إعـــــــلان

Collapse
No announcement yet.

كتاب الأمام احمد الحسن ع النبوه الخاتمه*

Collapse
X
 
  • Filter
  • الوقت
  • Show
Clear All
new posts
  • almawood24
    يماني
    • 04-01-2010
    • 2174

    كتاب الأمام احمد الحسن ع النبوه الخاتمه*

    إصدارات أنصار الإمام المهدي  / العدد (53)



    النبـوة الخـاتمـة
    نبـوّة محمـد




    السيد
    أحمد الحسن
    وصي ورسول الإمام المهدي
    (مكن الله له في الأرض)






    الطبعة الثانية
    1431هـ - 2010 م











    لمعرفة المزيد حول موضوع اليماني يمكنكم الدخول إلى الموقع التالي:
    أنصار الإمام المهدي (ع) اتباع الإمام احمد الحسن اليماني (ع) - انصار الامام المهدي (ع)







    تقديـم
    الحمد لله مالك الملك مجري الفلك مسخر الرياح فالق الإصباح ديّان الدين ربّ العالمين، وصلى الله على محمد وآله الأئمة والمهديين وسلم تسليماً.
    خُتمت النبوّة بنبوّة الرسول محمد ، وأكمل الله تعالى الدين وأتم النعمة على المؤمنين، وقد اختلفت الأمّة في معنى (خاتم الأنبياء)، فمنهم من قرأها بفتح التاء (خاتَم)، ومنهم من قرأها بكسر التاء (خاتِم)، وأعطوا لكل قراءة معنىً يختلف عن صاحبه.
    وأيضاً تجد بعض الروايات تؤكد على أنّ لا نبوّة بعد نبوّة الرسول محمد ، وكل من يدّعي النبوّة بعده فهو كذّاب مفتر، بينما تجد بعض الروايات تنصّ على استمرار النبوّة بعد الرسول محمد ، وإنّ الحجة على الخلق بعد الرسول محمد لابد أن يكون له اتصال بالسماء، أي إنّه يُنبأ من الله تعالى، بل تجد بعض الروايات عن الرسول محمد تنصّ على أنّ مسألة الوحي ليست مقتصرة على أوصياء الرسول محمد فحسب ، بل تتعدّى إلى عامة الناس مثل الرؤيا الصادقة التي وصفها الرسول محمد بأنّها من أجزاء النبوّة .
    عن الرضا  قال: (حدثني أبي، عن جدّي، عن أبيه: أنّ رسول الله قال: … إنّ الرؤيا الصادقة جزء من سبعين جزءاً من النبوة) ( ).
    عن الرسول أنّه قال: (لا نبوّة بعدي إلاّ المبشّرات. قيل: يا رسول الله، وما المبشّرات ؟ قال: الرؤيا الصالحة) ( ).
    وهنا يجد طالب الحقيقة نفسه بين مسلكين، وكلاهما يخالف ما جاء عن الرسول محمد وعترته الطاهرة، فإن قال بختم النبوّة مطلقاً بالرسول محمد فقد خالف الروايات القائلة باستمرار النبوّة بعد الرسول محمد ، أو على الأقل بعض أجزاء النبوّة، وإن قال باستمرار النبوّة مطلقاً فقد خالف الروايات القائلة بختم النبوّة برسالة أشرف خلق الله أجمعين محمد المصطفى .
    فالحل لا يكون بالأخذ والاعتماد على قسم من الروايات وترك القسم الآخر، ومحاولة تهميشه وتذويب دلالته، أو القول بعدم صحته - والعياذ بالله -، فهذا منهي عنه بعشرات الروايات التي تنهى عن ردّ أي رواية صادرة عن أهل العصمة ( )، إلاّ ما كان مخالفاً للقرآن والسنة الثابتة ( ).
    إذن، فمسألة ختم النبوّة من المتشابهات التي لا يمكن إحكامها إلاّ من قبل أوصياء الرسول محمد .
    قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾( ).
    قال الإمام الصادق  لأبي حنيفة عندما دخل عليه: (يا أبا حنيفة تعرف كتاب الله حق معرفته ؟! وتعرف الناسخ والمنسوخ ؟! قال نعم، قال : يا أبا حنيفة لقد ادعيت علماً، ويلك ما جعل الله ذلك إلاّ عند أهل الكتاب الذين أُنزل عليهم. ويلك ولا هو ألاّ عند الخاص من ذرية نبينا ، ما ورثك الله من كتابه حرفاً، فإن كنت كما تقول، ولست كما تقول، فاخبرني …) ( ).
    وفي هذا الكتاب (النبوّة الخاتمة) تجد ما يشفي العليل ويروي الغليل، فقد بيّن السيد أحمد الحسن وصي ورسول الإمام المهدي  واليماني الموعود، هذه المسألة بأوضح بيان من القرآن والسنة المطهّرة، ولم يرد أي رواية من كلا القسمين، أي الروايات القائلة بختم النبوّة، والروايات القائلة باستمرار النبوّة بعد الرسول محمد .
    فقد بيّن السيد أحمد الحسن ما معنى النبوّة ، وميّز بين النبوّة التي ختمت بالرسول محمد وبين النبوّة التي استمرت بعده ، وبيّن أيضاً معنى (خاتَم النبوّة) بفتح التاء ، ومعنى (خاتِم النبوّة) بكسر التاء .
    فتجد هذا الكتاب قد بيّن وبأوضح برهان أنّ النبوّة خُتمت بالرسول محمد ولا نبي بعده، ولكن بمعنى يختلف عن القول باستمرارها بعده ، فلا تعارض بين الروايات ؛ لأنّ كل قسم منها يتحدّث عن معنى للنبوّة يختلف عن المعنى الآخر .
    وكذلك بيّن السيد أحمد الحسن حقيقة الإرسال، وهل إنّ إرسال الأنبياء منحصر بالله تعالى أم أنّه أيضاً يصح من الأنبياء والرسل ؟ وهل يصدق على الأئمة المعصومين أنّهم رسل من الله تعالى أم لا ؟ وإذا كان الجواب بنعم، فمن هو المرسل للأئمة ، وما الفرق بين إرسالهم وإرسال الأنبياء .
    كل هذه الحقائق التي لم تجد جواباً شافياً وافياً طيلة القرون المنصرمة، تجد جوابها الوافي عند سليل العترة الطاهرة وصي ورسول الإمام المهدي  السيد أحمد الحسن في كتابه الذي بين يديك (النبوّة الخاتمة).
    والحق أقول: إنّ هذا الكتاب من الأدلة على صدق اتصال السيد أحمد الحسن بالإمام المهدي ؛ لانحصار هذا العلم بأوصياء الرسول محمد .
    قال تعالى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ﴾( ).
    والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، وصلى الله على محمد وآله الأئمة والمهديين وسلم تسليماً.

    الشيخ
    ناظم العقيلي













    الإهــــداء

    إلى من يرون الشمس
    إلى أصحاب البصائـر
    وأرجو من الله ومنهم أن يذكروني في دعائـهم













































    النبــــوّة
    معنى كلمة نبي (الديني)؛ هو الشخص الذي يَعرف الأخبار من السماء. فكلمة نبي في الأصل مأخوذة من (نبأ) أي خبر، وليس من كلمة (نبا) أي ظهر وارتفع . والحقيقة أنّ كلمة (نبأ) هي المأخوذة من (نبا)، فالنبأ هو الغيب الذي ظهر وارتفع ليراه الناس، وعُرف بعد أن كان مستوراً ومجهولاً.
    وأخبار السماء تصل إلى الإنسان بسبل متعدّدة - وإن كان يجمعها طريق واحد في الأصل - فيمكن أن يكلّم الله الإنسان مباشرة من وراء حجاب، أو يوحي له ما شاء، أي يكتب في صفحة وجود الإنسان ما شاء سبحانه وتعالى، أو يرسل ملائكة يكلمون الإنسان مباشرة، أو يكتبون في صفحة وجوده ما شاء الله سبحانه وتعالى.
    قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾( ).
    أمّا طريقة هذا الكلام والوحي والكتابة؛ فهي ربما كانت بالرؤيا في المنام، أو بالكشف في اليقظة.
    وأقول الكشف؛ لأنّ عالم الأرواح غير هذا العالم الجسماني، فلكي يطلّع عليه الإنسان ويتّصل به لابد أن يكشف عنه حجاب هذا العالم الجسماني.
    وليس ضرورياً أن يكون كل نبي ( ) هو مرسل من الله سبحانه وتعالى، بل ربما كان هناك أكثر من نبي في زمن واحد، ولكن الله سبحانه وتعالى يرسل أحدهم ويكون حجّة عليهم، وعلى غيرهم من الناس. وبالطبع هذا الشخص الذي اصطفاه الله من بينهم هو أفضلهم، ويَعصمه الله سبحانه وتعالى، ويُطلعه على ما يحتاج إليه من الغيب بفضل منه سبحانه وتعالى.
    ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً﴾( ).
    وهؤلاء الملائكة الذين يسخّرهم الله لهذا النبي المُرسل:
    ﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ﴾( ).
    يكونون من بين يديه، ومن خلفه ليحفظونه بأمر الله سبحانه وتعالى من شر شياطين الإنس والجن، ومن إلقاءاتهم وباطلهم. فهذا الرصد الملائكي يكون مانعاً وصاداً للشياطين من التدّخل أو الإلقاء في رسالة السماء عند نزولها إلى هذا العالم السفلي الجسماني، وبالتالي تصل رسالة السماء إلى النبي المُرسل صحيحة ونقيّة ومحفوظة من إلقاء الشيطان:
    ﴿لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾( )،
    ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾( ).
    أمّا أولئك الأنبياء أو الذين حصلوا على مقام النبوّة في فترة من الزمن، أي إنّهم اطلعوا على أخبار السماء بإذن الله سبحانه وتعالى بعد طاعتهم وعبادتهم له سبحانه وارتقائهم في ملكوت السماوات في فترة من الزمن، فهم أيضاً داخلون في الامتحان بهذا النبي المُرسل لهم ولغيرهم، والمفروض أن يكون الأمر أسهل عليهم؛ لأنّ الله سبحانه وتعالى يطلعهم وبمرتبة عالية على إرساله الرسول، ولكن لابد أن تبقى نسبة ضئيلة من الجهل بالواقع لديهم للامتحان؛ ليكون إيمانهم وبمرتبة معينة هو إيمان بالغيب:
    ﴿ألم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾( ).
    وطبعاً ، هذا التمييز لهم عن باقي الناس هو حق لهم بسبب تميّزهم بالطاعة والعبادة السابقة، ولكن من يَكفر منهم بسبب الحسد والأنا يسقط في هاوية الجحيم، كما حصل لبلعم بن باعوراء، فقد كان مطّلعاً على بعض أخبار السماء، وعَلِم من الله برسالة موسى، ولكنّه كفر برسالة موسى ، وجعل الشبهات عاذراً لسقطته التي أردته في هاوية الجحيم، ولم تنفعه طاعته وعبادته السابقة، كما لم تنفع إبليس (لعنه الله) من قبل لما كفر بآدم النـبي المُرسـل ، وأمسى من أقبح خلق الله بعد أن كان طاووس الملائكة، وفي الروايات إنّ ابن باعوراء كان عنده الاسم الأعظم ويَرى ما تحت العرش.
    عن أبي الحسن الرضا ، قال: (أُعطي بلعم بن باعوراء الاسم الأعظم، فكان يدعو به فيستجاب له فمال إلى فرعون ( ). فلّما مرّ فرعون في طلب موسى وأصحابه، قال فرعون لبلعم: أدع الله على موسى وأصحابه ليحبسه علينا ، فركب حمارته ليمر في طلب موسى وأصحابه، فامتنعت عليه حمارته، فأقبل يضربها فأنطقها الله ، فقالت: ويلك على ما تضربني أتريد أجي‏ء معك لتدعو على موسى نبي الله وقوم مؤمنين ؟! فلم يزل يضربها حتى قتلها وانسلخ الاسم الأعظم من لسانه، وهو قوله:
    ﴿فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ وَ لَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ﴾.
    وهو مثل ضربه. فقال الرضا  : فلا يدخل الجنة من البهائم إلاّ ثلاثة؛ حمارة بلعم، وكلب أصحاب الكهف، والذئب، وكان سبب الذئب أنّه بعث ملك ظالم رجلاً شرطياً ليحشر قوماً من المؤمنين ويعذبهم، وكان للشرطي ابن يحبّه، فجاء الذئب فأكل ابنه فحزن الشرطي عليه، فأدخل الله ذلك الذئب الجنّة لما أحزن الشرطي) ( ).
    وفي القرآن ذكر الله بلعم بن باعوراء الذي حسد موسى  وتكبّر عليه فأمسى يلهث وراء الأنا والهوى كالكلب، بعد أن كان بمقام النبوّة ويرى ما تحت العرش وعنده الاسم الأعظم:
    ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾( ).

