إعـــــــلان

Collapse
No announcement yet.

ادلة الدعوة : كتاب جامع الأدلة ـــ دكتور عبد الرزاق الديراوي

Collapse
This topic is closed.
X
X
 
  • Filter
  • الوقت
  • Show
Clear All
new posts
  • هيئة الاشراف العلمي للحوزة
    هيئة الاشراف العلمي العام على الحوزات المهدوية
    • 07-02-2012
    • 74

    ادلة الدعوة : كتاب جامع الأدلة ـــ دكتور عبد الرزاق الديراوي

    بسم الله الرحمن الرحيم
    والحمد لله رب العالمين
    وصلى الله على محمد وآل محمد الائمة والمهديين وسلم تسليما كثيرا

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    دروس مادة

    ادلة الدعوة : كتاب جامع الأدلة ـــ دكتور عبد الرزاق الديراوي

    كتاب جامع الادلة
  • ya fatema
    مدير متابعة وتنشيط
    • 24-04-2010
    • 1738

    #2
    رد: ادلة الدعوة : كتاب جامع الأدلة ـــ دكتور عبد الرزاق الديراوي

    بسم الله الرحمن الرحيم
    اللهم صل على محمد وآل محمد الائمة والمهديين وسلم تسليما
    الدرس الاول:
    قراءة في توقيع السمري
    التسجيل الصوتي للمحاضرة ــ للاستماع والتحميل اضغط هنا

    لنقرأ اولا هذا التوقيع:
    كما رواه الشيخ الصدوق في كمال الدين وتمام النعمة - ص 515 - 516
    44 - حدثنا أبو محمد الحسن بن أحمد المكتب قال : كنت بمدينة السلام في السنة التي توفي فيها الشيخ علي بن محمد السمري - قدس الله روحه - فحضرته قبل وفاته بأيام فأخرج إلى الناس توقيعا نسخته : " بسم الله الرحمن الرحيم يا علي بن محمد السمري أعظم الله أجر إخوانك فيك فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام فاجمع أمرك ولا توص إلى أحد يقوم مقامك بعد وفاتك ، فقد وقعت الغيبة الثانية فلا ظهور إلا بعد إذن الله عز وجل وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلوب ، وامتلاء الأرض جورا ، وسيأتي شيعتي من يدعي المشاهدة ، ألا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كاذب مفتر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . قال : فنسخنا هذا التوقيع وخرجنا من عنده ، فلما كان اليوم السادس عدنا إليه وهو يجود بنفسه ، فقيل له : من وصيك من بعدك ؟ فقال : لله أمر هو بالغه . ومضى رضي الله عنه ، فهذا آخر كلام سمع منه .
    هذا التوقيع قد اتخذه البعض عكازا يتوكأ عليه.
    فالمعاندون ، بعد ان عجزوا وأعيتهم الحيلة أمام أدلة الدعوة، تشبثوا بهذا التوقيع كما يتشبث الغريق بقشة ، في محاولة التفاف فاشلة على أدلة الدعوة الهدف منها ليس النقض على الدعوة ، فهم يعرفون تماماً أن التوقيع لا يحقق غرضهم ، وإنما لإحاطة الحديث عن الدعوة الشريفة بسياج من الشبهات والإثارات النفسية لإبعاد الناس عنها ودق إسفين بينهم وبينها .أما كيف يعرفون أن التوقيع لا يحقق غرضهم فلأن موضوع النزاع وهو مسالة السفارة موضوع عقائدي ومثل هذا الموضوع لا يمكن البت فيه بسلب او ايجاب بحسب مبانيهم وقواعدهم الفكرية الا اذا دل دليل قطعي الدلالة والصدور عليه سلبا او ايجابا.
    والدليل القطعي بحسبهم هو الاية المحكمة او الحديث المتواتر قطعي الدلالة، ومن الواضح ان توقيع السمري في احسن احواله خبر احاد متشابه الدلالة، لا يمكن ان تبنى العقائد عليه.
    قال السيد المرتضى: ((اعلم أن الصحيح أن خبر الواحد لا يوجب علما، وإنما يقتضي غلبة الظن بصدقه إذا كان عدلاً)).
    وقال الشيخ الطوسي: ((والذي أذهب إليه: إن خبر الواحد لا يوجب العلم، وانه كان يجوز أن ترد العبادة بالعمل به عقلا وقد ورد جواز العمل به في الشرع ..)).
    وقال السيد الخوئي: ((خبر الواحد لا يفيد العلم)).
    وقال الشيخ جعفر السبحاني: ((وهناك أمر ثانٍ نلفت إليه نظر القارئ، وهو الفرق الواضح بين العقيدة والأحكام الشرعية العملية، فإن المطلوب في الأولى هو الاعتقاد الجازم، ومن المعلوم أنّ الإذعان بشيء متوقف على ثبوت مقدمات بديهية أو نظرية منتهية إليه حتى يستتبعها اليقين والإذعان، وهذا بخلاف الأحكام الشرعية، فإن المطلوب فيها هو العمل وتطبيقها في مجالات الحياة، ولا تتوقف على القطع بصدورها عن الشارع، وهذا الفرق بين العقائد والأحكام يجرنا إلى التأكد من صحة الدليل وإتقانه أو ضعفه وبطلانه في مجال العقائد أكثر من الأحكام، ولذلك نرى أئمة الفقه يعملون بأخبار الآحاد في مجال الأحكام والفروع العملية ولا يشترطون إفادتها القطع أو اليقين، وهذا بخلاف العقائد التي يفترض فيها اطمئنان القلب ورسوخ الفكرة في القلب والنفس، فيرفضون خبر الآحاد في ذلك المجال ويشترطون تواتر النص أو استفاضته إلى حد يورث العلم)).
    هذا اذا كان خبر الآحاد صحيحا فما بالك اذا كان ضعيف بحسب مبانيهم؟
    فالتوقيع بحسب مباني علم الرجال التي يعتمدونها ضعيف لان فيه الحسن بن احمد المكتب او احمد بن الحسن المكتب لانهم حتى الاسم مختلفين فيه وسبب الضعف برأيهم هو ان هذا الشخص لم يرد فيه توثيق أي لانه مجهول، قال:
    مستدركات علم رجال الحديث - الشيخ علي النمازي الشاهرودي - ج 2 - ص 348
    3362 - الحسن بن أحمد المكتب ، أبو محمد : لم يذكروه . روى عنه الصدوق في ك باب 45 حديث حضوره عند علي ابن محمد السمري قبل وفاته بأيام ، واخراجه توقيع الامام يخبره بموته ، وعدم ايصائه إلى أحد وغيره .
    وقال كذلك مستدركات علم رجال الحديث - الشيخ علي النمازي الشاهرودي - ج 1 - ص 279
    . 810 - أحمد بن الحسن بن أحمد الكاتب أبو محمد : لم يذكروه . وقد حضر عند علي بن محمد السمري قبل وفاته بأيام ، فأخرج إليه توقيع صاحب الأمر ( صلوات الله عليه ) وفيه الإخبار بموته والأمر بترك الإيصاء إلى أحد .
    وغير علة الضعف لجهالة الحسن بن احمد او احمد بن الحسن المكتب فقد رماه الشيخ الطبرسي بعلة اخرى هي الارسال، قال: ( روى الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة عن الحسن بن أحمد المكتب والطبرسي في الاحتجاج مرسلا أنه خرج التوقيع إلى أبي الحسن السمري ... ثم ساق التوقيع). وقال كذلك: (أنه خبر واحد مرسل ، غير موجب علما) ورد كلامه في جنة المأوى المطبوع مع بحار الأنوار : ج 53 ص318-325.
    اذن كان عليهم بحسب مبانيهم التي نلزمهم بها ان لا يعتمدوا هذا التوقيع في التأسيس لعقيدة انتفاء السفارة في الغيبة الكبرى، ولكنهم لما اعيتهم الحيلة واحوجهم الدليل ركبوا كل عرجاء وللأسف.
    هذا على مستوى الصدور اما على مستوى الدلالة فلننظر في كلمات بعض أهم من تحدثوا عن التوقيع الشريف لنرى كيف يستدلون به وعلى أي شيء يستدلون ونرى مقدار التضارب الحاصل في أفهامهم مما يعزز ما سبق أن أشرنا إليه من تشابه التوقيع.
    اننا نناقش التوقيع من باب التنزل لا اكثر فقضيتنا كما هو معلوم ليست قضية سفارة على نحو السفارة في زمن الغيبة الصغرى فالسيد احمد الحسن ع وصي من اوصياء رسول الله ص منصوص عليه في وصية رسول الله ص في ليلة الوفاة وفي روايات اخرى. وذكرنا ان توقيع السمري خبر احاد لا يصلح لا يصلح لئن تؤسس عليه عقيدة انتفاء السفارة في الغيبة الكبرى، باعتبار ان العقائد لا بد فيها من القطع واليقين وهو ما يتحقق بالخبر المتواتر بحسب مباني الاصوليين، بل ثبت لدينا ان التوقيع خبر احاد ضعيف لجهالة ابن المكتب الذي اختلفوا حتى في ضبط اسمه والارسال الذي رماه به الميرزا النوري.
    اليوم نتحدث عن جانب اخر من جوانب المناقشة وهو اثبات ان التوقيع متشابه الدلالة وبالتالي لا يصح بناء عقيدة عليه فالعقيدة كما ذكرنا فيما قراناه من كلمات العلماء في الحلقة السابقة لابد فيها من القطع واليقين والمتشابه هو المتعدد الدلالة أي ان له اكثر من معنى وبالتالي لا يمكن القطع واليقين بمعنى دون معنى منها.
    سنقرا كلمات بعض العلماء في التوقيع الشريف لنخلص منها الى انهم فهموه على اكثر من وجه او معنى، وكما يلي:
    يعلق العلامة المجلسي بعد أن ينقل التوقيع الشريف قائلاً :
    ( بيان : لعله محمول على من يدعي المشاهدة مع النيابة وإيصال الأخبار من جانبه عليه السلام إلى الشيعة ، على مثال السفراء لئلا ينافي الأخبار التي مضت وستأتي فيمن رآه عليه السلام والله يعلم ).
    وقوله : ( لعله ...الخ ) واضح في أنه يحتمل هذا المعنى احتمالاً ولا يقطع به ، وواضح أيضاً إنه إنما ذهب هذا المذهب هروباً مما اعتبره تعارضاً بين مفاد التوقيع الذي ينفي المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة وما دلت عليه الأخبار من حصول المشاهدة لأناس كثيرين جداً. والعلامة المجلسي اول من تكلم بهذا المعنى وكلمته كما ترون لم يكن يريد بها الجزم او القطع بان مفاد التوقيع هو هذا بل اراد انه محتمل ليدفع ما توهمه تعارضا وسياتي انه لا تعارض اولا وان ما ذهب اليه غريب للغاية ثانيا. لنكمل قراءة كلماتهم:
    قال الميرزا النوري :
    ( روى الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة عن الحسن بن أحمد المكتب والطبرسي في الاحتجاج مرسلا أنه خرج التوقيع إلى أبي الحسن السمري : يا علي بن محمد السمري اسمع أعظم الله أجر إخوانك فيك ، فإنك ميت ما بينك وما بين ستة أيام ، فاجمع أمرك ، ولا توص إلى أحد يقوم مقامك بعد وفاتك ، فقد وقعت الغيبة التامة ، فلا ظهور إلا بعد إذن الله تعالى ذكره ، وذلك بعد الأمد ، وقسوة القلوب وامتلاء الأرض جورا ، وسيأتي من شيعتي من يدعي المشاهدة ألا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة ، فهو كذاب مفتر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
    وهذا الخبر بظاهره ينافي الحكايات السابقة وغيرها مما هو مذكور في البحار والجواب عنه من وجوه :
    الأول :
    أنه خبر واحد مرسل ، غير موجب علما ، فلا يعارض تلك الوقائع والقصص التي يحصل القطع عن مجموعها بل ومن بعضها المتضمن لكرامات ومفاخر لا يمكن صدورها من غيره عليه السلام ، فكيف يجوز الإعراض عنها لوجود خبر ضعيف لم يعمل به ناقله ، وهو الشيخ في الكتاب المذكور كما يأتي كلامه فيه ، فكيف بغيره والعلماء الأعلام تلقوها بالقبول ، وذكروها في زبرهم وتصانيفهم ، معولين عليها معتنين بها .
    الثاني :
    ما ذكره في البحار بعد ذكر الخبر المزبور ما لفظه : لعله محمول على من يدعي المشاهدة مع النيابة ، وإيصال الأخبار من جانبه إلى الشيعة على مثال السفراء لئلا ينافي الأخبار التي مضت وسيأتي فيمن رآه عليه السلام والله يعلم .
    الثالث :
    ما يظهر من قصة الجزيرة الخضراء ، قال الشيخ الفاضل علي بن فاضل المازندراني : فقلت للسيد شمس الدين محمد وهو العقب السادس من أولاده عليه السلام : يا سيدي قد روينا عن مشايخنا أحاديث رويت عن صاحب الأمر عليه السلام أنه قال : لما أمر بالغيبة الكبرى : من رآني بعد غيبتي فقد كذب ، فكيف فيكم من يراه ؟ فقال : صدقت إنه عليه السلام إنما قال ذلك في ذلك الزمان لكثرة أعدائه من أهل بيته ، وغيرهم من فراعنة بني العباس ، حتى أن الشيعة يمنع بعضها بعضا عن التحدث بذكره ، وفي هذا الزمان تطاولت المدة وأيس منه الأعداء ، وبلادنا نائية عنهم ، وعن ظلمهم وعنائهم ، الحكاية . وهذا الوجه كما ترى يجري في كثير من بلاد أوليائه .
    الرابع :
    ما ذكره العلامة الطباطبائي في رجاله في ترجمة الشيخ المفيد بعد ذكر التوقيعات المشهورة الصادرة منه عليه السلام في حقه ما لفظه : وقد يشكل أمر هذا التوقيع بوقوعه في الغيبة الكبرى ، مع جهالة المبلغ ، ودعواه المشاهدة المنافية بعد الغيبة الصغرى ، ويمكن دفعه باحتمال حصول العلم بمقتضى القرائن ، واشتمال التوقيع على الملاحم والإخبار عن الغيب الذي لا يطلع عليه إلا الله وأولياؤه بإظهاره لهم ، وأن المشاهدة المنفية أن يشاهد الإمام عليه السلام ويعلم أنه الحجة عليه السلام حال مشاهدته له ، ولم يعلم من المبلغ ادعاؤه لذلك . وقال رحمه الله في فوائده في مسألة الإجماع بعد اشتراط دخول كل من لا نعرفه : وربما يحصل لبعض حفظة الأسرار من العلماء الأبرار العلم بقول الإمام عليه السلام بعينه على وجه لا ينافي امتناع الرؤية في مدة الغيبة ، فلا يسعه التصريح بنسبة القول إليه عليه السلام فيبرزه في صورة الإجماع ، جمعا بين الأمر بإظهار الحق والنهي عن إذاعة مثله بقول مطلق ، انتهى . ويمكن أن يكون نظره في هذا الكلام إلى الوجه الآتي ... إلى أن يقول :
    السادس :
    أن يكون المخفي على الأنام ، والمحجوب عنهم ، مكانه عليه السلام ومستقره الذي يقيم فيه ، فلا يصل إليه أحد ، ولا يعرفه غيره حتى ولده ، فلا ينافي لقاءه ومشاهدته في الأماكن والمقامات التي قد مر ذكر بعضها ، وظهوره عند المضطر المستغيث به ، الملتجئ إليه التي انقطعت عنه الأسباب وأغلقت دونه الأبواب
    )( ).
    الميرزا النوري يركز على دلالة واحدة يراها ظاهرة في التوقيع هي المتعلقة بالمشاهدة بمعنى الرؤية البصرية أو اللقاء ، وما يسوقه من دلالات أو وجوه يستهدف صرف التوقيع عن هذه الدلالة التي يراها معارضة لما دلت عليه الأخبار من تحقق الرؤية ، بل إنه في النقطة الأولى من الفائدة الأولى لا يتوانى عن نفض يده من مضمون التوقيع عبر التذكير بكونه خبراً مرسلاً لم يعمل به ناقله وهو الشيخ الطوسي ولا يقوى بالنتيجة على معارضة الأخبار الكثيرة التي حظيت بالعناية والقبول من طرف الكثيرين. أما في النقطة الثانية فالميرزا يقتبس كلام العلامة المجلسي حرفياً ليدلل على أنه شأنه شأن العلامة لا يذهب إلى القول بأن المشاهدة التي يمنعها التوقيع هي المقترنة بادعاء السفارة إلا على سبيل الاحتمال الذي يُلجأ إليه لدفع المعنى الظاهر لتعذر القبول به . فالميرزا والعلامة بكلمة أخرى لا يريدان من كلامهما تقرير معنى يتعلق بانعدام السفارة في الغيبة الكبرى، فهما وإن كانا يقولان بهذا المعنى على سبيل الاحتمال، إلا أنهما – كما هو واضح – لا يقولان به على أنه المقصود الأول والمحدد لكلامهما ، فالقول بانتفاء السفارة ليس مقصوداً من طرفهما بذاته ولذاته، وإنما جاء في معرض النقض على من يمكن أن يذهب إلى امتناع المشاهدة بدلالة التوقيع . فكأنهما يعترضانه بالقول : إذا كنت تصر على أن المقصود من التوقيع هو نفي المشاهدة بمعنى الرؤية البصرية فعليك أن تثبت عدم إمكان أن يكون المقصود هو ادعاء المشاهدة المقترن بادعاء السفارة، فنحن على الأقل نحتمل هذا المعنى احتمالاً، ولا يسعك والحال هذه إلا أن تنقض هذا الاحتمال لتثبيت مدعاك.
    إن ملاحظة الجانب السلبي النقضي في توجيه العلامة والميرزا يعززها عدم اكتفائهما بهذا التوجيه، وصيرورتهما ولاسيما الميرزا إلى وجوه أخرى يُحتمل أن يكون التوقيع قاصداً لها .
    والآن ماذا يعني كونهما لم يقصدا بالذات الدلالة التي يستشف منها انتفاء السفارة في الغيبة الكبرى؟
    وبالعودة إلى ما ذكره الميرزا النوري نلاحظ أنه يسوق نقضاً آخر في إطار ذكره قصة الجزيرة الخضراء مفاده إن امتناع المشاهدة كان لوقت محدد فهو عليه السلام ( إنما قال ذلك في ذلك الزمان لكثرة أعدائه من أهل بيته ، وغيرهم من فراعنة بني العباس ، حتى إن الشيعة يمنع بعضها بعضا عن التحدث بذكره ، وفي هذا الزمان تطاولت المدة وأيس منه الأعداء ، وبلادنا نائية عنهم ، وعن ظلمهم وعنائهم ، الحكاية . وهذا الوجه كما ترى يجري في كثير من بلاد أوليائه ).
    أقول هذا التوجيه لدلالة التوقيع يُسقط الفكرة السابقة المنبنية على انعدام السفارة في الغيبة الكبرى ، بحيث يمكن التمسك به في معرض النقض على من يصر على أن التوقيع يراد منه انعدام السفارة ، هذا علاوة على دلالته الواضحة على أنهم قد اختلفوا في تحديد المراد من المشاهدة ، فالتوجيه الذي بين أيدينا يحددها بالرؤية البصرية واللقاء، ويذهب إلى أن المنع لم يكن مطلقاً بل كان لفترة محددة ، هي الفترة الموصوفة بكثرة الأعداء، فالأمر إذن لا علاقة له بالسفارة ، ولا يتناقض مع الأخبار الواردة في حصول المشاهدة واللقاء بالإمام ع.
    وفي النقطة الرابعة ينقل الميرزا رأياً مختلفاً ذهب إليه العلامة الطباطبائي هو ( أن المشاهدة المنفية أن يشاهد الإمام عليه السلام ويعلم أنه الحجة عليه السلام حال مشاهدته له ). وهذا الرأي لا يتعرض لمسألة السفارة، ولا يرى في التوقيع ما يدل على انتفائها.
    أما النقطة السادسة فتوجه التوقيع على أن المراد من المشاهدة المنتفية هو (أن يكون المخفي على الأنام ، والمحجوب عنهم ، مكانه عليه السلام ومستقره الذي يقيم فيه ، فلا يصل إليه أحد ، ولا يعرفه غيره حتى ولده ). وهذا التوجيه بدوره لا يتعرض لمسألة السفارة لا من قريب ولا من بعيد .
    قال الشيخ علي الخاقاني :
    ( وروى إبراهيم بن هشام قال كنت في مدينة السلام في السنة التي توفى فيها علي بن محمد السمري فحضرته قبل وفاته بأيام فاخرج إلى الناس توقيعا نسخته " بسم الله الرحمن الرحيم ، يا علي بن محمد السمري أعظم الله اجر اخوتك فيك فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام فاجمع امرك ولا توص إلى أحد يقوم مقامك بعد وفاتك فقد وقعت الغيبة التامة فلا ظهور الا بعد اذن الله تعالى ذكره - وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلب وامتلاء الأرض جورا وسيأتي بعدي من شيعتي من يدعى المشاهدة الا فمن يدعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذاب مفتر ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم قال : فانتسخنا هذا التوقيع وخرجنا من عنده فلما كان اليوم السادس عدنا إليه وهو يجود بنفسه فقيل له : من وصيك ؟ فقال : لله أمر هو بالغه ، وقبض رحمه الله - وهو آخر كلام سمع منه رضي الله عنه وأرضاه فكانت الغيبة الصغرى أربعا وسبعين سنة ثم وقعت بعد ذلك الغيبة الكبرى التي نحن فيها نسأل الله جل شانه ونضرع إليه أن يعجل فرجه وفرجنا به ولعل ما نفاه - عليه السلام من دعوى المشاهدة وان المدعى كذاب مفتر إنما هو دعوى المشاهدة متى شاء على الاستمرار كما كان للأبواب الأربعة مخافة الانتحال لجمع الأموال لا ما قد يقع لبعض الصلحاء الأبرار أو المتحيرين في القفار من المشاهدة بعض الأحيان مع المعرفة له صلوات الله عليه وعلى آبائه أو بدونها. قال الشيخ رحمه الله وقد كان في زمن السفراء المحمودين أقوام ثقات ترد عليهم التوقيعات من قبل المنصوبين للسفارة من الأصل )( ).
    وهنا نصادف توجيهاً جديداً لدلالة التوقيع يختلف عن كل ما تقدم، وفيه أن التكذيب يقع على من يدعي المشاهدة (متى شاء على الاستمرار كما كان للأبواب الأربعة مخافة الانتحال لجمع الأموال لاما قد يقع لبعض الصلحاء الأبرار أو المتحيرين في القفار من المشاهدة بعض الأحيان مع المعرفة له صلوات الله عليه وعلى آبائه أو بدونها ). أقول يفهم من كلام الشيخ الخاقاني إنه لا يرى ضيراً حتى في ادعاء السفارة إن كانت بنحو مختلف عن المعروف في الغيبة الصغرى ؛ أي سفارة لا تكون المشاهدة فيها (متى شاء على الاستمرار ) كما عبر.
    ويقول الأربلي :
    ( قال الفقير إلى الله تعالى علي بن عيسى أثابه الله وعفا عنه: إن قال قائل كيف يقول الطبرسي رحمه الله تعالى إنا لا نقطع على أن الإمام لا يصل إليه أحد إلى آخره ويلزمه القطع بذلك لأنه قال قبل هذا بقليل فيما حكاه عن توقيعاته عليه السلام " فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذاب مفتر" والذي أراه انه إن كان يراه أحد فقد علم منهم أنهم لا يدعون رؤيته ومشاهدته وان الذي يدعيها كذاب فلا مناقضة إذا والله أعلم ).
    المشاهدة المنفية بحسب الاربلي إذن هي تلك التي يذيع الشخص خبرها دون سواها. وهي هنا مطلق الرؤية البصرية كما لا يخفى، لا خصوص المقترنة بادعاء السفارة .
    وقال العلامة المجلسي :
    ( وفي خبر علي بن إبراهيم بن مهزيار الأهوازي المروي في إكمال الدين وغيبة الشيخ ومسند فاطمة لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري وفي لفظ الأخير أنه قال له الفتى الذي لقيه عند باب الكعبة ، وأوصله إلى الإمام عليه السلام : ما الذي تريد يا أبا الحسن ؟ قال : الإمام المحجوب عن العالم ، قال : ما هو محجوب عنكم ولكن حجبه سوء أعمالكم . الخبر.
    وفيه إشارة إلى أن من ليس له عمل سوء فلا شئ يحجبه عن إمامه عليه السلام وهو من الأوتاد أو من الأبدال ، في الكلام المتقدم عن الكفعمي ، رحمه الله
    ).
    أقول وهذا توجيه جديد للعلامة المجلسي مفاده أن المشاهدة المنفية هي مطلق الرؤية البصرية لا خصوص المقترنة بادعاء السفارة كما سبق منه ، ولكنه قصر النفي هنا على من كانت أعماله سيئة تحجب عنه رؤية الإمام ع.
    وقال المحقق النهاوندي في كتابه ( العبقري الحسان ) :
    ( لا معارضة بين توقيع السمري وقصص اللقاءات حتى يحتاج إلى الجمع ، لان التوقيع الشريف بصدد منع دعوى الظهور العلني للإمام ، وذكر المشاهدة في التوقيع بمعنى الظهور والحضور كما في الآية ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾.
    والقرينة على المعنى أمران : الأول قوله u: فلا ظهور إلا بعد الهرج والمرج، والفتنة والفساد . والثاني قوله u ألا من ادعى المشاهدة – أي الظهور ، ظهور الإمام ع – قبل خروج السفياني والصيحة من علامات الظهور ، وعلى هذا لا تعارض أبداً بين التوقيع الشريف وبين الحكايات …
    ) .
    أقول كلام المحقق النهاوندي يصرف المراد من المشاهدة إلى وجهة مختلفة، فالمشاهدة بحسبه يراد منها الظهور، ويستدل لهذا المعنى بالآية الكريمة ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾. أي من كان حاضرا في بلده غير مسافر وحل عليه شهر رمضان فيجب عليه الصوم ، فمن شهد الشهر إذن يعني من كان الشهر ظاهراً له. ويقوي هذا المعنى بقرينتين يذكرهما في كلامه ، وكلامه على أي حال أكثر متانة من كل ما سبقه.
    ويؤكد كلام النهاوندي ما رواه الشيخ الصدوق عن أبي خالد الكابلي قال: ((دخلت على سيدي علي بن الحسين زين العابدين عليهما السلام فقلت له : يا ابن رسول الله أخبرني بالذين فرض الله عز وجل طاعتهم ومودتهم ... إلى قوله: ثم تمتد الغيبة بولي الله عز وجل الثاني عشر من أوصياء رسول الله صلى الله عليه وآله والأئمة بعده. يا أبا خالد إن أهل زمان غيبته القائلين بإمامته والمنتظرين لظهوره أفضل من أهل كل زمان، لأن الله تبارك وتعالى أعطاهم من العقول والأفهام والمعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة، وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله بالسيف، أولئك المخلصون حقا وشيعتنا صدقا، والدعاة إلى دين الله عز وجل سرا وجهرا. وقال علي بن الحسين عليهما السلام: انتظار الفرج من أعظم الفرج)).
    فقوله: (ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة) يصطنع مقابلة بين الغيبة والمشاهدة، فيكون معنى المشاهدة بدلالة مقابلتها للغيبة هو الظهور، ولا علاقة للأمر بالسفارة لا من قريب ولا من بعيد.
    وعلق السيد الشهيد الصدر (رحمه الله) على هذا التوقيع الشريف تعليقاً طويلاً ننقل منه مقدار الحاجة، قال :
    ( إذن مدعي المشاهدة كاذب مزور في خصوص ما إذا كان منحرفاً ينقل أموراً باطلة عن الإمام المهدي ع. وأما فيما سوى ذلك فلا يكون التوقيع الشريف دالاً على بطلانه . سواء نقل الفرد عن المهدي أموراً صحيحة بحسب القواعد الإسلامية أو محتملة الصحة على اقل تقدير ، أو لم ينقل شيئاً على الإطلاق ).
    كلام للسيد أحمد الحسن ع بخصوص توقيع السمري
    قال تعالى ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ . كلامهم فيه متشابه كما إن كلام الله سبحانه وتعالى فيه متشابه وهذا ورد عنهم وما أحوجهم للمتشابه فيما يخص صاحب هذا الأمر ع وكما عبر الإمام الرضا ع (… إنا لو أعطيناكم ما تريدون لكان شراً لكم واخذ برقبة صاحب هذا الأمر ع ).
    وعن الرضا ع (من رد متشابه القرآن الى محكمه فقد هدي إلى صراط مستقيم ثم قال ع إن في أخبارنا محكم كمحكم القرآن ومتشابه كمتشابه القرآن فردوا متشابهها الى محكمها ولا تتبعوا متشابهها دون محكمها فتضلوا) .
    فالإنسان غير المعصوم لو اخلص نيته لله سبحانه وتعالى وأراد الخوض في فهم كلامهم وبالخصوص في ما ورد عن قضية صاحب الأمر ع لربما وقع في سوء الفهم جملة وتفصيلا وإذا أصاب فهم أمر ما فقطعاً سيقع الخطأ منه في فهم أمر آخر لورود الباطل على عقله كونه غير معصوم. فما بالك فيمن يتعصب لأمر ويتحامل على أمر وهو يجهلهما معاً ولعل من خاض في رواياتهم يعلم انه حدث في يوم أن أحد الذين ظلموا أنفسهم كتب كتاباً في تفنيد القرآن الكريم فأرسل إليه الإمام ع : (لعل المتكلم أراد شيئاً من كلامه غير الذي فهمته أنت ) فاتعظ هذا الشخص ومزق كتابه الباطل.
    فاسأل هذا السؤال أيضاً لكل من يكتب في قضية الإمام المهدي ع (لعل المتكلم (وهم الرسول والأئمة ع ) أراد شيئاً من كلامه غير الذي فهمته أنت ) ؟!.
    وهل أرجعت يا من تكتب في قضية الإمام ع متشابه كلامهم إلى محكم كلامهم ؟
    والآن أسال: هل إن رواية علي بن محمد السمري محكمة أم متشابهة ؟ فإن قلت محكمة بينة المعنى، أقول لقد صنف كثير من العلماء معاني كثيرة في فهمها ، منهم السيد مصطفى الكاظمي (رحمه الله) والسيد الصدر (رحمه الله) وغيرهم. وهذا يدل على عدم وضوح معناها لهم بشكل لا يقبل اللبس فلا تكون محكمة بل متشابهة ، فهل يمكن انك وقعت في فهم خاطئ للرواية ؟ ثم ألا تعلم انه توجد روايات محكمة بينة المعنى دالة على وجود سفير قبل قيام الإمام ، وهي كثيرة جداً وهذا مثال منها ، فقط للذكرى ، عن الباقر ع (يكون لصاحب هذا الأمر غيبة في بعض هذه الشعاب – و أوما بيده إلى ناحية ذي طوى حتى إذا كان قبل خروجه أتى المولى الذي كان معه حتى يلقى بعض أصحابه ، فيقول : كم أنتم هاهنا ؟ فيقولون : نحو من أربعين رجلا ، فيقول : كيف أنتم لو رأيتم صاحبكم ؟ فيقولون : والله لو ناوى بنا الجبال لناويناها معه ، ثم يأتيهم من القابلة ويقول : أشيروا إلى رؤسائكم أو خياركم عشرة ، فيشيرون له إليهم ، فينطلق بهم حتى يلقوا صاحبهم ، ويعدهم الليلة التي تليها) .
    وفي قصة الجزيرة الخضراء التي نقلها ثقاة من علماء الشيعة ورواها كبار علماء الشيعة في مصنفاتهم (ومنهم الميرزا النوري في النجم الثاقب ج2 ص 172 ، والسيد نور الله التستري في مجالس المؤمنين ج1 ص78 ، والشيخ علي الحائري في إلزام الناصب ج2 ص85 ، والمقدس الاردبيلي في حديقة الشيعة ص729 ، والفيض الكاشاني في نوادر الأخبار ص 300 والشهيد الأول محمد بن مكي ، والسيد هاشم البحراني في تبصرة الوالي في من رأى القائم المهدي ع. ومنهم العلامة الميرزا الرضا الاصفهاني في تفسير الأئمة لهداية الأمة ، ومنهم الحر العاملي في إثبات الهداة ج7 ص 371 ، ومنهم المحقق الكركي ، ومنهم مؤسس المدرسة الأصولية الوحيد البهبهاني في بحث صلاة الجمعة ص221 ، والسيد عبد الله شبّر في جلاء العيون ، ومنهم السيد مهدي بحر العلوم صاحب الكرامات والمقامات في الفوائد الرجالية ج3 ص 136) ينقل بيان لرواية علي بن محمد السمري عن الإمام المهدي ع هذا نصه :
    ( فقلت يا سيدي قد روينا عن مشايخنا أنه روي عن صاحب الأمر ع أنه قال لما أمر بالغيبة الكبرى من رآني بعد غيبتي فقد كذب فكيف وفيكم من يراه فقال صدقت إنه ع إنما قال ذلك في ذلك الزمان لكثرة أعدائه من أهل بيته و غيرهم من فراعنة بني العباس حتى إن الشيعة يمنع بعضها بعضا عن التحدث بذكره و في هذا الزمان تطاولت المدة و أيس منه الأعداء و بلادنا نائية عنهم و عن ظلمهم و عنائهم و ببركته ع لا يقدر أحد من الأعداء على الوصول إلينا ).
    وإذا لم تكتفِ بهذا أقول من باب ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم : إن القاعدة العقلية التي يقرها القوم في المنطق والأصول هي : ( إن القضية المهملة بقوة الجزئية ) ، والقضية الموجودة في رواية السمري وهي (فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني و الصيحة فهو كذاب مفتر) قضية مهملة فهي بقوة الجزئية ، أي تكون هكذا : (فبعض من ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني و الصيحة فهو كذاب مفتر) ، ولا توجد قرينة خارجية تفيد كليتها بل توجد قرينة خارجية دالة على جزئيتها وهي الروايات الدالة على إرسال الإمام المهدي ع من يمثله في فترة ما قبل القيام ومنها الرواية التي مرت ورواية اليماني وغيرها كثير.
    وليتضح الأمر اكثر وخصوصاً لمن لم يطلع على المنطق والأصول أقول : إن القضية أما تكون مسورة أو مهملة . والمسورة أما كلية أو جزئية ، ( فإذا قلت : كل من يدعي المشاهدة ... فهو كاذب ، فهذه قضية كلية لأنك بدأتها بكل ) . ( وإذا قلت : بعض من يدعي المشاهدة ... فهو كاذب ، فهذه قضية جزئية لأنك بدأتها ببعض ) ، أما إذا أهملت القضية ولم تجعل لها سور كل أو بعض فهي تكون بقوة الجزئية فلا تفيد الكلية إلا إذا كانت هناك قرينة خارجية دالة على كليتها فإذا لم توجد هذه القرينة ووجدت قرينة على جزئيتها أصبحت هذه القضية جزئية ، والقضية أعلاه مهملة ولا توجد قرينة تدل على كليتها بل توجد قرينة تدل على جزئيتها ( وهي روايات الأئمة ) فيتحصل إنها جزئية ، وبهذا لا تدل رواية السمري على انقطاع السفارة لا من قريب ولا من بعيد ، والحمد لله وحده.
    فكيف يرجع المحكم إلى المتشابه ؟ !!! ، وكيف يضرب بالمحكم عرض الجدار ؟!!! ، قال تعالى ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ﴾.
    ثم أسال : هل اليماني بعد الصيحة كما صرح بعض من كتب عن قضية الإمام ع ؟ إذن التفت : إن الصيحة في رمضان وخروج اليماني أي قيامه في رجب . فإذا كان بعد الصيحة أي في رجب الذي بعدها يكون خروج اليماني بعد قيام الإمام ع على أساس هذا الفهم الخاطئ لان قيام الإمام ع في محرم وشهر رجب يأتي بعد محرم وهذا بيّن .
    وسبحان الله بعضهم يقول إننا مأمورون أن نكذب رسول الإمام المهدي ع مهما أوتي من العلم بحسب رواية السمري ، متناسين أن الأئمة ع بينوا إن الذي يأتي يعرف بالعلم (عن المفضل بن عمر قال سمعت أبا عبد الله ع يقول إن لصاحب هذا الأمر غيبتين يرجع في إحداهما إلى أهله و الأخرى يقال هلك في أي واد سلك قلت كيف نصنع إذا كان ذلك قال إن ادعى مدع فاسألوه عن تلك العظائم التي يجيب فيها مثله
    ).
    الشيخ محمد السند الذي كتب بحثاً بعنوان ( فقه علائم الظهور ) استدل فيه بالتوقيع الشريف على انتفاء السفارة في زمن الغيبة الكبرى بالصورة التالية :-
    استدل الشيخ بموضعين من هذا التوقيع على بطلان السفارة ، كالأتي :
    الأول :
    يمثله قوله ع ( فاجمع أمرك ولا توص لأحد يقوم مقامك بعد وفاتك ، فقد وقعت الغيبة التامة ) . وصورة استدلاله كانت على النحو الأتي : إن قوله وقعت الغيبة التامة ، وقع وصفاً للغيبة الكبرى ، وإذا كانت الغيبة الكبرى تامة فهذا يعني أن مقابلها ، أي الغيبة الصغرى لم تكن تامة ، فما الذي ميز بين الغيبتين فجعل الكبرى تامة والصغرى غير تامة ؟ جواب الشيخ أن المائز هو وجود السفارة في الغيبة الصغرى ، وانعدامها في الكبرى . بمعنى أن انعدام السفارة في الغيبة الكبرى هو الذي أضفى عليها صفة التمامية .
    هذا الجواب مردود من عدة وجوه :
    1- لا ينص التوقيع ، ولا توجد أية رواية عن أهل البيت ع تنص على انتفاء السفارة في زمن الغيبة الكبرى .
    2- استدلال الشيخ يدخل في باب التخرصات العقلية، وعبارة ( الغيبة التامة ) متشابهة الدلالة ، فإن بالإمكان القول إنها تعني الغيبة التي يتحقق الغرض بها ويتم الظهور، فلا غيبة بعدها، وبعبارة أخرى الغيبة التي يتم فيها اكتمال غربلة الأمة وتمحيصها وإعداد أو فرز العشرة آلاف والثلاثمائة والثلاث عشر، فالمراد هنا من التمام هو تمام الغرض من الإختفاء ليتحقق بعدها الظهور والقيام وانتهاء الغيبة، وغيره من الوجوه .
    3- يمكن مقابلة أطروحة الشيخ بأطروحة أخرى تنقضها من الأساس ؛ فإذا كانت وظيفة السفير في الغيبة الصغرى تتحدد بنقله تساؤلات واستفسارات القاعدة عبر ما اصطلح عليه بـ( التوقيعات ) ، فإن هذه الوظيفة توفر نوعاً من الإتصال غير المباشر بين الإمام وقاعدته ، الأمر الذي يضفي على غيبته صورة الغيبة غير التامة. وإذا كان لابد من إلتزام التمامية في الغيبة الكبرى فهذا الشرط يتحقق فيما لو أرسل الإمام ع رسولاً أو سفيراً بعد أن يكون قد زوده سلفاً بما يحتاج من علم لقيادة الناس، على أن يكون السفير هو القائد والموجه لحركة الجماهير، وينعدم تماماً أي اتصال بين الإمام والجماهير ، وبهذه الطريقة تتحقق تمامية الغيبة ويبقى السفير موجوداً، والسفارة قائمة . ولعل القارئ يلاحظ أن هذه الأطروحة تنطوي على مساحة حركة أوسع، وتوفر شروط أمان أكبر للإمام، إذ يمكن للإمام – على سبيل المثال – أن يطلب من سفيره عدم التصريح بكونه سفيراً ويكتفي بممارسة عمله على وفق الخطة المرسومة له . ولا تنافي بين عدم التصريح وبين كون السفير سفيراً طالما كان العمل المنشود متحققاً، وبطبيعة الحال يمكن للخطة أن تتخذ منهجاً يقوم على أساس التصريح المطلق ، أو المحدد بجماعة معينة، وغيرها من الوجوه .
    وبهذه الأطروحة يسقط استدلال السند ولو من باب ( إذا ورد الاحتمال بطل الاستدلال ). وعلى سبيل الاستطراد أقول إن السيد الصدر (رحمه الله) استدل بهذا الموضع أيضاً على انتفاء السفارة، وذهب إلى أن المستفاد منه انتفاؤها على مدى التأريخ ! واللافت أنه ترك الأمر دون توضيح، فلم يذكر كيفية دلالة الموضع على ما ذهب إليه. والمظنون إن ما ذهب إليه السيد واحدة من فلتات القلم التي قلما يسلم منها إنسان . إذ ما أن يصل الدور الى الموضع الثاني المتعلق بتكذيب مدعي المشاهدة حتى نجده يقدم أطروحة - يرجحها على ما عداها - تقول بإمكانية تصديق مدعي المشاهدة فيما لو أخبر بأمور معلومة الصحة، أو حتى محتملة أو ممكنة قياساً بالقواعد كما يعبر، وقد تقدم ذكر قوله ، وهو كما يظهر يحتمل معنى السفارة، فالذي ينقل خبراً عن الإمام هو سفير بنحو من الأنحاء، ويكفي هنا أن يتحقق مسمى السفير ليتبين أن الإطلاق الذي قال به السيد الصدر متناقض .
    6- ورد عن حذلم بن بشير قال : قلت لعلي بن الحسين ع : صف لي خروج المهدي وعرفني دلائله وعلاماته؟ فقال : ( يكون قبل خروجه خروج رجل يقال له عوف السلمي بأرض الجزيرة ، ويكون مأواه تكريت ، وقتله بمسجد دمشق ، ثم يكون خروج شعيب بن صالح من سمرقند ، ثم يخرج السفياني الملعون من الوادي اليابس ، وهو من ولد عتبة بن أبي سفيان ، فإذا ظهر السفياني اختفى المهدي ، ثم يخرج بعد ذلك).
    Last edited by اختياره هو; 23-02-2013, 22:21.
    عن أمير المؤمنين ويعسوب الدين وقائد الغر المحجلين الإمام علي بن أبي طالب وصي رسول الله محمد صلوات الله عليهما
    : ( إلهي كفى بي عزاً أن اكون لك عبداً وكفى بي فخراً أن تكون لي رباً أنت كما أحب فاجعلني كما تحب )

    Comment

    • أبو محمد الأنصاري
      مشرف
      • 06-10-2009
      • 325

      #3
      رد: ادلة الدعوة : كتاب جامع الأدلة ـــ دكتور عبد الرزاق الديراوي

      بسم الله الرحمن الرحيم
      اللهم صل على محمد وآل محمد الائمة والمهديين وسلم تسليما
      الدرس الثاني
      عقيدة المهديين عليهم السلام
      التسجيل الصوتي للمحاضرة ــ للاستماع والتحميل اضغط هنا

