إعـــــــلان

Collapse
No announcement yet.

طريــق الخــروج من التيــه

Collapse
X
 
  • Filter
  • الوقت
  • Show
Clear All
new posts
  • GAYSH AL GHADAB
    مشرف
    • 13-12-2009
    • 1797

    طريــق الخــروج من التيــه

    طريــق الخــروج من التيــه
    يا أيّها الأحبة أيها المؤمنون والمؤمنات لنعمل جميعاً على أن نكون نحن الجيل الذي يخرج من التيه والصحراء التي وجدنا أنفسنا فيها، ولنبدأ بإصلاح أنفسنا ومجتمعنا الإسلامي، كل حسب مقدرته ووسعه، قال تعالى:
    ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ([1]).
    أيّها الأحبة إنّ الابتعاد عن الدين الإسلامي والمنهج الرباني جعل على القلوب أقفالاً وريناً، وعلى البصائر حُجباً لا تُزال إلاّ بالإخلاص لله وبالاندفاع بقوة من ذل معصية الله إلى عز طاعة الله، ومن ذل طاعة الطاغوت والخضوع له إلى عز طاعة الله والتسليم له؛ ليبزغ النور في القلوب وتنجلي الظلمة عن البصائر، قال تعالى:
    ﴿فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى ۞ سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى ۞ وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى([2]).
    أعاذني الله وإياكم من الشقاء وجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه لعـل الله يمن علينا بفرج مولانا محمد بن الحسن u فنفوز بالحُسنيين الشهادة بعد النصر وقتل أعداء الدين والمنافقين
    ﴿ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ([3]).
    إنّ في طريق الخروج من التيه الصلاة والزكاة والصوم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله والحب في الله والبغض في الله، وفي طريق الخروج من التيه الالتزام بالشريعة الإسلامية كلها والإخلاص لله والعمل له سبحانه، وفي طريق الخروج من التيه دماء تسيل وعرق ينضح.
    إنّ السير في طريق الخروج من التيه غير يسير، ولكن عاقبته الخير؛ لأنّ في نهاية هذا الطريق رضا الله سبحانه ورضا رسوله <ص>، وفي نهاية هذا الطريق إقامة دولة الحق والعدل الإلهي على الأرض وبسط كلمة الله أكبر على كل بقعة في الأرض.
    ولطريق الخروج من التيه آيات وعلامات واضحة يستدل بها السائرون إلى الله على صراطه المستقيم، ولا ينبئك عن هذه العلامات مثل خبير بهذا الطريق وهو الله سبحانه ومثل العلماء وهم محمد وآل محمد <ع>، وأنا في هذا البحث أتطرّق لبعض آيات الكتاب العزيز وبعض أحاديث محمد وآله <ع> وحالاتهم لعل الله ينفع بها من ألقى السمع وهو شهيد، وأهم العلامات في هذا الطريق:
    الصلاة:
    وهي عمود الدين ومعراج المؤمن وشرفه، إذا قبلت قبل ما سواها، وإن ردّت ردّ ما سواها، وبها تطهر الأرواح من الرجس كما تطهر الأبدان من الخبث بالماء، وعن رسول الله <ص>: (إنّ الله تعالى ذكره قسم بعزته أن لا يعذب المصلين والساجدين وأن لا يروعهم بالنار يوم يقوم الناس لرب العالمين) ([4]).
    فإذا حضر وقتها فلا تؤخرها فإنّ التأخير أول السهو عنها، وهو يجر إلى الاستخفاف بها، قال رسول الله <ص>: (من حبس نفسه في صلاة فريضة فأتم ركوعها وسجودها وخشوعها ثم مجد الله وعظمه وحمده حتى يدخل وقت صلاة فريضة أخرى لم يقطع بينهما كتب الله له كأجر الحاج المعتمر وكان من أهل عليين) ([5]).
    وعن الباقر والصادق عليهما السلام إنهما قالا: (إنما لك من صلاتك ما أقبلت عليه، فإنّ أوهمها كلها أو غفل عن آدابها لفت وضرب بها وجه صاحبها) ([6]).
    وتفكّر في عظمة الله وأنت واقف بين يديه، وأطل سجودها وركوعها فهي هديتك إلى الملك الحق، وثوابها أعظم منها. ومهما تمكنت فلا تفوت الجماعة في المساجد فإنّ فضل الجماعة عظيم. وعليك ببعض الصلوات المستحبة، وخصوصاً صلاة الغفيلة وصلاة الليل لا تتركها على كل حال فإنّ ثوابها عظيم، وهي ثمان ركعات وركعتي الشفع وركعة الوتر، بعد كل ركعتين سلام كصلاة الصبح إلاّ ركعة الوتر فهي ركعة واحدة، ويمكن أن تقتصر صلاة الليل على الحمد فقط، ويمكن أن تصلي ركعتي الشفع والوتر فقط.
    وروي أنه من استيقظ قبل صلاة الفجر فصلى الوتر ونافلة الفجر - وهي ركعتان قبل صلاة الفجر - كتبت له صلاة الليل فلا تفوت حظك ([7]).
    عن أبي عبد الله u: (جاء رجل إلى النبي <ص> فقال: يا رسول الله يسأل الله عمّا سوى الفريضة فقال: لا، قال: فو الذي بعثك بالحق لا تقربت إلى الله بشيء سواها. قال: ولم؟ قال؛ لأنّ الله قبّح خلقتي قال فامسك النبي <ص>، ونزل جبرائيل u فقال: يا محمد ربك يقرئك السلام ويقول اقرأ عبدي فلاناً السلام، وقل له: أما ترضى أن أبعثك غداً في الآمنين؟ فقال: يا رسول الله وقد ذكرني الله عنده! قال: نعم. قال فو الذي بعثك بالحق لا بقي شيء يتقرّب به إلى الله عنده إلاّ تقربت به) ([8]).
    ومن منا لم يذنب، ومن منا لا يريد أن يأتي آمناً يوم القيامة؟
    والدعاء:
    قال تعالى:﴿قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ([9]).
    وقال تعالى:﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ([10]).
    عليكم بالدعاء في اليسر والعسر ولقضاء كل حاجة صغيرة أو كبيرة، ولا تستصغر شيئاً أن تطلبه من الله، ولا تستكثر شيئاً أن تطلبه من الله،
    فإنّك لم تصب خيراً قط إلاّ من الله ولم يدفع عنك شراً أحد قط إلاّ الله.
    وروي أنّ الله أوحى إلى موسى u: (يا موسى أدعوني لملح عجينتك ولشسع نعلك ولعلف دابتك).
    واعلموا أيّها الأحبة إنّ الله سبحانه وتعالى لا يحد بوصف، وعطاؤه ما لا نهاية له، وإنما ينـزل بقدر؛ لأنّ عالمنا محدود فاطلب ما بدا لك من خير الدنيا والآخرة لما فيه صلاح دينك ورضا ربك، ولا تفوتك أدعية الصحيفة السجادية المباركة، فهي زبور آل محمد <ع>، ودعاء كميل خصوصاً في ليالي الجمع، ودعاء أبي حمزة الثمالي، والمناجاة الشعبانية.
    وأورد هنا هذه المناجاة لعل الله يجعل فيها نجاتنا من مكائد الدنيا وخدعها ويوفق البعض لتدبّر معانيها أو لحفظها والدعاء بها على كل حال.
