إعـــــــلان

Collapse
No announcement yet.

ثورة العراق .. المختار بن عبيد الثقفي

Collapse
X
 
  • Filter
  • الوقت
  • Show
Clear All
new posts
  • shahad ahmad
    عضو مميز
    • 15-11-2009
    • 1995

    ثورة العراق .. المختار بن عبيد الثقفي

    ثورة العراق .. المختار بن عبيد الثقفي .. للاستاذ جمال علي شويخ





    بسم الله الرحمن الرحيم
    انقل لكم نص مؤلف الاستاذ خادم الحسن والحسين -ع- جمال علي شويخ
    والذي يحدثنا به عن ثورة العراق شموخ النهوض المختار بن عبيد الثقفي
    اخذ بثأر الامام الحسين -ع-




    ثورةُ العراقِ


    شموخُ النهوضِ


    المختار بن أبي عبيد الثقفي0


    66هـ


    (شرح ذوب النظار في قصة الأخذ بالثار :


    تأليف : ابن نما الحلي H


    تحقيق : خادم الحسن والحسين 3


    جمال علي شويخ المسيبي


    المسيب


    1432 هـ 2011 هـ


    بسم الله الرحمن الرحيم


    ذوب النضار في أخذ الثار


    (المحقق)
    لمولانا وسيدنا المجاهد العلامة الفهامة قدوة المخلصين والمخلصّين فخر العراق والحلة الفيحاء ومذهب أهل بيت الرحمة وسفينة النجاة والعروة الوثقى والنبأ العظيم الحجة العظمى والمرجع الأسمى ذي الساعد الحسني الحسيني المؤطر بالإقدام العلوي الجريء المنتهل العزم والاصرار في تحدي الصعاب من رسول الله المعظم9خيرة رسل الله ومصطفيهم والمستند بالحجج من رائدة الإسلام الزهراء الصديقة الكبرى والتي على معرفتها دارت القرون الأولى ، ومن عرفها حق معرفتها أدرك ليلة القدر .
    فجزاه الله تعالى خير جزاء المحسنين وحضرته هو : الشيخ البارع جعفر بن محمد بن هبة الله بن نما الحلي (نور الله تعالى ضريحه) وسيادته من أعلام القرن السابع الهجري .
    يقول سيدنا حجة الإسلام الشيخ محمد حرز الدين في سفره المبارك مراقد المعارف الطبعة الثانية المطبعة الشريعة (ص) .
    ص / 82 / ج 1
    إبن نما الحلي :
    نجم الدين جعفر بن نجيب الدين محمد بن جعفر بن هبة الله أبن نما علي بن حمدون الربعي الحلي . مرقده في الحلة المزيدية بمحلة (المهدية) في الشارع العام المعروف قديماً (شارع عكد الطويل) .. مرقده المبارك قريب من مرقد والده حجة الإسلام والمسلمين : (نجيب الدين محمد بن جعفر ) كان الشيخ نجم الدين من وجوه علماء الشيعة الإمامية وأجلائها وفقهائها المبرزين في العلم والتقوى وهو أحد مشايخ العلامة الحلي صاحب كتاب (شرائع الإسلام في الفقه) وكان أديباً شاعراً يروى له شعر في المناسبات ومنه :


    بدم الحسين وذكره المتجـــدد نطـق الزمان وفاه كل موحدِ


    ودم الأمامة في عروقك باسم ودم النبوة من عروق محمد
    ومن مؤلفاته كتابه (مثير الأحزان : مقتل يتضمن واقعة الطف بكربلاء في شهادة سيد الأباة (وأبي الأحرار) الحسين بن أمير المؤمنين علي (ع) والفتية الطاهرين من أهل بيته وأصحابه الميامين .
    وقال الشيخ القمي : وقد يطلق أبن نما على الشيخ الفقيه : نجم الدين جعفر بن محمد بن جعفر بن هبة الله بن نما الحلي ، وكان من كبار رجال الدين والملة عظيم الشأن جليل القدر ، هو صاحب المقتل – مثير الأحزان- (مداد العلماء خير من دماء الشهداء) قال الرسول الكريم 9وفي الذريعة : مثير الأحزان ومنير سبل الأشجان.
    وفي بعض ما صنف في أخذ الثأر على سبيل المثال لا الحصر :
    1.أخبار المختار الشيخ الصدوق .
    2.أخبار المختار بن أبي عبيد الثقفي الشيخ الطوسي .
    3.أخبار المختار بن أبي عبيد الثقفي نصر بن مزاحم المنقري الكوفي العطار
    4.أصدق الأخبار في قصة الأخذ بالثأر – الأمين العاملي وغيرها كثير أوردها الأستاذ –
    ثورة التوابين (رض) وثورة المختار (رض) هما ردتا الفعل الممكنة ما بعد كربلاء الشهادة والحرية والأباء والايمان المتسامي – ففي عين الوردة والخازر – لقد لعب المخلصون دوراً أيمانياً متفجراً بقتال الفئة الدموية الضالة المضلة وأذاقوهم حر النار وحر الحديد كما دعا سيدنا وإمامنا زين العابدين دعاءه المستجاب بقوة الله العزيز الجبار وهذا مصداق حديث أبي الزهراء 9 (سلاح المؤمن الدعاء) .. ثم حركت المشاعر الكبرى لنصرة ثورة الأحرار في طف كربلاء الأباء والفداء .