      من اهم الامور التي اثبتتها الدعوة اليمانية المباركة واقامت عليها البراهين القاطعة الاعتقاد بوجود اوصياء بعد الإمام المهدي عليه السلام عددهم اثنا عشر وصيا، اصطلحت عليهم الروايات باسم مهديين.
      بعض الروايات الدالة على المهديين:
      1- وصية رسول الله ص في ليلة وفاته: عن الباقر ع ، عن أبيه ذي الثفنات سيد العابدين، عن أبيه الحسين الزكي الشهيد، عن أبيه أمير المؤمنين ع ، قال: (قال رسول الله ص في الليلة التي كانت فيها وفاته لعلي ع : يا أبا الحسن، أحضر صحيفة ودواة، فأملا رسول الله وصيته حتى انتهى إلى هذا الموضع، فقال: يا علي، إنه سيكون بعدي إثنا عشر إماماً، ومن بعدهم إثنا عشر مهدياً، فأنت يا علي أول الإثني عشر إماماً، سمّاك الله تعالى في سمائه علياً المرتضى وأمير المؤمنين والصدّيق الأكبر والفاروق الأعظم والمأمون والمهدي، فلا تصح هذه الأسماء لأحد غيرك.
      يا علي، أنت وصيّ على أهل بيتي حيهم وميتهم، وعلى نسائي فمن ثبّتها لقيتني غداً، ومن طلقتها فأنا برئ منها لم ترني ولم أرها في عرصة القيامة، وأنت خليفتي على أمتي من بعدي، فإذا حضرتك الوفاة فسلّمها إلى ابني الحسن البر الوصول، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابني الحسين الشهيد الزكي المقتول، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه سيد العابدين ذي الثفنات علي، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه محمد الباقر، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه جعفر الصادق، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه موسى الكاظم، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه علي الرضا، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه محمد الثقة التقي، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه علي الناصح، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه الحسن الفاضل، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه م ح م د المستحفظ من آل محمد ، فذلك إثنا عشر إماماً. ثم يكون من بعده اثنا عشر مهدياً، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه أول المقربين، له ثلاثة أسامي, اسم كاسمي واسم أبي وهو عبد الله وأحمد، والاسم الثالث المهدي، وهو أول المؤمنين
      ).
      2- عن أبي بصير، قال: (قلت للصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام) : يا ابن رسول الله، إني سمعت من أبيك ع أنه قال: يكون بعد القائم اثنا عشر مهدياً، فقال: إنما قال إثنا عشر مهدياً، ولم يقل: إثنا عشر إماماً، ولكنهم قوم من شيعتنا يدعون الناس إلى موالاتنا ومعرفة حقنا).
      3- عن أبي عبد الله ع : (إنّ منا بعد القائم ع اثنا عشر مهدياً من ولد الحسين ع).
      4- عن أبي جعفر ع ، قال: (قلت له: إي بقاع الأرض أفضل بعد حرم الله ع وحرم رسوله ، فقال: الكوفة يا أبا بكر، هي الزكية الطاهرة، فيها قبور النبيين المرسلين وغير المرسلين والأوصياء الصادقين، وفيها مسجد سهيل الذي لم يبعث الله نبياً إلا وقد صلى فيه، ومنها يظهر عدل الله، وفيها يكون قائمه والقوّام من بعده، وهي منازل النبيين والأوصياء والصالحين).في هذه الرواية يذكر الإمام أبو جعفر ع المهديين ع بلفظ: (والقوّام من بعده)، أي من بعد القائم ع ، فهو ع يسميهم (القُوَّام).
      5- عن حبّة العرني، قال: خرج أمير المؤمنين ع إلى الحيرة، فقال: (لتصلن هذه بهذه- وأومئ بيده إلى الكوفة والحيرة -حتى يباع الذراع فيما بينهما بدنانير، وليُبنينّ بالحيرة مسجد له خمسمائة باب يصلي فيه خليفة القائم عجل الله تعالى فرجه؛ لأنّ مسجد الكوفة ليضيق عنهم، وليصلين فيه اثنا عشر إماماً عدلاً. قلت: يا أمير المؤمنين، ويسع مسجد الكوفة هذا الذي تصف الناس يومئذ؟!! قال: تبنى له أربع مساجد مسجد الكوفة أصغرها وهذا ومسجدان في طرفي الكوفة من هذا الجانب وهذا الجانب. وأومئ بيده نحو البصريين والغريين).
      في هذه الرواية يقول أمير المؤمنين ع إنّ في الحيرة يُبنى مسجد يصلي فيه خليفة القائم، ثم إنّه ع قال: (وليصلين فيه إثنا عشر إماماً عدلاً)، وهؤلاء الأئمة ع يصلون فيه بعد أن يبنيه القائم ع أي إنهم ليسوا هم الأئمة الإثني عشر ع ، وإنما هم من تسميهم الروايات الأخرى (المهديين).
      6- عن أبي حمزة، عن أبي عبد الله ع في حديث طويل، أنّه قال: (يا أبا حمزة، إنّ منّا بعد القائم أحد عشر مهدياً من ولد الحسين ع).
      7- عن الإمام السجاد ع ، قال: (يقوم القائم منا ثم يكون بعده اثنا عشر مهدياً).
      8- دعاء الضراب، وفيه: (... اللهم صل على محمد المصطفى، وعلي المرتضى، وفاطمة الزهراء، والحسن الرضا، والحسين المصفى، وجميع الأوصياء، مصابيح الدجى وأعلام الهدى، ومنار التقى، والعروة الوثقى، والحبل المتين، والصراط المستقيم، وصلّ على وليك وولاة عهده والأئمة من ولده، ومد في أعمارهم، وزد في آجالهم، وبلغهم أقصى آمالهم دنيا وديناً وآخره إنك على كل شيء قدير). في الدعاء الإمام المهدي ع يصلي على آبائه، ويردفها بصلاة على المهديين.
      وهنا أيضاً دعاء لولي الله الإمام المهدي ع ويعقبه دعاء لولاة عهده، وكل هذا يأتي بعد الانتهاء من الدعاء للرسول ص وفاطمة وعلي (عليهما السلام) وجميع الأوصياء من أبنائهما . والدعاء تنقله المرأة عن الإمام المهدي ع والإمام ع يقول في دعائه للمهديين ع : (وزد في آجالهم) والمعلوم أنّ الأئمة ع من آباء الإمام المهدي ع متوفون، فالدعاء بزيادة الأجل ليس لهم.
      9- عن الإمام العسكري ع في دعاء الثالث من شعبان المعظم في شأن المهديين ع من بعد الإمام المهدي ع ، ويقر الإمام ع أنهم الحجج على الخلق بعده ع ، وقد ورد في هذا الدعاء بكلمة للإمام العسكري قالها لأبي القاسم بن العلاء الهمداني وهو وكيله ع : (إنّ مولانا الحسين ع ولد يوم الخميس لثلاث خلون من شعبان فصمه وادع فيه بهذا الدعاء)، وهو طويل أقتبس منه موضع الشاهد: (...وسيد الأسرة، الممدود بالنصرة يوم الكرة، المعوض من قتله أنّ الأئمة من نسله والشفاء في تربته والفوز معه في أوبته، والأوصياء من عترته بعد قائمهم وغيبته، حتى يدركوا الأوتار، ويثأروا الثأر، ويرضوا الجبار، ويكونوا خير أنصار) . وفيه نص على وجود أوصياء للقائم ع ، فهو يقول: (والأوصياء من عترته بعد قائمهم وغيبته).
      10- الدعاء الوارد عن الإمام الرضا ع : (بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صلّ على محمد سيد المرسلين، وخاتم النبيين، وحجة رب العالمين، المنتجب في الميثاق، المصطفى في الظلال، المطهر من كل آفة، البريء من كل عيب، المؤمل للنجاة، المرتجى للشفاعة، المفوض إليه دين الله... (إلى قوله ع): اللهم أعطه في نفسه وذريته وشيعته ورعيته وخاصته وعامته وعدوه وجميع أهل الدنيا ما تقر به عينه وتسر به نفسه، وبلغه أفضل ما أمله في الدنيا والآخرة إنك على كل شيء قدير... (ثم يقول ع): وصلّ على وليك وولاة عهدك والأئمة من ولده، ومد في أعمارهم وزد في آجالهم وبلغهم أقصى آمالهم ديناً ودنيا وآخرة إنك على كل شيء قدير).وهو واضح في الدعاء للقائم وولاة عهده بزيادة العمر والأجل.
      وقد أورد السيد ابن طاووس هذا الدعاء في جمال الأسبوع بقوله: (حدثني الجماعة الذين قدمت ذكرهم في عدّة مواضع من هذا الكتاب بإسنادهم إلى جدي أبي جعفر الطوسي تلقاه الله بالأمان والرضوان يوم الحساب، قال: أخبرنا ابن أبي الجيد، عن محمد بن الحسن بن سعيد بن عبد الله والحميري وعلي بن إبراهيم ومحمد بن الحسن الصفار، كلهم عن إبراهيم بن هاشم، عن إسماعيل بن مولد وصالح بن السندي، عن يونس بن عبد الرحمن، ورواه جدي أبي جعفر الطوسي فيما يرويه عن يونس بن الرحمن بعدة طرق تركت ذكرها كراهية للإطالة في هذا المكان، يروى عن يونس بن عبد الرحمن: أنّ الرضا ع كان يأمر بالدعاء لصاحب الأمر ع بهذا: (اللهم ادفع عن وليك وخليفتك، وحجتك على خلقك، ولسانك المعبر عنك بإذنك... (إلى قوله ع): اللهم أعطه في نفسه وأهله ووَلَده وذريته وأمته وجميع رعيته ما تقر به عينه وتسر به نفسه... (إلى قوله ع): اللهم صلّ على ولاة عهده والأئمة من بعده، وبلغهم آمالهم وزد في آجالهم واعز نصرهم وتمم لهم ما أسندت إليهم في أمرك لهم وثبت دعائمهم، واجعلنا لهم أعواناً وعلى دينك أنصاراً، فإنهم معادن كلماتك وأركان توحيدك ودعائم دينك وولاة أمرك، وخالصتك من عبادك وصفوتك من خلقك، وأوليائك وسلائل أوليائك وصفوة أولاد رسلك، والسلام عليهم ورحمه الله وبركاته).
      11- روى العلامة المجلسي في بحار الأنوار، فقال: (من أصل قديم من مؤلفات قدمائنا، فإذا صليت الفجر يوم الجمعة، فابتدئ بهذه الشهادة، ثم بالصلاة على محمد وآله وهي هذه: اللهم أنت ربي ورب كل شيء، وخالق كل شيء آمنت بك وبملائكتك وكتبك ورسلك، وبالساعة والبعث والنشور، وبلقائك والحساب ووعدك ووعيدك وبالمغفرة والعذاب، وقدرك وقضائك، ورضيت بك رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً، وبالقرآن كتاباً وحكماً، وبالكعبة قبلة، وبحججك على خلقك حججاً وأئمة، وبالمؤمنين إخواناً، وكفرت بالجبت والطاغوت، وباللات والعزى، وبجميع ما يعبد دونك، واستمسكت بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم... (إلى قوله): اللهم كن لوليك في خلقك ولياً وحافظاً وقائداً وناصراً حتى تسكنه أرضك طوعاً، وتمتعه منها طولاً، وتجعله وذريته فيها الأئمة الوارثين، واجمع له شمله وأكمل له أمره، وأصلح له رعيته، وثبت ركنه، وافرغ الصبر منك عليه حتى ينتقم فيشتفى ويشفي حزازات قلوب نغلة، وحرارات صدور وغرة، وحسرات أنفس ترحة، من دماء مسفوكة، وأرحام مقطوعة، [وطاعة] مجهولة قد أحسنت إليه البلاء، ووسعت عليه الآلاء، وأتممت عليه النعماء، في حسن الحفظ منك له.
      اللهم اكفه هول عدوه، وأنسهم ذكره، وأرد من أراده، وكد من كاده، وامكر بمن مكر به، واجعل دائرة السوء عليهم، اللهم فض جمعهم، وفل حدهم، وأرعب قلوبهم، وزلزل أقدامهم، وأصدع شعبهم، وشتتت أمرهم، فإنهم أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات، وعملوا السيئات، واجتنبوا الحسنات، فخذهم بالمثلات وأرهم الحسرات، إنك على كل شيء قدير
      ...).
      12-فقه الرضا لعلي بن بابويه: الدعاء في الوتر وما يقال فيه وهذا مما نداوم به نحن معاشر أهل البيت : (...اللهم صلّ عليه وعلى آله من آل طه ويس، واخصص وليك، ووصي نبيك، وأخا رسولك، ووزيره، وولي عهده، إمام المتقين، وخاتم الوصيين لخاتم النبيين محمد ، وابنته البتول، وعلى سيدي شباب أهل الجنة من الأولين والآخرين، وعلى الأئمة الراشدين المهديين السالفين الماضين، وعلى النقباء الأتقياء البررة الأئمة الفاضلين الباقين، وعلى بقيتك في أرضك، القائم بالحق في اليوم الموعود، وعلى الفاضلين المهديين الأمناء الخزنة). هنا يصلي على المهديين ويصفهم بالأمناء الخزنة بعد أن يصلي على القائم ع.
      13- بحار الأنوار: (أقول: وجدت في أدعية عرفه من كتاب الإقبال زيارة جامعة للبعيد مروية عن الصادق ع ينبغي زيارتهم بها في كل يوم... (وفيه يقول ع): السلام عليك يا مولاي يا حجة بن الحسن صاحب الزمان صلى الله عليك وعلى عترتك الطاهرة الطيبة. يا موالي، كونوا شفعائي في حط وزري وخطاياي، آمنت بالله و بما أنزل إليكم، وأتوالى آخركم بما أتوالى أولكم، وبرئت من الجبت والطاغوت واللات والعزى. يا موالي، أنا سلم لمن سالمكم، وحرب لمن حاربكم، وعدو لمن عاداكم، وولي لمن والاكم إلى يوم القيامة، ولعن الله ظالميكم وغاصبيكم، ولعن الله أشياعهم وأتباعهم وأهل مذهبهم، وأبرأ إلى الله وإليكم منهم). وفي هذا الدعاء عن الصادق ع يسلم على عترة القائم ويستشفع بهم ويتولاهم مما يدل على منزلتهم الرفيعة.
      14- جاء في شرح الأخبار: (... عن النبي ، أنه ذكر المهدي ع، وما يجريه الله تعالى من الخيرات والفتح على يديه. فقيل له: يا رسول الله، كل هذا يجمعه الله له؟ قال: نعم. وما لم يكن منه في حياته وأيامه هو كائن في أيام الأئمة من بعده من ذريته).
      15- روى المجلسي في البحار: (كتاب المحتضر للحسن بن سلمان تلميذ الشهيد رحمة الله عليهما، قال: روي أنه وجد بخط مولانا أبي محمد العسكري ع ما صورته: قد صعدنا ذرى الحقائق بأقدام النبوة والولاية، ونورنا السبع الطرائق بأعلام الفتوة، فنحن ليوث الوغى، وغيوث الندى، وفينا السيف والقلم في العاجل، ولواء الحمد والعلم في الأجل، وأسباطنا خلفاء الدين وحلفاء اليقين، ومصابيح الأمم، ومفاتيح الكرم، فالكليم البس حلة الاصطفاء لما عهدنا منه الوفاء، وروح القدس في جنان الصاقورة ذاق من حدائقنا الباكورة، وشيعتنا الفئة الناجية، والفرقة الزاكية، صاروا لنا ردءاً وصوناً وعلى الظلمة إلباً وعوناً، وسينفجر لهم ينابيع الحيوان بعد لظى النيران لتمام الطواوية والطواسين من السنين). موضع الشاهد قوله: (وأسباطنا خلفاء الدين.. الخ)، والأسباط هم ولد الولد، والإمام العسكري ولده الإمام المهدي، وأسباطه المهديون .
      16- ورد في أصل محمد بن المثنى بن القسم الحضرمي: (جعفر، عن ذريح، قال: سألته عن الأئمة بعد النبي ص ، فقال: نعم، كان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه الإمام بعد النبي صلوات الله عليه وأهل بيته، ثم كان على الحسين، ثم كان محمد بن علي، ثم إمامكم اليوم، من أنكر ذلك كان كمن أنكر معرفة الله ورسوله. قال: ثم قلت: أنت اليوم جعلني الله فداك... إلى قوله ع: ثم بعد القائم أحد عشر مهدياً من ولد الحسين).
      هذه الروايات كافية تماماً لإثبات وجود خلفاء بعد الأئمة الاثني عشر ع ، ويتّضح من الأوصاف التي تطلقها عليهم أنهم أوصياء وأئمة.
      وإذا ثبت هذا الأصل، وهو وجود خلفاء بعد الأئمة الاثني عشر ع ، يصبح الحديث عن وجود إمام ثالث عشر بمثابة تحصيل الحاصل، فكيف إذا كانت الروايات الدالة على الإمام الثالث عشر ع كثيرة وكافية بحد ذاتها لإثبات المطلوب؟
      وعن أبي الجارود، قال: قال أبو جعفر ع: (إن القائم يملك ثلاثمائة وتسع سنين كما لبث أهل الكهف في كهفهم، يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً، ويفتح الله له شرق الأرض وغربها، ويقتل الناس حتى لا يبقى إلا دين محمد ، يسير بسيرة سليمان بن داود.تمام الخبر). فالقائم في هذه الرواية ليس هو محمد بن الحسن العسكري ع ، بل هو أحد المهديين من ذريته ع ، كما يتبين من الرواية الآتية:
      عن جابر بن يزيد الجعفي، قال: (سمعت أبا جعفر محمد بن علي ع يقول: والله ليملكن رجل منا أهل البيت ثلاثمائة سنة وثلاث عشرة سنة ويزداد تسعاً. قال: فقلت له: ومتى يكون ذلك؟ قال: بعد موت القائم ع . قلت له: وكم يقوم القائم ع في عالمه حتى يموت؟ فقال: تسع عشرة سنة من يوم قيامه إلى يوم موته).
      ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
      1- ورد في عيون الأخبار لابن قتيبة: (حدثني محمد بن عبيد، قال: حدثنا أبو أسامة، عن زائدة، عن سماك، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أنه كان إذا سمعهم يقولون: يكون في هذه الأمة إثنا عشر خليفة، قال: ما أحمقكم. إنّ بعد الاثني عشر ثلاثة منّا: السفاح، والمنصور، والمهدي، يسلمها إلى الدجال، "قال أبو أسامة" تأويل هذا عندنا أنّ ولد المهدي يكونون بعده إلى خروج الدجال).
      2- ورد في تفسير ابن أبي حاتم عن كعب الأحبار، قال: (هم اثنا عشر، فإذا كان عند انقضائهم فيجعل مكان اثني عشر اثنا عشر مثلهم، وكذلك وعد الله هذه الأمة فقرأ: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾، وكذلك فعل ببني إسرائيل).
      وورد في الخصال والعيون للشيخ الصدوق، واللفظ كما في الخصال: (حدثنا أبو القاسم، قال: حدثنا أبو عبد الله، قال: حدثنا الحسن بن علي، قال: حدثنا الوليد بن مسلم، قال: حدثنا صفوان بن عمرو، عن شريح بن عبيد، عن عمرو البكائي، عن كعب الأحبار، قال في الخلفاء: هم اثنا عشر فإذا كان عند انقضائهم وأتى طبقة صالحة مد الله لهم في العمر كذلك وعد الله هذه الأمة، ثم قرأ:﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾، قال: وكذلك فعل الله ببني إسرائيل، وليست بعزيز أن تجمع هذه الأمة يوماً أو نصف يوم ﴿وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ)).
      3- ورد في فتح الباري ضمن كلام طويل: (قال أبو الحسين بن المنادي: في الجزء الذي جمعه في المهدي يحتمل في معنى حديث "يكون اثنا عشر خليفة" أن يكون هذا بعد المهدي الذي يخرج في آخر الزمان، فقد وجدت في "كتاب دانيال"إذا مات المهدي ملك بعده خمسة رجال من ولد السبط الأكبر، ثم خمسة من ولد السبط الأصغر؛ ثم يوصي آخرهم بالخلافة لرجل من ولد السبط الأكبر، ثم يملك بعده ولده فيتم بذلك اثنا عشر ملكاً؛ كل واحد منهم إمام مهدي، قال ابن المنادي وفي رواية أبي صالح عن ابن عباس "المهدي اسمه محمد بن عبد الله وهو رجل ربعة مشرب بحمرة يفرج الله به عن هذه الأمة كل كرب، ويصرف بعدله كل جور، ثم يلي الأمر بعده اثنا عشر رجلاً، ستة من ولد الحسن، وخمسة من ولد الحسين، وآخر من غيرهم؛ ثم يموت فيفسد الزمان").
      4- ورد في العرف الوردي للسيوطي، قال ابن المنادي: (وفي كتاب دانيال أنّ السفيانيين ثلاثة, وأنّ المهديين ثلاثة, فيخرج السفياني الأول, فإذا خرج وفشا ذكره خرج عليه المهدي الأول, ثم يخرج السفياني الثاني, فيخرج عليه المهدي الثاني, ثم يخرج السفياني الثالث, فيخرج عليه المهدي الثالث, فيصلح الله به كل ما أفسد قبله ويستنقذ الله به أهل الإيمان, ويحيي به السنة ويطفئ به نيران البدعة, ويكون الناس في زمانه أعزّاء ظاهرين على من خالفهم, ويعيشون أطيب عيش, ويرسل الله السماء عليهم مدراراً, وتخرج الأرض زهرها ونباتها, فلا تدخر من نباتها شيئاً, فيمكث على ذلك سبع سنين ثم يموت).
      5- ورد في كتاب العرف الوردي: (وأخرج أبو الحسين بن المنادى في كتاب (الملاحم) عن سالم بن أبي الجعد، قال:يكون المهدي إحدى وعشرين سنة, أو اثنين وعشرين سنة, ثم يكون أخر من بعدهوهو دونه, وهو صالح, أربع عشرة سنة, ثم يكون آخر من بعده, وهو دونه, وهو صالح, تسع سنين).
      وفي العرف الوردي كذلك: (ثم قال: ثنا أبو بكر بن أحمد بن محمد بن عبدالله بن صدقة, ثنا محمد بن إبراهيم أبو أمية الطرسوسي،ثنا أبو نعيم الفضل بن دكين, ثنا شريك بن عبدالله, [عن] عمار بن عبد الله الدهني، عن سالم بن أبى الجعد، قال: يكون المهدي إحدى وعشرين سنة, أو اثنين وعشرين سنة, ثم يكون آخر من بعده وهو صالح أربع عشرة سنة, ثم يكون آخر من بعده وهو صالح تسع سنين).
      6- ورد في فتن المروزي: (حدثنا ابن وهب، عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، عن أبي عبد الرحمن الحبلي، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: سيلي أمر هذه الأمة خلفاء يتوالون كلهم صالح وعليهم تفتح الأرضين كلها أولهم جابر، قال بن أنعم: يجبر الله الناس على يديه، والثاني المفرح وهو كالطيرة لفروخها، والثالث ذو العصب يمكث أربعين سنة لا خير في الدنيا بعدهم، قال: ونسيت ما قال في ذي العصب وهو رجل صالح). وقوله: (وعليهم تفتح الأرضين كلها) يدل على المهديين.
      7-وفي فتن المروزي كذلك: (حدثنا الوليد، عن أبي عبد الله مولى بني أمية، عن محمد بن الحنفية، قال: ينزل خليفة من بني هاشم بيت المقدس يملأ الأرض عدلاً، يبني بيت المقدس بناء لم يبنى مثله، يملك أربعين سنة تكون هدنة الروم على يديه في سبع سنين بقين من خلافته، ثم يغدرون به، ثم يجتمعون له بالعمق فيموت فيها غمّاً، ثم يلي بعده رجل من بني هاشم، ثم تكون هزيمتهم وفتح القسطنطينية على يديه، ثم يسير إلى رومية فيفتحها ويستخرج كنوزها ومائدة سليمان بن داود (عليهما السلام)، ثم يرجع إلى بيت المقدس فينزلها ويخرج الدجال في زمانه، وينزل عيسى بن مريم ع فيصلي خلفه).
      8-وفي فتن المروزي: (حدثنا يحيى بن سعيد العطار، عن سليمان بن عيسى وكان علامة في الفتن، قال: بلغني أنّ المهدي يمكث أربعة عشر سنة ببيت المقدس ثم يموت، ثم يكون من بعده شريف الذكر من قوم تبع يقال له منصور ببيت المقدس إحدى وعشرين سنة، خمسة عشر منها عدل، وثلاث سنين جور، وثلاث سنين منها حرمان الأموال، لا يعطى أحد درهم، يقسم أهل الذمة بين مقاتلته وهو الذي يبقى الموالي عمق الأعماق، وهو الذي يدوس ولد إسماعيل كما يدوس البقر الأندر، وهو الذي يخرج عليه المولى اسمه اسم نبي وكنيته كنية نبي يسير إليه من الأعماق حتى يلقى منصور ببطن أريحاء فيقاتله فيقتله، ثم يملك المولى وينفى ولد قحطان وولد إسماعيل إلى مدينتي كنز العرب المدينة وصنعاء، وهو الذي يخرج على يديه الترك والروم حتى يملكوا ما بين عمق أنطاكية إلى جبل الكربل بفلسطين بمرج مدينة عكا، يملك المولى ثلاث سنين ثم يقتل ثم يملك من بعده هيم( ) المهدي الثاني وهو الذي يقتل الروم ويهزمهم ويفتح القسطنطينية ويقيم فيها ثلاث سنين، أربعة أشهر وعشرة أيام، ثم ينزل عيسى بن مريم ع فيسلم الملك إليه).
      9-وروى أحمد بن حنبل في مسنده، عن العباس بن عبد المطلب، قال: (قال رسول الله : يملك من ولدي اثني عشر خليفة، ثم يخرج المهدي من بعدي، يصلح الله أمره في ليلة واحدة).
      10-كتاب المهدي 4279: حدثنا عمرو بن عثمان، ثنا مروان بن معاوية، عن إسماعيل يعنى ابن أبي خالد، عن أبيه، عن جابر بن سمرة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يزال هذا الدين قائماً حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم تجتمع عليه الأمة. فسمعت كلاماً من النبي صلى الله عليه وسلم لم أفهمه، قلت لأبي: ما يقول؟ قال: كلهم من قريش).قوله: (تجتمع عليه الأمة) لا ينصرف لغير المهديين .
      المهديون في رؤيا يوحنا:
      (1بَعْدَ هذَا نَظَرْتُ وَإِذَا بَابٌ مَفْتُوحٌ فِي السَّمَاءِ، وَالصَّوْتُ الأَوَّلُ الَّذِي سَمِعْتُهُ كَبُوق يَتَكَلَّمُ مَعِي قَائِلاً: اصْعَدْ إِلَى هُنَا فَأُرِيَكَ مَا لاَ بُدَّ أَنْ يَصِيرَ بَعْدَ هذَا. 2وَلِلْوَقْتِ صِرْتُ فِي الرُّوحِ، وَإِذَا عَرْشٌ مَوْضُوعٌ فِي السَّمَاءِ، وَعَلَى الْعَرْشِ جَالِسٌ. 3 وَكَانَ الْجَالِسُ فِي الْمَنْظَرِ شِبْهَ حَجَرِ الْيَشْبِ وَالْعَقِيقِ، وَقَوْسُ قُزَحَ حَوْلَ الْعَرْشِ فِي الْمَنْظَرِ شِبْهُ الزُّمُرُّدِ.4 وَحَوْلَ الْعَرْشِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ عَرْشاً. وَرَأَيْتُ عَلَى الْعُرُوشِ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ شَيْخاً جَالِسِينَ مُتَسَرْبِلِينَ بِثِيَابٍ بِيضٍ، وَعَلَى رُؤُوسِهِمْ أَكَالِيلُ مِنْ ذَهَبٍ). هؤلاء الأربعة وعشرون شيخاً هم الأئمة الاثنا عشر، والمهديون الاثنا عشر من ذرية رسول الله محمد ص .
      ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
      نتائج مهمة:
      نستدل مما تقدم عدة نتائج، نكتفي عنها بذكر بعضها وربما نضيف اخرى لاحقا بحسب الحاجة:
      أولا: المهديون عليهم السلام اوصياء لرسول الله صلى الله عليه وآله، وبالنتيجة حجج على العباد، ويشكلون عدة ثانية بعد العدة الاولى المتمثلة بالائمة الاثني عشر عليهم السلام.
      ثانياً: المهديون لهم مقام الامامة كما نصت بعض الروايات.
      ثالثا: عبرت الروايات عن هؤلاء الخلفاء بمصطلح المهديون والقوام، وبالتالي يصح ان يطلق على كل منهم انه قائم، كما يصح أن يطلق عليه بأنه مهدي.
      بعض التحقيقات:
      أ‌- تواتر روايات المهديين:
      روايات المهديين كما يُلاحظ متواترة من حيث المعنى، ولكن المعاندين الذين اعدوا لكل حق باطلا طعنوا كعادتهم بهذا التواتر زاعمين ان اثبات التواتر المعنوي يتوقف على اثباته في كل طبقة طبقة كما هو شأن التواتر اللفظي.
      تحقيق المسألة:
      1- لابد ان نفهم ان الامر برمته يقع في خانة الزام الخصم بما يلتزم به، بمعنى ان البحث في مسالة التواتر منشؤه الفكرة القائلة بان العقائد لا تبنى على اخبار الاحاد لان هذه الاخبار مظنونة الصدور، والقطع او العلم بالصدور بصورة تطمئن لها النفس يستدعي كثرة الاخبار كثرة تبلغ ما يسمونه حد التواتر – وان لم يضبطوا هذا الحد - .
      2- مرة يصدر الخبر عن المصدر الذي هو القائل مرة واحدة، ولكي يثبت التواتر في هذه الحالة لابد أن يصلنا الخبر من نقل جماعة كثيرة عن جماعة كثيرة إلى أن نتصل بالمصدر. ومرة أخرى يتكرر صدور الخبر عن المصدر مرات كثيرة، أو متواترة، وفي هذه الحالة يثبت التواتر من خلال الكشف عن نفس الصدور المتكرر.
      التواتر اللفظي تنطبق عليه الحالة الاولى حيث يصدر الكلام مرة واحدة عن القائل وينقله عنه جماعة وعن الجماعة جماعة حتى يصلنا او يصل الى صاحب الكتاب فيدونه في كتابه. ولابد أن نتأكد من كل الطبقات باعتبار انه يمكن أن يكون منقول عن جماعة والجماعة تنقله عن جماعة ولكنه منقول في إحدى الطبقات عن شخص واحد فلا يكون متواترا بل خبر واحد في أصله. هذا المحذور غير وارد في حالة التواتر المعنوي لان تواتره غير ناشئ من كثرة الناقلين بل من كثرة الصدور.
      ب‌- المهديون بعد الأئمة:
      الروايات تقول إن المهديين بعد الأئمة، فما معنى هذه البعدية؟ وهل تقتضي أن لا يكون لبعض المهديين وجود أو حجية في زمن الأئمة؟
      تحقيق المسألة:
      ان كون المهديين بعد الائمة لا يعني ان بعضهم لا يشترك في الزمن مع الائمة، أي لا يعني انه ليست هناك مساحة زمنية يشترك فيها بعض المهديين مع بعض الائمة عليهم السلام. وأقول (لا يعني) وأقصد إن كلمة (بعد) لا تمنع هذا، وهذا هو المطلوب والمهم بالنسبة لي، لانني بصدد استيضاح هذه المسألة والتحقق منها، وهي: هل ان كلمة (بعد) تقتضي ان يكون كل المهديين بعد كل الائمة بحيث لا يشترك بعضهم مع بعض الائمة في أي مساحة زمنية؟
      لنتأمل الآن الفقرة التالية الواردة في رواية الوصية المقدسة، وهي: (يا علي، إنه سيكون بعدي إثنا عشر إماماً، ومن بعدهم إثنا عشر مهدياً، فأنت يا علي أول الإثني عشر إماماً...). من الواضح أن الأئمة الإثني عشر عليهم السلام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، وعلي عليه السلام من الأئمة، وعليه لو كانت كلمة (بعد) تقتضي عدم اشتراك أيٍ من الأئمة في الزمن مع النبي - باعتبارهم بعده - فلابد أن لا يكون علي – وهو من الأئمة – غير مشترك مع النبي في الزمن، والتالي باطل والأول إذن مثله. أي إنه ثبت أن علياً ع عاصر النبي وعليه لا تكون كلمة (بعد) دالة على منع معاصرة بعض الائمة للنبي ص، فلا تكون بالنتيجة دالة على منع وجود بعض المهديين في زمن بعض الأئمة.
      بل إن لدينا روايات تدل على أن لعليٍ ع حجية في زمن رسول الله ص، ولم تمنع كلمة (بعد) هذه الحجية، وبالتالي هي أي كلمة (بعد) لا تصلح لئن تكون مانعاً من وجود حجية لبعض المهديين في زمن بعض الائمة ع، وإليكم الروايات المشار إليها:
      روى الشيخ الصدوق: ((عن أحمد بن إسحاق ابن سعد، عن بكر بن محمد الأزدي، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: كان لي من رسول الله صلى الله عليه وآله عشر ما يسرني بالواحدة منهن ما طلعت عليه الشمس قال: أنت أخي في الدنيا والآخرة، وأنت أقرب الناس مني موقفا يوم القيامة، ومنزلك تجاه منزلي في الجنة كما يتواجه الاخوان في الله، وأنت صاحب لوائي في الدنيا والآخرة، وأنت وصيي ووارثي وخليفتي في الأهل والمال والمسلمين في كل غيبة، شفاعتك شفاعتي، ووليك وليي ووليي ولي الله، وعدوك عدوي وعدوي عدو الله)).
      وروى الشيخ الصدوق، قال: ((حدثنا أبي ، ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنهما قالا: حدثنا سعد بن عبد الله قال: حدثنا محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن الحكم بن - مسكين الثقفي، عن أبي الجارود وهشام أبي ساسان، وأبي طارق السراج، عن عامر بن واثلة قال: كنت في البيت يوم الشورى فسمعت عليا عليه السلام وهو يقول: استخلف الناس أبا بكر وأنا والله أحق بالامر وأولى به منه ... قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى الله عليه وآله: "أنت الخليفة في الأهل والولد والمسلمين في كل غيبة ...الخ)).
      وورد في كتاب مناقب أمير المؤمنين: (((حدثنا) محمد بن منصور، عن الحكم بن سليمان عن نصر بن مزاحم، عن أبي خالد الواسطي، عن زيد بن علي، عن أبيه عن جده: عن علي عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا علي أنت الخليفة في الأهل والمال وفي المسلمين في كل غيبة. يعني بذلك (في) حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)).
      هذه الأحاديث صريحة في أن علياً عليه السلام هو الحجة على الناس في حال غيبة رسول الله صلى الله عليه وآله، وإذا أمكن هذا في حالة علي عليه السلام، ولم تمنعه عبارة (سيكون بعدي إثنا عشر إماماً) يصبح ممكناً في حالة (أحمد)، ولن تمنعه عبارة: (ومن بعدهم إثنا عشر مهدياً).
      ت‌- ذرية الإمام المهدي:
      إن الإقرار بروايات المهديين يستدعي الإقرار بأن الإمام المهدي متزوج، وله ذرية، بل اذا أخذنا ما تدعو له الدعوة اليمانية المباركة بالاعتبار لابد ان نقول ان الذرية موجودة في زمن الغيبة الكبرى.
      تحقيق المسألة:
      1- بالنسبة لإثبات الذرية فان روايات المهديين تكفي بحد ذاتها لاثباتها، ولكننا مع ذلك نضيف لها روايات اخرى ، هذه بعضها:
      الأدلة على وجود ذرية للإمام المهدي ع

      الدليل الأول :
      روى الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة بسندين معتبرين عن المفضل بن عمر قال: ( سمعت أبا عبد الله يقول: إن لصاحب هذا الأمر غيبتين أحدهما تطول حتى يقول بعضهم مات ويقول بعضهم قتل، ويقول بعضهم ذهب، حتى لا يبقى على أمره من أصحابه إلا نفر يسير لا يطلع على موضعه أحداً من ولده ولا غيره إلا المولى الذي يلي أمره).
      الدليل الثاني :
      روى الشيخ الطوسي وجماعة بأسانيد متعددة عن يعقوب بن الضراب الاصفهاني انه حج في سنة إحدى وثمانون ومائتين فنـزل بمكة في سوق الليل بدار تسمى دار خديجة ، وفيها عجوز كانت واسطة بين الشيعة وإمام العصر {عليه السلام} – والقصة طويلة – وذكر في أخرها انه ع أرسل إليها دفتراً وكان مكتوباً فيه صلوات على رسول الله وباقي الأئمة وعليه صلوات الله عليه ، وأمره إذا أردت أن تصلي عليهم فصلي عليهم هكذا وهو طويل ، وفي موضع منه :
      (اللهم أعطه في نفسه وذريته وشيعته ورعيته وخاصته وعامته وعدوه ، وجميع أهل الدنيا ما تقر به عينه). وفي أخره هكذا (اللهم صل على محمد المصطفى وعلي المرتضى وفاطمة الزهراء والحسن الرضا والحسين المصفى وجميع الأوصياء ، مصابيح الدجى وأعلام الهدى ومنار التقى والعروة الوثقى والحبل المتين والصراط المستقيم ، وصل على وليك وولاة عهده والأئمة من ولده ، ومد في أعمارهم وزد في آجالهم وبلغهم أقصى آمالهم دنيا وديناً وآخرة انك على كل شيء قدير) .
      الدليل الثالث :
      في زيارته المخصوصة التي تقرا في يوم الجمعة ، ونقل السيد رضي الدين علي بن طاووس في كتاب (جمال الأسبوع) (صلى الله عليك وعلى آل بيتك الطيبين الطاهرين) وفي موضع آخر منها : (صلوات الله عليك وعلى آل بيتك هذا يوم الجمعة) وفي أخرها قال (صلوات الله عليك وعلى آل بيتك الطاهرين) .
      الدليل الرابع :
      ونقل في آخر كتاب (مزار) بحار الأنوار عن كتاب (مجموع الدعوات) لهارون موسى التلعكبري (سلاماً وصلاة طويلة من رسول الله واحد واحد من الأئمة وبعد ذكر السلام والصلاة على الحجة {عليه السلام} ذكر سلاما وصلاة خاصة على ولاة عهد الحجة {عليه السلام} وعلى الأئمة من ولده ودعى لهم ، (السلام على ولاة عهده ، والأئمة من ولده اللهم صل عليهم وبلغهم أمالهم وزد في آجالهم واعز نصرهم وتمم لهم ما أسندت من أمرهم ، واجعلنا لهم أعوانا وعلى دينك أنصاراً فإنهم معادن كلماتك وخزان علمك وأركان توحيدك ودعائم دينك وولاة أمرك ، وخلصاءك من عبادك ، وصفوتك من خلقك وأولياؤك وسلائل أوليائك وصفوة أولاد أصفيائك وبلغهم منا التحية والسلام ، واردد علينا منهم السلام ، والسلام عليهم ورحمة الله وبركاته)
      الدليل الخامس :
      نقل السيد ابن طاووس (رحمه الله ) في جمال الأسبوع ص306 وغيره زيارة له ع كان في إحدى فقراتها هذا الدعاء بعد صلاة تلك الزيارة (اللهم أعطه في نفسه وذريته وشيعته ورعيته وخاصته وعامته ، و عدوه و جميع أهل الدنيا ما تقر به عينه ، وتسر به نفسه … ) .
      الدليل السادس :
      قصة الجزيرة الخضراء التي نقلها العلامة المجلسي في بحار الأنوار ، وفيها ( فسألته عن ميرة أهل بلده من أين تأتي إليهم فاني لا أرى لهم أرضا مزروعة ، فقال : تأتي إليهم ميرتهم من الجزيرة الخضراء من البحر الأبيض ، من جزائر أولاد الامام صاحب الامر عليه السلام ، فقلت له : كم تأتيكم ميرتكم في السنة ؟ فقال : مرتين ، وقد أتت مرة وبقيت الأخرى فقلت : كم بقي حتى تأتيكم ؟ قال : أربعة أشهر ).
      الدليل السابع :
      روى السيد الجليل علي بن طاووس في كتاب (عمل شهر رمضان) عن أبي قرة دعاء لابد أن يقرأ في جميع الأيام لحفظ وجود الإمام الحجة {عليه السلام} ومن فقرات هذا الدعاء ( وتجعله وذريته من الأئمة الوارثين ).
      الدليل الثامن:
      رواية الوصية التي رواها الشيخ الطوسي ، وقد مر ذكرها في روايات المهديين، وفيها قال : ( فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه أول المقربين … الخ ) .أي إذا حضرت الوفاة الإمام المهدي ع فليسلمها إلى ابنه أول المهديين.
      الدليل التاسع :
      المروي في مزار محمد بن المشهدي عن الإمام الصادق {عليه السلام} انه قال لأبي بصير : كأني أرى نزول القائم {عليه السلام} في مسجد السهلة بأهله وعياله … )( ) .
      الدليل العاشر :
      نقل العلامة المجلسي في مجلد الصلاة من البحار في أعمال صبح يوم الجمعة عن أصل قديم من مؤلفات قدمائنا دعاءاً طويلا يقرا بعد صلاة الفجر ومن فقرات الدعاء للإمام الحجة {عليه السلام} هناك هو : (اللهم كن لوليك في خلقك ولياً وحافظا وقائداً ، وناصراً حتى تسكنه أرضك طوعا ، وتمتعه منها طويلا ، وتجعله وذريته فيها الأئمة الوارثين … ).
      الدليل الحادي عشر :
      ذكر الشيخ عباس القمي (رحمه الله)في مفاتيح الجنان في الدعاء لصاحب الزمان (ع ) وتسلسله بعد دعاء العهد الشريف .
      وجاء في أحدى فقراته : ( اللهم أعطه في نفسه وأهله ووَلَدِه وذريته و أمته وجميع رعيته ما تقربه عينه وتسربه نفسه … ).
      وهذا الدعاء يهتم بذكر ولد واحد للإمام المهدي (ع ) وبعده يذكر الذرية مما يدل على أن لهذا الولد مقاما خاصاً .
      الدليل الثاني عشر :
      قول الإمام المهدي {عليه السلام} في خطبته بين الركن والمقام عند قيامه :- ( … فقد أخفنا وظلمنا وطردنا من ديارنا وأبنائنا ، وبغي علينا ودفعنا عن حقنا … ) .
      وهذا إعلان وبيان من الإمام المهدي {عليه السلام} في أول قيامه بأنه طرد من داره وأبناءه بسبب مطاردة الظالمين له ، والبحث عن آثاره {عليه السلام} في كل مكان وزمان.
      الدليل الثالث عشر :
      عن أبي الحسن الرضا ع : ( كأني برايات من مصر مقبلات ، خضر مصبغات ، حتى تأتي الشامات فتهدى إلى ابن صاحب الوصيات ) .
      فدلالة هذه الرواية واضحة على إن قبل قيام القائم تهدى الرايات (أي تبايع) إلى ابن صاحب الوصيات . وصاحب الوصيات هو وارث الأئمة المعصومين وخاتمهم ومن انتهت إليه الوصية وهو الإمام محمد ابن الحسن العسكري صاحب الزمان ع وهو المستحفظ من ال محمد ع . والرواية تنص على أن الرايات تهدى الى ابن صاحب الوصيات أي ابن الإمام المهدي ع .
      الدليل الرابع عشر :
      ورد ذكر ذرية الإمام المهدي ع في ( دعاء يوم الثالث من شعبان ) يوم ولادة الإمام الحسين ع .
      عن أبي القاسم ابن علاء الهمداني وكيل الإمام العسكري ع إن الحسين ع ولد يوم الخميس لثلاث خَلَون من شعبان فصمه وأدع بهذا الدعاء :
      ( اللهم أني أسألك بحق المولود بهذا اليوم …… قتيل العبرة وسيد الأسرة الممدود بالنصرة يوم الكرة المعوض من قتلِه إن الأئمة من نسله والشفاء في تربته والفوز معه في أوبته والأوصياء من عترته بعد قائمهم وغيبته حتى يدركوا الأوتار ويثأروا الثار ويرضوا الجبار ويكونوا خير أنصار صلى الله عليهم مع اختلاف الليل والنهار … ) .
      الدليل الخامس عشر :
      مدح الإمام الحسن العسكري ع لأسباطه من ذرية القائم ع :- عن المجلسي قال : وجد بخط الإمام ابي محمد العسكري ع على ظهر الكتاب ( قد صعدنا ذرى الحقائق بأقدام النبوة والولاية وذرنا سبع طرائق بأعلام الفتوة والهداية ونحن ليوث الوغى وغياث الندى وفينا السيف والقلم في العاجل ولواء الحمد في الآجل أسباطنا خلفاء الدين القويم ومصابيح الأمم ومفاتيح الكرم … ) .
      وهنا أشار الإمام الحسن العسكري الى أسباطه ( أسباطنا خلفاء الدين القويم ) والسبط ابن الابن ولا يوجد ابن للإمام الحسن العسكري ع غير الإمام المهدي ع فتعين أن يكون هؤلاء الأسباط من ذرية الإمام المهدي ع وخلفاءه في الأمة . وأيضاً هذا الخبر يعضد روايات ذرية الإمام المهدي ع الذين يحكمون بعده ع .

