إعـــــــلان

Collapse
No announcement yet.

سيرة حياة النبي محمد (ص)

Collapse
This is a sticky topic.
X
X
 
  • Filter
  • الوقت
  • Show
Clear All
new posts
  • almawood24
    يماني
    • 04-01-2010
    • 2174

    سيرة حياة النبي محمد (ص)

    بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وصلى الله على محمد وآله الأئمة والمهديين وسلم تسليما كثيرا
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته اخوتي انصار الله
    قصه الرسول الاكرم محمد ص &&


    الرسول الأعظم محمد (صلّى الله عليه وآله)
    الاسم: محمد (ص)
    اسم الأب: عبد الله.
    اسم الأم: آمنة
    تاريخالولادة: عام الفيل
    محل الولادة: مكة
    تاريخ الوفاة: السنة الثالثة عشرة للهجرة
    محل الوفاة: المدينة
    محل الدفن: المدينة.

    عام الفيل
    بسم الله الرحمن الرحيم
    قبل الهجرة باثنتين وخمسين سنةً، توجّه أبرهة الأشرم من اليمن بجيش كبير، عماده محاربون يركبون الفيلة، توجّه نحو مكّة لتدمير بيت الله. وقام في طريقه إلى مكة بالقضاء على كلّ من حاول الوقوف في وجهه.
    وصل جيش أبرهة إلى ضواحي مكة، وكان الوقت ليلاً، فأقام معسكره هناك في انتظار الصّباح ليشرع في هجومه، بينما سارع أهل مكّة إلى الجبال هرباً منه، وأسلموا الكعبة إلى الله، فهو سبحانه الكفيل بالدفاع عنها، فهي أول بيتٍ أقيم في الأرض لعبادته تعالى.
    وفي الصباح الباكر. شرع المقاتلون بهجومهم على الكعبة، يتقدّمهم ركّاب الفيلة، وفجأةً ظهرت في السماء أسراب هائلة من الطيور، تحمل في مناقيرها حجارةً صغيرةً، قامت بإلقائها فوق رؤوس أبرهة ورجاله، ارتفع صراخ العسكر وتعالى أنينهم وتوجّعهم، وبدأوا يتساقطون، الراكب منهم والراجل، الحصان وفارسه، الفيل وراكب الفيل، تساقطوا فوق بعضهم أكواماً من الجثث، وهكذا قضى الإله القدير على أعدائه المارقين. وكان هذا الحدث العجيب وراء تسمية تلك السنة بـ «عام الفيل»، العام الذي تمّ فيه القضاء - وبإرادة العلي القدير - على فيلة الحرب وركابها، بحجارةٍ صغيرةٍ اخترقت أجسادهم، وحفظ الله بيته من عدوان المعتدين.

    محمد الأمين
    في ذلك العام «عام الفيل» ولد الرسول الأكرم، لأمه آمنة بنت وهب. وكانت آمنة سليلة بيت الكرم والشرف، وقد اشتهرت بالسمعة الطيّبة والطهارة والعفاف، أمّا أبوه فكان يدعى عبد الله، الابن المحبوب من أبيه عبد المطلب (جد الرسول)، وسيد قومه، وموضع اعتزازهم واحترامهم. وقد فارق عبد الله الحياة قبل ولادة الرسول الأكرم (ص)، أمّا آمنة فقد انتقلت إلى رحمة ربّها بعد ولادته (ص) بستّ سنوات، فكفله جدّه عبد المطلب، وعهد به إلى امرأةٍ عفيفةٍ شريفةٍ، اسمها حليمة السعدية، لتقوم بإرضاعه ورعايته، وقد توفّي عبد المطلب بعد عامين، فأخذه عمه أبوطالبٍ إلى بيته، وتكفّل برعايته وتربيته.
    كان أبوطالب يتعاطى التجارة، وكان من عادة تجار مكة أن يخرجوا بتجارتهم إلى الشام مرّةً في السنة، وقد رافق محمد (ص) عمه أبا طالبٍ في إحدى رحلاته إلى الشام.
    عرف الجميع عن محمدٍ (ص) أمانته واستقامته، حتى اشتهر بينهم بـ «محمد الأمين». ولمّا علمت خديجة باستقامته وأمانته، وكانت من أشرف نساء مكّة وأكثرهنّ ثراءً، سلّمته أعمالها التجارية، فاكتسب خبرةً واسعةً بطرق وأصول التجارة، ثم ما لبثت أن أحبّت أخلاقه وعزّة نفسه، فتزوّجت منه، ووضعت بين يديه وفي تصرّفه، كامل ثروتها وأعمالها . .
    فقام (ص) مستعيناً بقوّة شبابه وإرادته، وما وفّرته له زوجته من إمكانيّاتٍ، قام بمساعدة المظلومين، ومد يد العون إلى الفقراء المستضعفين.
    رزق (ص) من خديجة بستة أبناء: ولدين أسماهما قاسماً وعبد الله، وقد توفّيا صغيرين قبل بعثته (ص)، وأربع بناتٍ هنّ رقية وزينب وأم كلثوم وفاطمة (ع). وكان (ص) كثير الصبر عظيم الجلد، فلم يبدر منه أيّ إحساس بالضعف لموت ولديه، بل تقبّل قضاء الله وحكمه بالرّضى والإقرار.
    كان (ص) يتمتّع باحترامٍ شديدٍ بين الناس، وكانوا يرجعون إليه ليسادعهم في حل مشاكلهم، وكانوا يثقون به ويعتمدون عليه، ويودعون لديه أماناتهم، ولم تعرف عنه كذبه واحدة، لأنّه كان رجلاً صادقاً مؤمناً. (وإنّك لعلى خلقٍ عظيمٍ) (القلم - 4).
    كان الناس في تلك الأيام يعبدون الأصنام، بينما كان هو يعبد الله الواحد الأحد، ملّة جده إبراهيم الخليل (ع)، وكان يقضي معظم وقته يتعبّد في غار حراءٍ، وهو غار يقع على قمّة جبل في شمال مكّة. وكان يذهب خفيةً إلى هناك، فيقضي شهر رمضان بكامله، يصلي ويعبد ربّه ويناحيه.

    البعثة
    في السابع والعشرين من شهر رجب، وكان (ص) كعهده دائماً مشغولاً بعبادته في الغار، وإذا بجبرائيل - ملاك الرحمان - يظهر أمامه، وما إن تطلع إليه حتى بادره قائلاً: (اقرأ). اقرأ باسم ربّك الذي خلق). وهكذا اختار الله سبحانه محمداً (ص) للنبوّة، وهو في سن الأربعين، وكلّفه بأن يقوم بهداية الناس، وإخراجهم من الظلمات والشرك والجهل الذي هم فيه، إلى رحاب العلم ونور الإيمان، وأن يرشدهم إلى طريق السعادة والفلاح في الدنيا والآخرة.
    (وما أرسلناك إلاّ رحمةً للعالمين) (الأنبياء - 107).
    نزل الرسول (ص) من الجبل مضطرباً وتوجّه إلى بيته، وهناك كانت أوّل امرأة آمنت به، وهي زوجته خديجة، وأوّل رجلٍ مد يده إليه بالبيعة، ابن عمه الفتى علي بن أبي طالب، الذي تربّى في بيت الرسول (ص) منذ نعومة أظفاره.

    وأنذر عشيرتك الأقربين
    كان النبي (ص) حين يقوم للصلاة، يقف عليّ (ع) عن يمينه وتقف خديجة من ورائه، واستمر الأمر كذلك، حتى أمر أبوطالبٍ ولده جعفر باتّباع الرسول (ص). ثم نزل إليه أمر الله تعالى، بأن يقوم بدعوة أهله وعشيرته الأقربين إلى الإسلام (وأنذر عشيرتك الأقربين) (الشعراء - 214).
    فدعا (ص) إلى بيته ما يزيد على أربعين فرداً من بني هاشمٍ، وبعد أن تناولوا الطعام، وقف بينهم، وحمد الله وأثنى عليه ثم قال: «يا بني عبد المطلب، إني والله ما أعلم شابّاً في العرب، جاء قومه بأفضل ممّا جئتكم به، إنّي قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله تعالى أن أدعوكم إليه، فأيّكم يؤازرني على هذا الأمر، على أن يكون أخي ووصيّي وخليفتي فيكم؟».
    ومن بين الحضور جميعهم، وقف عليّ (ع) وهو ما يزال ابن عشر سنواتٍ، وأعلن استعداده لمؤازرة الرسول (ص). كرّر الرسول (ص) قوله ثلاث مراتٍ، وكان الوحيد الذي استجاب له في المرّات الثلاث هو عليّ (ص).
    بقي الرسول (ص) يدعو إلى الإسلام سرّاً، لمدّة ثلاث سنوات، واستجاب لدعوة الإيمان عدد قليل من الناس.