    * * *
































    الرؤيـا والنبـوّة
    القرآن حافل بوحي الله سبحانه وتعالى للأنبياء المرسلين بالرؤيا، منهم إبراهيم ، ومحمـد ، ويوسف .
    ﴿وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَاناً كَبِيراً﴾( ).
    ﴿لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً﴾( ).
    ﴿فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾( ).
    ثم إنّ الله يمدح إبراهيم؛ لأنّه صدّق الرؤيا: ﴿قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾( ).
    ﴿إِذْ قَالَ يُوسُفُ لَأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ﴾( ).
    وفي القرآن الله يُوحي لأم موسى  بالرؤيا: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾( ).
    ويجب الالتفات أنّ رؤى الأنبياء كانت قبل إرسالهم وبعد إرسالهم، أي إنّ وحي الله سبحانه وتعالى لهم بدأ بالرؤيا، ثم وحتى بعد إرسالهم لم ينقطع هذا السبيل (الرؤيا) من سُبل وحي الله سبحانه وتعالى عنهم.
    والرسول محمد كان يرى الرؤى قبل بعثته وإرساله، وكانت تقع كما يراها ( )، ولولا أنّ الأنبياء المرسلين  صدّقوا وآمنوا وعملوا بتلك الرؤى التي رأوها قبل إرسالهم؛ لما وصلوا إلى ما وصلوا إليه من المقام العالي، والقرب من الله سبحانه وتعالى ؛ ولما اصطفاهم الله أصلاً لرسالاته:
    ﴿قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾.
    بل هم كانوا يؤمنون ويصدقون برؤى المؤمنين الذين كانوا معهم ، وهذا رسول الله محمد كان يسأل أصحابه عن رؤاهم ويهتم بسماعها ، وبعد صلاة الصبح ، وكأنّ سماعها ذكر وعباده لله سبحانه ، حتى إنّ المنافقين شنعوا عليه بأنّه يسمع ويصدق كل متكلّم :
    ﴿ وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾( ).
    عن الرضا ، قال: (إنّ رسول الله كان إذا أصبح قال لأصحابه: هل من مبشّرات؟ يعني به الرؤيا) ( ). بل إنّ النبي محمد كان يعتبرها من مبشّرات النبوّة، عن النبي قال: (ألا إنّه لم يبق من مبشّرات النبوّة إلاّ الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له) ( ).
    بل وكان يعتبرها نبوّة، عنه قال: (لا نبوّة بعدي إلاّ المبشّرات. قيل يا رسول الله، وما المبشرات ؟ قال: الرؤيا الصالحة) ( ).
    وقال رسول الله : (الرؤيا الصالحة بشرى من الله، وهي جزء من أجزاء النبوّة) ( ).
    ويجب الالتفات إلى أنّ قول الرسول محمد لم يبق من النبوّة إلاّ الرؤيا الصادقة لا يعني أنّ كل من يرى رؤيا صادقة هو نبي مُرسل من الله، بل ما يعنيه أنّ الرؤيا الصادقة؛ هي نبأ وخبر صادق جاء من ملكوت السماوات إلى الرائي.

    * * *
    خَاتَمَ النَّبِيِّينَ
    قال تعالى: ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً﴾( ).
    تبين مما تقدّم أنّ ختم النبوّة ، وأقصد بالختم هنا (الانتهاء)، أي انتهاء النبوّة وتوقّفها أمرٌ غير صحيح إذا كان المراد بالنبوّة هي الوصول إلى مقام النبوّة. وبالتالي معرفة بعض أخبار السماء من الحق والغيب؛ لأنّ طريق الارتقاء إلى ملكوت السماوات مفتوح، ولم يغلق ولن يغلق.
    كما أنّ النبي محمد أكد في أكثر من رواية رواها الشيعة والسنة، وكذا أهل بيته أنّ طريقاً من طرق الوحي الإلهي سيبقى مفتوحاً، ولن يغلق وهو (الرؤيا الصادقة) من الله سبحانه وتعالى.
    عن علي بن الحسـين بن علي بن فضال، عن أبيه، عن أبي الحسـن علي بن موسى الرضا : أنّه قال له رجل من أهل خراسان : يا ابن رسول الله : رأيت رسول الله في المنام كأنّه يقول لي: (كيف أنتم إذا دفن في أرضكم بضعتي واستحفظتم وديعتي وغيب في ثراكم نجمي) ؟!
    فقال له الرضا : (أنا المدفون في أرضكم، وأنا بضعة نبيكم، فأنا الوديعة والنجم، ألا ومن زارني وهو يعرف ما أوجب الله تبارك وتعالى من حقي وطاعتي فأنا وآبائي شفعاؤه يوم القيامة، ومن كنّا شفعاءه نجا ولو كان عليه مثل وزر الثقلين الجن والإنس. ولقد حدثني أبي، عن جدي، عن أبيه، عن آبائه أنّ رسول الله قال: من رآني في منامه فقد رآني؛ لأنّ الشيطان لا يتمثل في صورتي ولا في صورة أحد من أوصيائي، ولا في صورة أحد من شيعتهم. وإنّ الرؤيا الصادقة جزء من سبعين جزءاً من النبوّة) ( ).
    وعن النبي ، قال: (إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المسلم تكذب، وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثاً، ورؤيا المؤمن جزء من خمسة وأربعين جزءاً من النبوّة) ( ).
    وعن النبي قال إنها: (جزء من سبعين جزءاً من النبوّة) ( ).
    وعن رسول الله ، قال: (رؤيا المؤمن جزء من سبعة وسبعين جزءاً من النبوّة) ( ).
    وعن علي ، قال: (رؤيا المؤمن تجري مجرى كلام تكلّم به الرب عنده) ( ).
    وعن النبي ، قال: (إذا تقارب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب، وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثاً) ( ).
    ونقل العلامة المجلسي في "بحار الأنوار" عن "جامع الأخبار" وفي كتاب "التعبير عن الأئمة " : (أنّ رؤيا المؤمن صحيحة ؛ لأنّ نفسه طيبة ، ويقينه صحيح ، وتخرج فتتلقى من الملائكة ، فهي وحي من الله العزيز الجبار) ( ).
    وعن رسول الله ، قال: (من رآني في منامه فقد رآني، فإنّ الشيطان لا يتمثل في صورتي، ولا في صورة أحد من أوصيائي، ولا في صورة أحد من شيعتهم، وإنّ الرؤيا الصادقة جزء من سبعين جزءاً من النبوّة) ( ).
    وعن رسول الله : ( إذا كان آخر الزمان لم يكد رؤيا المؤمن يكذب ، وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثاً) ( ).
    وعن رسول الله : (إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب، وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثاً، ورؤيا المسلم جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوّة) ( ).
    وعن النبي قال: (رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزء من النبوة) ( ).
    وعنه قال: (إذا رأى أحدكم الرؤيا يحبّها، فإنما هي من الله، فليحمد الله عليها وليحدّث بها) ( ).
    وعن رسول الله ، قال: (رؤيا المؤمن جزء من سبعة وسبعين جزء من النبوة) ( ).
    وعنه رسول الله : (رؤيا المؤمن جزء من أربعين جزءاً من النبوّة) ( ).
    وعنه ، قال: (رؤيا المؤمن أو المسلم جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوّة) ( ).
    وقال رسول الله : (رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة) ( ).
    وعن رسول الله : (إذا قرب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب. وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثاً. ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة) ( ).
    وعن رسول الله : (رؤيا المؤمن جزء من أربعين جزءا من النبوة) ( ).
    وفي رواية أنّ الله أوحى للإمام موسى الكاظم  بالرؤيا أنّ الإمام الذي بعده هو ابنه علي بن موسى الرضا .
    عن يزيد بن سليط الزيدي، قال: (لقينا أبا عبد الله  في طريق مكة ونحن جماعة فقلت له: بابي أنت وأمي؛ أنتم الأئمة المطهّرون، والموت لا يعرى أحد منه فأحدث إليَّ شيئاً ألقيه من يخلفني. فقال لي: نعم هؤلاء وُلدي وهذا سيدهم - وأشار إلى ابنه موسى  - وفيه العلم والحكم والفهم والسخاء والمعرفة بما يحتاج الناس إليه فيما اختلفوا فيه من أمر دينهم، وفيه حسن الخلق وحسن الجوار، وهو باب من أبواب الله تعالى . وفي أخرى: هي خير من هذا كلّه.
    فقال له أبي: وما هي بأبي أنت وأمي ؟ قال: يخرج الله منه  غوث هذه الأمة وغياثها وعلمها ونورها وفهمها وحكمها وخير مولود وخير ناشئ، يحقن الله الدماء، ويصلح به ذات البين، ويلم به الشعث، ويشعب به الصدع، ويكسو به العاري، ويشبع به الجائع، ويؤمن به الخائف، وينزل به القطر، ويأتمر العباد، خير كهل وخير ناشئ، يبشر به عشيرته أوان حلمه، قوله حكم، وصمته علم ، يبيّن للناس ما يختلفون فيه.
    قال: فقال أبي: بأبي أنت وأمي فيكون له ولد بعده ؟ فقال: نعم. ثم قطع الكلام. وقال يزيد: ثم لقيت أبا الحسن - يعني موسى بن جعفر  - بعد فقلت له: بأبي أنت وأمي، إني أريد أن تخبرني بمثل ما أخبرني به أبوك، قال: فقال: كان أبي  في زمن ليس هذا مثله.
    قال يزيد، فقلت: من يرضى منك بهذا فعليه لعنة الله، قال: فضحك، ثم قال: أخبرك يا أبا عمارة، إني خرجت من منزلي فأوصيت في الظاهر إلى بني فأشركتهم مع ابني علي وأفردته بوصيتي في الباطن، ولقد رأيت رسول الله في المنام وأمير المؤمنين  معه، ومعه خاتم وسيف وعصا وكتاب وعمامة فقلت له: ما هذا ؟ فقال: أمّا العمامـة فسلطان [الله] تعالى ، وأمّا السيف فعزّة الله ، وأمّا الكتاب فنور الله ، وأمّا العصا فقوّة الله ، وأمّا الخاتم فجامع هذه الأمور. ثم قال: قال رسول الله : والأمر يخرج إلى علي ابنك.
    قال، ثم قال: يا يزيد إنّها وديعة عندك فلا تخبر إلاّ عاقلاً أو عبداً امتحن الله قلبه للإيمان أو صادقاً، ولا تكفر نعم الله تعالى، وإن سئلت عن الشهادة فادّها، فإنّ الله تعالى يقول: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾( )، وقال الله : ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ﴾( )، فقلت: والله ما كنت لأفعل هذا أبداً.
    قال: ثم قال أبو الحسن : ثم وصفه لي رسول الله ، فقال علي ابنك الذي ينظر بنور الله، ويسمع بتفهيمه، وينطق بحكمته، يصيب ولا يخطى، ويعلم ولا يجهل، وقد ملئ حكماً وعلماً، وما أقل مقامك معه ! إنّما هو شيء كان لم يكن، فإذا رجعت من سفرك فأصلح أمرك وافرغ مما أردت فإنّك منتقل عنه ومجاور غيره، فاجمع ولدك واشهد الله عليهم جميعاً وكفى بالله شهيداً.
    ثم قال: يا يزيد إني أؤخذ في هذه السنة وعلي ابني سمي علي بن أبي طالب ، وسمي علي بن الحسين ، أُعطي فهم الأول وعلمه ونصره وردائه وليس له أن يتكلّم بعد هارون بأربع سنين، فإذا مضت أربع سنين فأسأله عمّا شئت يجيبك إن شاء الله تعالى) ( ).
    إذن، فالرؤيا طريق لوحي الله سبحانه، وهو مفتوح بعد محمد ، والذي تأكّد بالروايات وبالواقع الملموس أنّه لا يزال مفتوحاً للناس ( ).
    ولا يوجد مانع أن يصل بعض المؤمنين المخلصين في عبادتهم لله سبحانه إلى مقام النبوّة، ويمكن أن يوحي لهم الله سبحانه وتعالى بهذا الطريق (الرؤيا)، فيطلعهم الله على بعض الحق والغيب بفضل منه سبحانه وتعالى.
    والمؤكّد أنّ الأئمة قد وصلوا إلى مقام النبوّة، وكان الحق والغيب يصلهم بالرؤيا والكشف، والروايات التي تؤكّد ذلك كثيرة جدّاً، منها الرواية المتقدّمة ( ).
    إذن، فوجود مؤمنين مخلصين وصلوا إلى مقام النبوّة، وأوحى لهم الله سبحانه وتعالى بطريق الرؤيا أمرٌ ممكن ، بل هو حاصل مع الأئمة على أقل تقدير.
    أمّا ما ورد عنهم ويفهم منه نفيهم أنهم أنبياء، فالمراد منه نفي أنهم أنبياء مُرسَلون من الله سبحانه وتعالى، وإلاّ فما معنى أن يتلقاهم روح القدس بالأخبار ؟ وما معنى أنّه معهم لا يفارقهم ( ).
    وإذا كان الأمر كذلك:
    فما المراد من كون الرسول محمد خاتِم النبيين، (أي آخرهم) ؟
    وكذا ما المراد من كونه خاتَم النبيين (أي أوسطهم) ؟ فكلاهما أي (خاتم و خاتَم) من أسماء النبي محمد .
    ولمعرفة الجواب لابد من معرفة شيء عن مقام النبي محمد ، وبعض ما تميّز به عن بقية بني آدم، بل والأنبياء منهم على الخصوص.