      2- في النقطة الأولى أثبتنا من خلال الروايات وجود الذرية، وبعض هذه الروايات كما لاحظتم تدل على أن الذرية موجودة في زمن الغيبة الكبرى. ولكن مع ذلك لابد من التنبية لأمر مهم جداً، وهو ان الحديث عن وجود الذرية في عصر الغيبة الكبرى تأتي اهميته من ارتباطه بالدعوة اليمانية المباركة، والا فإن الامر بقطع النظر عن هذه العلاقة لا اهمية له.
      3- بالنسبة لنا في الدعوة اليمانية المباركة، نحن ليست دعوتنا هي ان للامام المهدي أبناء في الغيبة الكبرى، وليست دعوتنا هي ان السيد احمد الحسن هو ابن الإمام المهدي، بل دعوتنا هي ان السيد احمد الحسن ع هو وصي من اوصياء رسول الله ص ورسول من الامام المهدي، هذه هي دعوتنا. الان هذه الدعوة هل تتوقف على اثبات ان للامام المهدي ع ذرية في عصر الغيبة الكبرى على نحو الجزم والقطع؟؟ الجواب هو: لا، لا تتوقف على هذا الاثبات القطعي الجازم، بل يكفي ان يكون هذا الامر – أي وجود الذرية ممكنا او محتملا- ، اذ طالما كان ممكناً فلا محذور يقف بوجه الاعتقاد بها من هذه الجهة. نعم هناك محذور اذا ثبت بالدليل امتناع وجود الذرية في عصر الغيبة الكبرى على نحو الجزم والقطع، لان امتناع الذرية يعني امتناع الولد ويعني امتناع وجود الوصي المرسل.
      ولكن هل يعني ذلك ان علينا ان نثبت ان الذرية موجودة على وجه القطع ام ان اثبات الامكانية كما قلنا يكفي بالتاكيد اثبات الامكان يكفينا، وعلى من يريد ان ينقض علينا ان يثبت هو امتناع وجود الذرية في عصر الغيبة الكبرى.

      ث‌- قوم من شيعتنا:
      وردت في الروايات رواية تصف المهديين بأنهم (قوم من شيعتنا)، فهل يعني هذا انهم ليسوا أئمة ولا حججاً؟
      تحقيق المسألة:
      أقول: الإمام عليه السلام حين قال: (إنما قال اثنا عشر مهدياً، ولم يقل: إثنا عشر إماماً) لم يكن بصدد نفي كونهم أئمة، وإنما إثبات كونهم مهديين. ولكي يتوضح الأمر أضرب هذا المثل: لو إنني قلت: جاء الناجحون. ثم بعد أيام جاء سين من الناس وقال لي: أنت قلت جاء المتفوقون. فأرد عليه: لم أقل جاء المتفوقون، بل قلت جاء الناجحون. فهل يدل كلامي هذا على إني أنفي صفة التفوق عنهم؟؟
      بالتأكيد لا، لأنه قد يكون بعضهم، أو كلهم متفوقون، ولكني كنت في وقت ما قبل قولي (جاء الناجحون) قد تحدثت عن متفوقين، وأردت أن لا يلتبس الأمر على السامع، بأن يظن أن هؤلاء المتفوقين الجدد هم نفس أولئك الذين سبق أن تحدثت عنهم، فاخترت اصطلاح (الناجحون) لأميز بين هؤلاء وأولئك.
      إذن تسمية المهديين بالمهديين، وقول الإمام إن أبيه عليه السلام لم يقل أئمة، وإنما قال مهديين لا يعني أن المهديين ليسوا بأئمة.
      والحقيقة إن تعقيب الإمام الصادق عليه السلام بقوله: (ولكنهم قوم من شيعتنا يدعون الناس إلى موالاتنا ومعرفة حقنا) يدل بدوره على أنه عليه السلام أراد أن يميز بين الأئمة والمهديين عليهم السلام كي لا يشتبه الأمر فيُظن أن الأئمة هم المهديون.
      وكون المهديين قوم من شيعة آل محمد عليهم السلام لا ينفي كونهم أئمة، فهذا إبراهيم من الشيعة وهو إمام بنص القرآن الكريم.
      بل هذا رسول الله صلى الله عليه وآله من شيعة علي عليه السلام ويدعو لولايته، فعن محمد بن الفضيل عن أبي حمزة قال: قال: ((أبو جعفر عليه السلام : إن عليا آية لمحمد صلى الله عليه وآله وأن محمدا يدعو إلى ولاية علي عليه السلام)). اقول: يدعو لولاية علي يعني انه على هذا الاعتقاد حتماً. ففي القرآن: {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه}.
      وعن أبي جعفر عليه السلام، قال: ((أوحى الله إلى نبيه فاستمسك بالذي أوحى إليك انك على صراط مستقيم قال إنك على ولاية علي وعلي هو الصراط المستقيم)).
      وعن أبي حمزة قال: (قال أبو جعفر عليه السلام: ( إن عليا عليه السلام آية لمحمد و إن محمدا يدعو إلى ولاية علي عليه السلام)).
      وعن سعد بن طريف قال: قال أبو جعفر عليه السلام: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (ألا إن جبرئيل أتاني فقال يا محمد ربك يأمرك بحب علي بن أبي طالب ويأمرك بولايته).
      بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 65 - ص 157 – 158:
      (( لما جعل المأمون إلى علي بن موسى الرضا عليهما السلام ولاية العهد دخل عليه آذنه وقال : إن قوما بالباب يستأذنون عليك يقولون نحن شيعة علي فقال عليه السلام : أنا مشغول فاصرفهم ، فصرفهم فلما كان من اليوم الثاني جاؤوا وقالوا كذلك مثلها فصرفهم إلى أن جاؤوا هكذا يقولون ويصرفهم شهرين ثم أيسوا من الوصول وقالوا للحاجب : قل لمولانا إنا شيعة أبيك علي بن أبي طالب عليه السلام وقد شمت بنا أعداؤنا في حجابك لنا ، ونحن ننصرف هذه الكرة ونهرب من بلدنا خجلا وأنفة مما لحقنا ، وعجزا عن احتمال مضض ما يلحقنا بشماتة الأعداء ! فقال علي بن موسى الرضا عليه السلام : ائذن لهم ليدخلوا ، فدخلوا عليه فسلموا عليه فلم يرد عليهم ولم يأذن لهم بالجلوس ، فبقوا قياما فقالوا : يا ابن رسول الله ما هذا الجفاء العظيم والاستخفاف بعد هذا الحجاب الصعب ؟ أي باقية تبقي منا بعد هذا ؟ فقال الرضا عليه السلام : اقرؤا " وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير " ما اقتديت إلا بربي عز وجل فيكم ، وبرسول الله وبأمير المؤمنين ومن بعده من آبائي الطاهرين عليهم السلام ، عتبوا عليكم فاقتديت بهم ، قالوا لماذا يا ابن رسول الله ؟ قال : لدعواكم أنكم شيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام . ويحكم إنما شيعته الحسن والحسين وأبو ذر وسلمان والمقداد وعمار و محمد بن أبي بكر الذين لم يخالفوا شيئا من أوامره ، ولم يركبوا شيئا من فنون زواجره ...)).
      Last edited by اختياره هو; 23-02-2013, 22:21.

      Comment

      • أبو محمد الأنصاري
        مشرف
        • 06-10-2009
        • 325

        #4
        رد: ادلة الدعوة : كتاب جامع الأدلة ـــ دكتور عبد الرزاق الديراوي


        بسم الله الرحمن الرحيم
        اللهم صل على محمد وآل محمد الائمة والمهديين وسلم تسليما
        الدرس الثالث
        شبهات حول عقيدة المهديين عليهم السلام
        التسجيل الصوتي للمحاضرة ــ للاستماع والتحميل اضغط هنا



        أ‌- قوم من شيعتنا:

        وردت في الروايات رواية تصف المهديين بأنهم (قوم من شيعتنا)، فهل يعني هذا انهم ليسوا أئمة ولا حججاً؟
        تحقيق المسألة:
        أقول: الإمام عليه السلام حين قال: (إنما قال اثنا عشر مهدياً، ولم يقل: إثنا عشر إماماً) لم يكن بصدد نفي كونهم أئمة، وإنما إثبات كونهم مهديين.
        ولكي يتوضح الأمر أضرب هذا المثل: لو إنني قلت: جاء الناجحون. ثم بعد أيام جاء سين من الناس وقال لي: أنت قلت جاء المتفوقون. فأرد عليه: لم أقل جاء المتفوقون، بل قلت جاء الناجحون. فهل يدل كلامي هذا على إني أنفي صفة التفوق عنهم؟؟
        بالتأكيد لا، لأنه قد يكون بعضهم، أو كلهم متفوقون، ولكني كنت في وقت ما قبل قولي (جاء الناجحون) قد تحدثت عن متفوقين، وأردت أن لا يلتبس الأمر على السامع، بأن يظن أن هؤلاء المتفوقين الجدد هم نفس أولئك الذين سبق أن تحدثت عنهم، فاخترت اصطلاح (الناجحون) لأميز بين هؤلاء وأولئك.

        إذن تسمية المهديين بالمهديين، وقول الإمام إن أبيه عليه السلام لم يقل أئمة، وإنما قال مهديين لا يعني أن المهديين ليسوا بأئمة.

        والحقيقة إن تعقيب الإمام الصادق عليه السلام بقوله: (ولكنهم قوم من شيعتنا يدعون الناس إلى موالاتنا ومعرفة حقنا) يدل بدوره على أنه عليه السلام أراد أن يميز بين الأئمة والمهديين عليهم السلام كي لا يشتبه الأمر فيُظن أن الأئمة هم المهديون.

        وكون المهديين قوم من شيعة آل محمد عليهم السلام لا ينفي كونهم أئمة، فهذا إبراهيم من الشيعة وهو إمام بنص القرآن الكريم.

        بل هذا رسول الله صلى الله عليه وآله من شيعة علي عليه السلام ويدعو لولايته، فعن محمد بن الفضيل عن أبي حمزة قال: قال: ((أبو جعفر عليه السلام إن عليا آية لمحمد صلى الله عليه وآله وأن محمدا يدعو إلى ولاية علي عليه السلام))( ). اقول: يدعو لولاية علي يعني انه على هذا الاعتقاد حتماً. ففي القرآن: {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه}.
        وعن أبي جعفر عليه السلام، قال: ((أوحى الله إلى نبيه فاستمسك بالذي أوحى إليك انك على صراط مستقيم قال إنك على ولاية علي وعلي هو الصراط المستقيم))( ).
        وعن أبي حمزة قال: ((قال أبو جعفر عليه السلام: إن عليا عليه السلام آية لمحمد و إن محمدا يدعو إلى ولاية علي عليه السلام))( ).
        وعن سعد بن طريف قال: قال أبو جعفر عليه السلام: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (ألا إن جبرئيل أتاني فقال يا محمد ربك يأمرك بحب علي بن أبي طالب ويأمرك بولايته)( ).
        بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 65 - ص 157 – 158:
        (( لما جعل المأمون إلى علي بن موسى الرضا عليهما السلام ولاية العهد دخل عليه آذنه وقال : إن قوما بالباب يستأذنون عليك يقولون نحن شيعة علي فقال عليه السلام : أنا مشغول فاصرفهم ، فصرفهم فلما كان من اليوم الثاني جاؤوا وقالوا كذلك مثلها فصرفهم إلى أن جاؤوا هكذا يقولون ويصرفهم شهرين ثم أيسوا من الوصول وقالوا للحاجب : قل لمولانا إنا شيعة أبيك علي بن أبي طالب عليه السلام وقد شمت بنا أعداؤنا في حجابك لنا ، ونحن ننصرف هذه الكرة ونهرب من بلدنا خجلا وأنفة مما لحقنا ، وعجزا عن احتمال مضض ما يلحقنا بشماتة الأعداء ! فقال علي بن موسى الرضا عليه السلام : ائذن لهم ليدخلوا ، فدخلوا عليه فسلموا عليه فلم يرد عليهم ولم يأذن لهم بالجلوس ، فبقوا قياما فقالوا : يا ابن رسول الله ما هذا الجفاء العظيم والاستخفاف بعد هذا الحجاب الصعب ؟ أي باقية تبقي منا بعد هذا ؟ فقال الرضا عليه السلام : اقرؤا " وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير " ما اقتديت إلا بربي عز وجل فيكم ، وبرسول الله وبأمير المؤمنين ومن بعده من آبائي الطاهرين عليهم السلام ، عتبوا عليكم فاقتديت بهم ، قالوا لماذا يا ابن رسول الله ؟ قال : لدعواكم أنكم شيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام . ويحكم إنما شيعته الحسن والحسين وأبو ذر وسلمان والمقداد وعمار و محمد بن أبي بكر الذين لم يخالفوا شيئا من أوامره ، ولم يركبوا شيئا من فنون زواجره ...)).

        ح- التعارض بين روايات المهديين وروايات الرجعة:

        وردت روايات تدل على أن بعد القائم تقع الرجعة من قبيل ما ورد عن جابر الجعفي، قال: (سمعت أبا جعفر ع يقول: والله ليملكن منّا أهل البيت رجل بعد موته ثلاثمائة سنة يزداد تسعاً. قلت: متى يكون ذلك؟ قال: بعد القائم. قلت: وكم يقوم القائم في عالمه؟ قال: تسع عشرة سنة، ثم يخرج المنتصر فيطلب بدم الحسين ودماء أصحابه، فيقتل ويسبي حتى يخرج السفاح)( ).
        وفي البحار: (عن تفسير العياشي: عن جابر، قال: سمعت أبا جعفر ع يقول: والله ليملكن رجل منّا أهل البيت الأرض بعد موته ثلاثمائة سنة، ويزداد تسعاً. قال: قلت: فمتى ذلك؟ قال: بعد موت القائم. قال: قلت: وكم يقوم القائم في عالمه حتى يموت؟ قال: تسع عشرة سنة، من يوم قيامه إلى موته. قال: قلت: فيكون بعد موته هرج؟ قال: نعم، خمسين سنة. قال: ثم يخرج المنصور إلى الدنيا فيطلب دمه ودم أصحابه فيقتل ويسبي حتى يقال لو كان هذا من ذرية الأنبياء ما قتل الناس كل هذا القتل، فيجتمع الناس عليه أبيضهم وأسودهم، فيكثرون عليه حتى يلجؤونه إلى حرم الله، فإذا اشتد البلاء عليه مات المنتصر، وخرج السفاح إلى الدنيا غضباً للمنتصر، فيقتل كل عدو لنا جائر، ويملك الأرض كلها، ويصلح الله له أمره، ويعيش ثلاثمائة سنة ويزداد تسعاً.
        ثم قال أبو جعفر ع:يا جابر، وهل تدري من المنتصر والسفاح؟ يا جابر، المنتصر الحسين، والسفاح أمير المؤمنين صلوات الله عليهم أجمعين)

        وورد عن الإمام الصادق ع، قال: (ويقبل الحسين ع في أصحابه الذين قتلوا معه ومعه سبعون نبياً كما بعثوا مع موسى بن عمران ع، فيدفع إليه القائم ع الخاتم فيكون الحسين ع هو الذي يلي غسله وكفنه وحنوطه ويواري به في حفرته ع)( ).

        تحقيق المسألة:
        التعارض هو التنافي، أي أن يتوارد خبران ثبوت أحدهما يترتب عليه نفي الخبر الآخر،
        مثل أن يقول شخص: الوقت الآن في العراق ليل، ويقول آخر: الوقت الآن في العراق نهار. فإن كون الوقت ليلا يعني إنه ليس نهارا، وكونه نهارا يعني إنه ليس ليلا، وعليه إذا ثبت خبر فإنه ينفي الخبر الآخر.
        من هذا نفهم أن التعارض يقع بين إثبات ونفي، أي بين خبرين أحدهما يثبت شيئاً (يثبت الليل مثلاً) وآخر ينفيه (ينفي الليل، باعتبار أن إثبات النهار = نفي الليل)، أما بين نفيين ، أو إثباتين فلا تُتصور وقوع التعارض.
        إذا اتضح هذا نعود لمسألتنا، وهنا نقاط:
        على العموم لا تعارض بين الروايات التي تتحدث عن وقوع الرجعة والروايات التي تثبت المهديين، لأننا علمنا أن التعارض لا يقع بين إثباتين، وروايات الرجعة تثبت شيئاً ومثلها روايات المهديين تثبت شيئاً.
        نعم يمكن أن نتصور حصول التعارض فيما لو كانت روايات الرجعة تقول أن الرجعة تحصل بعد الإمام المهدي محمد بن الحسن عليه السلام مباشرة، وبدون أي فاصل زمني، فإنها في هذه الحالة تنفي وجود مهديين، لأن روايات المهديين تقول إنهم يكونون بعد الإمام المهدي محمد بن الحسن عليه السلام مباشرة، فيحصل التنافي، وهذا في الحقيقة ما قد فهمه البعض من الروايات أعلاه، لأنهم فهموا أن القائم المذكور فيها هو الإمام محمد بن الحسن عليه السلام.

        الجواب:
        فهمهم منتقض بجملة أمور، منها:
        أولاً: هذه الروايات – بعد افتراض صحة فهمهم، وهو غير صحيح كما سنرى – تكون شاذة إذا ما قيست بروايات المهديين المتواترة، وبالتالي إما أن يُصار إلى تأويلها بما يتفق مع روايات المهديين، وإما أن تُرد إلى المعصوم ليحكمها.
        ثانياً: فهمهم لا وجه له إلا إذا افترضنا أن وصف القائم لا ينطبق على غير الإمام المهدي محمد بن الحسن عليه السلام، وهذا غير صحيح لأنه ورد أن وصف القائم ينطبق على جميع الأئمة، ففي الكافي: (الحسين بن محمد الأشعري، عن معلى بن محمد، عن الوشاء، عن أحمد بن عائذ، عن أبي خديجة، عن أبي عبد الله أنه سئل عن القائم فقال: كلنا قائم بأمر الله، واحد بعد واحد حتى يجيء صاحب السيف، فإذا جاء صاحب السيف جاء بأمر غير الذي كان)( ).
        بل ورد في روايات المهديين أن المهديين (قوام)، أي أن كلاً منهم هو قائم. وعليه يمكن الجمع بين هذه الروايات وبين روايات المهديين بالقول أن القائم الذي يرجع عليه الإمام الحسين عليه السلام هو آخر المهديين.
        ثالثاً: ورد عن الحسن بن علي الخراز، قال: (دخل علي بن أبي حمزة على أبي الحسن الرضا ع فقال له: أنت الإمام؟ قال: نعم. فقال له: إني سمعت جدك جعفر بن محمد يقول لا يكون الإمام إلا وله عقب، فقال: أنسيتَ يا شيخُ، أو تناسيت؟! ليس هكذا قال جعفر، إنما قال جعفر ع: لا يكون الإمام إلا وله عقب، إلا الإمام الذي يخرج عليه الحسين بن علي فإنه لا عقب له. فقال له: صدقتَ جعلتُ فداك هكذا سمعتُ جدّك يقول)( ).
        ومن خلال هذه الرواية يمكن أن نتعرف على هوية القائم أو الإمام الذي يرجع عليه الحسين، فهو موصوف هنا بأنه (لا عقب له)، وهذه علامة مهمة جداً لأننا نعلم من خلال الكثير جدا من الروايات أن الإمام المهدي محمد بن الحسن عليه السلام عنده ذرية وبالتالي ليس هو من يرجع عليه الإمام الحسين عليه السلام.
        ملاحظة: لمن أراد المزيد يمكن الاطلاع على ما كتبه الإمام أحمد الحسن عليه السلام والأخوة الأنصار في هذا الصدد.

        خ- التعارض مع الروايات التي دلت على أن الأئمة إثنا عشر:
        هناك روايات دلت على أن الأئمة إثنا عشر فهل تتعارض هذه الروايات مع روايات المهديين؟

        تحقيق المسألة:
        1- علمنا مما تقدم أن لا تعارض بين إثبات وإثبات، وهنا كل طائفة من هاتين الروايات تثبت مدلولها، ولا تنفي مدلول الآخر، فالمهديون يحكمون في زمن غير الزمن الذي يحكم فيه الأئمة.
        2- قد يقال: إن دلالة روايات الأئمة الإثني عشر على هذا العدد، أي عدد الإثني عشر، تعني عدم وجود غيرهم، وبالتالي فهي تنفي وجود ومهديين.
        والجواب هو أن هذا الفهم مبني على فكرة أن ذكر عدد معين يُفهم منه نفي ما عداه، فإذا قلت نجح في الامتحان عشرة أشخاص فكأنك قلت: لم ينجح في الامتحان عشرون أو ثلاثون.
        والحق إن هذا الفهم غير صحيح، فإنك قد تقول: نجح في الامتحان عشرة أشخاص دون أن تقصد عدم وجود ناجح غيرهم، كأن يكون قصدك هو أن الامتحان كان سهلاً جداً، والمفروض الكل يأخذ فيه أعلى الدرجات، بل إن من لا يأخذ أعلى الدرجات تكون معلوماته ضعيفة جداً، وبالتالي فالعشرة الذين ذكرتهم قد نجحوا بدرجات عالية لا تقاس بها درجات غيرهم من الناجحين، ونظراً لهذا التميز قلت إن الناجحين عشرة، لأنهم هم وحدهم تستطيع ان تطمئن الى ان معلوماتهم جيدة. ويمكن ان يكون السبب غير هذا.
        طبعا هذا فيما لو كنت قلت: نجح عشرة اشخاص، ولم تقل – في زمان أو مكان آخر -: نجح عشرون شخص أو ثلاثون. لأنك إذا كنت قلت في زمان آخر غير ما قلته في الزمن الأول يكون واضحاً جداً إن أحداً لا يمكنه أن يفهم من كلامك إنك تقصد إن غير العشرة لم ينجح أحد, لأنك تستطيع ببساطة ان ترد قائلا بأنك لم تقل ان غير العشرة لم ينجح احد بل بالاحرى قلت ان غيرهم نجح ايضاً. واذا قال لك: ولكنك قلت في المرة الاولى إن من نجح هم عشرة اشخاص، وهذا يُفهم منه أن غيرهم لم ينجح. فيمكنك ان تجيب: بأن هذا فهمك وأنت مسؤول عنه، أما فهمي فقد كان يجب أن تعرفه من كلامي، وانا لم اقل ان غير العشرة لم ينجح أحد وإنما قلت نجح عشرة، وقلت كذلك نجح غير العشرة، وإذا كنت تفهم من ذكر العدد نفي ما عداه فكان يمكنك ان تحيد عن هذا الفهم وتجد دلالة مناسبة لكلامي، كالدلالة التي سبق أن ذكرتها أعلاه.

        ومعلوم ان آل محمد عليهم السلام قد ذكروا الائمة الاثني عشر وذكروا غيرهم كذلك أي المهديين الاثني عشر.

        طبعا حتى الاصوليين يقولون ان العدد لا مفهوم له، أي يقولون اذا ذُكر عدد معين في الكلام فليس معنى ذلك إنه ينفي غيره، وهذه بعض كلماتهم:
        قوانين الأصول - الميرزا القمي - ص 191
        وأما مفهوم العدد فمذهب المحققين عدم الحجية فلو قيل من صام ثلاثة أيام من رجب كان له من الاجر كذا فلا يدل على عدمه إذا صام خمسة
        هداية المسترشدين - الشيخ محمد تقي الرازي - ج 2 - ص 583
        [ مفهوم العدد ] ومنها : مفهوم العدد ، وقد اختلفوا في أن تعليق الحكم عليه هل يقتضي من حيث هو نفيه عن سائر الأعداد الزائدة أو الناقصة ، أو لا بل هو ساكت عن حكم سائر الأعداد غير متعرض له بنفي ولا إثبات إلى أن يقوم على أحد الأمرين شاهد آخر ؟ المعروف بين الأصوليين هو الثاني ، حتى حكي اتفاقنا عليه

        نهاية الأفكار - آقا ضياء العراقي - ج 1 - 2 - ص 503
        مفهوم العدد ومن المفاهيم مفهوم العدد ، والحق فيه أيضا عدم الدلالة على المفهوم ، الا إذا أحرز من الخارج ان المتكلم كان في مقام التحديد

        أصول الفقه - الشيخ محمد رضا المظفر - ج 1 - ص 181
        مفهوم العدد لا شك في أن تحديد الموضوع بعدد خاص لا يدل على انتفاء الحكم فيما عداه، فإذا قيل: "صم ثلاثة أيام من كل شهر" فإنه لا يدل على عدم استحباب صوم غير الثلاثة الأيام، فلا يعارض الدليل على استحباب صوم أيام أخر.


        ومما يتصل بهذه المسألة زعم البعض بأن المراد من المهديين هم الأئمة الإثنا عشر عليهم السلام، وهذا ظاهر البطلان لأمور، منها:
        1- إن هذا الزعم بخلاف الظاهر، فالظاهر هو أن المهديين عدة اخرى غير الائمة الاثني عشر عليهم السلام، ولا يوجد ما يحوجنا للعدول عن هذا الظاهر.
        2- ورد في روايات المهديين ما يستدل منه أنهم من ذرية القائم، ومن ذرية الحسين، والأئمة كما هو معلوم ليسوا من ذرية القائم، وكذلك ليس جميعهم من ذرية الحسين عليه السلام. هذا يكفي وإن كان يمكن إضافة أمور أخرى.

        ب‌- خاتم الأوصياء وآخر الأوصياء:
        ورد في الروايات أن الإمام المهدي هو خاتم الأوصياء وآخر الخلفاء، وهذه يتعارض مع وجود المهديين عليهم السلام، وإليكم هذه الروايات:
        ففي كمال الدين وتمام النعمة: (وبهذا الإسناد، عن إبراهيم بن محمد العلوي، قال: حدثني طريف أبو نصر، قال: دخلت على صاحب الزمان ع، فقال: عليّ بالصندل الأحمر،فأتيته به، ثم قال: أتعرفني؟ قلت: نعم، فقال: من أنا؟فقلت: أنت سيدي وابن سيدي، فقال: ليس عن هذا سألتك، قال طريف: فقلت: جعلني الله فداك فبين لي. قال: أنا خاتم الأوصياء، وبي يدفع الله ع البلاء عن أهلي وشيعتي).

        تحقيق المسألة:
        هذه الروايات إذا أخذناها على ظاهرها فهي تتعارض مع روايات المهديين، ولكن تعارضها مع هذه الروايات المتواترة يموضعها في خانة الروايات الشاذة، والأئمة عليهم السلام أمرونا بالأخذ بالمشهور من حديثهم عليهم السلام، كما في الرواية التي يسمونها بمقبولة عمر بن حنظلة.
        من هنا لابد من العدول عن هذا الظاهر إلى ما يتفق مع روايات المهديين، وهذا في الحقيقة ما تشجع عليه بعض الروايات من قبيل هذه:
        روى الصدوق في العيون: (حدثنا محمد أحمد بن الحسين بن يوسف البغدادي، قال: حدثنا علي بن محمد بن عيينة، قال: حدثنا الحسن بن سليمان الملطي في مشهد علي بن أبي طالب ع، قال: حدثنا محمد بن القاسم بن العباس بن موسى العلوي بقصر ابن هبيرة ودارم بن قبيصة بن نهشل النهشلي، قالوا: حدثنا علي بن موسى بن جعفر، عن أبيه، عن آبائه، عن علي بن أبي طالب ع، قال: قال رسول : يا علي، ما سألت أنت ربي شيئاً إلا سألت مثله غير إنه قال لا نبوة بعدك، أنت خاتم النبيين وعلي خاتم الوصيين)( ).
        وروى أيضاً: (وبهذا الإسناد، قال: قال رسول الله :أنا خاتم النبيين وعلي خاتم الوصيين)( ).
        وفي بحار الأنوار: (وروي أنّ إبراهيم ع مرّ في أرض كربلاء وهو راكب فرساً فعثرت به وسقط إبراهيم وشج رأسه وسال دمه، فأخذ في الاستغفار وقال: إلهي أي شيء حدث مني؟ فنزل إليه جبرئيل وقال:يا إبراهيم، ما حدث منك ذنب، ولكن هنا يقتل سبط خاتم الأنبياء، وابن خاتم الأوصياء، فسال دمك موافقة لدمه...)( ).
        وقد ورد عن عباية بن ربعي الأسدي، قال: (دخلت على أمير المؤمنين علي ع وأنا خامس خمسة، وأصغر القوم سناً فسمعته يقول: حدثني أخي رسول الله أنه قال: إني خاتم ألف نبي، وإنك خاتم ألف وصي، وكلفت ما لم يكلفوا)( ).
        فكون علي عليه السلام خاتم الوصيين في هذه الروايات لا يمكن أن نفهم منه أنه آخرهم وأنه لا وجود لغيره بعده.
        وحيث إن هذا – أي وجود أوصياء بعد علي عليه السلام – مسلمٌ فلابد أن نأول هذه الروايات التأويل المناسب الذي لا يتعارض مع وجود أوصياء بعد علي عليه السلام، ومثل هذا يقال بخصوص ما ورد بأن الإمام المهدي آخر الأوصياء أو الخلفاء.
        Last edited by ya fatema; 02-03-2013, 21:57.

        Comment

        • أبو محمد الأنصاري
          مشرف
          • 06-10-2009
          • 325

          #5
          رد: ادلة الدعوة : كتاب جامع الأدلة ـــ دكتور عبد الرزاق الديراوي

          بسم الله الرحمن الرحيم
          اللهم صل على محمد وآل محمد الائمة والمهديين وسلم تسليما
          الدرس الرابع
          مهدي آخر الزمان
          التسجيل الصوتي للمحاضرة ــ للاستماع والتحميل اضغط هنا

          بخصوص قضية الامام المهدي يتفق المسلمون اجمالا على ان هناك مهديا سيملأ الأرض عدلا وقسطا، ويتفقون كذلك في بعض التفاصيل، بل ربما في الكثير من التفاصيل من قبيل كونه من ذرية النبي ص ومن ولد علي وفاطمة عليها السلام ، وما الى ذلك، ولكنهم يختلفون في بعض التفاصيل المهمة من قبيل زمن ولادته واسمه. فالشيعة – أي المنتسبين لهذا المذهب، وليس أئمتهم ولا حتى نصوصهم الروائية – يقولون بأن المهدي هو الإمام محمد بن الحسن العسكري عليه السلام، الذي ولد في عام 255 هـ ، بينما يقول السنة أن المهدي يولد في آخر الزمان ويزعمون ان اسمه محمد بن عبدالله.
          الحقيقة التي أثبتتها لدعوة اليمانية المباركة هي أن الإمام المهدي محمد بن الحسن هو امام مهدي وهو قائم ال محمد ع وأن ولده احمد المذكور في وصية رسول الله ص وفي غيرها من الروايات هو كذلك امام مهدي وهو قائم آل محمد ع. وسنحاول في هذ الدرس وفي دروس لاحقة على الارجح أن ندلل على هذه الحقيقة، أي نثبت أن قائم آل محمد ع يولد في آخر الزمان. وستكون الروايات الشريفة هي سبيلنا في تحقيق هذا الهدف، وسنسرد منها أكبر قدر ممكن باعتبار ان هذه الحقيقة غائبة عن الأذهان من جهة، وغريبة بل مخالفة لما آلفه الناس واعتادوه، وبالنتيجة لابد من ضخ كم كبير من الروايات لتتوضح وتترسخ هذه الحقيقة الجديدة بالنسبة لمعارف الناس.
          مهدي آخر الزمان موضوع امتحان اخر الزمان:
          من المهم جداً إلفات الاذهان إلى أن مهدي آخر الزمان سيكون موضوع اختبار للناس وإن هذا يفسر الغموض الذي يلف الموضوع على العموم. وهناك إشارات واضحة في النصوص لهذا الامتحان نذكر قسما منها:
          ورد في الكافي - الشيخ الكليني :
          عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ( إن الله تعالى أوحى إلى عمران أني واهب لك ذكرا سويا ، مباركا ، يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله ، وجاعله رسولا إلى بني إسرائيل ، فحدث عمران امرأته حنة بذلك وهي أم مريم ، فلما حملت كان حملها بها عند نفسها غلام ، فلما وضعتها قالت : رب إني وضعتها أنثى وليس الذكر كالأنثى، أي لا يكون البنت رسولا يقول الله عز وجل والله أعلم بما وضعت ، فلما وهب الله تعالى لمريم عيسى كان هو الذي بشر به عمران ووعده إياه ، فإذا قلنا في الرجل منا شيئا وكان في ولده أو ولد ولده فلا تنكروا ذلك ).
          الإمام الصادق ع ينبهنا في هذه الرواية إنهم إذا قالوا أن القائم هو فلان منهم وكان ولده أو ولد ولده هو القائم فعلينا أن لا ننكر ذلك. والذي يقوي أن الأمر يعني القائم هو أنهم لم يقولوا في أحد من الأئمة السابقين للإمام المهدي محمد بن الحسن ع شيئاً ولم يكن فيه، ويدل عليه كذلك إن سياق حديثه ع كان في عيسى ع وهو المنقذ الذي كان ينتظره اليهود .
          وفي الكافي أيضاً :
          ( عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إذا قلنا في رجل قولا ، فلم يكن فيه وكان في ولده أو ولد ولده فلا تنكروا ذلك ، فإن الله تعالى يفعل ما يشاء ).
          وقوله: ( فإن الله تعالى يفعل ما يشاء ) ، واضح في أن الأمر يستبطن اختباراً للناس.
          وفي الكافي - الشيخ الكليني :
          ( عن أبي خديجة قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: قد يقوم الرجل بعدل أو يجور وينسب إليه ولم يكن قام به، فيكون ذلك ابنه أو ابن ابنه من بعده ، فهو هو ).
          وهذه الرواية تدل على أن أمراً ما أو عملاً ما قام به ابن الرجل أو ابن ابنه ثم نُسب إليه – أي إلى نفس الرجل – فالنسبة صحيحة.
          وهكذا إذا قال آل محمد إن القائم هو الإمام المهدي محمد بن الحسن ع ، وكان القائم – كما سيتضح - هو ولده أحمد فهو هو.
          وفي الإمامة والتبصرة - ابن بابويه القمي :
          ( عن أبي عبيدة الحذاء: قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن هذا الأمر، متى يكون؟ قال: إن كنتم تؤملون أن يجيئكم من وجه ، ثم جاءكم من وجه فلا تنكرونه ).
          هنا أبو عبيدة يسأل الإمام الباقر ع عن هذا الأمر، أي عن أمر القائم ع ، فيجيبه، إنه إذا كنتم تؤملون أن يجيئكم من وجه ثم جاءكم من وجه فلا تنكرونه !؟ وهذا الكلام من الإمام ع لا يمكن أن يكون دون معنى أبداً، بل الأكيد الأكيد إن الإمام u يقصد منه الإشارة إلى أمر سيقع، ويريد من شيعته أن يلتفتوا له، ولا ينكرونه.
          عن مالك الجهني، قال: ( قلت لأبي جعفر ع إنا نصف صاحب هذا الأمر بالصفة التي ليس بها أحد من الناس. فقال: لا والله، لا يكون ذلك أبداً حتى يكون هو الذي يحتج عليكم بذلك، ويدعوكم إليه ).
          وعن أبي خالد الكابلي قال لما مضى علي بن الحسين ع دخلت على محمد بن علي الباقر ع ( فقلت له : جعلت فداك قد عرفت انقطاعي إلى أبيك و أنسي به و وحشتي من الناس . قال : صدقت يا أبا خالد فتريد ما ذا . قلت : جعلت فداك لقد وصف لي أبوك صاحب هذا الأمر بصفة لو رأيته في بعض الطريق لأخذت بيده . قال : فتريد ماذا يا أبا خالد . قلت : أريد أن تسميه لي حتى أعرفه باسمه . فقال : سألتني و الله يا أبا خالد عن سؤال مجهد ، ولقد سألتني عن أمر ما كنت محدثا به أحدا و لو كنت محدثا به أحدا لحدثتك ، و لقد سألتني عن أمر لو أن بني فاطمة عرفوه حرصوا على أن يقطعوه بضعة بضعة ).
          دعوة القائم ع:
          وعلى أية حال ليس أمر الدعوة التي نتحدث عنها نتيجة تقتضيها الضرورة فقط، بل إنها حقيقة تنص عليها الروايات، وقد تقدم أن اليماني يدعو للإمام المهدي ع.
          وقد ورد في عيون أخبار الرضا ع - الشيخ الصدوق :
          ( فقال الرضا عليه السلام: ... إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا فطوبى للغرباء ).
          وفي كمال الدين وتمام النعمة - الشيخ الصدوق :
          ( عن إسماعيل بن مسلم ، عن الصادق جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن علي ع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إن الإسلام بدء غريبا وسيعود غريبا ، فطوبى للغرباء ).
          وفي مستدرك الوسائل - الميرزا النوري :
          عن علي ( عليه السلام ) قال : ( قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ ، فطوبى للغرباء ، فقيل : ومن هم يا رسول الله ؟ قال : الذين يصلحون إذا فسد الناس ).
          وفي شرح الأخبار - القاضي النعمان المغربي :
          ( عن أبي بصير ، قال : سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام يقول : إن الإسلام بدأ غريبا ، وسيعود غريبا كما بدأ ، فطوبى للغرباء . قال أبو بصير : فقلت له : اشرح لي هذا ، جعلت فداك يا بن رسول الله . قال عليه السلام : يستأنف الداعي منا دعاء جديدا كما دعا رسول الله ).
          وقوله ع : ( يستأنف الداعي منا دعاء جديدا كما دعا رسول الله ) يدل بوضوح على الدعوة التي نتحدث عنها، كما إن هذا القول ورد في معرض الجواب عن سؤال أبي بصير وهو قوله: ( اشرح لي هذا ) الأمر الذي يعني أن عودة الإسلام غريباً نتيجة لهذا الدعاء الجديد الذي يستأنفه الداعي من آل محمد u. وفيه كما لا يخفى إشارة لطيفة إلى أن اليماني من آل محمد ع .
          وفي كتاب الغيبة - محمد بن إبراهيم النعماني :
          عن أبي بصير ، عن كامل ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) أنه قال : ( إن قائمنا إذا قام دعا الناس إلى أمر جديد كما دعا إليه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وإن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ ، فطوبى للغرباء ).
          وفيه إن القائم ع هو من يدعو إلى الأمر الجديد ، وبالجمع بين هذه الرواية ورواية اليماني يتحصل أن اليماني هو القائم بالسيف ، وهو معنى سيأتي تحقيقه في محله، ولكن لا بأس هنا من الإشارة إلى أنه قد ورد عن الإمام الصادق ع : ( ... إن أول قائم يقوم منا أهل البيت يحدثكم بحديث لا تحتملونه، فتخرجون عليه برميلة الدسكرة فتقاتلونه فيقاتلكم فيقتلكم، وهي آخر خارجة تكون ) .
          وقوله أول قائم يدل حتماً على وجود أكثر من قائم، وأولهم لابد أن تكون مهمته التمهيد للثاني. وقوله يحدثكم يستبطن معنى وجود دعوة، يقدم من خلالها الأدلة على كونه هو القائم الأول، ويحدث الناس بالأمر الجديد الذي جاء به ( دعا الناس الى أمر جديد ).
          بل إن هذا الأمر الجديد لابد أن يستوقفنا، فكونه جديداً يعني أن الناس لم يسبق لهم معرفة به ، أو على الأقل هو يحتاج إلى جهود لإثباته لهم وتعريفهم به . ولكم أن تتصوروا الكيفية التي يطرح بها هذا الأمر الجديد كما تصفه الروايات ، فهل يطرحه على مجموعة صغيرة من الناس، أم لابد من إيصاله إلى العدد الأكبر منهم ؟ وما هي الوسيلة التي يستخدمها ، وكم يلزمه من وقت ؟ وإذا أضفنا لما تقدم ما ورد في الدعاء ، وهو قولهم : ( ملبياً دعوة الداعي في الحاضر والبادي ) ، فلكم أن تتصور هذه الدعوة التي لا تقف عند حدود سكان الحواضر أو المدن ، بل تتعداها إلى البوادي ، أقول كم يلزمها من وقت وجهد ، لاسيما في ظل وجود الرايات المشتبهة و الأعداء الكثيرين ؟ وبعودة إلى الحديث أقول إن قوله ع : ( وهي آخر خارجة ) ينطوي على معنى أن هناك وقعات تسبق وقعة رميلة الدسكرة ، وهذه الوقعات تتطلب تفاعلاً متواصلاً بين الناس والدعوة بكل تأكيد. وهذا ما يؤكده قول الإمام الصادق ع : ( الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ ، فطوبى للغرباء . فقلت : إشرح لي هذا أصلحك الله ؟ فقال : مما يستأنف الداعي منا دعاء جديداً ، كما دعا رسول الله ). يستأنف ، أي يبدأ من جديد ، وكما واجه رسول الله أناساً يعكفون على أصنام لهم سيواجه القائم أناساً هذه يقلدون أصناماً بشرية تتأول عليه القرآن، وكما حدث مع رسول الله ص سيتعرض القائم لسخرية الناس وتكذيبهم، وسيتبعه منهم نفر قليل ينعتهم الناس بالقول : ما نراك اتبعك إلا أراذلنا. وبكلمة واحدة ستعاد دعوة الرسول الأكرم بكل تفاصيلها، وستكون نتيجة الدعوة خروج الكثير ممن ينتحلون الإسلام زوراً، ومثلهم الكثير ممن يدعون التشيع.
          فعن أبي جعفر ع : ( لتمحصن يا شيعة آل محمد تمحيص الكحل في العين، وإن صاحب العين يدري متى يقع الكحل في عينه، ولا يعلم متى يخرج منها، وكذلك يصبح الرجل على شريعة من أمرنا ويمسي وقد خرج منها، ويمسي على شريعة من أمرنا ويصبح وقد خرج منها ) .
          يعلق الشيخ النعماني على هذا الحديث بقوله : ( أليس هذا دليلاً على الخروج من نظام الإمامة، وترك ما كان يعتقد منها ).
          ولعلكم شعرتم بما ينطوي عليه تشبيه الخروج من نظام الإمامة بخروج الكحل من العين - حيث لا يدري صاحب الكحل متى يقع الكحل من عينه – من معنى السرعة والفجاءة ، فكأن الخروج يحدث بين عشية وضحاها. الأمر الذي يستلزم وجود امتحان يخضع له الشيعة ويفشلون به، وهذا يستلزم بدوره وجود دعوة بالتأكيد. بل لابد أن يكون صاحب الدعوة حجة مفترض الطاعة، لا يسع الناس مخالفته، ولن يكون هذا الشخص سوى اليماني صاحب راية الهدى، وسيأتي بيان أن اليماني حجة مفترض الطاعة.
          وفي غيبة النعماني أيضاً :
          ( عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) أنه قال : ( الإسلام بدأ غريبا ، وسيعود غريبا كما بدأ ، فطوبى للغرباء . فقلت : اشرح لي هذا ، أصلحك الله . فقال : مما يستأنف الداعي منا دعاء جديدا كما دعا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ) .
          وأخبرنا عبد الواحد بن عبد الله بهذا الإسناد ، عن محمد بن سنان ، عن الحسين بن المختار ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) ، مثله .
          ويقول النعماني : وبهذا الإسناد عن ابن سنان ، عن عبد الله بن مسكان ، عن مالك الجهني ، قال : ( قال : قلت لأبي جعفر ( عليه السلام ) : إنا نصف صاحب هذا الأمر بالصفة التي ليس بها أحد من الناس .
          فقال : لا والله ، لا يكون ذلك أبدا حتى يكون هو الذي يحتج عليكم بذلك ويدعوكم إليه ).
          أقول تقدم في مبحث الرايات السود أن صاحب هذا الأمر تعبير يراد به صاحب الرايات السود، وهو نفسه اليماني والقائم كما سيتحقق لاحقاً.
          وفي غيبة النعماني أيضاً :
          ( خبرني عن قول أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : إن الإسلام بدأ غريبا ، وسيعود كما بدأ ، فطوبى للغرباء ؟ فقال : يا أبا محمد ، إذا قام القائم ( عليه السلام ) استأنف دعاء جديدا كما دعا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) . وقال: فقمت إليه وقبلت رأسه ، وقلت : أشهد أنك إمامي في الدنيا والآخرة ، أوالي وليك ، وأعادي عدوك ، وإنك ولي الله . فقال : رحمك الله ).
          وفي مشكاة الأنوار - علي الطبرسي :
          ( عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : من أحب أن يذكر خمل ، ومن أحب أن يخمل ذكر ).
          وعنه ( عليه السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود كما بدأ ، فطوبى للغرباء ، ثم قال : أما رأيت الرجل يكون في القبيلة صالحا ، فيقال : إن فلانا لغريب فيهم ).
          وفيه إشارة بليغة إلى أن معنى الغريب الذي نطقت به الروايات هو فرادة المؤمنين أو قلتهم وندرتهم، وهو أمر يذكر بسقوط الأكثرية في الامتحان.
          وفي بحار الأنوار - العلامة المجلسي :
          ( تفسير العياشي : عن أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول أمير المؤمنين عليه السلام : الاسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما كان فطوبى للغرباء ، فقال : يا أبا محمد يستأنف الداعي منا دعاءا جديدا كما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وآله . فأخذت بفخذه فقلت : أشهد أنك إمامي . فقال : أما إنه سيدعى كل أناس بإمامهم : أصحاب الشمس بالشمس وأصحاب القمر بالقمر ، وأصحاب النار بالنار ، وأصحاب الحجارة بالحجارة ).
          توضيح :
          قال الجزري : فيه : إن الإسلام بدا غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء . أي أنه كان في أول أمره كالغريب الوحيد الذي لا أهل له عنده، لقلة المسلمين يومئذ ، وسيعود غريبا كما كان أي يقل المسلمون في آخر الزمان فيصيرون كالغرباء ، فطوبى للغرباء أي الجنة لأولئك المسلمين الذين كانوا في أول الإسلام و يكونون في آخره ، وإنما خصهم بها لصبرهم على أذى الكفار أولاً وآخراً و لزومهم دين الإسلام).
          أقول والصبر على الأذى يستلزم وجود الدعوة والبلاغ والتكذيب، والتعرض للسخرية كما حصل على عهد رسول الله ص ، سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلا.
          والحق إن القول بوجود دعوة هو المفتاح الوحيد الذي يمنحنا إمكانية فهم جملة من الأحاديث، منها؛ قول الإمام الباقر ع: ( إن حديثكم هذا لتشمئز منه قلوب الرجال، فانبذوه إليهم نبذاً، فمن أقره به فزيدوه، ومن أنكر فذروه. إنه لابد أن تكون فتنة يسقط فيها كل بطانة و وليجة حتى يسقط من يشق الشعرة بشعرتين، حتى لايبقى إلا نحن وشيعتنا ) .
          والمقصود من الشيعة في عصر الظهور هم الأقل والأندر كما نصت عليه أحاديث الطيبين. والفتنة التي تبقي هذا العدد وتميزه عن جمهور مدعي التشيع لابد أن تكون دعوة لا يقبلها إلا من أخذ الله ميثاقه في عالم الذر كما ورد عنهم .
          فعن أبي عبدالله ع : ( أما لو كملت العدة الموصوفة ثلاثمائة وبضعة عشر كان الذي تريدون، ولكن شيعتنا من لا يعدو صوته سمعه... الى قوله، فقلت: فكيف أصنع بهذه الشيعة المختلفة، الذين يقولون إنهم يتشيعون؟ فقال: فيهم التمييز، وفيهم التمحيص، وفيهم التبديل ).
          فهؤلاء الذين يدعون إنهم شيعة يقع فيهم التمحيص حتى لا يبقى منهم إلا الأندر فالأندر كما ورد عن أبي الحسن الرضا ع : ( والله لا يكون ما تمدون إليه أعينكم ، حتى تمحصوا ، وتميزوا ، وحتى لا يبقى منكم إلا الأندر فالأندر ).
          أقول وقد يتوهم بعضهم فيرى أن التمحيص هو ما جرى على الشيعة منذ بداية الغيبة الكبرى إلى يوم الظهور، وهذا صحيح على الجملة، ولكنه لم ينتج سقوط الغالبية العظمى، وخروجهم من نظام الإمامة – بحسب تعبير الشيخ النعماني – بل الواقع يشير إلى تزايد عدد المتشيعين ، فعليه لابد أن يكون التمحيص الذي يشير إليه حديث الإمام الرضا u حدث فريد، أي دعوة يُمتحن بها الناس. وهذا مصداق لقولهم إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ على عهد رسول الله ، أي إن أعداداً قليلة تتبعه .
          أعلم إن حديثي هذا تشمئز منه القلوب ، ولكن ما حيلتي والروايات تتحدث عن عشرة آلاف هم كل جيش القائم، بينما الشيعة اليوم يعدون بالملايين ! ويزيد الأمر وضوحاً أن عصر الظهور يشهد كثرة الرايات التي يدعي أصحابها أن كلاً منهم هو القائد أو المرجع، مما يشير الى أن الفتنة ليست حدثاً خارجياً مثل تسلط طاغية أو غيره ، وإنما هو دعوة محقة يقابلها الناس بالإعراض والسخرية ، والتعصب للمرجع والقائد .
          ومما يدل على وجود الدعوة أيضاً ما ورد عن أبي جعفر الباقر ع : ( صاحب هذا الأمر أصغرنا سناً، وأخملنا شخصاً . قلت : متى يكون ذاك؟ قال: إذا سارت الركبان ببيعة الغلام ، فعند ذلك يرفع كل ذي صيصية لواء، فانتظروا الفرج ) .
          فالبيعة رديفة الدعوة حتما، وسير الركبان بها دليل انتشارها وبلوغها أكثر الناس. وأما الألوية التي يرفعها ( كل ذي صيصية ) = ( أي كل ذي نفوذ وقوة ) فكناية عن الدعوات الضالة التي ترافق ظهور القائم، والتي يرفعها دون شك فقهاء آخر الزمان وأعوانهم، فالمنافسة تقتضي شبهاً في التوجه والخطاب ( الرايات المشتبهة ). وقوله : ( فانتظروا الفرج ) يدل على أن البيعة تسبق الفرج، أي تسبق الظهور المقدس للإمام المهدي ع ، فلمن تكون البيعة ، إن لم تكن لليماني الموعود الذي يدعو للإمام ع؟
          ولنتذكر ما ورد عن مالك الجهني ، قال : قلت لأبي جعفر ع : ( إنا نصف صاحب الأمر بالصفة التي ليس بها أحد من الناس . قال : لا والله لا يكون ذلك أبداً حتى يكون هو الذي يحتج عليكم بذلك ، ويدعوكم إليه ).
          فهذا الحديث ينص على أن ثمة احتجاج ودعوة يشرع بها صاحب الأمر، ستكون البيعة نتيجة لها دون شك . وأكثر من ذلك سيكون لصاحب الأمر أصحاب يجتمعون في مكان معلوم، فعن أبي جعفر ع : ( يكون لصاحب هذا الأمر غيبة... الى أن يقول: حتى إذا كان قبل خروجه أتى المولى الذي كان معه حتى يلقى بعض أصحابه ، فيقول : كم أنتم ها هنا ؟ فيقولون : نحو من أربعين رجلاً... ) .
          والمولى الذي تشير له الرواية تصطلح عليه رواية أخرى بـ ( المولى الذي ولي البيعة ) ، فعن أبي جعفر ع : ( .. حتى إذا بلغ إلى الثعلبية قام إليه رجل من صلب أبيه.. إلى قوله : فيقول المولى الذي ولي البيعة... ) .
          ومما يُستدل به على المطلب ما ورد عن أبي عبد الله ع قال : ( قال رسول الله ص طوبى لمن أدرك قائم أهل بيتي وهو مقتد به قبل قيامه يتولى وليه و يتبرأ من عدوه و يتولى الأئمة الهادية من قبله أولئك رفقائي و ذوو ودي و مودتي و أكرم أمتي علي قال رفاعة و أكرم خلق الله علي ).
          وعنه ع قال: ( قال رسول الله ص طوبى لمن أدرك قائم أهل بيتي وهو مقتد به قبل قيامه يأتم به و بأئمة الهدى من قبله و يبرأ إلى الله عز و جل من عدوهم أولئك رفقائي و أكرم أمتي علي ) .
          وقوله : (وهو مقتد به قبل قيامه ) و (وهو مقتد به قبل قيامه يأتم به ) يدل على وجود دعوة من خلالها يتم التعرف على القائم ومبايعته والإقتداء به قبل قيامه أو خروجه المسلح ، بل لعل القارئ يشعر أن قبول الدعوة لن يتوفق له الجميع بسبب الشبهات التي يثيرها فقهاء السوء، ومن هنا يأتي المدح العظيم الذي يصف به الرسول بقوله ( طوبى .. الخ ). وعدم التوفيق هذا دلت عليه روايات الغربلة والتمحيص التي تصف خروج المتشيعة عن ولاية آل محمد u ، وبقاء من أخذ الله عهده في الذر الأول فقط .
          وهنا في الحقيقة يمكننا أن نجد مدخلية للروايات الكثيرة التي بيّن من خلالها أهل البيت uالطريقة التي يمكن التعرف من خلالها على الحجة u من قبيل ما ورد عن المفضل بن عمر قال سمعت أبا عبد الله ع :
          ( يقول إن لصاحب هذا الأمر غيبتين يرجع في إحداهما إلى أهله و الأخرى يقال هلك في أي واد سلك قلت كيف نصنع إذا كان ذلك قال إن ادعى مدع فاسألوه عن تلك العظائم التي يجيب فيها مثله ). فالإمام الصادق ع لم يقل هنا كذبوا المدعي بل قال اعرفوه من خلال معرفته بالعظائم ، الأمر الذي يشير إلى أن القائم ع سيأتي ويدعي أنه القائم وسيُمتحن به الناس ، والإمام u يحدد المسلك الصحيح لمعرفته وهو السؤال عن العظائم ، وهذا السؤال غير مختص بطائفة من الناس ، فالجميع ممتحن بمعرفة القائم والملتوي عليه من أهل النار ، ولا تتاح فرصة السؤال إلا إذا كانت ثمة دعوة يباشرها القائم ، وأنصار له يدعون الناس لمعرفته واتباعه .
          ولعل ثمة روايات أخرى يمكن أن يُستدل بها على المطلب غير أن ما تقدم كاف إن شاء الله تعالى.
          بحار الأنوار - العلامة المجلسي :
          عن سلام بن المستنير قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يحدث : ( إذا قام القائم عليه السلام عرض الايمان على كل ناصب فان دخل فيه بحقيقة وإلا ضرب عنقه أو يؤدي الجزية كما يؤديها اليوم أهل الذمة، ويشد على وسطه الهميان، ويخرجهم من الأمصار إلى السواد ).
          Last edited by ya fatema; 02-03-2013, 21:56.