    بسم الله الرحمن الرحيم
    (إلهي أسكنتنا داراً حفرت لنا حفر مكرها، وعلقتنا بأيدي المنايا في حبائل غدرها، فأليك نلتجئ من مكائد خدعها، وبك نعتصم من الاغترار بزخارف زينتها، فإنها المهلكة طلابها المتلفة حلالها، المحشوّة بالآفات المشحونة بالنكبات. إلهي فزهدنا فيها وسلمنا منها بتوفيقك وعصمتك، وانزع عنّا جلابيب مخالفتك، وتول أمورنا بحسن كفايتك، وأوفر مزيدنا من سعة رحمتك، وأجمل صلاتنا من فيض مواهبك، واغرس في أفئدتنا أشجار محبتك، وأتم لنا أنوار معرفتك، وأذقنا حلاوة عفوك ولذّة مغفرتك، وأقرر أعيننا يوم لقائك برؤيتك، وأخرج حب الدنيا من قلوبنا كما فعلت بالصالحين من صفوتك والأبرار من خاصتك، برحمتك يا أرحم الراحمين ويا أكرم الأكرمين) ([11]).
    وعليكم بذكر الله على كل حال في العمل وفي الفراغ وفي الليل والنهار، وخاصة بعد الصلاة الواجبة قبل أن تقوم من مقامك. وأكثروا من الصلاة على محمد وآل محمد، ولا تتركوا سجدة الشكر بعد الصلاة وبعد كل نعمة ينعم الله سبحانه وتعالى بها عليك وبعد كل مكروه يدفع عنك. وصفتها أن تسجد ثم تضع خدك الأيمن على الأرض ثم الأيسر ثم تعود للسجود، وأقل ما يقال فيها شكراً لله ثلاث مرّات، والأفضل مائة مرّة.
    ومن الأذكار التي على المؤمنين المداومة عليها خصوصاً بعد صلاة الصبح:
    1- لا اله إلاّ الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت ويميت ويحيي وهو حي لا يموت، بيده الخير وهو على كل شيء قدير (10مرّات) بعد صلاة الصبح وقبل غروب الشمس.
    2- سبحان الله العظيم وبحمده، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم (10 مرّات).
    3- أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، إلهاً واحداً أحداً فرداً صمداً لم يتخذ صاحبه ولا ولداً (10 مرات).
    4- اللهم صل على محمد وعجل فرجهم (100 مرّة).
    5- سبحان الله، والحمد لله، ولا اله إلاّ الله، والله أكبر (30 مرّة).
    وهذه الأذكار كما أن لها فائدة أخروية كذلك لها فائدة دنيوية وتدفع شر السلطان والشيطان .
    والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
    وهو من أهم الواجبات التي يقوم بها المجتمع الإسلامي ككل، فطالب العلوم الدينية والطبيب والفلاح والمهندس وكل فرد في المجتمع الإسلامي مسؤول عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وقد أنذر رسول الله هذه الأمة عن تركه بأن يسلط الله عليها شرارها ثم يدعون فلا يستجاب لهم ([12])، وهل يوجد أشر من الطواغيت المتسلطين على الأمة اليوم؟! فعودوا إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا تأخذكم في الله لومة لائم، ولترفع الأصوات بوجه كل عاصٍ لعل الله يرحمنا ويرفع عنا هذا البلاء، قال تعالى:
    ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ([13]).
    وقد ورد عنهم <ع>: إنّ بالأمر بالمعروف تقام الفرائض، وتأمن المذاهب وتحل المكاسب وتمنع المظالم وتعمر الأرض وينتصف للمظلوم من الظالم ولا يزال الناس بخير ما أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وتعاونوا على البر فإن لم يفعلوا ذلك نزعت منهم البركات وسلط بعضهم على بعض ولم يكن لهم ناصر في الأرض ولا في السماء ([14]).
    وقال النبي <ص>: (كيف بكم إذا فسدت نساؤكم ، وفسق شبابكم ولم تأمروا بالمعروف ولم تنهوا عن المنكر، فقيل له ويكون ذلك يا رسول الله ؟ قال <ص>: نعم فقال كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف، فقيل له يا رسول الله ويكون ذلك ؟ فقال <ص>: نعم وشر من ذلك، كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكراً والمنكر معروفاً) ([15]).
    فعلى كل مؤمن ومؤمنة اليوم أن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر ويعملوا ليل نهار لإصلاح النفوس الفاسدة التي أصبحت ترى المعروف منكراً والمنكر معروفاً والحمد لله وحده.
    والخمس والزكاة:
    ورد في جملة من الأخبار أنّ مانع الزكاة كافر([16])، وقال الباقر u: (إنّ أشد ما فيه الناس يوم القيامة إذا قام صاحب الخمس فقال يا رب خمسي) ([17])، وقال إمام العصر عجل الله فرجه الشريف : (من أكل من مالنا شيئاً في بطنه ناراً وسيصلى سعيراً) ([18]).
    ودفع الخمس والزكاة فيه خير الدنيا والآخرة ويوجد البركة والزيادة في المال، قال تعالى:
    ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ ۞ لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ([19]).
    ولعل أهم ما يجب أن تعرفه أنّ من لا يدفع ماله في سبيل الله لا يدفع نفسه في سبيل الله، فالذي لا يدفع الخمس والزكاة لن يقاتل مع صف الإمام الحجة u، بل لا يبعد أنّه سيحارب ضد الإمام u إذا تعارضت عدالة الإمام u مع مصالحه الشخصية، وانظر بعين الإنصاف أنّ المال كلّه لله فهو مالك كل شيء، ومع ذلك فقد جعل لك أربعة أخماس، ما جعلك مستخلفاً فيه، وفرض عليك أن تدفع الخمس والزكاة لتعبّر عن طاعتك له وحبّك له ولرسوله <ص> وذريته، لا لحاجة الله لهذا المال، فأنت اليوم تنفقه على الفقراء والمساكين إن أخرجته.
    وأضرب مثالاً: صاحب مزرعة أعطاها لعمّال فقال لهم اعملوا فيها وخذوا أربعة أخماس الإنتاج، والخمس الباقي أعطوه لجيرانكم من الفقراء؛ لأني لا أريدهم أن يجوعوا أو يعروا، فطمع العمّال حتى بالخمس وأكلوه، هل ترى أكرم من صاحب المزرعة، وهل ترى أبخل من هؤلاء العمّال؟! والحمد لله رب العالمين.
    والصيام:
    وهذه العبادة تربي في النفس الاهتمام بأحوال المسلمين الفقراء إضافة إلى تقوى الله، فلا تقض نهار صيامك في التفكير بإفطارك ونوع الطعام الذي ستتناوله فيه، فعندما تحس بالجوع وأنت صائم تذكر كم من المسلمين يقضون معظم أيام السنة جياع ولا تكن من الذين
    ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ([20]).
    وليس كل ما في وسعك هو إطعام بعض الفقراء، بل علينا جميعاً أن نعمل لرفع الفقر عن هؤلاء المسلمين الذين يمثلون اليوم معظم أبناء الأمة الإسلامية الغنية بكل أنواع الثروات من أرض زراعية ومعادن ونفط، ولو أنّ ما في أرض المسلمين ينفق على المسلمين وفق الشريعة الإسلامية لأصبح المسلم اليوم من أغنى الناس، ولكن وللأسف تسلط اليوم على الأرض الإسلامية الغنية طواغيت لا هم لهم إلاّ نهب ثرواتها وبناء القصور والفجور وشرب الخمور، إنّ أحد هؤلاء الطواغيت يسافر إلى إحدى دول الغرب ومعه سبع طائرات عملاقة ومائتا طن من المواد الغذائية والكماليات وغيرها ومن الخدم وغيرهم الذين ينفق عليهم ما يكفي لإطعام مدينة من المدن الإسلامية التي يتضور أهلها جوعاً، وأحدهم ينفق على بعض وسائل الإعلام ما يكفي لإطعام الشعب المؤمن الذي تسلط عليه بإراقة الدماء والذي يتضور جوعاً، كل هذا في سبيل أن تغطي وجهه الأسود وفمه الذي يقطر من دماء المؤمنين ليبقى متسلطاً على المسلمين ولو ليوم آخر ينهب فيه الأموال ويأكل فيه الكثير من الطعام لا أشبع الله بطنه.
