إعـــــــلان

Collapse
No announcement yet.

كتاب “التصميم العظيم” ؛ مراجعة و ترجمة مختصرة - ستيفن هوكنج

Collapse
X
 
  • Filter
  • الوقت
  • Show
Clear All
new posts
  • نجمة الجدي
    مدير متابعة وتنشيط
    • 25-09-2008
    • 5278

    كتاب “التصميم العظيم” ؛ مراجعة و ترجمة مختصرة - ستيفن هوكنج








    كتاب “التصميم العظيم” ؛ مراجعة و ترجمة مختصرة (1)


    رباب خاجه

    الحوار المتمدن-العدد: 3290 - 2011 / 2 / 27 - 23:14

    المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات



    كتاب من تأليف عالم الفيزياء النظرية المعروف ستيفن هوكنغ و الفزيائي ليونارد ملوديناو. نشر في العام الماضي (٢٠١٠) . و رغم أن الكتاب صغير الحجم نسبيا حيث لم يتعدى عدد صفحاته المائتان و الثمان صفحات، ألا أنه غني و دسم من حيث المعلومات. و إسلوب الكتاب سهل في بعض أجزائه و كثير التعقيد في بعض الأجزاء الأخرى.
    سهل من حيث الإسلوب الذي يبدو أن الكاتبان أراداه لتصل المعلومة إلي من هم من غير الإختصاص العلمي، أو بالأحري القاريء المستهدف هو القاريء العادي. و كذلك سهل من ناحية وجود كثرة الأمثلة لشرح الموضوع مع وضع تسلسل تاريخي للأحداث العلمية في التاريخ البشري لزيادة المتابعه و التركيز. أما صعوبته فهو بسبب صعوبة المادة العلمية نفسها حتي لمن هم من ذوي الإختصاص، و خصوصا عندما يتعمق الكتاب في شرح نظريات الفيزياء الكمية الحديثة Quantum Physics و ربطها بالفيزياء الكلاسيكية٠ و لكن بإستطاعة القاريء العادي أن يخرج منه -حتي لو لم يستوعب المادة العلمية بعمق-بنتيجه مرضيه ( أو قد تكون محيرة أكثر للبعض) بعد توسعة مداركه و مفاهيمه و تكوين صورة في دماغه عن ميكانيكية عمل الكون بتغيير الواجهة أو التلسكوب التقليدي الذي كان ينظر به إلي الآشياء من حوله٠

    يبدأ الكتاب بشرح عام ليبين الغرض الأساسي منه، و الذي يتركز علي الإجابة علي قائمة من أسئلة كانت و لازالت محيرة للبشر. أسئلة كانت الإجابات عليها و حتي إلى وقت قريب مقتصرة علي الفلاسفة، ليبين كيف أن العلم أصبح اليوم يملك الإجابات علي بعضها. و من أجل ذلك يقوم هوكنغ بطرح هذه الأسئلة “الكبيرة”، و من ثم سرد التاريخ التطوري للعلوم الفيزيائية، بداية من الإغريق و نهاية بالعديد من النظريات الحديثة و التي تبدو في مجملها معارضة لبعضها البعض ، مرورا بمسار العلوم و معوقات مسارها ، و من ثم شرح النظريات الحديثة و ربطها بالنظريات الكلاسيكية للفيزياء ليخرج بتصور و تفسير يقدمة للقاريء في ثمان فصول ، و ذلك ليبين في النهاية كيف أن جميع القوانين الفيزيائية تصب في قالب واحد إذا نظرنا لها من وجهة نظر مختلفة عن تلك النظرة الكلاسيكية، و لينتهي إلي إستنتاج أنه، خلافا للنظرة القديمة ، فإن “الشيء ” ممكن أن يخلق من “اللاشيء! ” و أن الكون في الواقع لا يحتاج إلي خالق ليخلقه، بل قد يكون هذا مساره في أزمان أزلية. و كيف أنه بالإمكان خلق نظام دقيق و معقد من خلال العشوائية و البساطة. و هذا في الواقع يطابق ما أكده دارون بمباديء علم النشوء و الإرتقاء منذ قرنين تقريبا٠

    و لا يخفي علي القاريء أنه بعمل هذا التسلسل في سرد النظريات الفيزيائية و معوقات تقدمها علي مر السنين إنما يؤكد، و بطريقة غير مباشرة، ما ذكره الفلكي الراحل كارل ساجان في برنامجه الشهير بإسم النظام الكوني “كوزموس ” في الثمانينات من القرن المنصرم و هذه ترجمة لنصه:٠

    العلوم لا تتميز بالمثالية {و لا بالمطلق من المعلومات} . و بالإمكان إساءة إستغلالها. فهي مجرد وسيلة. و لكنها أفضل وسيلة نمتلكها علي الإطلاق، فهي تتميز بكونها ذاتية التصحيح، مستمرة، و بالإمكان تطبيقها علي كل شيء. و لكن لها قانونان {يجب ألا تحيد عنهما}. الأول: لا توجد حقائق مقدسة؛ فكل الإفتراضات فيها يجب أن تكون تحت التجربة النقدية؛ و مناقشات ذوي السلطة غير مجدية {لأنها لا يجب أن تخضع لأهواء المسئولين و نزواتهم و إعتقاداتهم السابقة }. و ثانيا: كل ما هو غير متفق مع الحقائق {التنبؤات} وجب رميه أو إعادة مراجعته… و لذا ، “فالبديهيات” (في المجال العلمي) تصبح أشياء خاطئة {أحيانا }، و “المستحيلات ” تصبح أشياء واقعية { في أحيانا أخرى}٠
    إنتهى


    فالعلوم البشرية تمتلك الطبيعة التراكمية و “التصحيح الذاتي”. أي أن الأخطاء العلمية إحتمالات واردة ، و لكن بالرغم من وجود هذه الأخطاء و بالرغم من الظروف التي تفرضها مثل هذه الأخطاء ، فالعلم دائما ما يصحح نفسه بنفسه مع الزمن، فتموت النظريات الخاطئة أو تتطور لتصحح إتجاهها إلي الإتجاه الصحيح. و لقد كنت في السابق عملت تشبيه لطالب علم الطبيعة كلعبة البحث عن الكنز في الجزيرة المهجورة، فهو يمشي علي حسب حدسة باحثا عن اللغز الأول ليحله و يكتشف الخيط الأول الذي يدله بالتالي إلي المكان التالي ، و عندما يجده يعرف إذا كان طريقه صحيح أم أنه يحتاج لتغيير مساره و هكذا هو ينتقل من مكان إلي آخر و من لغز إلي آخر و من خيط إلي آخر ، حتي يصل بالنهاية إلي الكنز المنشود. و هذا هو طريق العلم، لا يوجد فيه مطلقات أبدا، و جماله في البحث و ليس في المعلومة بحد ذاتها، مع أهمية ذلك . و قد لا نكون اليوم وصلنا إلي الكنز بالصورة التي ترضي غرورنا البشري و حسب حب الإستطلاع الغريزي لدينا ، و لكننا لاشك قطعنا شوطا كبيرا و قريبين جدا من هذا الكنز حتي ليتخيل للبعض منا أننا وصلنا له. و لكن بغض النظر عن كل ذلك ، فالشيء الأكيد هو أننا اليوم علي الأقل في الطريق الصحيح. و هذا الكتاب يسرد هذا الطريق بتفاصيله و التي تعنيت هنا لترجمة أكبر قدر منه لأني شخصيا أعتبر هذا الجزء الأخير و الخاص بالسرد التاريخي بمثابة بونص أو مكافئة أضافت للكتاب بعدا معرفيا مهما آخر حتى لو لم يكن هذا هو الهدف الأساسي منه ، بل الهدف كما ذكرت هي محاولة الإجابة علي الأسئلة التي يحاول ستيفن هوكينغ التطرق لها من الوجهة النظرية العلمية البحتة، و هذه الأسئلة كانت و لازالت محل جدل الفلاسفة، فأصبح اليوم يتنافس العلماء لإيجاد إجابات علمية لها لأنهم هم من يفهمون الكون كمختصين أكثر من غيرهم و عليهم تقع مسئولية تنوير العامة و تمكينهم من النظر بمنظارهم٠

    الكتاب في غاية الأهمية لكونه ليس من الكتب الإعتيادية، و لذا فمراجعتي له إرتأيت فيها أن تكون أيضا غير عادية ، و لذا فالمعلومات التي أدرجتها هي جدا وافية لدرجة قد يشعر معها القاريء بنوع من التكرار – و لكن ليس معني ذلك هو الإستغناء عن الكتاب الأصلي و لا أن هذا التكرار في غير محله؛ فأنا أقدم فيه بقدر الإمكان المختصر المفيد-رغم صعوبة ذلك بسبب كثافة المعلومات- و أترجم هذا المختصر بصورة حاولت فيها أن تكون مطابقة للنص و لكن غير الحرفي إلا في بعض المواضع القليلة حتي لا يكون المعني الإجمالي مضلا . و كذلك وضعت بعض الشرح بين القوسين الكبيرين { } حسب فهمي للنص و ذلك لزيادة التوضيح٠ و كذلك من أجل السهولة إرتأيت من خلال السرد أن تكون الإشارة إلي المؤلف بالصيغة الفردية أو بذكر إسم المؤلف الأول ستيفن هوكنغ٠



    الفصل الأول: غموض الوجود

    يقول هوكنغ أن العالم لطالما كان غامضا للبشرية ، فالخوف من الظواهر الطبيعية و الرغبة في إيجاد قوانين تنظيمة لها، تساعدهم علي التنبؤ بالأحداث قبل وقوعها ، على أمل أن يتفادوا أخطارها ، هذه الرغبة كانت وراء تساؤلاتهم العديدة لأسئلة كبيرة مثل ” كيف بإستطاعتنا أن نفهم العالم من حولنا؟ ما هي ميكانيكية الكون؟ و ما هي طبيعة الواقع؟” بل أنهم ذهبوا إلي أبعد من ذلك بسؤال ” هل يحتاج الكون إلي خالق؟” و من ثم يصرح أن ” الأغلبية الغالبة منا لا يقضي معظم وقته قلقا بشأن هذه الآسئلة {بالتأكيد}، و لكن {لابد} أننا كلنا قلقنا بشأنها بعضا من الوقت.” و لذلك فهذه الأسئلة لها أهميتها في حياة كل فرد. و من ثم يتطرق إلي أن هذه النوعية من الأسئلة كانت في الماضي ذات طبيعة فلسفية ، و لذا فالعلماء النظريين و العمليين كانوا في الغالب لا يتطرقون لها ، و لكن اليوم وصلنا إلي مرحلة توجب علي العلماء و ليس غيرهم مواجهة تلك الأسئلة ، و خصوصا أن” الفلسفة ماتت” حسب تعبيره . فعلم الفلسفة كما يقول “لم يواكب التطورات الحديثة في العلوم، و بالأخص في علم الفيزياء. فأصبح العلماء {هم } حاملي شعلة الإستكشافات المعرفية.” و عليهم تقع مسئولية الإجابة علي الأسئلة الكبيرة٠

    يبدأ الفصل الأول ببيان الهدف من الكتاب حيث يقول المؤلف أن الغرض منه هو ” إعطاء إجابات للأسئلة السابقة من خلال الإستكشافات الحديثة و النظريات {الفيزيائية} الحديثة” . رغبة أن يقودنا ذلك إلي تكوين صورة جديدة عن الكون و مكاننا فيه و الذي إختلفت كثيرا عن الصورة القديمة، بل و حتي “إختلفت عن الصورة التي رسمناها في العقد أو العقدين الماضيين ” حسب تعبيره. و لكنه يرجع ليؤكد لنا أن بدايات الفكرة أو بدايات وضع “الرسم التخطيطي لهذا التصور الجديد بالإمكان تتبع أثره إلي قرن تقريبا” . أي أن الفكرة بالأساس قديمة، حيث ” وجد أنه في {العشرينيات من القرن الماضي} أن الصورة التقليدية لا يمكن الإعتماد عليها {في تفسير} التصرفات التي تبدو غريبة علينا عند عمل المشاهدة {فيما يحدث } في المستوي الذري و ما تحت الذري من الوجود.” و بما أن المستوي الذري هو بالواقع تفصيل دقيق لما يحدث على المستوي العادي من الحياة اليومية { و هي في الواقع صورة الكون في بداياته و قبل أن يتمدد و يصبح هائلا } فكان لابد من إيجاد حل لهذه المعضلة يساهم في ربط الإثنين معا، أو كما ذكر ” كان من الظروري أن نتبني بنية جديدة ” و هذه البنية الجديدة كانت البدايات لظهور ما يسمي بعلم الفيزياء الكمية {كوانتوم فيزيكس } . و حتي هذه الساعة فالنظريات الكمية تبين و بصورة مذهلة مدي دقتها عند عمل التنبؤات { أو التوقعات العلمية} في تلك المقاييس {البالغة الصغر}، و في نفس الوقت سمحت لنا بإعادة ” إنتاج تنبؤات النظريات الكلاسيكية القديمة عندما طبقت علي المستوي الماكروسكوبي {العادي} للحياة اليومية” ٠

    و من ثم يسهب داوكنغ في شرح كيف أن “الفيزياء الكمية و الفيزياء الكلاسيكية ، كل منهما مبنيان علي أساسيات مختلفه جدا من حيث نظرتنا إلي الواقع الفيزيائي لهما. ” فبينما تفرض الفيزياء الكلاسيكية النظرة الأحادية للكون؛ أي أن للكون تاريخ واحد، له بداية و سيكون له نهاية، “فالنظريات الذرية {ليست كذلك لأنها} ممكن أن تصيغ بأشكال عديدة مختلفة عن بعضها البعض {في المسار التاريخي}، و قد يكون أكثر وصف بديهي لها هو ما قدمه ريتشارد (ديك) فينمان… فحسب فينمان، النظم {بصورة عامة} ليس لها تاريخ واحد فقط {بل عدة تواريخ محتملة ، و عليه يجب النظر إليها من خلال} كل تلك التواريخ المحتمله”٠ ثم يوضح فينمان ذلك بقوله ” أن الكون بنفسه ليس له تاريخ واحد، و لا حتي وجود مستقل”، بل عدة تواريخ محتمله و من الضروري أخذها جميعا بالإعتبار حتي تتكون لدينا الصورة الدقيقة لما يحصل في الواقع ، و هذا صعب تصوره٠لأنه “حتي {فترة قريبة نسبيا} عند بداية حلول الفيزياء الحديثة كان الإعتقاد الشائع أن كل الأمور المعرفية في العالم ممكن أن نحصل عليها من المشاهدة المباشرة، أي أن الأشياء تكون{دائما } كما تبدو لنا، أو كما تصورها الخلايا الحسية لدينا. و لكن النجاح الهائل لعلم الفيزياء الحديثة، و المبنية علي مفاهيم مثل تلك الخاصة بفينمان ، و التي تتصادم مع ما نشاهده أو نجربه في حياتنا اليومية، قد بينت أن {الطريقة التقليدية للنظر للأمور} غير مجدية.” و عليه ” فالنظرة السطحية للواقع لا تتوائم مع {قوانين } الفيزياء الحديثة.” حسب تعبيره٠

    و حتي يتعامل هوكنغ مع هذه المتناقضات فإنه قام بطرح طريقة للنظر إلي الأمور ، سماها “الحتمية المعتمدة علي النموذج” أو Model-Dependent Realism هذه الطريقة مبنية على” قاعدة {مفادها} أن أدمغتنا تفسر المدخلات من الأجهزة الحسية بصنع صورة { نموذجية} للعالم . و عندما يكون هذا النموذج ناجحا في شرح الأحداث {من حولنا }، فنحن ننسب له، و للعناصر و المفاهيم التي يحتويه، خاصية الواقعية أو الحقيقة المطلقة. و لكن {المشكلة في هذه الطريقة أن } هنالك العديد من الطرق المختلفة و التي يمكن من خلالها أن يبني الشخص نموذجا لنفس الحالة الفيزيائية، و مع كل واحدة {من هذه النماذج} يستخدم عناصر أساسية و مفاهيم مختلفة {تماما عن الأخري}. فإذا كان إثنين من هذه النظريات الفيزيائية أو النماذج دقيقان {في صحة } عمل التنبؤات {العلمية} لنفس الحدث، فلا يمكن أن نقول {مثلا } أن أحدها أكثر واقعية من الأخري؛ {بل} علي الأصح، نحن أحرار في إستخدام النموذج الأكثر ملائمة لنا. و في تاريخنا العلمي، نحن إكتشفنا سلسلة من النظريات أو النماذج الأحسن و الأحسن، {إبتداء} من عهد بطليموس و {مرورا} بالنظرية التقليدية لنيوتن {و وصولا } بالنظريات الذرية الحديثة. ” ثم يتساءل “هل { يا ترى } ستصل هذه السلسلة إلي نقطة النهاية، { و التي هي الوصول إلى } النظرية الشمولية { الموحدة الكاملة } للكون؛ بحيث تحتوي {هذه النظرية على } كل القوى {المعروفة لدينا} و تتنبأ بكل مشاهدة {بدقة} ؟ أم أننا سنظل نبحث إلي مالانهاية عن نظريات عديدة أفضل، { و نترك فكرة البحث عن} نظرية واحدة شاملة لا نستطيع تطويرها؟ ” ثم يرجع بعد ذلك ليؤكد أن هذا سابق لأوانه حيث يقول أننا ” لا نملك حتى الآن الإجابة المؤكدة علي هذا السؤال”، هذا مع العلم بوجود مرشح قوي لهذه النظرية الشاملة لكل شيء {النظرية الكلية}، فإذا كان بالفعل هنالك نظرية واحدة موجودة، فإن هذه النظرية هي { لا شك} نظرية ” م” ٠M-theory

    و هذه النظرية هي النموذج الذي يملك كل المقومات التي” نعتقد أنها يجب أن تكون موجودة بالنظرية النهائية” حسب رأيه، و هي النظرية التي إعتمد عليها المؤلف في تفسير الكثير من الأسئلة و إجاباتها بمناقشاته٠
    يقول المؤلف في شرحه لنظرية -م أنها ” ليست نظرية بالمفهوم المعتاد. {بل هي} عائلة كاملة من نظريات مختلفة، كل منها تعطي شرح جيد للأحداث الفيزيائية.” و من ثم شبهها بالخريطة قائلا أنه “كما هو معروف، ليس بالإمكان أن نعرض مسطح الأرض بأكمله على خريطة واحدة {لكون الأرض كروية-منطعجة}. فالإسقاط المركاتوري العادي {طريقة في رسم الخرائط تمثل فيها خطوط الطول و العرض بخطوط مستقيمة لا بخطوط منحنية} المستخدم في عمل خرائط العالم تجعل المناطق تبدو أكبر و أكبر في الأجزاء الأقصى بعدا بالقطب الشمالي و القطب الجنوبي. و حتي تكون الخرائط أكثر دقة، فنحن علينا أن نستخدم خرائط عديدة، كل منها تغطي مجال محدد. الخرائط {في هذه الحالة} سوف تتداخل مع بعضها البعض، و عند هذه التداخلات تبين جميع {الخرائط} نفس المنظر الطبيعي العام.” و ذكر كيف أن ” عائلة نظرية-م قد {يبدو أفرادها} مختلفين تماما، و لكن من الممكن إحتسابهم جميعا كمفاهيم لنفس النظرية الضمنية. {أي } أنهم نسخ من النظرية التي من الممكن تطبيقها فقط في حدود معينة- علي سبيل المثال، عندما تكون بعض الكميات المحددة من الطاقة صغيره . فكما هو الحال في خرائط الإسقاطات المركاتورية، حيث تتداخل النسخ {في كل خريطة}، {فهذه القوى عند تداخلها} تتنبأ بنفس الظاهرة. و لكن كما هو الحال في عدم وجود خرائط مسطحة لإعطاء العرض الجيد لكل سطح الأرض، لا توجد نظرية بحد ذاتها قادرة علي إعطاء عرض جيد لمشاهداتنا في جميع الأحوال٠

    و من ثم يقوم المؤلف في الفصول اللاحقة بوصف كيف بإمكان نظرية-م أن تعطينا الأجوبة علي سؤال الخلق. فحسب نظرية-م،” كوننا ليس هو الكون الوحيد. و إنما، تتوقع نظرية-م أن يكون هنالك الكثير جدا من الأكوان التي خلقت من لاشيء.” و يبين أن “خلق {هذه الأكوان} لا يحتاج لتدخل أي قوى ميتافيزيقية أو إلاه. و الأصح هو أن هذه الأكوان المتعددة تنمو طبيعيا من خلال القوانين الفيزيائية. أي هي تنبؤات علمية. فكل كون له عدة تواريخ { ماضية} محتمله و كذا وضعيات محتمل {وجودها} بعد ذلك، أي في الوقت الحالي، و بعد مرور وقت طويل جدا من خلقها.” و يؤكد لنا أن “معظم هذه الوضعيات ليست كما نشاهدها { في الطبيعة} و لا هي قابلة لأي وجود للحياة عليها. {إنما الحياة تكون على } عدد محدد صغير جدا منها ، و هذه {هي الأكوان التي} تسمح {قوانينها} لكائنات مثلنا بالتواجد عليها. و عليه فوجودنا {هو الذي } يختار من بين كل هذه النظم الهائلة فقط تلك الأكوان التي تلائم وجودنا. فنحن نعتبر توافه صغيرة في المقاييس الكونية العظيمة، و لكن {ندرة وجود أمثالنا} هو ما يجعلنا نوعا ما {نشعر أننا} سادة المخلوقات. و لكن حتي نفهم الكون بمستوي أعمق فنحن نحتاج أن نعرف، ليس فقط كيف يعمل الكون {أو الأكوان}، و لكن أيضا لماذا {يعمل بهذه الصورة؟}. و لماذا يوجد شيء بدلا من اللاشيء؟ و لماذا نحن موجودون؟ و لماذا هذه المجموعة المحددة { بالذات} من القوانين الكونية و ليس غيرها؟”٠

    فحسب ما جاء علي لسان المؤلف أن “هذا هو السؤال الكلي عن الحياة، و الكون، {بل } و كل شيء٠


    يتبع
    قال يماني ال محمد الامام احمد الحسن (ع) ليرى أحدكم الله في كل شيء ، ومع كل شيء ، وبعد كل شيء ، وقبل كل شيء . حتى يعرف الله ، وينكشف عنه الغطاء ، فيرى الأشياء كلها بالله ، فلا تعد عندكم الآثار هي الدالة على المؤثر سبحانه ، بل هو الدال على الآثار
  • نجمة الجدي
    مدير متابعة وتنشيط
    • 25-09-2008
    • 5278

    #2
    رد: كتاب “التصميم العظيم” ؛ مراجعة و ترجمة مختصرة - ستيفن هوكنج

    كتاب “التصميم العظيم” ؛ مراجعة و ترجمة مختصرة (٢)٠


    رباب خاجه
    الحوار المتمدن-العدد: 3295 - 2011 / 3 / 4 - 22:45
    المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات



    الفصل الثاني: أسس { وضع} القوانين {العلمية}٠


    في هذا الفصل يقوم هاوكنغ بسرد تاريخي للمسار العلمي؛ كيف بدأ و ما هي نقاط التحول الرئيسية في مساره، و ما هي معوقاته . و كما هو معروف (بالنسبة لما نملكه من أدلة بينة من الآثار و غيرها، علي أي حال ) فالطريق العلمي المبني علي المنطق و المشاهدة ثم التجربة و الإستنتاج و القياس يبدأ مع الإغريق ” في العهد الكلاسيكي” حيث ولد هذا الإسلوب و إزدهر في بداياته. و كانت البداية لا تتعدي الإعتماد علي الحدس و الحكمة و الفلسفة، التي كانت بصورة عامة تتصف بالعمومية فيما يبدو للعقل البشري بأنه منطقي. و كانت كل السبل المعرفية مخلوطة – خلط الفيرياء بالأساطير و المثلوجيا والميتافيزيقا؛ و الكيمياء بالشيمياء ؛ و علم الفلك و حركة النجوم بالتنجيم و السحر و القوى الخفية ؛ و علم السيكولوجي أو علم النفس بتقمص الأرواح و تلبيس الشياطين و غيرها من الأساليب الشعبية – و هكذا ، مرورا بإوربا الوسطي- و كذلك بالمسلمون في العهد العباسي و الأموي في الأندلس حيث كان لبعض علمائهم الفضل بنقل العلوم و الحفاظ عليها و الإضافة لها مع أن المؤلف لم يذكرهم بصورة مباشرة- حيث بدأ أحد نقاط التحول الجذري في تصحيح المسار العلمي، أو تحديد ما يعتبر علم حقيقي مبني على الواقع و ما يعتبر علم مزيف مبني على الخيال ، و وصولا بالعهد الحديث من الكم الهائل من النظريات التي صارت تصاحبها الكثير من الجدل و التنافس . شارحا في كل مرحلة المعوقات الرئيسية لهذا المسار، و كيف أن العلوم لا يمكن أن تستمر بإعطاء نتائج مرضية مالم تصحح نفسها ذاتيا ليتعدل مسارها. فالكسوف مثلا ، كان أمرا أرهب القدماء لأنه لم يكن لديهم تفسير مقنع له و لا وسيلة ما لتوقع حدوثه. و لذا فلقد بدا لهم أنه لابد و أن يكون من عمل قوى غير مرئية، أو ما وراء الطبيعية ، و وجوده الغريب إنما دلالة علي إشارة ما(لازال هنالك من يعتقد ذلك). فإخترعوا الطقوس المختلفة ، يقدمون فيها النذور و التي لم تكن تخلو من الأضاحي البشرية في أغلب الأحوال – و إستمر ذلك حتي جاءت الديانة الإبراهيمية و إستبدلتها بالأضاحي الحيوانية تدريجيا – لكسب ود هذه القوى و لدفع البلاء الناتج عن غضبها عليهم. فهذه كانت حدود فهمهم و تفسيرهم لكسوف الشمس و خسوف القمر و الأعاصير و السيول و غيرها. و لكن بعد أن فهم الإنسان ميكانيكية عمل هذه الظواهر من خلال التأمل العميق و الإحساس بأن لها قوانين معينة مكرره من الممكن فك رموزها ، قام ببناء نماذج رياضية لها سهلت فهمها و خصوصا بعد أن صح ما توقع بحدوثها المتكرر (مثل التنبؤ بالأرصاد الجوية في زمننا مثلا ) . فالإنسان الحديث لم يعد يخاف الظواهر الطبيعية، بل أصبح العلماء يتنافسون لحل ألغازها، و تدريجيا أدركوا حتى أنها ” لا تعتمد علي عشوائية و أهواء الكائنات الخارقة الميتافيزيقية، و لكنها بصورة أدق ملتزمة و مقيدة بقوانين و شروط {ثابتة}” ٠

    و في هذا الصدد يقول هاوكنغ أن ” أغلب الأحداث في الطبيعة كانت تبدو لأجدادنا بأن التنبؤ بها أمر مستحيل. فالبراكين، و الزلازل، و الأعاصير ، و الأوبئة، و حتى أضفار الإصابع التي تنمو داخليا في الأرجل ، كانت {أمور } تبدو لهم أنها تحدث بدون سبب واضح {بإمكانهم تفسيره}. ” و هذا ما سبب إيعازها إلي قوى خفية و كأنه أمر بديهي ، “ففي الأزمنة القديمة كان من الطبيعي أن ينسب أفعال الطبيعة العنيفة إلى جوقة من الآلهة اللعوب {أي لها أهوائها المختلفه في تدبير شئون الناس أو لها سبب أو حكم لا يعلمها إلا الآلهة}. فالفواجع {و النكبات} غالبا ما كانت تؤخذ كإشارات بأنهم و بصورة ما لابد أنهم قاموا بإزدراء هذه الآلهة فأغضبوها { و هذا واضح تأثيره حتي لاحقا في قصص العبر القرآنية – و بعضها مكتسب من الأساطير اليهودية- مثل قصه قوم لوط و طوفان نوح و غيرهم من الشعوب التي أغضبت اللة فغضب هو عليهم و خسف الأرض من تحتهم } “٠