    * * *
    من اقوال الامام احمد الحسن عليه السلام في خطبة الغدير
    ولهذا أقول أيها الأحبة المؤمنون والمؤمنات كلكم اليوم تملكون الفطرة والاستعداد لتكونوا مثل محمد (ص) وعلي (ص) وآل محمد (ص) فلا تضيعوا حظكم، واحذروا فكلكم تحملون النكتة السوداء التي يمكن أن ترديكم وتجعلكم أسوء من إبليس لعنه الله إمام المتكبرين على خلفاء الله في أرضه، أسأل الله أن يتفضل عليكم بخير الآخرة والدنيا.

  • almawood24
    يماني
    • 04-01-2010
    • 2174

    #2
    رد: كتاب الأمام احمد الحسن ع النبوه الخاتمه*

    محمد
    ظهور اللّه في فاران
    وردت هذه العبارة في دعاء السمات الوارد عن الأئمة : (.... وأسألك اللهم ....، وبمجدك الذي ظهر على طور سيناء، فكلّمت به عبدك ورسولك موسى بن عمران ، وبطلعتك في ساعير، وظهورك في فاران ...) ( ).
    وطلعة الله في ساعير بعيسى ، وظهور الله في فاران بمحمد  ( ).
    ولابد من الالتفات إلى أنّ عبارات الدعاء مرتّبة تصاعديّاً، فمن نبي (كلّمه الله) وهو موسى ، إلى نبي مثّل (طلعة الله) وهو عيسى ، إلى نبي مثّل (ظهور الله ) وهو محمد .
    والفرق بين الطلعة والظهور؛ هو أنّ الطلعة هي الإطلالة والظهور الجزئي ، أي إنّ الطلعة هي تجلّي بمرتبة أدنى من الظهور ( )، فكلاهما أي عيسى  ومحمد مثَّلا الله سبحانه في الخلق ، ولكن عيسى  بمرتبة أدنى من محمد . وبَعث عيسى  كان ضرورياً للتمهيد لظهور، وبَعث محمد الذي مثَّل الله في الخلق، فكان محمد خليفة الله حقّاً.
    وإذا رجعنا إلى أصل وبداية الخلق وجدنا الله سبحانه وتعالى يخاطب الملائكة: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ﴾( ).
    فإنّه وإن كان آدم خليفة الله وباقي الأنبياء والأوصياء كذلك، ولكن الهدف الذي يُراد الوصول إليه هو خليفة الله حقّاً، أي الشخص الذي يكون خليفة كامل لله سبحانه وتعالى، فيعكس اللاهوت في مرآة وجوده بشكل أكمل وأتم من كل الأنبياء والأوصياء
    فالمراد الوصول إليه هو شخص يخفق بين (الأنا والإنسانية)، وبين (اللاهوت والذات الإلهية).
    سأل أبو بصير أبا عبد الله ، فقال: (جعلت فداك كم عرج برسول الله ؟
    فقال : مرتين، فأوقفه جبرائيل موقفاً فقال له: مكانك يا محمد فلقد وقفت موقفاً ما وقفه ملك قط ولا نبي، إنّ ربك يصلي ، فقال : يا جبرائيل وكيف يصلي ؟
    قال: يقول: سُبوح قدوس أنا رب الملائكة و الروح، سبقت رحمتي غضبي.
    فقال : اللهم عفوك عفوك.
    قال: وكان كما قال الله: ﴿قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى﴾( ).
    فقال له أبو بصير: جعلت فداك ما قاب قوسين أو أدنى ؟
    قال : ما بين سيتها إلى رأسها ( )، فقال : كان بينهما حجاب يتلألأ يخفق ( )، ولا أعلمه إلاّ وقد قال: زبرجد، فنظر في مثل سم الإبرة ( ) إلى ما شاء الله من نور العظمة.
    فقال الله تبارك وتعالى: يا محمد.
    قال: لبيك ربي.
    قال: من لأمتك من بعدك ؟
    قال: الله أعلم.
    قال: علي بن أبي طالب أمير المؤمنين وسيد المسلمين وقائد الغر المحجلين.
    ثم قال أبو عبد الله لأبي بصير: يا أبا محمد والله ما جاءت ولاية علي  من الأرض، ولكن جاءت من السماء مشافهة) ( ).
    فمحمد في الآن الذي يفنى في الذات الإلهية لا يبقى إلاّ الله الواحد القهّار، ولا يبق إلاّ نور لا ظلمة معه، وهو الله سبحانه وتعالى، فيكون هذا العبد قد كشف عنه الغطاء حتى عرف الله حق معرفته. فهو فقط الذي يمكن أن يُعرّف الخلق بالله بشكل كامل وتام، وكذلك هو فقط خليفة الله الكامل، أي الذي تجلّى فيه اللاهوت، أو الذات الإلهية بأكمل ما هو ممكن للإنسان.
    ولتبيين هذا أكثر أضرب هذا المثل:
    إذا كان إنسان لديه مصنع وفيه آلات وعمّال ، فإذا كان هو بنفسه يدير هذا المعمل تكون نسبة الإنتاج في المصنع هي مائة بالمائة (100 %)، ثم بَدا لهذا الإنسان أن يجعل شخصاً يخلفه في إدارة هذا المصنع، فوجد إنساناً آخر يستطيع إدارة هذا المصنع، ولكنّه إذا لم يُشرف هو بنفسه على هذا الشخص تكون نسبة الإنتاج ثمانيين بالمائة (80 %)، فلابد له من الإشراف عليه لتبقَ نسبة الإنتاج تامّة (مائة بالمائة). ثم إنّه وجد إنساناً آخر أكثر كفاءة من السابق، ولكنّه أيضاً يحتاج إلى الإشراف عليه ، وإلاّ ستكون النسبة (90 %)، فجعله خليفته في هذا المصنع، وأشرف عليه وعلى عمله لتبقى النسبة مائة بالمائة (100 %).
    ثم أخيراً وجد إنساناً مثله وكأنّه صورة له يستطيع إدارة المصنع وبدون الإشراف عليه وتكون نسبة الإنتاج مائة بالمائة (100 %)، فجعله خليفته على المصنع، وأطلق يده يفعل ما يشاء فيه؛ لأنّه لا يشاء إلاّ مشيئة صاحب المصنع، فالآن الإشراف على هذا الخليفة الكامل من صاحب المصنع سيكون عبثاً.
    فالذي يسمع بالنار يعرفها بقدر ما سمع عنها، وكذا من رآها يعرفها على قدر رؤيته لها. أمّا من احترق منه شيئاً بالنار فهو يعرفها يقيناً، لكن بقدر ما احترق منه بها، أمّا من احترق كلّه بالنار حتى أصبح هو النار فإنّه يعرفها بشكل كامل وتام، حتى إنّك لا تستطيع أن تميّزه من النار؛ لأنّه أصبح منها:
    ﴿بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾( )،
    ﴿وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ﴾( ).

    * * *







    محمد خاتِم النبيين وخاتَمهم
    والآن نعود إلى كون محمد خاتِـم النبيين وخاتـَمهم، فهو صلوات ربي عليه آخر الأنبياء والمرسلين من الله سبحانه وتعـالى، ورسالته وكتابه القرآن وشريعته باقية إلى يوم القيامة، فلا يوجد بعد الإسلام دين:
    ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾( ).
    ولكن بقي مقام النبوّة مفتوحاً لبني آدم، فمن أخلص من المؤمنين لله سبحانه وتعالى في عبادته وعمله يمكن أن يصل إلى مقام النبوّة، كما بقي طريق وحي الله سبحانه وتعالى لبني آدم بـ (الرؤيا الصادقة) مفتوحاً وموجوداً وملموساً في الواقع المعاش.
    أمّا إرسال أنبياء ممن وصلوا إلى مقام النبوّة من الله سبحانه وتعالى، سواء كانوا يحافظون على شريعة محمد الإسلام، أم إنّهم يجدّدون ديناً جديداً، فهو غير موجود وهو الذي ختمه الله سبحانه وتعالى ببعثه محمداً .
    ولكن تجدّد بعد بَعث النبي محمد (الإنسان الكامل وخليفة الله حقاً، وظهور الله في فاران وصورة اللاهوت) أمر الإرسال من محمد ، فجميع الأئمة هم مرسلون إلى هذه الأمة، ولكن من محمد (الله في الخلق)، قال تعالى:
    ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ﴾( ).
    عن جابر عن أبي جعفر  قال سألته عن تفسير هذه الآية :
    ﴿لِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ﴾.
    قال : (تفسيرها بالباطن؛ إنّ لكل قرن من هذه الأمة رسولاً من آل محمد يخرج إلى القرن الذي هو إليهم رسول، وهم الأولياء وهم الرسل، وأمّا قوله:
    ﴿فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ﴾،
    قال: معناه إنّ الرسل يقضون بالقسط وهم لا يظلمون كما قال الله) ( ).
    وقال تعالى: ﴿ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ﴾( ).
    عَنِ الْفُضَيْلِ، قَالَ، سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ  عَنْ قَوْلِ اللَّهِ : ﴿وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ﴾، فَقَـالَ : (كُلُّ إِمَامٍ هَادٍ لِلْقَرْنِ الَّذِي هُوَ فِيهِمْ) ( ).
    عَنْ أَبِي جَعْـفَرٍ  فِي قَوْلِ اللَّهِ : ﴿إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ﴾، فَقَـالَ: (رَسُولُ اللَّهِ الْمُنْذِرُ، وَلِكُلِّ زَمَانٍ مِنَّا هَادٍ يَهْدِيهِمْ إِلَى مَا جَاءَ بِهِ نَبِيُّ اللَّهِ ، ثُمَّ الْهُدَاةُ مِنْ بَعْدِهِ عَلِيٌّ ثُمَّ الْأَوْصِيَاءُ وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ) ( ).
    عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، (قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ : ﴿إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ﴾، فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ الْمُنْذِرُ وَعَلِيٌّ الْهَادِي. يَا أَبَا مُحَمَّدٍ هَلْ مِنْ هَادٍ الْيَوْمَ ؟ قُلْتُ: بَلَى جُعِلْتُ فِدَاكَ مَا زَالَ مِنْكُمْ هَادٍ بَعْدَ هَادٍ حَتَّى دُفِعَتْ إِلَيْكَ، فَقَالَ: رَحِمَكَ اللَّهُ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ لَوْ كَانَتْ إِذَا نَزَلَتْ آيَةٌ عَلَى رَجُلٍ ثُمَّ مَاتَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مَاتَتِ الْآيَةُ مَاتَ الْكِتَابُ، وَلَكِنَّهُ حَيٌّ يَجْرِي فِيمَنْ بَقِيَ كَمَا جَرَى فِيمَنْ مَضَى) ( ).
    عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ﴾، فَقَالَ: (رَسُولُ اللَّهِ الْمُنْذِرُ وَعَلِيٌّ الْهَادِي؛ أَمَا وَاللَّهِ مَا ذَهَبَتْ مِنَّا وَمَا زَالَتْ فِينَا إِلَى السَّاعَةِ)( ).
    فهم رسل هداة من محمد ، وإلى محمد ، وأيضاً هم جميعاً عليهم صلوات ربي لهم مقام النبوّة.
    بل إنّ شرط الإرسال الذي لا يتبدّل هو: (تمام العقل)، فلا بد من الوصول إلى مقام السماء السابعة الكلية (سماء العقل).
    وهذا الأمر الذي تجدّد يقرأه - سواء كان يفقهه أم لا يفقهه - كل من يزور أوّل رسول من محمد وهو علي بن أبي طالب ، بل لا يدخل إلى الحرم المطهر لأمير المؤمنين  إلاّ بعد قراءته، وهو بمثابة زيارة للنبي محمد .
    في زيارة أمير المؤمنين علي  عن الصادق : (.... وتقول: السلام من الله على محمد أمين الله على رسالته وعزايم أمره ومعدن الوحي والتنزيل، الخاتم لما سبق والفاتح لما استقبل، والمهيمن على ذلك كله ، الشاهد على الخلق، السراج المنير، والسلام عليه ورحمة الله وبركاته) ( ).
    ووردت نفس العبارة في زيارة الحسين :
    عن أبي عبد الله ، قال: (... فإذا استقبلت قبر الحسين  فقل: السلام على رسول الله ، أمين الله على رسله وعزائم أمره، الخاتم لما سبق والفاتح لما استقبل، والمهيمن على ذلك كلّه، والسلام عليه ورحمة الله وبركاته) ( ).
    وقال أمير المؤمنين علي : (.... وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة يؤدي الإسلام ذاكرها ويؤمن من العذاب يوم الحساب ذاخرها، وأشهد أنّ محمداً عبده الخاتم لما سبق من الرسالة وفاخرها، ورسوله الفاتح لما استقبل من الدعوة وناشرها ...) ( ).
    فمحمد ختم الإرسال من الله سبحانه وتعالى، وفتح الإرسال منه (الخاتم لما سبق والفاتح لما استقبل).
    وبهذا تبيّن كونه (الخاتَم) أي الوسط بين أمرين، وكذا كونه (الخاتِم) أي الأخـير. وتبيّن أيضاً أنّه (خاتَم النبيـين) بمعنى أنّه ما تُختم به رسالاتهم، أي إن رسالاتهم موقعة ومختومة باسمه ؛ وذلك لأنّ إرسال الأنبياء السابقين وإن كان من الله سبحانه وتعالى، ولكن أيضاً محمـد هو الحجاب بين الله سبحانه وبين الأنبياء، فالرسالات منه تترشح، ومن خلاله تتنـزل إلى الأنبياء . فمحمد هو صاحب رسالات الأنبياء السابقين، كونها تنـزلت من خلاله ، وهو الحجاب الأقرب إلى الله سبحانه، فالإرسال السابق من الله ومن خلال محمد (الحجاب الأقرب)؛ لكونه لم يُبعث ، والإرسال اللاحق من محمـد وبأمر الله كونه بُعث .
    واسم من أسماء علي بن أبي طالب  هو : (رسول رسول الله ).
    عن جميل بن صالح، عن ذريح، قال: سمعت أبا عبد الله  يعوذ بعض ولده، ويقول: (عزمت عليك يا ريح ويا وجع، كائناً ما كنت، بالعزيمة التي عزم بها علي بن أبي طالب أمير المؤمنين  رسول رسول الله على جن وادي الصبرة فأجابوا وأطاعوا لما أجبت وأطعت وخرجت عن ابني فلان ابن ابنتي فلانة، الساعة الساعة) ( ).