    بسم الله الرحمن الرحيم


    ذوب النظار في قصة الأخذ بالثار


    (( وما لنا ألا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا ولنصبرن على ما آذيتمونا وعلى الله فليتوكل المتوكلون ))


    (آية 12 سورة إبراهيم (ع))
    وهل يعلم الظالمون كم أجر الصابرين !!؟؟
    وما عهدنا صبراً كالذي تحلى به الرسول المبارك 9 وابناؤه الأمجاد (ع) ، ونفسه وروحه[1] كذلك فمن سقيفة البؤس والخذلان وقف الأحرار صابرين ، كي تبقى كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى مجددين العهد الذي عاهدهم به النبي الكريم وأن النصر لآت ولو بعد حين أو ردحٍ زمني طويل الأمد ، اللهم عجل فرج ولي أمرك القائم المؤمل والعدل المنتظر [2] يا آل بيت المصطفى صلوات الله عليكم وعلى ابي إبراهيم الذي توشح وتحلى به الزمان ويا له من عزٍ وسؤددٍ ، صلاة تقر بها العيون وتسر بها النفوس ويتم بها الحبور والسرور ، واللعنة الدائمة على أول من أستنّ أساس الظلم وغمط حقوق الآل الميامين ((غمط الأبل نبات الربيع)) [3] .
    آهٍ آه يا يوم كربلاء ، كم لك من المواجع والرزايا ( فلا يوم كيومك يا أبا عبد الله )[4] كما صرح إمامنا أبو محمد الحسن (ع) صلوات الله عليه إمامنا المقدام والكوثر المهدور ظلماً وعدواناً فسيادته الممهد الأوحد لبركان الطف الحسيني الذي يمثل الوثيقة الجلّى لترسيخ جذور الإسلام العظيم الذي أراد المغرضون الطاغون طمس معالمه المتألقة بآل بيت النبوة ، فأرادوها جاهلية عمياء كسيحة بائسة كما كانت بهم ولكن ، يأبى الله عز شأنه إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون .
    ومن باب التذكير والحرص على ما حصل بعد مآسي كربلاء العقيدة والفداء والمبدأ سادون مأثرة خالدة سرمدية الخلود لكاتب جوهرة دهره وثقة عصره سيدنا (ابن نما الحلي المقدس) صاحب كتاب (الألفين) الذي كان يصرح لأبنه (قدس الله سرهما الشريف) بقوله : يا بني لولا كتاب الألفين وزيارة الحسين لقصمت ظهر أبيك الفتيا (الفتوى) [5] .
    ولله در أستاذنا الجليل محسن أبي الحب المنبري الحائري نور الله تعالى ضريحه حيث أنشد انشودة الوفاء الحسينية :
    أعطيت ربي موثقاً لا ينقضي إلا بقتــــــلي فأصعدي وذريني
    هذا دمي فلتــــــرو صاديـــــة الظبى منه وهذا للرماح وتيني
    إن كان ديــــن محمدٍ لم يستقم إلا بقتــــــــلي يا سيوف خذيني
    وما أشد حزن السيد رضا الحسيني النجفي الملقب بالهندي (قدس سره) حيث صدح :
    صلت على جسد الحسين سيوفهم فغدا لساجدة الظبى محرابا
    فمضى لهيفاً لم يجد غير القنـــــا ظلاً ولا غير النجيع شرابـا[6]











    مقدمة ذوب النظار


    بسم الله الرحمن الرحيم


    اللهم صلِّ على خير خلقك أبي الزهراء البتول 9


    إهداء


    إلى رائد الثأر أبي إسحاق المختار (رحمة الله عليه)


    إلى من أدخل السرور في قلوب أهل بيت العصمة والتطهير وأثلجها (عليهم جميعاً صلوات الله عزشأنه)


    إلى المجاهد الصابر الذي أنار وجوه العراقيين أمام رسول محمد9


    إلى من أذاق المعتدين على حياض أهل البيت كأس العلقم والخذلان والذلة والهوان


    إليك وإلى وزيرك الشهم إبراهيم بن مالك الأشتر الذي ظفر بالوغد الزنيم عبيد الشيطان فأذاقه حر النار وحر الحديد [7]


