إعـــــــلان

Collapse
No announcement yet.

قصة نبي الله يونس ع ورفع العذاب عن قومه

Collapse
X
 
  • Filter
  • الوقت
  • Show
Clear All
new posts
  • السلماني الذري
    عضو نشيط
    • 23-09-2008
    • 402

    قصة نبي الله يونس ع ورفع العذاب عن قومه

    بسم الله الرحمن الرحيم
    اللهم صل على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليما

    وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [الأنبياء : 87]
    صدق الله العلي العظيم

    [1]- العياشي: عن أبي عبيدة الحذاء ، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال: سمعته يقول: «وجدنا في بعض كتب أمير المؤمنين (عليه السلام) ، قال: حدثني رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن جبرئيل (عليه السلام) حدثه أن يونس بن متى (عليه السلام) بعثه الله إلى قومه وهو ابن ثلاثين سنة ، وكان رجلا تعتريه الحدة وكان قليل الصبر على قومه والمداراة لهم ، عاجزا عما حمل من ثقل حمل أوقار النبوة وأعلامها ، وأنه تفسخ تحتها كما يتفسخ الجذع تحت حمله «2».
    وأنه أقام فيهم يدعوهم إلى الإيمان بالله والتصديق به واتباعه ثلاثا وثلاثين سنة ، فلم يؤمن به ولم يتبعه من قومه إلا رجلان اسم أحدهما روبيل ، و اسم الآخر تنوخا ، وكان روبيل من أهل بيت العلم والنبوة والحكمة ، وكان قديم الصحبة ليونس بن متى من قبل أن يبعثه الله بالنبوة. وكان تنوخا رجلا مستضعفا عابدا زاهداو، منهمكا في العبادة ، وليس له علم ولا حكم ، وكان روبيل صاحب غنم يرعاها ويتقوت منها، وكان تنوخا رجلا حطابا يحتطب على رأسه ، ويأكل من كسبه. وكان لروبيل منزلة من يونس غير منزلة تنوخا ، لعلم روبيل وحكمته وقديم صحبته.