    إن أول وسيلة من وسائل المنطق عند الإنسان كانت الفكرة السببية و التي تقول أن لكل سبب مسبب . فعندما ينزل البلاء بقوم مثلا فلابد أن يكون هنالك سببا لذلك. و بما أن الإنسان لم يكن يعرف هذه الأسباب فهو إخترعها و ذلك بنسبها لنفسه و بتحمل اللوم. فأصبح الإنسان و ما يقوم به من عمل هو دائما سبب الكوارث حتى لو لم يكن ذلك منطقيا، و حتى لو لم يكن قادرا على أن يربط هذا العمل بتلك النتيجة بطريقه مباشرة . أو كما يذكر المؤلف، ” قابلية الإنسان {الطبيعة} لتحمل الذنب جعلت الناس يبحثون عن الطرق {العديدة} ليلوموا أنفسهم على كل ما يصيبهم {من آلام و فواجع}”، لأن ذلك له مرجع نفسي يجعل الفرد قادرا ، نوعا ما أن يسيطر علي محيطه حتي لو كان ذلك بطريقة غير مباشرة. هذا بالإضافة إلي “الجهل بطرق الطبيعة” أساسا ، و الذي ” قاد الناس في الأزمنة القديمة إلي إختراع الآلهة لتتحكم في كل أوجه حياتهم {و ترسم طريق الخير و الشر لهم ، و كيفية التعامل مع الأمور الحياتية و خصوصا العلاقات البشرية الإجتماعية و السيكلوجية التي بدت و لازالت تبدو غامضة لهم }. فلقد كان هنالك آلهة للحب و الحرب؛ و {آلهة} للمحيطات و الأنهار؛ و {آلهة} للأمطار و العواصف الرعدية يتوسلون لها و يقدمون القرابين {ألا يذكركم هذا بصلاة الإستسقاء عند المسلمين حيث لازالت آثار الطقوس البدائية حية حتى علي مستوي الدول التي تعتبر نفسها مدنية حديثة كالكويت؟*}؛ و حتي كان هنالك آلهة للزلازل و البراكين . فعندما تكون هذه الآلهة راضية عن الناس، فهم سيتمتعون بأجواء جيدة {صافية}، و و بالأمن و السلام {و على الصعيد الفردي ؛ يكون الإحبة علي حب و وئام دائم } ، و سيتم إنقاذهم من الكوارث الطبيعية و الأمراض. و لكن عندما تكون هذه الآلهة غير راضية عن الناس، فالقحط و الحروب و الطاعون و الاوبئة ستكون من نصيبهم {بسبب هذا السخط الإلاهي}. و حيث أن العلاقة بين السبب و المسبب لم تكن ظاهرة لأعين الناس {في تلك الأزمنة}، ضل الناس {و لازال المؤمنون منهم } تحت رحمة هذه الآلهة و التي كانت تبدو غامضة لهم٠

    و لكن كل هذا {بدأ} بالتغيير مع ظهور حواديت-قصص- ميليتس (٦٢٤-٥٤٦ قبل الميلاد)٠Tales of Miletusأي بحوالي ٢،٦٠٠ سنة ماضية، {عندما برزت مجموعة من القصص القديمة المكتوبة و المجمعة تحت الإسم أعلاه في مدينة ميليتس الإغريقية-التركية العتيقة} و التي {تؤكد بعضها أن} الطبيعة تتبع قوانين ثابتة في الإمكان حل رموز شفرتها . و هكذا بدأت {من يومها} العمليات الطويلة {المتسلسلة الشاقة} بإستبدال فكرة {تدخل} الآلهة {في الظواهر الطبيعية كقوى خير و شر} مع فكرة الكون المسير بقوانين طبيعة {ثابتة و مفهومة}، و من ثم إنتشرت فكرة أن الكون { و ما يحويه بما في ذلك الإنسان لابد أن يكون } مخلوق و أنه لابد أن يكون للكون كروكي {مخطط هندسي تم تصميمة من قبل الآلهة و حتما} سيتعلم {الإنسان} قراءته في يوم ما { بحل شفرته}”٠

    و من هنا يبدأ المؤلف في سرد خط تطور العلوم في تفسير الطبيعة من خلال نقطة التحول هذه، إبتداءا بعهد الإغريق الكلاسيكيين فيقول “إننا نجد أن البحث العلمي { أو اللجوء للعلوم في تفسير الأمور الطبيعية} هو مسعي جديد نسبيا {في خط تطور الإنسان الحديث و الذي بدأ مع الهوموسابيان بحوالي ٢٠٠،٠٠٠ سنة قبل الميلاد} … فاللغة المقروءة ظهرت {حوالي} ٧٠٠٠ سنة قبل الميلاد تقريبا {كحاجة} في مجتمعات تمركزت حول زراعة الحبوب { مع بداية التبادل التجاري}. و أقدم التقارير المكتوبة لدينا {هي تلك التي تخص } حضارات إغريقية عظيمة يرجع تاريخها إلي القرن التاسع قبل الميلاد. و لكن قمة هذا الإزدهار العلمي كان في عهد ما يسمي “بالفترة الكلاسيكية” للحضارة الإغريقية، و التي أتت بعد عدة قرون لاحقة من بدء هذه الحضارة الإغريقية القديمة، و كان ذلك في حوالي ٥٠٠ سنة قبل الميلاد تقريبا.” أو “حسب أرسطو (٣٨٤-٣٢٢ قبل الميلاد)، كان ذلك الوقت قريبا من الوقت الذي قام به العالم ثاليس Thales بتطوير فكرة أن الكون {من حولنا} ممكن أن يفهم {بالعقل}، مفسرا ذلك بأن الأمور المعقدة حولنا ممكن أن تختزل إلي مباديء و أسس أبسط {لتسهل فهمها}. شارحا {ما يقصد} دون أن يلجأ إلي إدخال الأساطير أو التفسيرات الثيولوجية في مناقشاته. و {مما ينسب لثاليس أيضا أنه } كان أول من توقع حدوث الكسوف الشمسي في عام ٥٨٥ قبل الميلاد {في وقت كان الناس فيه يرتعبون من هذه الظاهرة}، {هذا مع العلم أن } الدقة الشديدة في تنبؤه، و صحة ذلك، كان علي الأغلب حدسا {ذكيا}…{ ولقد } إشتهر {وقتها } منزل ثاليس {بملتقى المثقفين و العلماء في ذاك العصر} . فهو كان مركزا {معروفا} في منطقة كانت تسمي أيونيا {و هي المدينة التركية-الإغريقية التي كانت منبع العلوم البشرية}، و كانت أيونيا { وقتها} تحت سيطرة الإستعمار الإغريقي و الذي إمتد تأثيره لاحقا {علي مساحة إمتدت} من تركيا إلى إيطاليا. فالعلوم الأيونية كانت {أولى} المساعي {البشرية الجادة} التي تميزت بالرغبة الشديدة في كشف الغطاء عن المجهول من الأمور ، و وضع مباديء القوانين الأساسية لشرح الظواهر الطبيعية. و هذه المرحلة تعتبر نقطة التحول المركزية الهائلة في تاريخ الفكر البشري، حيث كان هذا السبيل يعتبر راديكاليا { بالنسبة لزمنه}، و في ظروف كثيرة {نجد أن علومهم} قادت إلي إستنتاجات مشابهة و بصورة مذهلة لما قادتنا إليه طرقنا الأكثر رقيا و الأكثر تطورا اليوم. فتلك الفتره كان بمثابة البداية العظمى {للإزدهار الثقافي العلمي بحق}. و لكن {للأسف لم يكتب لها الإستمرار علي نفس المنوال} فالكثير من العلوم الأيونية كان مصيرها النسيان في القرون اللاحقة، مع أنه تم إعادة إستكشافها أو إعادة إختراعها بعد ذلك، و أحيانا {تم هذا الإستكشاف } أكثر من مرة واحدة”٠

    و من ثم يقوم المؤلف بإعطاء نبذة عن أهم علماء أيونيا من الذين كان لهم الفضل في إنارة شعلة العلم الأولى حيث ترجح الأساطير ، كما يقول المؤلف “أن أول قانون طبيعي لشرح ظواهر طبيعية ينسب للأيوني فيتاغورس (٥٨٠-٤٩٠ قبل الميلاد)٠ Pythagoras و هو الذي إشتهر بنظرية سميت بإسمه “. هذا مع العلم أنه ليس مؤكدا أن فيتاغورس و الذي كان أحد كهنة المعابد و إشتهر بممارسة السحر هو بنفسه الذي كان وراء وضع القوانين التي إشتهرت بإسمه لاحقا و منها قانون في حساب المثلثات التي إستخدمها من سموا “بالفيتاغورسيون” و الذين أتوا بعد عهده بفترة من الزمن. و كذلك إشتهر فيتاغورس بوضع “العلاقة بين تذبذب الوتر و طولة في الآلات الموسيقية” و هذه الخاصية يعرفها جيدا الموسيقيون المختصون في الآلات الوترية. فإن كانت هذه الإسطورة صادقة، كما يقول المؤلف، ” فنحن نستطيع أن نقول أن هذه المعادلة البسيطة {أي علاقة ذبذبة الصوت بطول الوتر} تمثل أول لحظة {ولادة حقيقية} لما نعرفه اليوم بعلم الفيزياء النظرية” ، و الذي هو اليوم علم قائم بحد ذاته و من إختصاص المؤلفين لهذا الكتاب . و لكن الشيء الأكيد هو أن “القوانين الوحيدة التي نعرف (نسبها الصحيح للقدماء) و بصورة مؤكدة هي ثلاثة قوانين قام أرخميدس ( ٢٨٧-٢١٢ قبل الميلاد) ٠ Archimedes بإعطاء شرح مفصل لها. و هذا ما يجعل أرخميدس من أبرز الفيزيائيين القدماء و بكل المقاييس” كما يذكر المؤلف و يزيد بأن ” أرخميدس لم يسمي {عمله هذا} بقوانين، و لا حتي شرح نظرياته بإستخدام المشاهدة و القياس. و لكنه تعامل معها و كأنها أفكار رياضية {كألغاز } . في نظام بديهي {منطقي} يشبه كثيرا تلك الطريقة المستخدمة من قبل إيكليد٠ Euclid في الحسابات الهندسية “٠

    أما أناكسيماندر (٦١٠-٥٤٦ قبل الميلاد)٠Anaximander فيقول المؤلف أنه “قدم مناقشة {فلسفية} مفادها أن طفل الإنسان يكون ضعيف البنية عند الولادة، فإذا كان الإنسان الأولي قد ظهر علي سطح الأرض بنفس صورة الطفل الحالي {الضعيف}، لما كان بإستطاعته البقاء {أي لكان إنقرض نوعه}. و هذه قد تكون أول إشارة { في التاريخ البشري} لنظرية النشوء و الإرتقاء { و التي فصلها بصورة علمية أكثر كل من شارلز دارون و ألفريد رسل واليس بنفس الوقت و بصورة منفصلة، بعد ذلك بقرون}، فالناس، كما منطق أناكسيماندر الأسباب في حديثه “لابد و أنهم تطوروا من حيوانات كانت صغارها أكثر صلابة {من الإنسان الحديث، و ذلك حتى تتحمل الأجواء الأولية القاسية من أجل البقاء }” هذا مع العلم أن أناكسيماندر يعتبر من أوائل من لجأ إلى التجربة في إثباث نظرياته ٠
    و في نفس الوقت إكتشف إمبيدوكليس Empedocles المادة “التي قمنا {بعد ذلك } بتسميتها بالهواء الجوي “٠ و كذلك في نفس الوقت “إعتقد ديموقريطوس (٤٦٠-٣٧٠ قبل الميلاد)٠ Democritus
    و الذي كان يسكن مستعمرة في أيونيا بشمال اليونان، أن أية كتلة مادية {بما فيها الكائنات الحية } هي {في الواقع} عبارة عن تصادم الذرات مع بعضها” و سميت نظريته هذه بالاتوميزم Atomism
    و أضاف ديموقريطس أن هذه الذرات ” إذا لم يكن هنالك ما يعترض مسارها فهي تتحرك في الفضاء حولنا إلي الامام في مالانهاية . ” و هذا { المفهوم هو } ما نسميه اليوم بقانون الإنيرشيا {للطاقة الذاتية عندما تكون الكتل في حالة سكون}”٠ Inertia أما أريستارشوس (٣١٠-٢٣٠ قبل الميلاد)٠ Aristarchus فلقد كان آخر عالم أيوني و “أول شخص قدم الفكرة الراديكالية بأننا كائنات عادية في هذا الكون، لأننا لا نتمتع بأية خصوصية أو مركزية {أي أن الأشياء لم تخلق فقط من أجل خدمتنا و راحتنا}” . فهو كان أول من “ناقش أن الأرض ليس مركزا لنظامنا الشمسي، و لكن الأصح هو القول أن الأرض و بقية الكواكب هي التي تدور حول الشمس الواقعة في المركز و ذلك لأنها تفوقها كلها بالحجم {و سبب ذلك يعود برأيه إلي أن الأجسام السماوية الأصغر هي التي تدور حول الأجسام السماوية الأكبر و ليس العكس} ” و هو أيضا توقع أن “النجوم التي نراها بالليل هي في الواقع لا شيء غير شموس بعيدة {بينما كان العرف السائد وقتها بأن السماء سقف هائل مرفوع بعمد يحجب الآلهة ،و نورها عن البشر ، من ورائة . و ما النجوم و الكواكب إلا ثقوب في هذا السقف}”٠

    هذا مع العلم أن الأيونيون “كانوا يشكلون واحدة {فقط} من عدة مدارس فلسفية في العهد الإغريقي الكلاسيكي، و كانت كل مدرسة من هذه المدارس ذات تراث {و ثقافة} مختلفة عن بعضها البعض ، و في كثير من الأحيان حتي تكون متناقضة مع بعضها البعض…فنظرة الأيونيون للطبيعة – بكونها ممكن أن تفسر بإستخدام قوانين عامه تختزل إلي مجموعة من المباديء {القواعد}- كان لها التأثير القوي {علي المسار العلمي في الطريق الصحيح} و لكن ذلك كله لم يستمر إلا بضع قرون قليلة ” . و أحد أهم الأسباب لذلك كان لأن العلوم الأيونية كانت “غالبا لايوجد فيها مكان {أو تفسير } لفكرة السببية {الفلسفية}، أو فكرة تدخل الآلهة في عمل الكون كسبب لمسبب أو لعمل ما” و هذا ما جعل منها نظريات غير مستساغة بصورة عامة بالنسبة للأولين، فعلي سبيل المثال عارض أبوقراط (٣٤١-٢٧٠ قبل الميلاد) الفكرة الذرية “أتومزم” بشده {ليس لسبب منطقي علمي بل علي أساس إعتقادي بحت} حيث ذكر{ساخرا} بأنه ” من الأفضل أن نتبع الأساطير {المنقولة } عن الالهة من أن نصبح ‘عبيدا’ لقدر قدره لنا فلاسفة الطبيعة”" كما نقل عنه مؤلف الكتاب. و أرسطو ، هو الآخر ، رفض فكرة الذرات و لذات الأسباب حين ذكر أنه ” لم يستطع أن يتقبل فكرة أن الأشياء الحية {كالإنسان} ممكن أن تكون مكونة من مواد غير حية {كالذرات } أو أن تكون بدون روح”"٠

    و يؤكد المؤلف هنا أن ” فكرة الأيونيون و الخاصة بكون الكون ليس مركزه الإنسان كانت هي نقطة التحول المركزية { التي غيرت نظرتنا } و فهمنا للنظام الكوني، و لكنها {ظلت فكرة مهملة } فلقد تم إستبعادها وعدم الأخذ بها أو تقبلها من قبل العامة حتي جاء جاليليو ، بعد عشرون قرنا تقريبا”، و أصر عليها رغم كل الإعتراضات التي واجهته٠

    و لكن هذه لم تكن النظرية الوحيدة التي تم محاربتها و إهمالها لعلوم الأيونيين ، “فعلي الرغم من عمق بعض أفكار علماؤها عن الطبيعة ، فأغلب الفكر الإغريقي الكلاسيكي { و الذي كان يتعارض مع الأعراف و الإعتقادات السائدة } لم يمر كعلم شرعي {صحيح} حتي في الزمن الحديث {نسبيا}. و أحد أهم أسباب ذلك كان لأن الإغريق لم يكونوا قد إخترعوا الطرق و الوسائل العلمية {الصحيحة التي من الممكن أن يعتد بها في القياس }، فنظرياتهم لم تكن تطورت من خلال التجربة و البرهان…و لم تكن لديهم الطرق الموضوعية لحسم المناقشات ( عندما تتناقض ) وجهات النظر. كما لم يكن هنالك تفاضل واضح بين القوانين {المعتمدة علي الأهواء } الإنسانية و تلك التي تخضع للقوانين الطبيعة. ففي القرن الخامس قبل الميلاد، علي سبيل المثال، كتب أناكسيماندر {معتمدا علي إعتقادات سابقة } أن كل الأشياء تخلق من مادة أساسية، ترجع لها {بعد ذلك}، إلا إذا ” دفعت ثمن {جزية ، لدفع البلاء عنها تكفيرا} عن خطاياها”. و أما الفيلسوف الأيوني هيراكليتس (٥٣٥-٤٧٥ قبل الميلاد)٠ Heraclitus “فإنه قال بأن “الشمس مأمورة علي هذا الأداء اليومي {لتجري لمستقر لها!} لأنها إن خالفت {الأوامر} فآلهة العدالة تصطادها و تقضي عليها”٠ و هكذا ظلت هذه الإعتقادات هي السائدة إلي أن تطورت قليلا بعد عدة قرون لاحقة مع عهد الستويكس و فلسفتهم التي عرفت بالستويسزم Stoicism و هم “يشكلون مدرسة أخرى من مدارس فلاسفة الإغريق ، ظهرت في القرن الثالث قبل الميلاد ، و عملت علي التفرقة بين {الأهواء} الإنسانية و القوانين الطبيعية، {و كان ذلك جيدا لولا أنهم } أدخلوا { العلاقة بين } التصرفات الإنسانية – مثل تكريم الالهة و طاعة الوالدين- بمصائرهم في خانة { العلاقات } بالعلوم الطبيعية٠” بالإضافة لإدخال مفهوم “القضاء و القدر” لكل شيء في الوجود٠
    و ظلت هذه الثقافة تؤثر علي المفكرين الذين أعقبوا الإغريق لمدة قرون عدة بعد ذلك. “ففي بدايات القرن الثالث عشر تبني الفيلسوف المسيحي ثوماس أكويناس (١٢٢٥-١٢٧٤ م) هذا التوجه و إستخدمه ليجادل بموضوع وجود الله كاتبا ” إنه من الواضح أن ( الأجسام غير الحية) تصل نهايتها ليس بالصدفة و لكن بالقصد ({أي أن عمر الإنسان مكتوب، و عمله مكتوب و مصيره محسوم، إلخ…}…و لذا فلابد أن يكون هنالك كائن ذكي يقوم بإصدار الأوامر لنهاية كل شيء. و هذا التوجه كان أيضا و حتي بعد ذلك {لوقت قريب نسبيا} في القرن السادس عشر {منتشرا بين العامة و الخاصة}، مع فكرة أن لكل كائن عقل مسير بقدرة خارقة ، حيث يذكر أن الفلكي الألماني العظيم جوهانس كيبلر (١٥٧١-١٦٣٠م)٠ Johannes Kepler كان يعتقد أن الكواكب تملك أجهزة حسية و أنها تتبع من خلال وعيها {الحسي} القوانين التي تفهمها ب “دماغها”. هذا مع ملاحظة أن كيبلر كان أول عالم فهم معني كلمة “علم” بمفهومنا الحديث، و مع ذلك ظل محتفضا بمفهوم روحانية المواد الفيزيائة٠

    أما أرسطو، و هو الذي كان أحد قادة هذا الفكر{ بأن الأشياء في الطبيعة، مع وجود عقول لها ، ألا أنها لا تملك الخيار لأنها مسيرة بصورة عامة، و بكتب مكتوبة بواسطة الآلهة} فإنه رفض فكرة العلوم المبنية كمباديء علي المشاهدة رفضا باتا…و بني فيزياؤه علي مباديء إستهوته فكريا {و ناسبت إعتقاداته} …و مع أن فيزياء أرسطو لم يكن له قيمة توقعية أو تنبؤية إلا الشيء اليسير، ألا أن طريقته في العلوم سادت علي الفكر الغربي و لمدة ألفين سنة تقريبا…ففي ١٢٧٧ م نشر الأسقف تمبيير من باريس Condemnations of 1210–1277 و بإيعاز من البابا جون الحادي و العشرون ٠ Pope John XXI
    قائمة تحتوي علي ٢١٩ أخطاء أو هرطقات أوجبت الكنيسة إدانتها، و من بين هذه الهرطقات كانت فكرة أن الطبيعة تتبع قوانين {ثابتة}، لأن هذا يخالف القدرة المطلقة لله في التدخل في تغيير المصائر {أو ميكانيكية كن فيكون}٠

    و علي أي حال لم تكن القياسات الدقيقة متوفرة في الأزمنة القديمة. فالنظام الرياضي العشري يرجع تاريخه لعام ٧٠٠ م (عن طريق الهندوس). و أشارات الزائد و الناقص في الرياضيات و الجبر لم تظهر قبل القرن الخامس عشر الميلادي{ مع المسلمين }، و لم تكتشف إشارة “=” و لا الساعات التي تحسب الوقت بالثواني كانت معروفة قبل القرن السادس عشر الميلادي٠

    و من ثم يتطرق المؤلف إلي عهد جاليليو، و الذي يبدأ معه نقطة تحول جذرية أخري سنتعرض لها في الحلقة القادمة
    *
    يتبع
    قال يماني ال محمد الامام احمد الحسن (ع) ليرى أحدكم الله في كل شيء ، ومع كل شيء ، وبعد كل شيء ، وقبل كل شيء . حتى يعرف الله ، وينكشف عنه الغطاء ، فيرى الأشياء كلها بالله ، فلا تعد عندكم الآثار هي الدالة على المؤثر سبحانه ، بل هو الدال على الآثار

    Comment

    • نجمة الجدي
      مدير متابعة وتنشيط
      • 25-09-2008
      • 5278

      #3
      رد: كتاب “التصميم العظيم” ؛ مراجعة و ترجمة مختصرة - ستيفن هوكنج

      كتاب -التصميم العظيم- ؛ مراجعة و ترجمة مختصرة (٣)٠


      رباب خاجه

      الحوار المتمدن-العدد: 3301 - 2011 / 3 / 10 - 08:02

      المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات



      جاليليو جاليلي (١٥٦٤-١٦٣٢م)٠Galileo Galilei

      كما ذكرنا في البوست الماضي أن أحد أهم النقاط الجذرية في التحول في المسار العلمي بدأ في عهد جاليليو ، حيث يقول عنه المؤلف أنه إكتشف "الكثير من القوانين، و دافع عن أهمية المباديء المعتمدة علي المشاهدة و {القياس } في تكوين القواعد العلمية {حيث عن طريق المشاهدة بالتلسكوب ، بين كيف أن الأرض هي التي تدور حول الشمس، مؤكدا ما ذكره كابرنكاس Copernicus قبله بفترة قصيرة ، و الذي بدوره لم يتجرأ بنشر معلوماته إلا قبل وفاته بقليل}". و بذلك ضرب جاليليو عرض الحائط كل ما إعتمدت عليه الكنيسة من علوم إغريقية في إثبات النبوءات المسيحية و منها أهمية الإنسان بكونه أساس كل ما هو مخلوق، أو لأجله و لأجل راحته تم خلق كل شيء . و بين "أن الغرض من العلم { ليس إثبات أو عدم إثبات أمور ثيولوجية ، بل } هو بحث العلاقات الكمية الموجودة {فعليا } بين الظواهر الطبيعية " كما جاء علي لسان المؤلف. و تحمل بذلك قسوة مجتمعه المسيحي الملتزم و خصوصا عندما حكمت عليه المحكمة الكنسية بالهرطقة و السجن الإجباري في داخل منزله إلى يوم وفاته. و لم تعتذر الكنيسة عن خطئها و حكمها الجائر عليه إلا مؤخرا في عام ١٩٩٢م . و لكن لم يكن ليذهب جهود جاليليو سدي، ففي نفس الوقت تقريبا ، أو بعده بقليل ظهر نجم الفيلسوف و الرياضي الفيزيائي الفرنسي الشهير رينية ديكارت (١٥٩٦-١٦٥٠) ٠René Descartes
      الذي إعتبره المؤلف "أول شخص قام بصياغة فكره القوانين الطبيعة بحزم و صراحة كما نفهمها {اليوم}. فهو كان يعتقد أن جميع الظواهر الطبيعية يجب أن تفسر بصورة كتل متحركة، تتحكم فيها ثلاثة قوى -مستبقا بذلك القوانين التي صاغها نيوتن بخصوص الحركة لاحقا- و مصرا علي أن هذه القوانين الطبيعية عليها أن تكون قابلة للتطبيق في كل الأماكن و في جميع الأزمنة {بدون إستثناء}. كما و بين بوضوح أن رضوخ هذه الأجسام المتحركة لهذه القوانين لا تعني أنها تمتلك أدمغة {كما كان يعتقد كيبلر}. فديكارت كان يفهم أيضا أهمية ما نسميه "بالظروف الإبتدائية" { و التي هي معرفة و دراسة الظروف الإبتدائية أو الوضع الحالي للشيء أو للنظام يعتبر من الأمور الضرورية لعمل التنبؤ بالنتائج المستقبلية لما سيئول إليه النظام، و كذلك لتتبع أثر النظام زمنيا إلي الوراء }". أما بالنسبة لمعتقداته الدينية "فهو كان يعتقد أن الله هو من وضع القوانين الطبيعية للكون {في البداية} و لكنه لم يكن له إختيار بين هذه القوانين، بل هو إختار القوانين التي نجربها في حياتنا اليومية لأنها كانت القوانين الوحيدة الممكنة الحدوث {أي لا يمكن إستبدالها بغيرها}". و ناقش على هذا الأساس " حتمية هذه القوانين كونها تعكس الطبيعة الجوهرية لله "٠و جادل بأنه "لا يهم ما هي ترتيبات المادة في بدايات الكون...{لأنه في جميع الأحوال} سيتطور {بالنهاية} كون مطابق تماما لكوننا علي مر الزمن {بسبب حتمية هذه القوانين } ". و أكمل أنه " حالما سير الله الكون {بقوانين في بداياته} فإنه تركه {يعمل بعد ذلك } لوحده كليا {دون التدخل فيه}" ٠

      و بعد ذلك بقليل من الزمن ظهر نجم إسحاق نيوتن (١٦٤٣-١٧٢٧م)٠ Isaac Newton و الذي بدأ بعهده الفيزياء الكلاسيكية كما نعرفها اليوم، فلقد كان هو "وراء إكتشاف ثلاثة قوانين للحركة، بالإضافة إلي قانونه الشهير بقانون الجاذبية، و الذي يضع بالحسبان دوران الأرض حول محوره و {جاذبية} القمر و بقية الكواكب" ، و كذلك قام بشرح ظاهرة المد و الجزر٠
      هذا مع العلم بأن نيوتن و جميع من جاء قبله كانوا مؤمنين بوجود خالق يتدخل بصورة أو أخرى في شئون الخلق حتي لو لم يتدخل بقوانين الكون بعد ذلك و تركها تعمل لوحدها كما ذكر ديكارت، و لذلك فقانون الطبيعة و ميكانيكية علاقتة بالله في ذاك الوقت لم تكن النظرة إليه كالنظرة العلمانية الحالية لهذا القانون، فكما يذكر المؤلف "اليوم أغلب العلماء سيقولون أن قانون الطبيعة هو القاعدة التي تستند عليها الأحداث المنتظمة الحدوث و التي تعطي تنبؤات لما بعد الحالة التي إعتمدت عليها" و كفى، دون ذكر لعلاقة ذلك بالله٠و لكن إذا كانت الطبيعة مقيدة بقوانين فهنالك ثلاثة أسئلة تفرض نفسها، يقوم المؤلف بإدراجها و إدراج إجابات الأولين عليها:٠