    وكان سيدنا محمد بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليهم صلوات الله تعالى ) الطالب المثابر الحثيث في طلب الثأر للدم الزكي المراق على ثرى الطف ظلماً وعدواناً وقد أعطاه إمامه وإمام المتقين علي بن الحسين زين العابدين 8 حق التصرف في الأذن لكل من يطلب الثأر لأجل تصحيح مسار التاريخ – وهذا لعمري نعم الرأي الحصيف حيث أن الإمام 8 لو تولى المطالبة بدماء أحرار كربلاء لشملتهم شفقة الإمام المعصوم لأن سيادته المعظم يرى بنور الله العزيز الحكيم فلذلك أصبحت ولاية الدم الحسيني العاطر والثائر والمتأزم بعهدة مولانا السيد محمد بن أمير المؤمنين 8 ومن حضرته أستأذن أهل الكوفة لإعطاء الراية الثأرية الإنتقامية إلى شموخ العراق وأميره البطل .. المختار بن أبي عبيد الثقفي (قدس مثواه) ... وهكذا كان يقول سيدنا ابن نما الحلي عطر الله ثراه المقدس :
    فنهض المختار نهوض الملك المطاع ، ومد الى أعدائه يداً طويلة الباع (جبارة مؤيدة بقوة الله) ، فهشم عظاماً تغذت بالفجور، وقطع أعضاءاً نشأت على الخمور (نشوء الغادرين الباغين) ، وجاز الى فضيلة لم يرق الى شغاف شرفها عربي ولا أعجمي ، وأحرز منقبة لم يسبقه إليها هاشمي ولا قرشي.
    وكان ابراهيم بن مالك الاشتر مشاركاً له في هذه البلوى ، ومصدقاً على الدعوى ، ولم يك إبراهيم شاكاً في دينه ، ولا ضالاً في اعتقاده ويقينه ، والحكم فيهما واحد ، وأنا أشرح بوار الفجار على يد المختار ، معتمداً قانون الاختصار، وسميته: (ذوب النضار في شرح الثأر) ، وقد وضعته على أربع مراتب ، والله الموفق للصواب، المكافئ يوم الحساب (يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم) .
    نسب المختار (رضي الله عنه وأرضاه)
    هو المختار بن أبي عبيدة بن مسعود بن عمير الثقفي (الكوفي العراقي) . وقال المرزباني: ابن عمير بن عقدة بن عنزة ، كنيته أبو اسحاق . وكان أبو عبيدة والده يتنوق (ينتقي) في طلب النساء ، فذكرت له نساء في قومه فأبى أن يتزوج منهن ، فأتاه آت في منامه فقال: تزوج دومة الحسناء الحومة ، فما تسمع فيها للائم لومة ، فأخبر قومه ، فقالوا: قد أمرت ، فتزوج دومة بنت وهب بن عمر بن معتب. فلما حملت بالمختار ، قالت: رأيت في النوم قائلا يقول: أبشري بالولد أشبه شي بالاسد إذا الرجال في كبد تقاتلوا على لبد ، كان له الحظ الاشد ، فلما وضعته أتاها ذلك الاتي، فقال لها: انه قبل أن يترعرع ،وقبل أن يتشعشع ، قليل الهلع ، كثير التبع ، يدان بما صنع (نعم يدان هنا من حزب الشيطان أتباع المردة والأسفلين الملحدين لأنه يمثل صولة الحق وسيفه البتار بلا خوف أو تردد أو وجلٍ فنهض كالبركان قاذفاً بحممه الحارقة لكل أعداء الله تعالى )[8] ، وكان مولده في عام الهجرة المباركة ، وبعد نشوئه نشأة إسلامية إمامية درج في مدارج الحياة شامخاً مبدئياً ملتزماً غاضاً بصره عن مباهج الحياة فقد جاء إلى الدنيا ليحمل نبراس ثورة قاصمة لظهور الغادرين فقد سلطه العزيز الجبار ناراً مذوبة لعناد الناكثين والمارقين والقاسطين والفاجرين - وحضر مع أبيه (رحمه الله) موقعة (قس الناطف) وهو ابن ثلاث عشرة سنة .

