاً .
    و لكن سرعان ما وصلت الأخبار بأن الإمام عليّاً سمح لهم بورود النهر و ترك لهم مساحة من الشواطئ كافية .
    أدرك بعض أهل الشام الفرق بين معاوية و علي ، فمعاوية يفعل كلّ شيء من أجل أن ينتصر ، أمّا علي فلا يفكّر في ذلك ، إنّه يسير في ضوء المُثل و الأخلاق الإنسانية .
    لهذا تسلل بعض الجنود ليلاً و انتقلوا إلى جبهة علي لأنّها تُمثّل الحقّ و الإنسانية .
    معاوية
    كان معاوية يشعر بالقلق من وجود مالك الأشتر ، لأن شجاعته و بسالته في القتال ألهب الحماس في جيش علي و بثت الذعر في جنود الشام .
    فكّر معاوية في القضاء عليه عن طريق المبارزة الفردية ، فعرض الأمر على مروان ، و لكن مروان كان يخاف من مالك فاعتذر إلى معاوية و قال :
    ـ لماذا لا تكلّف " ابن العاص " بذلك فهو ساعدك الأيمن .
    عرض معاوية اقتراحه على عمرو بن العاص فاضطر لقبوله .
    خرج ابن العاص يطلب مبارزة الأشتر .
    تقدّم مالك نحوه و بيده رمحه ، و لم يترك له فرصة للدفاع فسدّد له ضربة عنيفة جرحت قسماً من وجهه فلاذ عمرو بن العاص بالفرار .
    استشهاد عمّار
    تصاعدت حدّة الاشتباكات و كان عمّار يقود الجناح الأيسر من جيش الإمام ، و يقاتل ببسالة رغم شيخوخته .
    و عندما جنحت الشمس للمغيب طلب عمّار رضي الله عنه شيئاً يفطر به لأنّه كان صائماً .
    أحضر أحد الجنود إناءً مليئاً باللبن و قدّمه إليه ، استبشر عمّار بذلك و قال :
    ـ ربّما أُرزق الشهادة هذه الليلة فقد قال لي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يا عمّار تقتلك الفئة الباغية ، و آخر شرابك من الدنيا ضياح ( إناء ) من لبن .
    أفطر الصحابي الجليل و تقدّم إلى ساحات القتال بقلبٍ عامر بالإيمان و ظلّ يقاتل حتى هوى على الأرض شهيداً .
    جاء الإمام و جلس قرب الشهيد و قال بحزن :
    ـ رحم الله عمّاراً يوم أسلم ، و رحم الله عمّاراً يوم استشهد ، و رحم الله عمّاراً يوم يبعث حيّاً . هنيئاً لك يا عمّار .
    كان لإستشهاد عمّار بن ياسر في ساحة الحرب أثره في سير المعارك ، فقد ارتفعت معنويات جيش الإمام فيما انخفضت لدى جنود معاوية ، لأن المسلمين جميعاً يحفظون حديث سيّدنا محمّد ( صلى الله عليه وآله ) لعمّار بن ياسر : " يا عمّار تقتلك الفئة الباغية " أي المعتدية .
    و أدرك الجميع ان معاوية و جنوده هم المعتدون و انّ علياً و أصحابه على الحقّ .
    لهذا تصاعدت حدّة الحملات الهجومية في جبهة الإمام ، و راح معاوية و جيشه يستعدّون للهزيمة .
    حيلة جديدة
    فكّر معاوية بحيلة جديدة يخدع بها جيش الإمام ، فاستشار " عمرو بن العاص " .
    قال عمرو بن العاص :
    ـ أرى أن نخدعهم بالقرآن . نقول لهم : بيننا و بينكم كتاب الله .
    فرح معاوية لهذه الحيلة و أمر برفع المصاحف على الرماح .
    عندما شاهد جنود الإمام المصاحف ، فكّروا في إيقاف الحرب ، و بذلك انطلت الحيلة على كثير من الجنود .