    فلما رأى يونس أن قومه لا يجيبونه ولا يؤمنون ضجر ، وعرف من نفسه قله الصبر ، فشكا ذلك إلى ربه ، وكان فيما شكا أن قال: يا رب، إنك بعثتني إلى قومي ولي ثلاثون سنة ، فلبثت فيهم أدعوهم إلى الإيمان بك والتصديق برسالاتي ، وأخوفهم عذابك ونقمتك ثلاثا وثلاثين سنة ، فكذبوني ولم يؤمنوا بي ، وجحدوا نبوتي واستخفوا برسالاتي ، وقد تواعدوني وخفت أن يقتلوني ، فأنزل عليهم عذابك ، فإنهم قوم لا يؤمنون».
    قال: «فأوحى الله إلى يونس: أن فيهم الحمل والجنين والطفل ، والشيخ الكبير والمرأة الضعيفة والمستضعف المهين ، وأنا الحكم العدل ، سبقت رحمتي غضبي ، لا اعذب الصغار بذنوب الكبار من قومك ، وهم- يا يونس- عبادي وخلقي وبريتي في بلادي وفي عيلتي ، أحب أن أتأناهم وأرفق بهم وأنتظر توبتهم ، وإنما بعثتك إلى قومك لتكون حيطا عليهم ، تعطف عليهم لسخاء الرحم الماسة منهم ، وتتأناهم وبرأفة النبوة ، وتصبر معهم بأحلام الرسالة ، وتكون لهم كهيئة الطبيب المداوي العالم بمداواة الداء ، فخرقت بهم «3» ، ولم تستعمل قلوبهم بالرفق ، ولم تسسهم بسياسة المرسلين ، ثم سألتني عن سوء نظرك العذاب لهم عند قلة الصبر منك ، وعبدي نوح كان أصبر منك على قومه ، وأحسن صحبة ، وأشد تأنيا في الصبر عندي ، وأبلغ في العذر ، فغضبت له حين غضب لي ، و أجبته حين دعاني.
    فقال يونس: يا رب ، إنما غضبت عليهم فيك ، وإنما دعوت عليهم حين عصوك ، فوعزتك لا أتعطف عليهم برأفة أبدا ، ولا أنظر إليهم بنصيحة شفيق بعد كفرهم وتكذيبهم إياي، وجحدهم نبوتي ، فأنزل عليهم عذابك ، فإنهم لا يؤمنون أبدا.
    فقال الله: يا يونس ، إنهم مائة ألف أو يزيدون من خلقي ، يعمرون بلادي ، ويلدون عبادي ، ومحبتي أن أتأناهم للذي سبق من علمي فيهم وفيك ، وتقديري وتدبيري غير علمك وتقديركة، وأنت المرسل وأنا الرب الحكيم ، وعلمي فيهم - يا يونس - باطن في الغيب عندي لا يعلم ما منتهاه ، وعلمك فيهم ظاهر لا باطن له. يا يونس ، قد أجبتك إلى ما سألت من إنزال العذاب عليهم ، وما ذلك - يا يونس - بأوفر لحظك عندي ، ولا أحمد «4» لشأنك ، وسيأتيهم العذاب في شوال يوم الأربعاء وسط الشهر بعد طلوع الشمس ، فأعلمهم ذلك».
    قال: «فسر ذلك يونس ولم يسؤه ، ولم يدر ما عاقبته ، فانطلق يونس إلى تنوخا العابد ، فأخبره بما أوحى الله إليه من نزول العذاب على قومه في ذلك اليوم ، وقال له: انطلق حتى أعلمهم بما أوحى الله إلي من نزول العذاب.
    فقال تنوخا: فدعهم في غمرتهم ومعصيتهم حتى يعذبهم الله تعالى.
    فقال له يونس: بل نلقى روبيل فنشاوره ، فإنه رجل عالم حكيم من أهل بيت النبوة ، فانطلقا إلى روبيل ، فأخبره يونس بما أوحى الله إليه من نزول العذاب على قومه في شوال يوم الأربعاء في وسط الشهر بعد طلوع الشمس. فقال له: ما ترى؟ انطلق بنا حتى أعلمهم ذلك.
    فقال له روبيل: ارجع إلى ربك رجعة نبي حكيم ورسول كريم ، وسله أن يصرف عنهم العذاب فإنه غني عن عذابهم ، وهو يحب الرفق بعباده ، وما ذلك بأضر لك عنده ولا أسوأ لمنزلتك لديه ، ولعل قومك بعد ما سمعت ورأيت من كفرهم وجحودهم يؤمنون يوما ، فصابرهم وتأنهم.
    فقال له تنوخا: ويحك يا روبيل! ما أشرف (أشرت) على يونس وأمرته به بعد كفرهم بالله ، وجحدهم لنبيه ، وتكذيبهم إياه ، وإخراجهم إياه من مساكنه ، وما هموا به من رجمه! فقال روبيل لتنوخا: اسكت ، فانك رجل عابد ، لا علم لك ، ثم أقبل على يونس ، فقال: أرأيت يا يونس إذا أنزل الله العذاب على قومك ، أينزله فيهلكهم جميعا أو يهلك بعضا ويبقي بعضا ؟ فقال له يونس: بل يهلكهم الله جميعا ، وكذلك سألته ، ما دخلتني لهم رحمة تعطف فأراجع الله فيها وأسأله أن يصرف عنهم.
    فقال له روبيل: أتدري - يا يونس - لعل الله إذا أنزل عليهم العذاب فأحسوا به أن يتوبوا إليه ويستغفروا فيرحمهم ، فإنه أرحم الراحمين ، ويكشف عنهم العذاب من بعد ما أخبرتهم عن الله أنه ينزل عليهم العذاب يوم الأربعاء ، فتكون بذلك عندهم كذابا.
    فقال له تنوخا: ويحك- يا روبيل- لقد قلت عظيما ، يخبرك النبي المرسل أن الله أوحى إليه بأن العذاب ينزل عليهم ، فترد قول الله وتشك فيه وفي قول رسوله؟! اذهب فقد حبط عملك.
    فقال روبيل لتنوخا: لقد فشل رأيك ، ثم أقبل على يونس ، فقال: إذا نزل الوحي والأمر من الله فيهم على ما انزل عليك فيهم من إنزال العذاب عليهم وقوله الحق ، أرأيت إذا كان ذلك فهلك قومك كلهم وخربت قريتهم ، أليس يمحوا الله اسمك من النبوة ، وتبطل رسالتك ، وتكون كبعض ضعفاء الناس ، ويهلك على يديك مائة ألف أو يزيدون من الناس؟
    فأبى يونس أن يقبل وصيته ، فانطلق ومعه تنوخا إلى قومه ، فأخبرهم أن الله أوحى إليه أنه منزل العذاب عليكم يوم الأربعاء في شوال في وسط الشهر بعد طلوع الشمس. فردوا عليه قوله ، فكذبوه وأخرجوه من قريتهم إخراجا عنيفا. فخرج يونس ومعه تنوخا من القرية ، وتنحيا عنهم غير بعيد ، وأقاما ينتظران العذاب.
    وأقام روبيل مع قومه في قريتهم ، حتى إذا دخل عليهم شوال صرخ روبيل بأعلى صوته في رأس الجبل إلى القوم: أنا روبيل ، شفيق عليكم ، رحيم بكم ، هذا شوال قد دخل عليكم ، وقد أخبركم يونس نبيكم ورسول ربكم أن الله أوحى إليه أن العذاب ينزل عليكم في شوال في وسط الشهر يوم الأربعاء بعد طلوع الشمس ، ولن يخلف الله وعده رسول ، فانظروا ما أنتم صانعون؟ فأفزعهم كلامه ووقع في قلوبهم تحقيق نزول العذاب ، فأجفلوا نحو روبيل ، وقالوا له: ماذا أنت مشير به علينا- يا روبيل- فإنك رجل عالم حكيم ، لم نزل نعرفك بالرأفة «5» علينا والرحمة لنا ، وقد بلغنا ما أشرت به على يونس فينا ، فمرنا بأمرك وأشر علينا برأيك.
    فقال لهم روبيل: فإني أرى لكم وأشير عليكم أن تنظروا وتعمدوا إذا طلع الفجر يوم الأربعاء في وسط الشهر أن تعزلوا الأطفال عن الأمهات في أسفل الجبل في طريق الأودية ، وتوقفوا النساء وكل المواشي جميعا عن أطفالها في سفح الجبل ، ويكون هذا كله قبل طلوع الشمس ، فإذا رأيتم ريحا صفراء أقبلت من المشرق ، فعجوا عجيجا ، الكبير منكم والصغير بالصراخ والبكاء ، والتضرع إلى الله ، والتوبة إليه والاستغفار له ، وارفعوا رؤوسكم إلى السماء ، وقولوا: ربنا ظلمنا أنفسنا وكذبنا نبيك وتبنا إليك من ذنوبنا ، وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين المعذبين ، فاقبل توبتنا وارحمنا يا أرحم الراحمين. ثم لا تملوا من البكاء والصراخ والتضرع إلى الله والتوبة إليه حتى تتوارى الشمس بالحجاب ، أو يكشف الله عنكم العذاب قبل ذلك. فأجمع رأي القوم جميعا على أن يفعلوا ما أشار به عليهم روبيل.
    فلما كان يوم الأربعاء الذي توقعوا فيه العذاب ، تنحى روبيل عن القرية حيث يسمع صراخهم ويرى العذاب إذا نزل ، فلما طلع الفجر يوم الأربعاء فعل قوم يونس ما أمرهم روبيل به ، فلما بزغت الشمس أقبلت ريح صفراء مظلمة مسرعة ، لها صرير وحفيف وهدير ، فلما رأوها عجوا جميعا بالصراخ والبكاء والتضرع إلى الله ، وتابوا إليه واستغفروه ، وصرخت الأطفال بأصواتها تطلب أمهاتها ، وعجت سخال «6» البهائم تطلب الثدي ، وعجت الانعام تطلب الرعي ، فلم يزالوا بذلك ويونس وتنوخا يسمعان ضجيجهم «7» وصراخهم، ويدعوان الله بتغليظ العذاب عليهم ، وروبيل في موضعه يسمع صراخهم وعجيجهم ، ويرى ما نزل ، وهو يدعو الله بكشف العذاب عنهم.
    فلما أن زالت الشمس ، وفتحت أبواب السماء ، وسكن غضب الرب تعالى ، رحمهم الرحمن فاستجاب دعاءهم ، وقبل توبتهم ، وأقالهم عثرتهم ، وأوحى الله إلى إسرافيل (عليه السلام): أن اهبط إلى قوم يونس ، فإنهم قد عجوا إلي بالبكاء والتضرع ، وتابوا إلي واستغفروني ، فرحمتهم وتبت عليهم ، وأنا الله التواب الرحيم ، أسرع إلى قبول توبة عبدي التائب من الذنوب ، وقد كان عبدي يونس ورسولي سألني نزول العذاب على قومه ، وقد أنزلته عليهم ، وأنا الله أحق من وفى بعهده ، وقد أنزلته عليهم ، ولم يكن اشترط يونس حين سألني أن انزل عليهم العذاب أن اهلكهم ، فاهبط إليهم فاصرف عنهم ما قد نزل بهم من عذابي.
    فقال إسرافيل: يا رب ، إن عذابك قد بلغ أكتافهم ، وكاد أن يهلكهم ، وما أراه إلا وقد نزل بساحتهم ، فإلى أين أصرفه؟
    فقال الله: كلا إني قد أمرت ملائكتي أن يصرفوه ، ولا ينزلوه عليهم حتى يأتيهم أمري فيهم وعزيمتي ، فاهبط - يا إسرافيل – عليهم ، واصرفه عنهم ، واضرب به إلى الجبال بناحية مفايض العيون ومجاري السيول في الجبال العاتية ، المستطيلة على الجبال ، فأذلها به ولينها حتى تصير ملتئمة «8» حديدا جامدا. فهبط إسرافيل عليهم فنشر أجنحته فاستاق بها ذلك العذاب ، حتى ضرب بها تلك الجبال التي أوحى الله إليه أن يصرفه إليها- قال أبو جعفر (عليه السلام): وهي الجبال التي بناحية الموصل اليوم - فصارت حديدا إلى يوم القيامة. فلما رأى قوم يونس أن العذاب قد صرف عنهم هبطوا إلى منازلهم من رؤوس الجبال ، وضموا إليهم نساءهم وأولادهم وأموالهم ، وحمدوا الله على ما صرف عنهم.
    وأصبح يونس وتنوخا يوم الخميس في موضعهما الذي كانا فيه ، لا يشكان أن العذاب قد نزل بهم وأهلكهم جميعا ، لما خفيت أصواتهم عنهما ، فأقبلا ناحية القرية يوم الخميس مع طلوع الشمس ، ينظران إلى ما صار إليه القوم ، فلما دنوا من القوم واستقبلهم الحطابون والحمارة «9» والرعاة بأغنامهم ، ونظروا إلى أهل القرية مطمئنين ، قال يونس لتنوخا: يا تنوخا ، كذبني الوحي ، وكذبت وعدي لقومي ، لا وعزة ربي لا يرون لي وجها أبدا بعد ما كذبني الوحي «10» فانطلق يونس هاربا على وجهه ، مغاضبا لربه «11» ، ناحية بحر أيلة متنكرا ، فرارا من أن يراه أحد من قومه ، فيقول له: يا كذاب ، فلذلك قال الله: وَ ذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ «12» الآية.
    ورجع تنوخا إلى القرية ، فلقي روبيل ، فقال له: يا تنوخا ، أي الرأيين كان أصوب وأحق أن يتبع: رأيي ، أو رأيك؟
    فقال له تنوخا: بل رأيك كان أصوب ، ولقد كنت أشرت برأي الحكماء والعلماء.
    وقال له تنوخا: أما إني لم أزل أرى أني أفضل منك لزهدي وفضل عبادتي ، حتى استبان فضلك لفضل علمك ، وما أعطاك الله ربك من الحكمة مع التقوى أفضل من الزهد والعبادة بلا علم. فاصطحبا فلم يزالا مقيمين مع قومهما ، ومضى يونس على وجهه مغاضبا لربه ، فكان من قصته ما أخبر الله به في كتابه إلى قوله: فَآمَنُوا فَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ «13»».
    قال أبو عبيدة: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): كم كان غاب يونس عن قومه حتى رجع إليهم بالنبوة والرسالة فآمنوا به وصدقوه؟
    قال: «أربعة أسابيع: سبعا منها: في ذهابه إلى البحر وسبعا منها في رجوعه إلى قومه».
    فقلت له: وما هذه الأسابيع شهور ، أو أيام ، أو ساعات؟
    فقال: «يا أبا عبيدة ، إن العذاب أتاهم يوم الأربعاء ، في النصف من شوال ، وصرف عنهم من يومهم ذلك ، فانطلق يونس مغاضبا فمضى يوم الخميس ، سبعة أيام في مسيره إلى البحر ، وسبعة أيام في بطن الحوت ، وسبعة أيام تحت الشجرة بالعراء ، وسبعة أيام في رجوعه إلى قومه ، فكان ذهابه ورجوعه مسير ثمانية وعشرين يوما ، ثم‏ أتاهم فآمنوا به وصدقوه واتبعوه، فلذلك قال الله: فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ».