    وكان يتفلت (أي يتحين الفرص) للقتال فيمنعه سعد ابن مسعود عمه (رحمه الله) لأنه يعلم بأن له يوماً مع سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين 8وقد نشأ على حب أهل بيت النبوة .
    ونشأ مقداماً شجاعاً لا يتقي شيئاً إلا الله تعالى وأهل بيت الرسالة (صلوات الله عليهم واللعنة على أعدائهم ) . وتعاطى سيادته معالي الامور، وكان ذا عقل وافر ، وجواب حاضر ، وخلالٍ مأثورةٍ ، ونفسٍ بالسخاء موفورةً ، وفطنةٍ تدرك الاشياء بفراستها ، وهمةٍ تعلو على الفراقد بنفاستها ، وحدسٍ مصيبٍ ، وكفٍ في الحروب مجيبٍ ، وقد مارس التجارب فحنكته ، ولامس الخطوب فهذبته.
    وروي عن الاصبغ بن نباتة (رض) (وحضرته صاحب إمام الثقلين 8) أنه قال : رأيت المختار (وهو طفل) على فخذ أمير المؤمنين 8 وهو يمسح رأسه ويقول: يا كيس يا كيس فسمي بـ(كيسان) .
    وعن أبي جعفر الباقر 8أنه قال: لاتسبوا المختار ، فانه قتل قتلتنا ، وطلب ثأرنا ، وزوج أراملنا ، وقسم فينا المال على العسرة .
    وروي أنه دخل جماعة على أبي جعفر الباقر 8 وفيهم عبد الله بن شريك ، قال: فقعدت بين يديه إذ دخل عليه شيخ من أهل الكوفة ، فتناول يده ليقبلها ، فمنعه ، ثم قال: من أنت ؟ قال: أنا أبو الحكم (الحكيم) بن المختار بن أبي عبيدة الثقفي ، وكان متباعدا منه 8 فمد يده فأدناه حتى كاد يقعده في حجره بعد منعه يده فقال: أصلحك الله ، ان الناس قد أكثروا في أبي القول ، والقول والله قولك ، قال: وأي شي يقولون ؟ قال: يقولون: كذاب ؟! ولا تأمرني بشي الا قبلته. فقال 8 : سبحان الله ! أخبرني أبي أن مهر أمي مما بعث به المختار إليه ، أو لم يبن دورنا ؟ وقتل قتلتنا ! وطلب بثأرنا ؟ فرحم الله أباك ، فرحم الله أباك ، فرحم الله أباك ما ترك لنا حقا عند أحد الا طلبه .
    هذه وثيقة صريحة تنم عن أصالة فتى العراق الأغر وحضرته يأتي بالمرتبة الأخرى بعد سيدنا مالك الأشتر باركه الله تعالى بنصرة مولاه أمير المؤمنين 8 فياله من مخلِصٍ مخلَصٍ تفانى في حب آل بيت النبوة ومعدن الرسالة صلوات الله عليهم [9] .
    وعن أبي حمزة الثمالي (رض) قال: كنت أزور على بن الحسين عليهما السلام في كل سنة مرة في وقت الحج، فأتيته سنة وإذا على فخذه صبي ، فقام الصبي يمشي فوقع على عتبة الباب، فانشج رأسه ، فوثب إليه مهرولاً ، فجعل ينشف دمه ويقول: اني اعيذك أن تكون المصلوب في الكناسة ، قلت: بأبي أنت وامي ، وأي كناسة ؟ قال: كناسة الكوفة ، قلت : ويكون ذلك ؟ قال: اي والذي بعث محمدا بالحق نبيا، لئن عشت بعدي لترين هذا الغلام في ناحية من نواحي الكوفة ، وهو مقتول مدفون منبوش مسحوب مصلوب في الكناسة ، ثم ينزل فيحرق ويذرى في الهواء ، ( الله أكبر ... الله أكبر ) فقلت: جعلت فداك ، وما اسم هذا الغلام ؟ فقال 8 : ابني زيد ، ثم دمعت عيناه وقال: لاحدثنك بحديث ابني هذا ، بينا أنا ليلة ساجد وراكع إذ ذهب بي النوم فرأيت كأني في الجنة ، وكأن رسول الله صلى الله عليه وآله وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام قد زوجوني حورأ من حور العين ، فواقعتها واغتسلت عند سدرة المنتهى ووليت ، هتف بي هاتف ، ليهنئك زيد، فاستيقظت وتطهرت وصليت صلاة الفجر ، فدق الباب رجل فخرجت إليه فإذا معه جارية ملفوف كمها على يده ، مخمرة بخمار، قلت: ما حاجتك ؟ قال: اريد علي بن الحسين 8 ، قلت: أنا هو ، قال: أنا رسول المختار بن أبي عبيدة الثقفى اليك وهو يقرؤك السلام ويقول: وقعت هذه الجارية في ناحيتنا فاشتريتها بستمائة دينار، وهذه ستمائة دينار أخرى فاستعن بها على دهرك، ودفع الي كتابا كتبت جوابه ، وقلت: ما اسمك ؟ قالت حوراء ، فهيؤوها لي وبت بها عروساً ، فعلقت بهذا الغلام ، فأسميته زيداً ، وسترى ما قلت لك.
    قال أبو حمزة الثمالي: فوالله لقد رأيت كل ما ذكره 8 في زيد.
    وروي عن عمر بن على 8 أن المختار أرسل الى علي بن الحسين عليهما السلام عشرين ألف دينار ، فقبلها وبنى منها دار عقيل بن أبي طالب ودارهم التي هدمت .
    وكان المختار ذا مقول مشحوذ الغرار ، مأمون العثار ، ان نثر سجع ، وان نطق برع ، ثابت الجنان ، مقدم الشجعان ، ما حدس الا أصاب ، ولا تفرس قط فخاب ، ولو لم يكن كذلك لما قام بأدوات المفاخر ، ورأس على الامراء والعساكر . وولى الإمام علي 8 عمه على المدائن عاملاً والمختار معه ، وبعد استشهاد أمير المؤمنين 8 رحل المختار الى المدينة ، وكان يجالس سيدنا محمد بن أمير المؤمنين (رض) ويأخذ عنه الاحاديث ، فلما عاد الى الكوفة ركب مع المغيرة البائس يوماً فمر بالسوق ، فقال المغيرة: يالها غارة ويا له جمعاً ، اني لأعلم كلمة لو نعق لها ناعق ولا ناعق لها لاتبعوه ، ولا سيما الاعاجم الذين إذا ألقي إليهم الشيء قبلوه. فقال له المختار: وماهي يا عم ؟ قال: يستأدون بآل محمد صلى الله عليه وآله ، فأغضي عليها المختار ، ولم يزل ذلك في نفسه ، ثم جعل يتكلم بفضائل محمد وآل محمد صلى الله عليه وآله ويتوجع لهم مما نزل
    بهم ، ففي بعض الايام لقيه معبد بن خالد الجدلي - جديلة قيس - فقال له: يا معبد ، ان أهل الكتاب ذكروا أنهم يجدون رجلاً من ثقيف يقتل الجبارين ، وينصر المظلومين ، ويأخذ بثأر المستضعفين (( كانوا مستضعفين بأمر الله ورسوله وذلك لأثبات الحجة على الجموع الكافرة التي باعت ضمائرها ودينها بدراهم معدودة ألقيت من يدٍ شيطانية أموية دموية بل الإمام أبو عبد الله عليه صلوات الله تعالى كان لديه الاسم الأعظم فيتمكن بأن يزلزل الأرض من تحت أقدامهم )) ، ووصفوا صفته ، فلم يذكروا صفة للرجل الا وهي في غير خصلتين أنه شاب وأنا قد جاوزت الستين ، وأنه ردى البصر ، وأنا أبصر من عقاب ، فقال معبد: أما السن فان ابن الستين والسبعين عند أهل ذلك الزمان شاب ، وأما بصرك فما تدري ما يحدث الله فيه لعله يكل ، قال: عسى ، فلم يزل على ذلك حتى (احترق العاوية لعنه الجبار) ، وولي الشيطان أبنه ووجه الحسين (الكريم والمقدس 8 ) سفيره إلى الكوفة سيدنا مسلم بن عقيل 8 ، وأسكن المختار (رض) مسلماً 8 داره وبايعه ، فلما استشهد مسلم 8 سعي بالمختار الى عبيد الشيطان بن زياد - لعنهما الله – فأحضره ، وقال له: يا ابن عبيدة ، أنت المبايع لاعدائنا ؟ فشهد له عمرو بن حريث وهو أحد أزلامه شهد للمختار (رض) أنه لم يفعل. فقال عبيدالله بن زياد : لولا شهادة عمرو لقتلتك ، وشتمه ((فليخسأ المجرمون)) . وضربه بقضيب في يده فشتر عينيه ، وحبسه وحبس أيضاً عبد الله بن الحارث بن عبد المطلب (( فيا مهزلة الدنيا الدنية تسلط أبناء البغايا على الشرفاء الأصلاء ولكن إلى حين فيقضي الله أمراً كان مفعولاً