      السؤال الأول هو: ما هو أصل هذه القوانين؟

      و علي ذلك يجيب كل من كيبلر و جاليليو و نيوتن بأن القوانين هي موضوعة من قبل الله . كما أعطوا تعريفا لله بأنه "تجسيد لقوانين الطبيعة"٠

      و السؤال الثاني هو : هل يوجد إستثناء لهذه القوانين؟ أي هل يوجد معجزات؟


      و علي ذلك أجاب أفلاطون و أرسطو بحزم بقولهم أنه "لا يوجد إستثناءات لقوانين الطبيعة" أما الإنجيل (و كذلك القرآن) و الذي كان يؤمن به كل من العلماء السابق ذكرهم فيقول "أن الله لم يخلق القوانين فقط، بل أنه {يملك أن يغيرها أيضا متى ما شاء } عن طريق {الإستجابة لمخلوقاته} في صلواتهم {لا يرد القضاء إلا الدعاء!} ، و بذلك فالله قادر على أن يعمل إستثناءات لقوانين الطبيعة {فإن شاء للشيء أن يكون فهو يقول له كن فيكن} ، أي ممكن أن يحدث المعجزات {فتلد العذراء مثلا أو ينشق القمر } " أما ديكارت فمع أنه لا يعتقد بوجود إستثناءات في الوضع الطبيعي و لكنه يؤكد بنفس الوقت "بأن الله لابد أن يكون قادرا علي تعليق القوانين {متى شاء} حتي تحدث المعجزة" . أما نيوتن فنظرته مغايرة لديكارت حيث يقول أنه بدون تدخل الله المستمر فإن " مدار الكواكب سيكون غير ثابت لأن الجاذبية بين أحد هذه الكواكب للأخري ستسبب إضطرابا لمداراتها و عليه سيكبر مع الزمن و سيتسبب إما في سقوط هذه الكواكب إلى الداخل في الشمس أو أن ترمي في خارج المجموعة الشمسية. و عليه فهو كان مؤمنا بأن الله حتما يقوم بإعادة {تضبيط} المدارات أو " أنه " يلف نابض الساعة السماوية، حتي لا تقف"، و إن أراد غير ذلك، حسب مفهومه، فهذا أيضا يرجع له٠

      أما الفرنسي بيير-سايمون ماركيز لابلاس (١٧٤٩-١٨٢٧)٠ Pierre-Simon Laplace فكانت له نظرة مختلفة تماما عن كل من نيوتن و ديكارت، فهو جادل بأن "التشويش {بقوى الجاذبية، أي للداخل أو للخارج من الدائرة} سيكون علي فترات تميزها الدوائر المتكررة {بسبب حركتها}، بدلا من أن تكون تراكمية {أي أن القوى تجدد نفسها بالحركة المستمرة }. و عليه فالنظام الشمسي يقوم بإعادة تشغيل نفسه، و لا توجد حاجة إلي التدخل القدسي لتفسير لماذا بقيت {الكواكب تدور} حتي وقتنا الحالي...و هذه الحتمية العلمية التي صيغها لابلاس هو الجواب العلمي {العلماني} الحديث علي السؤال الثاني...فالقانون العلمي ليس قانونا علميا " كما يجادل المؤلف، "إذا كان ثباتة يعتمد علي قرار من كائن مافوق الطبيعة، يختار عدم التدخل {غالبا و التدخل أحيانا}". و لذا فعندما سأل نابليون لابلاس عن مكان الله في نظرياته "فأجابه، " سيدي، أنا لم أكن بحاجة إلي تلك الفرضية""٠

      و قبل ترك هذا السؤال يتطرق المؤلف إلي سؤال ضمني {فلسفي أزلي} آخر يبرز من بين السطور و يفرض نفسه : هل الإنسان مسير أم مخير؟


      و أعتقد شخصيا أن هذا السؤال هو السؤال الذي لم يحظى أي سؤال مثله بكثرة المناقشات و المجادلات. و لذا فإرتأيت أدراجه لمعرفة وجة النظر العلمية أو بالأحري ماذا يعتقد العلماء تجاهه. ففي هذا الصدد يقول ديكارت أن " عقل الإنسان كان شيئا مغايرا من العالم الطبيعي و لا يتبع قوانينه. و هذه النظره تعني أن الإنسان يتكون من شيئين، جسم و روح. الإجسام ما هي إلا مكائن عادية، و لكن الأرواح لا تخضع للقوانين العلمية {الطبيعية}. و أشار ديكارت إلي عضو صغير في مركز الدماغ يسمي الغدة الصنوبرية قائلا أنها المكان الذي يسكن فيه الروح. و كان يعتقد أن هذه الغدة هي المكان الذي يتكون فيه كل تفكيرنا، و هو منبع قراراتنا التي نختارها {هذه النظرة تبناه أيضا المسلمون و البوذيون و كل الذين يعتقدون بالقوى الخارقة بعد ذلك في الكثير من مناقشاتهم و تحليلاتهم }٠

      و هنا يتساءل المؤلف "إذا كان الإنسان يملك حرية إختيار قراراته، فأين تطورت {هذه القابلية} لدي الإنسان في شجرة إرتقائه؟ و هل الطحالب الخضراء و البكتيريا لها حرية الإختيار، أو أن تصرفاتها أوتوماتيكية من خلال عالم القوانين العلمية؟ و هل فقط الكائنات متعددة الخلايا هي الوحيدة التي تملك حرية الإختيار أو فقط الثدييات؟" و من ثم يلجأ إلي العلوم الحديثة لإيجاد الأجوبة فيقول " تدعم التجارب الحديثة في علم الأعصاب التوجه القائل بأن أدمغتنا الفيزيائية، و التي تتبع القوانين العلمية الطبيعية، هي التي تقوم بأخذ قراراتنا، و ليس وكالة ما موجودة خارج نطاق هذه القوانين ، فعلي سبيل المثال؛ بينت دراسة لمرضى تحت عمليات فتح الدماغ بدون تنويمهم أن التأثير الكهربي علي أماكن معينة في الدماغ، يجعل المريض في حالة يشعر بها بالرغبة في تحريك يده ، أو ذراعه، أو قدميه أو شفتيه {حسب المكان المثار} . و من ثم يستنتج أنه " من الصعب أن نتصور كيف بالإمكان القول "بحرية الإختيار" إذا كانت تصرفاتنا مقيدة بالقوانين الطبيعية، و لذا ، فمع أنه يبدو لنا أننا لم نعد تلك المكائن البيولوجية {أو الدمى المتحركة} ، فإن حرية الإختيار مجرد وهم. و لكن بينما نحن نقر بأن التصرفات الإنسانية مقيدة بالتأكيد بالقوانين الفيزيائية، فإنه يبدو لنا أيضا أنه من المنطقي الإستنتاج أن الناتج {النهائي} هو من التعقيد في وجود عدة عوامل تجعل من المستحيل في الواقع العملي أن نتكهن {كم هو الإنسان مخير أم مسير من الطبيعة }٠

      و حيث أن إستخدام القوانين الفيزيائية المبطنة مسألة غير عملية {لوجود عدة عوامل مؤثرة فيها و تشكل مجموعة يتم } التنبؤ بالتصرفات الإنسانية {من خلالها}، فنحن نقوم بتبني ما يسمي النظرية التأثيرية في الفيزياء النظرية" كما يذكر المؤلف . و هذا مثال

      Effective Field Theory*

      و من ثم يشرح بأن " النظرية التأثيرية هي الإيطار الذي يتم من خلاله عمل نموذج معين لظاهرة تم ملاحظتها {و تكرار حدوثها} لتقديمها بصورتها العامة مع تقدير كل العمليات الذاتية فيها و التفاصيل". و هذا لا ينطبق علي الفيزياء النظرية و حسب بل علي كل العلوم، حيث يقول المؤلف أنه و بما " أننا لا نستطيع حل المعادلات {الدقيقة و المعقدة } التي ترتبط بتصرفاتنا، فنحن نستخدم النظرية التأثيرية بقولنا أن الإنسان مخير {بصفة عامة}. و عليه نقوم بدراسة قدرتنا علي الإختيار، و نقيم تصرفاتنا التي تتطلبها هذه القدرة و هذا {ما نسميه} علم النفس. " تماما كالنظريات التي نستخدمها في "علم الإقتصاد مستندين على معلومة {قدرتنا على} حرية الإختيار و على فرضية أن الناس هم من يقيمون جميع الخيارات المتاحة {في السوق مثلا } و يكون قرارهم هو بعد دراسة ما هو الأنسب لهم... و النظرية التأثيرية ناجحة نوعا ما في توقع التصرفات البشرية {بصورة عامة}...و لكن {مع ذلك تظل} القرارات في أغلب الأحيان لامنطقية أو بالأحرى تكون مبنية علي تحليلات خاطئة لمردود هذه الإختيارات علينا"٠

      وردا علي السؤال الثاني يقول المؤلف أن هذا الكتاب " له جذور في مبدأ الحتمية العلمية و التي تؤكد ضمنيا علي أن الجواب علي السؤال الثاني هو أنه لا يوجد معجزات أو إستثناءات لقوانين الطبيعة " ٠
      أما السؤال الثالث فإنه يخص عما إذا كانت القوانين المتحكمة في الكون و في تصرفات البشر هي فريدة في نوعها {أي خاصة بعالمنا وحدنا} أم لا؟"٠

      و للإجابة عليه يجادل المؤلف بأنه " إذا كان الجواب علي السؤال الأول أن الله هو من خلق هذه القوانين فهذا يجرنا إلي سؤال آخر و هو هل الله لديه نطاق أو مجال معين في إختياره لهذه القوانين؟ {أو بمعنى آخر لماذا هذه القوانين بالذات، و هل ينفع غيرها؟}. و علي ذلك أجاب كل من أرسطو و أفلاطون، كما فعل ديكارت بعد ذلك و من بعده أينشتاين بأنه في إعتقادهم أن المباديء الموجودة في الطبيعة جاءت حسب "الحاجة"، أي أنها هي القواعد و القوانين الوحيدة التي تبدو منطقية. و لكن بسبب هذا الإعتقاد بأصول هذه القوانين الطبيعية { أي بوجود قوى خارقة خلفها } في علم المنطق، شعر أرسطو و من تبعه بعد ذلك أن الشخص بإمكانه أن "يصوغ" هذه القوانين دون الحاجة إلي معرفة كيف تعمل الطبيعة في الواقع. فتحول التركيز الفكري على أن يكون السؤال هو : لماذا تتبع الأشياء قوانين معينة؟ بدلا أن يكون التركيز علي ماهية هذه القوانين و ما هي خصوصيتها، و هذا ما كان من شأنه أن يقوده إلي القوانين النوعية {و الحدسية} و التي كانت في الغالب خاطئة، و في كل الأحوال لم يتثبت أنها مفيدة، حتي مع كونها سادت الفكر العلمي لمدة قرون كثيره بعده. و من ثم مضي وقت طويل جدا حتي إستطاع شخص مثل جاليليو أن ينقض أرسطو بملاحظة أو مشاهدة ما قامت الطبيعة بعمله في الواقع، بدلا من اللجوء إلي المنطق وحده في تحليل الأمور٠
      و من هذا المنطلق يقوم المؤلف بإستخدام الأسئلة السابقة جميعا كمدخل للفصول اللاحقة مبتدءا ببيان ماهية هذه القوانين و كيف تفسر عمل الطبيعة علميا ليخرج بنتيجة إجمالية مفادها أن " أغلب العلماء يقولون أن هذه القوانين هي إنعكاس رياضي {حسابي} لواقع خارجي متواجد بصورة منفصلة عن من يشاهدها {أي ليس لها علاقة مباشرة مع المشاهد}" و هذا ما يرجعنا للتساؤل عن مصداقية التعليمات الثيولوجية ، أو كما يقول المؤلف " بينما نحن نبحر في طريقة مشاهدتنا و تشكيل مبادئنا أو قوانيننا بشأن ما يحيطنا، فإننا نصطدم بالسؤال الذي يفرض نفسه علينا و هو أنه هل لدينا أسباب مقنعة للإعتقاد بوجود "الواقع الموضوعي" ، أي هل هنالك سبب لوجودنا؟"٠
      *


      يتبع
      قال يماني ال محمد الامام احمد الحسن (ع) ليرى أحدكم الله في كل شيء ، ومع كل شيء ، وبعد كل شيء ، وقبل كل شيء . حتى يعرف الله ، وينكشف عنه الغطاء ، فيرى الأشياء كلها بالله ، فلا تعد عندكم الآثار هي الدالة على المؤثر سبحانه ، بل هو الدال على الآثار

      Comment

      • نجمة الجدي
        مدير متابعة وتنشيط
        • 25-09-2008
        • 5278

        #4
        رد: كتاب “التصميم العظيم” ؛ مراجعة و ترجمة مختصرة - ستيفن هوكنج

        كتاب -التصميم العظيم- ؛ مراجعة و ترجمة مختصرة (٤)


        مهندسة رباب خاجه
        الحوار المتمدن-العدد: 3303 - 2011 / 3 / 12 - 10:04
        المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات



        الفصل الثالث: ما هو الواقع؟


        أو بمعنى آخر ، إذا كانت أدمغتنا هي التي تعكس صور عن الواقع، و كل منا له وسيلته الخاصة الشخصية لعمل صورة في الدماغ لهذا الواقع، فهل ما تراه أنت هو نفس ما أراه أنا؟ و إذا إتفقنا أن لنا نظرة عامة لهذا الواقع نستطيع من خلالها أن نتفاهم و نصف ما نرى بصورة جماعية، فكيف لنا أن نعرف أن ما نراه هو صورة حقيقية ، غير مشوشة عن واقعنا؟


        فكثيرا ما نصادف من يقول لنا أن عقولنا البشرية محدودة في قدراتها، و مهما رأينا و قدرنا بحواسنا أنه الواقع المنعكس من خلال هذه الأجهزة الحسية ، فإننا لن نعرف ما هو الواقع الفعلي. و على هذا المنوال فأين هو الواقع الفعلي و كيف يكون وصفه؟


        هذه الأسئلة كانت و لازالت أسئلة فلسفية أشبعوها الفلاسفة تحليلا و تمحيصا و تشخيصا و تقديرا ، أتى على ذكرها المؤلف ، بإعتقادي الشخصي، لكي يتفادى الكثير من تلك المسائل الشائكة التي من الممكن أن تثار عندما يتعمق بدوره في شرح النظرية الكلية - هذا إذا كان لهذه النظرية وجود. ليس هذا و حسب بل أيضا ليبين لنا أنه بإستخدم إسلوب "الحتمية المعتمدة علي النموذج " ، و الذي يقوم بشرحه بإسهاب في هذا الفصل ، تمكن المؤلف من تخطي هذه المسائل الفلسفية مؤكدا أنه في جميع الأحوال و مهما يكن الواقع المادي في الطبيعة ، ف "الواقع " بالنسبة لنا هو ما نقدره نحن و نتفق عليه بصورة عامة و بشروط نتفق عليها سلفا. و عليه فهو يبدأ هذا الفصل بالتطرق إلي وجهة نظر الفلاسفة "الواقعيين " ، أو بالأحرى الذين يناقشون بعدم وجود واقع فعلي ، ليبين كيف أن الواقع هو مسألة نسبية ، فيقوم بإعطاء مثال عن سمكة ذهبية في إناء كروي في ركن من الغرفة. فنظرة هذه السمكة إلي الكون من حولها لا تشبه نظرتنا مع أنها أيضا تخضع لقوانين معينة . و إذا كان بوسع هذ السمكة أن تضع قوانينها فهذه القوانين بالتأكيد لن تكون كقوانيننا حتى لو كانت مشابهه لها، أو "ستكون أكثر تعقيدا من القوانين في مجالنا {بسبب وجود الحاجز المائي و الزجاج المقعر}" ، مؤكدا في الوقت ذاته أن التعقيد هنا أمر نسبي، فكما يقول المؤلف أن " البساطه هي مسألة ذوق". و لذا " فإذا قامت السمكة الذهبية بصياغة قوانينها، فإنه وجب علينا الإعتراف بأن لها نظرة حقيقية للواقع {حسب رؤيتها هي}". و وجود السمكة في عالم آخر - مائي في محيط كروي- ليس فقط هو السبب الوحيد لرؤيتها العالم من حولها بصورة مختلفة، فهناك الكثير من الأمثلة من الواقع المعاش الفعلي لشخصين بنفس المحيط ممن لهما صورتين مختلفتين لنفس الواقع ، و هنا يعطي المؤلف مثال لأشهرها في التاريخ على الإطلاق، و كان ذلك في سنة ١٥٠م مع نظرة بطليموس (٨٥-١٦٥م) للكون٠Ptolemy فبطليموس قام بشرح حركة الأجسام السماوية في الكون و قام بنشرها في نظرية جمعها في ثلاثة عشر كتابا إشتهر بالإسم العربي الماجسطي {بسبب إهتمام العرب به و إحياؤه إبان الدولة العباسية-الأموية في الأندلس}٠ Almagest بدأ بطليموس كتابه " بتفسير أسباب إعتقاده بأن الأرض كروية الشكل، و أنها ثابتة {لا تتحرك} و مستقرة في مركز العالم"، حيث بدا سكون الأرض أمرا طبيعيا للشخص الواقف علي سطحها ما لم يحدث زلازل يحركها و بالتالي يشعر هو بها، كما ذكر المؤلف، و أضاف أنه " على الرغم من وجود نموذج أرستارخوس الهيليوسنترك {أي القائلة بأن الشمس هي مركز نظامنا الشمسي في ذاك الوقت} ألا أن الإعتقادات التي صاغها بطليموس ضلت هي السائدة في محيط المثقفين الإغريق على الأقل منذ زمن أرسطو " و التي كانت أغلبها تصر "بأن الأرض يجب أن تكون هي مركز الكون" و بناء على هذه الإفتراضية الأولية رسم بطليموس "نموذجا يجعل فيه الأرض ثابته في الوسط و جميع الكواكب و الشمس تتحرك حولها في دوائر و مدارات معقدة التركيب ، تحتوي على دوائر أخرى أصغر تسمي إيبيسايكل Epicycles و كأنها عجلات على عجلات، حتى يستطيع أن يفسر و يتنبأ بالأوضاع المستقبلية كما يشهدها في الواقع للحركة الكونية. و هذا النموذج بدا منطقي لدرجة أنه " تم تبني نموذج أرسطو و بطليموس من قبل الكنيسة الكاثوليكية {و كذلك المسلمون بعد ذلك حيث أدخلوه} كتعاليم و علوم أساسية {يتم العمل بها و تدريسها للناشئة} لمدة أربعة عشر قرنا. و لم يظهر نموذج بديل إلا في سنة ١٥٤٣ من قبل كوبرنيكاس في كتابه "ثورة الكرات السماوية"٠ De revolutionibus orbium coelestium (On the Revolutions of the Celestial Spheres)
        و الذي لم يتم نشره إلا في العام الذي توفى فيه مع أنه قام بكتابته عدة عقود سابقة " كما جئنا على ذكر ذلك سابقا. فكابيرنيكاس، مثله مثل أريستاخوس الذي أتى قبله بسبعة عشر قرنا، فسر العالم من خلال نموذج وضع فيه الشمس في حالة ثبات، و الكواكب ، بما فيها الأرض، هي التي تدور حول الشمس٠ في مدارات مختلفة، و لكن " لم يقبل بهذا النموذج في حينه لأن مضمونه يخالف ما جاء بالإنجيل، و الذي تم تفسير محتواه إعتمادا علي النموذح القديم {البطليموسي} و الذي يقول أن الأرض هي المركز و كل شيء آخر يدور حوله {تماما كما يفعل مفسروا الإعجاز القرآني اليوم في مسألة الإنفجار العظيم و غيرها من المسائل العلمية}. هذا مع العلم أن الإنجيل لم يقل ذلك أبدا بهذا الوضوح {و بهذه الدقة} . و لكن {هذا الخلط حصل لأنه } في الواقع عندما تم كتابة الإنجيل كان الناس يعتقدون أن الأرض مسطحة. و لذا أصبح نموذج كوبرنيكاس سببا لمناقشات حادة بعد ذلك كانت ذروتها محاكمة جاليليو الشهيرة. فالكنيسة ما كانت لتسمح أبدا بأن يعتقد كائن من كان " بإحتمال رأي بعد أن تم نقضة { أو تفسيره بصورة مغايرة } من قبل الإنجيل {أو بالأصح من قبل مفسريه} "٠

        و لنرجع الآن إلى المثال السابق، حيث يتساءل المؤلف " أيهما أصح؛ نموذج بطليموس أم نموذج كابرنيكاس؟" و يجادل بأن مع أنه "أصبح من المعتاد أن يقول الناس أن كابرنيكاس أثبت خطأ بطليموس، فهذه الجملة تفقد المصداقية {لأن ذلك يعتمد على الإفتراض الأصلي ، أو النظرة المغايرة الأساسية ، فيما إذا كانت الشمس أم الأرض في المركز، بالضبط مثل نظرة السمكة الذهبية}، فنظام كوبرنيكاس ، هو ببساطة معادلات للحركة في مجال القاعدة التي تفترض أن الشمس هي الثابتة {و العكس صحيح لنظام بطليموس} ." و لكن إذا كانت المسألة تعتمد فقط علي الفرضية الأولية " فكيف لنا أن نعلم {مثلا } أننا لسنا إلا شخصيات بتمثيليات قام كمبيوتر {ما } بخلقها؟" كما يتساءل المؤلف ، أو كما يزعم البعض بأننا لسنا إلا آلات و دمى مسيرة من قبل قوى خارقة خارجة عن نطاق إستيعابنا و عقولنا المحدودة، و أن ما نراه هو غير ما يراه محرك هذه القوى؟٠
        الفرضية السابقة مردود عليها بالطبع كما يؤكد المؤلف ، لأننا بكل الأحوال "إذا كنا نعيش في عالم خيالي إصطناعي، فالحوادث لن يكون لها بالضرورة أي منطق أو ثبات أو تقييد بقوانين " ، و في جميع الأحوال فإننا سنسعى لوضع قوانين كي نفهم من خلالها واقعنا لأن كل ما نراه و نحس به هو المهم بالنسبة لنا و هو واقعنا حتى لو تغيرت الصورة و تغير الإفتراض الأولي، فهو سيضل بالنسبة لنا واقع لأنه " لا توجد أية صورة- أو نظرية- مستقلة {كليا} عن فكرة الواقع{المادي}" كما أكد المؤلف . و لذا فهو قام بتبني النظرة أو الإسلوب الذي سماه "الحتميةالمعتمدة على النموذج"٠Model-Dependent Realism

        و هي فكرة يطرحها المؤلف بمضمون "أن النظرية الفيزيائية أو الصورة عن العالم هو بالواقع نموذج ( في الغالب ذات طبيعة رياضية) و مجموعة قوانين تربط عناصر هذا النموذج بالمشاهدة" و ذلك لكي " يعطينا الإيطار الذي يمكننا من خلاله تفسير الفيزياء الحديثة" و يشرح ذلك بإعطاء مثال سوريالي بأنه" إذا شاهدت قطيع من الحمار الوحشي يتعاركون لأخذ مكان في موقف السيارات، هذا لأن هذا هو الواقع. و كل المشاهدين الآخرين سيقرون بنفس المشاهدة، و سيملك هذا القطيع هذه الخاصية سواء شاهدناهم أم لم نشاهدهم. و في علم الفلسفة تسمي تلك الخاصية "الحتمية"". و هذه الطريقة في رؤية الأمور ضرورية لأن "ما نعرفه عن الفيزياء الحديثة يجعل الدفاع عن "واقعيته" مسألة صعبة. فعلى سبيل المثال حسب مباديء الفيزياء الكمية، و التي هي التفسير الواقعي للطبيعة بأدق تفاصيلها، فالجزيء ليس له مكان معين {في واقعنا} و لا سرعة معينة إلا إذا تم قياس كمياته من قبل المشاهد. و على هذا فمن غير الصحيح أن نقول أن القياس يعطي نتائج معينة لأنه الكمية المقاسة كان لها تلك القيمة في وقت عمل القياس" و كذلك "في بعض الحالات الأشياء الفردية حتي لا يوجد لها وجود مستقل، بل تتواجد فقط كجزء من مجموعة أكبر " . فإذا مثلا " أثبتت النظرية التي تسمي بالمباديء الهولوغرافية صحتها Holographic Principle فنحن و عالمنا الرباعي الأبعاد نكون ظلال في أطراف عالم أكبر ذو أبعاد خماسية {تقول النظرية أن عالمنا {المكاني} ممكن أن يكون ثنائي الأبعاد و ما نراه من البعد الثالث- ما هو إلا تفسير ماكروسكوبي لهذا الواقع}" ، كما يشرح المؤلف، و يزيد بأن " الكثير من النظريات العلمية و التي أثبتت صحتها {في السابق} تم إستبدالها بأخري، مماثلة لها بصحة الإثبات مع إعتمادها علي مباديء جديدة عن الواقع، {مثل المثال السابق عن بطليموس، فلا نملك إلا أن نقر بأن جميعها صحيحة طالما هي في الإيطار النموذجي الذي قمنا بالأساس إفتراضه} ." و بهذا يرد المؤلف علي المناهضين لفلسفة الواقعية ، و الذين يريدون فصل واضح بين المعرفة المثبتة و المعرفة النظرية . و الذين " هم في العادة يجادلون أنه مع أن التجربة و البرهان و المشاهدة لها وزنها المعرفي، و لكن النظريات {الفيزيائية} ليست أكثر من وسائل مفيدة لا تتضمن أية حقائق عميقة لما تحتويه الظاهرة المرئية" كما وصفهم المؤلف. و لم يكتفي هؤلاء بدحض الواقع أو بالتقليل من قدرات الدماغ لفهم العالم الواقعي، فلقد وصل هذا التمادي في رفض الواقع لحقائق إلى حد أن جورج بيركلي (١٦٨٥-١٧٥٣م)٠ George Berkeley ذهب إلى القول بأنه ليس لأي شيء وجود ما عدا الدماغ و ما يحويه من أفكار {أي أنك عندما تدخل في غرفة الطعام و تشاهد الطاولة، فهذه الطاولة غير موجودة إلا في دماغك، و من شاهد فيلم "السر" يعرف ما أقصد}" ٠
        أما الفيلسوف ديفيد هيوم (١٧١١-١٧٧٦م)٠David Hume فإنه كان الأكثر "عقلانية" عندما كتب أنه "مع أننا ليس لدينا أساس منطقي للإعتقاد بالواقع المادي المحسوس، فنحن لانملك إلا أن نصدق أنه واقع"٠
        و حسب إيطار الحتمية المعتمدة علي النموذج، فيقول المؤلف بأنه "ليس هنالك جدوى من السؤال فيما إذا كان هذا النموذج حقيقي أو واقعي، و لكن المهم إذا كان هذا النموذج يتفق مع المشاهدة {الجماعية، و التنبؤات المستقبلية }. فإذا كان هنالك نموذجين يتفقان مع المشاهدة، كما هو الحال مع نظرة السمكة الذهبية و نظرتنا للعالم من حولنا، فلا يمكن القول أن أحدها أكثر واقعية من الأخرى. بل يستطيع الشخص أن يستخدم ما هو أكثر ملائمة له في الحالات التي بين يديه" أي "لا توجد طريقة لفصلنا كمشاهدين عن ما نشاهد {من الماديات} في الكون حولنا و الذي هو مخلوق {كما تصوره لنا أعضاؤنا} الحسية ، و كما هي الطريقة التي نفكر بها و نمنطق الأمور من حولنا، و بالتالي فالمشاهدات التي نبني عليها نظرياتنا - ليست مباشرة، و لكنها بالنهاية تكون معيرة حسب عدسة معينة في البنية التفسيرية في أدمغتنا البشرية {و هذا هو المهم بالنسبة لنا}. و عليه فالحتمية المعتمدة علي النموذج تمثل الطريقة الأمثل ، التي نفهم من خلالها الأشياء حسب ما يصل إلي الدماغ من خلال مجموعة من الإشارات الحسية عن طريق العين " ٠