    [14]- عن الثمالي ، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال: «إن يونس لما آذاه قومه دعا الله عليهم ، فأصبحوا أول يوم ووجوههم صفر ، وأصبحوا اليوم الثاني ووجوههم سود». قال: «وكان الله واعدهم أن يأتيهم العذاب ، فأتاهم العذاب حتى نالوه برماحهم ، ففرقوا بين النساء وأولادهن والبقر وأولادها ، ولبسوا المسوح والصوف ، ووضعوا الحبال في أعناقهم ، والرماد على رؤوسهم ، وصاحوا صيحة «15» واحدة إلى ربهم ، وقالوا آمنا بإله يونس».
    قال: «فصرف الله عنهم العذاب إلى جبال آمد «16» - قال- و أصبح يونس وهو يظن أنهم هلكوا ، فوجدهم في عافية ، فغضب وخرج كما قال الله: مُغاضِباً «17» حتى ركب سفينة فيها رجلان ، فاضطربت السفينة ، فقال الملاح: يا قوم ، في سفينتي مطلوب. فقال يونس: أنا هو ، وقام ليلقي نفسه ، فأبصر السمكة وقد فتحت فاها ، فهابها ، وتعلق به الرجلان ، وقالا له: أنت وحدك ونحن رجلان نتساهم. فتساهموا «18» فوقعت السهام عليه ، فجرت السنة بأن السهام إذا كانت ثلاث مرات فإنها لا تخطئ ، فألقى نفسه فالتقمه الحوت.....» «19».