    أيّها الأحبة إنّ في الصيام تدبّراً وتفكّراً في أحوال المسلمين. وفي الصيام جهاد للنفس وللشيطان وللهوى ولزخرف الدنيا، وفي الصيام حب في الله وبغض في الله، وفي قلب الصائم رحمة للمؤمنين وشدّة وغلظة على الكافرين والمنافقين، فاحذروا أن يكون صيامكم جوعاً وعطشاً.
    روي عن رسول الله <ص>: (ما أقل الصوم وما أكثر الجوع) ([21]).
    وقال أمير المؤمنين صلوات الله عليه: (كم من صائم ليس له من صيامه إلاّ الظمأ، وكم من قائم ليس له من قيامه إلاّ العناء، حبذا نوم الأكياس وإفطارهم) ([22]).
    وروي أنّ رسول الله <ص> قال لجابر بن عبد الله الأنصاري: (يا جابر هذا شهر رمضان من صام نهاره وقام ورداً من ليله وعف بطنه وفرجه وكف لسانه خرج من ذنوبه كخروجه من الشهر. قال جابر ما أحسن هذا الحديث، فقال رسول الله <ص>: يا جابر، وما أشد هذه الشروط) ([23]).
    ولعل أهم العبادات المقترنة بشهر الصيام هي قراءة القرآن، فاعملوا على تدبّر القرآن ودرس القرآن لتعيشوا حياة السعداء وتموتوا موت الشهداء، فعن رسول الله <ص>: (سيأتي على الناس زمان لا يبقى من القرآن إلاّ رسمه) ([24]).
    وما أكثر نسخ القرآن اليوم، وما أكثر من يقرأ القرآن والحمد لله، ولكن هل نتدبر القرآن؟ هل نتخلّق بأخلاق القرآن ؟ هل نتفكر بآياته ؟ هل نحن عباد الله ؟ هل نحن كافرون بالطاغوت كما أمرنا في القرآن؟ هل نحن موقنون ؟
    قال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً([25]).
    سبحان الله، كل هذا في القرآن ونحن غافلون عن القرآن!! فإنّا لله وإنّا إليه راجعون، وهل نظن إننا تدبّرنا القرآن ونحن نجزع لأقل نازلة تنزل بنا ؟ ففي القرآن دروس لا تحصى في الصبر والتوكل على الله في سورة الشعراء:
    ﴿فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ۞ قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ[26]). هل تدبّرنا معنى هذه الآيات؟؟
    أصحاب موسى u يؤكدون أنهم واقعون بيد فرعون وجنوده، وموسى u يؤكد أنّ الله سيهديه وينجيه من فرعون وجنوده:
    ﴿كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ.
    هل استعملت هذه الآية سلاحاً تهزم به عدوك كما فعل موسى u ؟!
    والصبر:
    ﴿يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ۞ وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ۞ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ([27]).
    وعن أبي عبد الله u: قال رسول الله <ص>: (لا حاجة لله فيمن ليس في ماله وبدنه نصيب) ([28]).
    وعن رسول الله <ص> عندما سئل من أشد الناس بلاءً في الدنيا؟ فقال: (النبيون ثم الأمثل فالأمثل، ويبتلى المؤمن بعد على قدر أيمانه وحسن أعماله، فمن صح أيمانه وحسن عمله اشتد بلاؤه، ومن سخف إيمانه وضعف عمله قل بلاؤه) ([29]).
    وقال أمير المؤمنين u: (لو أحبني جبل لتهافت) ([30]).
    وقال u: (من أحبنا أهل البيت فليستعد للبلاء جلباباً) ([31]).
    فالمؤمن مبتلى ولا بد له من الصبر سلاحاً قوياً يواجه به المصائب والابتلاءات.
    والصبر في سبيل الله من أعظم العبادات وله مظاهر كثيرة: منها الصبر على العبادة، والصبر عن المعصية، والصبر عند المصيبة، ولعل من أعظم مصاديق الصبر تحمل المشقّة والمصائب التي تعترض الإنسان المؤمن الذي يخلص في طاعة الله؛ حيث إنّه يواجه الباطل بما فيه من طواغيت ومترفين وجهّال، فاصبروا أيّها المؤمنون والمؤمنات على الأذى الذي تتعرّضون له من الطواغيت وعبيدهم من مترفين وسفهاء، وعضوا على دينكم بالنواجذ، واصبروا على ضيق المعيشة، ولا توردوا أنفسكم موارد الهلكة، فهذه الحياة ساعة الموت لا يراها الإنسان إلاّ كساعة ما لبث أن يعرف الناس فيها.
    واعلموا أنّ دنيا زويت عن محمد بن عبد الله <ص> لا خير فيها، فاعملوا على إصلاح دينكم لتصلح دنياكم وأخراكم، عن رسول الله <ص>: (ليأتين على الناس زمان لا يسلم لذي دين دينه إلاّ من يفر من شاهق إلى شاهق، ومن حجر إلى حجر كالثعلب بأشباله. قالوا: ومتى ذلك الزمان يا رسول الله؟ قال: إذا لم ينل المعيشة إلا بمعاصي الله فعند ذلك حلت العزوبة. قالوا: يا رسول الله أمرتنا بالتزويج!! قال: بلى، ولكن إذا كان ذلك الزمان فهلاك الرجل على يدي أبويه فإن لم يكن له أبوان فعلى يدي زوجته وولده، فإن لم يكن له زوجه ولا ولد فعلى يدي قرابته وجيرانه. قالوا: وكيف ذلك يا رسول الله؟ قال: يعيرونه بضيق المعيشة ويكلفونه ما لا يطيق حتى يوردونه موارد الهلكة) ([32]).
    أيّها الأحبة تحملوا المشقة واقبلوا القليل من الحلال، وأقلوا العرجة على الدنيا، ولا تداهنوا الطواغيت وأعوانهم، فإن فرج آل محمد وفرجكم قريب إن شاء الله، إنّ مع العسر يسراً إنّ مع العسر يسراً، عن رسول الله <ص>، قال: (لا تكونوا ممن خدعته العاجلة وغرته الأمنية فاستهوته الخدعة فركن إلى دار السوء، سريعة الزوال وشيكة الانتقال، إنه لم يبق من دنياكم هذه في جنب ما مضى إلا كإناخة راكب أو صر حالب فعلى ما تعرجون وماذا تنتظرون؟ فكأنكم والله وما أصبحتم فيه من الدنيا لم يكن، وما تصيرون إليه من الآخرة لم يزل فخذوا أهبة لا زوال لنقله وأعدوا الزاد لقرب الرحلة واعلموا أن كل امرئٍ على ما قدم قادم، وعلى ما خلف نادم) ([33]).
    إذا كان قبل ألف وأربعمائة سنة تقريباً لم يبق من الدنيا في جنب ما مضى إلاّ كإناخة راكب، فاعلمـوا أنّ ما بقي اليوم من الدنيا ليس بشيء يذكر أو يمثل، فلربما ظهر الإمـام المهدي u في هذه السنة أو في السنة التي تليها، فهل نبقى غافلين منكبين على طلب الدنيا غافلين عمّا يراد بنا؟! (الناس نيام إذا ماتوا انتبهوا) ([34]).