        و ليست هذه المعضلة هي الوحيدة التي حلتها إستخدام هذا الإسلوب ، كما يؤكد المؤلف ، بل هنالك مشكلة أخرى " حلتها الحتمية المعتمدة علي النموذج، أو علي الأقل حاولت تجنبها، و هي معنى الوجود. أي ماذا يعني أن نقول أن الأشياء التي لا نستطيع أن نراها، كالإليكترونات و الكواركس - و هي الجزيئات التي تدخل في تركيبة البروتون و النيوترون في الذره- موجودة؟" ٠

        في حالة الجزيئات التحت الذرية و التي لا يمكننا أن نراها، "تكون الإليكترونات نماذج مفيدة في شرح مشاهدات { في الطبيعة}، مثال {على ذلك} تلك النقط الضوئية التي تظهر على شاشة التلفزيون (عندما نعير الموجة علي قناة غير مستخدمة). و كذلك لشرح الكثير من الظواهر الأخرى حتى لو لم تكن مرئية. فثومسون J. J. Thomson مثلا، و الذي يرجع له الفضل في إكتشاف الإليكترون ، لم يرى الإليكترون في أرض الواقع أبدا . و حتي تخميناته بوجوده لم يتم بعرضه بطريقة مباشرة و لا حتي عن طريق تجاربه. و لكنه تبين {بعد ذلك} أن النموذج {الذي قام بإفتراضه للإليكترون} كان حاسما {و مهما} في الكثير من الأمور العلمية إبتداءا من التطبيقات الخاصة بالعلوم الأساسية {لفهم الظواهر الطبيعية} و إنتهاءا إلى {التطبيقات} الهندسية في التكنولوجيا {و التي صارت من مستلزمات حياتنا اليومية}. و اليوم يعتقد جميع العلماء {بلا منازع} بوجود الإليكترون، حتي مع عدم قدرتنا رؤيته. و الكواركس الذي لا نستطيع أن نراه أيضا هو نموذج لتفسير خواص البروتون و النيوترون داخل نواة الذره. فمع أن البروتونات و النيوترونات نقول عنهما أنهما مصنوعتان بتركيبة من الكواركس، فنحن لم نرى الكواركس أبدا لأن القوة الرابطة بين الكواركس تزداد مع إنفصال هذه الجزيئات، و عليه فلا يمكن أن تتواجد الكواركس بصورة منفردة في الطبيعة {تمكننا من مشاهدتها بهذه الصورة}، و عليه فهي دائما ما تتواجد في مجموعات ثلاثة (بروتونات و نيوترونات)، أو بالتزاوج بين الكواركس و قرينتها الأنتي-كواركس و تتصرف و كأنها مربوطة برباط مطاطي"٠
        هذا و يؤكد المؤلف بأن فكرة إفتراض قوة ما و تسميتها بدون المشاهدة كانت صعبة علي العلماء و لمدة طويلة {و الكثير من المسلمين ، المؤمنين بوجود الله قارن وجود الإليكترون بوجود الله من حيث عدم إستطاعة رؤيته مع أن المقارنة هنا غير منطقية }، أو كما ذكر بإسلوبة أن " فكرة تخصيص الواقعية إلى جزيء غير مرئي كان ، كمبدأ ، صعبا على الكثير من الفيزيائيين ، و لكن على مر السنوات، و بعد أن قاد الكواركس لتنبؤات صحيحة أكثر فأكثر، إختفى بالتدريج هذا الإعتراض من قبلهم" ٠

        و على كل ما فات، فالحتمية المعتمدة على النموذج بإمكانها أيضا أن تعطينا إيطار لمناقشة أسئلة عديدة منها على سبيل المثال" إذا كان العالم مخلوق بزمن معين في الماضي، فماذا حصل قبل هذا الزمن؟" حيث أجاب الفيلسوف المسيحي القديس أوغسطين (٣٥٤-٤٣٠م)٠ St.Augustine عليه بأن الزمن" هو خاصية من خصائص عالمنا الذي خلقه الله و عليه فالوقت لم يكن له وجود قبل الخلق" . و هذا القول ، بغض النظر عن كونه صحيحا أم لا فهو شرعي حتى مع كون أوغسطين يعتقد أن بداية الكون لم يكن منذ زمن بعيد ، كما جاء على لسان المؤلف و الذي يقول أن " هذا أحد النماذج المحتملة، و التي يفضلها أولائك الذين يؤمنون بصدق الإنجيل حرفيا حتى مع وجود حفريات و أدلة أخرى تجعلها {أي الأرض} تبدو أكثر عمرا بكثير" . و يستطرد بأن " ممكن لنا أيضا أن نعتقد بنموذج مغاير بقول أن عمر الأرض ١٣،٧ بليون سنة رجوعا إلى الإنفجار الكبير. و هذا النموذج هو الذي يفسر مشاهداتنا الحالية، بما في ذلك الأدلة التاريخية و الجيولوجية، و هو أفضل عرض نملكه عن الماضي لأنه يفسر وجود الحفريات و يفسر سجل النشاط الإشعاعي {في الصخور} و يفسر حقيقة كوننا نستقبل أضواء من مجرات تبعد ملايين من السنوات الضوئية عنا، و لذا فهذا النموذج - نظرية الإنفجار الكبير- هو الأكثر إفادة لنا من ما قبله " . و لكننا مع ذلك " لا نستطيع أن نقول أن أحد هذه النماذج أكثر واقعية من الأخرى" . أما عن مسألة الواقع فيما قبل الإنفجار العظيم فيقول المؤلف بأنه إستنادا علي ما مضى فإنه " يبدو لنا بأن قوانين تطور الكون ممكن أن تتحطم مع نظرية الإنفجار الكبير. و إذا كان ذلك صحيحا، فليس هنالك حاجة ، منطقيا، لخلق نموذج يحتوي على زمن ما قبل الإنفجار الكبير، لأن ما حدث في ذاك الوقت ، ليس له عواقب محسوسة في الوقت الحالي، و عليه نستطيع أن نقول أن الإنفجار الكبير هو في الواقع بداية خلق العالم {جوازا}٠" و هنا تتفق نظرة القديس أوغسطين مع المؤلف٠

        و الآن و بعد أن بين لنا المؤلف بأن الواقع يعتمد على فرضيتنا الأولية، و النموذج اللاحق على أساس هذه الفرضية و كيف أنه في حال وجود أكثر من نظرية فذلك لا يعني أن أحدها صحيح و الآخر خطأ، يشرح و بالتفصيل عوامل التفاضل بين هذه النماذج. أي يبين ما هو الشيء الذي يجعل من نموذج ما أكثر قبولا بين الأوساط العلمية من النموذج الآخر. أو ما هو النموذج الجيد ، فيقول أن هنالك عدة عوامل للتفاضل بين النماذج . فالنموذج "هو جيد {مثلا } إذا كان : أنيق. و يحتوي على أقل ما يمكن من العناصر العشوائية أو {بالأحرى} لا يحتوي على الكثير من العناصر القابلة { أو التي تنتظر التعديل أو } التكيف ، و هو النموذج الذي يتفق مع ،أو يفسر، كل المشاهدات الموجودة، و يعمل تنبوءات تفصيلية عن مشاهدات مستقبلية، يمكن على أساسها قياس مدى صحته أو حتى خطئه"٠

        فعلى سبيل المثال"نظرية أرسطو بأن العالم مصنوع من أربعة عناصر هي التراب و الهواء و النار و الماء، حيث يفترض أن هذه الأشياء {جميعها} مخلوقة لإستيفاء غرض معين لكل منها. هذه النظرية كانت أنيقة و لم تحتوي على الكثير من العناصر القابلة للتكيف و التعديل. و لكن في أحوال كثيرة لم تقم النظرية بعمل التنبؤات المؤكدة، و عندما فعلت ذلك، لم تتفق هذه التنبؤات مع المشاهدات الواقعية. و أحد هذه المشاهدات التي لم تتفق مع النظرية كان بسقوط الأجسام، حيث تقول النظرية أن الأجسام التي تتصف بالثقل تكون مخلوقة كذلك لأن الغرض منها هو أن تصل أسرع إلي الأرض من الأجسام الأخف عندما ترمي من الأماكن العالية، و السبب هو أن هذه الأجسام غايتها { هو ثقلها و الذي} يكمن بالسقوط (جاليليو أثبت بعد عدة قرون خطأ هذه النظرية، أي أنه أثبت أن جميع الأجسام تصل إلى الأرض بنفس الوقت بغض النظر عن ثقل وزنها)" ٠

        فالأناقة، كما يقول المؤلف " مرغوبه، مع أنها صعبة القياس... هي مرغوبة بين العلماء لأن قوانين الطبيعة من المفروض أن تضع مجموعة من الحالات المعينة بصورة إقتصادية في معادلة سهلة. و لكن الأناقة لا يقصد بها شكل النظرية أو المعادلة و حسب، و إنما أيضا كونها متعلقة بصورة كبيره مع العناصر التي لا تحتوي على الكثير من المواد المضافة للتصحيح، لأن النظرية المليئة بالعوامل الملفقة لا تكون في العادة أنيقة {كمعادلات بطليموس المعقدة مثلا مقارنة بمعادلة أينشتاين }" . و لإعادة صياغة الجملة التي صاغها أينشتاين، يقول المؤلف أن " النظرية يجب أن تكون من أبسط ما يمكن، و لكن ليس أبسط من ذلك" . بطليموس {على سبيل المثال كان مجبورا على } إضافة الدوائر الصغيرة للمدارات الكبيرة لكي يجعل نموذجه صحيحا في تفسير حركة الكواكب. و كان من الممكن أن يكون النموذج حتى أكثر دقة بإضافة دوائر صغيرة لهذه الدوائر الصغيرة أو حتى دوائر صغيرة أخرى للمدارات {و هكذا}، مع أن هذا من شأنه أن يضيف تعقيدا إلى التعقيد على النموذج حتى لو صحح من مساره {و هنا تصبح المعادلة مشكوك في صحة إفتراضيتها الأولية}. فالعلماء ينظرون إلى النموذج الذي يتم تحويره {أو إعادة تعديلة} كي يطابق مجموعة من المشاهدات بأنه نموذج فاشل، و يمثل كاتالوج من البيانات أكثر من أن يمثل نظرية تحتوي على أي مبدأ مفيد"٠

        و هذا ما يجرنا إلى العامل الثاني في التفاضل بين النظريات، ألا و هو أن تكون النظرية " تحتوي على القليل من العناصر العشوائية أو القابلة للتعديل" لعمل التنبؤات المستقبلية . ففي الفصل الخامس يبين المؤلف كيف أن "هنالك الكثيرون من الذين يرون أن " النموذج الموحد" {أو النظرية الكلية الموحدة}، و الذي يفسر التداخل بين الجزيئات الإبتدائية في الطبيعة هو نموذج غير أنيق. مع أن هذا النموذج أكثر نجاحا من نموذج بطليموس بمراحل. و السبب أنه يتنبأ بوجود عدة جزيئات جديدة قبل أن يتم مشاهدتها، و يشرح نتائج الكثير من التجارب التي تمت علي مدي عقود كثيرة بصورة جدا دقيقة. و لكنها تحتوي علي دزينات من العوامل القابلة للتصحيح و التي تتطلب قيمها أن تكون ثابتة لتتطابق مع المشاهدات، بدل أن تكون متغيرات في المعادلة نفسها٠ أما العامل الثالث للتناظر فهو كون النظرية " تتفق و تفسر كل المشاهدات الموجودة " حسب قياسات الواقع أو المشاهد. و كذلك مؤهل بأن "يعمل تنبؤات تفصيلية عن المشاهدات المستقبلية و التي من شأنها أن تدحض أو تؤكد النموذج"٠

        و يبين هنا المؤلف كيف أن "العلماء دائما ما يكونون معجبين عندما يتم إثبات صحة تنبؤات جديدة أو مذهله لنظرياتهم. و في المقابل، عندما يكون النموذج قاصرا تكون ردة الفعل لديهم هو بالقول أن التجربة كانت خاطئة. و حتى إن لم تكن التجربة خاطئة، فهم لا يستغنون عن النموذج {بسهولة} و لكنهم يحاولون إنقاذه من خلال عمل التحديثات عليه و الإضافات له. فالفيزيائيين معروفين بتمسكهم الشديد بمحاولات إنقاذ نظريات يعجبون بها، ألا أن قابليتهم للتحديث تختفي عندما يصل التحديث إلى درجة تصبح فيها التعديلات تبدو إصطناعية أو متعبة {حاول إينشتاين التعديل على نظرياته للوصول إلي النظرية الكلية حتى علي فراش الموت} و عليه تصبح "غير أنيقة" و لا مرغوبة٠

        فعلى سبيل المثال " في العشرينات من القرن الماضي إعتقد أغلب العلماء أن الكون ثابت {الحجم}، و في ١٩٢٩ نشر إدوين هابل مشاهداته ليرينا أن الكون {ليس ثابت الحجم} بل هو يتسع {مع الوقت}... فعند تحليل الضوء القادم من الأجرام البعيدة، إستطاع هابل أن يقيس سرعتها. و كان قد توقع أن يجد الكثير من الأجرام التي تبتعد عنا و مثلها في العدد من التي تقترب منا. و لكنه تفاجأ في كون جميعها تقريبا تبتعد عنا، و كلما كانت هذه الأجرام أبعد كلما زادت سرعتها. و عليه فهابل إستنتج أن الكون في حالة إتساع {و كل الأجسام السماوية فيه تشبه النقط على سطح بالون ينتفخ}. و لكن نظريته هذه لم تلاقي القبول لأنه كان هنالك الآخرون و الذين كانوا متمسكين بالنماذج الأقدم، ممن حاولوا تفسير مشاهداته ضمن السياق الخاص بالكون الثابت... و هكذا إستمر العلماء و لمدة عقود بعد هابل بالتمسك بنظرية جمود أو ثبات الكون {القديمة} . و لكن النموذج الأكثر واقعيا كان هو النموذج الذي قدمه هابل و القائل بالكون المتسع أو المتمدد، و هو النموذج الذي تم الأخذ به حديثا"٠
        و كذلك الحال مع نظرية نيوتن المعروفة بالكوربوسكيولار Corpuscular theory of light و التي يقول فيها أن الضوء عبارة عن جزيئات مادية ، هذا على الرغم مما شاهده بنفسه من التصرفات الغريبة للضوء - على إفتراض أنها جزيئات مادية- و لم يتمكن نيوتن من تفسير هذه الظاهرة التي عرفت بخواتم نيوتن بعد ذلك، و كما ذكر المؤلف " فكون الضوء جزيء مادي لا يفسر هذه الخواتم، و لكن من الممكن أن يعتد به في نظرية الموجات { أي ممكن أن نفهم ما يحدث إذا إعتبرنا الضوء موجات، حيث تمثل هذه الدوائر} ظاهرة تسمي تداخل {الموجات}"٠ Interference فالأمواج الضوئية مثل الأمواج المائية {ممكن تصويرها بما } تحتوي عليه من مجموعات { متكررة} من قمة و حضيض ، تمثل هذه الدوائر{سوداء و بيضاء-ناتج جبري لجمع أكثر من موجة}". و مع ذلك أخذت نظرية نيوتن كتأكيد على النظرية الجزيئية {أي أن الضوء جزيء} في القرن التاسع عشر. و لكن في بدايات القرن العشرين بين أينشتاين أن التأثير الضوئي-الكهربي Photoelectric effect و هو ما يستخدم اليوم في صناعة التلفزيونات و الكامرات الرقمية ممكن أن يفسر تصرف الضوء ، بكونه اجزيء أو ذرات مادية {تقوم بالتصادم فيما بينها } فتضرب الذره جارتها الذره الأخرى لتطرد إليكترون منها {تخرج بهيئة طاقة أو بالأصح فوتون يعمل كعمل الموجات} . و عليه فالضوء يتصرف كجزيء و كموج في ذات الوقت"٠

        و " الحالات الإزدواجية كهذه الحالة -و التي تقوم فيها نظريتين مختلفتين تماما بتفسير نفس الظاهرة- هي موافقة للحتمية المعتمدة على النموذج" كما يؤكد المؤلف" فكل نظرية بإمكانها أن تفسر خواص معينة، و لا يمكننا أن نقول عن أحدها بأنها أفضل أو أكثر واقعية من الأخرى"٠

        و هذا أيضا ينطبق علي جميع القوانين التي تتحكم في العالم . و عليه يقول المؤلف بأنه كما حصل مع تصرف الفوتون الضوئي فهو وارد لجميع قوانين الطبيعة و " ما نستطيع أن نقوله هو أنه يبدو لنا أنه لا يوجد نمودج رياضي واحد أو نظرية معينة بإستطاعتها أن تشرح كل شيء عن الكون . بل، و كما تم الإشارة له في الفصل الإفتتاحي، فإن هنالك مجموعة متداخلة من النظريات التي ممكن الإعتداد بها و هي تلك التي تسمي نظرية-م" و هذا يتفق مع إسلوب الحتمية المعتمدة علي النموذج في كون "كل نظرية من نظريات-م جيدة في شرح ظاهرة {معينة} و في مجال معين . و عندما تتداخل المجالات، فجميع النظريات المعنية تتفق فيما بينها، و لذا يمكن أن نقول عنها أنها جزء من نفس النظرية. و لكن لا توجد نظرية بحد ذاتها ضمن {نظرية-م} تستطيع منفردة أن تعطينا تفسيرا لكل الظواهر في الكون- أي كل قوى الطبيعة، و الجزيئات التي تشعر بهذه القوى، و الإيطار العام من المكان و الزمان التي تحتويها٠

        و مع أن هذه الحالة لا تحقق حلم الفيزيائيين التقليديين بالحصول على نظرية واحدة موحدة، فهو مقبول في إيطار الحتمية المعتمدة على النموذج" و التي يقترحها المؤلف٠
        و لذا فالنظرة الحديثة للطبيعة يجب أن تعتمد على الفيزياء الكمية، كما يرى المؤلف ، "و بالأخص، طريقة فهمنا لها و التي تسمى {طريقة} التواريخ المتناوبة"٠
        Alternative Histories
        و هذا ما سنقوم بالتطرق إليه في البوست القادم

        يتبع
        قال يماني ال محمد الامام احمد الحسن (ع) ليرى أحدكم الله في كل شيء ، ومع كل شيء ، وبعد كل شيء ، وقبل كل شيء . حتى يعرف الله ، وينكشف عنه الغطاء ، فيرى الأشياء كلها بالله ، فلا تعد عندكم الآثار هي الدالة على المؤثر سبحانه ، بل هو الدال على الآثار

        Comment

        • نجمة الجدي
          مدير متابعة وتنشيط
          • 25-09-2008
          • 5278

          #5
          رد: كتاب “التصميم العظيم” ؛ مراجعة و ترجمة مختصرة - ستيفن هوكنج

          كتاب “التصميم العظيم” ؛ مراجعة و ترجمة مختصرة (٥)٠


          رباب خاجه
          الحوار المتمدن-العدد: 3330 - 2011 / 4 / 8 - 09:46
          المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات



          كتاب من تأليف الفيزيائي المعروف ستيفن هوكنغ و الفزيائي ليونارد ملوديناو. نشر في العام الجاري (٢٠١٠)

          تطرقنا في البوست الماضي إلى مصطلح التواريخ المتناوبة أو Alternative Histories

          فيما يخص دراسة الكون و بداياته، و هي بإختصار نظرة أو واجهة جديدة للنظر إلى الكون “فمن هذه الواجهة {و النظرة الفاحصة الدقيقة} نحن نفترض أن العالم لا يوجد له وجود واحد أو تاريخ أحادي {نستطيع أن نجزم بأنه يعكس الحقيقة المطلقة فيما يخص بداياته}، بل هو عدة تواريخ محتملة ، تتواجد كلها بصورة متزامنة {مع بعضها البعض}”، و ممكن أن نبني عليها المحصلة النهائية لما حدث للكون في عالمنا الماكروسكوبي ، و هذا هو دور الفيزياء الكلاسيكية. و ما حدنا بعمل هذ الإفتراض هو كون الجزيء أو الجسيم لا يوجد في مكان واحد و حسب، بل ممكن أن يتواجد بالصورة الذرية في أماكن أو مواقع عده {بنفس الوقت} ” و لذا فلقد قام متخصصوا هذا المجال بتسمية هذه المواقع { و التي يتناوب فيها الجسيم بالتواجد } بالموقع الكمي { أو الذري} الخارق Quantum Superposition و هذه الفرضية حسب ما جاء على لسان المؤلف” قد تبدو خيالية {لعقولنا التي إعتادت على التفكير في حدود الأبعاد الأربعة الزمكانية، و لتاريخ واحد و وجود واحد} ، أو قد يبدو {التواجد المكاني المتناوب للبعض} كمن يقول بإختفاء الطاولة حالما نغادر الغرفة مثلا ” و لكنها ليست كذلك على المستوى الماكروسكوبي، أما على المستوى الذرى فإن ” الشيء المؤكد هو أن هذه الفرضية، و بهذه الطريقة المطروحه {مع غرابتها}، نجحت في كل التجارب التي خضعت لها {بعمل التنبؤات حتى الآن}” و عليه فالمؤلف يسهب في شرحها بدءا بالسؤال الذى طرحه بالسابق، و هو السؤال الثالث و الذي يقول: هل توجد مجموعة واحدة فقط من القوانين؟” أو لماذا هذه القوانين، و هل يمكن الإستعاضة عنها بقوانين أخرى؟ و من هذا المنطلق يبدأ الفصل الرابع من الكتاب٠


          ٤- الفصل الرابع : التواريخ المتناوبة

          يقول المؤلف أنه ” في خلال الألفين سنة ، أو ما يقارب ذلك ، من بداية تاريخ العلوم الطبيعية، كانت التجارب المختبرية العادية و الحدس و البديهه هما القواعد {الأساسية} التي تستند عليها التفسيرات النظرية {سواء في علوم الفيزياء أو غيرها من العلوم}. و لكن مع تطور أنظمتنا التكنولوجية {القياسية منها بالذات} ، و التي وسعت بدورها نطاق الظواهر التي أصبح بإمكاننا مشاهدتها {بهذه الأجهزة} بدأنا ندرك تدريجيا كيف أن الطبيعة { ليست كما تبدو لنا أو أنها} تتصرف بطرق أقل مطابقة لما نجربه في حياتنا اليومية، و بالتالي {أقل تطابقا } مع بديهياتنا.” و ليشرح المؤلف ما يقصد بذلك فلقد قام بتقديم تجربة الشقوق المزدوجة الشهيرة بإستخدام كرات الباكيبول البالغة الصغر و التي هي عبارة عن جزيئات من الكربون تشبه بالصورة لكرة القدم {بدلا من إستخدام الضوء}، ليبين كيف أن جزيئات كل المواد تتصرف بصورة إزدواجية كما يتصرف الضوء. و االكليب التالي يبين التجربة بإستخدام الإليكترون :٠

          هذه التجربة هي من التجارب النموذجية لظاهرة لا يمكن إحتوائها {و تفسيرها} بالفيزياء الكلاسيكية {أي أن تصرف المادة في الحالة الذرية تختلف عن تصرفها في الحجوم التراكمية على مستوى حياتنا اليومية، و عليه فلا تطبق عليها قوانيننا الكلاسيكية} و لكن من الممكن شرحها { و بإسهاب } خلال ما يسمي {بقوانين } الفيزياء الكمية {و الخاصة بالمستوى الذري} “٠

          و هذا كليب لتوضيح ما هو الباكيبول٠
          كتب ريتشارد فينمان Richard Feynman و هو من العلماء الطليعيين في علم الفيزياء الكمية أن تجربة الشقوق المزدوجة هي في الواقع ” تحتوي علي {سر} كل الأمور الغامضة في ميكانيكية الذرات”٠
          فمباديء الفيزياء الكمية لم يتم تطويرها إلا في بداية العقود القليلة من القرن العشرين بعد أن تبين قصور نظرية نيوتن في تفسير الطبيعة بالمستوي الذري – أو ما تحت الذري- حيث أن نيوتن كما أسلفنا تصور أن الضوء جزيء مادي و عليه فهو يتصرف كجسيم المادة {مع العلم بأن ذلك ليس خطأ و لكنه تفسير ناقص} . فالنظريات الأساسية للفيزياء تشرح قوى الطبيعة و كيف يكون رد فعل الأشياء التي تتعرض لهذه القوى. أو كما يذكر المؤلف بأن “النظريات الكلاسيكية مثل نظريات نيوتن مبنية علي إيطار يعكس التجارب اليومية، و التي تكون فيها الأشياء المادية لها وجود فردي، و ممكن أن تقع بمكان معين، و تتبع طرق معينة {أو نموذجية} و هكذا. و لكن الفيزياء الكمية تعطينا إيطار لفهم كيف تعمل الطبيعة علي المستوي المقاييس الذرية و الماتحت الذرية، بصورة أكثر تفصيلا، فهي تفرض طرق مبدئية مختلفة تماما {عن ما تعودناه في الفيزياء الكلاسيكية}، طرق لا يكون فيها للمادة تعيين {أو ثبات} دقيق، لا كموقع و لا كمسار و لا حتي {لما كانت عليه} في الماضي أو حتى ما ستؤول إليه في المستقبل . فالنظريات الكمية لقوى مثل قوة الجاذبية {للذرات} أو القوى الكهرومغناطيسية مبنية في ذاك الإيطار الذري {و تخضع لقوانينه}”٠

          و هنا يتبادر إلى الذهن سؤال و هو أين هو الحد الفاصل بين القوانين الكمية و القوانين الكلاسيكية، و ما هي طبيعة المرحلة أو الجزء الإنتقالي بين هذه القوانين، أو كما وضعه المؤلف بإسلوبه، “هل بإمكان النظريات المبنية بإيطارات غريبة علي الفيزياء الكلاسيكية أن تفسر الأحداث التي نمر بها في تجاربنا اليومية و التي نقوم بنمذجتها بدقة بإستخدام هذا الفيزياء الكلاسيكي؟ ” و الجواب حسب المؤلف هو “نعم، بكل تأكيد يمكن ذلك” بل إنه يجب أن يكون كذلك لأن ما نقوم به من تجارب في حياتنا اليومية ما هو إلا التفاعل المتراكم للدقائق التي نتكون منها في الأساس. فنحن “ و كل ما يحيطنا إنما نمثل هياكل متداخلة، مصنوعة من عدد كبير جدا من الذرات، أكبر من عدد النجوم التي بالإمكان مشاهدتها في عالمنا” كما يقول المؤلف ، ” و مع أن ما تحتويه {دقائق} الأشياء {التي نتكون منها} تخضع يوميا لقوانين الفيزياء الكمية، فقوانين نيوتن تشكل نظريات مؤثرة في تفسير الهياكل الكلية {التراكمية و بصورة تقريبية} و التي تشكل تصرف الأشياء في عالمنا يوميا”٠