    [20]- علي بن إبراهيم ، قال: حدثني أبي ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل ، قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): «.... فأقبل يونس لينظر كيف أهلكهم الله ، فرأى الزارعين يزرعون في أرضهم ، قال لهم: ما فعل قوم يونس؟ فقالوا له ، ولم يعرفوه: إن يونس دعا عليهم فاستجاب الله له ، ونزل العذاب عليهم ، فاجتمعوا وبكوا ودعوا فرحمهم الله ، وصرف ذلك عنهم ، وفرق العذاب على الجبال ، فهم إذن يطلبون يونس ليؤمنوا به.
    فغضب يونس ، ومر على وجهه مغاضبا ، كما حكى الله تعالى ، حتى انتهى إلى ساحل البحر ، فإذا سفينة قد شحنت ، وأرادوا أن يدفعوها ، فسألهم يونس أن يحملوه فحملوه ، فلما توسطوا البحر بعث الله حوتا عظيما ، فحبس عليهم السفينة من قدامها ، فنظر إليه يونس ففزع منه ، وصار إلى مؤخر السفينة فدار إليه الحوت وفتح فاه ،
    فخرج أهل السفينة ، فقالوا: فينا عاص. فتساهموا « تقارعوا » فخرج سهم يونس ، وهو قول الله عز وجل: فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ‏ « الصافات 37: 141.»
    فأخرجوه فألقوه في البحرة، فالتقمه الحوت ومر به في الماء.