    سُئل أبو ذر رضي الله عنه لماذا نحن نكره الموت فأجاب: لأنكم عمرتم دنياكم وخربتم آخرتكم ، والمرء يكره أن ينتقل من عمار إلى خراب ([35]).
    خلقنا الله للعبادة فوقتنا يجب أن يكون للعبادة، وما زاد منه لطلب الرزق والعمل لا العكس.
    قال رسول لله <ص>: (أيها الناس إن الرزق مقسوم لن يعدو أمرؤ ما قسم له فأجملوا في الطلب وإن العمر محدود لن يتجاوز أحد ما قدر له) ([36]).
    وقال <ص> عند منصرفه من أحد: (أيها الناس اقبلوا على ما كلفتموه من إصلاح آخرتكم وأعرضوا عما ضمن لكم من دنياكم) ([37]).
    وقال علي u: (لن يفوتك ما قسم لك فأجمل في الطلب، لن تدرك ما زوي عنك فأجمل في المكتسب) ([38]).
    وقال u: (سوف يأتيك أجلك، فأجمل في الطلب، سوف يأتيك ما قدر لك فخفض في المكتسب) ([39]).
    وقال u: (عجبت لمن علم إنّ الله قد ضمن الأرزاق وقدرها وأن سعيه لا يزيده فيما قدر له منها وهو حريص دائب في طلب الرزق) ([40]).
    واعلموا أنّ هذه الأحاديث لا تتناقض مع طلب الرزق والسعي في مناكب الدنيا، ولكنها تعارض الطلب الذي يجعلك تترك العبادة، أو تقصر فيها أو تؤخر الصلاة عن وقتها، أو تهلك بدنك في الطلب، فإنّ لبدنك عليك حقاً.
    واعلموا أنّ الذي يجهد بدنه لن يقوى على العبادة، فيجب أن نوفر وقتاً للعبادة الواجبة والمستحبّة، ونعد العدّة لها، وخصوصاً صلاة الليل لا تتركوها على كل حال.
    قال الإمام الحسن u: (يا هذا لا تجاهد الطلب جهاد المغالب ولا تتكل على التقدير اتكال المستسلم فإن ابتغاء الفضل من السنة والإجمال في الطلب من العفة وليست العفة بدافعة رزقاً ولا الحرص بجالب فضلاً فإن الرزق مقسوم والأجل موقوت واستعمال الحرص يورث المآثم) ([41]).
    والتقية:
    نحن جميعاً نمارس التقية في حياتنا اليومية، فالإنسان مفطور على تجنب الضرر المادي، بل الحيوان الصامت كذلك، ولكننا نحتاج إلى تقنين هذه الطبيعة وفق التشريع الإسلامي، فالتقية في الإسلام عبادة من أهم العبادات التي يجب أن يلتزم بها المؤمنون التزاماً كاملاً ودقيقاً، وترك التقية في مواردها محرّم كما أن العمل بها في غير مواردها يورد المؤمن موارد الهلكة.
    فكثير من المؤمنين يُفرِطون في التقية، وقليل من المؤمنين يُفرِّطون بها وقد ورد عن الأئمة <ع> النهي عن حالتي الإفراط والتفريط في التقية، فعن الصادق u ما معناه: (التقية ديني ودين آبائي) ([42]).
    وعنه u: (من لا تقية له لا دين له) ([43]).
    كما ورد عنه u ما معناه: (إنكم لو دعيتم لتنصرونا لكانت التقية أحب إليكم من آبائكم) ([44]).
    فبينما هو يؤكد u على التقية والعمل بها في مواردها يذكر أنّ بعضهم يتخاذلون عن نصرة آل محمد <ع>ويعتذرون بالتقية، خصوصاً في زمن ظهور الإمام المهدي u!!
    إذن، فالتقية لا تعني ترك الجهاد والعمل في سبيل الله، ولكنها تعني العمل بحذر، فمثلاً: إذا كنت تريد أن تقتل أفعى سامّة فعليك أن تقترب منها بهدوء ثم تضرب رأسها، أمّا إذا أثرت الكثير من الضجيج فستنتبه هذه الأفعى إنك تقترب منها وربما ستبدأ هي بالهجوم عليك.
    وعن أبي جعفر u في صحيح الحذاء: (والله إنّ أحب أصحابي إلي أورعهم وأفقههم وأكتمهم لحديثنا) ([45]).
    وكتم حديث أهل البيت عن غير أهله من الذين لا يقولون بإمامة آل محمد <ع>، المعاندين لهم والخارجين عن ولايتهم.
    والجها د:
    قال تعالى:﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ۞ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ([46]).
    أيّها المؤمنون والمؤمنات إنّ هؤلاء الحكّام تسلطوا على المسلمين بالقوّة، واستبيحت الدماء التي حرم الله وبالمكر والخداع وشراء المرتزقة من الأراذل، وأخذوا يحاربون كل إنسان حرّ يرفض التعبّد بقوانينهم لأنّهم يرون أنفسهم آلهة يجب أن تطاع من دون الله، إنّهم يعتبرون أنفسهم فوق البشر فعليهم أن يقولوا ويفعلوا وعلى الناس أن يثنوا على الأقوال ويحمدوا الأفعال، إنهم مستكبرون لا يعون الكلمة الطيبة، إنّما يفهمونه القوّة، والقوّة فقط هي التي تحل مشكلتنا مع هؤلاء الظلمة المستكبرين، وهذا قدرنا، إنّ الله سبحانه وتعالى شاء أن يمتحن المؤمنين بالجهاد ليعلم الصادق في إيمانه من الكاذب الذي يدعي الإيمان.
    قال تعالى: ﴿الم ۞ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ ۞ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ۞ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ۞ مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ۞ وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ([47]).
    إنّ هؤلاء الطواغيت ركزوا بين اثنين السلّة أو الذلة كما قال مولانا الحسين u ([48])، ويأبى الله لنا الذلة ورسوله والمؤمنون، فلا بد من جهاد هؤلاء الطواغيت ومرتزقتهم الذين يمتصوّن دماء المسلمين قبل أن يأتي يوم نصبح فيه أجساد بلا دماء وأموات نسير على الأرض، وليس لمسلم أن يقول لا أريد أن أتدخل في السياسة؛ لأنّ كل مسلم ملتزم بإسلامه متفقّه في دينه هو سياسي.
    انظروا إلى كتب الفقه الإسلامي إنّ ما فيها من أحكام المعاملات الاقتصادية والاجتماعية والقضائية والسياسية أكثر بكثير مما فيها من أحكام العبادات، ثم أليس القرآن هو دستور حياتنا والطريق الذي يرسمه لنا هو الصراط المستقيم الذي يجب أن نسير عليه؟ فإذا تدبّرنا القرآن وجدناه ثورة الأنبياء <ع> والمؤمنين المستضعفين بوجه الطواغيت المستكبرين، وإذا تدبّرنا حديث النبي <ص> وجدناه يقول: (أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر) ([49]).
    إنّ في هذا الحديث تفضيل لجهاد الحاكم الجائر؛ وذلك لأنه يحكم بحكم الجاهلية ويتّبع هواه ويستبيح الدماء والأموال والفروج ولا يبقى من الإسلام إلاّ ما يوافق هواه، ويشتري من علماء السوء من يفسّر له القرآن وفق هواه فيجعل أولي الأمر في الآية:
    ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ([50])،
    هم الحكام الظلمة لا الأئمة الاثنا عشر المعصومون <ع>، ويصبح موسى وعلي والحسين <ع> بغاة على أئمة زمانهم فرعون ومعاوية ويزيد لعنهم الله، وهكذا يرجع الناس إلى الجاهلية ولا يبقى من القرآن إلاّ رسمه ومن الإسلام إلاّ اسمه.