    * * *






    الرُسل من الرسل
    القرآن الكريم بيّن هذه القضية المهمة ؛ لكون الرسول محمد فاتح بابها الواسع ، فهي حصلت فيما سبق وتحديداً مع عيسى  (طلعة الله في ساعير)، والممهّد لمحمد ودعوته الكبرى ، التي سيكون فيها تحوّل كبير في منهج الإرسال الإلهي لأهل الأرض، واستخلاف خليفته سبحانه وتعالى في أرضه.
    فقد أرسل عيسى  رسلاً منه إلى أنطاكية ، وهم أيضاً رسل من الله لأنّ عيسى  يعمل بأمر الله سبحانه وتعالى، ﴿لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ﴾( ).
    وهذا الإرسال من رسول الله عيسى  ذُكِرَ في القرآن في سورة يس ( )، قال تعالى:
    ﴿وَاضرِِب لَهُم مَّثَلاً أَصحَابَ القَرْيَةِ إذْ جَآءَهَا المُرْسَلُونَ * إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ﴾( ).
    فالله يقول: (أرسلنا)، مع أنّ المُرسِل عيسى ، فأصبحت الرسالة من عيسى  هي رسالة من الله سبحانه وتعالى؛ لأنّ عيسى  مثَّل الله في الخلق، فهو (طلعة الله في ساعير).
    ويبقى أمر لابد من معرفته في قضية الإرسال من الرُسُل، وهو كون المُرسِل لابد أن يكون بمقام اللاهوت للمُرسَل؛ ولذا فإنّ المرُسِلين من المرُسَلين من الله سبحانه وتعالى لابد أن يكونوا بمقام الله في الخلق.
    ولتتوضّح هذه المسألة أكثر أقول: في الإرسال من الله سبحانه وتعالى كان الله مع المُرسَلين يسمع ويرى فهو محيط بالمرُسَل وبأعدائه، فلا يحصل خطأ في إيصال الرسالة، كما لا يستطيع أعداء الله مهما حاولوا منع تبليغ الرسالة، قال تعالى:
    ﴿ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾( ).
    ومن الضروري أن يكون الحال كذلك في الإرسال من الرُسُل ، فلابد أن يكون المُرسِل الذي مثَّل الله محيطاً بالمُرسَل وبأعدائه، ويسمع ويرى وقادراً عالماً بقدرة الله وعلمه، وإلاّ فلا يكون هذا الإرسال من الله حقيقة، وتماماً كما عبّر عنه سبحانه ﴿إِذْ أَرْسَلْنَا﴾، وإذا كان الأمر كذلك أصبح المُرسِل لاهوت بالنسبة للمُرسَل.
    ثم إنّ هذا المُرسِل أرسل رسوله بإذن الله سبحانه وتعالى، فكيف يأذن له الله دون أن يجهّزه بالقدرة الكاملة لهذا الإرسال الذي هو أيضاً إرسال منه سبحانه؛ لأنّه إذا لم يكن الأمر كذلك وكان هناك نقص، فإنّ هذا النقص ينسب إلى ساحة الله سبحانه وتعالى.
    ثم إنّ الهدف من خلق بني آدم هو الوصول إلى هذه النتيجة؛ لأنّها تمثل خلافة الله الحقيقية الكاملة التامّة، وقد ذكرها سبحانه في محضر من الملائكة عندما أراد خلق آدم :
    ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ﴾( ).
    والخليفة الكامل لابد أن يكون صورة كاملة لمن استخلفه، فلابد أن يكون هذا الخليفة الكامل هو: (الله في الخلق) أو (أسماء الله الحسنى ) أو (وجه الله)، قال تعالى:
    ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾( ).
    وأكيد أنّ النظر لا يوجّه إليه سبحانه وتعالى، بل إنّ وجوه أوليائه الناضرة ناظرة إلى مربيها محمد الذي هو وجه الله سبحانه الذي واجه به خلقه.
    وقال تعالى: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ﴾( ).
    وتعالى الله عن الإتيان والذهاب والحركة، وهي من صفات المخلوق، فالمراد بهذه الآية محمـد خليفة الله الكامل، الذي يمثل اللاهوت (الله في الخلق)، وبدون أن يمارس الخليفة دور اللاهوت في إرسال المرُسَلين عملياً لا يكون خليفة الله الكامل حقّاً وتماماً، بل ولا يتحقق الهدف من الخلق؛ فإنّه بممارسة هذا الخليفة لدور اللاهوت يكون صورة كاملة يعرف بها الله سبحانه وتعالى، فيتحقق الهدف من الخلق، وهو المعرفة، أي معرفة اللاهوت والتوحيد الحقيقي: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾( )، أي إلاّ ليعرفون ( ).

    * * *









    النبــوّة
    في زمن القائم المهدي الذي يُطهّر الأرض
    مما تقدّم تبيّن أنّ للأئمة والمهديين مقام النبوّة، وهم رُسُل. ولكن الكلام هنا في أصحاب المهدي، أي العدّة الأولى ومن يليهم من الأولياء.

    أوصاف أصحاب المهدي  في القرآن:
    1- ﴿ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرىً ظَاهِرَةً﴾( ).
    ليس المراد في هذه الآية إلاّ رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله، كما أنّ المراد من قوله تعالى: ﴿ وَكَأَيِنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُكْراً ﴾( ).
    الناس الذين في القرية، لا الجدران.
    إذن، فالله يقول جعلنا بينكم أيّها المؤمنون وبين القرى المباركة قرى ظاهرة.
    والقرى المباركة: هم محمد وآل محمد .
    أمّا القرى الظاهرة: فهم خاصة أولياء الله الذين يكونون حجة على الناس.
    روى الحر العاملي في الوسائل: (عن مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْغَيْبَةِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ الْحِمْيَرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحٍ الْهَمْدَانِيِّ قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى صَاحِبِ الزَّمَانِ  إِنَّ أَهْلَ بَيْتِي يُقَرِّعُونِي بِالْحَدِيثِ الَّذِي رُوِيَ عَنْ آبَائِكَ  أَنَّهُمْ قَالُوا : خُدَّامُنَا وَقُوَّامُنَا شِرَارُ خَلْقِ اللَّهِ.
    فَكَتَبَ : وَيْحَكُمْ مَا تَقْرَءُونَ ! مَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
    ﴿وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً﴾ ،
    فَنَحْنُ وَاللَّهِ الْقُرَى الَّتِي بَارَكَ فِيهَا، وَأَنْتُمُ الْقُرَى الظَّاهِرَةُ) ( ).
    وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ فِي كِتَابِ "إِكْمَالِ الدِّينِ" عَنْ أَبِيهِ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ مِثْلَهُ ( ). وَرَوَاهُ أَيْضاً بِالْإِسْنَادِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْكُلَيْنِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ صَاحِبِ الزَّمَانِ  مِثْلَهُ ( ).
    وعن أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ الطَّبْرِسِيُّ فِي كِتَابِ الْإِحْتِجَاجِ: عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ  فِي حَدِيثٍ أَنَّهُ قَالَ لِلْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: (.. فنَحْنُ الْقُرَى الَّتِي بَارَكَ اللَّهُ فِيهَا ، وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ  لِمَنْ أَقَرَّ بِفَضْلِنَا حَيْثُ أَمَرَهُمُ اللَّهُ أَنْ يَأْتُونَا، فَقَالَ:
    ﴿وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً ﴾،
    وَالْقُرَى الظَّاهِرَةُ الرُّسُلُ وَالنَّقَلَةُ عَنَّا إِلَى شِيعَتِنَا، وَفُقَهَاءُ شِيعَتِنَا إِلَى شِيعَتِنَا، وَقَوْلُهُ:
    ﴿وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ﴾،
    فَالسَّيْرُ مَثَلٌ لِلْعِلْمِ سِيرُ بِهِ لَيَالِيَ وَأَيَّاماً، مَثَل لِمَا يَسِيرُ بِهِ مِنَ الْعِلْمِ فِي اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ عَنَّا إِلَيْهِمْ، فِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَالْفَرَائِضِ والأحكام، آمِنِينَ فِيهَا إِذَا أَخَذُوا ( ) منه، آمِنِينَ مِنَ الشَّكِّ وَالضَّلَالِ، وَالنُّقْلَةِ إِلَى الْحَرَامِ مِنَ الْحَلَالِ؛ لأنّهُمْ أَخَذُوا الْعِلْمَ ممَّنْ وَجَبَ لَهُمْ أَخْذِهِمْ إياه عَنْهُمُ بالمعرفة؛ لِأَنَّهُمْ أَهْلُ مِيرَاثِ الْعِلْمِ مِنْ آدَمَ إِلَى حَيْثُ انْتَهَوْا، ذُرِّيَّةٌ مُصَطفَّاةٌ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ، فَلَمْ يَنْتَهِ الِاصْطِفَاءُ إِلَيْكُمْ ، بَلْ إِلَيْنَا انْتَهَى، وَنَحْنُ تِلْكَ الذُّرِّيَّةُ لَا أَنْتَ وَلَا أَشْبَاهُكَ يَا حَسَنُ) ( ).
    وفي الاحتجاج: (عن أبي حمزة الثمالي: قال دخل قاضٍ من قضاة الكوفة على علي بن الحسين ، فقال له: جعلني الله فداك أخبرني عن قول الله :
    ﴿وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ ﴾.
    قال له: ما يقول الناس فيها قبلكم بالعراق ؟
    قال: يقولون إنّها مكة.
    فقال: وهل رأيت السرق في موضع أكثر منه بمكة ؟
    قال: فما هو ؟
    قال: إنّما عنى الرجال.
    قال: وأين ذلك في كتاب الله ؟
    فقال: أ وما تسمع إلى قوله تعالى: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ﴾( )، وقال: ﴿وَتِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ ﴾( )، وقال: ﴿واسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها﴾( ) ؟ فليسأل القرية أو الرجال أو العير، قال: وتلا  آيات في هذا المعنى.
    قال : جعلت فداك فمن هم ؟
    قال : نحن هم، وقوله: ﴿سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ﴾، قال: آمنين من الزيغ) ( ).
    وأصحاب القائم المهدي  هم خير مصداق للقرى الظاهرة.
    قال أمير المؤمنين  فيهم: (ألا بأبي وأمي هم من عدّة أسماؤهم في السماء معروفة، وفي الأرض مجهولة) ( ).
    وفي ينابيع المودّة لذوي القربى/ القندوزي، قال: (وأشار - يعني أمير المؤمنين علي - إلى أصحاب المهدي (رضي الله عنهم). بقوله: ألا بأبي وأمي هم من عدّة ، أسماؤهم في السماء معروفة، وفي الأرض مجهولة) ( ).
    وقال : (فيا ابن خيرة الإماء متى تنتظر البشير بنصر قريب من رب رحيم. ألا فويل للمتكبرين عند حصاد الحاصدين. وقتل الفاسقين عصاة ذي العرش العظيم. فبأبي وأمي من عدّة قليلة أسماؤهم في السماء معروفة، وفي الأرض مجهولة قد دان حينئذٍ ظهورهم) ( ).
    وفي ينابيع المودّة: (نقل عن أمير المؤمنين علي : ... فيا ابن خيرة الإماء متى تنتظر أبشر بنصر قريب من رب رحيم، فبأبي وأمي من عدّة قليلة ، أسماؤهم في الأرض مجهولة، قد دان حينئذٍ ظهورهم) ( ).
    وقال رسول الله : (اللهم لقني إخواني مرتين.
    فقال من حوله من أصحابه: أما نحن إخوانك يا رسول الله ؟
    فقال: لا، إنّكم أصحابي، وأخواني قوم في آخر الزمان، آمنوا ولم يروني، لقد عرفنيهم الله بأسمائهم وأسماء آبائهم، من قبل أن يخرجهم من أصلاب آبائهم وأرحام أمهاتهم. لأحدهم أشد بقية على دينه من خرط القتاد ( ) في الليلة الظلماء، أو كالقابض على جمر الغضا ( ). أولئك مصابيح الدجى ينجيهم الله من كل فتنة غبراء مظلمة) ( ).
    فعلي  يفدّيهم بأبيه الوصي (أبي طالب)، وأمه الطاهرة الزكية (فاطمة بنت أسد) التي تربّى رسول الله محمد في حجرها، ورسول الله يقول عنهم: إنّهم إخواني، ويفضّلهم على أصحابه المنتجبين الكرام، الذين سقوا هذا الدين بدمائهم.
    ولكن المراد هنا في هذه الآية: هم العدّة الأولى، أي الثلاث مائة وثلاثة عشر، وهم يتلقّون وحياً من ملكوت الله سبحانه وتعالى بالرؤيا الصادقة، ويعلمون بشيء من الغيب بإذن الله، ولبعضهم مقام النبوّة، وكلٌ منهم بحسب مقامه وعلوّ شأنه عند الله سبحانه، وبعضهم رُسل من الأنبياء المُرسلين السابقين ، ولكنهم جميعاً يجتمعون على أمر واحد؛ لأنّ الله واحد، واجتماعهم خير دليل على صدقهم، وعلى صدق من اجتمعوا عليه.
    أمّا من يدعي هذا الأمر ولا يكون معهم، فهو كاذب وعدو الله (من ليس معي فعليّ)، (ومن لا يجمع لي يجمع للشيطان).
    هؤلاء القرى الظاهرة؛ هم رُسل من الله؛ لأنهم عرفوا الحق من الله، ويُوحي لهم الله بالرؤيا الصادقة، فهم مع القائم المهدي  الذي يُطهر الأرض، وهم يجمعون الناس للقائم المهدي الذي يُطهّر الأرض، فهم حجّة على الناس، وليس فيهم عاثر، بل يجتازون العقبة ويتّبعون حجّة الله عليهم، ويجمعون له أنصار الله سبحانه.
    2- ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ * إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عَابِدِينَ﴾( ).
    هذه الآية نزلت في المهدي وأصحاب المهدي ، والأئمة أكدّوا ذلك. وأوصافهم فيها هي:
    أ / يرثون الأرض.
    ب / عباد صالحون.
    ج / قوم عابدون.
    وقبل أن نبدأ في التفصيل يجب ملاحظة أنّ الذي وصفهم بهذه الأوصاف ليس إنسان، بل هو الله سبحانه وتعالى الذي خلقهم ويعلم نقاء بواطنهم وقدسية أرواحهم.