    وقد سأل بعض اليهود أمير المؤمنين (عليه السلام) عن سجن طاف أقطار الأرض بصاحبه. قال: يا يهودي ، أما السجن الذي طاف أقطار الأرض بصاحبه ، فإنه الحوت الذي حبس يونس في بطنه ، فدخل في بحر القلزم ، ثم خرج إلى بحر مصر ، ثم دخل في بحر طبرستان ، ثم خرج في دجلة الغور « دجلة الغوراء » ، ثم مرت به تحت الأرض حتى لحقت بقارون ، وكان قارون هلك في أيام موسى (عليه السلام) ، ووكل [الله‏] به ملكا يدخله في الأرض كل يوم قامة رجل ، وكان يونس في بطن الحوت يسبح الله و يستغفره ، فسمع قارون صوته ، فقال للملك الموكل به: أنظرني فإني أسمع كلام آدمي. فأوحى الله إلى الملك الموكل به: أنظره. فأنظره ، ثم قال قارون: من أنت؟ قال يونس ، أنا المذنب الخاطئ يونس بن متى.
    قال: فما فعل الشديد الغضب لله موسى بن عمران؟ قال: هيهات! هلك.
    قال: فما فعل الرءوف الرحيم على قومه هارون بن عمران؟ قال: هلك.
    قال: فما فعلت كلثم بنت عمران التي كانت سميت لي؟ قال: هيهات! ما بقي من آل عمران أحد.
    فقال قارون: واأسفا على آل عمران. فشكر الله له ذلك ، فأمر الله الملك الموكل به أن يرفع عنه العذاب أيام الدنيا ، فرفع عنه.
    فلما رأى يونس ذلك نادى في الظلمات: أن لا إله إلا أنت سبحانك ، إني كنت من الظالمين. فاستجاب الله له ، وأمر الحوت أن يلفظه فلفظه على ساحل البحر ، وقد ذهب جلده ولحمه. وأنبت الله عليه شجرة من يقطين - وهي الدباء (القرع) - فأظلته عن الشمس فشكر ( فسكن ) ، ثم أمر الله الشجرة فتنحت عنه ، ووقعت الشمس عليه فجزع ، فأوحى الله إليه: يا يونس ، لم لم ترحم مائة ألف أو يزيدون ، وأنت تجزع من ألم ساعة؟ فقال: يا رب ، عفوك عفوك ، فرد الله عليه بدنه ورجع إلى قومه وآمنوا به ، وهو قوله: فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ مَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ». وقالوا: مكث يونس في بطن الحوت تسع ساعات.

