إعـــــــلان

Collapse
No announcement yet.

في رحاب نهج البلاغة

Collapse
X
 
  • Filter
  • الوقت
  • Show
Clear All
new posts
  • AL-Ro2ya
    عضو جديد
    • 03-02-2012
    • 80

    في رحاب نهج البلاغة

    صفات الزهّاد في الدنيا
    «إِنَّ الزَّاهِدِينَ فِي الدُّنْيَا تَبْكِي قُلُوبُهُمْ وَإِنْ ضَحِكُوا، وَيَشْتَدُّ حُزْنُهُمْ وَإِنْ فَرِحُوا، وَيَكْثُرُ مَقْتُهُمْ أَنْفُسَهُمْ وَإِنِ اغْتُبِطُوا بِمَا رُزِقُوا. قَدْ غَابَ عَنْ قُلُوبِكُمْ ذِكْرُ الاْجَالِ، وَحَضَرَتْكُمْ كَوَاذِبُ الآمَالِ، فَصَارَتِ الدُّنْيَا أَمْلَكَ بِكُمْ مِنَ الآخِرَةِ، وَالعَاجِلَةُ أَذْهَبَ بِكُمْ مِنَ الآجِلَةِ، وَإِنَّمَا أَنْتُمْ إِخْوَانٌ عَلَى دِينِ اللّهِ مَا فَرَّقَ بَيْنَكُمْ إِلاَّ خُبْثُ السَّرَائِرِ، وَسُوءُ الضَّمَائِرِ. فَلاَ تَوَازَرُونَ وَلاَ تَنَاصَحُونَ، وَلاَ تَبَاذَلُونَ وَلاَ تَوَادُّونَ».

    الشرح والتفسير

    صفات الزهّاد في الدنيا
    أشار الإمام (عليه السلام) في هذا المقطع من الخطبة إلى ثلاث نقاط تكمل المقطع المذكور من الخطبة وتؤكّده.
    فقد إتّجه أولاً إلى وصف الزهّاد في الدنيا ليتضح وضع كل فرد من خلال مقارنة أحوال المخاطبين مع أحوال اُولئك، فذكر ثلاث خصائص يتحلى بها الزهّاد قائلاً: «إِنَّ الزَّاهِدِينَ فِي الدُّنْيَا تَبْكِي قُلُوبُهُمْ وَإِنْ ضَحِكُوا».
    صفتهم الثانية تكمن في شدّة حزنهم رغم فرحهم وسرورهم: «وَيَشْتَدُّ حُزْنُهُمْ وَإِنْ فَرِحُوا».
    وأمّا صفتهم الثالثة فهم ناقمون على أنفسهم ساخطون عليها (وهم ليسوا راضين عن أعمالهم وطاعاتهم) رغم شكرهم الله سبحانه وتعالى على موفور الرزق والنعمة: «وَيَكْثُرُ مَقْتُهُمْ أَنْفُسَهُمْ وَإِنِ اغْتُبِطُوا(1) بِمَا رُزِقُوا».. قرأها أغلب شرّاح نهج البلاغة مبنية للمجهول بينما قرأها البعض الآخر مبنيّة للمعلوم ففهموا من العبارة شبيه ما ذكر، والحال يتبيّن من الرجوع إلى المتون اللغوية أن للإغتباط معنى آخر هو السرور وحمد الله وشكره على نعمة (انظر لسان العرب والقاموس وسائر المصادر اللغوية).
    نعم، فعيون قلوبهم باكية لما يرون في أنفسهم من نقائص وعيوب وما يبتدر منهم من زلاّت أحياناً، وإن عاشوا حالة من السرور والضحك على مستوى الآداب الاجتماعية والأخلاقية، إنّهم يأسفون على ماضيهم ويغتمون لما كانت في أيديهم من فرص لم يستثمروها، رغم ما هم عليه ظاهرياً من الفرح والسرور، إلى جانب ذلك فانّ لسانهم يلهج بحمد الله وشكره على ما حباهم به من نعم مادية ومعنوية من جهة، ومن جهة أخرى فهم لا ينفكون عن مقتهم لأنفسهم وتوبيخها لشعورهم بالتقصير في عدم استثمارها بالشكل الصحيح.
    وخاصة القول فهم في مقام النقد لأنفسهم وإصلاح نقائصهم ومعايبهم المعنوية وهذا هوالسبب في حركتهم التكاملية نحو الله سبحانه، فهم لا يقنعون بوضعهم السائد قط ليكون ذلك مدعاة لتخلفهم وإنحطاطهم.
    ثم شرح في النقطة الثانية وضع مخاطبيه ليقارنوا أنفسهم بالزهّاد فيقفوا على عيوبهم، وقد بيّن لهم ثلاث صفات: «قَدْ غَابَ عَنْ قُلُوبِكُمْ ذِكْرُ الاْجَالِ، وَحَضَرَتْكُمْ كَوَاذِبُ الآمَالِ، فَصَارَتِ الدُّنْيَا أَمْلَكَ بِكُمْ مِنَ الآخِرَةِ، وَالعَاجِلَةُ أَذْهَبَ بِكُمْ مِنَ الآجِلَةِ».
    نعم، فالدنيا تستولي على عقل الإنسان وفكره وينسى الآخرة إذا ما غاب عن قلبه ذكر الموت وإنهمك في هذه الدنيا العابرة واحاطة القلب بالأماني الخيالية الكاذبة.
    ثم إختتم (عليه السلام) هذا المقطع من الخطبة ببيان هذه النتيجة: «وَإِنَّمَا أَنْتُمْ إِخْوَانٌ عَلَى دِينِ اللّهِ مَا فَرَّقَ بَيْنَكُمْ إِلاَّ خُبْثُ السَّرَائِرِ، وَسُوءُ الضَّمَائِرِ. فَلاَ تَوَازَرُونَ(1) وَلاَ تَنَاصَحُونَ، وَلاَ تَبَاذَلُونَ وَلاَ تَوَادُّونَ».
    فالعبارة تشير إلى توفر سبل الوحدة بينكم من خلال الإخاء الإسلامي وقد تصدعت هذه السبل بفعل الاختلافات التي تستند إلى التعصب والحقد والحسد وحبّ الدنيا وضيق الاُفق، فأدّى ذلك بالتبع إلى ضعف الأمن الداخلي والعجز أمام العدو الخارجي وبالنتيجة قطعت عنكم البركات الاجتماعية كالتعاون والموازرة وإسداء الخدمات المتبادلة أواصر المحبّة والصداقة.



    --------------------------------------------------------------------------------

    1. «لا توازرون»: من مادة «موازرة» بمعنى التعاون والمساعدة.
    فهذه العبارة تشير بوضوح إلى هذه الحقيقة، وهى أنّ حبّ الدنيا وخبث السريرة وسوء النيّة والأخلاق لا يفسد الآخرة فحسب، بل يحيل المجتمع البشري إلى بؤرة للتوتر والنزاع والاصطدام بحيث تنعدم فيه مظاهر التعاون والمساعدة.
Working...
X
😀
🥰
🤢
😎
😡
👍
👎