    ((فيدٌ تكبل وهي مما يفتدى ويدٌ تقبل وهي مما يقطعُ))
    . وكان في الحبس سيدنا ميثم التمار العبدي رحمه الله فطلب عبد الله حديدة يزيل بها شعر بدنه ، وقال: لا آمن الشيطان ابن البغية يقتلني فأكون قد ألقيت ما علي من الشعر، فقال المختار: والله لا يقتلك ولا يقتلني ولا يأتي عليك الا قليل حتى تنالِ (من الولاية) البصرة، فقال ميثم للمختار: وأنت تخرج ثائراً بدم الحسين 8 ، فتقتل هذا الذي يريد قتلنا ، وتطأ بقدميك على وجنتيه ، ولم يزل ذلك يتردد في صدره حتى استشهد الإمام الحسين عليه صلوات الله تعالى ، فكتب المختار الى اخته صفية بنت أبي عبيدة ، وكانت زوجة عبد الله بن عمر تسأله مكاتبة ملوك ودهاقنة الشام فكتبوا إلى شيطانهم البائس بأن اطلقهما أي المختار وعبد الله بن الحارث ، فأطلقا وامهلهما ثلاثة أيام للخروج من الكوفة ، فخرجا إلى الحجاز ، وصار بواقصة فلقى الصقعب بن زهير الازدي، فقال: يا أبا اسحاق ، مالي أرى عينك بهذه الحال ؟ قال: فعل بي ذلك ابن البغية ، فقال المختار (رض) : قتلني الله ان لم أقتله ، أقطع أعضاءه ، (ولأمزقه أرباً أرباً)) ، ولأقتلن بدم الحسين (8) عدد الذين قتلوا بسيدنا يحيى بن زكريا (8) وهم سبعون ألفاً ، ثم قال: والذي أنزل القرآن ، وبين الفرقان ، وشرع الاديان ، وكره العصيان ، لاقتلن العصاة من أزد عمان ، ومذحج وهمدان ، وفهد وخولان ....... غضبا لابن بنت نبي الرحمن ، نعم يا صقعب ، وحق السميع العليم ، العلي العظيم ، العدل الكريم ، العزيز الحكيم ، الرحمن الرحيم ، لاعركن عرك الاديم ، بني كندة وسليم ، والاشراف الأوغاد من تميم ، ثم سار الى مكة. قال ابن العرق: رأيت المختار أشتر العين ، فسألته ، فقال: شترها ابن البغية اللعين ، يا ابن العرق ، ان الفتنة أرعدت وأبرقت ، وكأن قد أينعت وألقت خطامها، وخطبت وشمست ، وهي رافعة ذيلها ، وقائلة ويلها ، بدجلة وحولها ، فلم يزل على ذلك حتى احترق شارب الخمور وبؤس الفجور لعنه الله .
    وكان عبيدالله بن الحر بن المجمع بن حزيم الجعفي من أشراف أهل الكوفة، وكان قد مشى إليه الحسين عليه السلام وندبه الى الخروج معه فلم يفعل، ثم تداخله الندم حتى كادت نفسه تفيض، فقال :
    فيالك حسرة مــــــــــادمت حياً تردد بين صدري والتراقي
    حسين حين يطلب بذل نصري على أهــل الضلالة والنفاق
    غـــــداة يقول لي بالقصر قولاً أتتـــــــركنا وتزمع بالفراق ؟
    ولـــــــــــــو أني اواسيه بنفسي لنلت كرامـــــــة يوم التلاق
    مع ابن المصطفى روحي فداه تــــــــولى ثم ودع بانطلاق
    فلـــــــــو فلق التلهف قلب حي لهم اليــــــــوم قلبي بانفلاق
    فقد فاز الاولى نصروا حسيناً وخاب الاخرون ذوو النفاق[10]
    ولم يكن في العراق من يصلح للقتال والنجدة والبأس الا عقائل العرب بالكوفة ، فأول من نهض الصحابي الجليل سليمان بن صرد الخزاعى وكانت له صحبة مع النبي صلى الله عليه وآله ومع علي عليه السلام ، والمسيب بن نجبة الفزاري وهو من كبار الشيعة ، وله صحبة مع أمير المؤمنين علي 8 ، وعبد الله بن سعد بن نفيل الازدي ، ورفاعة بن شداد البجلي ، وعبد الله بن وال بن ثعلبة ، واجتمعوا في دار سليمان (رض) ، ومعهم اناس من الشيعة ، فبدأ سليمان بالكلام : فحمد الله تعالى وأثنى عليه ، وقال: أما بعد ، فقد ابتلينا بطول العمر ، والتعرض للفتن ، ونرغب الى ربنا أن لا يجعلنا ممن يقول له: ((أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير)) ، وقال أمير المؤمنين علي عليه السلام: ((العمر الذي أنذر فيه ابن آدم ستون سنة )) ، وليس فينا الا من قد بلغها ، وكنا مغرمين بتزكية أنفسنا ، ومدح شيعتنا ، حتى ابتلى الله خيارنا ، فوجدنا كذابين في نصر ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله ولاعذر دون أن نقتل قاتليه ، فعسى ربنا أن يعفو عنا . قال رفاعة بن شداد: قد هداك الله لاصوب القول ، ودعوت الى أرشد الامور جهاد الفاسقين ، والى التوبة من الذنب ، فمسموع منك ، مستجاب لك ، مقبول قولك ، فان رأيتم ولينا هذا الامر شيخ الشيعة صاحب رسول الله (صلى الله عليه وآله) سليمان بن صرد ، فقال المسيب بن نجبة: أصبتم ووفقتم ، وأنا أرى الذي رأيتم ، فاستعدوا للحرب (الطاحنة) . وكتب سليمان كتاباً الى من كان بالمدائن من الشيعة من أهل الكوفة ، وحمله مع عبد الله بن مالك الطائي الى سعد بن حذيفة بن اليمان يدعوهم الى أخذ ثأر الإمام الشهيد ، فلما وقفوا على الكتاب قالوا: رأينا مثل رأيهم ، وكتب سعد بن حذيقة الجواب بذلك. وكتب سليمان الى المثنى بن مخربة العبدي كتاباً ، وأجاب المثنى : أما بعد ، فقد قرأت كتابك ، وأقرأته اخوانك ، فحمدوا رأيك ، واستجابوا لك ، فنحن موافوك ان شاء الله تعالى للاجل الذي ضربت ، والسلام عليك .
    وكتب في أسفل الكتاب هذه الابيات :
    تبصر فاني قد أتيتــك معلما على أتـــلع الهادي أجش هزيم
    طويل القرا نهد أشق مقلص ملح على قــــاري اللجام رؤوم