          Comment

          • أبو محمد الأنصاري
            مشرف
            • 06-10-2009
            • 325

            #6
            رد: ادلة الدعوة : كتاب جامع الأدلة ـــ دكتور عبد الرزاق الديراوي

            بالنسبة لمصادر الروايات يمكنكم الرجوع لكتاب جامع الادلة وفقكم الله

            Comment

            • أبو محمد الأنصاري
              مشرف
              • 06-10-2009
              • 325

              #7
              رد: ادلة الدعوة : كتاب جامع الأدلة ـــ دكتور عبد الرزاق الديراوي

              بسم الله الرحمن الرحيم
              اللهم صل على محمد وآل محمد الائمة والمهديين وسلم تسليما
              الدرس الخامس
              روايات تعرفنا بمهدي آخر الزمان
              التسجيل الصوتي للمحاضرة ــ للاستماع والتحميل اضغط هنا

              وردت عن أهل البيت (ع) جملة من الأحاديث ينص بعضها صراحة ويكتفي البعض الآخر منها بالإشارة الى أن القائم (ع) يبدأ حركته من جهة المشرق. الأمر الذي حير أفهام القوم أيما حيرة، لاسيما وأنهم لا يفرقون بين القائم بالسيف والإمام المهدي (ع) ويحسبونهما شخصاً واحداً.
              لقد رأى هؤلاء القوم في الأحاديث المشار إليها تناقضا صارخاً مع ما هو راكز في أذهانهم من إن الإمام المهدي (ع) يدخل العراق من جهة الحجاز ، وكان الحل الأسهل الذي لجأوا إليه هو تضعيف روايات الدخول من المشرق، مع إن هذا التضعيف لا يستند الى حجة شرعية، ولا يعدو في حقيقته عن كونه قصوراً في فهم المراد من هذه الأحاديث، ولجأ بعضهم الى تأويل هذه الأحاديث الواضحة لتتفق مع التصور الذي يحمله عن مسألة الظهور، وكل ذلك كان يتم – للأسف الشديد- على حساب الحقيقة. لقد غفل هؤلاء عن المنهج الصحيح الذي ينبغي لطالب الحق إتباعه، والمتمثل بإعطاء العقل دور الخادم لا دور السيد المتصرف بالنصوص، فإذا كان الفهم المرتكز في أذهانهم مصدره النصوص فإن الفهم الآخر مصدره النصوص أيضاً، ومن المؤكد أن النصوص لا تتناقض كما يتخرصون، وإنما يقع التناقض نتيجة الآليات المصطنعة التي لفقوها على حساب التسليم لأحاديث أهل البيت فصاروا هم أئمة الكتاب، لا إن الكتاب إمامهم .
              ورد عن أمير المؤمنين (ع) قوله : ( المهدي أقبل جعد بخده خال يكون (مبدؤه) من قبل المشرق وإذا كان ذلك خرج السفياني فيملك قدر حمل امرأة تسعة أشهر ... ).
              الرواية كما هو واضح تتحدث عن الإمام المهدي محمد بن الحسن (ع) ، فهو الموصوف بأن في خده خال ، وتنص على أن مبدأه يكون من قبل المشرق ، وتدل كذلك على أن مبدأه يكون قبل خروج السفياني !
              ولكن الإمام المهدي محمد بن الحسن (ع) يخرج من مكة لا من المشرق، كما نصت روايات كثيرة ؟ وخروجه يكون لاحقاً لخروج السفياني لا سابقاً له كما دلت النصوص . إذن لابد أن يكون المقصود من قول الأمير (ع) : (مبدؤه) شيئاً آخر غير أن الإمام المهدي محمد بن الحسن u هو نفسه يخرج من المشرق . ولكن كون من يخرج من المشرق ويمثل خروجه ، أو حركته حركة للإمام المهدي محمد بن الحسن (ع) ومبدأ لأمره أو ظهوره لابد أن يكون مكلفاً من الإمام المهدي (ع) ومرسلاً من قبله، فحركة الإمام المهدي (ع) وظهوره أمر بيد الله، والله هو الذي يأذن بها، وبالنتيجة لا يمكن القول إن من يتحرك من المشرق لا يأخذ توجيهه المباشر من الإمام (ع).
              ما يسعى البحث لإثباته هو أن المقصود من صاحب الرايات السود هو القائم بالسيف وهو أحمد وصي الإمام المهدي (ع).
              ولكن قبل الدخول في بيان هذه الحقيقة، أود اقتباس كلام للكوراني من كتاب (المعجم الموضوعي لأحاديث الإمام المهدي) ، يقول الكوراني :
              ( إنما فسرنا (مبدؤه من قبل المشرق) بأنه مبدأ أمره ، لأن ظهوره (ع) من مكة قطعي، فلابد أن يكون معناه مبدأ أمره وحركة أنصاره من جهة المشرق ).
              هذا التفسير وإن كان صحيحاً من جهة أنه ذهب فيه إلى القول أن الإمام المهدي محمد بن الحسن (ع) ليس هو من يخرج من المشرق ، إلا أنه مع ذلك لا يتناسب مع مجمل التصور الذي يلتزم به الكوراني لحركة الظهور، ولحقيقة حركة الإمام المهدي (ع)، وحقيقة صاحب الرايات السود ، لأمور منها :-
              1 – إن أكثر الأحاديث التي تقع ضمن إطار الموضوع تنص صراحة على أن القائم نفسه يبدأ حركته من المشرق، لا إن أصحابه فقط ينطلقون من هناك، وهنا يغفل الكوراني عن هذه الحقيقة ويتعذر عليه تماماً فهم الروايات المشار إليها. ومن الواضح إنها غير قابلة للتأويل بمقولة أن أنصاره هم من يخرجون في المشرق .
              2 – إن اليماني – وهو الممهد وقائد جيش الأصحاب أو الأنصار (جيش الغضب) – يبدأ حركته من اليمن برأي الكوراني وليس من المشرق. ومعنى هذا إن حركة أنصار الإمام المهدي (ع) لا تبدأ من المشرق كما ذكر الكوراني، إلا إذا أراد من الأنصار قوم آخرين غير جيش الغضب أو جيش الأصحاب الثلاثمائة وثلاثة عشر، ويكون عليه في هذه الحالة أن يثبت أن من يخرج من المشرق يتلقى توجيهات مباشرة من الإمام المهدي (ع) ، والكوراني فيما كتبه لا يقول بوجود إنسان بهذه الصفة غير اليماني، وسيأتي في حينه اقتباس قوله بخصوص اليماني.
              والحقيقة إن الكوراني – وللأسف الشديد – لا يكتب بقصد تبيان الحقيقة كما هي ، أو كما وردت في النصوص ، وإنما يكتب بدوافع سياسية ، فهو يريد التطبيل للدولة الإيرانية بأي ثمن، حتى لو كان على حساب الحقيقة .
              إن ما كان ينقص الكوراني هو معرفة حقيقة صاحب الرايات السود المشرقية، وكونه إماماً معصوماً هو القائم بالسيف، وهذا ما سيتضح من الروايات التالية :-
              ورد عن رسول الله ص : (... حتى ترتفع رايات سود من المشرق فيسألون الحق فلا يعطونه ، ثم يسألونه فلا يعطونه، ثم يسألونه فلا يعطونه ، فيقاتلون فينصرون . فمن أدركه منكم ، أو من أعقابكم فليأت إمام أهل بيتي، ولو حبواً على الثلج ، فإنها رايات هدى، يدفعونها الى رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي ، واسم أبيه اسم أبي ، فيملك الأرض فيملؤها قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلما ).
              في هذه الرواية يلقب الرسول قائد الرايات السود بـ ( إمام أهل بيتي )، ومن الواضح إن قائد الرايات السود ليس هو الإمام المهدي محمد بن الحسن (ع) فالرواية نفسها تنص على أن أصحاب الرايات السود يدفعونها إلى الإمام المهدي (ع) الذي يملؤها قسطاً وعدلاً، وهذه الرواية وإن كانت من طريق العامة إلا أنها قد وردت من طريق الخاصة أيضاً باختلاف يسير في بعض مضامينها ، غير أن المضمون العام واحد.
              فعن الإمام الباقر (ع) : ( كأني بقوم قد خرجوا بالمشرق يطلبون الحق فلا يعطونه ، ثم يطلبونه فلا يعطونه ، فإذا رأوا ذلك وضعوا سيوفهم على عواتقهم فيعطون ما سألوه فلا يقبلونه حتى يقوموا ، ولا يدفعونها إلا الى صاحبكم ، قتلاهم شهداء ، أما إني لو أدركت صاحب ذلك لاستبقيت نفسي لصاحب هذا الأمر ).
              وهذه الرواية الواردة عن الباقر (ع) وإن لم يرد فيها وصف لقائد الرايات السود بـ ( إمام أهل بيتي )، إلا أن في مضمونها ما يشير إلى هذا المعنى، فمن الواضح أن الرايات هذه ممدوحة فهم يدفعونها إلى الإمام المهدي (ع) ، وقتلاهم شهداء، وأكثر من هذا يقول الإمام الباقر (ع) إنه لو أدرك ذلك الزمان لاستبقى نفسه لصاحب هذا الأمر ، أي لصاحب الرايات السود ، الأمر الذي يدل على منزلة رفيعة لهذا القائد ، بل يدل قطعاً على عصمته وكونه حجة من حجج الله تعالى .
              ولا يقال هنا أن المراد من صاحب هذا الأمر هو الإمام المهدي محمد بن الحسن (ع) لأنه لو كانت إشارة الإمام الباقر u إليه لكان كلامه ينطوي على تخذيل عن نصرة صاحب الرايات السود، وهو أمر لا يمكن تفسيره إلا بعدم خلوص الرايات السود من شائبة إنحراف، وهذا التفسير يتناقض تماماً مع مضامين الرواية نفسها . فمن الجلي الواضح إن الرايات السود ممدوحة بقوة، فقتلاهم شهداء ، وهم من يدفعها للإمام (ع) ، أي إنهم أصحابه ويتحركون بتوجيه منه (ع)، وهم لا يدعون لأحد غيره ، فنصرتهم في حقيقتها نصرة للإمام المهدي (ع) ، فلسنا إذن بصدد تعددية في الجهة، بل هي جهة واحدة .
              بل إن الحث على نصرة صاحب الرايات السود قد نص عليه حديث أمير المؤمنين ع : ( يا عامر إذا سمعت الرايات السود مقبلة ، فاكسر ذلك القفل وذلك الصندوق ، حتى تقتل تحتها ، فإن لم تسطع فتدحرج حتى تقتل تحتها ).
              وإذا كان أمير المؤمنين (ع) يحث كل هذا الحث على نصرة الرايات والسود ويوجه للقتل تحت لؤائها، فهل يتصور عاقل أن يوصي الإمام الباقر بعمل النقيض ؟! إذن يتحتم أن يكون مراد الإمام الباقر من صاحب هذا الأمر هو صاحب الرايات السود، ومعلوم إن المعصوم لا يرغب بادخار نفسه الشريفة لغير المعصوم بل لغير حجة من حجج الله على خلقه.
              ويتأكد هذا المعنى من ملاحظة الروايات الأخرى، فعن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ( الله أجل وأكرم وأعظم من أن يترك الارض بلا إمام عادل قال : قلت له : جعلت فداك فاخبرني بما أستريح إليه , قال : يا أبا محمد ليس ترى امة محمد فرجاً أبداً مادام لولد بني فلان ملك حتى ينقرض ملكهم فإذا انقرض ملكهم أتاح الله لأمة محمد برجل منا أهل البيت يشير (يسير) بالتقى ويعمل بالهدى ولا يأخذ في حكمه الرشا. والله إني لاعرفه باسمه واسم أبيه ثم يأتينا الغليظ القصرة ذو الخال والشامتين القائد العادل الحافظ لما استودع يملاها عدلاً وقسطاً كما ملأها الفجار جوراً وظلماً ) .
              في هذه الرواية يصف الإمام الصادق (ع) الرجل الذي يخرج قبل الإمام المهدي محمد بن الحسن (ع) ، لأنه يقول : ( ثم يأتينا الغليظ القصرة ذو الخال والشامتين ... الى آخر أوصاف الإمام المهدي (ع) ) ، أوقل يصفه بأنه يشير ( يسير ) بالتقى ويعمل بالهدى ولا يأخذ في حكمه الرشا، ويصفه أيضاً بأنه ( رجل منا أهل البيت ) ومعنى هذه الأوصاف إنه معصوم لا يدخل الناس في باطل ولا يخرجهم من حق، وبهذا استحق أن يكون من أهل البيت (ع). فمنزلة ( أهل البيت ) لا يبلغها إلا معصوم بلغ الدرجة العاشرة من الإيمان.
              ورد في شرح أصول الكافي/ مولي محمد صالح المازندراني :
              ( ... وقال علي ( عليه السلام ) : « سلمان عَلِمَ العلمَ الأول والآخر ، وهو بحر لا ينزف ، وهو منا أهل البيت » وعنه أيضا : « سلمان مثل لقمان »... ).
              وفي الاحتجاج - الشيخ الطبرسي :
              ( ... قال : يا أمير المؤمنين فأخبرني عن سلمان الفارسي . قال : بخ بخ سلمان منا أهل البيت ، ومن لكم بمثل لقمان الحكيم ، عَلِمَ علم الأول والآخر ... ).
              وفي الغارات - إبراهيم بن محمد الثقفي :
              قال المفيد ( ره ) في الاختصاص :
              ( بلغنا أن سلمان الفارسي - رضي الله عنه - دخل مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله ذات يوم فعظموه وقدموه وصدروه إجلالا لحقه وإعظاما لشيبته واختصاصه بالمصطفى صلى الله عليه وآله فدخل عمر فنظر إليه فقال : من هذا العجمي المتصدر فيما بين العرب ؟! فصعد رسول الله صلى الله عليه وآله المنبر فخطب فقال : إن الناس من عهد آدم إلى يومنا هذا مثل أسنان المشط لا فضل للعربي على العجمي ولا للأحمر على الأسود إلا بالتقوى ، سلمان بحر لا ينزف وكنز لا ينفد ، سلمان منا أهل البيت ، سلسال يمنح الحكمة ويؤتى البرهان ).
              وفي شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني :
              ( ومنه قوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) « سلمان منا أهل البيت » ومحال أن يريد به بيت النسب لأنه منزه عن الكذب ، وقوله اتبعوني تكونوا بيوتا أي تشرفوا وذلك لأن البيت في عرف اللغة يعبر به عن الشرف والمجد كما يقال البيت في بنى فلان أي الشرف والمجد فيهم ).
              وفي شرح أصول الكافي ايضاً :
              ( عن مسعدة بن صدقة ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : ذكرت التقية يوما عند علي بن الحسين ( عليهما السلام ) فقال : والله لو علم أبو ذر ما في قلب سلمان لقتله . ولقد آخى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بينهما ، فما ظنكم بسائر الخلق ، إن علم العلماء صعب مستصعب ، لا يحتمله إلا نبي مرسل أو ملك مقرب أو عبد مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان ، فقال : وإنما صار سلمان من العلماء لأنه امرؤ منا أهل البيت فلذلك نسبته إلى العلماء ).
              وفي كتاب الأربعين - محمد طاهر القمي الشيرازي :
              ( وهؤلاء الصحابة ممن أجمع المخالف والموافق على فضلهم والثناء عليهم ، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله : يا سلمان أنت منا أهل البيت ، وقد آتاك الله العلم الأول والاخر ، والكتاب الأول والكتاب الاخر . وقال : رواه الديلمي في الفردوس . واستدل صاحب الفتوحات من علماء الحنابلة بهذا الحديث على عصمة سلمان ، وهذه عبارته على ما نقل عنه صاحب مجالس المؤمنين : ولما كان رسول الله صلى الله عليه وآله عبدا مخلصا ، اي : خالصا قد طهره الله وأهل بيته تطهيرا ، واذهب عنهم الرجس وكلما يشينهم ، فان الرجس هو القذرة عند العرب ، على ما حكاه الفراء ، قال تعالى ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) فلا يضاف إليهم الا مطهر ، ولابد أن يكون كذلك ، فان المضاف إليهم هو الذي لا يشينهم ، فما يضيفون لأنفسهم الا من حكم له بالطهارة والتقديس . فهذا شهادة من النبي صلى الله عليه وآله لسلمان الفارسي بالطهارة والحفظ الإلهي والعصمة ، حيث قال فيه رسول الله صلى الله عليه وآله : سلمان منا أهل البيت ، وشهد الله لهم بالتطهير وذهاب الرجس عنهم ، وإذا كان لا يضاف إليهم الا مطهر مقدس ، وحصلت له العناية الإلهية بمجرد الإضافة ، فما ظنك بأهل البيت في نفوسهم ، فهم المطهرون بل عين الطهارة ).
              وفي الكافي - الشيخ الكليني :
              عن عبد العزيز القراطيسي قال: ( قال لي أبو عبد الله ( عليه السلام ) : يا عبد العزيز إن الايمان عشر درجات بمنزلة السلم يصعد منه مرقاة بعد مرقاة فلا يقولن صاحب الاثنين لصاحب الواحد لست علي شئ حتى ينتهي إلى العاشر ، فلا تسقط من هو دونك فيسقطك من هو فوقك ، وإذا رأيت من هو أسفل منك بدرجة فارفعه إليك برفق ولا تحملن عليه ما لا يطيق فتكسره ، فإن من كسر مؤمنا فعليه جبره ).
              وفي الخصال - الشيخ الصدوق :
              عن عبد العزيز القراطيسي قال : ( قال لي أبو عبد الله عليه السلام : يا عبد العزيز إن الايمان عشر درجات بمنزلة السلم يصعد منه مرقاة بعد المرقاة ، فلا يقولن صاحب الواحد لصاحب الاثنين : لست على شئ حتى ينتهي إلى العاشرة ، ولا تسقط من هو دونك فيسقطك الذي هو فوقك ، فإذا رأيت من هو أسفل منك فارفعه إليك برفق ، ولا تحملن عليه ما لا يطيق فتكسره فإنه من كسر مؤمنا فعليه جبره وكان المقداد في الثامنة ، وأبو ذر في التاسعة ، وسلمان في العاشرة ).

              من هذه الروايات يتبين أن منزلة ( منا أهل البيت ) منزلة رفيعة لا يبلغها إلا معصوم، فصاحب الرايات السود معصوم بالنتيجة.

              وعن أمير المؤمنين عليه السلام : في خبر طويل قال ( … وتقبل رايات من شرقي الأرض غير معلمة ، ليست بقطن ولا كتان ولا حرير ، مختوم في رأس القنا بخاتم السيد الأكبر، يسوقها رجل من آل محمد تظهر بالمشرق وتوجد ريحها بالمغرب كالمسك الأزفر يسير الرعب أمامها بشهر ) .
              وعن الصادق (ع) : ( له كنز بالطالقان، ما هو بذهب ولا فضة، و راية لم تنشر مذ طويت ) .
              وهذه الراية هي راية رسول الله (ص) التي نشرها أمير المؤمنين (ع) يوم الجمل، ثم طواها، وادخرها للقائم (ع) ، فعن أبي بصير، قال:
              ( قال أبو عبدالله (ع) : لما التقى أمير المؤمنين (ع) وأهل البصرة نشر الراية، راية رسول الله (ص) فزلزلت أقدامهم... الى أن قال: فقال للحسن: يا بني إن للقوم مدة يبلغونها، وإن هذه راية لا ينشرها بعدي إلا القائم صلوات الله عليه ) .
              وهذه الراية لا يتقدمها إلا مارق ولا يتأخر عنها إلا زاهق، فعن عبيد بن كرب قال: سمعت أمير المؤمنين (ع) يقول: ( إن لنا أهل البيت راية من تقدمها سرق، ومن تأخر عنها زهق، ومن تبعها لحق ) .
              والسيد الأكبر هو رسول الله (ص) ففي: مناسك حج (فارسي) - الشيخ فاضل اللنكراني - ، ورد الدعاء:
              ( اللهم صل على محمد وال محمد وصل على محمد جده ورسولك السيد الأكبر وعلى أبيه السيد الأصغر وجدته الصديقة الكبرى فاطمة بنت محمد وعلى من اصطفيت من آبائه البررة وعليه أفضل وأكمل وأتم وأدوم وأكثر وأوفر ما صليت على احد من أصفيائك وخيرتك من خلقك ).
              وفي إقبال الأعمال - السيد ابن طاووس :
              ( اللهم صل على حجتك وولي أمرك ، وصل على جده محمد رسولك السيد الأكبر ، وصل على علي أبيه السيد القسور ).
              إذن صاحب الرايات السود حجة من حجج الله تعالى فهو قد وصلته الراية التي رفعها علي (ع) في معركة الجمل. ومعلوم إن المنصور بالرعب هو القائم (ع)، ففي كمال الدين وتمام النعمة الشيخ الصدوق :
              ( عن محمد بن مسلم الثقفي قال: سمعت أبا جعفر محمد بن علي الباقر عليهما السلام يقول: القائم منا منصور بالرعب ، مؤيد بالنصر ).
              وعن أبي بصير قال : قال أبو عبدالله (عليه السلام) : ( لا يخرج القائم (عليه السلام) حتى يكون تكملة الحلقة قلت: وكم [تكملة] الحلقة ؟ قال : عشرة آلاف ، جبرئيل عن يمينه، وميكائيل عن يساره ، ثم يهز الراية ويسير بها، فلا يبقى أحد في المشرق ولا في المغرب إلا لعنها وهي راية رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ، نزل بها جبرئيل يوم بدر .
              ثم قال : يا أبا محمد ماهي والله قطن ولا كتان ولا قز ولا حرير ، قلت : فمن أي شئ هي؟ قال : من ورق الجنة، نشرها رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم بدر ، ثم لفها ودفعها إلى علي (عليه السلام) ، فلم تزل عند علي (عليه السلام) حتى إذا كان يوم البصرة نشرها أمير المؤمنين (عليه السلام) ففتح الله عليه، ثم لفها وهي عندنا هناك، لا ينشرها أحد حتى يقوم القائم، فإذا هو قام نشرها فلم يبق أحد في المشرق والمغرب إلا لعنها، ويسير الرعب قدامها شهرا ووراءها شهرا وعن يمينها شهرا وعن يسارها شهرا، ثم قال: يا أبا محمد إنه يخرج موتورا غضبان أسفا لغضب الله على هذا الخلق، يكون عليه قميص رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذي عليه يوم أحد، وعمامته السحاب ، ودرعه [درع رسول الله (صلى الله عليه وآله) السابغة وسيفه [سيف رسول الله (صلى الله عليه وآله)] ذوالفقار، يجرد السيف على عاتقه ثمانية أشهر يقتل هرجا، فأول ما يبدء ببني شيبة فيقطع أيديهم ويعلقها في الكعبة وينادى مناديه : هؤلاء سراق الله، ثم يتناول قريشا، فلا يأخذ منها إلا السيف ، ولايعطيها إلا السيف ).
              وقد مر فيما تقدم أن صاحب الرايات السود يضع السيف على عاتقه ثمانية أشهر، أي يقاتل ثمانية أشهر.
              وعن أمير المؤمنين (ع) إنه قال من على منبر الكوفة : ( لابد من وجود رحى تطحن فإذا قامت على قطبها وثبتت على ساقها بعث الله عليها عبداً عنيفاً خاملاً أصله يكون النصر معه أصحابه الطويلة شعورهم أصحاب السبال سود ثيابهم أصحاب رايات سود ويل لمن ناواهم يقتلونهم هرجاً والله لكأني أنظر إليهم وإلى أفعالهم وما يلقى الفجّار منهم والأعراب الجفاة يسلطهم الله عليهم بلا رحمة فيقتلونهم هرجاً على مدينتهم بشاطئ الفرات البرية والبحرية جزاء بما عملوا وما ربك بظلام للعبيد ) .
              في هذه الرواية يصف أمير المؤمنين (ع) صاحب الرايات السود بأنه (عبد) وهو من العبودية لله ، وهو وصف عظيم كما لا يخفى ، فرسول الله هو عبدالله ، ولهذا قال (ص) في رواية الوصية وهو يصف أحمد : (له ثلاثة أسامي ؛ اسم كاسمي واسم أبي وهو عبدالله ) ، فرسول الله هو عبد الله وأبوه أيضاً عبد الله ، وكذلك أحمد . ويصفه أيضاً بأنه مبعوث من الله تعالى ( بعث الله عليها عبداً عنيفاً خاملاً أصله ) ، وفي هذا إشارة إلى أنه مرسل من الإمام المهدي (ع) ، كما إن كونه خامل الأصل، أي نسبه غير معروف ، أمراً مهماً جداً كما سيتضح في حينه.
              وعن أمير المؤمنين (ع) إنه قال : ( ... يخرج رجل قبل المهدي من أهل بيته من المشرق يحمل السيف على عاتقه ثمانية أشهر يقتل ويقتل ويتوجه إلى بيت المقدس فلا يبلغه حتى يموت ) .
              في هذا الحديث نص على أن قائد الرايات السود المشرقية ، الذي يحمل السيف على عاتقه ثمانية أشهر، من أهل بيت الإمام المهدي (ع) ، أي من ولده، ولا يقال هنا إن المقصود إنه من السادة أو الهاشمين، فهو بعيد لأن تعبير أهل بيته الأظهر فيه أبناؤه، كما إن رايات الهاشمين ورد ذمها على لسان المعصومين (ع).
              ففي شرح الأخبار - القاضي النعمان المغربي :
              ( مما جاء عن أبي جعفر محمد بن علي عليه السلام ، أنه سئل عن الفرج ، متى يكون ؟ فقال : إن الله عز وجل يقول : ﴿فَانتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ ﴾. ثم قال : يرفع لآل جعفر بن أبي طالب راية ضلال ، ثم يرفع آل عباس راية أضل منها وأشر ، ثم يرفع لآل الحسن بن علي عليه السلام رايات وليست بشئ ، ثم يرفع لولد الحسين عليه السلام راية فيها الامر ).
              وفي بحار الأنوار - العلامة المجلسي :
              ( عن جابر الجعفي ، عن أبي جعفر عليه السلام يقول: الزم الأرض لا تحركن يدك ولا رجلك أبدا حتى ترى علامات أذكرها لك في سنة ... إلى قوله (ع) : وإياك وشذاذ من آل محمد (ع) فان لآل محمد وعلي راية ولغيرهم رايات فألزم الأرض ولا تتبع منهم رجلا أبدا حتى ترى رجلا من ولد الحسين ، معه عهد نبي الله ورايته وسلاحه ، فان عهد نبي الله صار عند علي بن الحسين ثم صار عند محمد بن علي ، ويفعل الله ما يشاء . فألزم هؤلاء أبدا ، وإياك ومن ذكرت لك ، فإذا خرج رجل منهم معه ثلاث مائة وبضعة عشر رجلا ، ومعه راية رسول الله صلى الله عليه وآله عامدا إلى المدينة حتى يمر بالبيداء حتى يقول : هذا مكان القوم الذين يخسف بهم وهي الآية التي قال الله﴿أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُواْ السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللّهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ ﴾).
              فرايات السادة أو الهاشميين مذمومة كما هو واضح، وفي الحديث أعلاه لا يستثني الإمام (ع) سوى راية واحدة يحملها رجل من ولد الحسين معه عهد نبي الله ، أي إنه مذكور في وصية رسول الله (ص) ولابد أن يكون مقصوده (ع) هو صاحب الرايات السود، الذي هو من بيت الإمام المهدي، أي من ولده وبالتالي من ولد الحسين، لأنه إن لم يكن هو المقصود سيشمله الذم الذي لم يستثن سوى راية وحيدة، وحيث إن ممدوح في روايات كثيرة، فيتعين إنه هو الرجل من ذرية الحسين المذكور في الوصية، وهو إذن أحمد ولد الإمام المهدي (ع).
              وعن مسعدة بن صدقة ، قال : ( سمعت أبا عبد اللّه جعفر بن محمّد ـ عليهما السلام – يقول : خطب الناس أمير الموَمنين (عليه السلام) ـ بالكوفة ـ فحمد اللّه وأثنى عليه ... إلى قوله: واعلموا أنَّكم إن أطعتم طالع المشرق سلك بكم منهاج رسول اللّه صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم، فتداويتم من الصّمم، واستشفيتم من البكم، وكفيتم موَنة التعسّف والطلب، ونبذتم الثقل الفادح عن الاَعناق. فلا يبعد اللّه إلاّ مَنْ أبى الرحمة، وفارق العصمة ، "وسيعلم الّذينَ ظلموا أيَّ منقلب ينقلبون ) .
              طالع المشرق إذن أو صاحب الرايات السود المشرقية يسلك منهاج الرسول (ص) ، فلابد إذن أن يكون حجة من حجج الله الذين أورثهم علم الكتاب، والمضامين الأخرى تؤيد هذا المعنى، فهو دواء من الصمم وشفاء من البكم ، وفيه كفاء مؤنة التعسف والطلب ، وغيره ، وسيأتي مزيد تأكيد لهذا المعنى.
              ورد في شرح إحقاق الحق : ( ... فيخرج الله على السفياني من أهل المشرق وزير المهدي ، فيهزم السفياني الى الشام ).
              بحسب هذه الرواية إذن يقاتل السفياني و يهزمه وزير الإمام المهدي (ع) ، وهذا الوزير هو قائد أهل المشرق. ومعلوم إن منصب الوزارة من نصيب الأوصياء، فهارون كان وزيراً لموسى، وأمير المؤمنين كان وزيراً لرسول الله والإمام المهدي (ع) وزيره (أحمد) ولده ووصيه بنص وصية رسول الله . وتؤكده الرواية الواردة عن أمير المؤمنين (ع) : ( ... ويخرج قبله – أي الإمام المهدي – رجل من أهل بيته، بأهل المشرق، ويحمل السيف على عاتقه ثمانية أشهر ). من هذه الرواية نعلم أن وزير الإمام المهدي هو رجل من أهل بيته، وهي إشارة واضحة الى ولده (أحمد).
              وعن السيد ابن طاووس في ملاحمه: ( إذا رأيتم الرايات السود خرجت من قبل خراسان فأتوها ولو حبواً على الثلج، فإن فيها خليفة المهدي ).
              هذه الرواية نصت على أن وزير المهدي، والرجل من أهل بيته هو خليفته ، أي وصيه.
              ومثله الحديث الوارد عن رسول الله : ( يقتل عند كنزكم ثلاثة كلهم ابن خليفة، ثم لا تصير الى واحد منهم ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق فيقاتلونهم قتالاً لا يقاتله قوم ، ثم ذكر شاباً فقال : إذا رأيتموه فبايعوه فإنه خليفة المهدي ) .
              أقول وقد وردت لهذه الرواية صورة أخرى في ذيلها ( فإنه خليفة الله المهدي )، كما في العرف الوردي في اخبار المهدي : عن ثوبان قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ( يقتتل عند كنزكم ثلاثة , كلهم ابن خليفة , ثم لا يصير إلى واحد منهم , ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق , فيقتلونكم قتلا لم يقتله قوم ,( ثم يجيء خليفة الله المهدي, فإذا سمعتم به فأتوه فبايعوه, ولو حبوا على الثلج, فإنه خليفة الله المهدي).
              وهذه الصورة لا تغير في الأمر شيئاً، إذ طالما كان المقطوع به هو خروج الإمام المهدي (ع) من مكة، فلابد إذن من حمل تعبير (خليفة الله المهدي) على غير الإمام المهدي (ع) ، وهو أمر لا يحتار فيه المتتبع، بعد أن تكفلت وصية رسول الله ببيان حقيقة أن (أحمد) له ثلاثة أسماء أحدها (المهدي).
              ولكي يتضح هذا الأمر أكثر أنقل الرواية الآتية عن غيبة الطوسي : (عن عمار بن ياسر... الى قوله: ثم يخرج المهدي (ع) على لوائه شعيب بن صالح،... الخ ).
              ولو تساءلنا الآن : أي مهدي تقصده الرواية؟ تجيبنا الرواية الآتية ؛ عن محمد بن الحنفية، قال: ( تخرج راية سوداء لبني العباس، ثم تخرج من خراسان سوداء أخرى قلانسهم سود، وثيابهم بيض، على مقدمتهم رجل يقال له شعيب بن صالح ، أو صالح بن شعيب من بني تميم يهزمون أصحاب السفياني ، حتى تنزل بيت المقدس توطئ للمهدي سلطانه ، يمد إليه ثلاث ماية من الشام، يكون بين خروجه وبين أن يسلم الأمر للمهدي إثنان وسبعون شهراً ).
              هذه الرواية تصرح بأن شعيب بن صالح، والرايات السود، يوطئون للمهدي سلطانه، ويسلمونه الأمر بعد إثنين و سبعين شهرا، إذن فالمهدي الذي تشير له الرواية الأولى الذي يأتي مع الرايات السود، مهدي آخر.
              وعن الإمام الرضا (ع) : ( لا تقوم الساعة حتى يقوم قائم للحق منا، وذلك حين يأذن الله عز وجل له، ومن تبعه نجا، ومن تخلف عنه هلك، الله الله عباد الله فأتوه ولو حبواً على الثلج، فإنه خليفة الله عز وجل).
              أقول بعد أن ينقل الكوراني هذه الرواية ، يعلق قائلاً : ( وهو يتعلق بالإيرانيين بدليل قوله (فأتوه ولو حبواً على الثلج ) لأن بلادهم ثلجية ). ومراد الكوراني إن الأمر بالإتيان الى خليفة الله متوجه للإيرانيين دون سواهم، فكأنه فهم أن خليفة الله المذكور في الرواية هو الإمام المهدي (ع)، وحيث إنه يرى إن الإمام المهدي (ع) يتحرك من الحجاز الى العراق، وحيث إن الثلوج في هذه المنطقة منعدمة، إذن المقصود إن الناس المخاطبين يسكنون في مناطق فيها ثلوج، وعليهم أن يأتوا إمامهم رغم هذه الثلوج، وهم الإيرانيون. والحقيقة إن الكوراني يحاول بتفسيره هذا أن يلتف على الدلالة الحقيقية للرواية وهي إن القائم أو خليفة الله سيأتي من قبل المشرق، وبرأيه إن هذا يناقض حقيقة إن الإمام المهدي (ع) يأتي من مكة.
              وكان حرياً بالكوراني أن يلتفت الى المعنى الواضح للرواية وهو إشارتها الى أن القائم شخص آخر غير الإمام المهدي (ع)، وهو ولده كما سلف القول، فمن الواضح إن عبارة ( فأتوه ولو حبواً على الثلج ) قد تكررت في الكثير من الروايات التي تحدثت عن الرايات السود، ولعلها مفتاح أريد منه بلوغ إن المهدي الذي يأتي من قبل الشرق ليس هو الإمام المهدي محمد بن الحسن (ع)، وإنما شخص آخر هو ولده ووصيه ، كما اتضح من الروايات التي سردناها عن الرايات السود ، والتي ستأتي أيضاً .
              ولعل الرواية الآتية تضع النقاط على الحروف فيما يتعلق بالرايات السود، فعن الإمام الباقر (ع)، قال: ( إن لله كنوزاً بالطالقان ، ليس بذهب ولا فضة ؛ إثنا عشر ألفاً بخراسان شعارهم : أحمد ..أحمد ، يقودهم شاب من بني هاشم على بغلة شهباء ، عليه عصابة حمراء ، كأني أنظر إليه عابر الفرات، فإذا سمعتم بذلك فسارعوا إليه ولو حبواً على الثلج ) .
              هذه الرواية تصرح باسم القائم، الذي يتخذ الطالقانيون من اسمه شعاراً لهم ، كما إن قوله (ع) : (عابراً الفرات) يدل على أن دخوله الى العراق يتم من جهة البصرة، ليتخذ طريقه الى الكوفة، إذ إن أي طريق آخر يمكن أن يسلكه منطلقاً من المشرق أو بلاد الطالقان لابد أن يضعه بمواجهة نهر دجلة، لا نهر الفرات.
              ولنتذكر ما ورد في كتاب الغيبة - محمد بن إبراهيم النعماني :
              عن الباقر ( عليه السلام ) قال : ( لا بد من رحى تطحن فإذا قامت على قطبها وثبتت على ساقها بعث الله عليها عبدا عنيفا خاملا أصله ، يكون النصر معه أصحابه الطويلة شعورهم ، أصحاب السبال ، سود ثيابهم ، أصحاب رايات سود ، ويل لمن ناواهم ، يقتلونهم هرجا ، والله لكأني أنظر إليهم وإلى أفعالهم ، وما يلقى الفجار منهم والأعراب الجفاة يسلطهم الله عليهم بلا رحمة فيقتلونهم هرجا على مدينتهم بشاطئ الفرات البرية والبحرية ، جزاء بما عملوا وما ربك بظلام للعبيد ).
              والمدينة البرية والبحرية المشاطئة للفرات هي البصرة حصراً، إذا فهمنا من كلمة ( البحرية ) أي الواقعة على بحر.
              وعن أبي عبدالله (ع) في قول الله تعالى : ﴿وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ قال : قتل علي بن أبي طالب (ع) وطعن الحسن (ع) ﴿وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراًقال : قتل الحسين (ع) ﴿فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا﴾ فإذا جاء نصر دم الحسين (ع) ﴿بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدِّيَارِ﴾ قوم يبعثهم الله قبل خروج القائم (ع) فلا يدعون وتراً لآل محمد إلا قتلوه ﴿وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً﴾ خروج القائم u ... ـ الحديث- ).
              وورد في تفسير العياشي : عن حمران عن أبي جعفر عليه السلام قال : كان يقرأ ( بعثنا عليكم عبادا لنا أولى بأس شديد ) ثم قال : ( وهو القائم وأصحابه أولى بأس شديد ) .
              وبالجمع بين الروايتين يتبين أن هناك مهدي يقول جيشا تمهيدا للامام المهدي (ع) ، وهؤلاء القوم أو العباد أولي البأس الشديد هم أصحاب الرايات السود، وهم من تجري على يديهم الملاحم بقيادة وصي الإمام المهدي (ع)، وهم من يثأرون لآل محمد (ع) بقيادة المهدي أحمد (ع)، ومن المعلوم أن المهدي (ع) هو من يثأر لقتل الحسين (ع) فيتعين أنه المهدي أحمد (ع) الذي يوكله أبوه الإمام المهدي (ع) بهذا الأمر.
              وهذا المهدي هو من أشارت له جملة من روايات الطاهرين منها ما ورد عن جابر الجعفي قال قال لي محمد بن علي (ع) : ( يا جابر إن لبني العباس راية ولغيرهم رايات فإياك ثم إياك ـ ثلاثا ـ حتى ترى رجلا من ولد الحسين (ع) يبايع له بين الركن والمقام معه سلاح رسول الله صلى الله عليه وآله ومغفر رسول الله صلى الله عليه وآله ودرع …) .
              فهذا المهدي أو الرجل من ولد الحسين الذي يبايع بين الركن والمقام هو صاحب الرايات السود كما علمنا، بل لابد أن يكون هو، لأنه إن لم يكن هو سيكون صاحب الرايات السود ممن يشملهم الذم الصادر عن المعصوم (ع)، وهذا غير صحيح كما ثبت، إذن صاحب الرايات السود هو الذي يبايع بين الركن والمقام.
              ومن يبايع بين الركن والمقام هو (أحمد) عن حذيفة ، قال : (سمعت رسول الله – وذكر المهدي – فقال : إنه يبايع بين الركن والمقام ، اسمه أحمد وعبدالله والمهدي، فهذه أسماؤه ثلاثتها ) .
              وهو نفسه المهدي الذي يظهر قبل السفياني : روى حذلم بن بشير قال : قلت لعلي بن الحسين (ع): صف لي خروج المهدي وعرفني دلائله وعلاماته؟ فقال يكون قبل خروجه خروج رجل يقال له عوف السلمي بأرض الجزيرة، ويكون مأواه تكريت، وقتله بمسجد دمشق ، ثم يكون خروج شعيب بن صالح من سمرقتد، ثم يخرج السفياني الملعون من الوادي اليابس، وهو من ولد عتبة بن أبي سفيان ، فإذا ظهر السفياني اختفى المهدي، ثم يخرج بعد ذلك ).
              وهو نفسه المهدي الذي تذكره روايات العامة.
              عن رسول الله ص : ( يخرج المهدي من ولد الحسين من قبل المشرق، لو استقبلته الجبال لهدمها واتّخذ فيها طرقاً ).
              وعن أبي قبيل عن عبداللّه بن عمر قال : ( يخرج رجل من ولد الحسين من قبل المشرق لو استقبلته الجبال لهدمها واتخذ فيها طرقا ).
              بقي أن أشير الى أن بعض الروايات تحدثت عن ورود راية من خراسان أو من إيران عموماً، بقيادة الخراساني وهو غير صاحب الرايات السود كما يفهم من الروايات ، وبشأن هذه الشخصية، أقول: إن جميع الرايات يشوبها الضلال، باستثناء راية اليماني أو راية القائم ( أحمد ) ، وهذا الحكم يشمل راية الخراساني، فالضلال لا ينفك عن الخراساني حتى يبايع اليماني، ويخضع لحكمه ، ذلك أن راية الحق واحدة لا تتعدد .
              فإن وصف راية اليماني بانها اهدي الرايات ليس بالضرورة يعني ان من يرافقها او يعاصرها هو هدى ولكن اقل من راية اليماني ، فقد يكون ضلالا محضا او ضلالا مشوباً بهدى ، بدليل قوله تعالى : ( أَفَمَن يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) ، فهنا وصف من يمشي سويا على صراط مستقيم بأنه اهدى ممن يمشي مكبا على وجهه ، وكذلك قوله تعالى : ﴿قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ﴾ وقوله تعالى: ﴿قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلاً ﴾ .
              Last edited by ya fatema; 09-03-2013, 22:51.