    ومن هنا نعرف أنّ جهاد الحاكم الجائر جهاد دفاعي عن الإسلام فلابد للمسلمين من مجاهدة الطواغيت المتسلطين على البلاد الإسلامية والقضاء على مرتزقتهم، وإقامة الحكومة الإلهية الربانية الإسلامية، وبالتالي تنفيذ ما شرّعه الله في القرآن الكريم وعلى لسان نبيه العظيم <ص> وما جاء به الأئمة الاثنا عشر المعصومون عن رسول الله <ص> في البلاد والعباد، ونشر العدل والقضاء على الفساد.
    ولابد من الجهاد المسلح، ولكي نهيئ هذه الأمة لهذه المرحلة لابد من أمور، هي:
    1-نشر الفقه الديني بين المؤمنين:
    وهذه مهمّة كل مؤمن، وهو واجب شرعي؛ لأنه مقدمة كل العبادات ولصحة المعاملات، ولكن كل بحسبه ووسعه، فواجب خريجي الجامعات ليس كواجب الأمي؛ فمثلاً على خريج الجامعة أن يدرس الفقه أو بعض المسائل الفقهية ويستعين بطلبة العلوم الدينية، وهذا واجبهم كمرشدين، ثم يقوم هو بنشر الفقه بين المؤمنين.
    أمّا الذي لا يقرأ فيستطيع أن يتعلّم بعض المسائل الفقهية في الجامع أو من بعض المؤمنين ثم يقوم بنشرها بين المؤمنين، ولا يستقل أحد علمه فلو كنت تعرف مسألة فقهية واحدة فاعمل على نشرها بين المؤمنين.
    واعلموا أنّ بنشر الفقه وتباحث المؤمنين حول التشريع الإسلامي وأحوال المسلمين اليوم يتعرّى الطواغيت وأعوانهم الذين يتظاهرون بالإسلام، ويعرف المسلمون مدى خروج هؤلاء الحكّام الظلمة عن الشريعة المقدسة واستهزائهم بها ومحاربتهم لأولياء الله الربانيين والمؤمنين المتدينين.
    2-الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
    ذكرت فيما سبق أنّ هذا العمل هو مهمّة المجتمع بأسره، وهو واجب من أهم الواجبات الشرعية نكسب بها رضا الله ونفضح بها الطواغيت. ويجب أن نركز على إصلاح نفوس الخاضعين للطاغوت فنذكرهم بالقرآن والأنبياء <ع> وجهادهم للطواغيت:
    قال تعالى: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ([51]).
    وقال تعالى: ﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ۞ لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ([52]).
    وقال تعالى:﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ ۞ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ ۞ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ([53]).
    إنّ الذي في نفسه ولو جذوة من الحق سيتذكّر ويرجع إلى ولاية الله ولا ينصاع إلى أوامر الطاغوت، وينضم إلى صفوف المؤمنين.
    وأمّا الشقي الذي يظن أن استسلامه للطاغوت سينجيه ويبقيه حياً، فلا تأسوا عليه، فهذا يظن أنّ الحياة بيد الطاغوت لا بيد الله ! وانطوت نفسه على خوف وجبن من الطاغوت حتى أصبح طبيعة ثانوية.
    أمّا أعوان الطاغوت فهؤلاء قد اسودت قلوب معظمهم وعميت بصائرهم، وأصبحوا يرون المنكر معروفاً والمعروف منكراً، ولكن هذا لا يعني أن نتركهم ليكونوا جميعاً حطباً لجهنم، فلعل فيهم من يمكن إصلاحه وأعادته إلى ولاية الله.
    وليكن لنا كمؤمنين في الحسين u أسوة، حيث نصح لجيش يزيد بن معاوية لعنهم الله وأمرهم بالمعروف ونهاهم عن المنكر، فكانت النتيجة عودة قائد من قواد جيش الأمويين وهو الحر بن يزيد الرياحي (رضي الله عنه) إلى الحق، ولو لم تكن إلاّ هذه النتيجة من خطبة أبي عبد الله u لكفى.
    وعلى المؤمنين الاحتياط والحذر في نصح هذه الفئة الضالة، وعلى أرحامهم من المؤمنين أو من يأمن منهم الضرر أن ينصحهم ويحاول إصلاحهم، ولا ييأس المؤمنون من إصلاح المجتمع الإسلامي فهم حزب الله وجنده قد كتب الله لهم الفلاح والغلبة، وسيرسل الله سبحانه لهم القائد الرباني المهدي u المصلح العظيم والمنفذ لشريعة الله على الأرض، والكلمة التي سبقت من الله لعباده المرسلين ووعده سبحانه لهم بالنصر، ولابد أن تشرق الشمس بعد هذا الغياب الطويل والعناء المرير، فاعملوا ليلاً ونهاراً وسرّاً وعلانيةً، واعلموا أن أجر المؤمن الذي يعمل لتهيئة الأساس لدولة صاحب الزمان u في هذا الوقت عظيم.
    عن أبي عبد الله u، قال: (قال رسول الله <ص>: طوبى لمن أدرك قائم أهل بيتي وهو مقتد به قبل قيامه، يتولى وليه ويتبرأ من عدوه، ويتولى الأئمة الهادية من قبله، أولئك رفقائي وذوو ودي ومودتي، وأكرم أمتي عليّ. قال رفاعة: وأكرم خلق الله علي) ([54]).
    وعن الصادق u، قال : (قال رسول الله <ص>لأصحابه: سيأتي قوم من بعدكم الرجل الواحد منهم له أجر خمسين منكم، قالوا: يا رسول الله نحن كنا معك ببدر وأحد وحنين ونزل فينا القرآن؟ فقال: إنكم لو تحملوا لما حملوا لم تصبروا صبرهم) ([55]).
    عن محمد بن عبد الخالق وأبي بصير، قال: قال أبو عبد الله u: ( يا أبا محمد إنّ عندنا والله سراً من سر الله، وعلماً من علم الله، والله ما يحتمله ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا مؤمن امتحن الله قلبه للأيمان، والله ما كلف الله ذلك أحد غيرنا، ولا استعبد بذلك أحد غيرنا. وإنّ عندنا سرّاً من سرّ الله وعلماً من علم الله، أمرنا الله بتبليغه فبلغنا عن الله U ما أمرنا بتبليغه فلم نجد له موضعاً ولا أهلاً ولا حمالة يحتملونه حتى خلق الله لذلك أقواماً خلقوا من طينة خلق منها محمد وآله وذريته <ع> ومن نور خلق الله منه محمداً وذريته <ع> وصنعهم بفضل صنع رحمته التي صنع منها محمداً وذريته <ع> فبلغنا عن الله ما أمرنا بتبليغه فقبلوه واحتملوا ذلك (فبلغهم ذلك عنا فقبلوه واحتملوه)، وبلغهم ذكرنا فمالت قلوبهم إلى معرفتنا وحديثنا فلولا أنهم خلقوا من هذا لما كانوا كذلك لا والله ما احتملوه.
    ثم قال: إنّ الله خلق لجهنم والنار خلقاً فأمرنا أن نبلغهم كما بلغناهم واشمأزوا من ذلك ونفرت قلوبهم وردوه علينا ولم يحتملوه وكذبوا به وقالوا ساحر كذّاب، فطبع الله على قلوبهم وأنساهم ذلك، ثم أطلق الله لسانهم ببعض الحق فهم ينطقون به وقلوبهم منكره ليكون ذلك دفعاً عن أوليائه وأهل طاعته، ولولا ذلك ما عبد الله في أرضه، وأمرنا بالكف عنهم والستر والكتمان، فاكتموا عمّن أمر الله بالكف عنه، واستروا عمّن أمر الله بالستر والكتمان عنه.