    في مواجهة الشرك
    في تلك الأيّام، كان الناس يفدون إلى مكّة من بلادٍ وأماكن بعيدةٍ للحج، وكانوا يحضرون معهم بضائع يحتاجها أهل مكة، فيتّجرون بها معهم، وكان هذا العمل مصدر ربح وفير يجنيه أثرياء مكة ، والربح هو همهم ومحور تفكيرهم.
    كان الرسول (ص) يدعو الناس إلى ترك العادات السيئة، كالزنا وشرب الخمر ووأد البنات وقتلهم، وأكل مال اليتيم وأكل الميتة وشهادة الزور، وغير ذلك من الفواحش. وكان يدعوهم بالمقابل إلى الأمر بالمعروف والإحسان إلى الأرامل واليتامى والمساكين، وصلة الرحم وحسن الجوار.
    وكان (ص) يجلس إلى أولئك الزوار القادمين من بعيد، ويتحدّث إليهم، وينصحهم بترك عبادة الأصنام، التي صنعها الكفّار بأيديهم من الخشب والحجارة، ونصبوها في المسجد الحرام فوق الكعبة، ينصحهم بترك عبادتها لأنّها لا تنفعهم ولا تضرّهم. وأن يتّجهوا بالعبادة إلى الإله الواحد، خالق كلّ شيءٍ.
    كان أثرياء مكّة يتساءلون: ماذا لو استمع الناس إلى محمد وتركوا عبادة الأصنام، إذن لا نقطع قدومهم إلى مكة، وانقطع معهم مورد رزقنا ومصدر أرباحنا، لذلك شرعوا في إعلان الخصام الشديد لمحمد (ص) ولتابعيه من المسلمين الأوائل، ورغم ذلك فقد كان عدد المؤمنين يزداد يوماً عن يوم، كما كانت معاملة قريش له ولأصحابه، تزداد قسوةً ووحشيةً. وكان مشركو قريش ينزلون بالمسلمين الأذى والضرر، ويوجّهون لهم السباب والشتائم، كي يمنعوا انتشار الإسلام بين الناس، غير أنّهم لم يجرؤوا على توجيه الأذى لجميع المسلمين، لأنهم ينتسبون الى قبائل عديدة، تحسب قريش حسابها، وأمام عجزهم ذاك، فقد توجّه نفر من أعيانهم إلى بيت أبي طالب، عمّ الرسول وحاميه، وسيد بني هاشم، وشكوا إليه أمرهم مع محمد قائلين:
    يا أبا طالب إنّ ابن أخيك محمداً قد عاب آلهتنا، وسفه أحلامنا وسخر من عقائدنا، واتّهم آباءنا بالضلال، ونحن على استعداد لكي نقدم إليه كل ما يطلب، لو ترك هذا الأمر، فإمّا أن تمنعه أنت، وإمّا أن تسلمه إلينا فنرى فيه رأينا.
    قال أبوطالب: سأتحدث إليه في هذا الأمر. وعند ما نقل أبوطالب أقوال قريش إلى النبي (ص) أجابه: «والله يا عم، لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في شمالي، على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه». فلمّا سمع أبوطالب مقالة النبي (ص) وردّه على العرض الذي تقدمت به قريش، أخذ يده بقوة وحرارة قائلاً: وأنا أيضاً أقسم بالله، أنّي لن أرفع يدي عنك، فسر في طريقك.
    رأى كبار قريش أن يلجأوا إلى الخديعة والمكر، بعد أن رأوا فشل تخطيطهم، فقالوا له: يا أبا طالب، إنّ محمداً قد شتت جموعنا وسخر منا ومن أصنامنا التي نحن لها عابدون، حتى أغرى بنا غلماننا، وشجّعهم على العصيان والتمرد، ونحن لا نرى تفسيراً لسلوكه ولا ندري ما هو غرضه. فإن كان فقيراً أغنيناه، وإن كان يريد الملك والجاه، أمرناه علينا وله منا الطاعة، وكل ما نطلبه منه، هو أن يتخلّى عن هذه الدعوة ويتركنا لحالنا وأمورنا. لكنّ الرسول (ص) نظر إلى عمّه وقال: يا عمّاه، أنا لا أريد من هؤلاء الناس شيئاً ولا أطلب منهم إلا أن يؤمنوا بالله الواحد العظيم، ويتركوا معبوداتهم وأصنامهم الحقيرة تلك، فإنّها لا تغني عنهم شيئاً. سمع رجال قريش جواب الرسول (ص) فامتلأوا غضباً وغيظاً وخرجوا وقد صمّموا على أن يستعملوا معه الشدّة والقسوة منذ ذلك اليوم.
    عقب هذه الحادثة، ضاعفت قريش من إيذائها للرسول، وتعذيبها لأصحابه، حتى أن بعض أقارب النبي (ص)، كأبي لهب، غدوا من أعدى أعدائه. فكانوا يرمونه بالأقذار، ويسخرون منه ويوجّهون إليه السباب على مرأى من الناس، حتى أنّهم اتّهموه بالخبل والجنون. لكنّهم كانوا عبثاً يحاولون، فلم يفوزوا من أفعالهم هذه بطائل، وكم كانوا يتمنون لو يقتلوه ويتخلّصوا منه، لو لا خوفهم من عزيمة أبي طالب، وسيف حمزة، وانتقام بني هاشم. وكم من مرّة رسموا خططاً لقتله، لكنهم كلما حاولوا تنفيذ خططهم الشريرة، كان الله سبحانه لهم بالمرصاد، فأبطل أعمالهم وسفّه أحلامهم.

    أول شهادة في الإسلام
    كان نصيب بعض المسلمين من الأذى قليلاً، لأنّهم ينتمون إلى قبائل كبيرةٍ ومشهورة، وكان المشركون يخافون من قبائلهم تلك، لكنّ أكثر أتباع الدين الإسلامي، كانوا من الفقراء المستضعفين، أو من العبيد الأرقّاء، فكان الأذى الذي ينزل بهم أقوى وأشدّ، كبلال الحبشيّ، وكان عبداً أسود البشرة، فقد طرحه سيّده فوق الأحجار الملتهبة تحت شمس مكة الحارقة، كما طرحت فوق صدره صخور كبيرة الحجم، وترك ساعات يعاني من العذاب والحرّ، والجوع والعطش، كانوا يطلبون منه الابتعاد عن محمد ودعوته. لكن جواب بلال لهم كان قوله . . أحد، أحد، الله واحد. فما كان من المشركين أخيراً إلاّ أن ربطوه بحبل. وصاروا يجرونه في أزقّة مكة، فوق الأحجار والرّمال، لكنّ بلالاً كان مسلماً حقّاً، ولم تكن شدّة العذاب إلا لتزيده قوّةً وإيماناً.
    كما كان ياسر وسميّة وابنهما عمّار، من المسلمين المستضعفين، المحرومين ممن يحميهم ويدفع الأذى عنهم. لذلك فقد رأوا من العذاب أشدّه، أمّا ياسر وسميّة فقد قضيا شهيدين تحت التعذيب. وأمّا عمار، فقد قاومهم حتى اقترب من الموت، بعد أن رأى مصرع أبويه أمام عينيه لكنّه لم يكن أبداً ليرتدّ عن شريعة الإسلام، وإن تفوّه بكلمة الكفر تقيّةً تحت تأثير العذاب. (إلاّ من أكره وقلبه مطمئنّ بالإيمان) (النحل - 106).
    كان الرسول (ص) يرى هذه الألوان من العذاب، تنزل بأصحابه وأحبابه، فيتفطّر لهم قلبه العطوف، ويألم لمصابهم، لكنّه لم يكن يملك من علاجٍ إلاّ الصبر الجميل.

    المقاطعة
    أحس مشركو قريش أن خططهم لم تصل إلى نتيجةٍ، ورأوا الخطر يزداد عليهم بازدياد انتشار الإسلام، فلجأوا إلى تدبير خسيس، بعيد عن الإنسانية، وقرّروا مقاطعة المسلمين، وفرض الحصار الاقتصادي عليهم، وأصدروا وثيقةً تتضمّن أربع نقاطٍ للمقاطعة:
    1- منع الشّراء والمبيع من المسلمين.
    2 - مناصرة خصوم محمدٍ، والالتزام بها، واجب في جميع النزاعات.
    3 - لا حقّ لأحد في الزواج من المسلمين أو تزويجهم.
    4 - يمنع أيّ شكل من أشكال التعامل أو العلاقة مع المسلمين.
    وعلّقوا صحيفة المقاطعة هذه على الكعبة.
    لما رأى أبوطالبٍ ما وصلت إليه الحال، وكيف غدت معيشة المسلمين مستحيلةً في مكة، تقدم من ابن أخيه، وعرض عليه أن يغادر بنو هاشم إلى بعض ضواحي مكة، ليقيموا في وادٍ يعرف بـ «شعب أبي طالب» وحين لمس قبولاً من الرسول (ص) باقتراحه، جمع أفراد بني هاشم وقال لهم: لقد عزم محمد على الانتقال إلى الشعب، لذا فكلّ منكم مكلف بمرافقته، وأن يكون له مساعداً وظهيراً حتى النفس الأخير.
    امتدت مقاطعة قريش لبني هاشم ثلاث سنوات، كانت من أشدّ الفترات قسوةً على المسلمين، وخاصةً من حيث قلّة المواد الغذائية التي وصلت إلى حد كان فيه الفرد منهم ينال حبّة تمر واحدةً في اليوم، بل كانت حبّة التّمر هذه تقسم أحياناً بين اثنين منهم، وكان علي (ع) يأتيهم بالطعام سرّاً من مكة. وفي الأشهر الحرم، حين كان الأمن يتوفّر بشكل أفضل، كان بعض فتيان بني هاشم يقصدون مكة لتأمين بعض ما يلزمهم من حاجياتٍ، فكانت قريش تحرّض الباعة على رفع أسعارهم، وكان أبولهب يصيح في أسواق مكّة قائلاً: أيّها الناس، ارفعوا من أسعاركم حتى لا يستطيع المسلمون شراء ما يلزمهم ما أشبه اليوم بالبارحة، فقوى الاستكبار اليوم تعمل جاهدةً على إدخال المسلمين في مسالك مماثلة، ولا يزال هناك أناس مثل أبي لهب، يغتنمون ظروف الحصار الاقتصادي، فيرفعون أسعار بضائعهم يوماً عن يوم، إنّهم من أمثال أبي لهب، ومن السائرين على دربه، وهم ليسوا جديرين بحالٍ من الأحوال أن يدعو بالمؤمنين.
    بعد مقاطعةٍ دامت ثلاث سنواتٍ دون طائلٍ، وحين ثبت لقريش أنّ الحصار الاقتصادي بدوره لم يأت بنتيجةٍ، ولم يفت من عزيمة المسلمين، بل زادهم إيماناً، ندم بعض القرشييّن على ما أقدم عليه ومهم، وبدأوا شيئاً فشيئاً يخفّفون الحصار، حتى انتهى الأمر بأن أصبح المسلمون أحراراً في المجيء إلى مكة. واستطاعوا أن يعودوا ثانية إلى بيوتهم، وكان ذلك بمعجزة من الله تعالى، إذ بعث الأرضة (وهي حشرة صغيرة تقرض الأخشاب وغيرها) إلى صحيفة المقاطعة، فأكلت كلّ ماكتب فيها من كلمات الظلم والمقاطعة، وأبقت على غيرها من الكلمات، فلمّا رأى الناس ذلك، عرفوا أنّ الله سبحانه لا يقبل بهذه المقاطعة، فمزّقوا الصحيفة وأسلم عدد كبير منهم.