              Comment

              • أبو محمد الأنصاري
                مشرف
                • 06-10-2009
                • 325

                #8
                رد: ادلة الدعوة : كتاب جامع الأدلة ـــ دكتور عبد الرزاق الديراوي

                بسم الله الرحمن الرحيم
                اللهم صل على محمد وآل محمد الائمة والمهديين وسلم تسليما
                الدرس السادس
                أدلة تثبت وجود مهدي اخر الزمان
                التسجيل الصوتي للمحاضرة ــ للاستماع والتحميل اضغط هنا


                الدليل الأول :
                عن حذيفة ، قال : ( سمعت رسول الله – وذكر المهدي – فقال: إنه يبايع بين الركن والمقام ، اسمه أحمد وعبدالله والمهدي، فهذه أسماؤه ثلاثتها ).
                الرسول (ص) في هذه الرواية يسمي المهدي (ع) ويذكر له ثلاثة أسماء، وهي الأسماء نفسها التي ذكرها لولد الإمام المهدي ( أحمد ) في رواية الوصية حيث قال (ع) هناك : ( ... يا أبا الحسن أحضر صحيفة ودواة فأملى رسول الله (ص) وصيته حتى انتهى إلى هذا الموضع فقال يا علي إنه سيكون بعدي إثنا عشر إماما ومن بعدهم إثنا عشر مهدياً فأنت يا علي أول الإثني عشر إماماً ... وساق الحديث إلى أن قال : وليسلمها الحسن (ع) إلى ابنه م ح م د المستحفظ من آل محمد فذلك إثنا عشر إماماً ، ثم يكون من بعده إثنا عشر مهدياً ، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه أول المهديين له ثلاثة أسامي اسم كاسمي واسم أبي وهو عبد الله و أحمد ، والاسم الثالث المهدي وهو أول المؤمنين ).
                فالمهدي (ع) الذي يبايع بين الركن والمقام هو ولد الإمام المهدي (ع) ، أي أحمد الذي هو اليماني نفسه. والأسماء الثلاثة التي يذكرها رسول الله في الوصية ، ويكررها في الرواية التي يذكر فيها المهدي تدل على هذه الحقيقة .
                وبطبيعة الحال لا حاجة للتذكير بأن المهديين الإثني عشر ومنهم أحمد يصح على كل منهم إطلاق لقب المهدي.
                الدليل الثاني :
                ورد في الغيبة - الشيخ الطوسي :
                ( عن عاصم، عن زر بن حبيش، عن عبد الله بن مسعود. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله تعالى ذلك اليوم حتى يبعث رجلا مني يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي يملأ الأرض عدلا كما ملئت ظلما ).
                الملاحم والفتن - السيد ابن طاووس :
                عن أبي الطفيل: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( المهدي اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي ).
                هذه الروايات واشباهها ربما دفعت أبناء العامة للظن بأن اسم الإمام المهدي (ع) هو محمد بن عبدالله، ولكننا نعلم أن رسول الله (ص) اسمه (أحمد) كذلك، وهو كثيراً ما كان يقول: أنا ابن الذبيحين عبدالله واسماعيل.
                ففي البحر الرائق - ابن نجيم المصري :
                ( روي عنه عليه السلام :أنا ابن الذبيحين يعني أباه عبد الله وإسماعيل ).
                وفي الخصال - الشيخ الصدوق :
                ( حدثنا علي بن الحسن بن علي بن فضال ، عن أبيه قال: سألت أبا الحسن علي - ابن موسى الرضا عليهما السلام عن معنى قول النبي صلى الله عليه وآله : أنا ابن الذبيحين قال : يعني إسماعيل ابن إبراهيم الخليل عليهما السلام وعبد الله بن عبد المطلب ).
                وفي من لا يحضره الفقيه - الشيخ الصدوق :
                عنه : ( يا علي : أنا ابن الذبيحين ).
                وفي الفصول المختارة - الشريف المرتضى :
                ( وقال رسول الله ( ص ) في افتخاره بآبائه : أنا ابن الذبيحين يعني إسماعيل - عليه السلام - و عبد الله).
                والسيد أحمد الحسن (ع) اسمه أحمد واسم أبيه إسماعيل.
                واسم السيد احمد الحسن ع هو الحل الوحيد الممكن الذي يجمع الحديثين.. فنحن بحاجة لاسم يصدق عليه ان اسم النبي ويصدق عليه كذلك انه يواطئ اسم النبي أي لا يطابقه تماما.. وهذا يحققه اسم احمد .
                الدليل الثالث :
                كفاية الأثر – الخزاز القمي :
                عن محمد بن الحنفية، قال : قال أمير المؤمنين (ع) : ( سمعت رسول الله (ص) يقول، في حديث طويل في فضل أهل البيت (ع) : وسيكون بعدي فتنة صماء صيلم يسقط فيها كل وليجة وبطانة ، وذلك عند فقدان شيعتك الخامس من السابع من ولدك ).
                الرسول (ص) يحدث أمير المؤمنين (ع) عن فتنة تقع عند فقدان الخامس من ولد السابع من ولد أمير المؤمنين (ع) ، فهو يقول له : من ولدك .
                لنرى من يكون هذا الولد من أولاد علي(ع) :
                1- الإمام الحسن 2- الإمام الحسين 3- الإمام السجاد 4- الإمام الباقر 5- الإمام الصادق 6- الإمام الكاظم 7- الإمام الرضا ( وهو السابع ) والآن لنعرف من هو الخامس من السابع من ولد أمير المؤمنين (ع):
                1- الإمام الجواد 2- الإمام الهادي 3- الإمام العسكري 4- الإمام المهدي 5- الإمام أحمد المذكور في وصية رسول الله .
                إذن المقصود هنا هو أحمد بن الإمام المهدي u، هو الخامس من السابع من ولد أمير المؤمنين. وهو الذي بفقدانه تكون الفتنة الصماء الصيلم أي الإختبار الذي يسقط فيه كل ذي وليجة وبطانة.
                وفي الكافي – الشيخ الكليني :
                قال إن الإمام الكاظم (ع) قال لأولاده وأرحامه : ( إذا فقد الخامس من ولد السابع فالله الله في أديانكم، لا يزيلنكم عنها أحد. يا بني إنه لابد لصاحب هذا الأمر من غيبة حتى يرجع عن هذا الأمر من كان يقول به !؟ إنما هي محنة من الله عز وجل امتحن بها خلقه، لو علم أباؤكم وأجدادكم ديناً أصح من هذا لاتبعوه. قال، فقلت: يا سيدي من الخامس من ولد السابع؟ فقال: يا بني عقولكم تصغر عن هذا، وأحلامكم تضيق عن حمله، ولكن إن تعيشوا فسوف تدركونه ).
                الإمام الكاظم (ع) يُحدث أولاده وأرحامه عن صاحب هذا الأمر، أي عن القائم (ع)، ويحذرهم من الامتحان الذي يحدث عن فقد الخامس من ولد السابع، ولكن هذه الرواية لا تقول إنه الخامس من ولد السابع من ولد أمير المؤمنين، فهل المقصود منها إذن الإمام المهدي محمد بن الحسن (ع) ؟
                لنتساءل الآن : عن أي شئ تصغر عنه عقول أبناء الإمام الكاظم وأرحامه وتضيق عنه أحلامهم؟ هم يسألونه عن الخامس من ولد السابع. فهل معرفة اسم الإمام المهدي محمد بن الحسن (ع) الذي يعرفه القاصي والداني، وذكرته الروايات، وغيبته التي وردت فيها عشرات الروايات، هل هذا هو ما تضيق عن حمله أحلام أبناء الإمام الكاظم وأرحامه وتصغر عنه ؟
                لاشك إن بإمكاننا أن نقول أن الأمر يتعلق بشخص آخر ادخره الله ليبتلي به الناس وتكون نتيجة هذا الابتلاء رجوع من كان يقول بأمرهم أي يخرج من ولايته (ع).
                لنقرأ الرواية التالية:
                بحار الأنوار- العلامة المجلسي :
                وعن عبد الرحمان بن أبي ليلى، قال علي (ع) : ( كنت عند النبي في بيت أم سلمة ... الى أن قال (ع) : ثم التفت إلينا رسول الله (ص) فقال رافعاً صوته: الحذر إذا فقد الخامس من ولد السابع من ولدي. قال علي: فقلت: يا رسول الله، فما تكون هذه الغيبة ؟ قال: الصمت حتى يأذن الله له بالخروج ... ).
                إذن هو الخامس من ولد السابع من ولد أمير المؤمنين (ع) وهو أحمد كما سلف القول، والفتنة أو الاختبار ليس هو الغيبتان كما حصل للإمام المهدي (ع)، وإنما هو الصمت حتى يأذن الله له بالخروج. وأحمد هو صاحب الأمر الذي ذكره الإمام الكاظم (ع).
                الدليل الرابع :
                عن الأصبغ بن نباتة قال : ( أتيت أمير المؤمنين (ع) فوجدته متفكراً ينكت في الأرض ، فقلت : ما لي أراك متفكراً تنكت في الأرض ، أرغبة منك فيها؟ فقال : لا والله ما رغبت فيها ولا في الدنيا يوماً قط، ولكني فكرت في مولود يكون من ظهر الحادي عشر من ولدي هو المهدي الذي يملأ الأرض عدلاً وقسطاً، كما ملئت جوراً وظلماً، تكون له غيبة وحيرة، يضل فيها أقوام ويهتدي فيها آخرون. فقلت: وكم تكون الحيرة والغيبة؟ قال: ستة أيام أو ستة أشهر أو ست سنين! فقلت: وإن هذا لكائن؟ فقال: نعم، كما أنه مخلوق، وأنى لك بهذا الأمر ياأصبغ، أولئك خيار هذه الأمة مع أبرار هذه العترة. فقلت: ثم ما يكون بعد ذلك؟ فقال: ثم يفعل الله ما يشاء، فإن له بداءات وإرادات وغايات ونهايات ).
                لابد من توضيح أن الرواية قيد البحث قد وردت لها صورتان الأولى بلفظ ( من ظهر ) والثانية (من ظهري)، ولتحقيق المسألة لابد بدءاً من التأكيد على أن الرواية قد وردت في كتاب الكافي لمؤلفه الشيخ الكليني بالصورتين معاً ، كما تدل عليه إشارة محقق الكتاب حين وضع الياء بين معقوفتين بالشكل الآتي [من ظهر(ي) ] .
                إن عمل المحقق بوضع الياء بين معقوفتين يشير إلى أن ورود الياء قد جاء في بعض النسخ. ولو تحققنا من الأمر سنجد أن الياء قد أضيفت إلى كلمة ( ظهر ) من قبل بعض النساخ، والأدلة على هذا كثيرة ، منها ؛ إن الرواية وردت في الهداية الكبرى - الحسين بن حمدان الخصيبي ، بصورة ( من ظهر ) كما يلي:
                ( عن الأصبغ بن نباتة ، قال دخلت على أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فوجدته مفكرا ينكت في الأرض قلت : يا مولاي مالي أراك مفكرا قال : في مولود يكون من ظهر الحادي عشر من ولدي وهو المهدي الذي يملأها عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما يكون له غيبة يضل بها أقواما ، ويهدي بها آخرين أولئك خيار هذه الأمة مع أبرار هذه العترة فقلت : ثم ماذا : قال : يفعل الله ما يشاء ، من الرجعة البيضاء والكرة الزهراء ، وإحضار الأنفس الشح والقصاص والأخذ بالحق والمجازاة بكل ما سلف ثم يغفر الله لمن يشاء).
                ومعلوم أن كتاب الهداية من أقدم الكتب الشيعية، بل إن الرواية وردت في دلائل الإمامة - محمد بن جرير الطبري ( الشيعي ) ، وهو يشترك بالسند مع الشيخ الكليني، وفيها ( من ظهر ) ولكن ليس فيها ( من ولدي ) كما يلي:
                ( أخبرني أبو الحسين محمد بن هارون ، عن أبيه ، عن أبي علي محمد بن همام ، عن عبد الله بن جعفر ، عن الحسن بن علي الزبيري ، عن عبد الله بن محمد بن خالد الكوفي ، عن منذر بن محمد بن قابوس ، عن نصر بن السندي ، عن أبي داود ، عن ثعلبة بن ميمون ، عن مالك الجهني ، عن الحارث بن المغيرة ، عن الأصبغ بن نباتة ، قال : أتيت أمير المؤمنين ( صلوات الله عليه ) فوجدته مفكرا ، ينكت في الأرض، فقلت : يا أمير المؤمنين ، ما لي أراك مفكرا ، تنكت في الأرض ؟ أرغبة منك فيها ؟ فقال : لا والله ، ما رغبت في الدنيا قط ، ولكني فكرت في مولود يكون من ظهر الحادي عشر، هو المهدي ، يملأها عدلا كما ملئت جورا وظلما ، تكون له حيرة وغيبة ، يضل فيها قوم ، ويهتدي بها آخرون . فقلت : يا أمير المؤمنين ، وكم تكون تلك الحيرة ، وتلك الغيبة ؟ قال ( عليه السلام ) : وأني لك ذلك ، وكيف لك العلم بهذا الأمر يا أصبغ ! أولئك خيار هذه الأمة مع أبرار هذه العترة ).
                ووردت كذلك في كتاب الاختصاص - الشيخ المفيد - بسند مقارب ، وفيها أيضاً ( من ظهر ) كما يلي :
                ( حدثنا محمد بن قولويه قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن محمد بن خالد الطيالسي عن المنذر بن محمد ، عن النصر بن السندي ، عن أبي داود سليمان بن سفيان المسترق عن ثعلبة بن ميمون ، عن مالك الجهني ، عن الحارث بن المغيرة ، عن الأصبغ بن نباتة ، قال سعد بن عبد الله : وحدثنا محمد بن الحسين بن أبي الخطاب الكوفي قال : حدثنا الحسن ابن علي بن فضال ، عن ثعلبة بن ميمون ، عن مالك الجهني ، عن الحارث بن المغيرة ، عن الأصبغ بن نباتة قال : أتيت أمير المؤمنين عليه السلام فوجدته متفكرا " ينكت في الأرض، فقلت : يا أمير المؤمنين ما لي أراك متفكرا تنكت في الأرض ، أرغبة منك فيها ؟ قال : لا والله ما رغبت فيها ولا في الدنيا يوما قط ولكني فكرت في مولود يكون من ظهر الحادي عشر من ولدي هو المهدي الذي يملأها عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا ، يكون له حيرة وغيبة ، يضل فيها أقوام ويهتدي فيها آخرون ، فقلت : إن هذا لكائن ؟ قال : نعم كما أنه مخلوق فأنى لك بهذا الأمر يا أصبغ ، أولئك خيار هذه الأمة مع خيار أبرار هذه العترة ، قلت : وما يكون بعد ذلك ؟ قال : الله يفعل ما يشاء فإن لله إرادات وبداءات وغايات ونهايات ).
                ويرويها الشيخ الطوسي في موضعين من كتابه الغيبة ، الأول : ص 165 – 166، والثاني : ص 336 وبسند آخر عن ثعلبة من ميمون ، وفيها ( من ظهر ) ، كما يلي :
                ( ورواه سعد بن عبد الله ، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، عن الحسن بن علي بن فضال ، عن ثعلبة بن ميمون ، عن مالك الجهني ، عن الأصبغ بن نباتة ، قال: أتيت أمير المؤمنين عليه السلام فوجدته ينكت في الأرض ، فقلت له : يا أمير المؤمنين ما لي أراك مفكرا تنكت في الأرض ؟ أرغبة منك فيها ؟ . قال: لا والله ما رغبت فيها ولا في الدنيا قط ، ولكني تفكرت في مولود يكون من ظهر الحادي عشر من ولدي هو المهدي الذي يملاها عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا ، يكون له حيرة وغيبة تضل فيها أقوام ويهتدي فيها آخرون . قلت : يا مولاي فكم تكون الحيرة والغيبة ؟ . قال : ستة أيام ، أو ستة أشهر ، أو ست سنين . فقلت : وإن هذا الامر لكائن ؟ فقال : نعم كما أنه مخلوق ، وأنى لك بهذا الامر يا أصبغ ، أولئك خيار هذه الأمة مع أبرار هذه العترة ، قال : قلت : ثم ما يكون بعد ذلك ؟ قال : ثم يفعل الله ما يشاء فإن له بداءات وإرادات وغايات ونهايات ).
                من هذا يتبين أن ما ورد في أحد نسخ الكافي ، من إضافة (ياء) لكلمة ظهر إنما هو من عمل النساخ .
                الدليل الخامس:
                عن جابر بن عبدالله الأنصاري ، قال: دخلت على فاطمة وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء من ولدها، فعددت أثني عشر آخرهم القائم (ع)؛ ثلاثة منهم محمد، وثلاثة منهم علي ).
                ومثله ما يلي:
                عن أبي جعفر (ع) ، قال : ( قال رسول الله : إني وإثني عشر من ولدي و أنت يا علي زر الأرض، يعني أوتادها وجبالها، بنا أوتد الأرض ان تسيخ بأهلها فإذا ذهب الإثنا عشر من ولدي ساخت بأهلها ولم ينظروا ) .
                أقول إن القائم في رواية جابر هو أحمد بن الإمام المهدي (ع) بعد استثناء اسم علي (ع) ، لأنه زوج فاطمة (ع) وليس ولدها ، فالمعدودين هم ولد فاطمة (ع) ، ويدل عليه كذلك إن الرواية نصت على أن ثلاثة منهم اسمهم علي بينما هم مع علي أمير المؤمنين يكونون أربعة. ومثله يقال في الرواية الثانية التي استثنت علياً (ع) بقوله : ( وأنت يا علي ) ، وعلى أي حال فإن علياً (ع) أخو رسول الله (ص) وليس ولده ، فلا يدخل إذن في قوله (ع) : ( وإثني عشر من ولدي ).
                الدليل السادس :
                معجم أحاديث الإمام المهدي (ع) – الكوراني :
                ( في صاحب هذا الأمر سنن من أربعة أنبياء: سنة من موسى ، وسنة من عيسى ، وسنة من يوسف ، وسنة من محمد صلوات الله عليهم أجمعين ، فقلت : ما سنة موسى؟ قال: خائف يترقب. قلت: وما سنة عيسى؟ فقال : يقال فيه ما قيل في عيسى ، قلت : فما سنة يوسف ؟ قال : السجن والغيبة . قلت : وما سنة محمد صلى الله عليه وآله؟ قال: إذا قام سار بسيرة رسول الله صلى الله عليه وآله إلا أنه يبين آثار محمد ، ويضع السيف على عاتقه ثمانية أشهر هرجا هرجا، حتى رضي (يرضى) الله قلت : فكيف يعلم رضا الله؟ قال: يلقي الله في قلبه الرحمة ).
                معلوم أن الإمام المهدي محمد بن الحسن (ع) لا تطاله أيدي الأعداء، فالمقصود من صاحب الأمر الذي يُسجن هو غيره. وقوله: ( يضع السيف على عاتقه ثمانية أشهر ) إشارة إلى أن المقصود هو صاحب الرايات السود، وهو أحمد ابن الإمام المهدي (ع) كما دلت الروايات الآنفة التي نصت على خروج رجل من أهل بيت الإمام المهدي (ع).
                ورد في كنز العمال - المتقي الهندي :
                عن علي قال : إذا بعث السفياني إلى المهدي جيشا فخسف بهم بالبيداء وبلغ ذلك أهل الشام قالوا لخليفتهم : قد خرج المهدي فبايعه وادخل في طاعته وإلا قتلناك ، فيرسل إليه بالبيعة ويسير المهدي حتى ينزل بيت المقدس ، وتنقل إليه الخزائن ، وتدخل العرب والعجم وأهل الحرب والروم وغيرهم في طاعته من غير قتال ، حتى تبنى المساجد بالقسطنطينية وما دونها، ويخرج قبله رجل من أهل بيته بالمشرق ويحمل السيف على عاتقه ثمانية أشهر يقتل ويمثل ويتوجه إلى بيت المقدس ، فلا يبلغه حتى يموت ( نعيم ) .
                الدليل السابع :
                ورد عن يزيد الكناسي عن أبي جعفر الباقر (ع) : ( إن صاحب هذا الأمر فيه شبه من يوسف؛ ابن أمة سوداء ).
                والإمام المهدي محمد بن الحسن ابن السيدة نرجس (ع) ابنة ملك الروم وليست هي أمة سوداء، فيكون المقصود ولده أحمد.
                الدليل الثامن :
                عن الإمام الرضا (ع) ، قال : ( كأني برايات ، من مصر مقبلات ، خضر مصبغات ، حتى تأتي الشامات ، فتؤدى الى ابن صاحب الوصيات ).
                وصاحب الوصيات هو الإمام المهدي (ع) وفي رواية الوصية تعبير مشابه حيث ورد وصف الإمام المهدي ع بأنه المستحفظ من آل محمد، وابنه هو أحمد المذكور في وصية رسول الله . وفي الرايات التي تؤدى إليه من مصر دليل على أنه هو القائم.
                الدليل التاسع :
                قال رسول الله (ص) : ( من ولدي إثنا عشر نقيباً نجباء مفهمون محدثون آخرهم القائم بالحق يملأها عدلاً كما ملئت جوراً ).
                ولد رسول الله هم : 1- الحسن 2- الحسين 3- السجاد 4- الباقر 5- الصادق 6- الكاظم 7- الرضا 8- الجواد 9- الهادي 10- العسكري 11- المهدي أجمعين لأن علياً (ع) أخوه لا ولده ، بل إن الرسول (ص) وعلي (ع) هما أبوا هذه الأمة ، وإليكم هذه الأحاديث التي توضح هذا الأمر:
                جواهر الفقه - القاضي ابن البراج :
                قال ( ص ) : ( يا علي أنت أخي ووارث علمي ، وأنت الخليفة من بعدي ، وأنت قاضي ديني ، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا انه لا نبي بعدي ).
                منهاج الصالحين - الشيخ وحيد الخراساني :
                قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( يا علي أنت أخي في الدنيا والآخرة ).
                الخصال - الشيخ الصدوق :
                (عن علي (ع) قال : كان لي عشر من رسول الله صلى الله عليه وآله لم يعطهن أحد قبلي ولا يُعطاهن أحد بعدي قال لي : يا علي أنت أخي في الدنيا والآخرة ... إلخ قوله عليه السلام ).
                عيون أخبار الرضا (ع) - الشيخ الصدوق :
                قال رسول الله ( ص ) : ( يا علي أنت أخي ووزيري وصاحب لوائي في الدنيا والآخرة وأنت صاحب حوضي من أحبك أحبني ومن أبغضك أبغضني ).
                بحار الأنوار - العلامة المجلسي :
                ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله : يا علي أنت أخي ووارثي ووصيي وخليفتي في أهلي وأمتي في حياتي وبعد مماتي ، محبك محبي ، ومبغضك مبغضي يا علي أنا وأنت أبوا هذه الأمة ).
                إذن الإمام المهدي (ع) هو الولد الحادي عشر لرسول الله (ص) فيكون الولد الثاني عشر أو الأخير الذي ذكره حديثه هو أحمد المذكور في الوصية المقدسة، وهو القائم إذن .
                الدليل العاشر :
                قال رسول الله (ص) : ( ياعلي إني مزوجك فاطمة ابنتي سيدة نساء العالمين وأحبهن إليّ بعدك وكائن منكما سيدا شباب أهل الجنة والشهداء المضرجون المقهورون في الأرض من بعدي والنجباء الزهر الذين يطفئ الله بهم الظلم ويحيي بهم الحق ويميت بهم الباطل عدتهم عدة أشهر السنة آخرهم يصلي عيسى بن مريم خلفه ) .
                قوله (ع) : ( عدتهم عدة أشهر السنة ) ، أي إن عددهم إثنا عشر، وهؤلاء الإثنا عشر (ع) هم أبناء فاطمة وعلي عليهما السلام، إذن بالنتيجة يكون أحمد هو كمال عدتهم، أي هو الثاني عشر منهم ، وهو الذي يصلي خلفه عيسى (ع) إذن هو القائم .
                الدليل الحادي عشر :
                الهداية الكبرى - الحسين بن حمدان الخصيبي :
                عن الصادق ( عليه السلام ) عن أبيه عن جده الحسين ، عن عمه الحسن ، عن أمير المؤمنين عن رسول الله (صلى الله عليه وآله ) قال : ( إذا تواتت أربعة أسماء من الأئمة من ولدي فرابعهم القائم المؤمل المنتظر ).
                والأسماء التي تتواتى لابد أن تكون على اسم رسول الله (ص) لأن أي اسم آخر يُخرج الإمام المهدي محمد بن الحسن (ع) ، والآن لدينا :
                1- محمد الباقر 2- محمد الجواد 3- محمد المهدي ، ورسول الله لا يدخل في جردة الحساب لأنه (ع) قال : من الأئمة من ولدي .
                إذن الرابع لابد أن يكون أحمد ، وهو القائم المؤمل المنتظر عليه السلام .
                الدليل الثاني عشر :
                كتاب سليم بن قيس - تحقيق محمد باقر الأنصاري :
                في خبر طويل ... ( ثم ضرب بيده على الحسين عليه السلام فقال: ( يا سلمان ، مهدي أمتي الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما من ولد هذا. إمام بن إمام ، عالم بن عالم ، وصي بن وصي ، أبوه الذي يليه إمام وصي عالم . قال : قلت : يا نبي الله ، المهدي أفضل أم أبوه ؟ قال : أبوه أفضل منه. للأول مثل أجورهم كلهم لأن الله هداهم به ).
                فالمهدي بحسب هذا الحديث الشريف أبوه يليه ، أي يأتي بعده ، وهو ما ينطبق على أحمد (ع) لأنه يرسله أبوه ليقوم بالأمر ويطهر الأرض .
                وقد ورد في كتاب الغيبة - محمد بن إبراهيم النعماني :
                عن أبي عبد الله الصادق ( عليه السلام ) ، قال : ( إن لصاحب هذا الأمر غيبتين : إحداهما تطول حتى يقول بعضهم : مات ، وبعضهم يقول : قتل ، وبعضهم يقول : ذهب ، فلا يبقى على أمره من أصحابه إلا نفر يسير ، لا يطلع على موضعه أحد من ولي ولا غيره( )، إلا المولى الذي يلي أمره ) .
                وقوله: المولى الذي يلي أمره، أي يتولى أمره ، وأمره هو القيام وتطهير الأرض من الظالمين .
                الدليل الثالث عشر :
                كتاب سليم بن قيس - تحقيق محمد باقر الأنصاري :
                في رواية طويلة ... قال رسول الله صلى الله عليه وآله لفاطمة (ع) : إن لعلي بن أبي طالب ثمانية أضراس ثواقب نوافذ ، ومناقب ليست لأحد من الناس : إيمانه بالله وبرسوله قبل كل أحد ولم يسبقه إلى ذلك أحد من أمتي ، وعلمه بكتاب الله وسنتي وليس أحد من أمتي يعلم جميع علمي غير بعلك ، لأن الله علمني علما لا يعلمه غيري وغيره ، ولم يعلم ملائكته ورسله وإنما علمه إياي وأمرني الله أن أعلمه عليا ففعلت ذلك . فليس أحد من أمتي يعلم جميع علمي وفهمي وفقهي كله غيره . وإنك - يا بنية - زوجته ، وإن ابنيه سبطاي الحسن والحسين وهما سبطا أمتي . وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر ، وإن الله جل ثناؤه علمه الحكمة وفصل الخطاب . ميزات أهل البيت الخاصة يا بنية ، إنا أهل بيت أعطانا الله سبع خصال لم يعطها أحدا من الأولين ولا أحدا من الآخرين غيرنا : أنا سيد الأنبياء والمرسلين وخيرهم ، ووصيي خير الوصيين ، ووزيري بعدي خير الوزراء ، وشهيدنا خير الشهداء أعني حمزة عمي . قالت : يا رسول الله ، سيد الشهداء الذين قتلوا معك ؟ قال : لا ، بل سيد الشهداء من الأولين والآخرين ما خلا الأنبياء والأوصياء . وجعفر بن أبي طالب ذو الهجرتين وذو الجناحين المضرجين يطير بهما مع الملائكة في الجنة . وابناك الحسن والحسين سبطا أمتي وسيدا شباب أهل الجنة . ومنا - والذي نفسي بيده - مهدي هذه الأمة الذي يملأ الله به الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا . قالت فاطمة : يا رسول الله ، فأي هؤلاء الذين سميت أفضل ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : أخي علي أفضل أمتي ، وحمزة وجعفر هذان أفضل أمتي بعد علي وبعدك وبعد ابني وسبطي الحسن والحسين وبعد الأوصياء من ولد ابني هذا - وأشار رسول الله صلى الله عليه وآله بيده إلى الحسين عليه السلام - منهم المهدي والذي قبله أفضل منه ، الأول خير من الآخر لأنه إمامه والآخر وصي الأول . إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا . إخبار النبي صلى الله عليه وآله بتظاهر الأمة على علي عليه السلام من بعده ثم نظر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى فاطمة وإلى بعلها وإلى ابنيها فقال : يا سلمان ، أشهد الله أني حرب لمن حاربهم وسلم لمن سالمهم . أما إنهم معي في الجنة . ثم أقبل النبي صلى الله عليه وآله على علي عليه السلام فقال : يا علي ، إنك ستلقي بعدي من قريش شدة ، من تظاهرهم عليك وظلمهم لك . فإن وجدت أعوانا عليهم فجاهدهم وقاتل من خالفك بمن وافقك ، فإن لم تجد أعوانا فاصبر وكف يدك ولا تلق بيدك إلى التهلكة ، فإنك مني بمنزلة هارون من موسى ، ولك بهارون أسوة حسنة . إنه قال لأخيه موسى : ( إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني ) .
                في هذه الرواية يقول الرسول إن أبا المهدي (ع) أفضل منه – أي أفضل من المهدي – ولكننا نعلم من روايات أخرى أن الإمام المهدي محمد بن الحسن (ع) افضل من أبيه العسكري بل أفضل من جميع الأئمة من ذرية الحسين، فيتحصل أن المراد من المهدي في الرواية هو أحمد المذكور في وصية رسول الله (ص) والتي ذُكر فيها إن من أسمائه المهدي ، وإليكم بعض الأحاديث عن أفضلية الإمام المهدي محمد بن الحسن (ع) :
                كتاب الغيبة - محمد بن إبراهيم النعماني :
                عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله ، عن آبائه (ع) ، قال : ( قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إن الله عز وجل اختار من كل شئ شيئا ، اختار من الأرض مكة ، واختار من مكة المسجد ، واختار من المسجد الموضع الذي فيه الكعبة ، واختار من الأنعام إناثها ، ومن الغنم الضأن ، واختار من الأيام يوم الجمعة ، واختار من الشهور شهر رمضان ، ومن الليالي ليلة القدر ، واختار من الناس بني هاشم ، واختارني وعليا من بني هاشم ، واختار مني ومن علي الحسن والحسين ، وتكملة اثني عشر إماما من ولد الحسين تاسعهم باطنهم ، وهو ظاهرهم ، وهو أفضلهم ، وهو قائمهم ).
                الإستنصار - أبو الفتح الكراجكي :
                عن أبي سعيد يرفعه إلى أبى جعفر ( ع ) قال : ( قال رسول الله من أهل بيتي اثنى عشر نقيبا محدثون مفهمون منهم القائم بالحق يملاها عدلا كما ملأت جورا وما رواه ابن أبي عمير عن سعيد بن غزوان عن أبي بصير عن أبي عبد الله عن بائه ( ع ) قال قال رسول الله ( ص ) ان الله اختار من الأيام يوم الجمعة ومن الشهور شهر رمضان ومن الليالي ليله القدر واختار من الناس الأنبياء واختار من الأنبياء الرسل واختارني من الرسل واختار من عليا ( ع ) واختار من على الحسن والحسين ( ع ) واختار من الحسين ( ع ) الأوصياء وهم تسعه من ولد الحسين ينفون من هذا الدين تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين تاسعهم ظاهرهم ناطقهم قائمهم وهو أفضلهم ).
                الدليل الرابع عشر :
                ورد الكافي - الشيخ الكليني :
                ( عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : من ولدي اثنا عشر نقيبا ، نجباء ، محدثون ، مفهمون ، آخرهم القائم بالحق يملاها عدلا كما ملئت جورا )( ).
                أولاد رسول الله بعد استثناء أخيه علي (ع) هم أحد عشر لغاية الإمام المهدي محمد بن الحسن (ع) ، إذن الثاني عشر منهم هو أحمد (ع) ، وهو القائم .
                وهذه روايات أخرى تتحدث عن الإمام الثالث عشر وهي تؤكد ما تقدم:
                عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : ( إن الله أرسل محمدا صلى الله عليه وآله إلى الجن والإنس وجعل من بعده اثني عشر وصيا ، منهم من سبق ومنهم من بقي وكل وصي جرت به سنة والأوصياء الذين من بعد محمد صلى الله عليه وآله على سنة أوصياء عيسى وكانوا اثني عشر وكان أمير المؤمنين عليه السلام على سنة المسيح ).
                إذن أوصياء رسول الله (ص) على سنة أوصياء عيسى (ع) وهم إثنا عشر، وعلي (ع) على سنة عيسى (ع)، إذن هو غير داخل في الإثني عشر، فيكون الثاني عشر هو أحمد (ع).
                ومثله عن أنس بن مالك قال : ( سئلت رسول الله (ص) عن حواري عيسى (ع) فقال : كانوا من صفوته وخيرته وكانوا إثني عشر ... وساق الحديث إلى إن قال : الأئمة بعدي إثنا عشر من صلب علي (ع) وفاطمة (ع) وهم حواري وأنصاري عليهم من الله التحية والسلام ) .
                بحار الانوار :
                قال رسول الله (ص) : ( ... وان الله نظر الى اهل الارض نظرة فاختار منها رجلين احدهما انا فبعثني رسولا والاخر على بن ابى طالب واوحى الى ان اتخذه اخا وخليلا ووزيرا ووصيا وخليفه ... الا وان الله نظر نظرة ثانيه فاختار بعدنا اثنى عشر وصيا من اهل بيتى فجعلهم خيار امتى واحد بعد واحد مثل النجوم ( فى ) السماء كلما غاب نجم طلع نجم ... ) .
                ومثله في كفاية الأثر للخزاز القمي :
                ( حدثني محمد بن وهبان البصري ، قال حدثني داود بن الهيثم بن إسحاق النحوي ، قال حدثني جدي إسحاق بن البهلول ابن حسان ، قال حدثني طلحة بن زيد الرقي ، عن الزبير بن عطا ، عن عمير بن هاني العيسى ، عن جنادة بن أبي أميد قال : دخلت على الحسن بن علي عليهما السلام في مرضه الذي توفي فيه وبين يديه طشت يقذف فيه الدم ويخرج كبده قطعة قطعة من السم الذي أسقاه معاوية لعنه الله ، فقلت : يا مولاي ما لك لا تعالج نفسك ؟ فقال : يا عبد الله بماذا أعالج الموت ؟ قلت : إنا لله وإنا إليه راجعون . ثم التفت إلي وقال : والله إنه لعهد عهده إلينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، أن هذا الأمر يملكه اثنا عشر إماما من ولد علي عليه السلام وفاطمة (ع) ، ما منا إلا مسموم أو مقتول ).
                وفي كتاب سليم بن قيس - تحقيق محمد باقر الأنصاري :
                ( عن سليم عن سلمان ، قال : كانت قريش إذا جلست في مجالسها فرأت رجلا من أهل البيت قطعت حديثها . فبينما هي جالسة إذ قال رجل منهم : ( ما مثل محمد في أهل بيته إلا كمثل نخلة نبتت في كناسة ) فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله فغضب ، ثم خرج فأتى المنبر فجلس عليه حتى اجتمع الناس ، ثم قام فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أيها الناس ، من أنا ؟ قالوا : أنت رسول الله . قال : أنا رسول الله ، وأنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم ، ثم مضى في نسبه حتى انتهى إلى نزار. خلق أهل البيت (ع) ونسبهم ثم قال : ألا وإني وأهل بيتي كنا نورا نسعى بين يدي الله قبل أن يخلق الله آدم بألفي عام ، وكان ذلك النور إذا سبح سبحت الملائكة لتسبيحه . فلما خلق آدم وضع ذلك النور في صلبه ثم أهبط إلى الأرض في صلب آدم . ثم حمله في السفينة في صلب نوح ، ثم قذفه في النار في صلب إبراهيم . ثم لم يزل ينقلنا في أكارم الأصلاب حتى أخرجنا من أفضل المعادن محتدا وأكرم المغارس منبتا بين الآباء والأمهات ، لم يلتق أحد منهم على سفاح قط . ألا ونحن بنو عبد المطلب سادة أهل الجنة : أنا وعلي وجعفر وحمزة والحسن والحسين وفاطمة والمهدي . اختار الله محمدا وعليا والأئمة حججا ألا وإن الله نظر إلى أهل الأرض نظرة فاختار منهم رجلين : أحدهما أنا فبعثني رسولا ونبيا ، والآخر علي بن أبي طالب ، وأوحى إلي أن أتخذه أخا وخليلا ووزيرا ووصيا وخليفة . ألا وإنه ولي كل مؤمن بعدي ، من والاه والاه الله ومن عاداه عاداه الله . لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا كافر . هو زر الأرض بعدي وسكنها ، وهو كلمة الله التقوى وعروته الوثقى . ( يريدون أن يطفؤوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون ) . ألا وإن الله نظر نظرة ثانية فاختار بعدنا اثني عشر وصيا من أهل بيتي ، فجعلهم خيار أمتي واحدا بعد واحد ، مثل النجوم في السماء ، كلما غاب نجم طلع نجم . هم أئمة هداة مهتدون لا يضرهم كيد من كادهم ولا خذلان من خذلهم . هم حجج الله في أرضه ، وشهدائه على خلقه ، وخزان علمه ، وتراجمة وحيه ، ومعادن حكمته . من أطاعهم أطاع الله ومن عصاهم عصى الله . هم مع القرآن والقرآن معهم ، لا يفارقونه حتى يردوا علي الحوض . فليبلغ الشاهد الغائب . اللهم اشهد ، اللهم اشهد - ثلاث مرات - ).
                وفي الغيبة - للشيخ الطوسي :
                ( عن زرارة قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : الإثنا عشر الإمام من آل محمد كلهم محدث [ من ] ولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وولد علي بن أبي طالب عليه السلام ، فرسول الله وعلي عليهما السلام هما الوالدان ).
                وفي الغيبة أيضاً :
                ( عن محمد بن يحيى ، عن محمد الحسين، عن مسعدة بن زياد ، عن أبي عبد الله عليه السلام .
                ومحمد بن الحسين ، عن إبراهيم بن أبي يحيى المدني ، عن أبي هارون العبدي ، عن أبي سعيد الخدري قال : كنت حاضرا لما هلك أبو بكر واستخلف عمر أقبل يهودي من عظماء يثرب يزعم يهود المدينة أنه أعلم أهل زمانه حتى رفع إلى عمر ، فقال له : يا عمر إني جئتك أريد الإسلام ، فإن خبرتني عما أسألك عنه فأنت أعلم أصحاب هذا الكتاب والسنة ، وجميع ما أريد أن أسأل عنه قال : فقال ( له ) عمر : إني لست هناك ، لكني أرشدك إلى من هو أعلم أمتنا بالكتاب والسنة وجميع ما قد تسأل عنه ، وهو ذاك - وأومأ إلى علي عليه السلام - ... إلى قوله: فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : إن لهذه الأمة اثني عشر إمام هدى من ذرية نبيها ، وهم مني . وأما منزل نبينا صلى الله عليه وآله وسلم في الجنة فهو أفضلها وأشرفها جنة عدن . وأما من معه في منزله منها فهؤلاء الاثنا عشر من ذريته وأمهم وجدتهم - أم أمهم - وذراريهم ، لا يشركهم فيها أحد ).
                وفي كفاية الأثر - الخزاز القمي :
                ( عن أنس ابن مالك ، قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن حواري عيسى ، فقال : كانوا من صفوته وخيرته ، وكانوا اثني عشر مجردين مكنسين في نصرة الله ورسوله لا رهو فيهم ولا ضعف ولا شك ، كانوا ينصرونه على بصيرة ونفاد وجد وعنا . قلت : فمن حواريك يا رسول الله ؟ فقال : الأئمة بعدي اثنا عشر من صلب علي وفاطمة، هم حواري وأنصار ديني ، عليهم من الله التحية والسلام ).
                وفي الكافي للكليني :
                ( عن زرارة قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : نحن اثنا عشر إماما منهم حسن وحسين ثم الأئمة من ولد الحسين عليه السلام ).
                وفيه كذلك :
                ( قال له أمير المؤمنين عليه السلام : إن لهذه الأمة اثني عشر إمام هدى من ذرية نبيها وهم مني ).