    بكل فتى لايملا الـدرع نحره محش لنـار الحـرب غير سؤوم

    أخي ثقة يبغي الإلــــه بسعيه ضروب بنصل السيف غير أثيم
    وثار الأحرار واستشهدوا في (عين الوردة) جميعهم ، وذكر المدائني ....... خرج المختار من مكة متوجها الى الكوفة فلقيه هانئ بن أبي حية الوداعي فسأله عن أهلها ، فقال : لو كان لهم رجل يجمعهم على شي واحد لأكل الارض بهم ، فقال المختار(رض) : أنا أجمعهم على الحق، وألقى بهم ركبان الباطل ، وأقتل بهم كل جبار عنيد ان شاء الله ، ولا قوة الا بالله. ثم سأله المختار عن سليمان بن صرد هل توجه لقتال الملحدين ؟ قال: لا ، ولكنهم عازمون على ذلك. ثم سار المختار حتى انتهى الى نهر الحيرة في يوم الجمعة ، فنزل واغتسل ، ولبس ثيابه ، وتقلد سيفه ، وركب فرسه ، ودخل الكوفة نهاراً ، ولا يمر بمساجد القبائل ومجالس القوم ومجتمع المحال الا وقف وسلم ، وقال: أبشروا بالفرج ، فقد جئتكم بما تحبون ، وأنا المسلط على الفاسقين، والطالب بدم ابن بنت نبي رب العالمين.
    ثم دخل الجامع وصلى فيه ، فرأى الناس ينظرون إليه ، ويقول بعضهم لبعض: هذا المختار أبو إسحاق ما قدم إلا لأمر ، ونرجو به الفرج. وخرج من الجامع ، ونزل داره الميمونة بأهلها الموالين لآل البيت (عليهم السلام) ، ويعرف قديما بدار سالم بن المسيب ، ثم وجه الى وجوه الشيعة ، وعرفهم أنه جاء من سيدنا محمد بن أمير المؤمنين للطلب بدماء أهل البيت عليهم السلام ، وهذا أمر لكم فيه الشفاء وقتل الاعداء. فقالوا: أنت موضع ذلك وأهله ، غير أن الناس قد بايعوا سليمان ابن صرد الخزاعي ، فهو شيخ الشيعة اليوم فلا تعجل في أمرك ، فسكت المختار وانتظر ما يكون من أمر سليمان والشيعة حينئذ يدبرون أمرهم سراً . لأن الحكم جائر وأكثر أهل الكوفة من قتلة الإمام الشهيد !. فوشى (ضبع نتن) بالمختار فأوثقوه وسجنوه ، قال يحيى بن أبي عيسى دخلت مع حميد بن مسلم الازدي الى المختار ، فسمعته يقول: أما ورب البحار ، والنخل والاشجار ، والمهامه والقفار ، والملائكة الابرار ، والمصطفين الاخيار ، لاقتلن كل جبار ، بكل لدن خطار ، ومهند بتار ، في جموع من الانصار ، ليسوا بميل ولا أغمار ، ولا بعزلٍ أشرار ، حتى إذا أقمت عمود الدين، ورأيت صدع المسلمين وشفيت غليل صدور المؤمنين ، وأدركت ثأر النبيين ، لم يكبر علي زوال الدنيا ، ولم أحفل بالموت إذا أتى.
    وعندما أنتفض التوابون رحمهم الله واستشهدوا كان المختار محبوساً وكان يقول لاصحابه : عدوا لغارتكم هذه أكثر من عشر ، ودون الشهر، ثم يجيئكم نبا هتر ، من طعن بتر، وضرب هبر ، وقتل جم وأمرهم، فمن لها ؟ أنا لها (وبالفعل كان لها مقدامٌ شهمٌ شديد المراس ) ، لا تكذبن أنا لها. رحم الله أبا إسحاق فقد كان يعملُ بجد وإخلاص وتفان لنصرة أبي الأحرار الحسين عليه الصلاة والسلام وهو عبد مطيع لدعاء أبي عبد الله 8 : اللهم سلط عليهم غلام ثقيف ، وخذل الجبارون ومزقت أشلاؤهم على يده القوية في ذات الله عز شأنه فياله من نصر مبين يفتخر به الزمن لأنه دفاع عن الله تعالى وبسالة خارقة أستمدت عزمها من جهاد ونضال الإمام السجاد 8 وسيدنا محمد بن الإمام علي 8 ....
    وكان المختار عالم بالرجز والفراسة وخدعة الحرب وحسن السياسة. قال المرزباني في كتاب الشعراء : كان للمختار غلام يقال له جبرئيل ، وكان يقول: قال لي جبرئيل ، وقلت لجبرئيل ، فيوهم الاعراب وأهل البوادي أنه جبرئيل عليه السلام ، فاستحوذ عليهم بذلك حتى انتظمت له الامور ، وقام باعزاز الدين ونصره ، وكسر الباطل وقصره.