    الهجرة
    بعد زمن قصير فارق أبوطالب عمّ الرسول (ص)، وخديجة زوجته الحياة، واحداً إثر الآخر، فكان لفقدهما أسوأ الوقع والأثر على الرسول (ص)، وهما ظهيراه وناصراه، واشتدّت بعد موتهما ضغوط قريش على المسلمين، وبخاصّة على رسول الله (ص). فأمر المسلمين أن يهاجر من يريد الهجرة منهم إلى الحبشة قائلاً: «إنّ بها (أي الحبشة) ملكاً لا يظلم عنده أحد، وهي أرض صدق». فهاجر فريق من المسلمين إلى الحبشة بإمرة ابن عمّ الرسول (ص) جعفر بن أبي طالب (ع).
    تآمرت قريش سرّاً على قتل النبي (ص)، وفي الليلة المحدّدة، أخبر الله تعالى نبيه بمكرهم، فأمر (ص) علياّ (ع) بالمبيت على فراشه بعد أن أعلمه بمكر قريش، سرّ علي عليه السلام لأنّه سيفدي الرسول بنفسه، ونام في فراشه، وخرج الرسول (ص) من بين المتآمرين دون أن يروه، ولما اقتحموا الدار مشرعين سيوفهم، فوجئوا بأنّ شاغل الفراش هو عليّ، فأسقط في أيديهم، وملأهم الغيظ دون أن يستطيعوا مواجهة سيف الإمام (ع)، أمّا الرسول (ص) فقد أنجاه الله من بين أيديهم وأحبط مكرهم.
    (ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين) (الأنفال - 30).
    كانت هجرة الرسول (ص) إلى المدينة المنوّرة، ذات أثر كبيرٍ وأهميّة فائقة، حتى اعتبرت سنة الهجرة بداية للتاريخ الإسلامي، وكان سكان المدينة ينتظرون قدوم الرسول إليهم بفارغ الصبر، وقد خرجوا لاستقباله بالأهازيج والتحيات والصلوات، وبين جماهير قد ملأها الحماس، دخل عليه الصلاة والسلام المدينة. وكان أوّل عمل قام به هو أنه أمر ببناء مسجد، ليكون قاعدةً تنطلق منه دعوة الإسلام، وليكون منطلقاً لوحدة المسلمين، وبالتعاون والتّكاتف بين الناس تمّت إقامة المسجد بمدةٍ قصيرة، وبدأ المسلمون يجتمعون فيه كلّ يومٍ، ليستمعوا إلى تعاليم نبيّهم وإرشاداته.
    وكان العمل الثاني للرسول (ص) أنّه آخى بين المسلمين، وغدا الناس الذين كانوا بالأمس القريب يشهرون السيوف على بعضهم، غدوا بفضل هذا النهج، وقد شبكوا الأيدي، ووقفوا كتلةً واحدة لا يشغلهم سوى اليقظة والتنبه إلى أعدائهم، أعداء الإسلام. وقد تمّ تشكيل مجموعات منهم لتعليم القرآن الكريم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ففريق يجلس إلى الناس يتحدّث إليهم، وفريق يتلقّى تعاليم الإسلام وأصوله، وآخرون يمضون مع معاهديهم من المسلمين.

    وقعه بدر الكبرى
    كان الإسلام بهذه الطريقة يحقّق انتشاراً واسعاً يوماً بعد يومً، ويحقّق المسلمون بالتالي مزيداً من القوّة والقدرة، وقد تجلّت هذه القدرة واتّضحت تحديداً في السنة الثانية للهجرة، حيث استطاع جيش المسلمين أن يلحق بمشركي قريش هزيمةً منكرةً، وذلك في وقعة بدر الكبرى وقد اكتسب المسلمون بعد هذه الوقعة المزيد من المؤيدين والمعاهدين، كما ازداد بالمقابل إحساس زعماء قريش بالخطر، وقد كانوا بين فترة وأخرى يجهّزون حملة نحو المدينة، كي يظهروا عجز الرسول وجماعته، بكلّ طريقة ممكنة. أمّا الآن، والله سبحانه نصير للمؤمنين، فلم تعد تنفع المشركين أعمالهم، وغدا الظّفر والغلبة حليفين للمسلمين في أكثر حروبهم مع المشركين، لما يقدّمه المؤمنون من تضحيةٍ وفداء، وشيئاً فشيئاً انعدمت الجرأة لدى قريش على مواجهة جنود الإسلام.
    صلح الحديبية
    في السنة السادسة للهجرة قرّر النبي (ص) أن يتوجّه بصحبة نفر من أصحابه لزيارة بيت الله الحرام في مكّة، ولما علمت قريش بالأمر أرسلت وفداً كي يطلب منه أن يؤجّل زيارته، وبعد محادثاتٍ مطوّلةٍ توصّل الرسول (ص) وممثلو قريش إلى اتّفاق تم توقيعه وكان مما جاء فيه: تتوقف الحروب والمنازعات بين المسلمين وقريش لمدة عشر سنوات، وللمسلمين الحقّ بالحج وزيارة مكّة والبقاء فيها ثلاثة أيّام، وذلك اعتباراً من العام القادم.

    انتشار الإسلام
    وضع هذا الاتفاق حدّاً لاعتداءات قريش على المسلمين، وهيّأ فرصة مناسبة للرسول الكريم كي يقوم بنشر الدعوة وتصدير الثورة الإسلامية إلى أقطارٍ أخرى. فأرسل برسائل إلى ملوك وحكّام الأقطار الكبيرة آنذاك، يدعوهم فيها إلى الإسلام. ومن أولئك الملوك خسروبرويز ملك إيران، وكان شخصاً متكبّراً يملؤه الغرور والصّلف، فلما تلقّى كتاب النبي (ص)، كبر عليه أن يتجرّأ محمد ويكتب إليه، قبل أن يبادره هو بالكتابة أوّلاً، وغضب غضباً شديداً فمزّق الكتاب حتى قبل أن يقرأه، وأمر بطرد مبعوث النبي (ص) من قصره، وقد أضمر في نفسه منذ ذلك اليوم أن يقتل الرسول، لكن الإله الكبير سبحانه، سرعان ما هيّأ لهذا المغرور المتعجرف جزاءه، فلم ينقض وقت طويل، حتى لقي حتفه بيد ابنه.
    وصلت رسائل النبي (ص) واحدةً بعد الأخرى إلى بلاد الرّوم ومصر وغيرهما من البلدان، فقام بعض حكّام تلك البلاد بالردّ على دعوة النبي (ص) ردّاً مؤدّباً لائقاً، فالنجاشي ملك الحبشةٍ، بعث بردّه إلى الرسول (ص) بكل احترامٍ وإعزازٍ، وأرفق ردّه بهدايا اختارها خصّيصاً، بعث بها مع ابن له إلى رسول الله (ص).
    ومع انتشار العقيدة الإسلامية في شتّى المناطق، استجاب الكثيرون لنداء الرسول (ص)، والتحقوا به أصحاباً وتابعين.
    بعد انقضاء عام كامل على الاتّفاق الذي أبرم بين المسلمين وقريش، أصدر النبي (ص) أوامره بأن تتوجّه قوافل المسلمين نحو مكّة. ولم يستطع زعماء قريش أن يقفوا في وجوههم أو يمنعونهم من دخول مكّة، طبقاً للاتّفاق المعقود بين الطرفين، لكنّهم أمروا سكّان مكة بمغادرتها والصعود إلى الجبال الواقعة حولها. ودخل الرسول (ص) مكة محرماً وملبّياً دعوة الله تعالى مع ألفين من أصحابه، وطافوا حول بيت الله، ثم اصطفّوا للصلاة والدعاء. وكان لهذه المناسك الإسلامية الجليلة أكبر الأثر في نفوس أهل مكة، حتى أنّ بعضهم أظهر علناً تعلّقه بالرسول (ص) وشريعته، الأمر الذي أغضب زعماء قريش وسبّب عدم ارتياحهم فأصرّوا على ألاّ يبقى المسلمون في مكة ساعةً واحدةً، زيادةً على الأيام الثلاثة المتّفق عليها. تضايق بعض المسلمين من تصرّف قريش، لكنّ الرسول (ص) والذي كان صادقا وحازما في تنفيذ ما اتفق عليه مع معاهديه، أعطى أوامره بالتّحرك. وبإحساس غامر بالظّفر والارتياح، تحرّك المسلمون نحو المدينة، فقد استطاعوا أن يجهروا بقول «الله أكبر». «لا إله إلا الله»، وأن يسمعوا الناس هذا النداء العظيم، بعد أن كانوا عاجزين طيلة سبع سنوات حتّى عن زيارة بيت الله.

    فتح مكة
    في السنة الثامنة للهجرة، نشب قتال بين المسلمين وجيش الروم، فخسر المسلمون المعركة واضطرّوا للتراجع. وحين علمت قريش بانكسار جيش المسلمين، سوّلت لهم أحلامهم أنّ قوّة المسلمين قد ضعفت، وأنّ القضاء عليهم أصبح سهلاً، فنقضوا لذلك عهدهم، وهاجموا قبيلةً من القبائل الموالية للمسلمين، ووقع أفرادها في أيديهم بين قتيل وأسير، بينما استطاع البعض النجاة بالفرار، ونقلوا خبر الهجوم إلى رسول الله (ص) انزعج الرسول لنقض قريش عهدها. وتعهّد لهم بتأديب عبدة الأصنام المارقين. عمّ القلق قريشاً لقرار الرسول (ص) وفوّضت جماعةً، بالتوسط معه على تجديد العهد السابق، لكنّ رجاءهم هذا قد رفض، وعاد رسلهم من مسعاهم خائبين. وفي الوقت الذي رآه الرسول (ص) ملائماً لخططه، أعلن التّعبئة العامة في المدينة، وأمر بأن توضع كافّة مداخلها ومخارجها تحت المراقبة، وأن تضبط تحرّكات الناس بشدةٍ، كي يحول دون وصول أنباء التعبئة إلى قريشٍ. وكان (ص) يدرك أنّه إن وفّق المسلمون في فتح مكّة، وإرغام العدوّ على نزع سلاحه، فإنّ كثيراً من أعداء اليوم، يصبحون مسلمين غداً بتأثير تعاليم الإسلام السّمحة، ولتحقيق ذلك يجب إنجاز هذا العمل الكبير دون إراقة دماء.
    في العاشر من شهر رمضان المبارك. من السنة الثامنة للهجرة، أصدر الرسول (ص) أوامره بالتحرّك، ووصل جند الإسلام إلى مكانٍ قريبٍ من مكة ليلاً، فأقاموا معسكرهم هناك، وأمر الرسول بنيران كثيرةٍ فأضرمت، وكان أبوسفيان وعدد من مرافقيه خارج مكة، وإذا به يفاجأ بالنيران تشعّ قرب مكّة، فأخذه العجب والحيرة، وتسمّر في مكانه مندهشاً من كثرتها. تصادف في هذا الوقت مرور العباس عم الرسول (ص) من هذا المكان، فرأى أبا سفيان وناداه قائلاً: أي أبا سفيان أتدهشك هذه النيران؟ إنّها لجيش محمد (ص)، وقد أقاموا ينتظرون الصّباح ليدخلوا مكة، ولن يكون في طاقة أحدٍ صدّهم عمّا اعتزموا.
    ارتجف أبوسفيان لدى سماعه أقوال العباس، وراح يرجوه أن يأخذه معه إلى الرسول، ناسياً صلفه وكبرياءه.
    وبحضرة الرسول الأعظم (ص) تظاهر أبوسفيان بالإيمان، وأعلن إسلامه، متأثّراً ممّا رآه من قوّة واقتدار جيش المسلمين. في حين رأى الرسول الكريم (ص) في استسلام أبي سفيان دون إراقة الدماء، خير خاتمة تحمل من الفوائد الكثير. وأصدر قراره قائلاً: أعلن عن لساني لأهل مكة، أنّ كلّ من دخل المسجد الحرام، أو دخل بيته وأغلق بابه، أو لجأ إلى بيت أبي سفيان، فهو آمن.
    عاد أبوسفيان إلى مكة، ونقل إلى الناس فيها كل ما رأى وسمع وهو يرتجف، فتسارع الناس إلى الهرب دون تفكير، ولجأ كلّ منهم إلى ملجأٍ. وبنداء الله أكبر، دخل جيش المسلمين الظافر مكة، واتجهوا شطر البيت الحرام، وتقدّم الرسول (ص): على ناقته، تحفّ به جموع المسلمين من كلّ جانب، لأداء طوافه حول بيت الله. ولما لاحظ أهل مكّة أنّ الرسول (ص) لا يلتفت إليهم، شرعوا يخرجون من بيوتهم بحذرٍ، ويتجمعون قرب المسجد الحرام، وبعد أن انتهى (ص) من تحطيم الأصنام، وقف عند باب الكعبة المشرّفة، وبعد أن حمد الله وشكره على فضله تلا بعضاً من آيات القرآن الكريم، ثم التفت إلى عبدة الأصنام قائلاً: «ما تظنون أني فاعل بكم»؟ قالوا بصوت تخنقه العبرات ويغلب عليه الضعف «أخ كريم وابن أخٍ كريم»، لقد أسأنا إليك كثيراً يا محمد، ولم نر منك إلاّ الخير، فأنت أخ كريم عطوف، ونطلب منك العفو والغفران.
    قال النبي (ص): إنكم لم تعاملوني بالحسنى، كما يعامل المرء ابن بلده، لقد اتّهمتموني بالكذب والجنون، وأخرجتموني من داري وبلدي، ووقفتم منّي موقف الحرب والخصومة.