    [21]- ثم قال: وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال: «لبث يونس (عليه السلام) في بطن الحوت ثلاثة أيام ، ونادى في الظلمات الثلاث - ظلمة بطن الحوت ، وظلمة الليل ، وظلمة البحر - أن لا إله إلا أنت‏ سبحانك إني كنت من الظالمين. فاستجاب له ربه ، فأخرجه الحوت إلى الساحل ، ثم قذفه فألقاه بالساحل ، وأنبت الله عليه شجرة من يقطين - وهو القرع - فكان يمصه ويستظل به وبورقه ، وكان تساقط شعره ورق جلده.
    وكان يونس يسبح ويذكر الله الليل والنهار ، فلما أن قوي واشتد بعث الله دودة ، فأكلت أسفل القرع فذبلت القرعة ثم يبست ، فشق ذلك على يونس ، فظل حزينا ، فأوحى الله إليه: مالك حزينا ، يا يونس ، قال: يا رب ، هذه الشجرة التي كانت تنفعني سلطت عليها دودة فيبست ، فقال: يا يونس ، أحزنت لشجرة لم تزرعها ولم تسقها ولم تعي «22» بها أن يبست حين استغنيت عنها ولم تجزع لمائة ألف أو يزيدون «23» أردت أن ينزل عليهم العذاب؟! إن أهل نينوى قد آمنوا واتقوا فارجع إليهم.
    فانطلق يونس إلى قومه ، فلما دنا من نينوى استحيا أن يدخل ، فقال لراع لقيه: ائت أهل نينوى فقل لهم: إن هذا يونس قد جاء. قال الراعي أتكذب ، أما تستحيي ، ويونس قد غرق في البحر وذهب. قال له يونس: إن نطقت الشاة بأني يونس ، قبلت مني؟ فقال الراعي: بلى. قال يونس: اللهم أنطق هذه الشاة حتى تشهد له بأني يونس فانطقت «24» الشاة له بأنه يونس.
    فلما أتى الراعي قومه وأخبرهم ، أخذوه وهموا بضربه ، فقال: إن لي بينة لما أقول. قالوا: من يشهد؟ قال:
    هذه الشاة تشهد. فشهدت بأنه صادق وأن يونس قد رده الله إليهم ، فخرجوا يطلبونه ، فوجدوه فجاءوا به ، وآمنوا وحسن إيمانهم ، فمتعهم الله إلى حين وهو الموت ، وأجارهم من ذلك العذاب».