                ***

                الدرس السابع
                اليماني
                التسجيل الصوتي للمحاضرة ــ للاستماع والتحميل اضغط هنا

                لكي نتحصل على معرفة حقيقية لشخصية اليماني لابد أن يكون مصدر هذه المعرفة هو الروايات الواردة عن أهل البيت (ع) ، ففي الكافي - الشيخ الكليني :
                عن أبي مريم قال: قال : ( أبو جعفر عليه السلام لسلمة بن كهيل والحكم بن عتيبة : شرقا وغربا فلا تجدان علما صحيحا إلا شيئا خرج من عندنا أهل البيت ).
                فما خرج منهم (ع) هو العلم الحقيقي وهو الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، أما ما لدى غيرهم فليس سوى تخرصات وتقولات واستحسانات تلفقها عقولهم الناقصة.
                من هذا المنطلق سأترك القلم لكلام السيد أحمد الحسن (ع) الذي بيّن فيه حدود شخصية اليماني أجلى بيان وأوضحه اعتماداً على الرواية الواردة عن الإمام الباقر (ع)، يقول السيد أحمد الحسن (ع):
                (( أما بالنسبة لحدود شخصية اليماني فقد ورد في الرواية عن الباقر(ع) ( وليس في الرايات راية أهدى من راية اليماني ، هي راية هدى ، لأنه يدعو إلى صاحبكم ، فإذا خرج اليماني حرم بيع السلاح على الناس وكل مسلم ، وإذا خرج اليماني فانهض إليه فإن رايته راية هدى ، ولا يحل لمسلم أن يلتوي عليه ، فمن فعل ذلك فهو من أهل النار ، لأنه يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم ) .
                وفيها :-
                أولاً :
                ( لا يحل لمسلم أن يلتوي عليه فمن فعل ذلك فهو من أهل النار ) : وهذا يعني أن اليماني صاحب ولاية إلهية فلا يكون شخص حجة على الناس بحيث إن إعراضهم عنه يدخلهم جهنم وإن صلوا وصاموا إلا إذا كان من خلفاء الله في أرضه وهم أصحاب الولاية الإلهية من الأنبياء والمرسلين والأئمة والمهديين.
                )) انتهى.
                أقول كلام السيد أحمد الحسن u هذا تؤكده روايات كثيرة منها ما ورد في الكافي - الشيخ الكليني:
                ( عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال أبو جعفر عليه السلام : دخل أبو عبد الله الجدلي على أمير المؤمنين فقال عليه السلام : يا أبا عبد الله ألا أخبرك بقول الله عز وجل : ﴿ مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ * وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ ؟ قال : بلى يا أمير المؤمنين جعلت فداك ، فقال : الحسنة معرفه الولاية وحبنا أهل البيت والسيئة إنكار الولاية وبغضنا أهل البيت ، ثم قرأ عليه هذه الآية ).
                وفي الكافي أيضاً :
                ( عن بشير العطار قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : نحن قوم فرض الله طاعتنا وأنتم تأتمون بمن لا يعذر الناس بجهالته ).
                وفيه كذلك:
                ( عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سمعته يقول : نحن الذين فرض الله طاعتنا ، لا يسع الناس إلا معرفتنا ولا يعذر الناس بجهالتنا ، من عرفنا كان مؤمنا ، ومن أنكرنا كان كافرا ، ومن لم يعرفنا ولم ينكرنا كان ضالا حتى يرجع إلى الهدى الذي افترض الله عليه من طاعتنا الواجبة فإن يمت على ضلالته يفعل الله به ما يشاء ).
                وفي وسائل الشيعة - الحر العاملي :
                ( عن سليم بن قيس الهلالي قال : سمعت أمير المؤمنين ( عليه السلام ) يقول : احذروا على دينكم ثلاثة ، رجلا قرأ القرآن حتى إذا رأيت عليه بهجته اخترط سيفه على جاره ورماه بالشرك ، فقلت : يا أمير المؤمنين أيهما أولى بالشرك ؟ قال : الرامي ، ورجلا استخفته الأكاذيب كلما أحدث أحدوثة كذب مدها بأطول منها، ورجلا آتاه الله سلطانا فزعم أن طاعته طاعة الله ومعصيته معصية الله ، وكذب لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، لا ينبغي أن يكون المخلوق حبه لمعصية الله ، فلا طاعة في معصيته ولا طاعة لمن عصى الله، إنما الطاعة لله ولرسوله ( صلى الله عليه وآله ) ولولاة الأمر ، وإنما أمر الله بطاعة الرسول ( صلى الله عليه وآله ) لأنه معصوم مطهر لا يأمر بمعصية ، وإنما أمر بطاعة أولي الأمر لأنهم معصومون مطهرون لا يأمرون بمعصيته ).
                وفي الفضائل - شاذان بن جبرئيل القمي :
                ( عن عبد الله بن عباس أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله : حب علي ( ع ) حسنة لا تضر معها سيئة وبغضه سيئة لا تنفع معها حسنة ).
                وفي عيون أخبار الرضا عليه السلام - الشيخ الصدوق :
                ( عن إسحاق بن راهويه قال : لما وافى أبو الحسن الرضا عليه السلام نيسابور وأراد أن يخرج منها إلى المأمون اجتمع عليه أصحاب الحديث فقالوا له : يا بن رسول الله ترحل عنا ولا تحدثنا بحديث فنستفيده منك ؟ وكان قد قعد في العمارية فاطلع رأسه وقال : سمعت أبي موسى بن جعفر يقول : سمعت أبي جعفر بن محمد يقول : سمعت أبي محمد بن علي يقول : سمعت أبي علي بن الحسين يقول : سمعت أبي الحسين بن علي يقول : سمعت أبي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام يقول سمعت النبي ( ص ) يقول سمعت الله عز وجل يقول : لا إله إلا الله حصني فمن دخل حصني أمن من عذابي قال فلما مرت الراحلة نادانا بشروطها وأنا من شروطها ).
                وعن حبيب السجستاني ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : ( قال الله تبارك وتعالى : لأعذبن كل رعية في الاسلام دانت بولاية كل إمام جائر ليس من الله ، وإن كانت الرعية في أعمالها برة تقية ، ولأعفون عن كل رعية في الاسلام دانت بولاية كل إمام عادل من الله وإن كانت الرعية في أنفسها ظالمة مسيئة ) .
                وعن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال : ( إن الله لا يستحيي أن يعذب أمة دانت بإمام ليس من الله وإن كانت في أعمالها برة تقية وإن الله ليستحيي أن يعذب أمة دانت بإمام من الله وإن كانت في أعمالها ظالمة مسيئة). وروايات اخرى في نفس الصفحة من الكافي.
                فطالما كانت معصية اليماني توجب النار اذن هو امام عادل من الله تعالى.
                وفي خبر طويل عن الفضيل بن يسار، عن الرضا عليه السلام : ( ... قلت : ﴿ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ﴾ قال : نعم ولاية علي عليه السلام قلت : ﴿ إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ﴾ قال : الولاية قلت : ﴿ لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ﴾ قال : من تقدم إلى ولايتنا اخر عن سقر ومن تأخر عنا تقدم إلى سقر ﴿ إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ﴾قال : هم والله شيعتنا قلت : ﴿لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ﴾ قال : إنا لم نتول وصي محمد والاوصياء من بعده - ولا يصلون عليهم - قلت : ﴿ فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ﴾ قال : عن الولاية معرضين قلت : ﴿ كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ﴾ قال : الولاية ) .
                من هذه الأحاديث يتضح أن معرفة الحجة من التوحيد، وطاعته حسنة لا تضر معها سيئة، ولا عذر لمن يجهله، وإن الله إنما أمر بطاعة من أمر بطاعتهم لأنهم معصومون لا يخرجون الناس من حق ولا يدخلونهم في باطل ، وعليه فإن أمرهم بطاعة اليماني وعدم الالتواء عليه ، ونصهم على أن الملتوي عليه من أهل النار ، يدل حتماً على أنه حجة من حجج الله تعالى .
                ويقول السيد أحمد الحسن عليه السلام :
                ((ثانياً / ( أنه يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم ) : والدعوة إلى الحق والطريق المستقيم أو الصراط المستقيم تعني أن هذا الشخص لا يخطأ فيُدخل الناس في باطل أو يخرجهم من حق أي انه معصوم منصوص العصمة وبهذا المعنى يصبح لهذا القيد أو الحد فائدة في تحديد شخصية اليماني أما افتراض أي معنى آخر لهذا الكلام ( يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم ) فانه يجعل هذا الكلام منهم عليهم السلام بلا فائدة فلا يكون قيداً ولا حداً لشخصية اليماني وحاشاهم عليهم السلام من ذلك .)) انتهى .
                أقول يؤكد ما قاله السيد أحمد الحسن ما ورد في القرآن الكريم :
                ﴿قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ* يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ .
                فالقرآن يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم، ومن هذا شأنه معصوم وإمام بالتأكيد، كما إن القرآن معصوم وإمام.
                وقوله تعالى: ﴿وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ .
                الذي يعتصم بالله فقد هُدي الى صراط مستقيم، فحال من يهدي الى صراط مستقيم لابد أن يكون أكثر اعتصاما بالله بلا شك، بل لابد أن يكون معصوماً.
                وفي الصراط المستقيم - علي بن يونس العاملي :
                ( منها قوله تعالى ﴿وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ﴾ أسند إبراهيم الثقفي إلى الأسلمي قول النبي صلى الله عليه وآله سألت الله أن يجعلها لعلي ففعل. وأسند الشيرازي من أعيانهم إلى قتادة عن الحسن البصري في قوله ﴿ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً ﴾ قال : يقول : هذا طريق علي بن أبي طالب وذريته طريق مستقيم ودين مستقيم فاتبعوه ، تمسكوا به فإنه واضح لا عوج فيه . وفي تفسير وكيع عن السدي ومجاهد عن ابن عباس في قوله ﴿اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ ﴾ معناه أرشدنا إلى حب النبي وأهل بيته ).
                فعلي وذريته هم الصراط المستقيم، الأمر الذي يعني أن اليماني الموصوف بأنه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم هو منهم .
                وفي كتاب الأربعين - محمد طاهر القمي الشيرازي:
                ( قول علي عليه السلام : اني للقاء ربي لمشتاق ، ولحسن ثوابه لمنتظر ، واني لعلى طريق مستقيم من أمري وبينة من ربي ).
                وفي بحار الأنوار - العلامة المجلسي :
                ( إكمال الدين : توقيع منه عليه السلام كان خرج إلى العمري وابنه رضي الله عنهما رواه سعد بن عبد الله قال الشيخ أبو جعفر رضي الله عنه : وجدته مثبتا بخط سعد بن عبد الله رضي الله عنه. وفقكما الله لطاعته ، وثبتكما على دينه، وأسعدكما بمرضاته ... إلى قوله: أما تعلمون أن الأرض لا تخلو من حجة إما ظاهرا، وإما مغمورا، أولم يعلموا انتظام أئمتهم بعد نبيهم صلى الله عليه وآله واحدا بعد واحد إلى أن أفضى الأمر بأمر الله عز وجل إلى الماضي - يعني الحسن بن علي - صلوات الله عليه، فقام مقام آبائه عليه السلام يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم ).
                في هذا التوقيع الشريف يقول الإمام المهدي عليه السلام إن الأئمة عليهم السلام من شأنهم أن يهدوا إلى الحق وإلى طريق مستقيم.
                وفي بحار الأنوار أيضاً ، ينقل العلامة المجلسي دعاء، فيه:
                ( الكتاب العتيق الغروي : دعاء التمجيد : اللهم أنت المحيط بكل شيء ، القائم بالقسط ، الرقيب على كل شيء الوكيل على كل شيء ... إلى قوله: تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي وترزق من تشاء بغير حساب ، عليك الهدى تهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم . لا تدركك الأبصار وأنت تدرك الأبصار ، وأنت اللطيف الخبير ، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. لا تضل ولا تنسى ، وأنت غني عن العالمين ، لم تتخذ صاحبة ولا ولدا ، ولم يكن لك شريك في الملك ، ولم يكن لك ولي من الذل ، ولا تظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة تضاعفها ، وتؤت من لدنك أجرا عظيما ، لا معقب لحكمك وأنت تهدي السبيل ، لا مكرم من أهنت ).
                في الدعاء الله سبحانه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم ، وإذن من يهدي من البشر إلى الحق وإلى طريق مستقيم لابد أن يكون من الله ومسدداً بالله سبحانه وتعالى.
                وفي البحار أيضاً :
                ( قال المفيد رحمه الله وأما الرواية الثانية فهي ما روي عن أبي محمد الحسن بن العسكري عن أبيه صلوات الله عليهما وذكر أنه عليه السلام زار بها في يوم الغدير في السنة التي أشخصه المعتصم، فإذا أردت ذلك فقف على باب القبة الشريفة واستأذن وادخل مقدما رجلك اليمنى على اليسرى، وامش حتى تقف على الضريح واستقبله واجعل القبلة بين كتفيك وقل : السلام على محمد رسول الله خاتم النبيين وسيد المرسلين وصفوة رب العالمين أمين الله على وحيه وعزائم أمره والخاتم لما سبق والفاتح لما استقبل والمهيمن على ذلك كله ، ورحمة الله وبركاته وصلواته وتحياته ، والسلام على أنبياء الله ورسله وملائكته المقربين وعباده الصالحين ، السلام عليك يا أمير المؤمنين و سيد الوصيين ووارث علم النبيين وولي رب العالمين ومولاي ومولى المؤمنين و رحمة الله وبركاته ، السلام عليك يا مولاي يا أمير المؤمنين يا أمين الله في أرضه و سفيره في خلقه وحجته البالغة على عباده ... إلى قوله: وأنت أول من آمن بالله وصلى له وجاهد وأبدى صفحته في دار الشرك والأرض مشحونة ضلالة والشيطان يعبد جهرة وأنت القائل : لا تزيدني كثرة الناس حولي عزة ، ولا تفرقهم عني وحشة ، ولو أسلمني الناس جميعا لم أكن متضرعا ، اعتصمت بالله فعززت ، وآثرت الآخرة على الأولى فزهدت ، وأيدك الله وهداك ، وأخلصك واجتباك ، فما تناقضت أفعالك ، ولا اختلفت أقوالك ، و لا تقلبت أحوالك ، ولا ادعيت ولا افتريت على الله كذبا ، ولا شرهت إلى الحطام ، ولا دنسك الآثام ، ولم تزل على بينة من ربك ويقين من أمرك ، تهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم ، اشهد شهادة حق وأقسم بالله قسم صدق أن محمدا و آله صلوات الله عليهم سادات الخلق ، وأنك مولاي ومولى المؤمنين وأنك عبد الله... إلخ الزيارة ).
                في الزيارة علي عليه السلام يهدي إلى الحق وطريق مستقيم، فاليماني إذن على نهج علي عليه السلام وهو حجة ومعصوم مثله.
                يقول السيد أحمد الحسن عليه السلام :
                ((النتيجة مما تقدم في أولاً وثانياً إن اليماني حجة من حجج الله في أرضه ومعصوم منصوص العصمة، وقد ثبت بالروايات المتواترة والنصوص القطعية الدلالة إن الحجج بعد الرسول محمد (ص) هم الأئمة الإثنا عشر (ع) وبعدهم المهديين الإثنا عشر ولا حجة لله في الأرض معصوم غيرهم وبهم تمام النعمة وكمال الدين وختم رسالات السماء.
                وقد مضى منهم أحد عشر إمام وبقي الإمام المهدي (ع) والإثنا عشر مهدياً ، واليماني يدعوا إلى الإمام المهدي (ع) فلابد أن يكون اليماني أول المهديين لان الأحد عشر مهدياً بعده هم من ولده ﴿ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ ويأتون متأخرين عن زمن ظهور الإمام المهدي (ع) بل هم في دولة العدل الإلهي والثابت أن أول المهديين هو الموجود في زمن ظهور الإمام المهدي (ع) وهو أول المؤمنين بالإمام المهدي (ع) في بداية ظهوره وتحركه لتهيئة القاعدة للقيام كما ورد في وصية رسول الله . ومن هنا ينحصر شخص اليماني بالمهدي الأول من الإثني عشر مهدياً.
                ))
                ويثبت السيد أحمد الحسن (ع) هذه الحقيقة بقوله :
                (( وان أردت المزيد فأقول إن اليماني ممهد في زمن الظهور المقدس ومن الثلاث مائة وثلاث عشر ويسلم الراية للإمام المهدي، والمهدي الأول أيضاً موجود في زمن الظهور المقدس وأول مؤمن بالإمام المهدي (ع) في بداية ظهوره وقبل قيامه ، فلا بد أن يكون أحدهما حجة على الآخر وبما أن الأئمة والمهديين حجج الله على جميع الخلق والمهدي الأول منهم فهو حجة على اليماني إذا لم يكونا شخص واحد وبالتالي يكون المهدي الأول هو قائد ثورة التمهيد فيصبح دور اليماني ثانوي بل مساعد للقائد وهذا غير صحيح لان اليماني هو الممهد الرئيسي وقائد حركة الظهور المقدس ، فتحتم أن يكون المهدي الأول هو اليماني واليماني هو المهدي الأول.))

                لتفصيل ما ذكره السيد أحمد الحسن (ع) أقول :
                إن اليماني هو الممهد الأول للإمام المهدي (ع)، فكما قال الإمام الباقر (ع) : ( وليس في الرايات راية أهدى من راية اليماني ، هي راية هدى ، لأنه يدعو إلى صاحبكم ).
                إذن هو يدعو للإمام المهدي ويمهد له، وعلى الجميع أن يطيعوه، بما فيهم الأصحاب الـ ( 313 ) لأن الملتوي عليه من أهل النار، والأمر صريح في النهوض له ( وإذا خرج اليماني فانهض إليه )، واليماني كما ثبت مما تقدم حجة من حجج الله تعالى، بل إنه منصوص عليه أنه قائد جيش الغضب أو قائد الأصحاب، ( أمير جيش الغضب ليس من ذي ولا ذهو، لكنهم يسمعون صوتاً ما قاله إنس ولا جان: بايعوا فلاناً باسمه، ليس من ذي ولا ذهو ولكنه خليفة يماني ).
                وجيش الغضب هو جيش الأصحاب عن علي (ع) حين سأله أحدهم عن جيش الغضب ، قال :
                ( ... أولئك قوم يأتون في آخر الزمان، قزع كقزع الخريف ، والرجل والرجلان والثلاثة من كل قبيلة حتى يبلغ تسعة، أما والله إني لأعرف أميرهم واسمه ومحل ركابهم، ثم نهض وهو يقول: باقراً باقراً باقراً، ثم قال: ذلك رجل من ذريتي يبقر العلم بقراً ).
                وفي الكافي - الشيخ الكليني :
                ( عن أبي جعفر ( عليه السلام ) في قول الله عز وجل : ﴿فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعاً﴾ قال : الخيرات الولاية وقوله تبارك وتعالى : ﴿أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعاً﴾ يعني أصحاب القائم الثلاثمائة والبضعة عشر رجلا ).
                من هذه الروايات يتضح أن جيش الغضب الذي يقوده اليماني هم الأصحاب الـ (313).
                وإذا كان اليماني قائد الأصحاب وحجة عليهم فهو بالضرورة قائد وحجة على أحمد ابن الإمام المهدي (ع) الذي تذكره وصية رسول الله (ص) لأن أحمد هو أحد الأصحاب، بل إنه أولهم، فوصية رسول الله التي ذكرناها مفصلة في مبحث روايات المهديين تصف أحمد بأنه أول المؤمنين : ( ثم يكون من بعده اثنا عشر مهدياً ، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها الى ابنه أول المقربين ، له ثلاثة أسامي , اسم كاسمي واسم أبي وهو عبدالله وأحمد، والإسم الثالث المهدي ، وهو أول المؤمنين ).
                فأحمد إذن هو أول المؤمنين بظهور أبيه الإمام المهدي (ع)، أي إنه أول الأصحاب ، وسيدهم وأفضلهم ، فالأولية هنا أولية زمنية ورتبية ، بل إن استقراء تأريخ الأنبياء والأوصياء يؤكد وجود الوصي مرافقاً للنبي أو الوصي السابق له ، وأنه دائماً أول من يؤمن به، وأكثر الناس بذلاً لنصرته. فعلي (ع) هو أول المؤمنين برسول الله (ص) وهو وصيه ، ففي الإرشاد - الشيخ المفيد :
                عن ابن عباس قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي بن أبي طالب عليه السلام : يا علي إنك تخاصم فتخصم بسبع خصال ليس لأحد مثلهن : أنت أول المؤمنين معي إيمانا ).
                وفي الأربعون حديثا - منتجب الدين بن بابويه :
                عن ابن عباس ، قال : ( سمعت عمر بن الخطاب وعنده جماعة فتذاكروا السابقين إلى الاسلام يقول : أما علي بن أبي طالب فسمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول : فيه ثلاث خصال ، لوددت أن لي واحدة منهن ، وكانت أحب إلى مما طلعت عليه الشمس . وكنت أنا وأبو بكر وأبو عبيدة وجماعة من الصحابة ، إذ ضرب النبي - عليه وآله السلام - يده على منكب علي عليه السلام فقال : يا علي أنت أول المؤمنين إيمانا ، وأول المسلمين إسلاما ، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى ).
                كما إن الروايات التي تسمي أصحاب الإمام المهدي (ع) تنص على أحمد في بعضها وتشير له في بعضها الآخر؛ فعن الإمام الصادق (ع) في خبر طويل يسمي فيه الأصحاب ال (313) يقول : ( ... ومن البصرة عبد الرحمن بن الأعطف بن سعد، و أحمد، ومليح، وحماد بن جابر ).
                وعن أمير المؤمنين (ع) : ( ... ألا وإن أولهم من البصرة، وآخرهم من الأبدال... ).
                إذن أمير المؤمنين (ع) ينص في هذه الرواية الأخيرة على أن أول الأصحاب من البصرة، وقبلها نصت الرواية الواردة عن الإمام الصادق على أن من جملة الأصحاب في البصرة (أحمد)، وحيث أن وصية رسول الله (ص) دلت على أن أول الأصحاب اسمه (أحمد)، فتكون حصيلة الروايات كالآتي : إن (أحمد) وصي الإمام المهدي (ع) هو أول الأصحاب، وهو من البصرة .
                علماً أن ثمة رواية أخرى تسمي الأصحاب الثلاثمائة والثلاثة عشر، وفيها : من البصرة على ومحارب، بيد أن من يحصي الأسماء يجدها أقل من العدد المذكور الأمر الذي يدل على أن الرواية ليست بصدد استقصاء جميع الأسماء، أو أن أسماء قد سقطت منها الأمر الذي يعني بالنتيجة إنها لا تصلح لمعارضة سابقتها، او ان هناك ترميز في الروايات لحكم كثيرة منها الحفاظ على صاحب الدعوة والاختبار وما شابه.
                والآن إذا كان أحمد هو وصي أبيه والحجة من بعده وأفضل الناس باستثنائه فلابد أن يكون هو الحجة على اليماني.
                ولكننا حين نسمع الروايات الواردة بحق اليماني نعلم منها – كما مر – أنه هو الحجة على الأصحاب ، فما السبيل للخروج من هذا التعارض؟
                لا سبيل سوى القول بأن اليماني هو أحمد وأن أحمد هو اليماني، أي أنهما شخص واحد.
                إذن نخرج من كل ما سبق بحصيلة مفادها أن أحمد ابن الإمام المهدي u هو اليماني، وعلمنا من مبحث الرايات السود أنه هو قائد الرايات السود التي تسلم الراية للإمام المهدي (ع) وقد ورد عن الباقر (ع) : ( إن لله تعالى كنزاً بالطالقان ليس بذهب ولا فضة؛ إثنا عشر ألفاً بخراسان شعارهم أحمد ، أحمد ، يقودهم شاب من بني هاشم على بغلة شهباء ، عليه عصابة حمراء ، كأني أنظر إليه عابر الفرات، فإذا سمعتم بذلك فسارعوا إليه ولو حبواً على الثلج ).
                ومنها نعرف أن أصحاب الرايات السود يتخذون من اسم (أحمد) شعاراً لهم .
                وعلمنا من مبحث الرايات السود أن أحمد الذي يتخذون من اسمه شعاراً لهم هو شاب من بني هاشم وهو من أهل بيت الإمام المهدي (ع)، وهو ( إمام أهل بيتي ) كما أخبر عنه الرسول ، وهو العبد العنيف الذي يبعثه الله ( بعث الله عليها عبداً عنيفاً )، أي إنه مرسل من الإمام المهدي (ع)، وهذه النتيجة تتطابق تماماً مع ما وجدناه في رواية اليماني، فهو ( يدعو لصاحبكم )، أي إنه رسول أو سفير من الإمام المهدي (ع) كما اعترف الكوراني في كتابه عصر الظهور بقوله: ( ولكن المرجح أن يكون السبب الأساسي في أن ثورة اليماني أهدى، إنها تحظى بشرف التوجيه المباشر من المهدي عليه السلام ، وإنها جزء من خطة حركته عليه السلام، وأن اليماني يتشرف بلقائه ويأخذ توجيهه منه ).
                وأضاف الكوراني لهذا النص في كتابه ( المعجم الموضوعي لأحاديث الإمام المهدي) عبارة ( فاليماني سفيره الخاص ).
                Last edited by ya fatema; 30-03-2013, 23:29.

                Comment

                • أبو محمد الأنصاري
                  مشرف
                  • 06-10-2009
                  • 325

                  #9
                  رد: ادلة الدعوة : كتاب جامع الأدلة ـــ دكتور عبد الرزاق الديراوي

                  بسم الله الرحمن الرحيم
                  اللهم صل على محمد وآل محمد الائمة والمهديين وسلم تسليما

                  الدرس الثامن
                  (هل اليماني من اليمن)؟
                  التسجيل الصوتي للمحاضرة ــ للاستماع والتحميل اضغط هنا


                  فمن المعلوم لدى الإخوة المستمعين أن هناك من يكتب ويقول بأن اليماني يسكن اليمن ويخرج من اليمن، على الرغم من إن هذا البعض يعترف بأن مسرح حركة اليماني هو العراق.
                  قبل الشروع بمعالجة هذه الشبهة لابد من التذكير بأن الموضوع يصنف في خانة الموضوعات العقائدية التي لابد فيها من التثبت والقطع، والابتعاد عن الظنون والاحتمالات.
                  ولمعالجة هذه الشبهة لابد في البداية من تبيين الأرضية التي يستند عليها القائلون بأن اليماني يسكن ويخرج في اليمن.
                  لو تتبعنا كلماتهم سنجد منشئان ينطلقون منهما ؛ أولهما : عائدية النسبة من كلمة ( اليماني ) إلى اليمن . فمن الواضح أن كلمة ( اليماني ) يمكن أن يراد منها بيان نسبة هذا الرجل إلى بلاد اليمن، فتقول هذا الرجل يمني ويماني. أما الثاني فهو ورود بعض الروايات التي فهم منها البعض، أو قل أراد هو ان يفهم منها أن اليماني يسكن ويخرج من بلاد اليمن.

                  بالنسبة للامر الاول، المتمثل بالحجة اللغوية أي كون كلمة اليماني تعني نسبة الرجل الى بلاد اليمن، يقول الكوراني: ( أما في منطقة الخليج فمن الطبيعي أن يكون لليمانيين الدور الأساسي فيها مضافاً إلى الحجاز، وإن لم تذكر ذلك الروايات) عصر الظهور :ص 113.

                  أقول إن النسبة من لفظ اليماني يمكن أن تعود إلى اليمن، ويمكن أن تعود إلى اليُمن ( بمعنى البركة )، ويمكن كذلك أن تعود إلى اليمين، كأن يكون شخص في يده اليمنى ما يميزها أو يكون يمين الإمام المهدي (ع) كما كان علي يمين رسول الله ، ويمكن كذلك أن تعود إلى معنى إنه صاحب يد بيضاء أو كريمة، فالكريم يسمى صاحب الأيادي البيضاء، والعطاء باليمين، ويمكن أيضاً أن يكون وجه التسمية خافياً علينا. فالاحتمالات كثيرة ولا يوجد ما يرجح أحدها على سواه. وهذا يكفي لنفض اليد من هذه الشبهة لاننا قلنا ان العقائد لابد ان تبنى على اليقين لا على الظنون والاحتمالات.
                  ولكن على فرض القول بعائدية النسبة إلى بلاد اليمن ، فهل معنى ذلك إنه من ساكني هذه البلاد بالضرورة . فمن المعروف الذي لا ينكره أحد أن كثيراً من الناس ينتسبون الى منطقة، ومحل سكناهم منطقة أخرى، فصهيب رومي، وبلال حبشي، وكلاهما عاشا وماتا في بلاد العرب، ومثلهما السيد الخوئي الذي ينتسب إلى مدينة (خوء)، وهو عاش ومات في العراق، وغيره الكثير.
                  كما أنه من المعروف أن مكة من تهامة وتهامة من اليمن، فرسول الله وأهل بيته كلهم يمانية، وقد ورد عن رسول الله : ( وإن الإيمان يماني، والحكمة يمانية ) وعنه : (لولا الهجرة لكنت أمرأ يمانيا) الكافي : ج8ص70.
                  وعن النبي صلى الله عليه وآله : ( ... ان خير الرجال أهل اليمن والايمان يمان وانا يماني ... ) الأصول الستة عشر : ص 81 - بحار الأنوار : ج 57 ص 232.
                  وفي معجم البلدان – الحموي :
                  ( ... قال المدائني : تهامة من اليمن وهو ما أصحر منها إلى حد في باديتها ومكة من تهامة ، وإذا جاوزت وجرة وغمرة والطائف إلى مكة فقد أتهمت ) معجم البلدان الحموي : ج 2 - ص 63.
                  في هذا النص ينص المدائني على أن مكة من تهامة، وتهامة من اليمن، فتكون مكة من اليمن. وبالنتيجة يكون محمد وآل محمد يمانيون، ولا اختصاص للقب ( يماني ) بمن يسكن بلاد اليمن.
                  وفي بحار الأنوار - العلامة المجلسي :
                  ( فلما دنا أبو طالب من الكعبة قال : اللهم رب هذه الكعبة اليمانية ، والأرض المدحية ، والجبال المرسية) بحار الأنوار : ج 15 - ص 310.
                  فالكعبة إذن يمانية بحسب هذا النص.
                  وفي البحار أيضاً :
                  ( وقال الجزري : في الحديث الإيمان يمان ، والحكمة يمانية ، إنما قال ( صلى الله عليه وآله ) ذلك لان الإيمان بدأ من مكة وهي من تهامة ، وتهامة من أرض اليمن، ولهذا يقال : الكعبة اليمانية ، وقيل : إنه قال هذا القول للأنصار لأنهم يمانون ، وهم نصروا الإيمان والمؤمنين وآووهم فنسب الإيمان إليهم انتهى ) بحار الأنوار : ج 22 - ص 137.
                  من كل ما تقدم يتضح اختلافهم في تفسير عبارات ( الإيمان يماني ) و ( الكعبة يمانية ) و ( الحكمة يمانية )، وعليه لا يمكن الركون إلى القول بأن اليماني يخرج من بلاد اليمن اعتماداً على الزعم بأن النسبة من يماني تعود إلى بلاد اليمن .
                  إذن مكة من اليمن وآل محمد بالنتيجة هم يمانية وإن سكنوا أي أرض، واليماني منهم كما ثبت في محله.
                  وقد ورد في كتاب الفتن - نعيم بن حماد المروزي :
                  عن شريح بن عبيد عن كعب قال: ( ما المهدي إلا من قريش وما الخلافة إلا فيهم غير أن له أصلا ونسبا في اليمن ) كتاب الفتن : ص 231.

                  *** *** ***

                  وبالنسبة للأمر الثاني ، فقد وردت بعض الروايات كان لها الأثر في توليد الشبهة لدى البعض، أهم هذه الروايات ما ورد في كمال الدين وتمام النعمة الشيخ الصدوق. فقد وردت رواية في موضعين من الكتاب – وهو امر غريب ان ترد رواية واحدة بنفس السند ونفس الالفاظ في موضعين من كتاب ولا يفصل بينهما سوى صفحتين – والرواية عن محمد بن محمد بن عصام رضي الله عنه. في الموضع الاول منها يقول ، وهنا انقل موضع الشاهد فقط: "وخروج السفياني من الشام ، واليماني (من اليمن) ، وخسف بالبيداء ، وقتل غلام من آل محمد صلى الله عليه وآله بين الركن والمقام ، اسمه محمد بن الحسن النفس الزكية ... ) كمال الدين وتمام النعمة : ص327 – 328.

                  وقد وضع عبارة من اليمن التي اقترنت باليماني بين قوسين في اشارة منه أي محقق الكتاب الى ان هذا العبارة (من اليمن) غير موجودة في النسخة التي بين يديه. اذن هذا موضع في الكتاب نُقلت فيه الرواية بدون عبارة (من اليمن) ولكن هناك موضع اخر يليه بصفحتين او ثلاثة أي في ص330– 331، وردت فيه عبارة (من اليمن). وعليه لا يمكن الاعتماد على هذه الرواية لان القاعدة تقول : الاستدلال بشيء فرع لثبوته، أي لابد ان يكون الشيء الذي نحتج او نستدل عليه موجودا اولا لكي نرتب عليه الدلالة ثانياً وعبارة (من اليمن) مشكوك في وجودها على الاقل وبالتالي لا يمكن الاعتماد عليها لا سيما في امر عقائدي. ولكي يطمئن الاخوة المستمعين الى ما قلته اذكر هذه الامور:

                  اولا: هذه الرواية نقلها عن كتاب كمال الدين للشيخ الصدوق كل من:
                  العلامة الإربلي في كشف الغمة : ج 3 - ص 329 – 330.
                  والشيخ الطبرسي في إعلام الورى بأعلام الهدى : ج 2 - ص 233.
                  والعلامة المجلسي في بحار الأنوار : ج 51 ص 217 – 218.
                  وقد نقلوا الموضعين كليهما أي نقلوا صورة الرواية التي وردت فيها عبارة (من اليمن) وصورتها التي لم ترد فيها عبارة (من اليمن)، وهذا يدل دلالة قاطعة على ان العبارة مشكوك في وجودها على الاقل كما قلنا.

                  بل ان السيد المرعشي في شرح إحقاق الحق، نقل الرواية عن الفصول المهمة، وليس فيها عبارة ( اليماني من اليمن ) كلها أي ليس فيها ذكر لليماني اطلاقا، قال السيد المرعشي:
                  ( ما رواه القوم : منهم العلامة ابن الصباغ المالكي في " الفصول المهمة " قال : روى عن أبي جعفر أيضا قال : المهدي منا منصور بالرعب مؤيد بالظفر تطوى له الأرض وتظهر له الكنوز ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب ويظهر الله دينه على الدين كله ولو كره المشركون ، فلا يبقى في الأرض خراب إلا عمره ولا تدع الأرض شيئا من نباتها إلا أخرجته ويتنعم الناس في زمانه نعمة لم يتنعموا مثلها قط ، قال الراوي : فقلت له : يا ابن رسول الله فمتى يخرج قائمكم ؟ قال : إذا تشبه الرجال بالنساء والنساء بالرجال وركبت ذوات الفروج السروج وأمات الناس الصلاة واتبعوا الشهوات وأكلوا الربا واستخفوا بالدعاء وتعاملوا بالريا وتظاهروا بالزنا وشيدوا البنا واستحلوا الكذب وأخذوا الرشا واتبعوا الهوى وباعوا الدين بالدنيا وقطعوا الأرحام وسنوا بالطعام وكان الحلم ضعفا والظلم فخرا والأمراء فجرة والوزراء كذبة والأمناء خونة والأعوان ظلمة والقراء فسقة ، وظهور الجور وكثر الطلاق وبدء الفجور وقبلت شهادة الزور وشربت الخمور وركبت الذكور الذكور واشتغلت النساء بالنساء واتخذ الفيء مغنما والصدقة مغرما واتقى الأشرار مخافة ألسنتهم وخرج السفياني من الشام واليمن ... ) شرح إحقاق الحق : ج 13 - ص 342.

                  ايضا استدلوا بالرواية التالية: الواردة عن عبيد بن زرارة، قال: ( ذُكر عند أبي عبدالله السفياني فقال: أنى يخرج ذلك ولما يخرج كاسر عينيه في صنعاء ).
                  أقول هذه الرواية كما يتضح لكل منصف لا شيء فيها يدل على أن هذا الذي يخرج في صنعاء هو اليماني الموعود، بل انه حتى الكوراني في كتابه عصر الظهور ص 115 قال " ويحتمل أن يكون هذا الذي يظهر قبل السفياني يمانياً ممهداً لليماني الموعود ".

                  واستدلوا كذلك بما رواه السيّد ابن طاووس عن عباد بن محمد المدايني الذي سأل الإمام الصادق قال: دخلت على أبي عبد الله, بالمدينة حين فرغ من مكتوبة الظهر, وقد رفع يديه إلى السماء ... إلى أن قال: وخروج رجل من ولد عمِّي زيد باليمن.
                  وهذا الرجل الزيدي لا شيء يدل على انه هو اليماني الموعود، بل لا شيء في الرواية يدل على أنه ممدوح. والحقيقة ان هؤلاء الباحثين غفلوا عن حقيقة مهمة وهي وجود أشخاص يخرجون في اليمن دون ان يعني ذلك ان أيا من هؤلاء الاشخاص هو اليماني الموعود بل في الروايات ما يدل على ان أيا منهم ليس هو اليماني الموعود. فمثلا يروي نعيم بن حماد في كتاب الفتن: (حدثنا سعيد أبو عثمان عن جابر عن أبي جعفر ع قال إذا ظهر الأبقع مع قوم ذوي أجسام فتكون بينهم ملحمة عظيمة ثم يظهر الأخوص السفياني الملعون فيقاتلهما جميعا فيظهر عليهما جميعا ثم يسير إليهم منصور اليماني من صنعاء بجنوده وله فورة شديدة يستقتل الناس قتل الجاهلية فيلتقي هو والأخوص وراياتهم صفر وثيابهم ملونة فيكون بينهما قتال شديد ثم يظهر الأخوص السفياني عليه).
                  ومنها نعلم أن منصور اليماني يقاتل الأخوص السفياني وينتصر هذا الأخير عليه، وكل هذا يحدث قبل توجهه إلى العراق وملاقاة اليماني الموعود فيه، فعن أبي جعفر (ع): (إذا ظهر السفياني على الأبقع وعلى المنصور والكندي والترك والروم، خرج وصار إلى العراق ...) كتاب الفتن - لنعيم بن حماد المروزي: ص184..
                  ومعنى هذا ان منصور اليماني هذا ليس هو اليماني الموعود، لان اليماني الموعود يلتقي مع السفياني بعد ان يدخل جيش السفياني الى العراق أي بعد ان ينتصر على منصور اليماني ويتوجه الى العراق يلتقي هو واليماني كما ذكرت ذلك الرواية الواردة عن الامام الباقر ع.

                  اخيرا استدل البعض برواية وردت عن كاهن اسمه سطيح كان يعيش قبل الاسلام ذكر فيها ملك من صنعاء اسمه حسن او حسين ولا ادري كيف يحتج هؤلاء برواية وردت عن كاهن لا يوجد عن اهل البيت ع ما يسندها. بل حتى لو قبلنا الرواية فهي لا تتحدث عن اليماني بل عن ملك من صنعاء لعله يكون هو كاسر عيني السفياني كما وصفته بعض الروايات او لعله هو منصور اليماني، ولعله غير هؤلاء جميعا ، فالمهم لا يوجد لدينا ما يجعلنا نقطع بل حتى نستدل على انه هو اليماني الموعود.