    أ ) هم يرثون الأرض:
    ما نعرفه أنّ الذي يرث الأرض هو الوصي في كل زمـان، فورثة الأرض هم الأنبياء المرسلون ، وكل واحد منهم يوصي للذي بعده ، بأمر الله سبحانه وتعالى.
    وفي هذه الآية نجد أنّ الأرض لا يرثها واحد ، بل جماعة هم أصحاب القائم المهدي ، كما أنّ هؤلاء الورثة ليسوا أوصياء.
    فالمراد بهذه الوراثة؛ هو أنهم حجّة الوارث الحقيقي للأرض ، وهو الوصي المهدي  على الناس، فوراثتهم باعتبار أنهم حجج حجّة الله ، وخلفاء خليفة الله على هذه الأرض، كما أنّ وراثته  للأرض باعتبار إنّه حجّة الله وخليفة الله.
    أمّا سبب هذه الحالة المستجدّة في قانون الوراثة؛ فهو أنّ الأنبياء المرسلين السابقين  وإن كانوا حجج الله وخلفاء الله وورثة الأرض في زمانهم، ولكنّهم لم يمكّنوا من ممارسة صلاحياتهم المخوّلة لهم من الله، كونهم ورثة الأرض.
    وهؤلاء الأولياء أصحاب المهدي  هم رُسل من أولئك الأنبياء المرسلين ، فوراثتهم لهذه الأرض وتمكينهم من ممارسة صلاحيات الوراثة هي بعينها وراثة وتمكين الأنبياء المُرسلين الذين أرسلوا هؤلاء الأولياء الصالحين أصحاب المهدي ، وبهذا تنطبق هذه الآية:
    ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَـلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُـورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾( ).
    لأنّ وراثة وتمكين ونصر أصحاب المهدي  هو وراثة وتمكين ونصر من أرسلهم، وهم الأنبياء المرسلون السابقون .
    أمّا تطبيق شرائع الأنبياء المرسلين السابقين في الأرض والذي به يكتمل نصرهم ، فالذي يتكفله هو المهدي ، وكما قال تعالى:
    ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ﴾( ).
    وعَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ، قَالَ: (قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ : إِنَّ الْأَحَادِيثَ تَخْتَلِفُ عَنْكُمْ ؟
    قَالَ فَقَالَ: إِنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ وَأَدْنَى مَا لِلْإِمَامِ أَنْ يُفْتِيَ عَلَى سَبْعَةِ وُجُوهٍ، ثُمَّ قَالَ: ﴿هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ﴾( ) ) ( ).

    ب) عباد صالحون:
    قد تبيّن أنّ المراد بالعباد الصالحين؛ هم الأنبياء المرسلون السابقون كما تبيّن أنّ أصحاب المهدي  أيضاً ينطبق عليهم هذا الوصف والمدح العظيم من الله سبحانه وتعالى؛ لأنهم رُسل من أولئك العباد الصالحين، ومثّلوهم ومثّلوا وراثتهم لهذه الأرض خير تمثيل.

    ج) قوم عابدون:
    هؤلاء القوم هم أصحاب المهدي ، وينبغي أن نتوقّف عند المراد بقوله تعالى:
    ﴿لِقَوْمٍ عَابِدِينَ﴾، ويفسره قوله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾( ).
    أي يعرفون، كما هو واضح في هذه الآية، فالمراد من العابدين في الآية السابقة هو العارفون، والمعرفة تناسب البلاغ، فالذي يعنيه البلاغ هو الذي يعرفه:
    ﴿إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عَابِدِينَ﴾( ) .
    وإن كان يوجد أوصاف كثيرة لأصحاب القائم  في القرآن، ولكني أكتفي بهذا القدر القليل لبيان ارتباطهم بالنبوّة والرسالة، وبالأنبياء السابقين .
    ولأنّ الكلام مع كل إنسان يبحث عن الحقيقة وليس مع المسلمين فقط أضرب هذا المثل من الكتاب المقدّس ( ) لبيان ارتباط أصحاب المهدي  بكل مستوياتهم بالأنبياء جميعاً ، فمعروف أنّ عدد الأنبياء السابقين هو (124) ألف نبي أو أكثر ، وهذا العدد يكاد يكون الأكثر تداولاً بين الناس عالمهم وجاهلهم.
    وأيضاً في العهد الجديد (الإنجيل) يذكر أنّ ابن الإمام المهدي  يجمع أنصار أبيه (144) ألف، وهم مختومون على جباههم، ويقفون على جبل صهيون، وهو رمز إلى فتح الأرض المقدّسة التي وعد بها المهدي ؛ (ثم نظرت وإذا خروف واقف على جبل صهيون ومعه مائة وأربعة وأربعون ألفاً لهم اسم أبيه مكتوباً على جباههم …) ( ).

    * * *

    ملحمة القيام المقدّس
    بين الشيطان وجنده من الإنس والجن ، وبين الله وجنده من الإنس والملائكة والجن.
    وجند إبليس (لعنهم الله) من الطواغيت، فلابد من وجود فرعون ونمرود وكل طاغوت، فوجود أشباههم هو وجودهم، كما أنّ وجود شبيه إبليس بين الإنس هو وجوده بين الإنس. ووجود الُرسل من الأنبياء المرسلين السابقين هو وجود الأنبياء في هذه المعركة المقدّسة، وكذا وجود صورة الله ووجه الله وأسماء الله الحسنى، وخليفة الله ، وهو حجّة الله على خلقه في زمن الظهور والقيام المهدوي المقدّس هو وجود الله سبحانه وتعالى في المعركة، يقاتل مع جنده؛ لذا ورد في التوراة: (ولكن يعطيكم السيد نفسه آية. ها العذراء تحبل وتلد ابنا وتدعو اسمه عمانوئيل) ( )، ومعناها (الله معنا).
    وورد قريب من هذا النص وتفسيره (الله معنا) في إنجيل متى الإصحاح الأول.
    وفي دعاء السمات: (.... وأسألك اللهم ......، وبطلعتك في ساعير " أي إنّ عيسى مثّل طلعة الله " ....، وظهورك في جبل فاران " أي إنّ محمداً مثّل ظهور الله " .....) ( ).
    والمعركة هي معركة هداية بالنسبة للمهدي ، وليست معركة قتل وسفك دماء، فإبليس (لعنه الله) يريد أن يأخذ أكبر عدد ممكن معه ليدخلهم إلى جهنم، ويحقق وعده بغوايتهم، أمّا المهدي  فيريد أن يأخذ أكبر عدد ممكن معه إلى الجنة بهدايتهم إلى الحق والتوحيد الخالص له سبحانه وتعالى.
    ولذا، فالمعركة ابتداءً هي معركة عقائدية كلامية، فالمهـدي  هو علي  وهو الحسين ، وعلي  لم يبدأ ملحمة قيامه العسكري المقدّس التي انطلقت من معركة الجمل حتى أرسل شاباً يحمل القرآن للقوم الذين جيّشوا الجيوش عليه لقتله، فكان ردّ جند الشيطان هو قتل الشاب وتمزيق القرآن، وكذا الحسين  لم يبدأ ملحمة قيامه العسكري المقدّس حتى كلّم القوم هو وأصحابه ونصحهم، ولكنّهم ردّوا عليه وعلى أصحابه بالنبال. فقال لأصحابه: " قوموا رحمكم الله، فهذه رُسل القوم إليكم " ( )، فعلي والحسين  يبدأون بالكلام وإلقاء الحجّة لهداية الناس، ولكن جند الشيطان - ولعجزهم - لا يجدون إلاّ الحراب يردّون بها على حكمة علي  والحسين .
    وكذا المهدي  ابن علي  وابن الحسين  يبدأ بالكلام والمناظرة العقائدية ليهدي القوم، ولكنّهم لا يجدون لعجزهم عن الرد على الكلمة الحكيمة والحجة البالغة إلاّ الحراب يردّون بها، عندها لا يجد المهدي  إلاّ قول علي : ( نقاتلهم على هذا الدم الذي سفكوه)، ولا يجد إلاّ قول الحسين : (قوموا يرحمكم الله فهذه رُسل القوم إليكم).


