إعـــــــلان

Collapse
No announcement yet.

فليهرب الهاربون

Collapse
X
 
  • Filter
  • الوقت
  • Show
Clear All
new posts
  • GAYSH AL GHADAB
    مشرف
    • 13-12-2009
    • 1797

    فليهرب الهاربون

    وعنه ، قال: أخبرنا الحسين بن عبيد الله ، عن علي بن محمد العلوي ، قال: حدثني محمد بن موسى الرقي ، قال: حدثنا علي بن محمد بن أبي القاسم ، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي ، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني ، عن أبيه ، عن أبان مولى زيد بن علي[91] ، عن عاصم بن بهدله ، عن شريح القاضي ، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) لأصحابه يوما وهو يعظهم: «ترصدوا مواعيد الآجال ، وباشروها بمحاسن الأعمال ، ولا تركنوا إلى ذخائر الأموال فتحليكم[92] خدائع الآمال ، إن الدنيا خداعة صراعة ، مكارة غرارة [93]سحارة ، أنهارها لامعة ، وثمراتها يانعة ، ظاهرها سرور ، وباطنها غرور ، تأكلكم بأضراس المنايا ، وتبيركم بإتلاف الرزايا ، لهم بها أولاد الموت ، آثروا زينتها ، وطلبوا رتبتها ، جهل الرجل ، ومن ذلك الرجل؟ المولع بلذاتها ، والساكن إلى فرحتها[94] ، والآمن لغدرتها ، دارت عليكم بصروفها ، ورمتكم بسهام حتوفها ، فهي تنزع أرواحكم نزعا ، وأنتم تجمعون لها جمعا ، للموت تولدون ، وإلى القبور تنقلون ، وعلى التراب تتوسدون[95] ، وإلى الدود تسلمون ، وإلى الدود تسلمون ، وإلى الحساب تبعثون.

    يا ذوي الحيل والآراء ، والفقه والأنباء ، اذكروا مصارع الآباء ، فكأنكم بالنفوس قد سلبت ، وبالأبدان قد عريت ، وبالمواريث قد قسمت ، فتصير- يا ذا الدلال ، والهيبة والجمال- إلى منزلة شعثاء ، ومحلة غبراء ، فتنوم على خدك في لحدك ، في منزل قل زواره ، ومل عماله ، حتى يشق عن القبور ، وتبعث إلى النشور ، فإن ختم لك بالسعادة صرت إلى حبور ، وأنت ملك مطاع ، وآمن لا يراع ، يطوف عليكم ولدان كأنهم الجمان ، بكأس من معين ، بيضاء لذة للشاربين.

    أهل الجنة فيها يتنعمون ، وأهل النار فيها يعذبون ، هؤلاء في السندس والحرير يتبخترون[96] ، وهؤلاء في الجحيم والسعير يتقلبون ، هؤلاء تحشى جماجمهم بمسك الجنان وهؤلاء يضربون بمقامع النيران ، هؤلاء يعانقون الحور في الحجال ، وهؤلاء يطوقون أطواقا في النار بالأغلال ، فله[97] ، فزع قد أعيى الأطباء ، وبه داء لا يقبل الدواء.

    يا من يسلم إلى الدود ، ويهدى إليه ، اعتبر بما تسمع وترى ، وقل لعينك تجفو لذة الكرى ، وتفيض من الدموع بعد الدموع تترى ، بيتك القبر بيت الأهوال والبلى ، وغايتك الموت يا قليل الحياء.

    اسمع- يا ذا الغفلة والتصريف- من ذوي[98] الوعظ والتعريف ، جعل يوم الحشر يوم العرض والسؤال ، والحباء [99]والنكال ، يوم تقلب إليه[100] أعمال الأنام ، وتحصى فيه جميع الآثام ، يوم تذوب من النفوس أحداق عيونها ، وتضع الحوامل ما في بطونها ، ويفرق بين كل نفس وحبيبها ، ويحار في تلك الأهوال عقل لبيبها ، إذ تنكرت الأرض بعد حسن عمارتها ، وتبدلت بالخلق بعد أنيق زهرتها ، أخرجت من معادن الغيب أثقالها ، ونفضت إلى الله أحمالها.

    يوم لا ينفع الجد ، إذا[101] عاينوا الهول الشديد فاستكانوا ، وعرف المجرمون بسيماهم فاستبانوا ، فانشقت القبور بعد طول انطباقها ، واستسلمت النفوس إلى الله بأسبابها ، كشف عن الآخرة غطاؤها ، وظهر للخلق أبناؤها ، فدكت الأرض دكا دكا ، ومدت لأمر يراد بها مدا مدا ، واشتد المثارون إلى الله شدا شدا ، وتزاحفت الخلائق إلى المحشر زحفا زحفا ، ورد المجرمون على الأعقاب ردا ردا ، وجد الأمر- ويحك ، يا إنسان!- جدا جدا ، وقربوا للحساب فردا فردا ، وجاء ربك والملك صفا صفا ، يسألهم عما عملوا حرفا حرفا ، فجي‏ء بهم عراة الأبدان ، خشعا أبصارهم ، أمامهم الحساب ، ومن ورائهم جهنم ، يسمعون زفيرها ، ويرون سعيرها ، فلم يجدوا ناصرا ولا وليا يجيرهم من الذل ، فهم يعدون سراعا إلى مواقف الحشر ، يساقون سوقا.

    فالسماوات مطويات بيمينه كطي السجل للكتب ، والعباد على الصراط وجلت قلوبهم ، يظنون أنهم لا يسلمون ، ولا يؤذن لهم فيتكلمون ، ولا يقبل منهم فيعتذرون ، قد ختم على أفواههم واستنطقت أيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون.

    يا لها من ساعة ، ما أشجى مواقعها من القلوب ، حين ميز بين الفريقين: فريق في الجنة ، وفريق في السعير! من مثل هذا فليهرب الهاربون ، إذا كانت الدار الآخرة لها يعمل العاملون»
    sigpic
Working...
X
😀
🥰
🤢
😎
😡
👍
👎