          قد يبدو ذلك غريبا، كما يؤكد المؤلف، “و لكن هنالك الكثير من التجارب العلمية التي بينت أن الكتل الكبيرة تبدو أنها تتصرف بصورة مغايرة لتصرف محتوياتها الأصغر. فرد فعل العصب الواحد في الدماغ {لتأثير ما} مثلا لا يعكس العمل الكلي للدماغ. و لا معرفة {خواص} جزيء الماء يعطينا صورة عن تصرف البحيرة”٠

          أما كيف يمكن أن تنبثق قوانين نيوتن إبتداءا بالمجال الذري. فالمؤلف يؤكد أن الفيزيائيون في الواقع لازالوا في صراع التنافس لمعرفة ذلك. و لكن “ما نعرفه {بالتأكيد} أن المحتويات {الصغيرة} لكل الأشياء تخضع لقوانين الفيزياء الكمية، و أن القوانين النيوتونية تمثل حالة تقريبية جيدة لتفسير الطريقة التي تتصرف فيها الأشياء الماكروسكوبية و التي تعتمد {أساسا} علي تصرفات مكوناتها الذرية. و عليه فتنبؤات النظريات النيوتونية تطابق واقعنا المعاش من خلال تجاربنا اليومية” . و لكن “إذا نظرنا إلى هذه الذرات و الجزيئات { بصورة مستقلة} فهي تتصرف بصورة مختلفة تماما عن ما نراه في تجاربنا اليومية، و هي الصورة الأفضل للواقع إذا أردنا معرفة ماذا يحدث فيه{بصورة أدق}، و عليه فالفيزياء الكمية هي النمودج الجديد لهذا الواقع و الذي يعطينا صورة عن الكون {و خصوصا في بداياته} بدقة أكبر” . و هي الواجهة التي يستخدمها المؤلف في تحليلاته بصورة عامة٠

          يقول المؤلف عن تجربة الشقوق المزدوجة و التي كان أول من قام بعملها هما العالمان “كلينتون ديفيسون و ليستر جيرمر في سنة ١٩٢٧ م Clinton Davisson and Lester Germer,experimental physics at Bell Labs في مختبرات بل، حيث كانوا يدرسون كيف يتعامل شعاع من الإليكترونات- و الإليكترونات هي جزيئات أبسط من كرات البكيبول بكثير- مسلط على كريستال مصنوع من النيكل.” يقول أنها كانت سببا لقيام الكثير من التجارب المشابهة لها فيما بعد ” فتصرف جزيئات كالإليكترونات بصورة تماثل تصرف الأمواج المائية هو ما أعطي الإلهام للكثير من الفيزيائيين بالقيام بمثل هذه التجارب المثيرة في الفيزياء الكمية {رغم رفضهم في البداية للإقرار بذلك التصرف} . و بما أن هذا التصرف لا يمكن مشاهدته بالمستوي الماكروسكوبي {الحياة العادية}، فالعلماء كانوا يتساءلون كم يجب أن يكون حجم و تعقيد الجزيء حتي يتصرف كتصرف الأمواج… و بصورة عامة، كلما كان الجزيء أكبر حجما كلما بدي أقل نشاطا و تأثرا {بالقوانين الخاصة بالخواص } الذرية لها…و مع ذلك فهنالك من التجارب التي قام بها الفيزيائيون و تم تسجيل مشاهدات الظاهرة الموجية مع جزيئات كبيرة الحجم {نسبيا} و هم يتمنون بأن يكرروا تجربة الباكيبول {أو الكرات الكربونية} بإستخدام الفيروسات، و التي هي ليست فقط أكبر بكثير {من أي شيء تم إختباره بالسابق } و لكن أيضا لان البعض يعتبره كائن حي” كما يقول المؤلف٠

          و قبل أن ندخل في تفاصيل النظريات الكمية فهنالك بعض من السمات الخاصة بتصرف المواد تحت قوانين الفيزياء الكمية نحتاج إلي معرفتها حتي نفهم المناقشة التي يخوضها المؤلف في الفصول اللاحقة. أحد هذه السمات هي “الإزدواجية المادية-الموجية ” للجزيئات الذرية و ما تحت الذرية، كما ذكرناها سابقا، هذا مع العلم بأن فكرة أن الضوء {و الجزيئات المادية الأخرى } يتصرف كتصرف الأمواج لم تكن مقبولة في السابق ألا أنها أصبحت مقبولة اليوم ” و لم تعد تفاجئنا. فالخاصية الموجية للضوء تبدو اليوم طبيعية للإستخدام، و تعتبر حقيقة مقبولة {بين الأوساط العلمية} لمدة قرنين تقريبا… و اليوم نسمي { هذه الجسيمات } فوتونات. فكما أن {أجسامنا} عبارة عن عدد كبير من الذرات، فالضوء الذي نراه في حياتنا اليومية عباره عن عدد كبير جدا من الفوتونات- حتي مصباح الليل الذي لا يتعدى قوته واط واحد فقط يصدر بليون فوتون في كل ثانية” . أما الجزيئات المادية فمع أنه أخذ وقتا أكبر ليقبل إزدواجية تصرفه ألا أنه أصبح اليوم واقع معترف به بسبب هذه التجارب المشابهة لتجارب الباكيبول٠
          أما السمة الرئيسية الأخري لتصرف المواد في تحت قوانين الفيزياء الكمية فهو ما يعرف “بمبدأ الريبة أو The Uncertainty Principle و هو المبدأ الذي قام بصياغته ويرنر هايزنبرغ في عام ١٩٢٦ Werner Heisenberg
          حيث يقول هايزنبرغ بأن هنالك حدودا لقدرتنا في عمل القياس المتكرر لمدخلات معينة، مثل موقع و سرعة الجسيم. فحسب هذه الخاصية، علي سبيل المثال، فإن حاصل ضرب “مبدأ الريبة في موقع الجسيم” في “عزمه ( و هو حاصل ضرب كتلة الجسيم في سرعته) ” ، يعطينا ناتج لا يمكن أن يكون، بأي حال من الأحوال، أصغر من كمية محددة تسمى ثابت بلانك Planck’s Constant
          و كلما كنا دقيقين أكثر في قياس سرعة {الجسيم أو الفوتون}، كلما أصبحت الدقة في قياس موقعه أقل، و العكس صحيح {و لذا تسمي بمبدأ الريبة}”٠

          قد تبدو المعلومة أعلاه و الخاصة بثابت بلانك غير ضرورية في هذا التلخيص، حيث أنها تدخل بتعمق في عمل الذرات. و لكني رأيت أهمية إضافتها هنا لأنني قرأت و سمعت من الكثيرين الذين يقولون بدقة عمل الكون المتناهي في التنظيم و يستشهدون بثابت بلانك. و في الواقع عندما يفعلون ذلك فهم يستخدمون هذا الثابت للمقارنة علي المستوى الماكروسكوبي للأشياء في حياتنا و تجاربنا اليومية. و هذا هو الخلط، فحسب المؤلف ذلك غير وارد لأنه “ بالقياس إلي وحداتنا اليومية من قياسات للمتر و الكيلومتر و حتي الثانية {في حساب الوقت}، فثابت بلانك لاشك أنه صغير جدا…{و لكن} الوضع يكون مختلفا تماما بالنسبة للإليكترون” ٠
          و رجوعا للسمة الثانية،” فبالرغم من عدد المعلومات التي من الممكن الحصول عليها أو {بالأصح } بالرغم من قوة قدراتنا الحسابية، فنتائج عملياتنا الفيزيائية لا يمكن التنبؤ بها بدقة لأنه لم يتم إيجادها بدقة {أساسا}. بل ، تقوم الطبيعة بتقرير الوضع المستقبلي من خلال عمليات تكون مبدئيا غير دقيقة عندما يتوفر لها الوضع الأولي”٠

          و بمعنى آخر- قبل أن يضيع القاريء في خضم المصطلحات و المعادلات العلمية – بإختصار شديد ” الطبيعة لا تفرض نتائج أية عملية أو إختبار، حتي في أبسط الأوضاع. بل تسمح بإحتمالات عديدة، كل حالة لها إحتمالية حدوث معين “ ٠
          و علي ما فات فالفيزياء الكمية قد تبدو و كأنها تؤكد فكرة أن الطبيعة تخضع لقوانين ثابتة، و لكن المؤلف يقول أن “هذا غير صحيح”. بل الأصح أن الطبيعة “تقودنا إلي الموافقة علي صورة جديدة من الوجودية: فبمعرفة وضع نظام معين بوقت معين، تعمل قوانين الطبيعة علي إيجاد إحتمالات مستقبلية و ماضيوية بدلا من إيجاد الوضع المستقبلي و الوضع الماضيوي لهذا النظام {بصورة فردية و بدقه}” و مع أن البعض لا يستسيغ هذه الفكرة، كما يقول المؤلف ” فالعلماء عليهم أن يقبلوا بالتجارب التي تتفق مع الإختبارات، و ليست تلك التي تتفق مع بديهياتهم “٠و ذلك لأن ما يتطلبه العلم من النظرية “هو أن يكون بالإمكان إجراء الإختبارات عليها {و التأكد منها}. فإذا كانت الطبيعة الإحتمالاتية للتنبؤات تعني أنه من المستحيل أن نؤكد هذه التنبؤات، إذا فنظريات الفيزياء الكمية تكون{ في هذه الحالة} غير مؤهلة كنظريات شرعية {صحيحة}. و لكن {ذلك لا يطبق على النظريات الكمية} فعلي الرغم من طبيعة التنبؤات الإحتمالية {المتعددة} لهذه النظريات، فنحن بإمكاننا أن تختبر هذه النظريات {و بكل نجاح في كل مرة نجري التجربة}. فعلى سبيل المثال، نحن بإستطاعتنا أن نكرر {أي } إختبار لمرات عديدة و نؤكد على تكرار كذا ناتج لجميع الإحتمالات التي تم التنبؤ بها مسبقا” أو بمعنى آخر التنبؤ لا يكون على وضع منفرد و لكن لعدة إحتمالات٠

          و من الأهمية بمكان ذكر أن ما نقصده بالإحتمالات في الفيزياء الكمية “ليست هي نفسها الإحتمالات في الفيزياء النيوتونية أو الإحتمالات العادية في تجاربنا اليومية” كما يؤكد المؤلف، “ فالإحتمالات في الفيزياء الذرية…تعكس العشوائية الإبتدائية في تصرف الطبيعة“. كما يؤكد المؤلف ” فالنموذج الذري للطبيعة يحتوي علي أساسيات تتعارض ليس فقط مع تجاربنا اليومية بل و مع تقديراتنا الحدسية لهذا الواقع” و هذا هو الأمر الغريب في الفيزياء الكمية . ليس علي القاريء و حسب، بل حتى علي المتخصصين في هذا العلم . فكما يقول المؤلف “ من يجد في ذلك أمور غريبة أو صعبة الفهم {فلا يلام على ذلك} لأنه {يتساوى} مع فيزيائيين عظماء من أمثال آينشتاين و حتي فينمان… و لقد كتب فينمان { بنفسه } مرة يقول، ” أعتقد بأني أستطيع أن أقول أنه لا يوجد من يفهم ميكانيكية الذرات”، و لكن { مع ذلك} فالفيزياء الكمية تتفق مع المشاهدة. و لم تسقط بأي تجربة عمليه مع أنها من أكثر التجارب التي خضعت للإختبار في جميع العلوم التجريبية”٠

          و تجدر الإشارة هنا أنه في عام ١٩٤٠ “صاغ ريتشارد فينمان معادلة رياضية {عبارة عن مجموعة تواريخ تسمى التواريخ الفينمانية} تعكس هذه الفكرة و تعطي {نموذجا} لجميع قوانين الفيزياء الكمية {الإحتمالاتية}” . فنظره فينمان للواقع الذري مهمة جدا في فهم النظريات التي يعرضها المؤلف لاحقا، و لذا فهو أخذ بعض الوقت ليشرحها في هذا الفصل و ذلك ليعطى الإحساس بكيفية عمل نظريتة٠ و في ذلك يقول المؤلف أنه “في النموذج النيوتوني يتحرك الجسم من نقطة “ا” إلي نقطة “ب” في خط مستقيم… و {لكن} في نموذج فينمان الجسيم الذري يختبر كل طريق ممكن أن يوصله من “ا” إلي “ب”، و يجمع رقما يسمي طورا لكل طريق محتمل. و هذا الطور يمثل موقع في دائرة موجية، أي ممكن يكون هذا الموقع في أعلي الموجة أو أسفلها أو ما بين الأثنين ” . و هذه النظرية مهمة لكونها أيضا تعطي صورة واضحة لكيفية حدوث الصورة التراكمية ، التقريبية في عالم نيوتن الفيزيائي، و التي تبدو مختلفة تماما عنها. و تعتمد نظرية فينمان، أو بالأحرى الأطوار التي رسمها لكل مسار للجسيم “علي ثابت بلانك”٠أما بالنسبة للنظام العام فإحتمال حدوث أية مشاهدات مبنية في الأساس علي كل التواريخ المحتملة التي ممكن أن تؤدي إلي تلك المشاهدة. و لهذا السبب سميت نظريتة ” المجموع الكلي للنظريات” أو “التواريخ التبادلية”لصياغة {قوانين } الفيزياء الكمية٠

          و هنالك سمة ذرية أخري {مهمة} و هي أن مشاهدة النظام من شأنه أن يغير مجرى أحداثه {كما بين ذلك معلمنا في الكليب الأول}…أي أن الفيزياء الكمية تلزم بأنه حتي تتم المشاهدة ، يجب علي المشاهد أن يتفاعل مع الجسيم الذي يشاهدة “. و هذا أمر بحد ذاته في غاية الغرابة، بل أنه فتح المجال للكثير من البحوث الجديدة و التى لاتزال علي قدم و ساق لحل لغزها٠

          و لكن بإختصار و بصورة عامة، فالفيزياء الذرية تقول لنا أنه “علي الرغم من كثرة مشاهداتنا للوضع الحالي، فالماضي {الذي لم نقم بمشاهدته} كما هو المستقبل، هو غير مؤكد لأنه يوجد في حيز من عدة إحتمالات. و لذا فالعالم حسب قوانين الفيزياء الكمية، لا يوجد له ماضي واحد أو تاريخ واحد، بل عدة تواريخ و أحوال و مواقع محتملة { كما أسلفنا}”٠

          يتبع
          قال يماني ال محمد الامام احمد الحسن (ع) ليرى أحدكم الله في كل شيء ، ومع كل شيء ، وبعد كل شيء ، وقبل كل شيء . حتى يعرف الله ، وينكشف عنه الغطاء ، فيرى الأشياء كلها بالله ، فلا تعد عندكم الآثار هي الدالة على المؤثر سبحانه ، بل هو الدال على الآثار

          Comment

          • نجمة الجدي
            مدير متابعة وتنشيط
            • 25-09-2008
            • 5278

            #6
            رد: كتاب “التصميم العظيم” ؛ مراجعة و ترجمة مختصرة - ستيفن هوكنج

            كتاب “التصميم العظيم” ؛ مراجعة و ترجمة مختصرة (٦)


            المهندسة رباب خاجه
            الحوار المتمدن-العدد: 3361 - 2011 / 5 / 10 - 23:12
            المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات



            كتاب من تأليف عالم الفيزياء النظرية المعروف ستيفن هوكنغ و الفزيائي ليونارد ملوديناو-تابع


            الفصل الخامس: نظرية كل شيء:


            جميع الفصول الماضية لم تكن في الواقع إلا تمهيدا لهذا الفصل، فهذا الفصل هو خلاصة ما يريد المؤلف أن يوصله إلى القاريء بما يخص النظرية الكلية ، أو بالأحرى، ما يتنافس عليه الباحثون و العلماء في الأمس القريب و اليوم لصياغة النظرية الشمولية الواحده، هذا مع العلم أن آينشتاين بنفسه كان أحد هؤلاء المتنافسين. و هذه النظرية يتأمل أن يجد العلماء فيها بديلا عن جميع القوانين الكلاسيكية، مصيغة بنموذج واحد يمكن إستخدامه على مستوى الكون بجميع أحجامه؛ العالم الذري و العالم اليومي المعاش و عالم النجوم و الكواكب الكوني الشاسع. و لكن هنالك مشكله، كما يؤكد المؤلف، فعلى الرغم من إمكانية صياغة العديد من النظريات ألا أن صياغة نظرية واحدة شامله بحد ذاتها يعتبر من المستحيل ، و ذلك لأن الكون نفسه غير متجانس في جميع أجزائه، و قوانينه تختلف حسب مستوياتة أو حجمه. و لكن ذلك لا يعني أن كل تلك المحاولات كانت بدون فائدة، بل ممكن النظر إليها على أنها هي كلها إنما آجزاء داخلة ضمن النظرية الكلية الشاملة التى يسعى لها الباحثون. فكل معادلة أو نظرية تكمل الأخرى ضمن نفس المفهوم، و بجمعها ممكن أن نحصل لصورة عامة عن الكون. فالكون ، حسب المؤلف ، ممكن فهمه و ذلك لأن ظواهره لها وتيرة مكرره محكومة بالقوانين الطبيعية مهما بدت لنا مختلفة عن بعضها البعض من مستوى لآخر. و على هذا الأساس ممكن أن نعمل للكون نموذج واحد جامع. أو بمعنى آخر ” تصرف {الكون} يمكن أن يوضع بصيغة نماذج {بالإمكان فهم أبجدياتها} “. و لكن جميع هذه النماذج تكون قاصرة ما لم تكن شاملة في نموذج واحد يشملها جميعا. و من هنا يبدأ المؤلف في مراجعة لما قام به العلماء في هذا المجال و النظريات التي قدموها و التي لا تكتمل النظرية الشاملة بدونها . بادئا بما سبق و ذكره في الفصول الماضية عن هذه القوى و شارحا لقوانينها- أو كما سماها بتقديم النماذج - مبتدءا بالقوانين الأربعة الكلاسيكية ، و مرورا بمحاولات العلماء لخلق النموذج الذري لهذه القوى الأربعه، و منتهيا بالنظرية الكلية أو نظرية “م” ، و التي يبين كيف أنها تشملها جميعا. أي أنه و حتي نحصل على النظرية الشاملة فنحن علينا أن نجمع كل تلك النظريات، بدلا من إلغائها جميعا و الإستعاضة بها في نظرية واحدة تطبق على الجميع.

            يبدأ المؤلف بالنماذج الكلاسيكية للقوى المؤلف، فيقول، ” أول قوى تم شرحها بلغة الرياضيات هي القوى الخاصة بالجاذبية. فقانون نيوتن للجاذبية و الذي نشر في عام ١٦٨٧ ذكر أن كل شيء في العالم يجذب شيئا آخر بقوة جذب تتناسب مع كتلته” و مع أن هذا القانون بدى متعارضا مع بعض القصص التي جاءت في الإنجيل، كما يقول المؤلف ، ألا أن ذلك كما يبدو لم يزعج نيوتن مع أنه هو صاحب هذا القانون . فقصة يوشع بن نون في الإنجيل تقول أن يوشع صلى كي تقف الشمس في مكانها في السماء، و يقف القمر عن حركتهما كليا و ذلك حتي يطول النهار فيستفيد من ضوء الشمس و يتغلب في حربه على الأموريين في كنعان فإستجاب الرب لصلاته، و هذا يعني أنه طلب من الله إيقاف عجلة الزمن لمدة أربعة و عشرون ساعة. “و حسب كتاب يوشع، فلقد توقفت الشمس تماما{عن الحركة} لمدة يوم تقريبا”. و إذا كان ذلك صحيحا فإن ذلك يعني أيضا أن الأرض توقفت عن الدوران لمدة أربعة و عشرين ساعة. مما يعني أيضا و “بحسب قانون نيوتن {و الذي يقول بأن } أي شيء طليق غير مقيد فهو يظل في حركة دائمة بنفس حركة الأرض الأصلية ( ١،١٠٠ ميل لكل ساعة عند خط الإستواء) – و هذا يعني أن الثمن {لهذا الإجراء} سيكون غالي جدا {كل شيء سيتطاير في الهواء}” و لكن مع ذلك “فنيوتن كان يعتقد أن الله بإستطاعته، بل و بالفعل تدخل في عمل الكون {كما جاء في الإنجيل}”٠

            أما القوى الأخرى الكلاسيكية و التي تم وضع قانون أو نموذج لها فلقد “كانت القوى الكهربية و القوى المغناطيسية…فالقوى الكهربية و القوى المغناطيسية أكبر بكثير من قوة الجاذبية، و لكننا مع ذلك لا نشعر بهما عادة في حياتنا اليومية لأن الأجسام الماكروسكوبية {التي نستطيع التعامل معها من حيث الحجم في حياتنا اليومية} تحتوي على شحنات متساوية تقريبا من السالب و الموجب ، و هذا يعني أن القوى الكهربية و القوى المغناطيسية بين جسمين ماكروسكوبيين (كجسمي و جسمك مثلا) تحذف بعضها البعض {ناتج الجمع الجبري}، أما قوى الجاذبية {بين الأجسام الهائلة} فهي مختلفة في كونها تضاف لبعضها البعض” ٠ و من أهم الإستكشافات في هذا المجال هو تأثير كل من القوى الكهربية و القوى المغناطيسية ببعضها البعض؛ فالشحنة الكهربية المتحركة تحدث قوة علي المغناطيس، و المغناطيس المتحرك يحدث قوة علي الشحنات الكهربية {هذا ما لاحظه لأول مرة الفيزيائي الدانماركي هانز كريستيان أورستيد}٠Hans Christian Ørsted في عام ١٨٢٠ و هو صاحب المصطلح العلمي الذي نعرفه اليوم بالكهرومغناطيسية Electromagnetism
            و بعد سنوات قليلة جاء العالم الإنجليزي مايكل فارادي Michael Faraday ليبين لنا ” بإنه إذا كان بمقدور التيار الكهربائي إحداث مجال مغناطيسي، فالمجال المغناطيسي بإمكانه إحداث تيار كهربائي (١٨٣١)” و من ثم ” إكتشف فرادي العلاقة بين الكهرومغناطيسية و الضوء عندما بين أن المغناطيسية الشديدة تستطيع إستقطاب الضوء”٠ Light Polarization و أحد تطبيقات ذلك هو بعض النظارات الشمسية. أما أحد أهم المكتشفات العلمية في هذا المجال علي الإطلاق فقد كان في فكرة مجالات القوى أو بالأحرى إنتشار القوى في مجالات بصورة موجية، و التي أثبتها فرادي بالتجربة العملية مع أنه لم يتمكن من وضع النموذج الرياضي لها، و كانت هذه هي نقطة البداية الحقيقة لمعرفة طبيعة و خواص جميع القوى في الكون، فحسب ما جاء على لسان المؤلف ” اليوم نحن نعتقد أن جميع القوى تنتشر بطريقة المجالات، و لذا فهذه الفكرة التي إبتدأت مع فرادي تعتبر اليوم عامل مهم جدا في الفيزياء {الكمية} الحديثة، كما أصبح كذلك في عالم الخيال العلمي {فلم ميتركس مثلا مبني على هذه الفكرة العلمية الثورية } “٠

            و في “عام ١٨٦٠ طور الفيزيائي الإسكوتلندي جيمس كليرك ماكسويل James Clerk Maxwell إستنتاجات فارادي و قدمه بصورة نموذج رياضي مفسرا بذلك العلاقة الذاتية الغامضة بين الكهرباء و المغناطيس و الضوء. و كان الناتج مجموعة من المعادلات تقوم بتفسير القوة الكهربية و القوة المغناطيسية كتجسيد لنفس الكينونة الفيزيائية، و سماها المجال الكهرومغناطيسي . فماكسويل {إذا، كان له الفضل في } توحيد الكهرباء و المغناطيسية بصورة قوة واحدة. و علاوة على ذلك بين ماكسويل أن هذه المجالات الكهرومغناطيسية تنتشر في الفضاء بصورة أمواج…و قد إكتشف {بعد ذلك} أن الضوء هو بنفسة موجة كهرومغناطيسية، حدد ماكسويل سرعته دون أن يعلم حيث ظهرت في معادلاته كثابت. و اليوم نحن نسمي المعادلات التي تفسر المجالات الكهربية و المغناطيسية بمعادلات ماكسويل. أما تطبيقات هذه النظرية في الحياة اليومية فهائلة، فهي لا تقتصر فقط على الأدوات الكهربية التي نستخدمها بصورة يومية في { صالات و مطباخ و كراجات} منازلنا و في كمبيوترات {مكاتبنا}، و لكنها أيضا أفادتنا في تفسير الموجات الغير ضوئية، كمثل موجات المايكرويف، و موجات الراديو، و موجات الأشعة تحت الحمراء، و أشعة إكس {التي نستخدمها في جميع مجالات حياتنا}. و كل تلك الموجات {مشابهة لموجات الضوء } و لا تختلف عنها إلا بشيء واحد فقط ألا و هو طول الموجة”٠

            أما أينشتاين و الذي ظهر في الصورة بعد ذلك فلقد كان في السادسة و العشرون من عمره في سنة ١٩٠٥ م، عندما بدأت شهرته بعد نشره لورقة علمية عنوانها ” الديناميكية الكهربية للأجسام المتحركة” حيث إفترض فيها إفتراض بسيط بأن قوانين الفيزياء و بالأخص سرعة الضوء يجب أن تبدو ثابتة لجميع المشاهدين المتحركين بصورة نسبية لبعضهم البعض. و هذه الفكرة، تطورت فيما بعد، لتقوم بعمل ثورة في نظرتنا {كبشر} لمفهوم الزمان و المكان. فأينشتاين قدم {بورقته} الإستنتاج المنطقي أن قياس الزمن ، كقياس المسافة {الداخلة ضمن الإعتبار} تعتمد علي المشاهد الذي يقوم بعمل القياسات! و هذه المعلومة كانت أحد المفاتيح في نظرية أينشتاين التي وضعها في ورقته العلمية في عام ١٩٠٥، و التي أصبحت فيما بعد {دعامة} لنظريتة التي سميت بعد ذلك بالنظرية النسبية الخاصة”٠

            و لقد إستنتج أينشتاين أن ” الوقت لا يمكن أن يكون مطلق، مثلما كان نيوتن يتصور. أو بمعني آخر، ليس من الممكن أن نحدد لكل حادث وقت معين يتفق عليه كل المشاهدين. فكل مشاهد له قياس للوقت خاص به، و الوقت المقاس من قبل مشاهدين أثنين عندما يكونان في حالة حركة ، كل منهما نسبة إلي الآخر، لن يكون نفس الشيء. و فكرة آينشتاين هذه تتعارض مع بديهياتنا لأن تأثيرات {هذه الفكرة} غير محسوسة في السرعات التي نتعرض لها في الحياة اليومية. و لكن هذا ما تم التأكد منه بالتجارب المتكررة”٠