    أحمد الحسن
    ذو الحجة : 1427هـ.ق






    الفهرس

    تقديم الكتاب ......................................................... 3
    الإهداء .............................................................. 7
    النبوّة ................................................................ 9
    الرؤيا والنبوّة ........................................................... 13
    خَاتَم النبيين .......................................................... 16
    محمد ظهور الله في فاران ................................................ 23
    محمد خَاتِم النبيين وخَاتَمهم ................................................. 27
    الُرسل من الُرسل ........................................................ 31
    النبوّة في زمن القائم المهدي  الذي يطهر الأرض ................................... 34
    ملحمة القيام المقدّس ...................................................... 41
    الفهرس ............................................................. 43

    والحمد لله رب العالمين
    من اقوال الامام احمد الحسن عليه السلام في خطبة الغدير
    ولهذا أقول أيها الأحبة المؤمنون والمؤمنات كلكم اليوم تملكون الفطرة والاستعداد لتكونوا مثل محمد (ص) وعلي (ص) وآل محمد (ص) فلا تضيعوا حظكم، واحذروا فكلكم تحملون النكتة السوداء التي يمكن أن ترديكم وتجعلكم أسوء من إبليس لعنه الله إمام المتكبرين على خلفاء الله في أرضه، أسأل الله أن يتفضل عليكم بخير الآخرة والدنيا.

    Comment

    • almawood24
      يماني
      • 04-01-2010
      • 2174

      #3
      رد: كتاب الأمام احمد الحسن ع النبوه الخاتمه*

      محمد
      ظهور اللّه في فاران
      وردت هذه العبارة في دعاء السمات الوارد عن الأئمة : (.... وأسألك اللهم ....، وبمجدك الذي ظهر على طور سيناء، فكلّمت به عبدك ورسولك موسى بن عمران ، وبطلعتك في ساعير، وظهورك في فاران ...) ( ).
      وطلعة الله في ساعير بعيسى ، وظهور الله في فاران بمحمد  ( ).
      ولابد من الالتفات إلى أنّ عبارات الدعاء مرتّبة تصاعديّاً، فمن نبي (كلّمه الله) وهو موسى ، إلى نبي مثّل (طلعة الله) وهو عيسى ، إلى نبي مثّل (ظهور الله ) وهو محمد .
      والفرق بين الطلعة والظهور؛ هو أنّ الطلعة هي الإطلالة والظهور الجزئي ، أي إنّ الطلعة هي تجلّي بمرتبة أدنى من الظهور ( )، فكلاهما أي عيسى  ومحمد مثَّلا الله سبحانه في الخلق ، ولكن عيسى  بمرتبة أدنى من محمد . وبَعث عيسى  كان ضرورياً للتمهيد لظهور، وبَعث محمد الذي مثَّل الله في الخلق، فكان محمد خليفة الله حقّاً.
      وإذا رجعنا إلى أصل وبداية الخلق وجدنا الله سبحانه وتعالى يخاطب الملائكة: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ﴾( ).
      فإنّه وإن كان آدم خليفة الله وباقي الأنبياء والأوصياء كذلك، ولكن الهدف الذي يُراد الوصول إليه هو خليفة الله حقّاً، أي الشخص الذي يكون خليفة كامل لله سبحانه وتعالى، فيعكس اللاهوت في مرآة وجوده بشكل أكمل وأتم من كل الأنبياء والأوصياء
      فالمراد الوصول إليه هو شخص يخفق بين (الأنا والإنسانية)، وبين (اللاهوت والذات الإلهية).
      سأل أبو بصير أبا عبد الله ، فقال: (جعلت فداك كم عرج برسول الله ؟
      فقال : مرتين، فأوقفه جبرائيل موقفاً فقال له: مكانك يا محمد فلقد وقفت موقفاً ما وقفه ملك قط ولا نبي، إنّ ربك يصلي ، فقال : يا جبرائيل وكيف يصلي ؟
      قال: يقول: سُبوح قدوس أنا رب الملائكة و الروح، سبقت رحمتي غضبي.
      فقال : اللهم عفوك عفوك.
      قال: وكان كما قال الله: ﴿قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى﴾( ).
      فقال له أبو بصير: جعلت فداك ما قاب قوسين أو أدنى ؟
      قال : ما بين سيتها إلى رأسها ( )، فقال : كان بينهما حجاب يتلألأ يخفق ( )، ولا أعلمه إلاّ وقد قال: زبرجد، فنظر في مثل سم الإبرة ( ) إلى ما شاء الله من نور العظمة.
      فقال الله تبارك وتعالى: يا محمد.
      قال: لبيك ربي.
      قال: من لأمتك من بعدك ؟
      قال: الله أعلم.
      قال: علي بن أبي طالب أمير المؤمنين وسيد المسلمين وقائد الغر المحجلين.
      ثم قال أبو عبد الله لأبي بصير: يا أبا محمد والله ما جاءت ولاية علي  من الأرض، ولكن جاءت من السماء مشافهة) ( ).
      فمحمد في الآن الذي يفنى في الذات الإلهية لا يبقى إلاّ الله الواحد القهّار، ولا يبق إلاّ نور لا ظلمة معه، وهو الله سبحانه وتعالى، فيكون هذا العبد قد كشف عنه الغطاء حتى عرف الله حق معرفته. فهو فقط الذي يمكن أن يُعرّف الخلق بالله بشكل كامل وتام، وكذلك هو فقط خليفة الله الكامل، أي الذي تجلّى فيه اللاهوت، أو الذات الإلهية بأكمل ما هو ممكن للإنسان.
      ولتبيين هذا أكثر أضرب هذا المثل:
      إذا كان إنسان لديه مصنع وفيه آلات وعمّال ، فإذا كان هو بنفسه يدير هذا المعمل تكون نسبة الإنتاج في المصنع هي مائة بالمائة (100 %)، ثم بَدا لهذا الإنسان أن يجعل شخصاً يخلفه في إدارة هذا المصنع، فوجد إنساناً آخر يستطيع إدارة هذا المصنع، ولكنّه إذا لم يُشرف هو بنفسه على هذا الشخص تكون نسبة الإنتاج ثمانيين بالمائة (80 %)، فلابد له من الإشراف عليه لتبقَ نسبة الإنتاج تامّة (مائة بالمائة). ثم إنّه وجد إنساناً آخر أكثر كفاءة من السابق، ولكنّه أيضاً يحتاج إلى الإشراف عليه ، وإلاّ ستكون النسبة (90 %)، فجعله خليفته في هذا المصنع، وأشرف عليه وعلى عمله لتبقى النسبة مائة بالمائة (100 %).
      ثم أخيراً وجد إنساناً مثله وكأنّه صورة له يستطيع إدارة المصنع وبدون الإشراف عليه وتكون نسبة الإنتاج مائة بالمائة (100 %)، فجعله خليفته على المصنع، وأطلق يده يفعل ما يشاء فيه؛ لأنّه لا يشاء إلاّ مشيئة صاحب المصنع، فالآن الإشراف على هذا الخليفة الكامل من صاحب المصنع سيكون عبثاً.
      فالذي يسمع بالنار يعرفها بقدر ما سمع عنها، وكذا من رآها يعرفها على قدر رؤيته لها. أمّا من احترق منه شيئاً بالنار فهو يعرفها يقيناً، لكن بقدر ما احترق منه بها، أمّا من احترق كلّه بالنار حتى أصبح هو النار فإنّه يعرفها بشكل كامل وتام، حتى إنّك لا تستطيع أن تميّزه من النار؛ لأنّه أصبح منها:
      ﴿بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾( )،
      ﴿وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ﴾( ).

      * * *







      محمد خاتِم النبيين وخاتَمهم
      والآن نعود إلى كون محمد خاتِـم النبيين وخاتـَمهم، فهو صلوات ربي عليه آخر الأنبياء والمرسلين من الله سبحانه وتعـالى، ورسالته وكتابه القرآن وشريعته باقية إلى يوم القيامة، فلا يوجد بعد الإسلام دين:
      ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾( ).
      ولكن بقي مقام النبوّة مفتوحاً لبني آدم، فمن أخلص من المؤمنين لله سبحانه وتعالى في عبادته وعمله يمكن أن يصل إلى مقام النبوّة، كما بقي طريق وحي الله سبحانه وتعالى لبني آدم بـ (الرؤيا الصادقة) مفتوحاً وموجوداً وملموساً في الواقع المعاش.
      أمّا إرسال أنبياء ممن وصلوا إلى مقام النبوّة من الله سبحانه وتعالى، سواء كانوا يحافظون على شريعة محمد الإسلام، أم إنّهم يجدّدون ديناً جديداً، فهو غير موجود وهو الذي ختمه الله سبحانه وتعالى ببعثه محمداً .
      ولكن تجدّد بعد بَعث النبي محمد (الإنسان الكامل وخليفة الله حقاً، وظهور الله في فاران وصورة اللاهوت) أمر الإرسال من محمد ، فجميع الأئمة هم مرسلون إلى هذه الأمة، ولكن من محمد (الله في الخلق)، قال تعالى:
      ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ﴾( ).
      عن جابر عن أبي جعفر  قال سألته عن تفسير هذه الآية :
      ﴿لِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ﴾.
      قال : (تفسيرها بالباطن؛ إنّ لكل قرن من هذه الأمة رسولاً من آل محمد يخرج إلى القرن الذي هو إليهم رسول، وهم الأولياء وهم الرسل، وأمّا قوله:
      ﴿فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ﴾،
      قال: معناه إنّ الرسل يقضون بالقسط وهم لا يظلمون كما قال الله) ( ).
      وقال تعالى: ﴿ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ﴾( ).
      عَنِ الْفُضَيْلِ، قَالَ، سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ  عَنْ قَوْلِ اللَّهِ : ﴿وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ﴾، فَقَـالَ : (كُلُّ إِمَامٍ هَادٍ لِلْقَرْنِ الَّذِي هُوَ فِيهِمْ) ( ).
      عَنْ أَبِي جَعْـفَرٍ  فِي قَوْلِ اللَّهِ : ﴿إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ﴾، فَقَـالَ: (رَسُولُ اللَّهِ الْمُنْذِرُ، وَلِكُلِّ زَمَانٍ مِنَّا هَادٍ يَهْدِيهِمْ إِلَى مَا جَاءَ بِهِ نَبِيُّ اللَّهِ ، ثُمَّ الْهُدَاةُ مِنْ بَعْدِهِ عَلِيٌّ ثُمَّ الْأَوْصِيَاءُ وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ) ( ).
      عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، (قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ : ﴿إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ﴾، فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ الْمُنْذِرُ وَعَلِيٌّ الْهَادِي. يَا أَبَا مُحَمَّدٍ هَلْ مِنْ هَادٍ الْيَوْمَ ؟ قُلْتُ: بَلَى جُعِلْتُ فِدَاكَ مَا زَالَ مِنْكُمْ هَادٍ بَعْدَ هَادٍ حَتَّى دُفِعَتْ إِلَيْكَ، فَقَالَ: رَحِمَكَ اللَّهُ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ لَوْ كَانَتْ إِذَا نَزَلَتْ آيَةٌ عَلَى رَجُلٍ ثُمَّ مَاتَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مَاتَتِ الْآيَةُ مَاتَ الْكِتَابُ، وَلَكِنَّهُ حَيٌّ يَجْرِي فِيمَنْ بَقِيَ كَمَا جَرَى فِيمَنْ مَضَى) ( ).
      عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ﴾، فَقَالَ: (رَسُولُ اللَّهِ الْمُنْذِرُ وَعَلِيٌّ الْهَادِي؛ أَمَا وَاللَّهِ مَا ذَهَبَتْ مِنَّا وَمَا زَالَتْ فِينَا إِلَى السَّاعَةِ)( ).
      فهم رسل هداة من محمد ، وإلى محمد ، وأيضاً هم جميعاً عليهم صلوات ربي لهم مقام النبوّة.
      بل إنّ شرط الإرسال الذي لا يتبدّل هو: (تمام العقل)، فلا بد من الوصول إلى مقام السماء السابعة الكلية (سماء العقل).
      وهذا الأمر الذي تجدّد يقرأه - سواء كان يفقهه أم لا يفقهه - كل من يزور أوّل رسول من محمد وهو علي بن أبي طالب ، بل لا يدخل إلى الحرم المطهر لأمير المؤمنين  إلاّ بعد قراءته، وهو بمثابة زيارة للنبي محمد .
      في زيارة أمير المؤمنين علي  عن الصادق : (.... وتقول: السلام من الله على محمد أمين الله على رسالته وعزايم أمره ومعدن الوحي والتنزيل، الخاتم لما سبق والفاتح لما استقبل، والمهيمن على ذلك كله ، الشاهد على الخلق، السراج المنير، والسلام عليه ورحمة الله وبركاته) ( ).
      ووردت نفس العبارة في زيارة الحسين :
      عن أبي عبد الله ، قال: (... فإذا استقبلت قبر الحسين  فقل: السلام على رسول الله ، أمين الله على رسله وعزائم أمره، الخاتم لما سبق والفاتح لما استقبل، والمهيمن على ذلك كلّه، والسلام عليه ورحمة الله وبركاته) ( ).
      وقال أمير المؤمنين علي : (.... وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة يؤدي الإسلام ذاكرها ويؤمن من العذاب يوم الحساب ذاخرها، وأشهد أنّ محمداً عبده الخاتم لما سبق من الرسالة وفاخرها، ورسوله الفاتح لما استقبل من الدعوة وناشرها ...) ( ).
      فمحمد ختم الإرسال من الله سبحانه وتعالى، وفتح الإرسال منه (الخاتم لما سبق والفاتح لما استقبل).
      وبهذا تبيّن كونه (الخاتَم) أي الوسط بين أمرين، وكذا كونه (الخاتِم) أي الأخـير. وتبيّن أيضاً أنّه (خاتَم النبيـين) بمعنى أنّه ما تُختم به رسالاتهم، أي إن رسالاتهم موقعة ومختومة باسمه ؛ وذلك لأنّ إرسال الأنبياء السابقين وإن كان من الله سبحانه وتعالى، ولكن أيضاً محمـد هو الحجاب بين الله سبحانه وبين الأنبياء، فالرسالات منه تترشح، ومن خلاله تتنـزل إلى الأنبياء . فمحمد هو صاحب رسالات الأنبياء السابقين، كونها تنـزلت من خلاله ، وهو الحجاب الأقرب إلى الله سبحانه، فالإرسال السابق من الله ومن خلال محمد (الحجاب الأقرب)؛ لكونه لم يُبعث ، والإرسال اللاحق من محمـد وبأمر الله كونه بُعث .
      واسم من أسماء علي بن أبي طالب  هو : (رسول رسول الله ).
      عن جميل بن صالح، عن ذريح، قال: سمعت أبا عبد الله  يعوذ بعض ولده، ويقول: (عزمت عليك يا ريح ويا وجع، كائناً ما كنت، بالعزيمة التي عزم بها علي بن أبي طالب أمير المؤمنين  رسول رسول الله على جن وادي الصبرة فأجابوا وأطاعوا لما أجبت وأطعت وخرجت عن ابني فلان ابن ابنتي فلانة، الساعة الساعة) ( ).