    ثم رفع يده وبكى، وقال: اللهم إنّ هؤلاء لشرذمة قليلون فاجعل محيانا محياهم ومماتنا مماتهم، ولا تسلط عليهم عدواً لك فتفجعنا بهم فإنك إن أفجعتنا بهم لم تعبد أبداً في أرضك، وصلى الله على محمد وآله وسلم تسليماً) ([56]).
    3-نشر فكر الثورة الإسلامية:
    الثورة الإسلامية هي ثورة محمد بن عبد الله <ص> والمؤمنين والمستضعفين على طواغيت زمانه، أمثال أبي سفيان وكسرى وقيصر وأعوانهم، ولن تنتهي هذه الثورة حتى يقول كل من على الأرض (لا إله إلاّ الله، محمد رسول الله)، ويتحقق العدل الإلهي وينبسط على كل أرجاء المعمورة على يد مهدي هذه الأمة u.
    ولا يشك مسلم أنّ ثورة الحسين u هي استمرار لثورة الرسول <ص> حيث قال في الحديث المشهور: (حسين مني) ([57]).
    فثورة الحسـين u هي ثورة حزب الله وجنوده على الطاغوت وحزبه، وخروج الحسـين u هو خروج الرسول <ص> في شخص ولده الحسين u سيد شباب أهل الجنة.
    لم يكن خروج الحسين u ليحقق نصراً عسكرياً في ساحة المعركة وهو يعلم أنّ معه سبعين رجلاً أو يزيدون قليلاً، بل إنّ الحسين u خرج بعهد من جده رسول الله <ص> وكان يعلم أنّه سيقتل ويقتل أصحابه وولده حتى الرضيع، وتسبى النساء وفيهن زينب بنت فاطمة بنت رسول الله <ص>.
    إنّ ثورة الحسين u استهدفت إحياء الثورة الإسلامية المحمدية وحقيقتها الإصلاحية التي كان الأمويون يريدون تحويلها إلى مجرّد نهضة عسكرية لإقامة إمبراطورية عربية باسم الإسلام، فجاءت نهضة الحسين u لتقول للناس جميعاً في كل مكان وزمان إنّ الإسلام لا يستهدف إقامة إمبراطورية عربية أو إسلامية.
    إنّ هدف الإسلام هو أن يقول كل من على الأرض: ( لا إله إلاّ الله ).
    إنّ هدف الإسلام هو إقامة العدل الإلهي على الأرض.
    جاءت ثورة الحسين u لتعلن براءة الله سبحانه وتعالى ورسوله <ص> من الحكّام الذين تسلطوا على هذه الأمة، وأبعدوا خلفاء الله في أرضه أوصياء محمد <ص> الأئمة الاثني عشر <ص> عن الحكم.
    إنّ ما حصل في كربلاء في العاشر من المحرّم سنة إحدى وستين للهجرة يؤكد أنّ الأمة الإسلامية ارتدت إلى الجاهلية بعد وفاة النبي <ص>، وكان أعظم مظاهر هذه الردّة هو قتل الحسين ابن علي (عليهما السلام)، ورفع رأسه على رمح، وأسر الوصي الرابع من أوصياء محمد <ص> علي بن الحسين (عليهما السلام) وجرّه إلى الشام مكبّلاً بالحديد، فكان ما فعلته هذه الأمة مع أوصياء نبيها <ص> استكمالاً لما فعله بنو إسرائيل مع أنبيائهم <ص> ، إن لم يكن ما فعلته هذه الأمة أنكى وأعظم.
    وأصبح ما حصل في كربلاء لعنة على ذلك الجيل من الأمة الإسلامية الذي ارتضى أن يقتل الحسين u، وفي نفس الوقت فهو رحمة لأجيال هذه الأمة التي جاءت بعد مقتل الحسين u، حيث بدأ يتعمّق في نفوس الكثيرين فكر الثورة الإسلامية التي وضع خطتها الله سبحانه وتعالى وينفذها محمد وآل محمد <ص> من بعده.
    ونحن اليوم نستوعب هذه الحقيقة؛ لأنها واقع عملي فلا يأتي يوم عاشوراء حتى تسمع الدويَّ والعويل يرتفع على كل بقعة في الأرض يتواجد فيها المؤمنون.
    لقد ضحى الحسين u بكل شيء ليصبح أوضح علامات الطريق إلى الله والخروج من التيه الذي وقعت فيه هذه الأمة؛ وليضع الأساس القوي والمتين الذي يرجع إليه كل مسلم يرفع سيفه بوجه الطواغيت الذين تسلطوا على هذه الأمة ليعيدوها إلى الجاهلية، فثورة الحسـين u المحمدية الإسلامية الأصلية استهدفت إصلاح نفوس أبناء هذه الأمة وتهيئة جيل مؤهل لحمل الرسالة الإلهية، جيل رباني يعبد الله ولا يقبل إلاّ بالقرآن دستوراً وبالمعصوم المعين من الله أو من ينوب عنه حاكماً، فإنّ كان مقتل الحسين u أمراً عظيماً فإنّ الهدف منه بقدر تلك العظمة إنّه إقامة دولة لا إله إلاّ الله الكبرى على الأرض، دولة العدل الإلهي بقيادة ابن الحسن عليهما السلام الإمام المهدي المنتظر عجل الله فرجه الشريف.
    4-تهيئة القوة للجهاد:
    إذا تفقّه المسلمون في دينهم وبدؤوا يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر واستوعبوا هدف الثورة الإسلامية، وهو حمل كلمة لا إله إلاّ الله إلى أهل الأرض وإقامة العدل الإلهي على الأرض، أصبح لدينا جيل مهيّأ لجهاد الطواغيت، فتكون المرحلة الرابعة هي الاستعداد للجهاد بدنياً وتهيئة السلاح ولو كان سكين صغيرة أو قطعة حديد، ولا تستصغروها فإنّ أصحاب رسول الله انتصروا بجريد النخل على سيوف مشركي قريش.
    واعلموا أنّ الله معكم وهو مثبتكم وناصركم بملائكته إن كنتم مخلصين له سبحانه، ومع جنود الطاغية الشيطان هو الذي يستفزّهم وسينكص على عقبيه عندما يتراءى الجمعان وسيهزم الجمع ويولون الدبر، قال تعالى:
    ﴿وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ([58]).
    فبهذه المراحل التي مرّت يتهيأ جنود المهدي u، جنود الله سبحانه وتعالى للجهاد نفسياً وبدنياً. وليستحضر كل مؤمن مجاهد في نفسه أنّه مع الله سبحانه جبّار السماوات والأرض فلا يخاف ولا يخشى من الطاغوت وجنوده مهما كثر عددهم وعدتهم:
    ﴿إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً([59]).
    وعندئذٍ سيفرّج الله سبحانه وتعالى عن هذه الأمة ويرسل لها القائد الرباني المهدي u الذي يقودها للخروج من التيه ولدخول الأرض المقدسة إن شاء الله سبحانه وتعالى.
    والمهدي u هو محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب u، فهو من ولد علي u وفاطمة بنت محمد رسول الله <ص>.
    والمسلمون متفقون على خروجه في آخر الزمان، والأحاديث في ذلك متواترة، ومنكره كافر بما جاء به محمد <ص> كما جاء في الحديث عنه <ص>.