    اذهبوا فأنتم الطّلقاء
    بدأ عبدة الأصنام يرتجفون لمّا سمعوا هذا الكلام، وجفّت حلوقهم وانعقدت ألسنتهم من الخوف، وأيقنوا أنّ يوم الانتقام قد أزف، وأنّهم سيلقون جميعاً جزاءهم، ويشربون من نفس الكأس التي جرّعوها للرسول وأصحابه، أذىً وتعذيباً وإذلالاً امتدّ لسنواتٍ.
    أمّا الرسول الكريم، والذي لم يكن يفكّر بالانتقام من أحدٍ، بل كان وحده بين هذه الجموع، يتطلّع إلى مستقبل الإسلام وصلاح أمر المسلمين، فقد تابع يقول: أمّا ما يعود إليّ، فإنّي سأنسى الماضي وأصفح عنك، «اذهبوا فأنتم الطّلقاء».
    لم يكن أحد من عبدة الأصنام، ينتظر أن يسمع ما سمع، وأمام هذه العظمة والمحبّة والحلم، فقد غمرهم الإحساس بالخجل، إلى جانب الفرح والغبطة بعد أن أيقنوا بالنّجاة. وأعلن أكثرهم إسلامهم.
    بعد أن أقام النبي (ص) في مكّة أياماً، يرتّب أمورها وينظم شؤونها، وبعد أن عيّن لإرداتها رجلاً يمتاز بالعقل والحزم، قفل عائداً إلى المدينة.

    بين المسلمين والروم
    بعد فتح مكة، أصبح الإسلام قوّةً كبيرةً، وحان وقت غروب شمس الطغيان، ومع انتشار الإسلام في الجزيرة العربية، وانتصارات المسلمين المتوالية في اليمن وحنين وغيرهما، خيّم القلق على قوى الاستكبار، وكان الفرس والرّومان في تلك الأيام، أكبر دولتين على وجه الأرض، وتحت تصرّف كلّ منهما قوة نظاميّة كبيرة. كان الروم قد انتصروا حديثاً على الفرس، وغدوا أكثر إحساساً بقوّتهم وجبروتهم، وإذا بهم يفاجؤون بقوّة أخرى تقف في وجوههم و تتحّداهم، ألا وهي قوّة الإسلام.
    كانت قوى الطاغوت تخشى أكثر ما تخشاه، الحركات الثورية، وخاصةً ثورة الفكر، لذا فقد صمّم المستكبرون الرّومان على القضاء على قوة الإسلام الوليدة، وبأسرع ما يستطيعون.
    وصلت أخبار سير جيش للروم، قوامه أربعون ألف مقاتل، إلى المسلمين، وأنّه بلغ حدود الشام وانضمّت إليه بعض القبائل من سكّان الأطراف، وصلت هذه الأخبار إلى المدينة في وقت كان فيه الناس يعانون من نقصان الموادّ الغذائية، وهم لم ينجزوا بعد جمع محاصيلهم، لكنّ رجال الله يعرفون أنّ الذّود عن حياض الإسلام، لا يتقدّم عليه أمر آخر. فلم تمض أيّام على صدور أوامر الرسول (ص) بالاستعداد، حتى تحرّك (ص) ووراءه ثلاثون ألفاً لم يكونوا قد أكملوا استعدادهم بعد، في اتجاه الجبهة، بعد أن ترك عليّاً (ع) في المدينة ليقوم مقامه في حمايتها والدفاع عنها قائلاً له: «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبيّ بعدي» وحين وصولهم إلى المواقع الأمامية، قرب تبوك، بعد أن تحمّلوا المصاعب والمشاق، لم يروا أثراً لجند الرومان، الذين كانوا قد تقهقروا داخل حدود بلادهم خوفاً من الهزيمة امام جيوش المسلمين الزّاحفة.
    توقّف الرسول ومقاتلوه هناك فترةً من الوقت، وبعد توقيعه عدداً من معاهدات الصداقة مع القبائل من سكّان الأطراف، عاد مع جيشه إلى المدينة، وكانت أخبار الفتح قد سبقتهم إلى هناك فتجمع أهلها لاستقبالهم. انتشرت أخبار فرار الرّوم أمام جيش المسلمين انتشاراً سريعاً واسعاً في كلّ مكانٍ، وأحسّت القبائل التي كان الخوف شاغلها من قوى المستكبرين من الفرس والروم، أنّ لها ظهيراً جديداً يعتمد على حمايته. فأبرموا مع المسلمين العهود والمواثيق. وغدت قوّة الإسلام أخطر عدوٍّ للمستكبرين، وأكبر ظهيرٍ للمستضعفين.
    إنّ صرخات عمار بن ياسر تحت التعذيب، وأنين بلال الحبشيّ فوق صخور الصّحراء الملتهبة، ودم حمزة الزكي يسيل على أرض أحدٍ، ودماء المئات من الشهادء التي امتزجت مع بعضها، قد آتت كلّها ثمارها الآن، فأمثال عمار في هذا الكون فازوا بالنجاة، وأمثال بلال قد وهبوا الخلاص من ربقة الأسر، والدم الطاهر وثورة الشهداء المستمرّة عبر التاريخ، فجّرت الدّم يجري في شرايين أبطال الإسلام.

    يأيّها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك
    في السنة العاشرة للهجرة، أتى أمر الله تعالى إلى رسوله (ص) بأن يذهب للحجّ هذا العام، ويعلن ذلك لسائر المسلمين. واستجابةً لدعوته (ص) تحرّك الآلاف من كل فجٍّ، متّجهين نحو مكّة، ليؤدّوا مناسك الحجّ بصحبة رسول الله (ص). وكانت مناسك الحج لهذا العام قد بلغت الغاية في الجلال، ولما انتهت وعزم الناس على التوجّه إلى مواطنهم، وقبل أن يتفرّقوا كل إلى وجهته، أمر الرسول (ص) الناس بالتوقّف في مكان يدعى «غدير غم»، ثم اعتلى مكاناً عالياً هيّئ له. وشرع يتحدث إليهم بأعلى صوته بعد أن حمد الله تعالى وأثنى عليه بقوله: أيّها الناس، لقد دعيت وسألبّي قريباً. ونزولاً عند أمر الله سبحانه أوصيكم فاستمعوا، أيّها الناس إني راحل من بينكم، وتارك لكم وديعتين ثمينتين، إحداهما القرآن كتاب الله، والثانية أهل بيتي، واعلموا أنّهما لن يفترقا حتى يوم الدين. ثم أخذ بيد عليٍّ بن أبي طالب (ع) ورفعها قائلاً: «من كنت موالاه فهذا عليّ مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه».
    استمع كل من كان حاضراً إلى بلاغ الرسول ووصاياه، وبايعوا عليّاً كخليفةٍ لرسول الله (ص). لكنّ ضعاف الإيمان سرعان ما يتناسون، وسرعان ما يبتعدون عن سبيل الله سبحانه، ويلتحقون بركب الشيطان.