    ولما قدمت البقية الباقية من أصحاب سليمان بن صرد الخزاعي رحمهم الله ، كتب إليهم المختار (رض) من الحبس: أما بعد ، فان الله أعظم لكم الاجر ، وحط عنكم الوزر ، بمفارقة القاسطين ، وجهاد المُحليِّن ، انكم لن تنفقوا نفقة ، ولم تقطعوا عقبة ، ولم تخطوا خطوة الا رفع الله لكم بها درجة ، وكتب لكم بها حسنة ، فابشروا فأني لو خرجت اليكم جردت فيما بين المشرق والمغرب من عدوكم بالسيف باذن الله ، فجعلتهم ركاماً ، وقتلتهم فذاً وتوأما ، فرحب الله لمن قارب واهتدى ، ولا يبعد الله الا من عصى وأبى، والسلام عليكم يا أهل الهدى.
    فلما جاء كتابه وقف عليه جماعة من رؤوسا القبائل وأعادوا الجواب: قرأنا كتابك ونحن حيث يسرك، فان شئت أن نأتيك حتى نخرجك من الحبس فعلنا. فأخبره الرسول، فسر باجتماع الشيعة له ، وبعد حين خرج من السجن بقوة الله عز وجل ، ولما استقر في داره ، اختلفت الشيعة إليه ، واجتمعت عليه ، واتفقوا على الرضا به ، وكان قد بويع له وهو في السجن ، ولم يزل يكثرون وأمرهم يقوى ويشتد.
    وبعث المختار الى أصحابه فجمعهم في الدور حوله، وأراد أن يثب على أهل الكوفة. فجاء رجل من أصحابه من شبام عظيم الشرف وهو عبد الرحمن ابن شريح فلقي جماعة ، منهم: سعيد بن منقذ ، وسعر ابن أبي سعر الحنفي ، والاسود الكندي ، وقدامة بن مالك الجشمي وقد اجتمعوا فقالوا له: أن المختار يريد الخروج بنا للاخذ بثأر الإمام الحسين 8 ، وقد بايعناه ، ولا نعلم أرسله الينا محمد بن أمير المؤمنين 8 أم لا ، فانهضوا بنا إليه نخبره بما قدم به علينا ، فان رخص لنا اتبعناه ، وان نهانا تركناه . فخرجوا وجاءوا الى محمد بن أمير المؤمنين 8 ، فسألهم عن الناس فخبروه ، وقالوا: لنا اليك حاجة. قال 8 : سرٌ أم علانية ؟ قلنا : بل سرٌ ، قال: رويداً إذاً ، ثم مكث قليلاً وتنحى ودعانا ، فبدأ عبد الرحمن بن شريح بحمد الله والثنأ عليه ، وقال : أما بعد، فأنكم أهل بيت خصكم الله بالفضيلة، وشرفكم بالنبوة ، وعظم حقكم على هذه الامة ، وقد اصبتم بالحسين عليه السلام مصيبة عمت المسلمين ، وقد قدم المختار يزعم أنه جاء من قبلكم ، وقد دعانا الى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله والطلب بدماء أهل البيت (عليهم السلام) ، فبايعناه على ذلك ، فان أمرتنا باتباعه اتبعناه ، وان نهيتنا اجتنبناه. فلما سمع كلامه وكلام غيره حمد الله وأثنى عليه ، وصلى على النبي صلى الله عليه وآله وقال: أما ما ذكرتم مما خصنا الله فان الفضل لله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ، وأما مصيبتنا بالحسين عليه السلام فذلك في الذكر الحكيم ، وأما ما ذكرتم من دعاء من دعاكم الى الطلب بدمائنا ، فوالله لوددت أن الله انتصر لنا من عدونا بمن شاء من خلقه ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم . وقال لهم: قوموا بنا الى إمامي وإمامكم علي بن الحسين 8 ، فلما دخل ودخلوا عليه خبره بخبرهم الذي جاءوا لإجله ، قال: يا عم ، لو أن عبداً زنجياً تعصب لنا أهل البيت عليهم السلام ، لوجب على الناس مؤازرته، وقد وليتك هذا الامر ، فاصنع ما شئت. فخرجوا، وقد سمعوا كلامه وهم يقولون: ((أذن لنا زين العابدين (عليه السلام) ومحمد بن أمير المؤمنين 8 ).[11]
    وكان المختار علم بخروجهم الى سيدنا محمد والسجاد 8 ، وكان يريد النهوض بجماعة الشيعة قبل قدومهم ، فلم يتهيا ذلك له ، وكان يقول: أن نفيراً منكم تحيروا وارتابوا ، فان هم أصابوا أقبلوا وأنابوا ، وان هم كبوا وهابوا واعترضوا وانجابوا فقد خسروا وخابوا ، فدخل القادمون من الحجاز فقال: ما ورأكم ؟ فقد فتنتم وارتبتم ؟ فقالوا: قد أمرنا بنصرتك ، فنهض وقال: أنا أبو إسحاق أنا لها ، أجمعوا لي الشيعة المخلصين، فجمع من كان قريبا، فقال: يا معشر الشيعة، ان نفراً أحبوا أن يعلموا مصداق ما جئت به ، فخرجوا الى إمام الهدى ، والنجيب المرتضى ، وابن المصطفى المجتبى زين العابدين عليه صلوات الله تعالى فعرفهم أني ظهيره ووزيره ، وأمركم باتباعي وطاعتي ، وقال كلاماً يرغبهم الى الطاعة والاستنفار معه ، وأن يعلم الحاضر الغائب.