    ولادته u سنة 255 هـ قبل شهادة أبيه الإمام العسكري بخمس سنين، وأمّه حفيدة قيصر ملك الروم يرجع نسبها إلى أحد حواري عيسى u، وقد رآه الكثير من المؤمنين في حياة أبيه الإمام العسكري u، وبعد توليه منصب الإمامة كان يراه سفراؤه الأربعة في زمن الغيبة الصغرى ولمدّة تزيد عن سبعين عاماً، ثم شاء الله أن تقع الغيبة الكبرى، وسيبقى u حياً حتى يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.
    وجاء ذكره في التوراة والإنجيل ويسمّى فيها بـ (قديم الأيام) لطول عمره u. وينزل عيسى u في زمن قيامه من السماء وزيراً له ومؤيداً لحقّه u.
    قيامه u في مكة، يجتمع له أصحابه فيها، وعدتهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً على عدّة أهل بدر وأصحاب طالوت الذين عبروا معه النهر، ثم يتوافد المؤمنون المخلصون إلى مكّة من كل بلاد المسلمين حتى يبلغ العدد عشرة آلاف، وهم أول جيشه u، ولا يخرج من مكّة لقتال الطواغيت حتى يخسف الله الأرض بجيش السفياني بين مكّة والمدينة، وهو جيش يرسل للقضاء على حركة المهدي u، وبعد هذا الحادث يبدأ حركته بتطهير الأرض الإسلامية من الطواغيت وعبيدهم المجتمعين حولهم، ويقضي على السفياني وجنده الأرجاس، ويحرر الأرض المقدسة ويدخل الناس في دين الله أفواجاً.
    ولكن الامتحانات في زمن ظهوره u كثيرة، منها الدجال وجيوش الغرب، لكن الله ينصر وليه المهدي u وجنود الله الذين معه على أعدائهم؛ ليظهر الدين الإلهي على الدين كلّه ولو كره المشركون كما وعد سبحانه وتعالى في كتابه الكريم القرآن ([60]).
    ومن علامات قرب ظهوره u أن تمنع السماء قطرها، وحر شديد، واختلاف الشيعة، ويقع الموت في الفقهاء، وقتل كثير منهم في النجف، وحصار اقتصادي على العراق كما ورد يكاد لا يجبى للعراق قفيز ولا درهم([61])، ومنع أهل العراق من الحج، والذين يمنعونهم الروم (الغرب اليوم)كما روي عن الصادق u مخاطباً بعض أهل العراق: ( فعند ذلك تمنعون الحج وتنقص الثمار وتجدب البلاد وتبتلون بغلاء الأسعار وجور السلطان ويظهر فيكم الظلم والعدوان مع البلاء والوباء والجوع وتظلكم الفتن من الآفاق ) ([62]).
    وزخرفة المساجد، وتزيين المصاحف، والأكل في المساجد، وأن تصبح السنة كالشهر والشهر كالأسبوع والأسبوع كاليوم واليوم كالساعة، وقتل أربعة آلاف مسلم في مسجد الكوفة في يوم الجمعة يقتلهم حكّام العراق، وهدم حائط مسجد الكوفة، واختلاف حكّام العراق فيما بينهم. وهذا الاختلاف أول علامات ذهاب ملكهم وطمع الناس فيهم، وظهور الكوكب المذنب يضيء كما يضيء القمر وينعطف حتى يكاد يلتقي طرفاه، والنداء من السماء في شهر رمضان في الثالث والعشرين منه، وظهور السفياني في الشام؛ في الأردن واحتلاله سوريا وبعض فلسطين، وقبله يحصل اختلاف في الشام على الحكم، ودخول السفياني العراق وقتله حاكم العراق، وخسوف القمر في آخر شهر رمضان لخمس بقين منه، وكسوف الشمس في منتصف شهر رمضان، وهاتين العلامتين في شهر واحد.
    وفيضان يملأ الكوفة في سنة قيامه u، وأن تمطر السماء أربع وعشرين مطرة ترى آثارها وبركاتها في الأرض في سنة قيامه u. وأن يفسد التمر في النخل وورد أن تفسد الثمار في الأشجار ([63])، وظهور نار في الحجاز، وظهور نار في السماء، وظهور حمرة في السماء، وركود الشمس عند الزوال، وخراب بغداد بالحروب والفتن، وخراب البصرة، وظهور ذكره u على ألسنة الناس، وخروجه في وتر من السنين، وقتل النفس الزكية في الكعبة يذبح بين الركن والمقام، ويقوم القائم بعد هذه العلامة بخمسة عشر يوماً أو أقل منها.
    وبعد قيامه توجد علامات للدلالة عليه، وهي الخسف بجيش السفياني في البيداء بين مكّة والمدينة، وربما كان النداء بعد قيامه للدلالة على حقّه خصوصاً أنّ المنادي جبرائيل u في السماء.
    هذا بعض ما ورد في الحديث عنهم <ع> والله أعلم، وما أوتينا من العلم إلاّ قليلاً نسأله سبحانه الزيادة.
    والسلام على حجة الله في أرضه ورحمة الله وبركاته.
    والسلام على المؤمنين والمؤمنات ورحمة الله وبركاته.
    ﴿رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ۞رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ([64]).
    بسم الله الرحمن الرحيم
    ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ۞ التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ([65]).
    المذنب المقصـر
    أحمـد

    [1]- التوبة: 71.
    [2]- الأعلى: 9-11.
    [3]- الجمعة: 4.
    [4]- أمالي الصدوق: ص154، عيون أخبار الرضا u: ج2 ص266، بحار الأنوار: ج93 ص357.
    [5]- رسائل الشهيد الثاني: ص107، مستدرك الوسائل: ج4 ص101، بحار الأنوار: ج81 ص260.
    [6]- الكافي: ج3 ص363، التهذيب: ج2 ص342، بحار الأنوار : ج81 ص260.
    [7]- روى معاوية بن وهب، عن الصادق u أنه سمعه يقول: (أما يرضى أحدكم أن يقوم قبل الصبح ويوتر ويصلي ركعتي الفجر فتكتب له صلاة الليل)
    تهذيب الأحكام: ج2 ص341، وسائل الشيعة (آل البيت): ج4 ص258.
    [8]- علل الشرايع: ج ص463، بحار الأنوار :ج5 ص280.
    [9]- الفرقان: 77.
    [10]- غافر: 60.
    [11]- الصحيفة السجادية: مناجاة الزاهدين.
    [12]- روى الطبراني: (عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : لتأمرن المعروف ولتنهون عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم شراركم ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لكم) المعجم الأوسط: ج2 ص99.
    [13]- آل عمران: 104.
    [14]- روي الشيخ الطوسي في التهذيب عن النبي أنه قال: (لا يزال الناس بخير ما أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وتعاونوا على البر والتقوى،
    فإذا لم يفعلوا ذلك نزعت منهم البركات وسلط بعضهم على بعض ولم يكن لهم ناصر في الأرض ولا في السماء) تهذيب الأحكام: ج6 ص181.