    الساعات الأخيرة
    مرض رسول الله (ص) بعد رجوعه إلى المدينة بقليل، وكانت شؤون أمّته شغله الشّاغل، حتى وهو على فراش المرض، كان لا يدع فرصةً تمر دون أن يزوّد الناس بموعظة، أو يقدّم لهم نصيحةً، كان عليه الصلاة والسلام يريد أن تكون تكاليف المسلمين بعد وفاته واضحةً جليةً. أما أولئك الذين كانت تشغلهم المناصب والمقامات الرفيعة، فكانوا يحولون دون تحقيق ذلك، أجل فإنّ رسولنا الكريم قد عانى الكثير من قسوة أصحاب الغايات وعبيد المناصب، حتى في آخر لحظات حياته الكريمة. وفي حين كان علي وفاطمة وغيرهم من التابعين الأوفياء، يجلسون قرب وسادة الرسول الكريم، يذرفون الدموع حزناً عليه، كان جماعة آخرون يضعون الخطط، ويتوسّلون شتّى أنواع المكر والخداع، وهم ينتظرون وفاة النبي (ص) حتى يطبقوا بأيديهم على الخبز والماء والمنصب. إنهم أنفسهم أولئك الذين سابقوا الآخرين يوم «غدير خم» كي يباركوا لعليّ بخلافة رسول الله، وقد رأينا كيف نجحوا في مسعاهم. واستطاعوا أن يخدعوا البسطاء من الناس بألسنتهم، ويغسلوا أدمغتهم، فينسوا كلّ ما قاله رسول الله (ص) في غدير خمّ، وما قدّمه من مواعظ ونصائح، إن في المسجد أو على فراش المرض، ينسون كلّ هذا، ويستمعون إلى نفر مالوا إلى الدنيا وباعوا أنفسهم للشيطان، حتى أنّهم لم يتورّعوا عن كسر ضلع فاطمة عليها السلام، بضعة الرسول (ص)، وجعلوا أميرالمؤمنين علياً (ع) يقيم في بيته سنواتٍ لا يبرحه، ومهّدوا لمملكة قريشٍ ومعاوية ويزيد واليزيديّين.
    مضت أيّام، والمدينة يلفّها القلق، ويعمّها الحزن والأسى. كان العديد من أهلها يتجمعون حول بيت النبي (ص) يذرفون الدّموع، ويدعون الله ليلاً ونهارا، يرجون لنبيّهم السلامة. كان كلّ شيءٍ يشير إلى أنّ حادثاً جللاً سيقع. وأخيراً، ففي يوم الإثنين الثامن والعشرين من صفر، أسلم النبي (ص) الروح إلى خالق الروح، حين كان مسنداً رأسه الكريم إلى صدر ابن عمه ووليّ عهده عليّ (ع)، وتم دفن جسده الطاهر في اليوم التّالي بيد عليّ (ع).
    رحل عليه الصلاة والسلام، وما زلنا بعد قرون من رحيله نسمع ترداد ندائه إذ يقول: «إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي، الثقلين. كتاب الله وعترتي أهل بيتي». صدق رسول الله.
    يا رب امنحنا القدرة والتوفيق، حتى نعمل بوصية رسولك العظيم، وأوامر قرآنك الكريم، فنكون على خطا الأصحاب المنتجبين، من أنصار ومواليّ رسولك وأهل بيته.
    آمين يا رب العالمين
    من اقوال الامام احمد الحسن عليه السلام في خطبة الغدير
    ولهذا أقول أيها الأحبة المؤمنون والمؤمنات كلكم اليوم تملكون الفطرة والاستعداد لتكونوا مثل محمد (ص) وعلي (ص) وآل محمد (ص) فلا تضيعوا حظكم، واحذروا فكلكم تحملون النكتة السوداء التي يمكن أن ترديكم وتجعلكم أسوء من إبليس لعنه الله إمام المتكبرين على خلفاء الله في أرضه، أسأل الله أن يتفضل عليكم بخير الآخرة والدنيا.

  • ابو الحسن
    عضو جديد
    • 06-10-2008
    • 60

    #2
    رد: *حياة رسول الله محمد ص - نشأته حتى وفاته*

    [align=center]
    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله وصلى الله على محمد وآله الأئمة والمهديين وسلم تسليما كثيرا
    شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .
    اخي الحبيب اعتقد انه ورد سهوا نمك تاريخ وفاة الرسول الاكرم صلى الله عليه واله هي العاشرة للهجرة وليست الثالثة عشر هجرية..........
    وفقك الله للخير كله وبارك الله لك بجهودك
    تقبل دعائي لك بالموفقية
    [/align]

    Comment

    • هشام
      عضو نشيط
      • 22-02-2012
      • 110

      #3
      سيرة حيات النبي محمد (ص)

      :: الجزء الاول ::

      نسبه الشريف:
      هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب واسم عبد المطلب شيبة الحمد بن هاشم، واسم هاشم، عمرو بن عبد مناف واسم عبد مناف، المغيرة بن قصي واسم قصي، زيد بن كلاب واسم كلاب، حكيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر، واسم النضر، قيس بن كنانة بن خزيمة بن مدركة، واسم مدركة، عامر بن الياس بن مضر، واسم مضر، عمرو بن نزار بن معد بن عدنان.
      ونسبه (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى عدنان متفق عليه وبعد عدنان فيه اختلاف كثير. وكنيته أبو القاسم.

      أمه الكريمة:
      وأمه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب، وأمها برة بنت أسد بن عبد العزى، وكان وهب سيد بني زهرة قد خطبها لعبد الله وزوجه بها أبوه عبد المطلب وكان سن عبد الله يومئذ أربعا وعشرين سنة.

      حمله المبارك:
      لما حملت به أمه قالت: فما وجدت له مشقة حتى وضعته، ثم خرج أبوه عبد الله وأمه حامل به في تجارة له إلى الشام فلما عاد نزل على أخواله بني النجار بالمدينة فمرض هناك ومات ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حمل، وقيل كان عمره سنتين وأربعة اشهر وقيل كان عمره سبعة اشهر وقيل شهرين وكان عبد الله فقيرا لم يخلف غير خمسة من الإبل وقطيع غنم وجارية اسمها بركة وتكنى أم ايمن وهي التي حضنت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

      مولده الميمون:
      ولد (صلى الله عليه وآله وسلم) بمكة يوم الجمعة أو يوم الاثنين عند طلوع الشمس أو عند طلوع الفجر أو عند الزوال على اختلاف الأقوال السابع عشر من شهر ربيع الأول على المشهور بين الإمامية وقال الشيخ الكليني لاثنتي عشرة ليلة مضت منه وهو المشهور عند غيرهم. واتفق الرواة على انه (صلى الله عليه وآله وسلم) ولد عام الفيل بعد خمسة وخمسين يوما أو خمسة وأربعين أو ثلاثين يوما من هلاك أصحاب الفيل لأربع وثلاثين سنة وثمانية اشهر أو لاثنتين وأربعين سنة مضت من ملك كسرى انوشروان ولسبع بقين من ملكه.

      تربيته ونشأته:
      كفل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد أبيه جده عبد المطلب وقام بتربيته وحفظه احسن قيام ورق عليه رقة لم يرقها على ولده وكان يقربه منه ويدنيه ولا يأكل طعاما إلا أحضره وكان يدخل عليه إذا خلا وإذا نام ويجلس على فراشه فيقول دعوه. ولما صار عمره ست سنين وذلك بعد مجيئه من عند حليمة بسنة أخرجته أمه إلى أخواله بني عدي بن النجار بالمدينة تزورهم به ومعه أم ايمن تحضنه فبقيت عندهم شهرا ثم رجعت به أمه إلى مكة فتوفيت بالابواء بين المدينة ومكة فعادت به أم ايمن إلى مكة إلى جده عبد المطلب وبقيت تحضنه فبقي في كفالة عبد المطلب من حين وفاة أبيه ثمان سنين. وتوفي عبد المطلب وعمره ثمانون سنة فلما حضرته الوفاة أوصى ولده أبا طالب بحفظ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وحياطته وكفالته ولم يكن أبو طالب اكبر اخوته سنا ولا أكثرهم مالا فقد كان الحارث أسن منه، والعباس أكثرهم مالا، لكن عبد المطلب اختار لكفالته أبا طالب لما توسمه فيه من الرعاية الكافية لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولأنه كان على فقره أنبل اخوته وأكرمهم وأعظمهم مكانة في قريش وأجلهم قدرا فكفله أبو طالب وقام برعايته احسن قيام.
      وكان يحبه حبا شديدا لا يحب ولده مثله وكان لا ينام إلا إلى جنبه ويخرج فيخرج معه وكان يخصه بالطعام وكان أولاده يصبحون شعثا ويصبح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كحيلا دهينا وكان أبو طالب توضع له وسادة بالبطحاء يتكئ عليها أو يجلس عليها فجاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فجلس عليها فقال أبو طالب أن ابن أخي هذا ليحس بنعيم وخرج به معه إلى الشام وهو ابن اثنتي عشرة سنة بعد ما عزم على إبقائه بمكة لكنه أبى إلا أن يصحبه معه حتى بلغ به بصرى، ولم يزل أبو طالب يكرمه ويحميه وينصره بيده ولسانه طول حياته.
      وشهد الفجار وهو ابن عشرين سنه، والفجار من حروب العرب المشهورة كانت بين قيس وبين قريش وكنانة، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حضرته مع عمومتي ورميت فيه باسهم وما احب أني لم اكن فعلت.
      وسميّت الفجار لأنها وقعت في الأشهر الحرم.
      وحضر حلف الفضول، وكان لدى منصرف قريش من حرب الفجار، وكان اشرف حلف في حينه وأول من دعا إليه الزبير بن عبد المطلب فاجتمعت بنو هاشم وزهرة وتيم في دار عبد الله بن جدعان فتعاقدوا وتعاهدوا بالله لنكونن مع المظلوم حتى يؤدى إليه حقه،، وعلى التأسي في المعاش فسمت قريش ذلك الحلف حلف الفضول ولا يعلم أحد سبق بني هاشم بهذا الحلف قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما احب أن لي بحلف حضرته في دار ابن جدعان حمر النعم ولو دعيت به لأجبت.

      زواجه بخديجة:
      وخرج (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الشام في تجارة لخديجة وهو ابن خمس وعشرين سنة مع غلامها ميسرة وكانت خديجة ذات شرف ومال تستأجر الرجال في تجارتها ولما علم أبو طالب بأنها تهيئ تجارتها لإرسالها إلى الشام مع القافلة قال له: يا ابن أخي أنا رجل لا مال لي وقد اشتد الزمان علينا وقد بلغني أن خديجة استأجرت فلانا ببكرين ولسنا نرضى لك بمثل ما أعطته فهل لك أن أكلمها؟ قال ما أحببت، فقال لها أبو طالب: هل لك أن تستأجري محمدا فقد بلغنا انك استأجرت فلانا ببكرين ولسنا نرضى لمحمد دون أربعة بكار، فقالت لو سالت ذلك لبعيد بغيض فعلنا، فكيف وقد سألته لحبيب قريب، فقال له أبو طالب: هذا رزق وقد ساقه الله إليك، فخرج (صلى الله عليه وآله وسلم) مع ميسرة بعد أن أوصاه أعمامه به وباعوا تجارتهم وربحوا أضعاف ما كانوا يربحون وعادوا فسرت خديجة بذلك ووقعت في نفسها محبه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وحدثت نفسها بالتزوج به وكانت قد تزوجت برجلين من بني مخزوم توفيا وكان قد خطبها أشراف قريش فردتهم فتحدثت بذلك إلى أختها أو صديقة لها اسمها نفيسة بنت منية، فذهبت إليه وقالت: ما يمنعك أن تتزوج؟ قال: ما بيدي ما أتزوج به، قالت: فان كفيت ذلك ودعيت إلى الجمال والمال والشرف والكفاءة الا تجيب؟ قال: فمن هي؟ قالت: خديجة، قال: كيف لي بذلك، قالت: عليّ ذلك، فأجابها بالقبول وخطبها إلى عمها أو أبيها وحضر مع أعمامه فزوجها به عمها لان أباها كان قد مات وقيل زوجها أبوها واصدقها عشرين بكرة وانتقل إلى دارها وكان ذلك بعد قدومه من الشام بشهرين وأيام وعمرها أربعون سنة، وكانت امرأة حازمة جلدة شريفة آمنت برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أول بعثته وأعانته بأموالها على تبليغ رسالته وخففت من تألمه لخلاف قومه.
      وقد جاء انه إنما قام الإسلام بأموال خديجة وسيف علي بن أبي طالب ولذلك كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يرى لها المكانة العظمى في حياتها وبعد وفاتها التي كان لا يراها لواحدة من أزواجه.