            و بسبب ما قدمه أينشتاين في نظريته ” إستوعب الفيزيائيون بأنهم عند مطالبتهم بتثبيت سرعة الضوء في جميع مستويات الإسناد، فمعادلات ماكسويل للكهرباء و المغناطيسية تفرض علينا عدم معاملة البعد الزمني بصورة مستقلة عن الأبعاد المكانية {الثلاثة:طول عرض و إرتفاع}. بل البعد الزمني و الأبعاد المكانية {عليها أن تكون} متداخلة. و هذا شيء شبيه بإضافة إتجاه رابع هو الماضي-المستقبل لما هو معتاد من يمين - يسار ، أمام - خلف ، أعلى - أسفل. و سمى الفيزيائيون هذا التزاوج بالزمكان”٠ Space-Time و في خضم محاولات آينشتاين بإدخال الجاذبية في معادلاته فطن أنه “حتى يجعل الجاذبية ملائمة لنظريته النسبية، فكان لابد له أن يعمل تغيير آخر {للنظرية}. فحسب نظرية نيوتن للجاذبية، في أي زمن معين تنجذب الأشياء إلي بعضها البعض بقوة تعتمد علي المسافة بينهم في ذاك الزمن. و لكن بما أن النظرية النسبية كانت قد قضت علي فكرة الزمن المطلق ، و عليه فلا توجد وسيلة لتعريف أي زمن {معين } يتم فيه قياس الكتل… وبعد إحدي عشر سنة لاحقة طور آينشتاين نظرية جديدة للجاذبية مختلفة عن مفهوم الجاذبية في نظرية نيوتن، سماها النظرية النسبية العامه. و كانت نظريته فكرة ثورية علي مفهوم الكون المسطح الذي إعتمده البشر حتي تلك اللحظة ، أي إعتمد فيها على أن الزمكان غير مسطع، كما تم قياسه و إعتماده بالسابق، و لكنه منحني و مشوه بسبب الكتل و الطاقات التي تحتويه٠ و هندسة الأبعاد المكانية المنحنية مثل سطح الأرض ليست كالهندسة الخاصة بالأبعاد المكانية المسطحة في نظريات إيكليدس و التي كان العالم معتاد عليها {حتي تلك الفترة}… ففي نظرية آينشتاين، تتحرك الأشياء بصورة تسمى جيوديسية Geodesics و التي هي أقرب شيء إلي الخط المستقيم في البعد المكاني المنحني والأهمية الحقيقية للنظرية النسبية العامة لا يكمن فقط في تطبيقاته بأجهزة مثل جي بي إس (GPS) و التي نستخدمها للإستدلال علي العناوين في سياراتنا و حسب، و لكن أيضا في كونه يعطي نمودج مغاير و بصورة كبيرة للعالم {من سابقتها}، و هذه الصورة تتنبأ بتأثيرات {كونية} جديدة مثل الأمواج المتجاذبة و الثقوب السوداء. و عليه فهذه النظرية حولت علم الفيزياء إلي علم الهندسة. هذا و لقد أتاحت لنا التكنلوجيا الحديثة بإجراء العديد من الإختبارات الحساسة علي النظرية النسبية العامة للتأكد من صحتها، فنجحت في كل واحدة منها بلا منازع٠

            و مع ذلك فنظرية آينشتين، كما هي نظرية ماكسويل ، و كما كانت نظرية نيوتن قبلهما ، تظل جميعها نظريات كلاسيكية لأنها تعتمد علي نموذج أحادي التاريخ. و كل هذه النماذج لا تطابق المشاهدات في المستوى الذري {و ما تحت الذري للكون}”. و لكنها مع ذلك تؤدى الغرض المطلوب منها في إستخداماتنا ” من أجل عمل الحسابات العملية و التي تخص عالمنا اليومي. فنحن بإمكاننا أن نستمر في إستخدام النظريات الكلاسيكية، و لكن إذا كنا نريد أن نفهم تصرفات الذرات و الجزيئات، فنحن بحاجة إلي الصيغة الذرية لقانون ماكسويل الخاص بالكهرومغناطيسية؛ و كذلك إذا أردنا معرفة العالم في بداياته، عندما كانت المادة و الطاقة جميعها مضغوطة في حجم صغير، فنحن بحاجة إلي الصيغة الذرية للنظرية النسبية العامة. فنحن نحتاج إلي هذه النظريات المستحدثة لأننا إذا كنا بصدد البحث عن أساسيات الطبيعة {و بدقة متناهية}، فلن تكون حساباتنا متوافقة إذا كانت بعض قوانيننا ذرية و الأخري كلاسيكية، و عليه فيجب علينا إيجاد صيغ ذرية لكل القوانين في الطبيعة. و هذه النظريات تدخل {بمجملها} بنظريات المجال الكمي”٠ Quantum Fields Theories

            و رجوعا للقوى الكلاسيكية فالقوى الثالثة حسب تصنيف المؤلف هي “القوى النووية الضعيفة ( هذا ما يسبب الإشعاعات الراديوية و يلعب دورا مهما في تكوين العناصر في النجوم و كان لها تأثير في بدايات العالم، و لكننا في العادة لا نصادف هذه القوة في حياتنا اليومية)”، و أما القوة الرابعة فهي “القوى النووية القوية (و هي الطاقة التي تربط البروتونات و النيوترونات في داخل نواة الذرة. كما تربط {جزيئات} البروتونات و {جزيئات} النيوترونات الداخلية و التي هي عبارة عن جزيئات أصغر مثل الكواركس}. كما أنها هي مصدر الطاقة الشمسية، و الطاقة الذرية و لكن نحن لا نتصل مباشرة بها)”٠

            و حتى نصل للنظرية الشاملة فلابد من عمل نسخة من جميع القوى الأربعة السابق ذكرها في المجال الذري أو الكمي. و من هذا المنطلق ظهرت : القوى الكهروديناميكية للجاذبية (QED)
            و التي قدمها ريشارد فينمان في عام ١٩٤٠م، ممثلا المجالات الكهرومغناطيسية بصورة سحابات من جزيئات القوى متناوبة الوجود مع جزيئات المادة في حركة دائمة ، و قدمها بعدة رسومات تحتوي على:
            مجموعة جزيئات القوى البوسونات أو الفوتونات bosons -photons
            في خطوط حلزونية . و الجزيئات المادية و التي هي عبارة عن فيرميونزات أو بالأحرى الإليكترونات و الكواركس fermions -electrons +quarks في خطوط مستقيمة لتسهل عملية قراءة تصرف هذه الجزيئات، و من خلال جميع الإحتمالات التاريخية عندما تكون في المجال الكمي أو الذري . فالجزيء ممكن أن يكون تصرفه كتصرف المادة في لحظة ما و ينقلب للتصرف الموجي أو تصرف القوى في لحظة آخرى. أو بمعنى آخر عندما يصادم إليكترونا ما (جزيء مادي) إليكترون آخر فهو يصدر فوتونا {طاقة} في إتجاه ما و يغير كل إليكترون مجال سيره حتى يصطدم كل منها بإليكترون آخر و هكذا في حركة لامتناهية داخل كل جسم مادي. و يمكن للقاريء تصور مدى صعوبة صياغة معادلات ذرية لتفسير هذه المسارات. و لكن مع ذلك فلقد تم إختبار تنبؤات الكيو إي دي و تبين أنها تطابق النتائج التجريبية بدقة متناهية٠

            أما أهم ما تم إستنتاجه من هذه التجارب و هو العامل الأهم بالنسبة لموضوعنا فهو معلومة أنه لا يوجد شيء إسمة الفضاء الخالي. فالجزيئات المادية - القوى تنتشر بصورة دائمة في الكون و تتناوب مع بعضها البعض، و ذلك لأنه و حسب تعريفنا، “الفضاء الخالي يعني أن قيمة المجال و درجة تغيره هو صفر بالضبط. ( إذا لم تكن درجة تغيير المجال صفرا، فهذا يعني أن الفضاء لن يضل خالي أبدا) و بما أن مبدأ الريبة {تم شرحه في الفصول السابقة} لا يسمح لقيمة الإثنين {المجال و درجة تغييره} أن يكونا دقيقان في آن واحد، فالفضاء لا يمكن أن يكون خاليا. و لكنه يكون في الوضع الذي تكون فيه الطاقة أقل ما يمكن {تقريبا صفر}، و هذه الحالة تنشأ لتذبذب الفراغ بالجزيئات {المادية} و مجالات {القوى} القافزة إلى الوجود و خارجه. {و هذا يعني أن الشيء ممكن أن يتواجد من اللاشيء عندما يكون المجال ذري }” . و تسمى هذه الحالة :
            Vacuum Fluctuations and Quivering in and out of Existence

            و بالإمكان تصور تذبذب الفراغ كجوز من الجزيئات {إحدهما قرين الآخر , مساوي له بالمقدار و مخالف بالشحنة}، يظهران مع بعض في وقت معين، ثم يبتعدا عن بعض{فيحدثان طاقة صغيرة فى الفراغ} و من ثم يتقابلان ليقضي أحدهما علي تأثير الآخر{فتصبح في هذه اللحظة الطاقة في الفراغ صفرا}”. و تسمى هذه الجزيئات بالجزيئات الإفتراضية virtual particles و ذلك لأنها ” علي خلاف الجزيئات الواقعية، فالجزيئات الإفتراضية لا يمكن مشاهدتها مباشرة عن طريق كاشف الجزيئات، و لكن ممكن أن نقوم بقياس تأثيرها غير المباشر، مثل قياس التغيير الصغير في الطاقة الخاصة في المدار الإليكتروني للإليكترون ، و تتمتع هذه التنبؤات النظرية بالدقة {في القياس} و بصورة كبيرة تدعو إلي الدهشة. و لكن المشكلة تكمن في كون الجزيئات الإفتراضية لها طاقة، و لأنه هنالك عدد لا نهائي من هذه الأزواج الإفتراضية {المتراصة}، لذا فهي لها كمية كبيرة من الطاقة الجامعة. و حسب النظرية النسبية العامة، {ما سبق} يعنى أن هذه الجزيئات تعمل علي إنحناء العالم إلي قياس لانهائي في الصغر، و هذا بالطبع لا يحدث{في الواقع اليومي المعاش}”٠
            أما بالنسبة للجاذبية و محاولات إيجاد النسخة الذرية منها ففي عام١٩٧٦ “تم تطوير نظرية الجاذبية الخارقة أو ما يسمى بالتطابق أو التناظر الخارق. و هذا التطابق الخارق يعني بأن لكل جزيء قرين مساو له بالمقدار و مخالف فى الإتجاه ، أي أن جزيء القوة و جزيء المادة هما في الواقع وجهين لعملة واحدة…و هذا يعني أن كل جزيء مادي، كالكواركس مثلا، لديه قرين جزيئي هو جزيء القوى، كالفوتون{لعمل التوازن المطلوب} … و أغلب الفيزيائيون يعتقدون اليوم أن الجاذبية الخارقة كانت هي الإحتمال الأقوى للإجابة علي مشكلة توحيد الجاذبية مع بقية القوى الثلاثة الأخرى {في المجال الذري}” و مع أنه ” لم يتم مشاهدة مثل هذا القرين الجزيئي في الطبيعة. و لكن الحسابات المتعددة و التي أجراها الفيزيائيون تبين أن الجزيء القريني الخاص بالجزيئات المادية بالإمكان مشاهدتها إذا كانت آلاف المرات أكبر بالكتلة من البروتون” و لذا فهنالك أمل بأن هكذا جزيئات ممكن خلقها في {تجربة } تصادم الهيدرون الكبير في جنيف”، حيث يقوم العلماء بمحاولة لإصطدام بروتونين في سرعات شديدة معاكسة لبعضها البعض لخلق جو يشبه جو الإنفجار الكبير و بالتالى لدراسة كل ما ينتج من جزيئات من خلال هذا التصادم٠

            و يقول المؤلف أن “فكرةالتناظر الخارق كان هو مفتاح خلق الجاذبية الخارقة، مع أن الفكرة {لم تكن جديدة} و لكنها في الواقع كانت قد إبتدأت بسنوات عديدة مع ظهور فكرة لنظرية كانت تسمي نظرية الوتر
            String Theory

            و حسب نظرية الوتر، فجزيئات {المادة} ليست نقاط {في فراغ} ، و لكنها توجد في مجاميع {كسحابة} من الذبذبات، لها طول و ليس لها عرض أو إرتفاع- مثلها كمثل قطع لانهائية من الأسلاك الرفيعة…تقود إلي مالانهاية . و لكنها في بعض المواضع الصحيحة تحذف تأثير بعضها للبعض الآخر. و لها خاصية غير إعتيادية أخري: تكون متوافقة مع بعضها فقط عندما تكون الأبعاد الزمكانية تساوي عشرة أبعاد {البعض يقول الآن بأنها إحدى عشر} ، بدلا من الأربعة المعتادة” ، أي أن عالم الذرة عالم يحتوي علي عشر أبعاد متصلة ببعضها البعض بأسلاك رفيعة جدا و ليس كعالمنا ذو الأبعاد الأربعة. و حسب نظرية الوتر “فهذه الأبعاد تكون منحنية في الفضاء إنحناءات صغيرة جدا بالحجم ( الزمكان الداخلي)” لها قيمتها في المجال الذري مع أننا لا نشعر بها في حياتنا اليومية ٠

            هذه المعلومة الأخيرة كان لها أهمية فيزيائية عظيمة. ففي عام ١٩٩٤” بدأ الناس يكتشفون المزدوجات – تبين أن النظريات المختلفة و الخاصة بالوتر و الطرق المختلفة للإنحناءات الخاصة بالأبعاد الإضافية، هي {في الواقع} طرق مختلفة لشرح ظاهرة واحدة في الأبعاد الرباعية. و الأكثر من ذلك ، أنهم وجدوا أن الجاذبية الخارقة لها أيضا علاقة بنظريات أخري و بنفس الطريقة. و أنها جميعا ” مجرد تقريبات ضمن مفهوم أساسي، و لنظريات كل منها صحيحة في أحوال معينة”٠ و تم تسمية “النظرية الأساسية أو الأكثر إبتدائية بنظرية “م”… فحتي نفسر العالم، فنحن بحاجة إلي أن نطبق عدة نظريات في عدة حالات. كل نظرية تحمل في طياتها نسختها الخاصة من الواقع، و لكن حسب الحتمية العتمدة علي النمودج، فهذا مقبول طالما تتفق هذه النظريات مع التنبؤءات إينما حصل بينها تداخل. أي عندما يكون ممكنا لتطبيقها في نفس الحالة {فتعطي نفس النتيجة}… و الناتج النهائي لجهد العلماء كان {إكتشاف} عدد من الأكوان بقدر ١٠ مرفوعة لقوى ٥٠٠ ، كل منها لها قوانينها المختلفة، واحدة منها فقط تطابق {حسب علمنا} القوانين الخاصة بالكون كما نعرفه”٠

            و إستنادا على ما فات “فالحلم الأصلي للفيزيائيين في إنتاج أو صياغة النظرية الواحدة {الشاملة} و المفسرة لمجموعة القوانين الخاصة في عالمنا كقانون واحد فريد من نوعه و ناتج عن بعض الإفتراضات البسيطة قد يكون قد آن الآوان أن نتخلى عنه”. و لكن أين سيقودنا ذلك؟

            و هذا ما يتساءل عنه المؤلف ، فإذا كانت نظرية “م” تسمح” لعشرة مرفوعة لقوة خمسمئة مجموعة من {الأكوان المحكومة بالقوانين المختلفة} بالحدوث، فكيف إنتهينا في هذا العالم، مع قوانينها البادية لنا؟ و ماذا عن إحتمالية وجود كل تلك الأكوان؟” و هذا ما يجيب عليه في الفصل السادس٠




            يتبع
            قال يماني ال محمد الامام احمد الحسن (ع) ليرى أحدكم الله في كل شيء ، ومع كل شيء ، وبعد كل شيء ، وقبل كل شيء . حتى يعرف الله ، وينكشف عنه الغطاء ، فيرى الأشياء كلها بالله ، فلا تعد عندكم الآثار هي الدالة على المؤثر سبحانه ، بل هو الدال على الآثار

            Comment

            • نجمة الجدي
              مدير متابعة وتنشيط
              • 25-09-2008
              • 5278

              #7
              رد: كتاب “التصميم العظيم” ؛ مراجعة و ترجمة مختصرة - ستيفن هوكنج

              كتاب “التصميم العظيم” ؛ مراجعة و ترجمة مختصرة (٧)


              المهندسة رباب خاجه
              الحوار المتمدن-العدد: 3371 - 2011 / 5 / 20 - 09:39
              المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات



              كتاب من تأليف عالم الفيزياء النظرية المعروف ستيفن هوكنغ و الفزيائي ليونارد ملوديناو. نشر في عام (٢٠١٠) -تابع


              الفصل السادس: إختيارنا للكون الخاص بنا

              لماذا يوجد هذا الكون؟ و لماذا هو بهذه الصورة التي نراه بها؟

              أسئلة يتجرأ المؤلف بطرحها اليوم قائلا “إن مقدرتنا اليوم لطرح { و مناقشة } الإجابات على مثل هذه الأسئلة قد تنامت و بصورة طردية سريعة مع الزمن و خصوصا في القرون القليلة السابقة. أسئلة طرحت من أيام الإغريق القدماء {حيث كانت بدايات فلسفة سر الوجود}. و إزدادت {بإزدياد الصورة وضوحا } كلما إزدادت معارفنا و تجاربنا مع مرور الزمن ، { و بالذات} تلك المعارف التي إكتسبناها خلال القرن الماضي ” حسب ما يذكر المؤلف. و هذا برأيي قد يكون السبب وراء ثقة ستيفن هاوكنغ بالنتائج التي توصل إليها من خلال بحوثه بالسعي من أجل الإجابة على الأسئلة الكبيرة في ذهنه و التي حرص علي التأكيد عليها و بكل وضوح في هذا الكتاب – على عكس كتبه السابقة، و التي كان يتطرق لهذه المسائل بشيء من الحذر- فكما يبدو لي أن أفكاره تبلورت مع الزمن و البحث الدائب عن كل مستجد على الساحة العلمية، حتى أصبحت الصورة أكثر وضوحا في ذهنه فأصبح لا يري غضاضة في أن يقول خلاصة فكره العلمي اليوم ، و يبدؤها بهذه الأسئلة في هذا الفصل . أما الفصول السابقة فلقد كانت فصول تعريفية و تثقيفية بالمباديء العلمية الأساسية التي إستند عليها المؤلف ليقدم إستنتاجاته في هذا الفصل.

              و هكذا يبدأ بالقول بأنه و بعد ” التسلح بالخلفية {العلمية} المطروحة في الفصول السابقة” فنحن “الآن مستعدون لتوفير أجوبة إحتماليه لهذه الأسئلة”، و ذلك لأن الإنسان الحديث ، حسب إعتقاده، قد وصل إلي مرحلة من العلم كافية ليخوله بتقديم التفاسير المحتملة و الإجابات على تلك الأسئلة، فيقول ” أحد الأشياء الواضحة لنا حتى من قديم الزمان هو إما أن يكون الكون { و من ضمنه الإنسان} حديث الخلق، أو أن الإنسان هو من خلق حديثا نسبة إلي التاريخ الكوني. و ذلك لأنه من الملاحظ أن ” الجنس البشري قد تطور بوتيرة زمنية كبيرة من الناحية المعرفية و التكنولوجية { في القرون الأخيرة} لدرجة أنه لو أننا إفترضنا أن الإنسان كان موجودا منذ ملايين السنين لكان الجنس البشري اليوم {حتما} أكثر تقدما مما هو عليه الآن {قياسا بسرعة تغيرة مع الزمن} “،

              و على هذا الأساس ، كيف يمكننا أن نعرف ما هو تاريخ الإنسان على الأرض بصورة دقيقه؟


              إستنادا إلى ” كتاب العهد القديم فلقد خلق الله آدم و حواء في ستة أيام فقط كجزء من عملية الخلق الكلية”، و هذا كان “الإعتقاد السائد و لسنوات طويلة {لمعتنقي الديانات الإبراهيمية}”. بل أن البعض ذهب بعيدا إلى حد الدقة في تحديد تاريخ خلق الكون ، كما فعل “الأسقف آشير Bishop Ussher كبير أساقفة إيرلندا من سنة ١٦٢٥ م إلي سنة ١٦٥٦ م ، و الذي لم يكتفي بذلك {ما جاء في العهد القديم } و حسب، بل ذهب أبعد من ذلك حين إدعى أنه قام بتحديد بداية العالم بكل دقة، ليكون في الساعة التاسعة من صباح يوم ٢٧ أكتوبر ٤٠٠٤ قبل الميلاد”٠

              و هذه المعلومة قد ترضي رجال الدين و لكن الموضوع ليس بهذه السهولة بالنسبة للعلماء، كما يذكرنا المؤلف، “أما بالنسبة لنا نحن {العلماء} فإن نظرتنا للكون و بداية الإنسان مختلفة تماما ، فنحن نعتقد أن الجنس البشري هو جنس مستحدث على خلق الكون ، هذا لأن الكون بالمقارنة عمره ما يعادل ١٣.٧ بليون سنة { حسب الرزنامة الفلكية التى وضعها الفلكي السابق كارل ساجان فإن عمر الإنسان الحديث، بجميع حضاراته، بالنسبة لعمر الكون لا يتعدى بضع ساعات أخيرة من السنة الكونية إذا ما تصورنا بداية خلق الكون مع بداية السنة كقياس تناظري}٠

              و لقد كان الإعتقاد السائد بأن الكون ساكن منذ بداية الخلق ، كما أن الموجات الضوئية و الصوتية و غيرها تسبح فيه عبر مادة -تم إفتراضها منذ أيام الإغريق لتسهيل العمليات الرياضية ، دون التأكد من وجودها- سميت ب ‘الأثير’ ، إلى أن جاء إدوين هابل Edwin Hubble ليغير لنا تلك الصورة. فبناء علي مشاهدات هابل “و التي إستخدم فيها تلسكوبا بقياس ١٠٠ إنش في مونت ويلسون علي التلال التي تعلو مدينة باسدينا في كاليفورنيا، كما قام بتحليل الضوء الواصل إلينا من النجوم لدراستها ” فتبين لنا بأن جميع الأجرام السماوية تقريبا في حالة إبتعاد عنا {أي أنها تبدو و كأنها تفر مبتعدة عن الأرض}، و كذلك تبين لنا أنه كلما كانت هذه النجوم أبعد عنا كلما كانت سرعة حركتها بالإبتعاد أكبر. هذا و “في عام ١٩٢٩ م قام {هابل} بنشر قانون وضع فيه علاقة درجة إرتداد هذه النجوم مع بعد المسافة بينها و بين الأرض و إستنتج بذلك أن الكون في حالة إتساع {المسافات تتمغط بين الأجرام}. و إذا كان الأمر كذلك، فهذا يعني أن العالم لابد و أنه كان أصغر { بكثير } في الماضي…و أن المادة و الطاقة في الكون لابد و أنها جميعا كانت متمركزة في حيز صغير جدا ذو كثافة و حرارة يصعب تخيلها {أسترونومية ، هائله}، و إذا رجعنا إلي الماضي ، إلي وقت ما من الزمن، فإننا سنصل إلى الوقت الذي بدأ فيه كل شيء – و هو زمن الحدث الذي نسمية اليوم {جوازا } بالإنفجار العظيم”٠

              و أحد ” أفضل الطرق لتخيل توسع الكون هو تشبيه قدمه فلكي في جامعة كيمبرج في سنه ١٩٣١م إسمه آرثر إدينغتون Arthur Eddington حيث تصور الكون و كأنه سطح بالون ينتفخ، و كل الأجرام هي نقاط علي هذا السطح {و لكنها لا تتمدد بتمدده } . و هذه الصورة تفسر و بوضوح لماذا ترتد الإجرام البعيدة بسرعة أكبر من تلك الأقرب لنا” و هذا يفسر بالضبط ما وجده هابل ؛ ” فكلما كانت الأجرام أبعد ، كلما زادت سرعة إبتعادها عنا… و لكن لأن الأجرام محكومة بجاذبية بينها فالدائرة و المجرات التي تحتويها تحتفظ بحجمها و ترتيب النجوم و الكواكب فيها كلما إتسع البالون” . و هذه المعلومة الأخيرة مهمة لأنها تفسر ظواهر كثيرة كما أننا عمليا، و كما يقول المؤلف، "لن نستطيع إلا بواسطتها، أي عندما تكون إجهزة القياس لدينا ثابتة الحجم {في زمن معين}، أن نقيس درجة الإتساع {الذي عندما يحدث ، تحدث الأجرام فرقا مكانيا بينها يمكن قياسه}”

              هذا مع العلم أن إتساع الكون كان خبرا مفاجئا لآينشتاين و الذي كان يعتقد بثبوت الكون أو سكونه، مع أنه لم يكن تصورا جديدا، و ذلك لأن “إحتمالات كون الأجرام تبتعد عن بعضها كان قد تم نشره في الأوساط العلمية بسنوات قبل تأكيد هابل عليه {عمليا }" كما أنه، " من سخرية القدر أن هذه الإحتمالات المطروحة كانت مبنية أساسا على معادلات آينشتين “٠

              ففي عام ١٩٢٢ ، “تحري الفيزيائي و الرياضي الروسي أليكساندر فريدمان Alexander Friedmann عما ممكن أن يحدث لنموذج الكون عندما يكون مبنيا على إفتراضين إثنين، و ذلك ليسهل العمليات الرياضية و بصورة مذهلة؛ فكان الإفتراض الأول أن العالم يبدو متطابقا في كل إتجاه {إذا نظرنا إليه من مسافة كما هو الحال عندما ننظر إلى الغابة من مستوى عالي مثلا فلا نرى إلا سطوح الأشجار دون التفاصيل} و {الإفتراض الثاني} أن الكون يبدو هكذا {متطابق} من كل منظور و واجهه {شرق غرب ، أسفل أعلي، إلخ}. و بناء على هذه الإفتراضات إستطاع فريدمان أن يكتشف الحل لمعادلات آينشتاين {و التي كانت قد بنيت على الكون الساكن} عندما تكون الصورة هي تلك التي يتمدد فيها الكون {كمشاهدة هابل بعد ذلك}. حيث صور فريدمان نموذج للكون مبتدءا من الحجم صفر و مضطردا في الإتساع إلي أن تعمل قوى الجاذبية بين الأجسام المادية فيه بتقليل سرعة إتساعها تدريجيا حتى المحصلة الأخيرة و التي يقوم فيه الكون بتدمير نفسة بنفسه” و بذلك جمع بين معادلات آينشتين الكلاسيكية للكون الساكن و الصورة الكمية الحركية، المادون الذرية لها٠
              و وقتها “لم تكن فكرة الإنفجار الكبير مستساغه من قبل الجميع، بل حتى مصطلح ‘ البيغ بانغ ‘ و الذي أصبح شائعا اليوم، هو من تأليف أستاذ في علم الفلك- الفيزياء في كمبرج عام ١٩٤٩م ، يكنى بفريد هويل Fred Hoyle و كان يقصد به نوع من التهكم أو السخرية على بعض التقارير العلمية التي كانت تفترض بدايات للكون، حيث كان هذا العالم شخصيا يعتقد بالوجود الأزلى للكون”٠

              و في عام ١٩٢٧م ، قدم بروفيسور للفيزياء و قسيس كاثوليكي إسمه جورج ليميتر Georges Lemaitre نموذج مشابه لفكرة البيغ بانغ حيث قال أنه ” إذا تتبعنا أثر تاريخ العالم أو الكون إلى الوراء في الماضي، فسوف نراه يصغر تدريجيا حتي يصل إلي مرحلة بدء الخلق – و هذا هو ما نسميه اليوم بالإنفجار الكبير”٠

              عمليا، كانت أول مشاهده مباشرة لتأكيد فكرة الإنفجار الكبير في الواقع مصادفة حصلت في عام ١٩٦٥، و كان ذلك عندما "تم إكتشاف خلفية ضبابية من أشعاعات رادوية أو مايكرويفيه {كأشعة فرن المايكروويف و لكن أضعف منها بكثير } منتشرة في الفضاء. و هذا الضباب الإشعاعي الميكرويفي يطلق عليه اليوم المصطلح العلمي سي إم بي أر CMBR (Cosmic Microwave Background Radiation)0
              و يمكن مشاهدته عندما نعير التلفزيون علي قناة غير مستخدمة- لنجد هنالك نسبة من النقاط بيضاء ثلجية {تلتقطها الرسيفرات و } تظهر علي شاشات التلفاز بسبب وجود هذه الخلفية الإشعاعية”. و {يعتقد – بضم الياء و سكون العين – بأن } هذا الضباب الإشعاعي هو بقايا ناتج التفاعلات النووية الإبتدائية بعد إنفجار كبير. ” ففي الثواني الأولي من تكوين الكون تقريبا، "لابد أن الكون كان أكثر حرارة من مركز أية نجمة. حيث كان الكون بمجملة يشبه مفاعل نووي في تلك الفترة “. و هذا ما تقوله النظرية حسب المؤلف، و يزيد بأنه " على الرغم من أننا بإمكاننا تصور الإنفجار الكبير كتفسير شرعي جيد لوصف الوقت الذي إبتدأ فيه كل شيء ، و لكن من الخطأ بأن نقبل بهذه النظرية بصورة حرفية {هذه قد تكون رسالة جيدة لعلماء المسلمين من أمثال د. صبري الدمرداش و زغلول النجار و الذين في الواقع حملوا كلمات القرآن فوق طاقاتها، و أولوها لإثبات الإعجاز العلمي في القرآن لأمور حتى العلماء لم يجزموا تماما بآليتها بدقة } . و لا نستطيع حتى أن نعتقد أن نظرية آينشتاين ممكن أن تفسر لنا الصورة الصحيحة أو الحقيقية عن أصل الكون {أو بدايته } . و ذلك لأن النظرية النسبية العامة تتنبأ بوجود وقت معين كانت فيه درجات الحرارة و الكثافة و الإنحناء للكون كلها قيم لانهائية، و هو الوضع الذي يطلق عليه الرياضيون مصطلح الوضع التفردي Singularity
              و للفيزيائين ذلك يعني أن نظرية آينشتاين تتكسر في تلك النقطة {البداية} و عليه لا يمكن إستخدامها في عمل التنبؤات عن كيفية بدء الكون، مع أنه يعطينا تفسيرا واضحا لكيفية تطوره لاحقا”٠
              و رجوعا إلى نظرية إتساع الكون فالمرحلة الأولي من الإتساع “يسميها الفيزيائيون بالتضخم Inflation و فيها إتسع الكون…و كأنه عملة معدنية بمحيط يساوي سنتيمتر واحد إنفجر فجأة إلي عشرة مليون مرة أكبر من سعة درب التبانة” و يقول المؤلف عن هذه النظرية أنها تفسر حدوث الإنفجار في فرضية الإنفجار الكبير.