    وسلام على من نجّى الله به يونس من بطن الحوت وعلى محمد وآل محمد والمرسلين والنبين أجمعين
    __________________________________________________
    (1) تفسير العيّاشي 2: 129/ 44.
    (2) الجذع: الشاب من الإبل، و الكلام كناية عن عدم التحمّل لما يعرض لها.
    (3) أي لم ترفق بهم و تحسن معاملتهم.
    (4) في المصدر: و لا أجمل.
    (5) في المصدر: بالرقة.
    (6) السخال: جمع سخلة، ولد الغنم ذكرا كان أو أنثى.
    (7) في «ط»: صيحتهم.
    (8) في المصدر: مليّنة.
    (9) الحمّارة: أصحاب الحمير في السفر. «الصحاح- حمر- 2: 637».
    (10) قال المجلسي (رحمه اللّه): قوله (عليه السّلام): «بعد ما كذبني الوحي» أي باعتقاد القوم، البحار 17: 399.
    (11) قال المجلسي (رحمه اللّه): قوله: «مغاضبا لربّه» أي على قومه لربّه تعالى، أي كان غضبه للّه تعالى لا للهوى، أو خائفا عن تكذيب قومه لما تخلّف عنه من وعد ربّه، البحار 17: 399.
    (12) الأنبياء 21: 87.
    (13) الصافات 37: 148.
    (14) تفسير العيّاشي 2: 136/ 46.
    (15) في المصدر: و ضجوا ضجة. [.....]
    (16) آمد: بلد قديم حصين من أعظم مدن ديار بكر و أجلّها قدرا و أشهرها ذكرا. «معجم البلدان 1: 56».
    (17) الأنبياء 21: 87.
    (18) في المصدر: فساهمهم.
    (19) تفسير العيّاشي 2: 136/ 45.
    (20) تفسير القمّي 1: 317. [.....]
    (21) تفسير القمّي 1: 319.
    (22) في «ط»: و لم تعبأ.
    (23) في المصدر: و لم تحزن لأهل نينوى أكثر من مائة ألف.
    (24) في المصدر: و ذهب. قال له: اللهمّ إنّ هذه الشاة تشهد لك أنّي يونس. فنطقت.


    تفسير العياشي - محمد بن مسعود العياشي - ج ٢ - الصفحة ١٢٩
    Last edited by نجمة الجدي; 29-03-2020, 23:44.
    اللهم صل على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليما
    يا الله يا رحمن يا رحيم يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك
  • نجمة الجدي
    مدير متابعة وتنشيط
    • 25-09-2008
    • 5278

    #2
    رد: قصة نبي الله يونس ع ورفع العذاب عن قومه


    سؤال/ 85: ما معنى قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ ؟


    الجواب: سنة الله سبحانه وتعالى أن تستبطن المعجزة المادية العذاب، فبمجرد التكذيب بها ينزل العذاب، بل إنّ سنة الله سبحانه وتعالى أن ينزل العذاب بالأمم التي تُكذب الرسل، بعد أن يستفرغ الرسول كل وسائل التبليغ والهداية معهم، كما هو حال نوح وهود (ع)، فلم تكن معجزتهم إلا العذاب الذي أهلك الأمم التي كذبتهم. ولكن هناك سبيلان لدفع هذا العذاب:
    الأول: وهو دعاء الرسول وطلبه من الله سبحانه وتعالى أن يرفع العذاب عن الأمة التي كُلِف بتبليغها وهدايتها، وهذا الأمر يكلف الرسول مشقة وعناءً عظيماً؛ لأنه يعني تحمل المزيد من التكذيب والسخرية والإمتهان التي يلاقيها عادة الرسول من أمته المكذبة له، وهذا الدعاء الذي يرفع العذاب عن الأمة المتمردة لم يحصل إلا من رسول الله محمد (ص)، ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ﴾، أي وأنت تدعو لرفع العذاب عنهم.
    أما الأمر الثاني الذي يرفع العذاب فهو: التوبة والاستغفار من قبل الأمة، وهذا الأمر أيضاً لم يحصل إلا من قوم يونس حيث تابوا واستغفروا الله بعد أن أظلهم العذاب، ﴿فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ﴾ ، ورفع عنهم العذاب بعد أن ضجوا بالتوبة والاستغفار إلى الله سبحانه وتعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ .
    المتشابهات - الجزء الثالث
    قال يماني ال محمد الامام احمد الحسن (ع) ليرى أحدكم الله في كل شيء ، ومع كل شيء ، وبعد كل شيء ، وقبل كل شيء . حتى يعرف الله ، وينكشف عنه الغطاء ، فيرى الأشياء كلها بالله ، فلا تعد عندكم الآثار هي الدالة على المؤثر سبحانه ، بل هو الدال على الآثار

    Comment

    Working...
    X
    😀
    🥰
    🤢
    😎
    😡
    👍
    👎