                  اخيرا اختم بهذا الدليل الواضح على ان خروج اليماني ليس من اليمن:
                  ورد في الملاحم والفتن للسيد ابن طاووس وفي فتن ابن حماد كذلك الرواية التالية: ( أمير جيش الغضب ليس من ذي ولا ذو، لكنهم يسمعون صوتاً ما قاله إنس ولا جان: بايعوا فلاناً باسمه، ليس من ذي ولا ذو ولكنه خليفة يماني ).
                  هذه الرواية تنص على أن أمير جيش الغضب الخليفة اليماني ليس من ذي ولا ذو، أي ليس نسبه نسب أذواء اليمن، ومنها يتحصل أن اليماني ليس من اليمن.

                  ورد في لسان العرب - ابن منظور :
                  ( وفي صفة المهدي : قرشي يمان ليس من ذي ولا ذو أي ليس نسبه نسب أذواء اليمن ، وهم ملوك حمير ، منهم ذو يزن وذو رعين ، وقوله : قرشي يمان أي قرشي النسب يماني المنشأ ). لسان العرب : ج 15 ص 452.

                  ((خروج السفياني واليماني والخراساني في سنة واحدة، في شهر واحد)).
                  وعلى هذا – والقول لهم- فاذا كان اليماني ظاهرا لابد أن يكون السفياني والخراساني كذلك فهل لكم ان تدلونا عليهما؟؟
                  هذا الاشكال او هذه الشبهة في الحقيقة لا تتم إلا بافتراض امرين، وكما يلي:
                  1- لابد من افتراض ان معنى الخروج الذي تتحدث عنه الرواية هو الظهور. فمعنى خروجهم اي ظهورهم. أما اذا كان معنى الخروج شيئا اخر غير الظهور، كإن يكون المراد من الخروج هو التعبير عن الحركة العسكرية مثلا فالشبهة تسقط من رأس. لان من الواضح ان المستشكل يبني شبهته على اساس ان مجرد وجود اليماني كعنوان او كدعوة وبالتالي كظهور فان الاخرين لابد ان يكونا مرافقين له او ظاهرين كما هو ظاهر.
                  2- لابد من افتراض ان هذا الخروج (او الظهور بحسب افتراضهم) هو اول خروج للثلاثة، بمعنى انه لم يسبقه خروج او ظهور لاي منهم. لانه اذا ثبت ان للسفياني – مثلا- خروج يسبق هذا الخروج يصبح من الممكن ان يكون لأي من الآخرَين أي اليماني او الخراساني خروج ايضا حتى لو لم تذكره الروايات. اما لماذا لم تذكره الروايات فهذا بحث اخر لا علاقة له بنفس امكانية وجوده وانما هو متعلق بالحكمة من عدم ذكره، فمن الواضح ان السفياني مثلا جهة باطل لابد من كشفها وتعريف الناس بها لكي لا يقعوا فريسة لتضليله، اما اليماني فهو جهة حق ومن باب الحرص على نجاح حركته يتم التكتم على تفاصيلها.

                  بالنسبة للامر الاول:
                  الخروج ماخوذ من خرج اي كان في مكان او حال وصار الى غيره فيقال خرج من البيت اي كان في البيت وصار الان في مكان اخر غير البيت. ويقال كذلك خرج عن هدوئه أي كان على حالة الهدوء وصار في حال الغضب.
                  ولو نظرنا في الرواية لعلمنا ان الخروج فيها لا يراد منه الظهور وانما يراد منه التوجه الى القتال او الحركة العسكرية. فالرواية تصور خروجهم بالشكل التالي:
                  ((خروج السفياني واليماني والخراساني في سنة واحدة، في شهر واحد، في يوم واحد، نظام كنظام الخرز يتبع بعضه بعضا فيكون البأس من كل وجه، ويل لمن ناواهم)) وفي الرواية كذلك: (( لا بد لبني فلان من أن يملكوا، فإذا ملكوا ثم اختلفوا تفرق ملكهم، وتشتت أمرهم، حتى يخرج عليهم الخراساني والسفياني، هذا من المشرق، وهذا من المغرب، يستبقان إلى الكوفة كفرسي رهان، هذا من هنا، وهذا من هنا، حتى يكون هلاك بني فلان على أيديهما، أما إنهم لا يبقون منهم أحدا )). لابد هنا من ذكر ان الرواية طويلة وموجودة في غيبة النعماني.
                  ومن الواضح ان هذه الاجواء هي اجواء حرب وقتال وبالتالي فالخروج المذكور في الرواية يقصد منه الحركة العسكرية وليس مجرد الظهور. بل الظهور لابد ان يكون سابقا للحركة العسكرية فلابد من تجهيز الجيش واعداده نفسيا وعسكريا وما الى ذلك.
                  بهذا تسقط شبهتهم فهذه الحركة العسكرية لم تقع لكي يطالبنا صاحب الشبهة بتحديد فلان او علان.

                  اما الامر الثاني وهو افتراض ان هذا الخروج هو اول خروج للثلاثة ولم يسبقه خروج لاي منهم فيكفي في ابطاله ان الخروج او الحركة العسكرية التي ان الرواية تصف حركة باتجاه الكوفة فالرواية كما قلت طويلة وتصور تفاصيل كثيرة يقول: (( أخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة، قال: حدثني أحمد بن يوسف بن يعقوب أبو الحسن الجعفي من كتابه، قال: حدثنا إسماعيل بن مهران، قال: حدثنا الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه ووهيب بن حفص، عن أبي بصير، عن أبي جعفر محمد بن علي ( عليهما السلام )، أنه قال: " إذا رأيتم نارا من المشرق شبه الهردي العظيم تطلع ثلاثة أيام أو سبعة فتوقعوا فرج آل محمد ( عليهم السلام ) إن شاء الله عز وجل إن الله عزيز حكيم ... الى ان يقول ولن يخرج القائم ولا ترون ما تحبون حتى يختلف بنو فلان فيما بينهم، فإذا كان كذلك طمع الناس فيهم واختلفت الكلمة وخرج السفياني. وقال: لا بد لبني فلان من أن يملكوا، فإذا ملكوا ثم اختلفوا تفرق ملكهم، وتشتت أمرهم، حتى يخرج عليهم الخراساني والسفياني، هذا من المشرق، وهذا من المغرب، يستبقان إلى الكوفة كفرسي رهان، هذا من هنا، وهذا من هنا، حتى يكون هلاك بني فلان على أيديهما، أما إنهم لا يبقون منهم أحدا. ثم قال ( عليه " )). كتاب الغيبة - محمد بن إبراهيم النعماني - ص 262 – 265.

                  اذن هذه الحركة العسكرية تستهدف الكوفة فالثلاثة يتحركون او يتسابقون باتجاه الكوفة.

                  واذا علمنا ان السفياني لا يتوجه الى العراق والكوفة في العراق كما هو معلوم الا بعد ان يسيطر على الكور الخمس ويخوض معارك اخرى اقول اذن يتضح لنا ان للسفياني خروجا او حركة عسكرية قبل هذه الحركة التي يتوجه فيها نحو الكوفة، وبالتالي يمكن ايضا ان يكون لليماني وللخراساني حركات قبل حركتهم نحو الكوفة وبذلك تسقط الشبهة تماما ولا يبقى لها اثر ابدا.
                  والان لنثبت ان للسفياني حركة عسكرية قبل توجهه نحو العراق وساقرا هذه الروايات:

                  عن الباقر (ع) : (... ثم يختلفون عند ذلك على ثلاث رايات: راية الأصهب، وراية الأبقع، وراية السفياني، فيلتقي السفياني بالأبقع فيقتتلون فيقتله السفياني ومن تبعه، ثم يقتل الأصهب، ثم لا يكون له همة إلا الإقبال نحو العراق، ويمر جيشه بقرقيسياء، فيقتتلون بها فيقتل بها من الجبارين مائة ألف، ويبعث السفياني جيشا إلى الكوفة وعدتهم سبعون ألفاً، فيصيبون من أهل الكوفة قتلاً وصلباً وسبياً ...) غيبة النعماني: ص288 – 289.

                  والابقع والاصهب يتقاتلان في الشام ورد عن جابر الجعفي، عن أبي جعفر عليه السلام قال: (( الزم الأرض ولا تحرك يدا ولا رجلا حتى ترى علامات أذكرها لك، وما أراك تدرك ذلك: اختلاف بني العباس، ومناد ينادي من السماء، وخسف قرية من قرى الشام تسمى الجابية، ونزول الترك الجزيرة، ونزول الروم الرملة. واختلاف كثير عند ذلك في كل أرض، حتى تخرب الشام ويكون سبب خرابها اجتماع ثلاث رايات فيها: راية الأصهب، وراية الأبقع، وراية السفياني )). الإرشاد - الشيخ المفيد - ج 2 - ص 372 - 373

                  وعن جابر، عن أبي جعفر (ع) : (إذا ظهر السفياني على الأبقع وعلى المنصور والكندي والترك والروم، خرج وصار إلى العراق ...) معجم أحاديث الإمام المهدي (ع): ج3 ص275.
                  وعن جابر، عن أبي جعفر (ع)، قال: (إذا ظهر الأبقع مع قوم ذوي أجسام فتكون بينهم ملحمة عظيمة، ثم يظهر الأخوص السفياني الملعون فيقاتلها جميعاً فيظهر عليهما جميعاً... ثم يسير إلى العراق وترفع قبل ذلك ثنتا عشرة راية بالكوفة معروفة منسوبة ...). كتاب الفتن لنعيم بن حماد: ص173 – 174، معجم أحاديث الإمام المهدي (ع): ج3 ص275 – 276.

                  وعن علي بن أبي طالب (ع)، قال: (... فيفاجئهم السفياني في عصائب أهل الشام، فتختلف الثلاث رايات، رجال ولد العباس هم الترك والعجم، وراياتهم سوداء، فيقتل فيما بينهم ستون ألفاً، فيغلب السفياني وإنه ليعدل فيهم حتى يقول القائل والله ما كان يقال فيه إلا كذب، والله إنهم لكاذبون، لو يعلمون ما تلقى أمة محمد منه ما قالوا ذلك... فيجيش جيشين: جيش إلى المدينة وجيش إلى المشرق، فأما جيش المشرق فيقتلون بالزوراء سبعين ألفاً، ويبقرون بطون ثلاثمائة امرأة، ويخرج الجيش إلى الكوفة، فيقتل بها خلقاً ...). شرح إحقاق الحق – للسيد المرعشي: ج29 ص566 – 572.
                  Last edited by ya fatema; 30-03-2013, 23:33.

                  Comment

                  • أبو محمد الأنصاري
                    مشرف
                    • 06-10-2009
                    • 325

                    #10
                    رد: ادلة الدعوة : كتاب جامع الأدلة ـــ دكتور عبد الرزاق الديراوي

                    بسم الله الرحمن الرحيم
                    اللهم صل على محمد وآل محمد الائمة والمهديين وسلم تسليما
                    الدرس التاسع
                    تشخيص مصداق مهدي آخر الزمان
                    التسجيل الصوتي للمحاضرة ــ للاستماع والتحميل اضغط هنا
                    التسجيل الصوتي لتتمة المحاضرة ــ للاستماع والتحميل اضغط هنا
                    التسجيل الصوتي لتتمة المحاضرة ــ للاستماع والتحميل اضغط هنا
                    التسجيل الصوتي لتتمة المحاضرة ــ قانون معرفة الحجة ــ تتمة ــ للاستماع والتحميل اضغط هنا
                    التسجيل الصوتي لتتمة المحاضرة ــ النص التشخيصي ــ للاستماع والتحميل اضغط هنا


                    الطريقة الصحيحة الواردة في هذا الصدد يمكن ان نستدل عليها من خلال الروايات التالية وغيرها:
                    1- سُأل أبو عبد الله عليه السلام بأي شيء يُعرف الإمام قال: ( بالوصية الظاهرة وبالفضل، إن الإمام لا يستطيع أحد أن يطعن عليه في فم ولا بطن ولا فرج فيقال: كذاب ويأكل أموال الناس وما أشبه هذا )( ).
                    2- عن أحمد بن أبي نصر ، قال : ( قلت لأبي الحسن الرضا (ع): إذا مات الإمام بم يُعرف الذي بعده؟ فقال: للإمام علامات منها: أن يكون أكبر ولد أبيه، ويكون فيه الفضل والوصية ... ) .
                    3- عن عبدالأعلى قال : قلت لأبي عبدالله (ع) : ( المتوثب على هذا الأمر المدعي له ، ما الحجة عليه ؟ قال :يُسأل عن الحلال والحرام ، قال : ثم أقبل عليَّ فقال : ثلاثة من الحجة لم تجتمع في أحد إلا كان صاحب هذا الأمر : أن يكون أولى الناس بمن كان قبله ، ويكون عنده السلاح ، ويكون صاحب الوصية الظاهرة...).
                    4- عن أحمد بن عمر عن الرضا (ع) قال : ( سألته عن الدلالة على صاحب الأمر، فقال: الدلالة عليه: الكبَر والفضل والوصية ... ) .
                    5- عن أبي بصير قال : قلت لأبي الحسن (ع) : ( جُعلت فداك بم يُعرف الإمام ؟ قال : فقال : بخصال ؛ أما أولها فإنه بشيء قد تقدم من أبيه فيه بإشارة إليه لتكون عليهم حجة ... ) .
                    6- عن الحارث بن المغيرة النضري ، قال : ( قلنا لأبي عبدالله (ع) : بما يعرف صاحب هذا الأمر؟ قال: بالسكينة والوقار والعلم والوصية ) .
                    7- عن الصادق ( ع ) : (... إن الله لا يجعل حجة في أرضه يُسأل عن شيء فيقول لا أدري ) .
                    8- عن هشام بن الحكم عن أبي عبدالله (ع) أنه قال للزنديق الذي سأله : من أين أثبتَّ الأنبياء والرسل ؟ قال : ( إنّا لما أثبتنا أن لنا خالقاً صانعاً متعالياً ... الى قوله (ع) : لكيلا تخلو أرض الله من حجة يكون معه علم يدل على صدق مقالته وجواز عدالته ).
                    9- عن أبي الجارود، قال : ( قلت لأبي جعفر (ع) : إذا مضى الإمام القائم من أهل البيت، فبأي شيء يعرف من يجئ بعده؟ قال: بالهدى والإطراق، وإقرار آل محمد له بالفضل، ولا يُسأل عن شيء بين صدفيها إلا أجاب ) .
                    10- عن الحارث بن المغيرة النصري، قال: ( قلت لأبي عبدالله (ع) : بأي شيء يُعرف الإمام ؟ قال : بالسكينة والوقار . قلت : وبأي شيء ؟ قال : وتعرفه بالحلال والحرام، وبحاجة الناس إليه ، ولا يحتاج إلى أحد، ويكون عنده سلاح رسول الله . قلت : أ يكون وصياً ابن وصي ؟ قال : لا يكون إلا وصياً وابن وصي )( ) .
                    11- عن أبي بصير ، قال : ( قلت لأحدهما – لأبي جعفر أو لأبي عبدالله – أ يكون أن يفضي هذا الأمر إلى من لم يبلغ؟ قال: سيكون ذلك. قلت: فما يصنع؟ قال: يورثه علماً وكتباً ولا يكله إلى نفسه)( ) .
                    12- قول الإمام الصادق (ع) لأبي حنيفة : ( يا أبا حنيفة تعرف كتاب الله حق معرفته، وتعرف الناسخ والمنسوخ ؟ قال : نعم . قال : يا أبا حنيفة لقد ادعيت علماً، ويلك ما جعل الله ذلك إلا عند أهل الكتاب الذين أنزل عليهم، ويلك ولا هو إلا عند الخاص من ذرية نبينا (ص) ، ما ورثك الله من كتابه حرفا ً)( )
                    أقول : يقول تعالى : ( وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم ) ، وهؤلاء هم آل محمد (ع) وهم من ورث الكتاب ، وليس لغيرهم من وراثته شيء .
                    13- ورد إن القائم (ع) يحتج على الناس بالقرآن ، أي العلم ففي خطبته بين الركن والمقام ، يقول (ع) : (... ألا ومن حاجني في كتاب الله، فأنا أولى الناس بكتاب الله)( ).
                    14- عن هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ فِي حَدِيثِ بُرَيْهٍ أَنَّهُ لَمَّا جَاءَ مَعَهُ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) ... إلى قوله : ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَجْعَلُ حُجَّةً فِي أَرْضِهِ يُسْأَلُ عَنْ شَئ فَيَقُولُ لَا أَدْرِي﴾ ( ).
                    15- وعن صالح بن أبي حماد ، عن الحسن بن علي الوشاء ، قال : ( كنت كتبت معي مسائل كثيرة قبل أن أقطع على أبي الحسن ( عليه السلام ) ، وجمعتها في كتاب مما روي عن آبائه (ع) وغير ذلك ، وأحببت أن أتثبت في أمره وأختبره ، فحملت الكتاب في كمي وصرت إلى منزله وأردت أن آخذ منه خلوة ، فأناوله الكتاب ، فجلست ناحية وأنا متفكر في طلب الإذن عليه ، وبالباب جماعة جلوس يتحدثون ، فبينا أنا كذلك في الفكرة والاحتيال في الدخول عليه ، إذ أنا بغلام قد خرج من الدار وفي يده كتاب ، فنادى : أيكم الحسن بن علي الوشاء ابن بنت إلياس البغدادي ؟ فقمت إليه : وقلت : أنا الحسن بن علي الوشاء ، فما حاجتك ؟ قال : هذا الكتاب أمرت بدفعه إليك فهاك خذه ، فأخذته وتنحيت ناحية فقرأته ، فإذا والله فيه جواب مسألة مسألة ، فعند ذلك قطعت عليه ، وتركت الوقف )( ).
                    16- وورد عن الإمام الصادق (ع) : ( إن ادعى مدع فاسألوه عن العظائم التي يجيب فيها مثله )( ) .
                    مما تقدم يتضح أن من أهم الدلائل التي يُعرف بها حجة الله في أرضه هي الوصية، والعلم، والدعوة الى حاكمية الله. والدعوة الى حاكمية الله يكفي في الاستدلال عليها ان المدعي يبرز النص الالهي دليلا على ادعائه، ويرفض كل طريقة اخرى. أي انه لا يرى دليلا سوى النص الالهي، ولا يرى حجة تمنح المشروعية سوى الله عز وجل.
                    وفي القرآن الكريم توضيح لهذه العناصر الثلاثة التي يعرف من خلالها حجة الله؛ قال تعالى : ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاَء إِنْ كُنتُمْ صَادِقِين﴾ ( ) .
                    وقال تعالى : ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ * فَسَجَدَ الْمَلآئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ﴾ ( ).
                    في هذه الآيات يُخبر الله تعالى ملائكته بأنه قد جعل أو نصّب خليفة في الأرض وهذا التنصيب الإلهي سيتخذ بعد آدم u صورة الوصية التي ينص من خلالها الحجة السابق على من يليه، فالوصية نص إلهي يذيعه الحجة بين الناس ليعلموا من نصبه الله تعالى عليهم. وبعد أن اعترض الملائكة على هذا التنصيب أعلمهم الله تعالى بأنه قد زود خليفته بالسلاح اللازم لإنجاز مهمة الخلافة وهو العلم ، ثم أخيراً أمرهم بطاعته أو السجود له، والسجود هنا سجود طاعة. وهذه الطاعة التي فرضها الله تعالى لخليفته على خلقه هي المقصودة بحاكمية الله تعالى ، فمن أطاع حجة الله ينجح في الامتحان كما نجح الملائكة، ومن يعصه يفشل كما فشل إبليس لعنه الله.
                    إذن لنبحث الآن في الدليل الأول وهو الوصية لنرى مدى انطباقه على السيد أحمد الحسن (ع).
                    الوصية :
                    لنقرأ معاً وصية رسول الله في ليلة وفاته :
                    1- عن الباقر (ع) عن أبيه ذي الثفنات سيد العابدين عن أبيه الحسين الزكي الشهيد عن أبيه أمير المؤمنين (عليهم سلام الله) قال : (قال رسول الله (ص) في الليلة التي كانت فيها وفاته لعلي (ع) : يا أبا الحسن أحضر صحيفة ودواة، فأملا رسول الله وصيته حتى انتهى الى هذا الموضع فقال : يا علي إنه سيكون بعدي إثنا عشر إماماً، ومن بعدهم إثنا عشر مهدياً ، فأنت ياعلي أول الإثني عشر إماماً سماك الله تعالى في سمائه علياً المرتضى وأمير المؤمنين والصدّيق الأكبر والفاروق الأعظم والمأمون والمهدي ، فلا تصح هذه الأسماء لأحد غيرك. يا علي أنت وصيّ على أهل بيتي حيهم وميتهم ، وعلى نسائي فمن ثبّتها لقيتني غداً، ومن طلقتها فأنا برئ منها لم ترني ولم أرها في عرصة القيامة ، وأنت خليفتي على أمتي من بعدي، فإذا حضرتك الوفاة فسلّمها الى ابني الحسن البر الوصول، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها الى إبني الحسين الشهيد الزكي المقتول ، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها الى ابنه سيد العابدين ذي الثفنات علي ، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها الى ابنه محمد الباقر ، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها الى ابنه جعفر الصادق ، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها الى ابنه موسى الكاظم ، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها الى ابنه علي الرضا ، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها الى ابنه محمد الثقة التقي ، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها الى ابنه علي الناصح ، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها الى ابنه الحسن الفاضل ، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها الى ابنه م ح م د المستحفظ من آل محمد ، فذلك إثنا عشر إماماً . ثم يكون من بعده اثنا عشر مهدياً ، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها الى ابنه أول المقربين، له ثلاثة أسامي , اسم كاسمي واسم أبي وهو عبدالله وأحمد ، والإسم الثالث المهدي ، وهو أول المؤمنين)( ).
                    والوصية كتاب كتبه رسول الله (ص) في آخر لحظات حياته امتثالاً لقوله تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾ [البقرة: 180]، ووصفه بأنه عاصم من الضلال لمن تمسك به أبداً، وأُؤكد في آخر لحظات حياته؛ لأنه نبي يوحى له فما يقوله في آخر لحظات حياته هو خلاصة رسالته وما يحفظ الدين بعده، فما بالك إذا كان مع شدة مرضه وأوجاع السم التي كانت تقطّع كبده مهتماً أشد الاهتمام أن يكتب هذا الكتاب ويصفه بأنه عاصم من الضلال، فهذا الكتاب من الأهمية بمكان بحيث إنّ الله سبحانه وتعالى الذي كان يرحم محمداً (ص) إلى درجة أنه يشفق عليه من كثرة العبادة التي تتعب بدنه فيخاطبه بقوله: ﴿طه * مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى﴾ نجده سبحانه مع شدة رحمته بمحمد وإشفاقه عليه يكلف محمداً في آخر لحظات حياته أن يملي كتاباً ويصفه بأنه عاصم من الضلال على رؤوس الأشهاد رغم ما كان يعانيه محمد من آلام السم الذي كان يسري في بدنه ويقطع كبده ( ).
                    وهذه بعض النصوص التي وصف فيها الرسول محمد كتاب الوصية بأنه عاصم من الضلال وفي آخر لحظات حياته، ففي يوم الخميس أراد كتابته لكل الأمة وأراد أن يشهد عليه عامة الناس ولكن منعه جماعة وطعنوا في قواه العقلية وقالوا إنه يهجر (أي يهذي ولا يعرف ما يقول) ( )، فطردهم وبقي رسول الله بعد يوم الخميس إلى يوم وفاته الاثنين، فكتب في الليلة التي كانت فيها وفاته وصيته وأملاها على علي u وشهدها بعض الصحابة الذين كانوا يؤيدون كتابتها يوم الخميس:
                    في كتب السنة:
                    عن ابن عباس، قال: (يوم الخميس وما يوم الخميس، اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه فقال: ائتوني اكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً، فتنازعوا، ولا ينبغي عند نبي نزاع، فقالوا ما شأنه ؟ أهجر، استفهموه، فذهبوا يردون عليه، فقال: دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعونني إليه، وأوصاهم بثلاث قال: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم وسكت عن الثالثة أو قال فنسيتها) [صحيح البخاري: ج4 ص4168].
                    عن ابن عباس، قال: (يوم الخميس وما يوم الخميس، ثم جعل تسيل دموعه حتى رؤيت على خديه كأنها نظام اللؤلؤ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ائتوني بالكتف والدواة، أو اللوح والدواة، أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً، فقالوا: إنّ رسول الله يهجر) [صحيح مسلم - كتاب الوصية].
                    في كتب الشيعة:
                    عن سليم بن قيس الهلالي، قال: (سمعت سلمان يقول: سمعت علياً (ع) بعد ما قال ذلك الرجل (عمر) ما قال وغضب رسول الله (ص) ودفع الكتف: ألا نسأل رسول الله (ص) عن الذي كان أراد أن يكتبه في الكتف مما لو كتبه لم يضل أحد ولم يختلف اثنان ......) [كتاب سليم بن قيس: ص398].
                    عن سليم بن قيس الهلالي، قال الإمام علي (ع) لطلحة: (ألست قد شهدت رسول الله (ص) حين دعا بالكتف ليكتب فيها مالا تضل الأمة ولا تختلف، فقال صاحبك ما قال: "إنّ نبي الله يهجر" فغضب رسول الله .......) [كتاب سليم بن قيس: ص211].
                    عن سليم بن قيس إنّ علياً (ع) قال لطلحة في حديث طويل عند ذكر تفاخر المهاجرين والأنصار بمناقبهم وفضائلهم: (يا طلحة، أ ليس قد شهدت رسول الله حين دعانا بالكتف ليكتب فيها ما لا تضل الأمة بعده ولا تختلف فقال صاحبك ما قال إنّ رسول الله يهجر فغضب رسول الله (ص) وتركها ؟ قال: بلى قد شهدته) [الغيبة للنعماني: ص81].
                    وفي كتاب الغيبة للطوسي نقل النص الوحيد المروي للكتاب العاصم من الضلال الذي أراد رسول الله (ص) كتابته كما ثبت في أصح كتب السنة البخاري ومسلم، ومن نقل الوصية عن الرسول محمد (ص) هم آل محمد (ع) :
                    عن أبي عبد الله جعفر بن محمد، عن أبيه الباقر، عن أبيه ذي الثفنات سيد العابدين، عن أبيه الحسين الزكي الشهيد، عن أبيه أمير المؤمنين (ع)، قال: (قال رسول الله (ص) - في الليلة التي كانت فيها وفاته - لعلي (ع): يا أبا الحسن، أحضر صحيفة ودواة. فأملا رسول الله وصيته حتى انتهى إلى هذا الموضع، فقال: يا علي، إنه سيكون بعدي إثنا عشر إماماً ومن بعدهم إثنا عشر مهدياً، فأنت يا علي أول الاثني عشر إماماً، سماك الله تعالى في سمائه: علياً المرتضى، وأمير المؤمنين، والصديق الأكبر، والفاروق الأعظم، والمأمون، والمهدي، فلا تصح هذه الأسماء لأحد غيرك. يا علي، أنت وصيي على أهل بيتي حيهم وميتهم، وعلى نسائي؛ فمن ثبتها لقيتني غداً، ومن طلقتها فأنا برئ منها، لم ترني ولم أرها في عرصة القيامة، وأنت خليفتي على أمتي من بعدي، فإذا حضرتك الوفاة فسلمها إلى ابني الحسن البر الوصول، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابني الحسين الشهيد الزكي المقتول، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه سيد العابدين ذي الثفنات علي، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه محمد الباقر، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه جعفر الصادق، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه موسى الكاظم، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه علي الرضا، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه محمد الثقة التقي، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه علي الناصح، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه الحسن الفاضل، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه محمد المستحفظ من آل محمد . فذلك اثنا عشر إماماً، ثم يكون من بعده اثنا عشر مهدياً، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه أول المقربين (وفي مصادر أول المهديين)، له ثلاثة أسامي: اسم كاسمي واسم أبي وهو عبد الله وأحمد، والاسم الثالث: المهدي، هو أول المؤمنين) [كتاب الغيبة - الشيخ الطوسي رحمه الله].
                    ووصف الرسول له بأنه عاصم من الضلال أبداً يجعل من المحال أن يدعيه مبطل، ومن يقول إنّ ادعاءه من المبطلين ممكن فهو يتهم الله سبحانه بالعجز عن حفظ كتاب وصفه بأنه عاصم من الضلال لمن تمسك به، أو يتهم الله بالكذب؛ لأنه وصف الكتاب بأنه عاصم من الضلال أبداً، ومن ثم لم يكن كذلك !! أو يتهم الله بالجهل؛ لأنه وصفه بوصف لا ينطبق عليه جاهلاً بحاله، وحاشاه سبحانه من هذه الأوصاف وتعالى الله عما يقول الجاهلون علواً كبيراً.
                    فلابد أن يحفظ العالم القادر الصادق الحكيم المطلق سبحانه النص - الذي وصفه بأنه عاصم من الضلال لمن تمسك به - من ادعاء المبطلين له حتى يدعيه صاحبه ويتحقق الغرض منه، وإلا لكان جاهلاً أو عاجزاً أو كاذباً مخادعاً ومغرياً للمتمسكين بقوله باتباع الباطل. ومحال أن يكون الله سبحانه جاهلاً أو عاجزاً؛ لأنه عالم وقادر مطلق، ويستحيل أن يصدر من الحق سبحانه وتعالى الكذب؛ لأنه صادق وحكيم، ولا يمكن وصفه بالكذب، وإلا لما أمكن الركون إلى قوله في شيء ولانتقض الدين.
                    ونص خليفة الله في أرضه على من بعده مع وصفه بأنه عاصم من الضلال لمن تمسك به - نصاً إلهياً ( )- لابد أن يكون محفوظاً من الله أن يدعيه الكاذبون المبطلون حتى يدعيه صاحبه وإلا فسيكون كذباً وإغراءً للمكلفين باتباع الباطل، وهذا أمر لا يصدر من العالم الصادق القادر الحكيم المطلق سبحانه.
                    فلو قال لك إنسان عالم بالغيب ومآل الأمور: إذا كنت تريد شرب الماء فاشرب من هنا وأنا الضامن أنك لن تسقى السم أبداً من هذا الموضع، ثم إنك سُقيت في ذلك الموضع سماً فماذا يكون الضامن ؟ هو إما جاهل، وإما كاذب من الأساس، أو عجز عن الضمان، أو اخلف وعده، فهل يمكن أن يقبل من يؤمن بالله أن يصف الله بالجهل أو بالكذب أو العجز أو خلف الوعد ؟! تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
                    وقد تكفّل الله في القرآن وفيما روي عنهم بحفظ النص الإلهي من أن يدعيه أهل الباطل، فأهل الباطل مصروفون عن ادعائه، فالأمر ممتنع كما قال تعالى: ﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ﴾ [الحاقة: 44 - 46].
                    ومطلق التقوّل على الله موجود دائماً ولم يحصل أن منعه الله، وليس ضرورياً أن يُهلك الله المتقولين مباشرة، بل أنه سبحانه أمهلهم حتى حين، وهذا يعرفه كل من تتبع الدعوات الظاهرة البطلان كدعوة مسيلمة، فأكيد ليس المراد في الآية مطلق التقول على الله، بل المراد التقول على الله بادعاء القول الإلهي الذي تقام به الحجة، عندها يتحتم أن يتدخل الله ليدافع عن القول الإلهي الذي تقام به الحجة، وهو النص الإلهي الذي يوصله خليفة الله لتشخيص من بعده والموصوف بأنه عاصم من الضلال؛ حيث إنّ عدم تدخله سبحانه مخالف للحكمة، ومثال هذا القول أو النص: وصية عيسى (ع) بالرسول محمد (ص)، ووصية الرسول محمد (ص) بالأئمة والمهديين (ع) ( ).
                    فالآية في بيان أنّ هذا التقول ممتنع، وبالتالي فالنص محفوظ لصاحبه ولا يدعيه غيره، وتوجد روايات تُبيِّن أنّ الآية في النص الإلهي على خلفاء الله بالخصوص، فهو نص إلهي لابد أن يحفظه الله حتى يصل إلى صاحبه، فهو نص إلهي محفوظ من أي تدخل يؤثر عليه سواء كان هذا التدخل في مرحلة نقله إلى الخليفة الذي سيوصله، أم في مرحلة - أو مراحل - وصوله إلى الخليفة الذي سيدعيه ( ).
                    وهناك روايات بيَّنت هذه الحقيقة، وهي أنّ التقول في هذه الآية هو بخصوص النص الإلهي: عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ (ع) قَالَ: (سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: "يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ"، قَالَ: يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا وَلَايَةَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (ع) بِأَفْوَاهِهِمْ. قُلْتُ: "وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ"، قَالَ: وَاللَّهُ مُتِمُّ الْإِمَامَةِ ...................... قُلْتُ: قَوْلُهُ: "إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ"، قَالَ: يَعْنِي جَبْرَئِيلَ عَنِ اللَّهِ فِي وَلَايَةِ عَلِيٍّ (ع). قَالَ: قُلْتُ: "وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ"، قَالَ: قَالُوا إِنَّ مُحَمَّداً كَذَّابٌ عَلَى رَبِّهِ وَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهَذَا فِي عَلِيٍّ فَأَنْزَلَ اللَّهُ بِذَلِكَ قُرْآناً، فَقَالَ: إِنَّ وَلَايَةَ عَلِيٍّ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ. وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا مُحَمَّدٌ بَعْضَ الْأَقاوِيلِ. لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ. ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ) [الكافي: ج1 ص434].
                    كما أنّ الإمام الصادق (ع) يقول: (إنّ هذا الأمر لا يدعيه غير صاحبه إلا تبر الله عمره) [الكافي - للكليني: ج1 ص372].
                    فالمبطل مصروف عن ادعاء الوصية الإلهية الموصوفة بأنها تعصم من تمسك بها من الضلال، أو أنّ ادعاءه لها مقرون بهلاكه قبل أن يظهر هذا الادعاء للناس، حيث إنّ إمهاله مع ادعائه الوصية يترتب عليه إما جهل وإما عجز أو كذب من وعد المتمسكين به بعدم الضلال، وهذه أمور محالة بالنسبة للحق المطلق سبحانه، ولهذا قال تعالى: ﴿لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ﴾. وقال الصادق (ع): (تبر الله عمره).
                    وللتوضيح أكثر أقول: إنّ الآية تطابق الاستدلال العقلي السابق وهو أنّ الادعاء ممتنع وليس ممكناً، فإن قوله تعالى: ﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ﴾، معناه أنّ الهلاك ممتنع لامتناع التقول أي أنه لو كان متقولاً لهلك ( )، والآية تتكلم مع من لا يؤمنون بمحمد والقرآن، وبالتالي فالاحتجاج بالكلام في الآية ليس بها كونها كلام الله؛ لأنهم لا يؤمنون بهذا، بل الاحتجاج هو بمضمون الآية، أي احتجاج بما هو ثابت عندهم عقلاً وهو أنّ النص الإلهي الموصوف بأنه عاصم من الضلال لمن تمسك به لا يمكن أن يدعيه غير صاحبه؛ لأن القول بأنه يمكن أن يدعيه غير صاحبه يلزم منه نسب الجهل أو العجز أو الكذب لله سبحانه وتعالى.
                    إذن فلا يمكن - عقلاً وقرآناً وروايةً - أن يحصل ادعاء النص الإلهي التشخيصي الموصوف بأنه عاصم من الضلال لمن تمسك به، أي أنّ النص محفوظ من الادعاء حتى يدعيه صاحبه ليتحقق الغرض من النص وهو منع الضلال عن المكلف المتمسك به كما وعده الله سبحانه.
                    وللتوضيح والتفصيل أكثر أقول:
                    إنّ مدعي المنصب الإلهي:
                    • إما أن يكون مدعياً للنص التشخيصي الموصوف بأنه عاصم من الضلال لمن تمسك به، فهذا المدع محق ولا يمكن أن يكون كاذباً أو مبطلاً؛ لأن هذا النص لابد من حفظه من ادعاء الكاذبين والمبطلين، وإلا فسيكون الله قد أمر الناس بالتمسك بما يمكن أن يضلهم، ورغم هذا قال عنه بأنه عاصم من الضلال أبداً، وهذا كذب يستحيل أن يصدر من الله.
                    • وإما أن يكون مدعياً للمنصب الإلهي ولكنه غير مدعٍ للنص التشخيصي الموصوف بأنه عاصم من الضلال لمن تمسك به، وهكذا مدعي: إما أن يكون ادعاؤه فيه شبهة على بعض المكلفين لجهلهم ببعض الأمور، وهذا ربما يمضي الله به الآية ويهلكه رحمة بالعباد وإن كان بعد ادعائه بفترة من الزمن رغم أنه لا حجة ولا عذر لمن يتبعه. وإما أنه لا يحتمل أن يشتبه به أحد إلا إن كان طالباً للباطل فيتبع شخصاً بدون نص تشخيصي كما بينت، ومع هذا تصدر منه سفاهات كثيرة ويجعل الله باطله واضحاً وبيّناً للناس، وهذا لا داعي أن تطبّق عليه الآية بل ربما أمهل فترة طويلة من الزمن فهو يترك لمن يطلبون الباطل بسفاهة.
                    وهذا تقريب ليتوضح الأمر أكثر: نفرض أنّ هناك ثلاث دوائر؛ بيضاء، ورمادية، وسوداء. فالدائرة البيضاء محمية من أن يدخل لها كاذب، وبالتالي فكل من دخلها فهو مدعٍ صادق ويجب تصديقه، فالآية: ﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ﴾ واجبة التطبيق في هذه الدائرة.
                    والرمادية غير محمية من أن يدخل لها الكاذب، فلا يصح الاعتماد على من كان فيها وتصديقه، ورغم هذا فيمكن أن تحمى بعض الأحيان من الكاذب بعد دخوله رحمة بالعباد رغم أنهم لا عذر لهم باتباع من كان في هذه الدائرة، فالآية ممكنة التطبيق على هذه الدائرة وليس واجبة التطبيق.
                    والثالثة سوداء غير محمية من أن يدخل لها الكاذب، بل هي دائرة الكاذبين وواضحة بأنها دائرة الكاذبين، فلا داعي لحمايتها أصلاً من الكاذبين لا قبل دخولهم ولا بعد دخولهم، فالآية ليس موضعها هذه الدائرة.
                    فلابد إذن من الانتباه إلى أنّ كلامنا في منع ادعاء النص التشخيصي الموصوف بأنه عاصم من الضلال وليس في ادعاء المنصب الإلهي عموماً، فادعاء المنصب الإلهي أو النبوة أو خلافة الله في أرضه باطلاً بسفاهة ودون الاحتجاج بالوصية (النص التشخيصي) حصل كثيراً وربما بقي حياً من ادعى باطلاً فترة من الزمن، ومثال لهؤلاء مسيلمة الكذاب ادعى أنه نبي في حياة رسول الله محمد وبقي مسيلمة حياً بعد موت رسول الله محمد (ص) ، فالادعاء بدون شهادة الله ونص الله وبدون الوصية لا قيمة له وهو ادعاء سفيه، فمن يصدق هكذا مدعٍ مبطل لا عذر له أمام الله.
                    إذن، فالمقصود ليس منع أهل الباطل من الادعاء مطلقاً، بل منعهم من ادعاء النص التشخيصي الموصوف بأنه عاصم لمن تمسك به من الضلال وهو وصية خليفة الله للناس، وهذا المنع الذي أثبتناه عقلاً وأكد عليه النص القرآني والروائي يؤكده أيضاً الواقع، فمرور مئات السنين على النص دون أن يدعيه أحد كافٍ لإثبات هذه الحقيقة، فقد مرّ على وصايا الأنبياء في التوراة ووصية عيسى u مئات السنين ولم يدعِها غير محمد وأوصيائه من بعده، كما ولم يدعِ وصية النبي غير الأئمة ، وقد احتج الإمام الرضا u بهذا الواقع على الجاثليق فبعد أن بيّن النص من الأنبياء السابقين على الرسول محمد من التوراة والإنجيل احتج الجاثليق بأنّ النصوص يمكن أن تنطبق على أكثر من شخص، فكان احتجاج الإمام الرضا u على الجاثليق أنه لم يحصل أن ادعى الوصايا المبطلون، وهذا هو النص موضع الفائدة قال الجاثليق: (......... ولكن لم يتقرر عندنا بالصحة أنه محمد هذا، فأما اسمه محمد فلا يصح لنا أن نقر لكم بنبوته ونحن شاكون أنه محمدكم ......... فقال الرضا (ع): "احتججتم بالشك، فهل بعث الله من قبل أو من بعد من آدم إلى يومنا هذا نبياً اسمه محمد ؟ وتجدونه في شيء من الكتب التي أنزلها على جميع الأنبياء غير محمد ؟" فأحجموا عن جوابه) [إثبات الهداة: ج1 ص194 - 195].
                    فاحتجاج الأوصياء السابقين بهذا النص حجة على من يؤمن بهم، وقد احتج عيسى ومحمد صلوات الله عليهما به، فعيسى (ع) احتج بنص الأنبياء السابقين عليه رغم عدم مباشرتهم له، ومحمد كما في القرآن احتج بنص عيسى (ع) عليه ونص الأنبياء قبل عيسى (ع) عليه، قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ﴾ [الصف: 6].
                    ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [الأعراف: 157].
                    والله بيَّن في القرآن أنّ ادعاء محمد لو كان باطلاً - وحاشاه - لما تركه يدعيه؛ لأن الله متكفل بحفظ النص وصونه من ادعاء المبطلين، أو يمكن أن نقول إنّ الله متكفل بصرفهم عن النص ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ * وَمَا لَا تُبْصِرُونَ * إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ * وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ * تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ * وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ * وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ * وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنكُم مُّكَذِّبِينَ * وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ * وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ * فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ﴾ [الحاقة: 38 - 52].
                    وها هو كتاب الوصية الذي كتبه الرسول محمد ليلة وفاته موجود منذ أكثر من ألف عام في الكتب، ويستطيع أي إنسان أن يقرأه ويطلع عليه ولكن لم يتمكن مبطل من ادعائه مع كثرتهم، فالله صرف عنه كل مدعٍ كاذب حيث ادعى كثيرون النبوة والإمامة والمهدوية ولكن أبداً لم يتمكن أحدهم من خرق حجاب الله المضروب على هذا الكتاب فيدعيه، وهذا الواقع يؤكد ما بيَّنته فيما تقدم من أنّ وصف هذا الكتاب بأنه عاصم من الضلال بذاته يعني أنه لا يدعيه غير صاحبه الذي ذكره الرسول محمد ، ومن يدعيه فهو صادق وهو صاحبه.
                    وهذا كافٍ كدليل تام وحجة قائمة على أحقية هذه الدعوة، فمن أراد الحق ومعرفة أحقية هذه الدعوة تكفيه الوصية وادعائي أني المذكور فيها، وهناك أدلة كثيرة غيرها، كالعلم بدين الله وبحقائق الخلق، والانفراد براية البيعة لله، وأيضاً النص من الله مباشرة بالوحي لعباده بالرؤيا ( ) وغيرها من سبل شهادة الله عند خلقه لخلفائه في أرضه، فكما شهد للملائكة بخلافة آدم u بالوحي فقد شهد الله عند عدد كبير من الناس المتفرقين بحيث يمتنع تواطؤهم على الكذب بأنّ أحمد الحسن حق وخليفة من خلفاء الله في أرضه ( )، وقد قال تعالى: ﴿وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيداً﴾ [النساء: 79].
                    وقال تعالى: ﴿لَّـكِنِ اللّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلآئِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيداً﴾ [النساء: 166].
                    وأيضاً بالنسبة للمسلمين السنة فقد حثهم رسول الله على نصرة المهدي وأسماه (خليفة الله المهدي) كما في الروايات الصحيحة في كتب السنة ( )، وقد جئتهم واسمي يواطئ اسم رسول الله (أحمد)، واسم أبي يواطئ اسم أب رسول الله (إسماعيل) كما نصّت الروايات ( ) والرسول (ص) قال: (أنا ابن الذبيحين عبد الله وإسماعيل) ( )، وقد جئتكم بالنص التشخيصي الموصوف بأنه عاصم من الضلال لمن تمسك به، وجئت بالعلم، والانفراد براية البيعة لله.
                    فاتقوا الله يا أمة محمد وأذعنوا للحق واتبعوا خليفة الله المهدي الذي دعاكم رسول الله لنصرته ولو زحفاً على الثلج، وآمنوا بوصية نبيكم الوحيدة لتنجوا في الدنيا والآخرة.
                    Last edited by ya fatema; 07-08-2013, 17:10.