              و هذه الفكرة ، "عرضت أول مرة في عام ١٩٨٠، إعتمادا علي إعتبارات أكبر من نظرية آينشتاين النسبية العامة من جهه، و مع وضع النظريات الكمية في الإعتبار من جهة أخرى."

              هذا و " مع أننا لا نملك نسخة من نظرية الجاذبية في صورتها الكمية بصورة متكاملة {حتي الآن، كما ذكرنا في الحلقات الماضية} حيث أن التفاصيل لازالت قيد الدراسة، و على هذا الأساس، فالفيزيائيون غير متأكدون كيف حصل التضخم، و لكنهم يعتقدون أن التوسع و الذي حدث لاحقا لا يمكن أن يكون قد حدث بصورة متساوية في جميع أجزاء الكون، كما تقول نظرية الإنفجار الكبير التقليدية. و ذلك لأن هذه الإختلالات {في التوسع غير السوي} نتج عنها تعددات طفيفة في قراءات درجات الحرارة الخاصة بال سي إم بي آر في إتجاهات مختلفة . و هذا قد يحمل السر في آلية حصول التضخم {العشوائي } بالبداية. و قد بنى العلماء إعتقادهم هذا لكون هذه العشوائيات { تفسر وجود } تغييرات طفيفة في درجة حرارة هذه الإشعاعات الميكرو-ويفية المنتشرة {حاليا} فى الجو و بإتجاهات مختلفة٠

              …أما عمليا فلقد تم إكتشاف الإختلاف في درجات حرارة ال ‘ سي إم بي آر ‘ أول مرة في عام ١٩٩٢ من قبل القمر الصناعي كوب الخاص بناسا NASA’s COBE satellite
              و تم قياسها بعد ذلك بواسطة القمر الصناعي الذي أتي بعده The WMAP satellite و الذي تم إطلاقه في عام ٢٠٠١م” . مما يؤكد صحة هذه الفرضية"٠

              فنظرية التضخم إذا “تفسر لماذا حصل الإنفجار بالأساس، أو علي أقل تقدير ، فهذا النموذج من التوسع الكوني هو علميا أكثر قوة من نموذج التوسع الذي تنبأت به نظرية الإنفجار الكبير التقليدية و المعتمدة علي النظرية النسبية خلال الفترة الزمنية التي حدث بها التضخم٠

              و حيث أننا لا نستطيع أن نشرح كيف حصل الخلق بإستخدام النظرية النسبية العامة لآينشتاين إذا أردنا أن نشرح أصل الكون، لذا وجب علينا أن نبدل النظرية النسبية العامة بنظرية أكثر إكتمالا منها {تضع الحالة الكمية الأولى في الحسبان }…فإذا ذهبنا إلي الوراء بصورة كافية من الوقت، فالكون كان صغيرا جدا حتي يصل إلي حجم بلانك، أي بليون الترليون من السنتيمتر الواحد، و الذي هو القياس الذي يجب وضعه بالإعتبار {مما يعني أن بداية الكون يخضع لقوانين الفيزياء الكمية}. و لكن مع أننا لا نملك قانون متكامل للجاذبية بالصورة الكمية، و لكننا نعلم أن أصل الكون كان حادث كمي { ما دون الذري}٠
              و بصورة عامة… الزمان و المكان ممكن أن يتزاوجا، و كذلك ممكن أن يحدث درجة معينة من الخلط بينهما عندما يتمددا أو ينكمشا . و هذا الخلط مهم في بداية الكون و هو المفتاح لفهم بداية الزمن . فمع أن النظرية النسبية العامة لأينشتاين وحدت الزمان و المكان كوحدة ‘زمكانية ‘ إحتوت على خليط معين من الزمان و المكان، ظل الزمان مختلف عن المكان، و كل منهما {إما} كان له بداية و نهاية أو أنهما جريا إلي الآبد {بدون تحديد}. فعندما نتكلم عن بداية الكون، فنحن نركز على مسألة دقيقة مفادها أننا عندما ننظر إلي بداية {تكوين الكون} فالوقت كما نعرفه ليس له وجود! و علينا أن نقبل أن أفكارنا العادية عن الزمان و المكان لا تنطبق علي بداية الكون، و حتي لو كان هذا الأمر بعيد عن تجاربنا {البشرية}، و لكنه مع ذلك ليس بعيدا عن تصورنا، و لا عن قدراتنا و حساباتنا الرياضية”٠
              و عليه فعندما “نجمع بين النظرية النسبية العامة و النظرية الكمية، هنا يصبح السؤال عما حدث قبل بداية الكون من غير ذي معني”٠

              أما ما حدث بعد البداية فهو يخضع بنظر المؤلف إلى فكره الزمن اللامتناهي No-boundary condition و الذي نادى به الكثيرون، و منهم أرسطو، حيث ” كانوا يعتقدون أن الكون لابد أنه كان دائم الوجود و ذلك {ربما} ليتجنبوا {الإجابة عن } سؤال خاص بآلية بدء الكون {أي كيف بدأ؟ } . و في المقابل كان هنالك الآخرون الذين إعتقدوا أن الكون له بداية، و منهم أيضا من إستخدم ذلك كإطروحات لإثبات وجود الله . و لكن فكرة أن الزمان يتصرف كالمكان أعطي بديل جديد. و هو بذلك أنهي المعارضة الأزلية {لمن إعتقد} بعدم وجود بداية للكون، و لكنها في نفس الوقت أقرت أن بدايات الكون كانت محكومة بقوانين علمية لا تحتاج إلي من يبدأ حركتها بواسطة آلهة ما { مثل حركة السحب مثلا }٠

              فإذا كان أصل الكون حدث كمي، فذلك يعني أنه وجب علينا تحليله بإستخدام نظرية المجاميع التاريخية { المسارات الزمنية الإحتمالاتية و التي تم شرحها سابقا} لفينمان… و من خلال هذه النظرة، فالكون بدأ عشوائيا، من بدايات تشتمل على كل إحتمال. و معضم هذه الإحتمالات هي خاصة بأكوان أخرى. و بينما هنالك بعض هذه الأكوان التي تتشابه مع كوننا، فأغلبها مختلفة جدا عنها…مختلفة حتي بالقوانين الظاهرة للطبيعه”٠
              و يقول المؤلف عن هذا النموذج أن “بعض الناس يحاولون خلق أمور غامضة من هذه الفكرة و التي تسمي أحيانا بالأكوان المتعددة Multiverse
              و لكن كل هذه الأكوان {التي يتحدثون عنها } ما هي إلا طرق أخري لطرح نفس فكرة نظرية فينمان للمجاميع التاريخية”٠ Feynman Sum Over Histories

              و يؤكد أننا ممكن أن نتصور “الخلق العشوائي الكمي للكون كمثل تشكيل فقاعات البخار في الماء المغلي. فعلي سطح الماء تظهر الفقاعات الصغيرة بكثرة و من ثم تختفي. و هذه ممكن تصورها بالأكوان الصغيرة التي تتسع و لكن تتحطم بينما هي مازالت في المستوى الميكروسكوبي الدقيق، و لكن {هذه الفقاعات } لا تعنينا لكونها لا تظل مدة كافية لتكوين الأجرام السماوية و النجوم {الثابتة نسبيا}…و لكن هنالك العدد القليل من هذه الفقاعات الصغيرة تكبر و تصل إلى درجة تحميها من التحطم. و ستضل تتسع و بصورة متزايدة لتكون {بالنهاية} الفقاعات التي نستطيع مشاهدتها. و هذه {مثلها كمثل} الأكوان التي تبدأ في الإتساع بدرجات متزايدة {مع الزمن} – أو بمعني آخر، تصبح أكوان في حالة تضخم٠

              و في نظرية فينمان للمجاميع التاريخية، يكون إحتمال وجود الأكوان التي تختلف في جزئيات بسيطة {في مجالها} هو تقريبا بقدر إحتمال تواجد أي أكوان أخري. و هذا هو السبب في كون نظرية التضخم تتنبأ بأن بدايات الكون ، كان على الأرجح ، غير متجانس، و هذا يتناغم مع وجود الفروقات الصغيرة في درجات الحرارة التي تم رصدها في ال ‘سي إم بي آر’٠ CMBR

              فالعشوائة البسيطة في بدايات الكون مهمة جدا، و ذلك لأنه لو كانت إحدي المناطق ذات كثافة أكبر من الأخرى بصورة بسيطة ، فقوة الجاذبية المصاحبة للزيادة في الكثافة سيقلل من سرعة التوسع في تلك المنطقة بالمقارنة بمحيطها. و بينما تعمل قوة الجاذبية بجذب جزيئات المادة {ذريا لبعضها البعض}، فهي ممكن أن تكون السبب في تحطيمها و من ثم تكوين المجرات و النجوم {بعد ذلك بفتره}، و التي ممكن أن تقود إلي تكوين الكواكب، و علي واحدة علي الأقل {كما نعلم} يكون هنالك بشر”٠

              و هنا يطلب منا المؤلف بأن نتأمل خارطة الميكرويف السماوي بدقة. لأنه يعطينا حسب رأيه ” الصورة البدائية للكون. فما نحن إلا نتاج التذبذب الكمي في البدايات الأولى لهذا الكون”٠

              ثم يسترسل المؤلف بالقول أن “في النظام الكوني، يجب أن لا يتبع الشخص تاريخ الكون من الأسفل-إلي-الأعلى و المبني علي إفتراض أن هنالك تاريخ واحد للكون. فمع وضع معرفتنا بنقطة البداية و من ثم النشوء و الإرتقاء {في الحسبان} عليه {الشخص} أن يتتبع أثر جميع التواريخ المحتملة من الأعلى-إلي-الأسفل، و من الوراء {حيث البداية} و حتى يصل للوقت الحالي. فبعض هذه التواريخ {أو المسارات الزمنية} يكون إحتمال حدوثها أكبر من غيرها، و لكن الجميع سيكون مسيدا بتاريخ واحد يبدأ مع خلق الكون و يتراكم لوضع معين . و سيكون هنالك تواريخ مختلفة لأوضاع محتملة مختلفة من الأكوان في الوقت الحالي”٠ مؤكدا أننا ” نحن من يخلق التاريخ بمشاهداتنا و ليس التاريخ هو من يخلقنا” فالمردود المهم في وسيلتنا بالنظر من الأعلى-إلي-الأسفل “هو {في كون} القوانين الظاهرة لنا من الطبيعة تعتمد علي تاريخ واحد للكون…والنظام الكوني يفرض علينا فكرة أن القوانين الظاهرة لنا تختلف بإختلاف تواريخها {لكل كون}…و بطريقة الأعلى-إلى-الأسفل نحن نقبل وجود الأكوان مع جميع الأبعاد المكانية التي تحتويها”٠

              و هذه النظرة في الواقع راديكالية لكل ما كنا نعرفه كأمور بديهية مستخدمين إحساساتنا و منطقنا الطبيعي. فنحن، كما يؤكد المؤلف ” نبدو و كأننا نمر في مرحلة حرجة من تاريخنا العلمي، و التي تفرض علينا أن نحسن توجيه أنظارنا للأهداف فيما يجب قبوله من النظريات الفيزيائية {المتعددة}…و قد لا يرضي ذلك غرورنا البشري بأن نكون متميزين {في كوننا خلقنا لنكون خلفاء للأرض و الكون مسير لنا} أو بأن نكتشف حزمة أنيقة تحتوي على جميع القوانين الطبيعية {في معادلة واحدة فقط }، و لكن ليس هكذا تعمل الطبيعة…و {بالتأكيد } فإن هنالك الأكوان التي يوجد عليها حياة مثلنا مع إحتمال كون وجودها نادر{ كما تبدو لنا}، و {لكننا مع ذلك} نحن نعيش علي إحداها التي تسمح بالحياة {أي سبب وجودنا فيه هو كوننا تطورنا بتطوره و تغيره، و ليس لأنه صنع خصيصا لراحتنا. و قد يكون هنالك حياة في أكوان أخرى تطورت حسب تطور قوانين الأكوان الأخرى و التي قد تكون مختلفة تماما}”٠

              و لكن مع ذلك يظل التساؤل بأنه، “لو كان الكون مختلف قليلا عما هو عليه ، لما كان لأمثالنا فرصة للحياة فيه”. فما هو سبب هذه الدقة في التعيير يا ترى؟ و هل هو دليل علي أن العالم أو الكون، مصمم بواسطة خالق قادر علي كل شيء {كما يؤكد البعض}؟ أم هل يعطي العلم تفسيرا آخر لذلك؟”٠

              أسئلة ينهي بها المؤلف هذا الفصل إليها المؤلف إذانا بالدخول في الفصل السابع
              قال يماني ال محمد الامام احمد الحسن (ع) ليرى أحدكم الله في كل شيء ، ومع كل شيء ، وبعد كل شيء ، وقبل كل شيء . حتى يعرف الله ، وينكشف عنه الغطاء ، فيرى الأشياء كلها بالله ، فلا تعد عندكم الآثار هي الدالة على المؤثر سبحانه ، بل هو الدال على الآثار

              Comment

              • نجمة الجدي
                مدير متابعة وتنشيط
                • 25-09-2008
                • 5278

                #8
                رد: كتاب “التصميم العظيم” ؛ مراجعة و ترجمة مختصرة - ستيفن هوكنج

                كتاب “التصميم العظيم” ؛ مراجعة و ترجمة مختصرة (٨)٠


                المهندسة رباب خاجه
                الحوار المتمدن-العدد: 3387 - 2011 / 6 / 5 - 00:40
                المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات



                كتاب من تأليف عالم الفيزياء النظرية المعروف ستيفن هوكنغ و الفزيائي ليونارد ملوديناو. نشر في عام (٢٠١٠) . تابع


                الفصل السابع: المعجزة الظاهرة {للعيان}٠

                في الفصل السابق تساءل المؤلف عن ما يجعل من كوكبنا المكان الإستثنائي المناسب للحياة فتجعله يبدو و كأن هنالك يد تدخلت لتصميمه خصيصا لخدمتنا بقوانين شديدة الدقة لدرجة أن التحييد عنها و لو بقيد أنمله قد يقلب جميع الموازين. و في هذا الفصل يبدأ ببيان الخصائص التي جعلت من نظامنا الشمسي نظام قابل للحياة على الأرض. و أول الخصائص الإستثنائية التي ذكرها هو كون نظامنا الشمسي ذو نجم أحادي (أي يحتوي على شمس واحد ) ، فلولا تمتع نظامنا الشمسي بهذه الميزة لما كانت هنالك فرصة للحياة أن تدب على وجه الأرض. أو كما قال بإسلوبه ” أي نظام شمسي ذو شموس متعددة ، لن يسمح، على الأرجح ، بتطور الحياة “. و السبب هو أن الكواكب التابعة له ” لن تستطيع الحفاظ على إنتظام درجات الحرارة {على سطوحها و خلال حركتها } على المدي الزمني البعيد ، و هذا كما يبدو لنا هو شرط من الشروط الضرورية {لقيام و إستمرار} الحياة ” . و لزيادة التوضيح يقوم المؤلف بضرب المثل بأبسط نظام للشموس المتعددة و هو النظام الثنائي أو الذي يحتوي على شمسين فيقول،” النظام الثنائي البسيط يستطيع أن يحافظ علي إستقرار أنواع معينة من المدارات {مختلفة عن النظام الأحادي}. و في كل واحدة من هذه المدارات سيكون هنالك علي الأغلب فترة {ما خلال دورته} يصبح فيه سطح الكوكب إما أشد حرارة أو أشد برودة من تلك التي تسمح بوجود الحياة. و الوضع يكون حتي أسوأ من ذلك في المجموعات الشمسية التي تحتوي علي نجوم عديدة {أي أكثر من إثنين } “٠

                ليس ذلك و حسب بل نظامنا الشمسي له خاصية أخري لا يمكن أن تتطور بدونها الحياة للكائنات الراقية على الأرض، كما يؤكد المؤلف، هذه الخاصية هي ” الدرجة التي ينطعج بها مدار الأرض البيضاوي {الإهليليجي } حول الشمس . أو ما يسمي رياضيا بالإكسنترستي أو درجة الإنطعاج Eccentricity و الإكسنترستي هو ما يمثل رياضيا برقم بين الصفر و الواحد؛ فكلما كانت درجة الإنطعاج تساوي رقما أقرب للصفر، كلما إقترب المدار إلي الشكل الدائري المثالي، {و في المقابل } كلما كانت درجة الإنطعاج تساوي رقما أقرب للواحد كلما صار المدار أكثر تفلطحا… و بما أن درجة إنطعاج المدار الأرضي هو فقط ٢ بالمئة تقريبا، فهذا يعني أن مداره حول الشمس هو تقريبا دائري. و كما تبين لنا، فهذه الخاصية تمثل ضربة حظ كبيرة …فعلى الكواكب ذات درجة إنطعاج كبيرة {مطعوجة بشدة} ، يلعب التغير الحاصل ببعد مسافات الكوكب عن الشمس { أثناء الدوران } دورا كبيرا {في التغير الكبير في درجات الحرارة على ذلك الكوكب حسب قربه أو بعده عن الشمس }…فالكواكب التي تتميز مداراتها بدرجات إنطعاج عالية {قريبة من واحد } لا تسمح بوجود الحياة فيها. و لذا فنحن محظوظون لكون درجة إنطعاج {مدار }الأرض {حول الشمس} أو الإكسنترستي لمدار الأرض قريب جدا من الصفر { أو يمثل شكلا قريبا من الشكل الدائري } “٠

                و لا تنتهي القضية هنا، بل ” الحظ ملازمنا أيضا في علاقة كتلة شمسنا مع بعد المسافة بيننا و بينه. و ذلك لكون كتلة النجم هي التي تحدد كمية الطاقة التي تصدر عنه…و لقد جري العرف أن يعرف العلماء الحيز القابل للحياة كالجزء الضيق حول النجم و التي تكون درجات الحرارة فيه مناسبة لتواجد الماء في الحالة السائلة بالحلقة الذهبية” أو Goldilocks zone و هذا الإسم في الواقع مستعار من قصة الأطفال ‘حلقة الذهب و الدببة الثلاث’ . فعندما تدخل ذات الشعر الذهبي إلى كوخ الدببة الثلاث و تستخدم أغراضهم في غيابهم فهي تقوم بإختيار الأنسب لها ، و كذلك هو هذا المجال حول الشمس”فتطور االأحياء الذكية تتطلب أن تكون درجات الحرارة {و في جميع المواسم} في ‘الحدود المناسبة فقط’ للحياة” كما يقول المؤلف.

                فما هي قصة هذه الحظوظ يا ترى؟

                يقول المؤلف أن نيوتن كان يعتقد أن السبب في كون نظامنا الشمسي غريب ( أو شاذ ) في نوعه هو كونه لم ” يخلق عشوائيا ( أو عبث ) بواسطة حزمة من القوانين الطبيعية” ، بل هو ” مخلوق من الله في البداية، و من ثم حافظ {الله عليه} حتي يومنا هذا { بواسطة تلك القوانين } و بنفس الوضع و الحالة” . و لكن المؤلف يختلف مع نيوتن في هذه النقطة الجدلية، فيقول بأن “تصميم عالمنا القابل لوجود الحياة فيه كان بالفعل سيكون محيرا إذا كان نظامنا الشمسي هو الوحيد من نوعه في الكون ( أو أنه شاذ ) ” ، و لكن الأمر ليس كذلك ، ” ففي عام ١٩٩٢ تم إستكشاف و من ثم الحصول على أول مشاهدة مؤكدة بوجود كوكب (آخر ) يدور حول نجم غير شمسنا {و مشابه للأرض بالخصائص } . و اليوم نحن نعرف عن وجود المئات من تلك الكواكب { و إن كنا لا نعرف حتي الآن عن وجود الحياة عليها بسبب بعدها عنا }” و لا يوجد لدي العلماء شك “بوجود عدد لانهائي من تلك الأنظمة { و التي تتمتع بنفس المواصفات الخاصة بنظامنا تقريبا} بين البلايين من النجوم في كوننا . و هذا ما يجعل عامل الصدفة أو التزامن {في وجود هذه الخصائض مجتمعة } في نظامنا الشمسي – أي وجود شمس واحد، و بعد مناسب للأرض عن الشمس و الكتلة الشمسية المناسبة – أقل دهشة بكثير ، و أقل إلزاما كدليل علي أن الأرض مصمم بعناية فقط من أجل إرضائنا كجنس بشري. فالكواكب و بجميع أشكالها {و مواصفاتها } هي موجودة بيننا. و بعضها- أو علي أقل تقدير ، واحدة منها { هي الأرض }- تسمح بالحياة عليها”. و من ثم يضيف بأن “وجودنا بحد ذاته يفرض قوانين تحدد من أين و في أي وقت يسمح لنا بمشاهدة الكون. أي أن، حقيقة وجودنا يفرض مواصفات نوعية البيئة التي نجد أنفسنا فيها. و هذا المبدأ له مصطلح علمي يسمى ‘مبدأ الأنثروبي الضعيف’٠ Weak Anthropic Principle
                فمعرفتنا بوجودنا – أو كوننا شهودا على وجودنا – هو ما يفرض القوانين التي يتم إختيارها ، من بين كل البيئات الإحتمالية، فقط تلك البيئات التي تتمتع بمواصفات تسمح بالحياة “٠

                و يؤكد المؤلف بأنه مع أن مبدأ الأنثروبي الضعيف أعلاه له وقع علي الأذن و كأنه من العلوم الفلسفية، ألا أنه ليس كذلك لأن “هذا المبدأ بالإمكان إستخدامه لعمل توقعات علمية ( أو للتأكد من قياسات معينة ). فعلى سبيل المثال، {نحن نستطيع أن نستخدمه بعملية حسابية لمعرفة } عمر الكون { بصورة تقريبية تمكننا التأكد من الحسابات الرياضية و القياسات الأخري التي نحصل عليها}”٠

                فعلي سبيل المثال “حتي يكون وجودنا ممكنا على سطح الأرض فلابد للكون أن يحتوي علي عناصر (معينة ) كالكربون … و الكربون عليه بالتالي أن ينتشر في الفضاء بواسطة إنفجارات السوبرنوفا Supernova Explosion و من ثم على الكربون أن ينكمش و يتجمع كجزء من كوكب علي مجموعة شمسية حديثة. و في عام ١٩٦١ جادل الفيزيائي روبرت دايك Robert Dicke بأن هذه العمليات تتطلب علي الأقل عشرة بلايين من السنين , و هذا يعني أن عمر الكون لايمكن أن يكون أقل من ذلك. و من ناحية أخري، لا يمكن أن يكون الكون أكبر من ذاك الرقم بكثير، لأنه في المستقبل البعيد ستستنفذ كل النجوم وقودها، و نحن بحاجة للنجوم المتوهجة لكي تستمر الحياة…و حسب البيانات الحالية لدينا، فالإنفجار الكبير حصل من قبل حوالي ١٣.٧ بليون سنة… و {هكذا } فالتنبؤات الأنثروبية في العادة تعطي مجال { تقريبي} للقيم و لا تحددها بدقة {و هذا يسمح لنا بالتأكد من حساباتنا الأكثر دقة}. فتقدير مدة وجودنا، قد لا يتطلب قياسات دقيقة لبعض الظواهر الطبيعة و التي غالبا ما تكون تعتمد علي المتغيرات التي لا تبتعد كثيرا مما نجدها {رياضيا أو بالقياس}. و علاوة علي ذلك فنحن نتوقع أن تكون الشروط الفعلية في عالمنا نموذجية و ضمن مجال شرعي مسموح به. فإذا كانت درجة الإنحراف المداري، علي سبيل المثال، هي ما بين ٠،٥ و صفر كشرط للسماح بوجود الحياة، فإن درجة إنحراف بمقدار ٠،١ لا يجب أن تدهشنا لأنه إحتمال وجود هذه الدرجة من الإنحراف بين كل الكواكب في الكون، و بنسب معقولة ، ليس غريبا. و لكن لو كان الأرض يتحرك في حركه تقريبا دائرية مطلقة، بإكسنترستي أو درجة إنحراف يساوي ٠،٠٠٠٠٠٠٠٠٠١ علي سبيل المثال، فهذا ما سيجعل الأرض بالفعل كوكب خاص جدا (أو شاذ كما ذكر نيوتن )، و { عندها } قد يحضنا ذلك الأمر علي محاولة تفسير سبب وجودنا في موقع بهذه الندرة “٠

                هذه الفكرة و التي تقول بأن الكون لم يخلق خصيصا لنا لها مصطلح علمي فلسفي يسمي ‘مبدأ ما دون المتوسط’ حسب المؤلف٠ The Principle of Mediocrity هذا مع العلم بأن “الصدف السعيدة التي ساهمت في تشكيل مدارات الكواكب، و كتلة الشمس، و بقية الفرص السعيدة {نعزوها للبيئة } و نسميها بيئية لأنها تقوم علي مبدأ السرنديبية”٠ Serendipity
                و هي في الواقع أحد الكلمات التي يصعب ترجمتها إلى أي لغة أخرى و لكن المؤلف عرفها " بالموهبة الطبيعية...لإكتشاف الأشياء من حولنا ، ليس من خلال ضربة حظ في قوانيننا الأساسية في الطبيعة {أو كما يقول البعض صدفة من غير وجود إحتمال لها في الأصل}. فعمر الكون هو أيضا عامل بيئي{زمني}، لأنه يوجد ما هو قبل و ما هو بعد في تاريخ كوننا، و لكننا نعيش في هذا {الحيز} من الزمن لأنه الحيز الوحيد الذي يسمح بالحياة { و ما دون ذلك سيتدمر بصوره طبيعية و منطقيا لن توجد لكي نضعها في حساباتنا}"

                و كان أحد أوائل من تعرف علي هذه الخاصية {للطبيعة} هو فريد هويل Fred Hoyle

                في عام ١٩٥٠ حيث ” إعتقد أن كل العناصر الكيميائية في الوجود كانت أساسا مشكلة من عنصر الهيدروجين، و أنها المادة الأساسية {في تكوين كل شيء}” مع العلم بأن هنالك أشكال مختلفة من ذرات الهيدروجين ، لها نفس عدد البروتونات و لكن عدد مختلف من النيوترونات تسمي أيسوتوب أو نظير الهيدروجين ٠
                Isotopes
                و كان ممكن أن يكون هنالك تطور لشكل من ” أشكال الحياة التي تتغذى على السيليكون و تحرك أذيالها بصورة رذمية { إيقاعية } دائرية في أحواض من الأمونيا أمرا ممكنا، و مع ذلك فذاك النوع من الكائنات الحية الغريبة النوع لا يمكنها أن تتطور من المكونات الأساسية، لأن تلك العناصر لا يمكنها أن تشكل إلا نوعين من المركبات المستقرة؛ هيدرات الليثيوم، و التي هي كريستالات صلبة لا لون لها، و هيدرات الغاز. و كلا {المركبين } لا يمكنهما أن يعاودا إنتاج نفسهما ، أو أن يتزاوجا {ليشكلا مركبات جديدة كما هو الحال مع الهيدروجين } ." و لكن في الحقيقة نحن" نوع من الأحياء الكربونية {نخضع لقوانين الكيمياء العضوية}، و هذا ما يجعل موضوع {أو سؤال : لماذا } الكربون و الذي يحتوي علي ستة بروتونات، و كذلك العناصر الثقيلة الأخري في أجسامنا” موضوعا دقيقا لكونه تحصيل حاصل و منطقي لأن هذه المواد بالأساس قابله للتطور و إعادة الإنتاج من مكوناتها الأساسية. فلننظر إذا كيف يتكون الكربون؟

                عندما “تنتهي دورة حياة النجم، فإنه ينفجر فيما يسمي بالسوبرنوفا، و ينشر الكربون و العناصر الثقيلة الأخري في الفضاء . و من ثم تتكثف هذه العناصر مع بعضها البعض مكونة كواكب جديدة . و تسمي عملية خلق الكربون بعملية الألفا الثلاثية The triple alpha process لأن العملية {الكيميائية لتكون الكربون } تتطلب إنصهار ثلاثة {جزيئات من نظائر الهليوم} مع بعض٠
                و في عام ١٩٥٢ توقع هويل أن يكون مجموع طاقة نواة عناصر البرليوم و الهيليوم مساويا لطاقة أيسوتوب من الكربون المتكون {في عملية الخلط} تحت ظرف معين . أو في الحالة التي تسمي حاله الرنين٠
                Resonance فهذا الظرف من شأنه أن يزيد من التفاعلات النووية. و عليه فالإنفجار بين هذه المواد و إعادة تكوينها لاحقا يصبح أمرا طبيعيا٠

                و للبحث عن مدى شرعية مبدأ الأنثروبي، قام الفيزيائيون في السنوات الأخيرة بطرح أسئلة من مثل: كيف كان سيكون الكون عليه إذا كانت القوانين الطبيعية مختلفة عن القوانين الحالية؟ و اليوم نحن بإستطاعتنا خلق نماذج آلية تخبرنا كيف تعتمد درجة تفاعل الآلفا الثلاثي علي قوة القوى الرئيسية للطبيعة. و هذه الحسابات تبين لنا أن أي تغيير في القوة النووية القوية، حتي لو كان بقدر ٠،٥ في المئة أو حتى ٤ في المئة تغييرفي القوة الكهربية، سيحطم إما كل الكربون أو كل الأكسجين في أي نجمة، و معه سينتهي إحتمال تواجد الحياة كما نعرفها. فالتغيير الطفيف في القوانين الخاصة بكوننا من شأنه أن يمحي شروط تواجدنا{في الأساس}." أي أن العملية مرتبطة كليا ببعض؛ شرط الوجود و وجود الشرط.