      أبناؤه:
      1 ـ القاسم: وبه كان يكنى عاش حتى مشى ومات بمكة.
      2 ـ عبد الله: ويلقب بالطيب والطاهر لولادته بعد الوحي ولد بمكة بعد الإسلام ومات بها وبعضهم يعد الطيب والطاهر اثنين.
      3 ـ فاطمة: وهي صغرى بناته تزوجها علي (عليه السلام) بعد الهجرة.
      4 ـ زينب: وهي كبراهن تزوجها قبل الإسلام أبو العاص.
      5 ـ رقية.
      6 ـ أم كلثوم.
      وأم الكل خديجة.
      7 ـ إبراهيم بن مارية القبطية ولد بالمدينة ومات وهو ابن ثمانية عشر شهراً.

      سيرته:
      كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) احكم الناس وأحلمهم وأشجعهم وأعدلهم وأعطفهم وأسخاهم، لا يثبت عنده دينار ولا درهم ولا يأخذ مما آتاه الله إلا قوت عامه فقط من يسير ما يجد من التمر والشعير، ويضع سائر ذلك في سبيل الله، ثم يعود إلى قوت عامه، فيؤثر منه حتى ربما احتاج قبل انقضاء العام، أن لم يأته شيء وكان يجلس على الأرض وينام عليها ويخصف النعل ويرقع الثوب ويفتح الباب ويحلب الشاة ويعقل البعير ويطحن مع الخادم إذا أعيى (تعب) ويضع طهوره (ماءه الذي يتوضأ به) بالليل بيده ولا يجلس متكئا ويخدم في مهنة أهله ويقطع اللحم ولم يتجشأ قط، وكان يقبل الهدية ولو أنها جرعة لبن ويأكلها ولا يأكل الصدقة ولا يثبت بصره في وجه أحد، وكان يغضب لربه ولا يغضب لنفسه، وكان يعصب الحجر على بطنه من الجوع، ويأكل ما حضر ولا يرد ما وجد ولا يلبس ثوبين بل يلبس بردا حبرة يمنية وشملة وجبة صوف والغليظ من القطن والكتان واكثر ثيابه البياض، ويلبس القميص من قبل ميامنه وكان له ثوب للجمعة خاصة، وكان إذا لبس جديدا أعطى خلق ثيابه (قديمها) مسكينا وكان يلبس خاتم فضة في خنصره الأيمن، ويكره الريح الردية ويستاك عند الوضوء ويردف خلفه عبده أو غيره (يركبه خلفه على دابته) ويركب ما أمكنه من فرس أو بغلة أو حمار ويركب الحمار بلا سرج ويمشي راجلا ويشيع الجنائز ويعود المرضى في أقصى المدينة يجالس الفقراء ويؤاكل المساكين ويناولهم بيده ويكرم أهل الفضل في أخلاقهم ويتألف أهل الشر بالبر لهم، يصل ذوي رحمه من غير أن يؤثرهم على غيرهم، إلا بما أمر الله ولا يجفو على أحد، ويقبل معذرة المعتذر إليه وكان اكثر الناس تبسما ما لم ينزل عليه القرآن وربما ضحك من غير قهقهة لا يرتفع على عبيده وإمائه في مأكل ولا في ملبس، وما شتم أحدا بشتمةٍ ولا لعن امرأة ولا خادما بلعنةٍ ولا لاموا أحدا إلا قال دعوه، ولا يأتيه أحد حر أو عبد أو أمة إلا قام معه في حاجته ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يغفر ويصفح، ويبدأ من لقيه بالسلام وإذا لقي مسلما بدأه بالمصافحة وكان لا يقوم ولا يجلس إلا على ذكر الله وكان لا يجلس إليه أحد وهو يصلي إلا خفف صلاته واقبل عليه وقال ألك حاجة؟ وكان يجلس حيث ينتهي به المجلس ويأمر بذلك وكان اكثر ما يجلس مستقبل القبلة وكان يكرم من يدخل عليه حتى ربما بسط له ثوبه ويؤثر الداخل بالوسادة التي تحته وكان في الرضى والغضب لا يقول إلا حقا وكان يأكل القثاء بالرطب والملح وكان احب الفواكه الرطبة إليه البطيخ والعنب واكثر طعامه الماء والتمر وكان يشرب اللبن بالتمر ويسميهما الاطيبين وكان احب الطعام إليه اللحم ويأكل الثريد باللحم وكان يحب القرع وكان يأكل لحم الصيد ولا يصيده وكان يأكل الخبز والسمن وكان يحب من الشاة الذراع والكتف ومن الصباغ الخل ومن التمر العجوة ومن البقول الهندباء وكان يمزح ولا يقول إلا حقا.

      بناء الكعبة:
      بنيت الكعبة وهو ابن خمس وثلاثين سنة وكانت قد تصدعت من السيل فخافت قريش من هدمها ثم أقدمت عليه فلما بلغ البناء موضع الحجر الأسود اختلفت بينها فيمن يضعه في مكانه وكل قبيلة أرادت ذلك لنفسها حتى كادت أن تقع الفتنة ثم رضوا بحكم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فحكم أن يوضع الحجر في ثوب ويحمل أطرافه من كل قبيلة رجل فرضوا بذلك ثم أخذه من الثوب ووضعه في مكانه.

      الجزء الثاني::
      نصر الله عبدا سمع مقالتي فوعاها وبلغها من لم يسمعها فكم من حامل فقه إلى من هو افقه منه، ثلاثة لا يغل عليها قلب عبد مسلم، إخلاص العمل لله والنصيحة لائمة المسلمين واللزوم لجماعتهم، فان دعوتهم محيطه من ورائهم، المسلمون اخوة تتكافأ دماؤهم وهم يد على من سواهم ويسعى بذمتهم أدناهم.
      ومن خطبة له (صلى الله عليه وآله وسلم) يذكر فيها شهر رمضان:
      أيها الناس قد اقبل إليكم شهر رمضان بالبركة والرحمة والمغفرة شهره ابرك الشهور وأيامه افضل الأيام ولياليه افضل الليالي وساعاته افضل الساعات وقد دعيتم فيه إلى ضيافة الله وجعلتم فيه مناهل كرامته أنفاسكم فيه تسبيح ونومكم فيه عبادة وعملكم فيه مقبول ودعاؤكم فيه مستجاب، فاسألوا ربكم بنيات صادقة وقلوب طاهرة أن يوفقكم لصيامه وتلاوة كتابه، فالشقي من حرم غفران الله فيه، فاذكروا بجوعكم وعطشكم، جوع يوم القيامة وعطشه، وتصدقوا على فقرائكم ومساكينكم ووقروا كباركم وارحموا صغاركم وصلوا أرحامكم وغضوا عما لا يحل النظر إليه، أبصاركم وعما لا يحل الاستماع إليه، أسماعكم، وتحننوا على أيتام الناس، يتحنن الله على أيتامكم، وتوبوا إلى الله من ذنوبكم، وارفعوا إليه أيديكم بالدعاء في أوقات صلواتكم، فإنها افضل الساعات، ينظر الله عباده فيها بالرحمة، ويجيبهم إذا ناجوه، ويلبيهم إذا نادوه ويستجيب لهم إذا دعوه.
      أيها الناس من حسن في هذا الشهر خلقه، كان له جواز على الصراط يوم تزل فيه الأقدام ومن خفف فيه عما ملكت يمينه، خفف الله حسابه، ومن كف فيه شره، كف الله عنه غضبه يوم يلقاه، ومن وصل فيه رحمه، وصله الله برحمته يوم يلقاه، ومن تطوع فيه بصلاة، كتب له براءة من النار، ومن أدى فيه فرضا، كان له ثواب من أدى سبعين فريضة فيما سواه من الشهور، ومن كثر فيه من الصلاة ثقل الله ميزانه يوم تخف الموازين، ومن تلا فيه آية من القرآن، كان له اجر من ختم القرآن في غيره، ألا إن أبواب الجنة مفتحة فيه أسالوا ربكم أن لا يغلقها عنكم وأبواب النار مغلقة فأسالوا ربكم أن لا يفتحها عليكم، والشياطين مغلولة فأسالوا ربكم أن لا يسلطها عليكم.

      حجة الوداع:
      قال ابن هشام سميت بذلك لأنه لم يحج بعدها وقيل لأنه ودع فيها الناس وأعلمهم بدنو اجله، قال ابن سعد في الطبقات: وهي التي يسميها الناس حجة الوداع وكان المسلمون يسمونها حجة الإسلام وكان ابن عباس يكره أن يقال حجة الوداع ويقول حجة الإسلام ولم يحج غيرها منذ تنبأ. ولو قال منذ هاجر لكان صوابا فانه (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يحج بعد الهجرة غيرها وإنما أراد الاعتمار عام الحديبية فصُد ثم اعتمر عمرة القضاء واعتمر يوم حنين ولم يحج أما قبل الهجرة فقد حج (صلى الله عليه وآله وسلم) حجتين يقينا وهما اللتان بايع فيهما الأنصار عند العقبة.