                    Comment

                    • ya fatema
                      مدير متابعة وتنشيط
                      • 24-04-2010
                      • 1738

                      #11
                      رد: ادلة الدعوة : كتاب جامع الأدلة ـــ دكتور عبد الرزاق الديراوي

                      حصة مراجعة لما سبق ــ اسئلة واجوبة ــ للاستماع والتحميل اضغط هنا

                      عن أمير المؤمنين ويعسوب الدين وقائد الغر المحجلين الإمام علي بن أبي طالب وصي رسول الله محمد صلوات الله عليهما
                      : ( إلهي كفى بي عزاً أن اكون لك عبداً وكفى بي فخراً أن تكون لي رباً أنت كما أحب فاجعلني كما تحب )

                      Comment

                      • ya fatema
                        مدير متابعة وتنشيط
                        • 24-04-2010
                        • 1738

                        #12
                        رد: ادلة الدعوة : كتاب جامع الأدلة ـــ دكتور عبد الرزاق الديراوي

                        بسم الله الرحمن الرحيم
                        اللهم صل على محمد وآل محمد الائمة والمهديين وسلم تسليما
                        الدرس العاشر
                        تشخيص مصداق مهدي آخر الزمان
                        ــ قانون معرفة الحجة ــ
                        التسجيل الصوتي للمحاضرة ــ للاستماع والتحميل اضغط هنا

                        بعد ان تقدم في الدروس السابقة الاطار المفهومي الذي تم من خلاله اثبات وجود مهدي في آخر الزمان من خلال الروايات الواردة عن آل محمد صلوات الله عليهم . الآن لا بد من ابراز المصداق خاصة وان الدعوة اليمانية تقوم على هذا الاساس ــ على اساس تقديم المصداق وهو الامام احمد الحسن ع ــ
                        قبل كل شئ يجب علينا معرفة القانون الذي من خلاله نستطيع تشخيص المصداق , اي انه لا بد من توفير اداة التشخيص حتى نتعرف على المصداق .
                        عرفنا من الدروس السابقة انه يوجد مهدي في آخر الزمان (الذي هو نفسه اليماني كما ثبت) وانه سيباشر دعوة . ومن المؤكد ان هذه الدعوة التي يباشرها سيكون عنوانها الاساسي هو طرح الدليل الذي يشخص المصداق لحجة الله في ارضه الذي هو مهدي آخر الزمان.
                        بالنسبة للدليل , هل بإمكان كل واحد منا ان يقترح دليلا كما يرتئيه هو والملائم بالنسبة له باعتبار ان كل واحد ينطلق من خلفيته وحصيلة ادراكاته , وهل سيكون دليله محكما ؟ وهل القضية متعلقة بشخص واحد ام بالبشرية جمعاء ؟
                        شروط قانون معرفة الحجة :
                        ـ لا بد ان يكون متفقا عليه من قبل الجميع وان لا نلجأ الى قوانين مقترحة ومبتكرة باعتبار ان حجة الله ليس مبعوث الى شخص او شخصين وإنما لكل البشرية وبالتالي يجب ان يلاحظ بالقانون امكانية التحقق منه من قبل الجميع .
                        ـ لا بد ان لا يختلف ولا يتخلف , بحيث يكون متوفرا على طول الخط مع كل حجج الله وليس مع بعضهم دون البعض الآخر . اما القانون المقترح من الناس فمن المؤكد انه لا ينطبق على كل الحجج الالهيين وطالما انه تخلف في مصداق ما فقد ايضا يتخلف في مصداق لاحق وبالتالي لا يمكن الركون اليه ولا الاعتماد عليه في تشخيص المصداق بينما العلامة التي لا تقبل التخلف على الاطلاق ولا بد توفرها في كل حجة من حجج الله هي التي يمكن الاعتماد عليها.
                        ـ الدليل لا بد ان يكون حاضرا دائما وجاهزا ( فالذين يطلبون معجزة مثلا فقد ثبت بالقرآن الكريم ان الله سبحانه وتعالى يخاطب نبيه يقول : "وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ" وهذا لوحده كاف لان نعرف ان المعجزة ليست من فقرات قانون معرفة الحجة لأنها ممكنة التخلف)
                        خلاصة : اسلم طريقة وبرهان هو الاعتماد على كلام المعصومين ع وعلى القانون الذين بينوه (ع) باعتبار انه يمثل كلمة سواء بين الجميع . فالقانون على مستوى العقول والنصوص الالهية هو قانون معترف به ومبرهن عليه .
                        اذن هذا الدليل الذي يجب الالتزام به لا بد وان يكون مصدره المعصومين , وهذا الدليل هو واضح في روايات كثيرة
                        1- سُأل أبو عبد الله عليه السلام بأي شيء يُعرف الإمام قال: ( بالوصية الظاهرة وبالفضل، إن الإمام لا يستطيع أحد أن يطعن عليه في فم ولا بطن ولا فرج فيقال: كذاب ويأكل أموال الناس وما أشبه هذا ).
                        2- عن أحمد بن أبي نصر ، قال : ( قلت لأبي الحسن الرضا (ع): إذا مات الإمام بم يُعرف الذي بعده؟ فقال: للإمام علامات منها: أن يكون أكبر ولد أبيه، ويكون فيه الفضل والوصية ... ) .
                        ملاحظة : بعض العلامات الواردة لا تدخل ضمن قانون معرفة الحجة , لكون بعض الروايات مثلا ناظرة لحالة معينة ومخصوصة وبالتالي لا تصلح ان تكون قانون عام . فالقانون هو الذي لا تخلو منه رواية من الروايات ولا يشذ عنه احد المصاديق المعروفة لحجج الله ـ اي الحجج الذين قام الدليل على حجيتهم ــ .
                        اكبر ولد ابيه : لا تنطبق هذه العلامة على كل الحجج المعروفين , فنفهم انها ليست جزءا من القانون العام .
                        عن الزهري قال: ( دخلت على علي بن الحسين عليه السلام في المرض الذي توفي فيه...ثم دخل عليه محمد ابنه فحدثه طويلا بالسر فسمعته يقول فيما يقول: عليك بحسن الخلق قلت: يا ابن رسول الله إن كان من أمر الله ما لا بد لنا منه - ووقع في نفسي أنه قد نعى نفسه - فإلى من يختلف بعدك ؟ قال: يا أبا عبد الله إلى ابني هذا - وأشار إلى محمد ابنه - إنه وصيي ووارثي وعيبة علمي، معدن العلم، وباقر العلم، قلت: يا ابن رسول الله ما معنى باقر العلم ؟ قال: سوف يختلف إليه خلاص شيعتي، ويبقر العلم عليهم بقرا، قال: ثم أرسل محمدا ابنه في حاجة له إلى السوق، فلما جاء محمد قلت: يا ابن رسول الله هلا أوصيت إلى أكبر أولادك ؟ قال: يا أبا عبد الله ليست الامامة بالصغر والكبر، هكذا عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وآله وهكذا وجدناه مكتوبا في اللوح والصحيفة، قلت: يا ابن رسول الله فكم عهد إليكم نبيكم أن يكون الاوصياء من بعده ؟ قال: وجدنا في الصحيفة واللوح اثنا عشر أسامي مكتوبة بإمامتهم وأسامي آبائهم وامهاتهم ثم قال: يخرج من صلب محمد ابني سبعة من الاوصياء فيهم المهدي صلوات الله عليهم )
                        فهذه الرواية استثنت العلامة الموجودة في الرواية السابقة , وبالتالي ليس كل ما موجود في الروايات هو بالضرورة جزءمن القانون العام .
                        * يجب ملاحظة الحجج الموجودين بالخارج ومدى انطباق العلامات المذكورة عليهم جميعهم : فمن خلال الحجج السابقين نستطيع ان نميز اي العلامات تصلح لان تكون قانونا عاما
                        * يجب ملاحظة الروايات : فهناك روايات تخصص اخرى او تخرج علامة مذكورة في رواية اخرى مثلا .
                        3- عن عبدالأعلى قال : قلت لأبي عبدالله (ع) : ( المتوثب على هذا الأمر المدعي له ، ما الحجة عليه ؟ قال :يُسأل عن الحلال والحرام ، قال : ثم أقبل عليَّ فقال : ثلاثة من الحجة لم تجتمع في أحد إلا كان صاحب هذا الأمر : أن يكون أولى الناس بمن كان قبله ، ويكون عنده السلاح ، ويكون صاحب الوصية الظاهرة...).
                        4- عن أحمد بن عمر عن الرضا (ع) قال : ( سألته عن الدلالة على صاحب الأمر، فقال: الدلالة عليه: الكبَر والفضل والوصية ... ) .
                        5- عن أبي بصير قال : قلت لأبي الحسن (ع) : ( جُعلت فداك بم يُعرف الإمام ؟ قال : فقال : بخصال ؛ أما أولها فإنه بشيء قد تقدم من أبيه فيه بإشارة إليه لتكون عليهم حجة ... ) .
                        6- عن الحارث بن المغيرة النضري ، قال : ( قلنا لأبي عبدالله (ع) : بما يعرف صاحب هذا الأمر؟ قال: بالسكينة والوقار والعلم والوصية ) .
                        7- عن الصادق ( ع ) : (... إن الله لا يجعل حجة في أرضه يُسأل عن شيء فيقول لا أدري ) .
                        8- عن هشام بن الحكم عن أبي عبدالله (ع) أنه قال للزنديق الذي سأله : من أين أثبتَّ الأنبياء والرسل ؟ قال : ( إنّا لما أثبتنا أن لنا خالقاً صانعاً متعالياً ... الى قوله (ع) : لكيلا تخلو أرض الله من حجة يكون معه علم يدل على صدق مقالته وجواز عدالته ).
                        9- عن أبي الجارود، قال : ( قلت لأبي جعفر (ع) : إذا مضى الإمام القائم من أهل البيت، فبأي شيء يعرف من يجئ بعده؟ قال: بالهدى والإطراق، وإقرار آل محمد له بالفضل، ولا يُسأل عن شيء بين صدفيها إلا أجاب ) .
                        10- عن الحارث بن المغيرة النصري، قال: ( قلت لأبي عبدالله (ع) : بأي شيء يُعرف الإمام ؟ قال : بالسكينة والوقار . قلت : وبأي شيء ؟ قال : وتعرفه بالحلال والحرام، وبحاجة الناس إليه ، ولا يحتاج إلى أحد، ويكون عنده سلاح رسول الله . قلت : أ يكون وصياً ابن وصي ؟ قال : لا يكون إلا وصياً وابن وصي ) .
                        11- عن أبي بصير ، قال : ( قلت لأحدهما – لأبي جعفر أو لأبي عبدالله – أ يكون أن يفضي هذا الأمر إلى من لم يبلغ؟ قال: سيكون ذلك. قلت: فما يصنع؟ قال: يورثه علماً وكتباً ولا يكله إلى نفسه) .
                        12- قول الإمام الصادق (ع) لأبي حنيفة : ( يا أبا حنيفة تعرف كتاب الله حق معرفته، وتعرف الناسخ والمنسوخ ؟ قال : نعم . قال : يا أبا حنيفة لقد ادعيت علماً، ويلك ما جعل الله ذلك إلا عند أهل الكتاب الذين أنزل عليهم، ويلك ولا هو إلا عند الخاص من ذرية نبينا (ص) ، ما ورثك الله من كتابه حرفا ً)
                        أقول : يقول تعالى : ( وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم ) ، وهؤلاء هم آل محمد (ع) وهم من ورث الكتاب ، وليس لغيرهم من وراثته شيء .
                        13- ورد إن القائم (ع) يحتج على الناس بالقرآن ، أي العلم ففي خطبته بين الركن والمقام ، يقول (ع) : (... ألا ومن حاجني في كتاب الله، فأنا أولى الناس بكتاب الله).
                        14- عن هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ فِي حَدِيثِ بُرَيْهٍ أَنَّهُ لَمَّا جَاءَ مَعَهُ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) ... إلى قوله : ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَجْعَلُ حُجَّةً فِي أَرْضِهِ يُسْأَلُ عَنْ شَئ فَيَقُولُ لَا أَدْرِي﴾.
                        15- وعن صالح بن أبي حماد ، عن الحسن بن علي الوشاء ، قال : ( كنت كتبت معي مسائل كثيرة قبل أن أقطع على أبي الحسن ( عليه السلام ) ، وجمعتها في كتاب مما روي عن آبائه (ع) وغير ذلك ، وأحببت أن أتثبت في أمره وأختبره ، فحملت الكتاب في كمي وصرت إلى منزله وأردت أن آخذ منه خلوة ، فأناوله الكتاب ، فجلست ناحية وأنا متفكر في طلب الإذن عليه ، وبالباب جماعة جلوس يتحدثون ، فبينا أنا كذلك في الفكرة والاحتيال في الدخول عليه ، إذ أنا بغلام قد خرج من الدار وفي يده كتاب ، فنادى : أيكم الحسن بن علي الوشاء ابن بنت إلياس البغدادي ؟ فقمت إليه : وقلت : أنا الحسن بن علي الوشاء ، فما حاجتك ؟ قال : هذا الكتاب أمرت بدفعه إليك فهاك خذه ، فأخذته وتنحيت ناحية فقرأته ، فإذا والله فيه جواب مسألة مسألة ، فعند ذلك قطعت عليه ، وتركت الوقف ).
                        16- وورد عن الإمام الصادق (ع) : ( إن ادعى مدع فاسألوه عن العظائم التي يجيب فيها مثله )

                        العلامات التي دائما تتكرر بالروايات ويمكن اقامة البرهان عليها من العقل والقرآن الكريم هي فقرات القانون التي حددها الامام ع والتي تركز عليها الروايات بشكل واضح بالإضافة إلى توافق الرسالات والكتب السماوية عليها.
                        وهذا القانون منطبق على الامام احمد الحسن ع وهو مستوفي لكل شروطه ولا يسع احدا ان يرفض هذا المصداق الا اذا كان يريد ان يعاند . فطالما ثبت لنا ان هذا هو القانون وبه يعرف حجة الله اذن يثبت لدينا بالضرورة انه من ينطبق عليه هذا القانون لا بد ان يكون حجة من حجج الله
                        وهو بكل بساطة: (الوصية أو النص، والعلم والحكمة، وراية البيعة لله أو حاكمية الله)

                        اين نجد الفقرة الثالثة من القانون في الروايات ؟
                        الجواب : في الروايات نجد : ( المتوثب على هذا الأمر المدعي له ، ما الحجة عليه ؟ ) ( اذا ادعاها مدع ) ..الخ
                        فالمدعي لهذا الامر او المدعي هو شخص يقول انه حجة الله لأنه يعتقد ان حجة الله يكون منصبا من الله فهو يدعو الى حجة الله في زمانه وهو نفسه لأنه المصداق الفعلي وبالتالي فهو يدعو الى حاكمية الله.
                        عن أمير المؤمنين ويعسوب الدين وقائد الغر المحجلين الإمام علي بن أبي طالب وصي رسول الله محمد صلوات الله عليهما
                        : ( إلهي كفى بي عزاً أن اكون لك عبداً وكفى بي فخراً أن تكون لي رباً أنت كما أحب فاجعلني كما تحب )

                        Comment

                        • ya fatema
                          مدير متابعة وتنشيط
                          • 24-04-2010
                          • 1738

                          #13
                          رد: ادلة الدعوة : كتاب جامع الأدلة ـــ دكتور عبد الرزاق الديراوي

                          بسم الله الرحمن الرحيم
                          اللهم صل على محمد وآل محمد الائمة والمهديين وسلم تسليما
                          الدرس الحادي عشر
                          تشخيص مصداق مهدي آخر الزمان
                          ــ قانون معرفة الحجة ــ
                          التسجيل الصوتي للمحاضرة ــ للاستماع والتحميل اضغط هنا

                          موافقة قانون معرفة الحجة للقرآن الكريم :

                          الآيات القرآنية التي نستدل بها على قانون معرفة الحجة :
                          في القرآن الكريم توضيح للعناصر الثلاثة التي يعرف من خلالها حجة الله (الوصية أو النص، والعلم والحكمة، وراية البيعة لله أو حاكمية الله)

                          النص :
                          قال تعالى : ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاَء إِنْ كُنتُمْ صَادِقِين﴾ .
                          نستفيد من هذه الآية ان هنالك جعل أي تنصيب من الله لخليفة له في الارض وهذا التنصيب الإلهي سيتخذ بعد آدم (ع) صورة الوصية التي ينص من خلالها الحجة السابق على من يليه، فالوصية نص إلهي يذيعه الحجة بين الناس ليعلموا من نصبه الله تعالى عليهم.

                          اشكال : قد يشكل البعض ويقول ان لفظ "خليفة" هنا ليس المراد منه الممثل لله عز وجل في الارض وإنما المعنى هو ان هناك قوما يخلفون من سبقوهم وتوجد في القرآن آيات تدل على هذا المعنى .
                          رد الاشكال : صحيح انه في القرآن ورد المعنى الذي ذهبوا اليه لكن ليس اين ما ورد لفظ "خليفة" يجب حملها على هذا المعنى وهو ان هنالك قوما يخلفون قوما سبقوهم . خاطب الله سبحانه وتعالى نبيه داوود ع وقال : ( يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ ) . فلو كان جميع الناس خلفاء ما الداعي لان يخص الله داوود (ع) بخطابه ثم ان الآية تشير الى الحكم .
                          اذن قد تأتي بمعنى قوم يخلفون قوما آخرين وقد تأتي بمعنى ان يكون انسان يمثل الله في الارض .
                          قول الله عز وجل ( اني جاعل ) : ان حرف مشبه بالفعل نصب الياء اسما له ورفع جاعل خبرا له و جاعل اسم فاعل , اسم الفاعل اذا وقع خبرا يدل على الاستمرار. أي ان حالة الجعل هنا مستمرة , وهذه الاستمرارية تشير الى كون القضية غير متعلقة بخلافة قوم لمن سبقوهم .
                          فنستخلص من سياق الآية ان المراد ليس قوم يخلفون قوما آخرين بل المراد هو المعنى الاخر .
                          ايضا اعتراض الملائكة يؤكد المعنى الاول وينفي المعنى الذي ذهبوا اليه : (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ)
                          الملائكة يريدون ان يكونوا بدلا لمن وان يحلوا محل من ؟ هل لقوم موجودين في الارض ؟ وهل عالم الارض افضل من عالم الملكوت الذي يتواجدون فيه ؟
                          يستدل من موقف الملائكة انهم يريدون ان تكون الخلافة لهم وان يحل واحد منهم محل الذي تم اختياره . بالاضافة الى ان عالمهم لا يقاس بعالم المادة وهو قطعا عالم ارقى من عالم الارض. وايضا هم موجودين سلفا فلا معنى لطلبهم بان يكونوا خلفا لقوم آخرين !

                          العلم :
                          وبعد أن اعترض الملائكة على هذا التنصيب أعلمهم الله تعالى بأنه قد زود خليفته بالسلاح اللازم لإنجاز مهمة الخلافة وهو العلم :
                          ( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ * وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ )
                          فالمهمة الموكلة الى هذا الخليفة الذي نصبه الله لا يمكن انجازها على وجه اكمل إلا بالعلم .
                          قد يقال ان العلم الذي زود به هو بهدف تلافي النتيجة التي وصل لها القوم السابقون وعدم الوقوع في نفس اخطائهم ( الافساد في الارض وسفك الدماء ) فنقول لهم ان سفك الدماء باقي والإفساد في الارض ايضا باقي ــ وبما ان نتيجة القضية التي قدموها باطلة فمدقدمها ايضا باطل ــ فيتضح لنا ان هذا العلم ليس لكل بني آدم بل هو معطى لأشخاص معينين دون غيرهم .
                          اذن " خليفة " هنا يراد منه المعنى الآخر حتما وهو : الممثل لله عز وجل المزود بالعلم الذي يستطيع به تدبير امور خلق الله .

                          راية البيعة لله أو حاكمية الله :
                          ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ * فَسَجَدَ الْمَلآئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ
                          السجود هنا لا يراد منه سجود العبادة بل المراد منه سجود الطاعة.
                          وطالما هناك مطاع فلا بد من وجود من يطيعه وبالتالي اصبح لدينا تقييد وإخراج المعنى من شموله للجميع الى ان يكون مقتصرا على البعض , وأكيد ان المعنى المراد هنا ليس قوم يخلفون آخرين وإنما المراد هو ممثل لله عز وجل في ارضه لا بد وان يكون منصوصا عليه ولا بد ان تكون لديه علم كاف لانجاز مهمته الخاصة الموكلة اليه ولا بد ان يكون مأمورا بطاعته والانصياع لأوامره لان من خلال طاعة الناس له يستطيع ان يحقق ما يريده الله عز وجل .
                          إذن , المسألة محسومة لكل عاقل يطلب الحق , وهي لا تتعدى القانون الثابت بالقرآن والروايات ( على عكس بعض العلامات التي ذكرت في الروايات لكنها غير مستغرقة لجميع حجج الله كما رأينا في الدرس السابق )

                          موافقة القانون للعقل والحكمة :

                          لو أنّ صاحب مصنع او سفينة أو أي شيء فيه عمال يعملون له فيه, أراد أن يوكل عليه من يديره :
                          ـ فأكيد أنه سيختار شخصاً وينص عليه , وإلا لو ترك امر الاختيار لهم فمن المحتمل حصول الاختلاف بينهم فتصير الامور فوضى , اذن الحكمة تقتضي تعيين شخص بعينه من قبل المالك وبالتالي ينتفي وقوع المحذور تماما . ( النص )
                          ـ على أنّ من يختاره يكون الأعلم بما يصلح أمره وإلا فلو اختار غيره لوصف فعله بالسفه , فالحكمة تقتضي ان يكون المختار اعلم من غيره باعتبار ان اختيار غير الاعلم سيكون من آثاره حدوث فوضى من خلال الاخطاء المتوقع حصولها من قبل غير الاعلم. ( العلم )
                          ـ ثم بعد اختياره يأمر جميع العمال بطاعته والأخذ منه لسد باب الاجتهاد وتلافي الوقوع في المحذور . ( راية البيعة لله أو حاكمية الله )
                          والله سبحانه وتعالى اجل واعلى من ان يباشر الحكم في هذا الملك الدنيوي فلا بد ان يجعل ممثلا له في الارض يحقق ارادته .
                          قد يقال ان هذا المثال عبارة عن قياس بين الخالق والمخلوق , نقول لهم ان هذا مثال في الحكمة بمعنى انه ما لا يجوز على المخلوق من مجانبة الحكمة ( وهو نقص كما لا يخفى ) فقطعا لا يجوز على الخالق وهو الحكيم المطلق سبحانه .
                          عن أمير المؤمنين ويعسوب الدين وقائد الغر المحجلين الإمام علي بن أبي طالب وصي رسول الله محمد صلوات الله عليهما
                          : ( إلهي كفى بي عزاً أن اكون لك عبداً وكفى بي فخراً أن تكون لي رباً أنت كما أحب فاجعلني كما تحب )

                          Comment

                          • ya fatema
                            مدير متابعة وتنشيط
                            • 24-04-2010
                            • 1738

                            #14
                            رد: ادلة الدعوة : كتاب جامع الأدلة ـــ دكتور عبد الرزاق الديراوي

                            بسم الله الرحمن الرحيم
                            اللهم صل على محمد وآل محمد الائمة والمهديين وسلم تسليما
                            الدرس الثاني عشر
                            تشخيص مصداق مهدي آخر الزمان
                            ــ تطبيق قانون معرفة الحجة ــ
                            التسجيل الصوتي للمحاضرة ــ للاستماع والتحميل اضغط هنا

                            وصية رسول الله محمد (ص) التي املاها ليلة وفاته هي الدليل الذي قدمه الامام احمد الحسن (ع) لإثبات صدق دعواه. والآن سنرى كيف نثبت انه (ع) هو المصداق الفعلي وانه هو احمد المذكور في الوصية المقدسة .
                            وطبعا طريقنا للإثبات هو الفكرة التي تقول بان اول شخص يدعي انه صاحب الوصية وانه المذكور فيها فهو صاحبها ولا يمكن ان يكون مدعي كاذب .

                            الوصية :
                            لنقرأ معاً وصية رسول الله في ليلة وفاته :
                            1- عن الباقر (ع) عن أبيه ذي الثفنات سيد العابدين عن أبيه الحسين الزكي الشهيد عن أبيه أمير المؤمنين (عليهم سلام الله) قال : (قال رسول الله (ص) في الليلة التي كانت فيها وفاته لعلي (ع) : يا أبا الحسن أحضر صحيفة ودواة، فأملا رسول الله وصيته حتى انتهى الى هذا الموضع فقال : يا علي إنه سيكون بعدي إثنا عشر إماماً، ومن بعدهم إثنا عشر مهدياً ، فأنت ياعلي أول الإثني عشر إماماً سماك الله تعالى في سمائه علياً المرتضى وأمير المؤمنين والصدّيق الأكبر والفاروق الأعظم والمأمون والمهدي ، فلا تصح هذه الأسماء لأحد غيرك. يا علي أنت وصيّ على أهل بيتي حيهم وميتهم ، وعلى نسائي فمن ثبّتها لقيتني غداً، ومن طلقتها فأنا برئ منها لم ترني ولم أرها في عرصة القيامة ، وأنت خليفتي على أمتي من بعدي، فإذا حضرتك الوفاة فسلّمها الى ابني الحسن البر الوصول، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها الى إبني الحسين الشهيد الزكي المقتول ، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها الى ابنه سيد العابدين ذي الثفنات علي ، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها الى ابنه محمد الباقر ، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها الى ابنه جعفر الصادق ، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها الى ابنه موسى الكاظم ، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها الى ابنه علي الرضا ، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها الى ابنه محمد الثقة التقي ، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها الى ابنه علي الناصح ، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها الى ابنه الحسن الفاضل ، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها الى ابنه م ح م د المستحفظ من آل محمد ، فذلك إثنا عشر إماماً . ثم يكون من بعده اثنا عشر مهدياً ، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها الى ابنه أول المقربين، له ثلاثة أسامي , اسم كاسمي واسم أبي وهو عبدالله وأحمد ، والإسم الثالث المهدي ، وهو أول المؤمنين).

                            والوصية كتاب كتبه رسول الله (ص) في آخر لحظات حياته امتثالاً لقوله تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾ [البقرة: 180]، ووصفه بأنه عاصم من الضلال لمن تمسك به أبداً، وأُؤكد في آخر لحظات حياته؛ لأنه نبي يوحى له فما يقوله في آخر لحظات حياته هو خلاصة رسالته وما يحفظ الدين بعده.

                            الدليل العقلي
                            ـ رسول الله (ص) وصف هذا الكتاب الذي هو الوصية بأنه عاصم لمن تمسك به من الضلال وبالنتيجة من المحال ان يدعيه مبطل .
                            ـ ورسول الله ص ينطق عن الله , اذن طالما الله سبحانه وتعالى وصف هذا الكتاب انه عاصم من الضلال فلا يمكن ان يدعيه ويأتي محتجا به غير صاحبه
                            ـ ومن يقول إنّ ادعاءه من المبطلين ممكن فهو :
                            يتهم الله سبحانه بالعجز عن حفظ كتاب وصفه بأنه عاصم من الضلال لمن تمسك به،
                            أو يتهم الله بالكذب لأنه وصف الكتاب بأنه عاصم من الضلال أبداً، ومن ثم لم يكن كذلك !!
                            أو يتهم الله بالجهل لأنه وصفه بوصف لا ينطبق عليه جاهلاً بحاله،
                            أو يتهم الله بأنه اراد ان يغرينا بالباطل لأنه وصف الكتاب بأنه عاصم من الضلال حتى نتمسك به ونتبع من يأتي به ومن ثم ندخل بالباطل لان الكتاب لا يضمن العصمة من الضلال . وحاشاه سبحانه من هذه الأوصاف وتعالى الله عما يقول الجاهلون علواً كبيراً.
                            فلابد أن يحفظ العالم القادر الصادق الحكيم المطلق سبحانه النص - الذي وصفه بأنه عاصم من الضلال لمن تمسك به - من ادعاء المبطلين له حتى يدعيه صاحبه ويتحقق الغرض منه، وإلا لكان جاهلاً أو عاجزاً أو كاذباً مخادعاً ومغرياً للمتمسكين بقوله باتباع الباطل. ومحال أن يكون الله سبحانه جاهلاً أو عاجزاً؛ لأنه عالم وقادر مطلق، ويستحيل أن يصدر من الحق سبحانه وتعالى الكذب؛ لأنه صادق وحكيم، ولا يمكن وصفه بالكذب، وإلا لما أمكن الركون إلى قوله في شيء ولانتقض الدين.
                            فبما ان هذه الامور ممتنعة عن ساحته سبحانه اذن ثبت المطلوب وهو كون الكتاب عاصم من الضلال لمن تمسك به .
                            ونص خليفة الله في أرضه على من بعده مع وصفه بأنه عاصم من الضلال لمن تمسك به - نصاً إلهياً- لابد أن يكون محفوظاً من الله أن يدعيه الكاذبون المبطلون حتى يدعيه صاحبه وإلا فسيكون كذباً وإغراءً للمكلفين باتباع الباطل، وهذا أمر لا يصدر من العالم الصادق القادر الحكيم المطلق سبحانه.

                            النص القرآني :
                            تكفّل الله في القرآن بحفظ النص الإلهي من أن يدعيه أهل الباطل، فأهل الباطل مصروفون عن ادعائه، فالأمر ممتنع كما قال تعالى: ﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ﴾ [الحاقة: 44 - 46].
                            لو : هي أداة شرْط غير جازمة، وهي حرف امتناع لامتناع، ومعنى هذا أنه امتنع الجواب لامتناع الشرط
                            امثلة :
                            لو جئتني لأكرمتك، فأنا لم أُكْرِمك لأنَّ لم تَجِئني ! امتَنَع إكرامي لك لامتناع مجيئك،
                            قال تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ
                            ــ لماذا لم نفْتَح عليهم بركات من السماء والأرض ؟ لأنَّهم لم يؤمنوا ولم يتَّقوا
                            اذن في قوله تعالى : ﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ
                            ــ لماذا لم نأخذ منه باليمين ولم نقطع منه الوتين ؟ لأنه لم يتقول علينا

                            التقول المقصود من الآية هو المتعلق بالنص الالهي الذي يشخص حجة الله :
                            مطلق التقوّل على الله موجود دائماً ولم يحصل أن منعه الله، وليس ضرورياً أن يُهلك الله المتقولين مباشرة، بل أنه سبحانه أمهلهم حتى حين، وهذا يعرفه كل من تتبع الدعوات الظاهرة البطلان كدعوة مسيلمة، فأكيد ليس المراد في الآية مطلق التقول على الله، بل المراد التقول على الله بادعاء القول الإلهي الذي تقام به الحجة، عندها يتحتم أن يتدخل الله ليدافع عن القول الإلهي الذي تقام به الحجة، وهو النص الإلهي الذي يوصله خليفة الله لتشخيص من بعده والموصوف بأنه عاصم من الضلال؛ حيث إنّ عدم تدخله سبحانه مخالف للحكمة، ومثال هذا القول أو النص: وصية عيسى (ع) بالرسول محمد (ص)، ووصية الرسول محمد (ص) بالأئمة والمهديين (ع).
                            فالآية في بيان أنّ هذا التقول ممتنع، وبالتالي فالنص محفوظ لصاحبه ولا يدعيه غيره.
                            بالاضافة الى إنّ الآية تطابق الاستدلال العقلي السابق وهو أنّ الادعاء ممتنع وليس ممكناً، فإن قوله تعالى: ﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ﴾، معناه أنّ الهلاك ممتنع لامتناع التقول أي أنه لو كان متقولاً لهلك.

                            النص الروائي
                            توجد روايات تُبيِّن أنّ الآية في النص الإلهي على خلفاء الله بالخصوص، فهو نص إلهي لابد أن يحفظه الله حتى يصل إلى صاحبه، فهو نص إلهي محفوظ من أي تدخل يؤثر عليه سواء كان هذا التدخل في مرحلة نقله إلى الخليفة الذي سيوصله، أم في مرحلة - أو مراحل - وصوله إلى الخليفة الذي سيدعيه .
                            وهناك روايات بيَّنت هذه الحقيقة، وهي أنّ التقول في هذه الآية هو بخصوص النص الإلهي: عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ (ع) قَالَ: (سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: "يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ"، قَالَ: يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا وَلَايَةَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (ع) بِأَفْوَاهِهِمْ. قُلْتُ: "وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ"، قَالَ: وَاللَّهُ مُتِمُّ الْإِمَامَةِ ...................... قُلْتُ: قَوْلُهُ: "إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ"، قَالَ: يَعْنِي جَبْرَئِيلَ عَنِ اللَّهِ فِي وَلَايَةِ عَلِيٍّ (ع). قَالَ: قُلْتُ: "وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ"، قَالَ: قَالُوا إِنَّ مُحَمَّداً كَذَّابٌ عَلَى رَبِّهِ وَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهَذَا فِي عَلِيٍّ فَأَنْزَلَ اللَّهُ بِذَلِكَ قُرْآناً، فَقَالَ: إِنَّ وَلَايَةَ عَلِيٍّ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ. وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا مُحَمَّدٌ بَعْضَ الْأَقاوِيلِ. لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ. ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ) [الكافي: ج1 ص434].
                            كما أنّ الإمام الصادق (ع) يقول: (إنّ هذا الأمر لا يدعيه غير صاحبه إلا تبر الله عمره) [الكافي - للكليني: ج1 ص372].
                            فالمبطل مصروف عن ادعاء الوصية الإلهية الموصوفة بأنها تعصم من تمسك بها من الضلال، أو أنّ ادعاءه لها مقرون بهلاكه قبل أن يظهر هذا الادعاء للناس، حيث إنّ إمهاله مع ادعائه الوصية يترتب عليه إما جهل وإما عجز أو كذب من وعد المتمسكين به بعدم الضلال، وهذه أمور محالة بالنسبة للحق المطلق سبحانه، ولهذا قال تعالى: ﴿لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ﴾. وقال الصادق (ع): (تبر الله عمره).

                            اشكال : قد يقال بان العاصم من الضلال لمن تمسك به ليس هو نفس الكتاب بل الاسماء التي ورد ذكرها في الكتاب .

                            فما هو العاصم من الضلال في قول رسول الله (ص) عندما طلب ان يقربوا له دواة وكتف ليكتب لهم كتابا ( ائتوني اكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً ): هل هو التمسك بنفس الكتاب ( الرواية ) ام بالأسماء الواردة في الكتاب ( بمعنى ان اتباع الائمة المعصومين الذين وردت اسماءهم في الكتاب هو الذي يعصم من الضلال ) ؟
                            الجواب : القول بان التمسك بالأسماء الواردة في الكتاب هو العاصم من الضلال فيه :
                            ـ تأويل بخلاف الظاهر من النص الذي يقول بان نفس الكتاب عاصم من الضلال لمن تمسك به
                            . سيؤدي الى الدور اذ اننا كيف سنعرف مصاديق هؤلاء الاسماء أي اننا بحاجة الى منهج آخر اضافي يعصمنا من الخطأ في تحديد المصاديق .
                            عن أمير المؤمنين ويعسوب الدين وقائد الغر المحجلين الإمام علي بن أبي طالب وصي رسول الله محمد صلوات الله عليهما
                            : ( إلهي كفى بي عزاً أن اكون لك عبداً وكفى بي فخراً أن تكون لي رباً أنت كما أحب فاجعلني كما تحب )

                            Comment

                            • ya fatema
                              مدير متابعة وتنشيط
                              • 24-04-2010
                              • 1738

                              #15
                              رد: ادلة الدعوة : كتاب جامع الأدلة ـــ دكتور عبد الرزاق الديراوي

                              بسم الله الرحمن الرحيم
                              اللهم صل على محمد وآل محمد الائمة والمهديين وسلم تسليما
                              الدرس الثالث عشر
                              شبهات حول الوصية المقدسة
                              التسجيل الصوتي للمحاضرة 1 ــ للاستماع والتحميل اضغط هنا
                              التسجيل الصوتي للمحاضرة 2 ــ للاستماع والتحميل اضغط هنا

                              الشبهة الاولى :
                              ((سماك الله تعالى في سمائه علياً المرتضى وأمير المؤمنين والصدّيق الأكبر والفاروق الأعظم والمأمون والمهدي ، فلا تصح هذه الأسماء لأحد غيرك )).

                              الاشكال لابد ان يكون محكما يعني الان هم يشكلون بان هناك تناقض في الوصية فهنا تقول لا تصح هذه الاسماء – ومنها اسم المهدي – لاحد غير علي عليه السلام، وفي نهايتها تسمي احمد ابن الامام المهدي ع بالمهدي. هم عادة يدلسون فيقولون الوصية في البداية لا يصح اسم المهدي لاحد غير علي ع بينما الرواية تقول لا تصح هذه الاسماء. اقول الاشكال لابد ان يكون محكما بمعنى ان الدلالة التي يتمسك بها صاحب الاشكال لابد ان تكون مستحكمة بحيث لا تقبل العبارة غيرها . اما اذا قبلت غيرها ولو على سبيل التأويل، بل ولو كانت الدلالة الاخرى ضعيفة فان هذا يكفي لاسقاط الاشكال، لانه حتى لو كان الاحتمال ضعيف فهو يسقط استدلال الخصم لاننا نقول يمكن ان يكون المتكلم عناه ولا نستطيع تجاهل هذه الحقيقة والاعتقاد يحتاج الى اليقين والاطمئنان من النتيجة.. وقليل جدا من الدلالة المغايرة يكفي لزحزحة اليقين كما تعرفون.

                              نحن عادة نقول: الرواية تقول / سماك الله في سمائه، يعني الاسماء هذه في السماء وليس في الارض وهذا غير تام بظني.

                              لاننا ماذا نريد ان نقول؟ نريد ان نقول ان هذه الاسماء لا تصح لغير علي في الاسماء لانها هناك من مختصاته، اما في الارض فلا تختص به. ولكننا نعرف ان لقب امير المؤمنين من مختصات علي ع في الارض كذلك. بل اسم المهدي ع ايضا من اسماء علي في الارض ومثله الفاروق والمرتضى والصديق الاكبر.

                              بالنسبة لي افضل الحل التالي وهو انها لا تصح كلها اي جميعها لغير علي اما بعضها فيمكن ان تصح لغيره، والعبارة صريحة في هذا فهي قالت "لا تصح هذه الاسماء" ولم تقل "لا يصح بعضها". هنا قد يناقش الاخر قائلا: ان عبارة "لا تصح هذه الاسماء" نفت ان تصح الاسماء جميعها لغير علي، ونفي الجميع يُفهم منه نفي كل فرد فرد، اي ان المقصود هو نفي ان يصح اي من هذه الاسماء لاحد غيرك. اقول هذا ممكن، ولكن كونه ممكنا لا يعني انه المقصود، لانه ممكن ايضا ان يكون المقصود عدم صحة اطلاقها كلها على غير علي ع لان بعضها مختص به وحده مثل لقب امير المؤمنين، وان كان ممكنا اطلاق بعضها الاخر عليه، وهذا يكفي لاسقاط اشكالهم.

                              ويسقطه ايضا ان نقول ان المقصود هو لا تصح هذه الاسماء لغير علي بمعناها الاكمل، اي ان علي ع هو مصداقها الاكمل.

                              وهنا قد يقال: وهل يشمل هذا لقب امير المؤمنين فيكون منطبقا على غير علي ولكن بدرجة اقل؟ نقول: ان اختصاص لقب امير المؤمنين بعلي ع لا يمنع ان يشاركه غيره في الاسماء الاخرى، وبالتالي لا ينفي ما قلناه من كون علي المصداق الاعلى للاسماء الاخرى، ويكون هذا المعنى هو المراد. اي يكون الرسول ص في قوله "لا تصح هذه الاسماء" يقصد ان غير علي من الائمة يشترك معه في الاسماء الا ما خرج منها بدليل كلقب امير المؤمنين وايضا يكون انطباق الاسماء المشتركة على غيره بدرجة اقل من انطباقها عليه.

                              الشبهة الثانية:

                              (( فإذا حضرته الوفاة فليسلمها الى ابنه أول المقربين ، له ثلاثة أسامي , اسم كاسمي واسم أبي وهو عبدالله وأحمد ، والإسم الثالث المهدي ، وهو أول المؤمنين)).

                              يقولون: اذا حضرت الوفاة الامام يسلم لابنه وعليه يجب ان لا يكون للابن امامة فعلية وكاملة في زمن الاب او قبله.

                              طبعا احيانا نجيب بان الامام الان هو الامام المهدي ع وكأننا نقول ان السيد ع ليس له امامة فعلية وكاملة في هذا الزمن.

                              الجواب: الرواية قالت : عند موت الاب يستلم الابن الامامة ، ولم تقل ان الابن لا امامة له في حياة الاب. نعم اشكالهم يمكن ان يكون له وجه لو ان الرواية قالت: ان الابن لا امامة له في حياة الاب. وطالما لم تقل هذا فالامر ممكن، وكونه ممكن اي غير ممتنع يكفينا.

                              بل اننا لدينا دليل على انه ممكن.

                              الروايات هي:

                              روى الشيخ الصدوق: ((عن أحمد بن إسحاق ابن سعد، عن بكر بن محمد الأزدي، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: كان لي من رسول الله صلى الله عليه وآله عشر ما يسرني بالواحدة منهن ما طلعت عليه الشمس قال: أنت أخي في الدنيا والآخرة، وأنت أقرب الناس مني موقفا يوم القيامة، ومنزلك تجاه منزلي في الجنة كما يتواجه الاخوان في الله، وأنت صاحب لوائي في الدنيا والآخرة، وأنت وصيي ووارثي وخليفتي في الأهل والمال والمسلمين في كل غيبة، شفاعتك شفاعتي، ووليك وليي ووليي ولي الله، وعدوك عدوي وعدوي عدو الله))([1]).

                              وروى الشيخ الصدوق، قال: ((حدثنا أبي ، ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنهما قالا: حدثنا سعد بن عبد الله قال: حدثنا محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن الحكم بن - مسكين الثقفي، عن أبي الجارود وهشام أبي ساسان، وأبي طارق السراج، عن عامر بن واثلة قال: كنت في البيت يوم الشورى فسمعت عليا عليه السلام وهو يقول: استخلف الناس أبا بكر وأنا والله أحق بالامر وأولى به منه ... قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى الله عليه وآله: "أنت الخليفة في الأهل والولد والمسلمين في كل غيبة ...الخ))([2]).

                              وورد في كتاب مناقب أمير المؤمنين: (((حدثنا) محمد بن منصور، عن الحكم بن سليمان عن نصر بن مزاحم، عن أبي خالد الواسطي، عن زيد بن علي، عن أبيه عن جده: عن علي عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا علي أنت الخليفة في الأهل والمال وفي المسلمين في كل غيبة. يعني بذلك (في) حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم))([3]).

                              هذه الروايات تدل على ان اللاحق (وهو فيها علي ع) يمكن ان تكون له امامة فعلية كاملة في زمن السابق (وهو النبي ص) ، فالامر اذن ممكن وغير ممتنع ومن يقول بالامتناع عليه ان يأتي بالدليل. طبعا هم قد يشكلون بان هذه الروايات مختصة بعلي ع ولكن هذا الاشكال لا قيمة له لاننا نستدل بها على ان الامر عموما ممكن ولا نستدل بها على انه سيتحقق مع احمد وابيه عليهما السلام.

                              ــــــــــــ
                              [1] - الخصال - الشيخ الصدوق - ص 430
                              [2] - الخصال - الشيخ الصدوق - ص 553 – 558:
                              [3] - مناقب الإمام أمير المؤمنين (ع) - محمد بن سليمان الكوفي - ج 1 - ص 392 – 393.
                              عن أمير المؤمنين ويعسوب الدين وقائد الغر المحجلين الإمام علي بن أبي طالب وصي رسول الله محمد صلوات الله عليهما
                              : ( إلهي كفى بي عزاً أن اكون لك عبداً وكفى بي فخراً أن تكون لي رباً أنت كما أحب فاجعلني كما تحب )

                              Comment

                              Working...
                              X
                              😀
                              🥰
                              🤢
                              😎
                              😡
                              👍
                              👎