    قال الإمام : انّها مكيدة . أنا أوّل من دعا إلى كتاب الله و أوّل من أجاب إليه . انّهم عصوا الله فيما أمرهم و نقضوا عهده .
    و لكن عشرين ألفاً من الجنود عصوا أمر الإمام و قالوا :
    ـ اصدر أمرك بايقاف القتال و قل للأشتر ينسحب .
    أرسل الإمام أحد الجنود إلى مالك الأشتر يأمره بايقاف العمليات الحربية .
    استمر مالك الأشتر في القتال و قال :
    ـ ما هي إلاّ لحظات و نحرز النصر النهائي .
    قال الجندي :
    ـ و لكن الإمام محاصر بعشرين ألف من المتمرّدين و هم يهددون بقتله إذا لم توقف القتال .
    اضطر مالك الأشتر للإنسحاب و قال :
    ـ لا حول و لا قوّة إلاّ بالله .
    التحكيم
    كان مالك الأشتر يدرك أن ما قام به معاوية هو مجرّد حيلة ، و لكنه انصاع لأمر الإمام حتى لا تحدث الفتنة ، فكان قائداً شجاعاً و جندياً مطيعاً .
    توقفت المعارك و اتفق الطرفان على الاحتكام إلى كتاب الله .
    فأرسل معاوية عمرو بن العاص ممثّلاً عنه في المفاوضات .
    و أراد الإمام أن يختار رجلاً عاقلاً فطناً عالماً بكتاب الله فاختار عبد الله بن عباس حبر الاُمّة .
    و لكن المتمرّدين رفضوا ذلك مرّة اُخرى و قالوا :
    نختار " أبا موسى الأشعري " .
    فقال الإمام ( عليه السَّلام ) ناصحاً :
    ـ أنا لا أرضى به ، و عبد الله بن عباس أجدر منه .
    رفض المتمردون ذلك فقال الإمام :
    ـ إذن اختار الأشتر .
    فرفضوا أيضاً و أصرّوا على " أبي موسى الأشعري " .
    و حتى لا تحدث الفتنة قال الإمام :
    ـ اصنعوا ما شئتم .
    و هكذا اجتمع الممثلان للمفاوضات .
    فكّر عمرو بن العاص أن يخدع " الأشعري " فقال له :
    ـ يا أبا موسى إن سبب الفتنة وجود معاوية و علي ، فتعال لنخلعهما عن الخلافة و نختار رجلاً آخر .
    كان " الأشعري " لا يحبّ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، فرحّب بالفكرة ، فقال أمام الجميع :
    ـ إنّني أخلع عليّاً عن الخلافة كما أخلع خاتمي من يدي .
    ثم نزع خاتمه .
    و هنا قال عمرو بن العاص بخبث :
    ـ أما أنا فأُثبّت معاوية في الخلافة كما أُثبّت خاتمي في يدي .
    ثم لبس خاتمه .
    شعر المتمرّدون بالندم ، و بدل أن يتوبوا و يعودوا إلى طاعة أمير المؤمنين فإنّهم طلبوا من الإمام أن يتوب و يعلن الحرب .
    و لكن الإمام كان إنساناً يحترم العهود و المواثيق و قد اتّفق على الهدنة و إيقاف القتال لمدّة سنة .
    طلب الإمام منهم أن يصبروا هذه المدّة و لكنهم عصوا أوامره أيضاً و خرجوا على طاعة الإمام لهذا سمّوا ب " الخوارج " .
    مصر
    فكّر معاوية أن يستولي على مصر ، فأرسل جيشاً كبيراً لاحتلالها .
    كان الوالي على مصر محمّد بن أبي بكر " الخليفة الأوّل " .
    أرسل الوالي يطلب الإمدادات العسكرية بأقصى سرعة قبل أن تسقط مصر بأيدي الغزاة .
    فأرسل الإمام مالكاً الأشتر و قال له :
    ـ توجّه إلى مصر رحمك الله ، و لست أوصيك بشيء لأنني أكتفي برأيك .