      * * *






      الرُسل من الرسل
      القرآن الكريم بيّن هذه القضية المهمة ؛ لكون الرسول محمد فاتح بابها الواسع ، فهي حصلت فيما سبق وتحديداً مع عيسى  (طلعة الله في ساعير)، والممهّد لمحمد ودعوته الكبرى ، التي سيكون فيها تحوّل كبير في منهج الإرسال الإلهي لأهل الأرض، واستخلاف خليفته سبحانه وتعالى في أرضه.
      فقد أرسل عيسى  رسلاً منه إلى أنطاكية ، وهم أيضاً رسل من الله لأنّ عيسى  يعمل بأمر الله سبحانه وتعالى، ﴿لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ﴾( ).
      وهذا الإرسال من رسول الله عيسى  ذُكِرَ في القرآن في سورة يس ( )، قال تعالى:
      ﴿وَاضرِِب لَهُم مَّثَلاً أَصحَابَ القَرْيَةِ إذْ جَآءَهَا المُرْسَلُونَ * إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ﴾( ).
      فالله يقول: (أرسلنا)، مع أنّ المُرسِل عيسى ، فأصبحت الرسالة من عيسى  هي رسالة من الله سبحانه وتعالى؛ لأنّ عيسى  مثَّل الله في الخلق، فهو (طلعة الله في ساعير).
      ويبقى أمر لابد من معرفته في قضية الإرسال من الرُسُل، وهو كون المُرسِل لابد أن يكون بمقام اللاهوت للمُرسَل؛ ولذا فإنّ المرُسِلين من المرُسَلين من الله سبحانه وتعالى لابد أن يكونوا بمقام الله في الخلق.
      ولتتوضّح هذه المسألة أكثر أقول: في الإرسال من الله سبحانه وتعالى كان الله مع المُرسَلين يسمع ويرى فهو محيط بالمرُسَل وبأعدائه، فلا يحصل خطأ في إيصال الرسالة، كما لا يستطيع أعداء الله مهما حاولوا منع تبليغ الرسالة، قال تعالى:
      ﴿ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾( ).
      ومن الضروري أن يكون الحال كذلك في الإرسال من الرُسُل ، فلابد أن يكون المُرسِل الذي مثَّل الله محيطاً بالمُرسَل وبأعدائه، ويسمع ويرى وقادراً عالماً بقدرة الله وعلمه، وإلاّ فلا يكون هذا الإرسال من الله حقيقة، وتماماً كما عبّر عنه سبحانه ﴿إِذْ أَرْسَلْنَا﴾، وإذا كان الأمر كذلك أصبح المُرسِل لاهوت بالنسبة للمُرسَل.
      ثم إنّ هذا المُرسِل أرسل رسوله بإذن الله سبحانه وتعالى، فكيف يأذن له الله دون أن يجهّزه بالقدرة الكاملة لهذا الإرسال الذي هو أيضاً إرسال منه سبحانه؛ لأنّه إذا لم يكن الأمر كذلك وكان هناك نقص، فإنّ هذا النقص ينسب إلى ساحة الله سبحانه وتعالى.
      ثم إنّ الهدف من خلق بني آدم هو الوصول إلى هذه النتيجة؛ لأنّها تمثل خلافة الله الحقيقية الكاملة التامّة، وقد ذكرها سبحانه في محضر من الملائكة عندما أراد خلق آدم :
      ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ﴾( ).
      والخليفة الكامل لابد أن يكون صورة كاملة لمن استخلفه، فلابد أن يكون هذا الخليفة الكامل هو: (الله في الخلق) أو (أسماء الله الحسنى ) أو (وجه الله)، قال تعالى:
      ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾( ).
      وأكيد أنّ النظر لا يوجّه إليه سبحانه وتعالى، بل إنّ وجوه أوليائه الناضرة ناظرة إلى مربيها محمد الذي هو وجه الله سبحانه الذي واجه به خلقه.
      وقال تعالى: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ﴾( ).
      وتعالى الله عن الإتيان والذهاب والحركة، وهي من صفات المخلوق، فالمراد بهذه الآية محمـد خليفة الله الكامل، الذي يمثل اللاهوت (الله في الخلق)، وبدون أن يمارس الخليفة دور اللاهوت في إرسال المرُسَلين عملياً لا يكون خليفة الله الكامل حقّاً وتماماً، بل ولا يتحقق الهدف من الخلق؛ فإنّه بممارسة هذا الخليفة لدور اللاهوت يكون صورة كاملة يعرف بها الله سبحانه وتعالى، فيتحقق الهدف من الخلق، وهو المعرفة، أي معرفة اللاهوت والتوحيد الحقيقي: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾( )، أي إلاّ ليعرفون ( ).

      * * *









      النبــوّة
      في زمن القائم المهدي الذي يُطهّر الأرض
      مما تقدّم تبيّن أنّ للأئمة والمهديين مقام النبوّة، وهم رُسُل. ولكن الكلام هنا في أصحاب المهدي، أي العدّة الأولى ومن يليهم من الأولياء.

      أوصاف أصحاب المهدي  في القرآن:
      1- ﴿ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرىً ظَاهِرَةً﴾( ).
      ليس المراد في هذه الآية إلاّ رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله، كما أنّ المراد من قوله تعالى: ﴿ وَكَأَيِنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُكْراً ﴾( ).
      الناس الذين في القرية، لا الجدران.
      إذن، فالله يقول جعلنا بينكم أيّها المؤمنون وبين القرى المباركة قرى ظاهرة.
      والقرى المباركة: هم محمد وآل محمد .
      أمّا القرى الظاهرة: فهم خاصة أولياء الله الذين يكونون حجة على الناس.
      روى الحر العاملي في الوسائل: (عن مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْغَيْبَةِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ الْحِمْيَرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحٍ الْهَمْدَانِيِّ قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى صَاحِبِ الزَّمَانِ  إِنَّ أَهْلَ بَيْتِي يُقَرِّعُونِي بِالْحَدِيثِ الَّذِي رُوِيَ عَنْ آبَائِكَ  أَنَّهُمْ قَالُوا : خُدَّامُنَا وَقُوَّامُنَا شِرَارُ خَلْقِ اللَّهِ.
      فَكَتَبَ : وَيْحَكُمْ مَا تَقْرَءُونَ ! مَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
      ﴿وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً﴾ ،
      فَنَحْنُ وَاللَّهِ الْقُرَى الَّتِي بَارَكَ فِيهَا، وَأَنْتُمُ الْقُرَى الظَّاهِرَةُ) ( ).
      وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ فِي كِتَابِ "إِكْمَالِ الدِّينِ" عَنْ أَبِيهِ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ مِثْلَهُ ( ). وَرَوَاهُ أَيْضاً بِالْإِسْنَادِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْكُلَيْنِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ صَاحِبِ الزَّمَانِ  مِثْلَهُ ( ).
      وعن أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ الطَّبْرِسِيُّ فِي كِتَابِ الْإِحْتِجَاجِ: عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ  فِي حَدِيثٍ أَنَّهُ قَالَ لِلْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: (.. فنَحْنُ الْقُرَى الَّتِي بَارَكَ اللَّهُ فِيهَا ، وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ  لِمَنْ أَقَرَّ بِفَضْلِنَا حَيْثُ أَمَرَهُمُ اللَّهُ أَنْ يَأْتُونَا، فَقَالَ:
      ﴿وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً ﴾،
      وَالْقُرَى الظَّاهِرَةُ الرُّسُلُ وَالنَّقَلَةُ عَنَّا إِلَى شِيعَتِنَا، وَفُقَهَاءُ شِيعَتِنَا إِلَى شِيعَتِنَا، وَقَوْلُهُ:
      ﴿وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ﴾،
      فَالسَّيْرُ مَثَلٌ لِلْعِلْمِ سِيرُ بِهِ لَيَالِيَ وَأَيَّاماً، مَثَل لِمَا يَسِيرُ بِهِ مِنَ الْعِلْمِ فِي اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ عَنَّا إِلَيْهِمْ، فِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَالْفَرَائِضِ والأحكام، آمِنِينَ فِيهَا إِذَا أَخَذُوا ( ) منه، آمِنِينَ مِنَ الشَّكِّ وَالضَّلَالِ، وَالنُّقْلَةِ إِلَى الْحَرَامِ مِنَ الْحَلَالِ؛ لأنّهُمْ أَخَذُوا الْعِلْمَ ممَّنْ وَجَبَ لَهُمْ أَخْذِهِمْ إياه عَنْهُمُ بالمعرفة؛ لِأَنَّهُمْ أَهْلُ مِيرَاثِ الْعِلْمِ مِنْ آدَمَ إِلَى حَيْثُ انْتَهَوْا، ذُرِّيَّةٌ مُصَطفَّاةٌ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ، فَلَمْ يَنْتَهِ الِاصْطِفَاءُ إِلَيْكُمْ ، بَلْ إِلَيْنَا انْتَهَى، وَنَحْنُ تِلْكَ الذُّرِّيَّةُ لَا أَنْتَ وَلَا أَشْبَاهُكَ يَا حَسَنُ) ( ).
      وفي الاحتجاج: (عن أبي حمزة الثمالي: قال دخل قاضٍ من قضاة الكوفة على علي بن الحسين ، فقال له: جعلني الله فداك أخبرني عن قول الله :
      ﴿وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ ﴾.
      قال له: ما يقول الناس فيها قبلكم بالعراق ؟
      قال: يقولون إنّها مكة.
      فقال: وهل رأيت السرق في موضع أكثر منه بمكة ؟
      قال: فما هو ؟
      قال: إنّما عنى الرجال.
      قال: وأين ذلك في كتاب الله ؟
      فقال: أ وما تسمع إلى قوله تعالى: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ﴾( )، وقال: ﴿وَتِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ ﴾( )، وقال: ﴿واسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها﴾( ) ؟ فليسأل القرية أو الرجال أو العير، قال: وتلا  آيات في هذا المعنى.
      قال : جعلت فداك فمن هم ؟
      قال : نحن هم، وقوله: ﴿سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ﴾، قال: آمنين من الزيغ) ( ).
      وأصحاب القائم المهدي  هم خير مصداق للقرى الظاهرة.
      قال أمير المؤمنين  فيهم: (ألا بأبي وأمي هم من عدّة أسماؤهم في السماء معروفة، وفي الأرض مجهولة) ( ).
      وفي ينابيع المودّة لذوي القربى/ القندوزي، قال: (وأشار - يعني أمير المؤمنين علي - إلى أصحاب المهدي (رضي الله عنهم). بقوله: ألا بأبي وأمي هم من عدّة ، أسماؤهم في السماء معروفة، وفي الأرض مجهولة) ( ).
      وقال : (فيا ابن خيرة الإماء متى تنتظر البشير بنصر قريب من رب رحيم. ألا فويل للمتكبرين عند حصاد الحاصدين. وقتل الفاسقين عصاة ذي العرش العظيم. فبأبي وأمي من عدّة قليلة أسماؤهم في السماء معروفة، وفي الأرض مجهولة قد دان حينئذٍ ظهورهم) ( ).
      وفي ينابيع المودّة: (نقل عن أمير المؤمنين علي : ... فيا ابن خيرة الإماء متى تنتظر أبشر بنصر قريب من رب رحيم، فبأبي وأمي من عدّة قليلة ، أسماؤهم في الأرض مجهولة، قد دان حينئذٍ ظهورهم) ( ).
      وقال رسول الله : (اللهم لقني إخواني مرتين.
      فقال من حوله من أصحابه: أما نحن إخوانك يا رسول الله ؟
      فقال: لا، إنّكم أصحابي، وأخواني قوم في آخر الزمان، آمنوا ولم يروني، لقد عرفنيهم الله بأسمائهم وأسماء آبائهم، من قبل أن يخرجهم من أصلاب آبائهم وأرحام أمهاتهم. لأحدهم أشد بقية على دينه من خرط القتاد ( ) في الليلة الظلماء، أو كالقابض على جمر الغضا ( ). أولئك مصابيح الدجى ينجيهم الله من كل فتنة غبراء مظلمة) ( ).
      فعلي  يفدّيهم بأبيه الوصي (أبي طالب)، وأمه الطاهرة الزكية (فاطمة بنت أسد) التي تربّى رسول الله محمد في حجرها، ورسول الله يقول عنهم: إنّهم إخواني، ويفضّلهم على أصحابه المنتجبين الكرام، الذين سقوا هذا الدين بدمائهم.
      ولكن المراد هنا في هذه الآية: هم العدّة الأولى، أي الثلاث مائة وثلاثة عشر، وهم يتلقّون وحياً من ملكوت الله سبحانه وتعالى بالرؤيا الصادقة، ويعلمون بشيء من الغيب بإذن الله، ولبعضهم مقام النبوّة، وكلٌ منهم بحسب مقامه وعلوّ شأنه عند الله سبحانه، وبعضهم رُسل من الأنبياء المُرسلين السابقين ، ولكنهم جميعاً يجتمعون على أمر واحد؛ لأنّ الله واحد، واجتماعهم خير دليل على صدقهم، وعلى صدق من اجتمعوا عليه.
      أمّا من يدعي هذا الأمر ولا يكون معهم، فهو كاذب وعدو الله (من ليس معي فعليّ)، (ومن لا يجمع لي يجمع للشيطان).
      هؤلاء القرى الظاهرة؛ هم رُسل من الله؛ لأنهم عرفوا الحق من الله، ويُوحي لهم الله بالرؤيا الصادقة، فهم مع القائم المهدي  الذي يُطهر الأرض، وهم يجمعون الناس للقائم المهدي الذي يُطهّر الأرض، فهم حجّة على الناس، وليس فيهم عاثر، بل يجتازون العقبة ويتّبعون حجّة الله عليهم، ويجمعون له أنصار الله سبحانه.
      2- ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ * إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عَابِدِينَ﴾( ).
      هذه الآية نزلت في المهدي وأصحاب المهدي ، والأئمة أكدّوا ذلك. وأوصافهم فيها هي:
      أ / يرثون الأرض.
      ب / عباد صالحون.
      ج / قوم عابدون.
      وقبل أن نبدأ في التفصيل يجب ملاحظة أنّ الذي وصفهم بهذه الأوصاف ليس إنسان، بل هو الله سبحانه وتعالى الذي خلقهم ويعلم نقاء بواطنهم وقدسية أرواحهم.