      خطبته في حجة الوداع:
      وكانت يوم العيد بمنى، رواها ابن عبد ربه في العقد الفريد، والحسن بن علي بن شعبة الحلبي، في تحف العقول وغيرهما.
      الحمد لله نحمده ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله. أوصيكم عباد الله بتقوى الله أحثكم على طاعة الله واستفتح بالذي هو خير. أما بعد: أيها الناس اسمعوا مني ما أبين لكم فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا في موقفي هذا أيها الناس أن دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا. إلا هل بلغت ؟ اللهم اشهد . فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى الذي ائتمنه عليها، وان ربا الجاهلية موضوع، وان أول ربا أبدا به ربا عمي العباس بن عبد المطلب، وان دماء الجاهلية موضوعة وان أول دم أبدا به دم عامر بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، وان مآثر الجاهلية موضوعة غير السدانة والسقاية، والعمد قود وشبه العمد ما قتل بالعصا والحجر، ففيه مائة بعير، فمن زاد فهو من أهل الجاهلية. أيها الناس! أن الشيطان قد يئس أن يعبد في أرضكم هذه ولكنه رضي أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحقرون من أعمالكم. أيها الناس ! إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا، يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله، وان الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، وان عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض، منها أربعة حرم، ثلاثة متواليات وواحد فرد، ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر، الذي بين جمادى وشعبان. إلا هل بلغت ؟ اللهم اشهد ! أيها الناس ! أن لنسائكم عليكم حقا وان لكم عليهن حقا، لكم عليهن أن لا يوطئن فراشكم غيركم، ولا يدخلن أحدا تكرهونه لبيوتكم إلا بإذنكم، ولا يأتين بفاحشة، فان فعلن فان الله قد أذن لكم أن تعضلوهن وتهجروهن في المضاجع، وتضربوهن، ضربا غير مبرح، فان انتهين أطعنكم فعليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف. وإنما النساء عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئا أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله، فاتقوا الله في النساء واستوصوا بهن خيرا. إلا هل بلغت ؟ اللهم اشهد ! أيها الناس ! المؤمنون اخوة، ولا يحل لامرئ مال أخيه إلا عن طيب نفسه. إلا هل بلغت ؟ اللهم اشهد ! فلا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم أعناق بعض!!! فإني قد تركت فيكم ما أن أخذتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي. إلا هل بلغت ؟ اللهم اشهد ! أيها الناس أن ربكم واحد وان أباكم واحد كلكم لآدم وآدم من تراب، أن أكرمكم عند الله اتقاكم، ليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى. إلا هل بلغت ؟ قالوا: نعم ، قال: فليبلغ الشاهد منكم الغائب! أيها الناس : أن الله قد قسم لكل وارث نصيبه من الميراث، ولا يجوز لوارث وصيةٌ في اكثر من الثلث، والولد للفراش، وللعاهر الحجر، من ادعى إلى غير أبيه أو تولى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

      حديث الغدير:
      لما قضى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مناسكه قفل راجعا إلى المدينة فوصل إلى الموضع المعروف بغدير خم يوم الثامن عشر من ذي الحجة سنة عشر من الهجرة وهو مكان قريب من الجحفة، قال الشيخ المفيد في كتاب الإرشاد: وليس بموضع إذ ذاك يصلح للنزول لعدم الماء فيه والمرعى فنزل به ونزل المسلمون معه قال وكان سبب نزوله في هذا المكان نزول القرآن عليه بنصبه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) خليفة في الأمة من بعده، وقد كان تقدم الوحي إليه في ذلك من غير توقيت فأخره لحضور وقت يأمن فيه الاختلاف منهم عليه وعلم الله عز وجل انه أن تجاوز غدير خم انفصل عنه كثير من الناس إلى بلدانهم وبواديهم فأراد الله أن يجمعهم لسماع النص عليه وتأكيد الحجة عليهم فيه فانزل الله تعالى عليه: ((يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك))، يعني في استخلاف علي والنص بالإمامة عليه، ((وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس))، فأكد الفرض عليه بذلك وخوفه من تأخير الأمر فيه وضمن له العصمة ومنع الناس منه، فنزل بذلك المكان ونزل المسلمون حوله، وكان يوما قائظا شديد الحر فأمر بدوحات هناك فقم ما تحتها وأمر بجمع الرحال ووضع بعضها فوق بعض ثم أمر مناديه فنادى في الناس الصلاة جامعة فاجتمعوا من رحالهم إليه وان أكثرهم ليلف رداءه على قدميه من شده الحر فلما اجتمعوا صعد على تلك الرحال حتى صار في ذروتها ودعا أمير المؤمنين (عليه السلام) فرقى معه حتى قام عن يمينه ثم خطب الناس فحمد الله وأثنى عليه ووعظ فابلغ في الموعظة ونعى إلى الأمة نفسه وقال:
      إني قد دعيت ويوشك أن أجيب وقد حان مني خفوق من بين أظهركم وإني مخلف فيكم ما أن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فانهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض ثم نادى بأعلى صوته: الست أولى بكم منكم بأنفسكم؟ قالوا: اللهم بلى، فقال لهم: (و قد اخذ بضبعي أمير المؤمنين (عليه السلام) فرفعهما حتى بان بياض إبطيهما) فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله.
      ثم نزل وكان وقت الظهيرة فصلى ركعتين ثم زالت الشمس فأذن مؤذنه لصلاة الظهر فصلى بهم الظهر وجلس في خيمته وأمر عليا أن يجلس في خيمة له بازائه وأمر المسلمين أن يدخلوا عليه فوجا فوجا فيهنئوه بالمقام ويسلموا عليه بإمرة المؤمنين ففعل الناس ذلك كلهم وأمر أزواجه وسائر نساء المؤمنين ممن معه أن يدخلن عليه ويسلمن عليه بإمرة المومنين ففعلن، وكان فيمن أطنب في تهنئته بالمقام، عمر بن الخطاب واظهر له المسرة به وقال فيما قال: بخ بخ لك يا علي أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة، وجاء حسان بن ثابت، فقال: يا رسول الله، ا تأذن لي آن أقول في هذا المقام ما يرضاه الله؟ فقال له: قل يا حسان على اسم الله، فوقف على نشز من الأرض وتطاول المسلمون لسماع كلامه فانشا يقول:


      يـنـاديـهـم يـوم الـغدير نبيهـم

      وقـال فـمـن مـولاكـم وولـيكم

      إلــهــك مــولانـا وأنـت ولـيـنـا

      فـقـال لـه قـم يا علي فإننـي

      فـمـن كـنـت مـولاه فهذا وليه

      هــنــاك دعـا اللهم وال ولـيـه














      بـخـم واسمع بالرسول مناديـا

      فقالوا ولم يبدوا هناك التعاميا

      ولن تجدن منا لك اليوم عاصيا

      رضيتك من بعدي إماما وهاديا

      فـكـونوا له أنصار صدق مواليـا

      وكـن للذي عادى عليا معاديـا


      الجزء الثالث::


      اتفق المسلمون جميعا على أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خرج إلى المسجد في حالة شديدة من المرض والضعف حتى انه لا يكاد يستقل ولا ينقل قدميه بل اعتمد على رجلين ورجلاه تخطان الأرض وصلى جالسا.
      قال المفيد: فلما سلم انصرف إلى منزله ،استدعى أبا بكر وعمر وجماعة من حضر بالمسجد من المسلمين ثم قال: ألم آمركم أن تنفذوا جيش أسامة؟ فقالوا: بلى يا رسول الله، قال: فلم تأخرتم عن أمري؟ قال أبو بكر: إني خرجت ثم رجعت لأجدد بك عهدا، وقال عمر: يا رسول الله إني لم اخرج لأني لم احب أن اسأل عنك الركب، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): انفذا جيش أسامه! يكررها ثلاث مرات، ثم أغمي عليه من التعب الذي لحقه والأسف، فمكث هنيهة مغميا عليه وبكى المسلمون وارتفع النحيب من أزواجه وولده ونساء المسلمين وجميع من حضر من المسلمين، فأفاق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فنظر إليهم ثم قال: ائتوني بدواة وكتف لأكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا، ثم أغمي عليه فقام بعض من حضر يلتمس دواة وكتفا، فقال له عمر: ارجع فانه يهجر، فرجع.
      وندم من حضر على ما كان منهم من التضييع في إحضار الدواة والكتف وتلاوموا بينهم وقالوا: إنا لله وإنا إليه راجعون لقد أشفقنا من خلاف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلما أفاق قال بعضهم: إلا نأتيك بدواة وكتف يا رسول الله؟ فقال: ابعد الذي قلتم؟، لا ولكني أوصيكم بأهل بيتي خيرا واعرض بوجهه عن القوم فنهضوا.

      وفاته (صلى الله عليه وآله وسلم):
      وكانت وفاته (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم الاثنين على المشهور بين العلماء عند الزوال لليلتين بقيتا من صفر عند اكثر الإمامية، وكان عمره ثلاث وستون سنة، قال علي (عليه السلام): أوصى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن لا يغسله أحد غيري، فكان الفضل وأسامة، يناولانني الماء من وراء الستر وهما معصوبا العين، فلما فرغ من غسله وتجهيزه تقدم فصلى عليه وحده لم يشركه معه أحد في الصلاة عليه.
      وكان المسلمون في المسجد يخوضون فيمن يؤمهم في الصلاة عليه وأين يدفن فخرج إليهم أمير المومنين (عليه السلام) وقال لهم: أن رسول الله إمامنا حيا وميتا فليدخل عليه فوج بعد فوج منكم فيصلون عليه بغير إمام وينصرفون، وان الله لم يقبض نبيا في مكان إلا وقد ارتضاه لرمسه فيه، وإني لدافنه في حجرته التي قبض فيها، فسلم القوم لذلك ورضوا به.
      و لما صلى المسلمون عليه انفذ العباس بن عبد المطلب برجل إلى أبي عبيدة بن الجراح وكان يحفر لأهل مكة ويضرح، وكان ذلك عادة أهل مكة وانفذ إلى زيد بن سهيل وكان يحفر لأهل المدينة ويلحد فاستدعاهما وقال: اللهم خر لنبيك، فوجد أبو طلحة زيد بن سهل فقيل له: احفر لرسول الله، فحفر له لحدا ودخل أمير المؤمنين والعباس بن عبد المطلب والفضل بن العباس وأسامة بن زيد ليتولوا دفن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فنادت الأنصار من وراء البيت: يا علي أنا نذكرك الله وحقنا اليوم من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يذهب، ادخل منا رجلا يكون لنا به حظ من مواراة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال: ليدخل اوس بن خولي، وكان بدريا فاضلا من بني عوف من الخزرج، فلما دخل قال له علي (عليه السلام): انزل القبر فنزل ووضع أمير المؤمنين رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على يديه ودلاه في حفرته فلما حصل في الأرض قال له: اخرج فخرج ونزل علي (عليه السلام) القبر فكشف عن وجه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ووضع خده على الأرض موجها إلى القبلة على يمينه ثم وضع عليه اللبن وأهال عليه التراب وربع قبره وجعل عليه لبنا ورفعه من الأرض قدر شبر.
      و روي قدر شبر وأربع أصابع وظاهر المفيد أن دفنه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان في اليوم الذي توفي فيه ولم يحضر دفنه (صلى الله عليه وآله وسلم) اكثر الناس لما جرى بين المهاجرين والأنصار من التشاجر في أمر الخلافة وفات أكثرهم الصلاة عليه لذلك.

      بعض كتبه
      - كتابه إلى النجاشي (ملك الحبشة):
      كان أول رسول بعثه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي يدعوه إلى الإسلام ويتلو عليه القرآن وكتب إليه:







      بسم الله الرحمن الرحيم

      من محمد رسول الله إلى النجاشي ملك الحبشة، سلام عليك فإني احمد إليك الله الذي لا اله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن واشهد أن عيسى بن مريم روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم البتول الطيبة الحصينة فحملت بعيسى، حملته من روحه ونفخه كما خلق آدم بيده وإني أدعوك إلى الله وحده لا شريك له والموالاة على طاعته وان تتبعني وتوقن بالذي جاءني فإني رسول الله وإني أدعوك وجنودك إلى الله عز وجل وقد بلغت ونصحت فاقبلوا نصيحتي والسلام على من اتبع الهدى.