                و مع إختبار نماذج الأكوان التي وضعها الفيزيائيون عند إفتراض نظريات فيزيائية مختلفة " أصبح بإستطاعتنا أن ندرس تأثير هذا التغيير علي القانون الطبيعي بطريقة نمطية. و لقد بينت لنا{ هذه الدراسات} أنه ليس فقط قوة القوى النووية القوية في الطبيعة و القوي الكهرومغناطيسية هي التي تحسم وجودنا في الكون بل أن معظم الثوابت الأساسية تبدو و كأنها معيرة بدقة لدرجة أنه إذا حصل عليها تغيير طفيف، فهذا من شأنه أن يعمل تغييرات مرادفة كبيرة في الكمية، و في حالات كثيرة تجعلها غير مناسبة للحياة٠"

                فلو نظرنا مثلا للجاذبية، "فحسب قوانين الجاذبية، لا يستقر المدار الإهليجي إلا في عالم الأبعاد المكانية الثلاثة {الذي هو عالمنا}. فالمدارات الدائرية ممكنه في العوالم ذات الأبعاد الأخري، و لكنها، كما تخوف نيوتن ، غير مستقرة. و على هذا الأساس فالقواني الطبيعية {جميعها}تشكل نظاما {مترابط} دقيق المعيار، و قليل جدا من القوانين الفيزيائية ممكن أن تتغير دون أن تحطم إحتمال الحياة كما نعرفها. فلولا حدوث مجموعة من المصادفات المثيرة و بالتفاصيل الدقيقة للقانون الفيزيائي، كما يبدو، ما كان للإنسان و غيره من الكائنات الحية أن يتواجد٠
                و أكثر الصدف التي تبدو أنها معيرة بصورة مذهلة الدقة تخص ما يسمى بثابت النظام الكوني Cosmological constant المطروح في المعادلات النسبية العامة لآينشتاين. فكما ذكرنا، في عام ١٩١٥، عندما صاغ آينشتاين النظرية، فإنه كان يعتقد أن الكون ساكن مستقر، أي أنه ليس في حالة إتساع أو إنكماش. و لكن بما أن كل المواد فيه تجذب إليه المواد الأخري، فهو {كان مضطر} أن يدخل في نظريته قوة جديدة عاكسة لهذه الجاذبية {ليبرر هذا الإستقرار} سماها Anti-gravity force أو مضاد الجاذبية ، ليمنع قابلية الكون بتحطيم نفسه {بسبب الجاذبية الموجودة}. هذه القوة {مضاد الجاذبية}، على عكس القوى الآخرى، لم تأتي من أي منبع معين{أو قياس في الطبيعة}، و لكنها كانت مبنية في نسيج الزمكان {الذي إقترحه آينشتاين }. و {مضطلح} الثابت الكوني يشرح قوة هذه القوى٠

                و في عام ١٩٩٨ بينت المشاهدات للسوبرنوفا في المسافات البعيدة جدا عنا أن الكون في حالة إتساع بدرجات متسارعة {كما ذكرنا سابقا }، و حيث أن هذه العملية غير ممكنة إذا لم يكن هنالك نوع من القوى المضادة {للجاذبية} تعمل علي مستوي كل الفضاء. فتم إرجاع الثابت الكوني {لآينشتاين} بعد إستبعاده. و حيث إننا نعلم اليوم أن قيمة هذا الثابت لا يمكن أن يكون صفرا {بأي حال من الأحوال}، فالسؤال التالي يضل مشروعا: لماذا يجب أن يكون الثابت بهذه القيمة {و ليس غيرها}؟٠

                هنالك شيء واحد أكيد و هو أنه لو كانت قيمة الثابت الكوني أكبر بكثير من ما هو عليه، لإنفجر كوننا إلي قطع عديدة قبل أن يتم السماح للمجرات بالتكون، و - مره أخري - الحياة كما نعرفها كانت ستكون مستحيلة التواجد٠

                فماذا عسانا أن نفعل بكل هذه الصدف { و الحظوظ السعيدة }؟

                إن ‘عامل’ الحظ بالشكل و الطبيعة الدقيقة لأساسيات القانون الفيزيائي هو نوع مختلف عن الحظ الذي نجده في عوامل البيئة. فالمسألة لا يمكن أن تفسر بسهولة، و لها دلالات فيزيائية و فلسفية أعمق بكثير من {قول مجرد حظ أو صدفة كما يردد بعض السطحيين كالداعية محمد العوضي و غيره مع أنهم لا يلامون على ذلك}. فكوننا و قوانينه يبدو لنا و كأنه تم تصميمه بالصورة التفصيلية للحفاظ علينا”٠
                و لكن “دقة التعيير ممكن أن يفسر { إو يدحض } بوجود الأكوان المختلفة. فالكثيرين نسبوا إلي الله جمال و تعقيد الطبيعة و التي كانت تبدو لهم في أزمانهم محيرة لعدم وجود تفاسير علمية لها. و لكن كما قام كل من دارون و واليس بشرح كيف أن ما يبدو للناظرين أنه معجزة في تصميم الأشياء الحية {المعقدة} ممكن أن يكون بدون التدخل {القدسي} الخارق { أي أن التعقيد يتطور من البساطة و ليس العكس } . ففكرة الأكوان المتعددة ممكن أن تفسر موضوع التعيير الدقيق للقانون الفيزيائي دون الحاجة لخالق قادر علي كل شيء و الذي { قام إفتراضيا } بصنع الكون من أجل أن يكون في خدمتنا”٠أي بزيادة الفرص و الإحتمالات عندما نفكر بالمستوى الكوني الكبير فالإحتمالات المتناهية في الصغر هي إحتمالات وارده.

                و من الطريف أن “آينشتاين سأل مساعده إرنست سترواس مرة هذا السؤال: ‘ هل كان الله يملك الإختيار عندما خلق الكون؟’ كما أنه في أواخر القرن السادس عشر كان كيبلر مقتنعا بأن الله خلق الكون حسب بعض العمليات الحسابية المثالية. و نيوتن بين أن نفس القوانين التي تطبق في السماوات، تطبق علي الأرض، و طور معادلات رياضية ليعبر عن هذه القوانين و التي كانت جدا أنيقة لدرجة أنها تقريبا ألهمت حرارة دينية بين الكثيرين من علماء القرن الثامن عشر و الذين بدوا أنهم مصممين علي إستخدامها لبيان أن الله كان رياضيا”٠

                و هنا ينهي المؤلف هذا الفصل بإعطاء نبذة مختصرة لما ذكره في السابق فيقول أنه “منذ عهد نيوتن و خصوصا بعد أينشتاين، أصبح هدف الفيزيائيين هو إيجاد مباديء رياضية بسيطة من النوع الذي تصوره كيبلر، و مع هذه المباديء أرادوا أن يخلقوا نظرية موحدة لكل شيء و يدخلوا في حساباتها كل تفاصيل المواد و القوى التي نشاهدها في الطبيعة. و في الجزء الأخير من القرن التاسع عشر و الجزء الأول من القرن العشرين أوجد آينشتاين و ماكسويل نظريات الكهرباء و المغناطيسية و الضوء. و في عام ١٩٧٠ تم عمل النموذج النمطي، و هي النظرية الموحدة للقوى النووية القوية و الضعيفة، و قوي الكهرومغناطيسية. ثم أتي بعد ذلك كل من نظرية الوتر و نظرية- م - في محاولة لإحتواء القوى المتبقية؛ أي الجاذبية. الهدف لم يكن فقط إيجاد نظرية واحدة تفسر كل القوى بل أيضا كان لإيجاد تلك النظرية التي تفسر الأرقام الأساسية {أو الثوابت } التي تحدثنا عنها، مثل قوة هذه القوى و الكتل و شحنات العناصر الأساسية { و هكذا}. و كما قال آينشتاين، الحلم أو الأمل كان أن نكون قادرين علي أن نقول أن ‘ الطبيعة مشكلة بصورة تكون فيها القوانين قوية النفوذ بحيث تسمح فقط للثوابت المنطقية و المقررة بالكامل أن تظهر ( أي ليست كالثوابت التي ممكن أن تتغير قيمها الرقمية دون أن تتحطم النظرية )’ فالنظرية النادرة ستكون من غير المحتمل أن يكون لها التعيير الدقيق الذي يسمح لنا بالوجود. و لكن إذا فسرنا حلم آينشتاين في ضوء التطورات الجديدة {في العلوم} بأن تكون تلك النظرية النادرة التي تفسر هذا الكون و الأكوان الأخرى، مع كل المجاميع المختلفة من قوانينها، فعندئذ، نظرية م ممكن أن تكون تلك النظرية.

                و لكن هل نظرية م فريدة، أو هي المطلوبة بطريقة أي مبدأ أو منطق بسيط؟ و هل بإستطاعتنا أن نجيب علي هذا السؤال: لماذا نظرية م؟
                يتبع
                قال يماني ال محمد الامام احمد الحسن (ع) ليرى أحدكم الله في كل شيء ، ومع كل شيء ، وبعد كل شيء ، وقبل كل شيء . حتى يعرف الله ، وينكشف عنه الغطاء ، فيرى الأشياء كلها بالله ، فلا تعد عندكم الآثار هي الدالة على المؤثر سبحانه ، بل هو الدال على الآثار

                Comment

                • نجمة الجدي
                  مدير متابعة وتنشيط
                  • 25-09-2008
                  • 5278

                  #9
                  رد: كتاب “التصميم العظيم” ؛ مراجعة و ترجمة مختصرة - ستيفن هوكنج

                  كتاب “التصميم العظيم” ؛ مراجعة و ترجمة مختصرة (٩)


                  رباب خاجة
                  الحوار المتمدن-العدد: 3711 - 2012 / 4 / 28 - 02:24
                  المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات



                  الفصل الثامن: التصميم العظيم


                  في هذا الفصل و هو الأخير يلخص المؤلف كل ما قام بشرحه بالتفصيل في الفصول الماضيه و يستعرض الخلاصة و الهدف في نشر الكتاب فيقول

                  “في هذا الكتاب قمنا بعرض كيف يمكن للحركة الإعتيادية للأجسام الهائلة، كالشمس و القمر و الكواكب أن تكون محكومة بقوانين ثابتة بدلا من كونها خاضعة للأهواء و النزوات الإعتباطية للآلهة و الشياطين. ففي البداية ظهرت هذه القوانين في علم الفلك أو التنجيم ، و الذي كان يعتبر وقتها نفس الشيء تقريبا *. فتصرف الظواهر الطبيعة علي سطح الأرض معقد للغاية و خاضع لعدة مؤثرات {متداخلة} لدرجة أنها { أذهلت الإنسان في } الحضارات القديمة فلم يستطع أن يصيغ لها أية قوالب فكرية واضحة أو قوانين {تنظيمية } ممكن أن تخضع لها. و لكن و بالتدريج { و خصوصا بعد تكرار حدوث الظواهر تحت ظروف نمطية } تم إكتشاف قوانين جديدة في نواحي {أخري من الحياة } مختلفة عن علم الفلك، و هذا ما قاد إلي { بروز } فكرة الحتمية العلمية: و التي تقول أنه لابد من وجود مجموعة متكاملة من القوانين {الإبتدائية } التي حددت كيف ممكن أن يتطور { أو يرتقي } الكون {على المدى البعيد },بحيث يمكن معرفة {أو تنبؤ} هذه الصورة، أو هذا التطور، من زمن يتم تحديد ظرفه الأساسي فيه. و حتى يتحقق ذلك فإنه يشترط على هذه القوانين أن تكون { صارمة في طبيعتها، أي } قابلة للتطبيق في أي مكان و أي زمان {دون إستثناء} ؛ {فمنطقيا } إذا لم تكن صارمة فهي ليست قوانين . فلا يجوز أن يكون هنالك إستثناءات لهذه القوانين و لا معجزات. {أي أن الحتمية العلمية تفرض علينا شرط بأن } الآلهة و الشياطين لا يجب أن تتدخل في إدارة الكون {أو بمعني آخر لا يجوز خلط العلوم الفيزيائية بالغيبيات}٠

                  ففي الوقت الذي ظهرت فيه فكرة الحتمية العلمية لأول مرة في التاريخ، كانت قوانين نيوتن للحركة و الجاذبية هي القوانين الوحيدة المعروفة. و لقد شرحنا{في الحلقات السابقة} كيف قام آينشتاين بتمديد و تطوير هذه القوانين بقوانين قدمها في نظريته النسبية العامة، و كيف تم إكتشاف قوانين أخري و التي تتحكم في شئون أخري في الكون٠

                  فقوانين الطبيعة يجب أن {تفسر لنا} كيف تتصرف الطبيعة و لماذا.و لقد قمنا بطرحها في بداية هذا الكتاب و نلخصها في الآتي:

                  لماذا يوجد شيء من لاشيء؟

                  لماذا نحن بالأساس موجودين؟

                  لماذا تتحكم مجموعة القوانين هذه بالذات بعالمنا دون غيرها؟

                  و من المنطقي { أيضا } أن نتساءل من خلق الكون ، أو ما هو الشيء الذي خلق الكون . فإذا كانت الإجابة بأن ‘الله ‘ هو من خلق الكون، فهذه الإجابة تستدرج سؤال آخر هو: من خلق الله . و من هذا المنظور يصبح مقبولا لدينا أن نفترض أن هنالك كائن ما موجود بدون خلق، و أن هذا الكائن إسمه الله .

                  و هكذا ندخل في نقاش عقيم ، فهذا النقاش أزلي و له إصطلاح في علم الفلسفة بإسم ” السببية الأولية لوجود الله ” . أي أنه سيضيع الموضوع و نبتعد عن الحتمية العلمية التي ننشدها. و لكن المؤلف يدعي حسب ما جاء على لسانه ” بأنه من الممكن الإجابة علي هذه الأسئلة ضمن النطاق العلمي فقط و دون الحاجة إلي تدخل الكائن القدسي “٠

                  فحسب فكرة الحتمية المعتمدة علي النموذج و الذي ذكرت شرحه في الفصول السابقة من هذ الحلقات و عرفها المؤلف بأن ” أدمغتنا تفسر المدخلات الملتقطة من أجهزتنا الحسية بعمل شكل أو نموذج للعالم الخارجي.” و عليه فقوانيننا هي خاصة بنا و بعالمنا ، أو بصورة أدق كما جاء علي لسان المؤلف أن “النموذج الجيد من البناء يخلق واقع خاص به هو فقط ” . فإن كانت هنالك قوانين خارج نطاق إستيعابنا فهي غير مهمة لأنها بالنسبة لنا على الآقل غير موجوده. أما خلق الكون فيقول المؤلف بما معناه أنه قد يكون فيزيائيا بدأ من قوانين بسيطة جدا و لكنها مع الوقت تطورت و تداخلت مع القوانين الكيميائية لتصبح أكثر تعقيدا و تظهر بصورة ذكية .

                  و ليشرح ما يقصده في االفقرة السابقة يضرب المؤلف لنا مثال بإستخدام لعبة تسمى "لعبة الحياة". فهذه اللعبة و التي تم إختراعها في سنة ١٩٧٠ من قبل عالم في الرياضيات، إسمه جون كونواي, كان الهدف منه الإجابة علي أسئلة من مثل: هل الإنسان مسير أم مخير؟ أو هل من الممكن أن تتطور القوانين و تتعقد مع تغير الظروف٠

                  هذه اللعبة الكمبيوترية هي عبارة عن عده مربعات صغيرة متجاورة في البعد الثنائي- طول و عرض – تشبه إلى حد ما طاولة الشطرنج و لكن لا يوجد لها حدود معينة. أي أنها ممكن تكبر إلى مالانهاية. تبدأ هذه المربعات بوضع بسيط معين في زمن معين بشروط و قوانين محددة -إبتدائية بسيطة – و من ثم تتطور و بالتدريج كما تتطور قوانينها إلي قوانين أعقد لتصل للبرنامج المراد التوصل من خلاله إلي نموذج معين يتكرر حدوثه, ليس على مستوى المربعات الصغيرة و حسب بل على المستوي العام و بصورة أكثر شمولية. و هي بذلك تشبه كثيرا قوانين عالمنا الفيزيائية, كقوانين الدحرجة مثلا و قوانين أخرى بنينا عليها الأساسيات التطبيقية في حياتنا كأجهزة الكمبيوتر الذكية حسب المؤلف. ليس هذا و حسب بل تم إختبار هذه اللعبة من قبل كونواي و طلبتة بإضافة عامل خارجي علي النموذج الأصلي لمشاهدة كيفية تطوره لتكوين خلق ذكي نسبيا و ذلك بإحتفاظ المربع الواحد بتاريخ لكل البرمجة السابقة-هذا يشبه عمل الخلية في الإنسان. كما بينت المحاولات حسب ما جاْ على لسان المؤلف " بأنه حتي المجموعة البسيطة من القوانين {في بداية اللعبة} يمكن أن تنتج صفات معقدة تشبه {خلق} الحياة الذكية في الكون الفيزيائي ” . فأهم شيء في هذا الكون هو وجود هذه القوانين الإبتدائية. أما الأخري الأكثر تعقيدا فهي التي تطورت عنها.

                  و لكن على أي أساس تم إختيار القوانين الإبتدائية المتحكمة في بدايات كوننا؟

                  فمثل كون كونواي, حيث قمنا نحن بوضع هذه القوانين في صيغة برنامج، "فالقوانين في عالمنا ممكن أن تحدد إتجاه تطور النظام الكوني المستقبلي إذا عرفنا حالة هذا النظام بأي وقت معين".

                  و لكن في عالم كونواي نحن من يخلق القوانين, أي نحن نختار الوضع الأولي للكون و ذلك بتحديد المواد و أماكنها في بداية اللعبة.

                  لكن من يضع القوانين الإبتدائية للكون الفيزيائي أو البرنامج الأساسي و الذي يتطور بعده الكون الفيزيائي ليغدو كما هو الآن متميزا بالذكاء الطبيعي المعقد؟


                  يقول المؤلف “نحن نعلم أن أي مجموعة من القوانين و التي تفسر عالم مستقر كما هو عالمنا لابد أن تدخل فيه فكرة الطاقة، و على هذه الطاقة أن تكون كمية و محافظة علي نفسها من الفناء، أي أنها لا تتغير مع الزمن. فالطاقة في الفضاء الخالي {الفراغ} يجب أن تكون ثابتة، و لا تتغير بتغير الزمان والمكان ، و كذلك هنالك شرط واحد يجب أن يلتزم به أي قانون فيزيائي {ليتم الإستقرار } و هو أن الطاقة للأجسام المعزولة و المحاطة بالفضاء الفارغ يجب أن تكون موجبة لتتجاذب جزيئاتها مع نفسها...و هذا يعني أنه لابد من بذل شغل لكي يتم بناء هذا الجسم المعزول لأنه لو كانت طاقة الجسم المعزول سالبة، فهذا قد يعمل علي تحريك جزيئاته لكي يتعادل طاقتة السالبة بطاقة موجبة يحدثها حركتة في الفلك... و إن كان خلق الأجسام المستقرة يكلف طاقه، فعدم الإستقرار يجب أن لا يحدث لأنه و كما ذكرنا، طاقة الفضاء الفارغ يجب أن يظل ثابت...
                  وإذا كان المجموع الكلي {الجبري} للطاقة الكونية مقيد بالثبوت علي الصفر في الفضاء {من أجل الإستقرار}، و إذا كان خلق الأجسام يكلف بذل شغل أو طاقة،... هذا هو السبب في أنه لابد أن يكون هنالك قانون مثل قانون الجاذبية...، و طاقة الجاذبية طاقة سالبة: ذلك يعني أن علينا أن نبذل شغلا لفصل الأجسام عن بعضها البعض، مثل فصل القمر عند الدوران حول الأرض. و هذه الطاقة السالبة بإستطاعتها أن تعادل الطاقة الموجبة التي تتطلبها خلق المواد{تماسكها}. فالجاذبية هي التي تشكل المكان و الزمان، وهي التي تسمح للزمكان أن يكون محليا مستقر و كونيا غير مستقر. ففي المقاييس الكونية، الطاقة الموجبة المصاحبة للمواد ممكن أن تتعادل مع الطاقة السالبة للجاذبية،{ فتموت نجوم و تحيا أخرى}، و لذا فلا يوجد مانع من خلق الكون بأكمله{بوجود هذه الطاقة}.

                  و لأنه يوجد قانون للجاذبية، فالكون يستطيع، بل و يقوم بخلق نفسه من لاشيء بالصورة { الكمية في بداياته} ”و التي تم شرحها في الفصل السادس٠

                  الخلاصة أن ” الخلق العشوائي هو السبب وراء كون أن هنالك شيء من لاشيء، و {هو الجواب للسؤال الذي يقول }لماذا يوجد كون، و {الجواب للسؤال عن } سبب وجودنا . فلا يوجد هنالك حاجة لإلاه كي يشغل { المفتاح الرئيسي} ليبديء عمل الكون و يتركه ليستكمل طريقه” بل هذا من طبيعة الكون الفيزيائي حسب الحتمية العلمية، و عليه فأهمية إيجاد النظرية الكلية هي بمثابة معرفة القوانين الإبتدائية في لعبة الحياة، و ” النظرية الكلية {التي ننشدها } يجب أن تكون متكاملة و شاملة و قادرة على أن تتنبأ بنتائج نهائية لقيم يمكننا قياسها {للتأكد منها } . فلقد رأينا أنه يجب أن يكون هنالك قانون كالجاذبية {مد و جذب } ، و رأينا في الفصل الخامس بأنه حتي تكون نظرية الجاذبية قادرة علي عمل تنبؤات لقيم نهائية، فهي وجب عليها أن تمثل بصورة ما سميناه بالسوبرسيمتري أو التناظر الخارق لنظرية الجاذبية. و لهذه الأسباب فإن نظرية-م {و التي تشملها } هي النظرية الوحيدة المرشحة لإعطاء {الصورة الصحيحة } للنظرية الكلية للكون. فإن كانت {نظرية م } نهائية- و هذا ما يجب على العلماء إثباته – فستكون هي النموذج {المثالي} للكون الذي يخلق نفسه بنفسه. و {نخلق نحن} كجزء منه لأنه { و حتي هذه اللحظة} لا توجد نظرية متكاملة مثل هذا النموذج” أو بالأحرى لا يوجد لها منافس بالقوة٠

                  فنظرية ‘م ‘ هي “النظرية الموحدة التي كان آينشتين يتمني أن يجدها {حاول حتي الساعات الآخيرة من حياته علي فراش الموت}. و حقيقة كوننا كبشر- و الذي نعتبر مجرد مجموعة من المواد الأساسية في الطبيعة- قد أتينا إلي هذا القرب من فهم القوانين التي تتحكم فينا و في كوننا ليس فقط هو النصر العظيم للبشرية. و لكنه أيضا هو المعجزة الحقيقية في كون الفرضيات التجريدية للمنطق قادتنا إلي نظرية فريدة من نوعها تقوم بالتنبؤ و تفسر الكون الكبير الملييء بالأشياء المدهشة العديدة التي نراها. فإذا تم التأكيد علي هذه النظرية بالمشاهدة المستقبلية، فإن هذا سيكون هو بمثابة النتيجة الناجحة لبحث بشري بدأ منذ أكثر من ٣،٠٠٠ سنة. و نكون {بالفعل} وجدنا ذلك التصميم العظيم٠

                  *كان بداية الفصل بين علم الفلك الفيزيائي و التنجيم الميتافيزيقي في عهد الدولة العباسية حسب جون فريلي في كتابه” مصباح علاء الدين ” .
                  قال يماني ال محمد الامام احمد الحسن (ع) ليرى أحدكم الله في كل شيء ، ومع كل شيء ، وبعد كل شيء ، وقبل كل شيء . حتى يعرف الله ، وينكشف عنه الغطاء ، فيرى الأشياء كلها بالله ، فلا تعد عندكم الآثار هي الدالة على المؤثر سبحانه ، بل هو الدال على الآثار

                  Comment

                  Working...
                  X
                  😀
                  🥰
                  🤢
                  😎
                  😡
                  👍
                  👎