    استعن بالله .
    استعمل اللين في مواضعه و الشدّة في مواضعها .
    و انطلق الأشتر إلى مصر .
    السمّ و العسل
    شعر معاوية بالقلق فهو يدرك ان وصول مالك الأشتر إلى مصر يعني إنقاذها ، لهذا فكّر بقتله .
    كان معاوية إذا أراد أن يغتال شخصاً دسّ إليه العسل المخلوط بالسمّ .
    و كان معاوية يستورد هذه السموم من القسطنطنية ، و كان الروم يسمحون بتصديرها لأنّهم يعرفون ان معاوية يستخدمها لقتل المسلمين .
    قال عمرو بن العاص :
    ـ انّي أعرف رجلاً يسكن مدينة القلزم على حدود مصر و هو يملك أراضٍ واسعة و لابدّ أن يمرّ الأشتر في هذه المدينة و يتوقّف فيها للإستراحة .
    قال معاوية :
    ـ إذن اتصل به و اخبره إذا تمكّن من اغتيال الأشتر فسنعفيه من دفع الضرائب مدى الحياة .
    و هكذا انطلق مبعوث معاوية على وجه السرعة ، و أخذ معه العسل المسموم ليتصل بذلك الرجل و يقنعه بهذه المهمّة .
    الشهادة
    وافق الرجل على اقتراح معاوية و أخذ الخليط القاتل ، يترقّب وصول مالك الأشتر .
    و بعد أيام قليلة وصل مالك مدينة القلزم .
    دعا الرجل والي مصر الجديد لأن يحلّ ضيفاً في منزله .
    لبّى مالك الأشتر الدعوة شاكراً .
    وضع الرجل إناء العسل المسموم في مائدة الطعام .
    و عندما تناول الضيف ملعقة واحدة شعر بألم شديد في أمعائه و أدرك المؤامرة ، فقال و هو يضع يده على بطنه :
    ـ بسم الله . . إنّا لله و إنّا إليه راجعون .
    و استقبل مالك الأشتر الموت بشجاعة المؤمن المطمئن الذي يعرف انّ طريقه هو طريق الإسلام و الجنّة .
    و عندما استشهد مالك الأشتر ، كاد معاوية أن يطير من الفرح و قال :
    ـ لقد كانت لعليّ بن أبي طالب يدان .
    قطعت إحداهما يوم صفين و هو عمّار بن ياسر .
    و قطعت الاُخرى اليوم و هو مالك الأشتر .
    أمّا أمير المؤمنين علي ( عليه السَّلام ) فقد شعر بالأسف العميق و قال بحزن :
    ـ رحم الله مالكاً . .
    فقد كان لي كما كنت لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .
    أي ان مالكاً ( رضوان الله عليه ) كان يحبّ عليّاً و يطيعه كما كان عليّ ( عليه السَّلام ) يحبّ سيدنا محمّداً ( صلى الله عليه وآله ) و يطيعه .
    و هكذا ختم مالك الأشتر ( رضوان الله عليه ) حياته الحافلة بالجهاد لتبقى سيرته المضيئة مثالاً لشباب الإسلام في كل مكان .
    الحمد لله وصلى الله على محمد وآله الأئمة والمهديين وسلم تسليما كثيرا
    من اقوال الامام احمد الحسن عليه السلام في خطبة الغدير
    ولهذا أقول أيها الأحبة المؤمنون والمؤمنات كلكم اليوم تملكون الفطرة والاستعداد لتكونوا مثل محمد (ص) وعلي (ص) وآل محمد (ص) فلا تضيعوا حظكم، واحذروا فكلكم تحملون النكتة السوداء التي يمكن أن ترديكم وتجعلكم أسوء من إبليس لعنه الله إمام المتكبرين على خلفاء الله في أرضه، أسأل الله أن يتفضل عليكم بخير الآخرة والدنيا.

Working...
X
😀
🥰
🤢
😎
😡
👍
👎