    وروى الكليني عن أبي جعفر u، قال: (يكون في آخر الزمان قوم يتبع فيهم قوم مراؤون يتقرؤون ويتنسكون حدثاء سفهاء لا يوجبون أمرا بمعروف ولا نهيا عن منكر إلا إذا أمنوا الضرر يطلبون لأنفسهم الرخص و المعاذير يتبعون زلاة العلماء وفساد عملهم، يقبلون على الصلاة والصيام وما لا يكلمهم في نفس ولا مال ولو أضرت الصلاة بسائر ما يعملون بأموالهم وأبدانهم لرفضوها كما رفضوا أسمى الفرائض وأشرفها، إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة عظيمة بها تقام الفرائض، هنالك يتم غضب الله عز وجل عليهم فيعمهم بعقابه فيهلك الأبرار في دار الفجار والصغار في دار الكبار، إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبيل الأنبياء ومنهاج الصلحاء فريضة عظيمة بها تقام الفرائض وتأمن المذاهب وتحل المكاسب وترد المظالم وتعمر الأرض وينتصف من الأعداء ويستقيم الأمر فأنكروا بقلوبكم والفظوا بألسنتكم و صكوا بها جباههم ولا تخافوا في الله لومة لائم، فإن اتعظوا وإلى الحق رجعوا فلا سبيل عليهم (إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم) هنالك فجاهدوهم بأبدانكم وأبغضوهم بقلوبكم غير طالبين سلطاناً ولا باغين مالاً ولا مريدين بظلم ظفراً حتى يفيئوا إلى أمر الله ويمضوا على طاعته. قال: وأوحى الله عز وجل إلى شعيب النبي u: أني معذب من قومك مائة ألف أربعين ألفا من شرارهم وستين ألفا من خيارهم، فقال u: يا رب هؤلاء الأشرار فما بال الأخيار؟ فأوحى الله عز وجل إليه: داهنوا أهل المعاصي ولم يغضبوا لغضبي) الكافي: ج5 ص55.
    [15]- الكافي: ج5 ص59، تهذيب الأحكام: ج6 ص177، وسائل الشيعة (آل البيت): ج16 ص122.
    [16]- روي عن الصادق عن آبائه - في وصية النبي لعلي u قال: يا علي، كفر بالله العظيم من هذه الأمة عشرة - وعد منهم - مانع الزكاة، ثم قال: يا علي، ثمانية لا يقبل الله منهم الصلاة - وعد منهم -
    مانع الزكاة، ثم قال: يا علي، من منع قيراطاً من زكاة ماله فليس بمؤمن ولا بمسلم ولا كرامة، يا علي تارك الزكاة يسأل الله الرجعة إلى الدنيا وذلك قوله عز وجل: حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون)
    وسائل الشيعة (آل البيت): ج 9 ص34.
    [17]- الكافي: ج1 ص547، من لا يحضره الفقيه: ج2 ص43.
    [18]- كمال الدين وتمام النعمة: ص521، وسال الشيعة (آل البيت): ج9 ص541.
    [19]- فاطر: 29-30.
    [20]- يّـس: 47.
    [21]- انظر: بحار الأنوار: ج93 ص293.
    [22]- نهج البلاغة بشرح محمد عبده: ج4 ص35.
    [23]- الكافي: ج4 ص87، تهذيب الأحكام: ج4 ص196.
    [24]- الكافي: ج8 ص308، ثواب الأعمال: ص253.
    [25]- الرعد:31.
    [26]- الشعراء: 61- 62.
    [27]- لقمان: 17- 19.
    [28]- الكافي: ج2 ص256، بحار الأنوار: ج64 ص215.
    [29]- الكافي: ج2 ص252، وسائل الشيعة (آل البيت): ج3 ص261.
    [30]- نهج البلاغة بشرح محمد عبده: ج4 ص26، بحار الأنوار: ج34 ص284.
    [31]- نهج البلاغة بشرح محمد عبده: ج4 ص26.
    [32]- مستدرك الوسائل: ج11 ص388، شرح ابن أبي الحديد: ج 10ص37.
    [33]- بحار الأنوار: ج74 ص183، نهج السعادة: ج7 ص61.
    [34]- خصائص الأئمة: ص112، والحديث عن الإمام علي u.
    [35]- قال رجل لأبي ذر - رحمة الله عليه - : ما لنا نكره الموت ؟ فقال : (لأنكم عمرتم الدنيا وخربتم الآخرة ، فتكرهون أن تنقلوا من عمران إلى خراب ) الاعتقادات في دين الإمامية: ص57.
    [36]- مستدرك الوسائل:ج13 ص29، بحار الأنوار: ج74 ص179.
    [37]- بحار الأنوار: ج74 ص182، نهج السعادة: ج7 ص329.
    [38]- مستدرك الوسائل: ج13 ص33، نهج السعادة: ج7 ص330.
    [39]- مستدرك الوسائل: ج13 ص32، نهج السعادة: ج7 ص330.
    [40]- مستدرك الوسائل: ج13 ص33، نهج السعادة: ج7 ص330.
    [41]- الحكايات للمفيد: ص95.
    [42]- المحاسن: ج1 ص255، دعائم الإسلام: ج1 ص110.
    [43]- عوالي اللئالي:ج1 ص432، أوائل المقالات: ص216.
    [44]- عن أبي حمزة الثمالي، قال: قال أبو عبد الله u: (لن تبقى الأرض إلا وفيها منا عالم يعرف الحق من الباطل، قال: إنما جعلت التقية ليحقن بها الدم، فإذا بلغت التقية الدم فلا تقية، وأيم الله لو دعيتم لتنصرونا
    لقلتم لا نفعل إنما نتقى، ولكانت التقية أحب إليكم من آبائكم وأمهاتكم، ولو قد قام القائم u ما احتاج إلى مسائلتكم عن ذلك ولأقام في كثير منكم من أهل النفاق حد الله) تهذيب الأحكام: ج6 ص172.
    [45]- الكافي: ج2 ص223.
    [46]- الحج: 40.
    [47]- العنكبوت: 1-6.
    [48]- يشير u إلى قول جدّه الإمام الحسين u: (ألا وإن الدعي ابن الدعي قد تركني بين السلة والذلة وهيهات له ذلك مني ! هيهات منا الذلة! أبى الله ذلك لنا ورسوله والمؤمنون. وحجور طهرت وجدود طابت،
    أن يؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام، الأواني زاحف بهذه الأسرة على قلة العدد ، وكثرة العدو، وخذلة الناصر، ثم تمثل فقال شعراً:
    فإن نهزم فهزامون قدمـاً وإن نهزم فغير مهزمينا
    وما أن طبنا جبن ولكـن منايانا ودولة آخرينا
    فلو خلد الملوك إذا خلدنا ولو بقي الكرام إذا بقينا
    فقل للشامتين بنا أفيقوا سيلقى الشامتون بما لقينا) الاحتجاج للطبرسي: ج2 ص24.
    [49]- مسند أحمد: ج3 ص19، سنن النسائي: ج7 ص161.
    [50]- النساء: 59.
    [51]- غافر: 51.
    [52]- المجادلة: 21-22.
    [53]- الصافات: 171- 173.
    [54]- غيبة الطوسي: ص457.
    [55]- غيبة الطوسي: ص457.
    [56]- أصول الكافي: ج1 ص405.
    [57]- مسند أحمد: ج4 ص172، سنن ابن ماجة: ج1 ص51.
    [58]- إبراهيم: 22.
    [59]- النساء: 76.
    [60]- يشير u إلى قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) التوبة: 33.
    [61]- عن أبي نضرة، قال: كنا عند جابر بن عبد الله، فقال: (يوشك أهل العراق ان لا يجبى إليهم قفيز ولا درهم ...) العمدة لابن البطريق: ص424، بحار الأنوار: ج51 ص91، صحيح مسلم: ج8 ص184.
    [62]- أمالي المفيد: ص64، بحار الأنوار: ج47 ص122.
    [63]- عن أبي عبد الله u، قال: (إنّ قدام القائم u لسنة غيداقة، يفسد فيها الثمار والتمر في النخل، فلا تشكوا في ذلك) الإرشاد: ج2 ص377.
    [64]- آل عمران: 7 - 8.
    [65]- التوبة: 111 - 112.

    من كتاب الطريق الى الله
    للسيد احمد الحسن ع
    sigpic
Working...
X
😀
🥰
🤢
😎
😡
👍
👎