      أ ) هم يرثون الأرض:
      ما نعرفه أنّ الذي يرث الأرض هو الوصي في كل زمـان، فورثة الأرض هم الأنبياء المرسلون ، وكل واحد منهم يوصي للذي بعده ، بأمر الله سبحانه وتعالى.
      وفي هذه الآية نجد أنّ الأرض لا يرثها واحد ، بل جماعة هم أصحاب القائم المهدي ، كما أنّ هؤلاء الورثة ليسوا أوصياء.
      فالمراد بهذه الوراثة؛ هو أنهم حجّة الوارث الحقيقي للأرض ، وهو الوصي المهدي  على الناس، فوراثتهم باعتبار أنهم حجج حجّة الله ، وخلفاء خليفة الله على هذه الأرض، كما أنّ وراثته  للأرض باعتبار إنّه حجّة الله وخليفة الله.
      أمّا سبب هذه الحالة المستجدّة في قانون الوراثة؛ فهو أنّ الأنبياء المرسلين السابقين  وإن كانوا حجج الله وخلفاء الله وورثة الأرض في زمانهم، ولكنّهم لم يمكّنوا من ممارسة صلاحياتهم المخوّلة لهم من الله، كونهم ورثة الأرض.
      وهؤلاء الأولياء أصحاب المهدي  هم رُسل من أولئك الأنبياء المرسلين ، فوراثتهم لهذه الأرض وتمكينهم من ممارسة صلاحيات الوراثة هي بعينها وراثة وتمكين الأنبياء المُرسلين الذين أرسلوا هؤلاء الأولياء الصالحين أصحاب المهدي ، وبهذا تنطبق هذه الآية:
      ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَـلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُـورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾( ).
      لأنّ وراثة وتمكين ونصر أصحاب المهدي  هو وراثة وتمكين ونصر من أرسلهم، وهم الأنبياء المرسلون السابقون .
      أمّا تطبيق شرائع الأنبياء المرسلين السابقين في الأرض والذي به يكتمل نصرهم ، فالذي يتكفله هو المهدي ، وكما قال تعالى:
      ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ﴾( ).
      وعَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ، قَالَ: (قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ : إِنَّ الْأَحَادِيثَ تَخْتَلِفُ عَنْكُمْ ؟
      قَالَ فَقَالَ: إِنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ وَأَدْنَى مَا لِلْإِمَامِ أَنْ يُفْتِيَ عَلَى سَبْعَةِ وُجُوهٍ، ثُمَّ قَالَ: ﴿هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ﴾( ) ) ( ).

      ب) عباد صالحون:
      قد تبيّن أنّ المراد بالعباد الصالحين؛ هم الأنبياء المرسلون السابقون كما تبيّن أنّ أصحاب المهدي  أيضاً ينطبق عليهم هذا الوصف والمدح العظيم من الله سبحانه وتعالى؛ لأنهم رُسل من أولئك العباد الصالحين، ومثّلوهم ومثّلوا وراثتهم لهذه الأرض خير تمثيل.

      ج) قوم عابدون:
      هؤلاء القوم هم أصحاب المهدي ، وينبغي أن نتوقّف عند المراد بقوله تعالى:
      ﴿لِقَوْمٍ عَابِدِينَ﴾، ويفسره قوله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾( ).
      أي يعرفون، كما هو واضح في هذه الآية، فالمراد من العابدين في الآية السابقة هو العارفون، والمعرفة تناسب البلاغ، فالذي يعنيه البلاغ هو الذي يعرفه:
      ﴿إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عَابِدِينَ﴾( ) .
      وإن كان يوجد أوصاف كثيرة لأصحاب القائم  في القرآن، ولكني أكتفي بهذا القدر القليل لبيان ارتباطهم بالنبوّة والرسالة، وبالأنبياء السابقين .
      ولأنّ الكلام مع كل إنسان يبحث عن الحقيقة وليس مع المسلمين فقط أضرب هذا المثل من الكتاب المقدّس ( ) لبيان ارتباط أصحاب المهدي  بكل مستوياتهم بالأنبياء جميعاً ، فمعروف أنّ عدد الأنبياء السابقين هو (124) ألف نبي أو أكثر ، وهذا العدد يكاد يكون الأكثر تداولاً بين الناس عالمهم وجاهلهم.
      وأيضاً في العهد الجديد (الإنجيل) يذكر أنّ ابن الإمام المهدي  يجمع أنصار أبيه (144) ألف، وهم مختومون على جباههم، ويقفون على جبل صهيون، وهو رمز إلى فتح الأرض المقدّسة التي وعد بها المهدي ؛ (ثم نظرت وإذا خروف واقف على جبل صهيون ومعه مائة وأربعة وأربعون ألفاً لهم اسم أبيه مكتوباً على جباههم …) ( ).

      * * *

      ملحمة القيام المقدّس
      بين الشيطان وجنده من الإنس والجن ، وبين الله وجنده من الإنس والملائكة والجن.
      وجند إبليس (لعنهم الله) من الطواغيت، فلابد من وجود فرعون ونمرود وكل طاغوت، فوجود أشباههم هو وجودهم، كما أنّ وجود شبيه إبليس بين الإنس هو وجوده بين الإنس. ووجود الُرسل من الأنبياء المرسلين السابقين هو وجود الأنبياء في هذه المعركة المقدّسة، وكذا وجود صورة الله ووجه الله وأسماء الله الحسنى، وخليفة الله ، وهو حجّة الله على خلقه في زمن الظهور والقيام المهدوي المقدّس هو وجود الله سبحانه وتعالى في المعركة، يقاتل مع جنده؛ لذا ورد في التوراة: (ولكن يعطيكم السيد نفسه آية. ها العذراء تحبل وتلد ابنا وتدعو اسمه عمانوئيل) ( )، ومعناها (الله معنا).
      وورد قريب من هذا النص وتفسيره (الله معنا) في إنجيل متى الإصحاح الأول.
      وفي دعاء السمات: (.... وأسألك اللهم ......، وبطلعتك في ساعير " أي إنّ عيسى مثّل طلعة الله " ....، وظهورك في جبل فاران " أي إنّ محمداً مثّل ظهور الله " .....) ( ).
      والمعركة هي معركة هداية بالنسبة للمهدي ، وليست معركة قتل وسفك دماء، فإبليس (لعنه الله) يريد أن يأخذ أكبر عدد ممكن معه ليدخلهم إلى جهنم، ويحقق وعده بغوايتهم، أمّا المهدي  فيريد أن يأخذ أكبر عدد ممكن معه إلى الجنة بهدايتهم إلى الحق والتوحيد الخالص له سبحانه وتعالى.
      ولذا، فالمعركة ابتداءً هي معركة عقائدية كلامية، فالمهـدي  هو علي  وهو الحسين ، وعلي  لم يبدأ ملحمة قيامه العسكري المقدّس التي انطلقت من معركة الجمل حتى أرسل شاباً يحمل القرآن للقوم الذين جيّشوا الجيوش عليه لقتله، فكان ردّ جند الشيطان هو قتل الشاب وتمزيق القرآن، وكذا الحسين  لم يبدأ ملحمة قيامه العسكري المقدّس حتى كلّم القوم هو وأصحابه ونصحهم، ولكنّهم ردّوا عليه وعلى أصحابه بالنبال. فقال لأصحابه: " قوموا رحمكم الله، فهذه رُسل القوم إليكم " ( )، فعلي والحسين  يبدأون بالكلام وإلقاء الحجّة لهداية الناس، ولكن جند الشيطان - ولعجزهم - لا يجدون إلاّ الحراب يردّون بها على حكمة علي  والحسين .
      وكذا المهدي  ابن علي  وابن الحسين  يبدأ بالكلام والمناظرة العقائدية ليهدي القوم، ولكنّهم لا يجدون لعجزهم عن الرد على الكلمة الحكيمة والحجة البالغة إلاّ الحراب يردّون بها، عندها لا يجد المهدي  إلاّ قول علي : ( نقاتلهم على هذا الدم الذي سفكوه)، ولا يجد إلاّ قول الحسين : (قوموا يرحمكم الله فهذه رُسل القوم إليكم).


      أحمد الحسن
      ذو الحجة : 1427هـ.ق






      الفهرس

      تقديم الكتاب ......................................................... 3
      الإهداء .............................................................. 7
      النبوّة ................................................................ 9
      الرؤيا والنبوّة ........................................................... 13
      خَاتَم النبيين .......................................................... 16
      محمد ظهور الله في فاران ................................................ 23
      محمد خَاتِم النبيين وخَاتَمهم ................................................. 27
      الُرسل من الُرسل ........................................................ 31
      النبوّة في زمن القائم المهدي  الذي يطهر الأرض ................................... 34
      ملحمة القيام المقدّس ...................................................... 41
      الفهرس ............................................................. 43

      والحمد لله رب العالمين
      من اقوال الامام احمد الحسن عليه السلام في خطبة الغدير
      ولهذا أقول أيها الأحبة المؤمنون والمؤمنات كلكم اليوم تملكون الفطرة والاستعداد لتكونوا مثل محمد (ص) وعلي (ص) وآل محمد (ص) فلا تضيعوا حظكم، واحذروا فكلكم تحملون النكتة السوداء التي يمكن أن ترديكم وتجعلكم أسوء من إبليس لعنه الله إمام المتكبرين على خلفاء الله في أرضه، أسأل الله أن يتفضل عليكم بخير الآخرة والدنيا.

      Comment

      Working...
      X
      😀
      🥰
      🤢
      😎
      😡
      👍
      👎