      - كتابه إلى هرقل (ملك الروم):
      أرسله مع دحية بن خليفة الكلبي سنة سبع من الهجرة وأمره أن يدفعه إلى عظيم بصرى الحارث ملك غسان، ليدفعه إلى قيصر. قال صاحب السيرة الحلبية: فأرسل الحارث معه عدي بن حاتم ليوصله إلى قيصر. وقال ابن اسعد: فدفعه عظيم بصرى إلى قيصر وهو يومئذ بحمص ماش في نذر عليه أن ظهرت الروم على فارس أن يمشي من القسطنطينية إلى ايليا (القدس) فلما اخذ قيصر الكتاب وجد عليه عنوان كتب العرب فدعا المترجم فقرأه فإذا فيه:







      بسم الله الرحمن الرحيم

      من محمد بن عبد الله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام، اسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فان توليت فإنما عليك إثم الاكاريين ويا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة، سواء بيننا وبينكم إلا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فان تولوا فقولوا اشهدوا بانا مسلمون.







      قال قيصر: انظروا لنا من قومه أحدا نسأله عنه، وكان أبو سفيان بغزة مع رجال من قريش في تجارة زمن هدنة الحديبية قال فاتانا رسول قيصر فانطلق بنا إليه وهو في بيت المقدس وعليه التاج وعظماء الروم حوله فقال لترجمانه سلهم أيهم اقرب نسبا لهذا الرجل الذي يزعم انه نبي فقال أبو سفيان: أنا، فقال ما قرابتك منه؟ قال: ابن عمي، قال: ادن مني، ثم أمر بأصحابي فجعلوا خلف ظهري وقال لهم: إنما جعلتكم خلف ظهره لتردوا عليه إذا كذب، قال أبو سفيان: فوالله لو لا الحياء أن يردوا علي لكذبت، فصدقت وأنا كاره لبغضي إياه ومحبتي نقصه ثم قال لترجمانه: قل له كيف نسب هذا الرجل فيكم؟، قلت: هو منا ذو نسب، قال: هل قال هذا القول أحد منكم قبله؟، قلت: لا، قال: هل كنتم تتهمونه بالكذب؟، قلت: لا، قال: هل كان من آبائه ملك؟ قلت: لا، قال: كيف عقله ورأيه؟ قلت: لم نعب عليه عقلا ولا رأيا قط، قال: فأشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم؟ قلت: بل ضعفاؤهم، قال: فهل يزيدون أم ينقصون؟ قلت: بل يزيدون، قال: فهل يرتد أحد منهم سخطا لدينه؟ قلت: لا، قال: فهل يغدر إذا عاهد؟ قلت: لا، ونحن الآن منه في ذمة، قال: فهل قاتلتموه؟ قلت: نعم، قال: فكيف حربكم وحربه؟ قلت: دول وسجال، قال: فما يأمركم به؟ قلت: امرنا أن نعبد الله وحده ولا نشرك به شيئا ويأمرنا بالصلاة والزكاة ويأمرنا بالوفاء بالعهد وأداء الأمانة، فقال لترجمانه: قل له إني سألتك عن نسبه فزعمت انه فيكم ذو نسب وكذلك الرسل تبعث في نسب قومها وسألتك هل هذا القول قاله أحد منكم قبله فزعمت أن لا فلو كان أحد منكم قال هذا القول قبله لقلت هو يأتم بقول قيل قبله وسالتك هل تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال فزعمت أن لا فعرفت انه لم يكن ليدع الكذب على الناس ويكذب على الله وسألتك هل كان من آبائه ملك فقلت لا فلو كان من آبائه ملك لقلت رجل يطلب ملك أبيه وسألتك أشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم فقلت ضعفاؤهم وهم أتباع الرسل لان الغالب أن أتباع الرسل هم أهل الاستكانة وسألتك هل يزيدون أو ينقصون فزعمت انهم يزيدون وكذلك الإيمان حتى يتم وسألتك هل يرتد أحد منهم سخطه لدينه فزعمت أن لا وكذلك الإيمان إذا حصل به انشراح الصدور وسألتك هل يغدر فذكرت أن لا وكذلك الرسل لا تغدر وسألتك هل قاتلتموه فقلت نعم وان حربكم وحربه دول وسجال وكذلك الرسل تبتلى ثم تكون لهم العاقبة وسألتك ماذا يأمركم به فزعمت انه يأمركم بالصلاة والصدقة والعفاف والوفاء بالعهد وأداء الأمانة فعلمت أنه نبي.

      - كتابه إلى كسرى (ملك الفرس):
      أرسله مختوما مع عبد الله بن حذافة السهمي وقيل مع غيره، فيه:







      بسم الله الرحمن الرحيم

      من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس، سلام على من اتبع الهدى وآمن بالله ورسوله وشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله.أدعوك بدعاية الله فإني أنا رسول الله إلى الناس كافة لأنذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين أسلم تسلم فان أبيت فعليك إثم المجوس الذين هم أتباعك.







      قال عبد الله: فأتيت إلى بابه وطلبت الأذن عليه حتى وصلت إليه فدفعت إليه كتاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقرىء عليه فأخذه ومزقه.

      - كتابه إلى المقوقس (ملك القبط):
      واسمه جريح بن مينا أرسله مع حاطب بن أبي بلتعة اللخمي عندما انصرف من الحديبية وفيه:







      بسم الله الرحمن الرحيم

      من محمد بن عبد الله إلى المقوقس عظيم القبط، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام اسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين فان توليت فإنما عليك إثم القبط، ويا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمه سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فان تولوا فقولوا اشهدوا بانا مسلمون.








      وختم الكتاب وجاء به حاطب حتى دخل على المقوقس بالاسكندريه فلما قرأه قال ما منعه أن كان نبيا أن يدعو على من خالفه أن يسلط عليهم فقال له حاطب ألست تشهد أن عيسى بن مريم رسول الله؟ فما له حيث أخذه قومه فأرادوا أن يقتلوه أن لا يكون دعا عليهم؟ قال: أحسنت أنت حكيم جاء من عند حكيم، واكرم حاطباً وأهدى إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) جاريتين مارية أم إبراهيم وسيرين وبغلة بيضاء وهي دلدل ولم يكن في العرب يومئذ غيرها، وكتب إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد علمت أن نبياً قد بقي وكنت أظن انه يخرج بالشام وقد أكرمت رسولك وبعثت إليك بجاريتين لهما مكان في القبط عظيم أهديت لك كسوة وبغلة تركبها ولم يزد على هذا ولم يسلم، ووضع كتاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في حُق من عاج وختم عليه ودفعه إلى جارية لة

      Comment

      • شبيه عيسى
        عضو جديد
        • 28-03-2012
        • 85

        #4
        رد: محمد ص من ولادته الى وفاته

        وفقكم الله لكل خير نور قلبي يا رسول الله

        Comment

        • اختياره هو
          مشرف
          • 23-06-2009
          • 5310

          #5
          رد: سيرة حياة النبي محمد (ص)

          المشاركة الأصلية كتبت بواسطة almoad24 مشاهدة المشاركة
          البعثة
          في السابع والعشرين من شهر رجب، وكان (ص) كعهده دائماً مشغولاً بعبادته في الغار، وإذا بجبرائيل - ملاك الرحمان - يظهر أمامه، وما إن تطلع إليه حتى بادره قائلاً: (اقرأ). لكنّ محمداً (ص)، والذي لم يكن قد تلقّى أيّ تعليمٍ، وهو لا يحسن القراءة أو الكتابة، أجاب متعجّباً: وماذا أقرأ؟ فأنا لا أحسن القراءة قال جبرائيل مكرّراً أمره: «اقرأ» لكنّه وللمرة الثانية سمع الرد نفسه، وحين كرر قوله للمرة الثالثة، أحسّ محمد (ص) أنّ باستطاعته أن يقرأ.(اقرأ باسم ربّك الذي خلق). وهكذا اختار الله سبحانه محمداً (ص) للنبوّة، وهو في سن الأربعين، وكلّفه بأن يقوم بهداية الناس، وإخراجهم من الظلمات والشرك والجهل الذي هم فيه، إلى رحاب العلم ونور الإيمان، وأن يرشدهم إلى طريق السعادة والفلاح في الدنيا والآخرة.
          (وما أرسلناك إلاّ رحمةً للعالمين) (الأنبياء - 107).
          الرسول محمد ص كان يعرف القراءة والكتابة وليس كما يقول السنة
          وقد بين الامام ع معنى انه امي اي من ام القرى
          السلام عليكم يا أهل بيت الرحمة والنبوة ومعدن العلم وموضع الرسالة

          Comment

          • almawood24
            يماني
            • 04-01-2010
            • 2174

            #6
            رد: سيرة حياة النبي محمد (ص)

            المشاركة الأصلية كتبت بواسطة اختياره هو مشاهدة المشاركة
            لرسول محمد ص كان يعرف القراءة والكتابة وليس كما يقول السنة
            وقد بين الامام ع معنى انه امي اي من ام القرى
            جزاكم الله خيرا اختنا الفاضله على التنبيه تم التعديل وفقكم الله لكل خير
            من اقوال الامام احمد الحسن عليه السلام في خطبة الغدير
            ولهذا أقول أيها الأحبة المؤمنون والمؤمنات كلكم اليوم تملكون الفطرة والاستعداد لتكونوا مثل محمد (ص) وعلي (ص) وآل محمد (ص) فلا تضيعوا حظكم، واحذروا فكلكم تحملون النكتة السوداء التي يمكن أن ترديكم وتجعلكم أسوء من إبليس لعنه الله إمام المتكبرين على خلفاء الله في أرضه، أسأل الله أن يتفضل عليكم بخير الآخرة والدنيا.

            Comment

            • Saqi Alatasha
              عضو مميز
              • 09-07-2009
              • 2487

              #7
              رد: سيرة حياة النبي محمد (ص)

              بسم الله الرحمن الرحيم
              الحمد لله وصلى الله على محمد وآله الأئمة والمهديين وسلم تسليما كثيرا
              شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .
              هل يصعب عليك أن تسجد ولا ترفع رأسك حتى تسمع جواب ربك لتنجو في الآخرة والدنيا ؟
              وهل يصعب عليك أن تصوم ثلاثة أيام وتتضرع في لياليها إلى الله أن يجيبك ويعرفك الحق ؟

              الامام احمد الحسن (ع) ـ كتاب الجواب المنير

              Comment

              Working...
              X
              😀
              🥰
              🤢
              😎
              😡
              👍
              👎