    وعرفه قوم أن جماعة من (شذاذ الآفاق) الكوفة مجتمعين على قتالك مع ابن مطيع (الضبع العتل الزنيم) ، ومتى جاء معنا سيدنا ابراهيم بن الاشتر رجونا باذن الله - تعالى - القوة على عدونا، فله عشيرة مباركة (وسيادته من الموالين لآل البيت 8 كأبيه شبل العراق )). فقال: القوه وعرفّوه الأذن لنا في الطلب بدم الشهيد ابن الشهيد 8 وأهل بيته ، فعرفوه، فقال (رحمه الله) : قد أجبتكم على أن تولوني الامر. فقالوا : أنت أهل له ، ولكن ليس إليه سبيل ، هذا المختار قد جاءنا من قبل إمام الهدى (والعروة الوثقى وأهل النهى والأمر) السجاد8 ، وعمه محمد بن أمير المؤمنين 8 ، وهو المأذون له في القتال ، فلم يجب ، فانصرفوا وعرفوا المختار. فبقي ثلاثا ، ثم انه دعا جماعة من وجوه اصحابه ، قال عامر الشعبي: وأنا وأبي فيهم، فسار المختار وهو أمامنا يقد بنا بيوت الكوفة ، لا ندري أين يريد، حتى وقف على باب ابراهيم بن مالك الاشتر ، فأذن له ، والقيت الوسائد فجلسنا عليها ، وجلس المختار معه على فراشه ، وقال: هذا كتاب محمد بن أمير المؤمنين عليه السلام يأمرك أن تنصرنا ، فان فعلت اغتبطت ، وان امتنعت فهذا الكتاب حجة عليك ، وسيغني الله محمداً وأهل بيته عنك. وكان المختار قد سلم الكتاب الى الشعبي ، فلما تم كلامه ، قال: أدفع الكتاب إليه ، ففض ختمه ، وهو كتاب طويل فيه: بسم الله الرحمن الرحيم من محمد المهدي (ابن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب8) إلى إبراهيم بن مالك الاشتر: سلام عليك ، قد بعثت إليك المختار ومن ارتضيته لنفسي ، وقد أمرته بقتال عدوي ، والطلب بدماء أهل بيتي ، فامض معه بنفسك وعشيرتك ، وتمام الكتاب بما يرغب إبراهيم في ذلك. فما قرأ الكتاب قال: ما زال يكتب ألي بأسمه واسم أبيه فما باله في هذا الكتاب يقول المهدي ؟ ! قال المختار: ذاك زمان وهذا زمان ، قال ابراهيم: من يعلم أن هذا كتاب ابن الحنفية الي ؟ فقام ثلاثة وهم عبد بن أنس وأحمر بن شميط وعبد الله بن كامل وغيرهم: نحن نعلم ونشهد أنه كتاب محمد إليك ، وعند ذلك تأخر إبراهيم عن صدر الفراش ، وأجلس المختار (رض)عليه ، وقال: ابسط يدك ، فبسط يده فبايعه ، ودعا بفاكهة وشراب من عسل فأصبنا منه فأخرجنا معنا إبراهيم الى أن دخل المختار داره.
    وكان إبراهيم رحمه الله ظاهر الشجاعة ، واري زناد الشهامة ، نافذ حدِّ الصرامة ، مشمراً في محبة أهل البيت (عليهم السلام) عن ساقيه ، متلقياً راية النصح لهم بيديه كلتاهما ، فجمع عشيرته واخوانه وأهل مودته وأعوانه ، وكان يتردد بهم الى المختار عامة الليل ، ومعه حميد بن مسلم الازدي حتى تصوب النجوم، وتنقض الرجوم ، وأجمع رأيهم أن يخرجوا يوم الخميس لاربع عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الاخر سنة ست وستين.
    وكان اياس بن مضارب صاحب شرطة عبد الله بن مطيع أمير الكوفة ، فقال له: ان المختار خارج عليك لا محالة ، فخذ حذرك ، ثم خرج اياس مع الحرس ، وبعث ولده راشداً الى الكناسة (الولد على سر أبيه كلبٌ كلِبٌ؟!) ، وجاء هو الى السوق (ثكلته أمه) ، وأنفذ ابن مطيع الى الجبانات من شحنها بالرجال يحرسها من أهل الريبة. وخرج ابراهيم بن مالك الاشتر (رض) بعد المغرب الى المختار (رض) ومعه جماعة عليهم الدروع وفوقها الاقبية ، وقد أحاط الشرط بالسوق والقصر، فلقي (صنيعة الأمويين الأوغاد) أياس بن مضارب أصحاب إبراهيم وهم متسلحون ، فقال: ماهذا الجمع ؟ أن أمرك لمريب ، ولا أتركك حتى آتي بك الى الامير(التعيس) ، فامتنع ابراهيم ووقع التشاجر معهم (بينهم) ، ومع اياس رجل من همدان اسمه أبو قطن وكان صديقاً لإبراهيم مسبقاً ، قال له إبراهيم : أدن مني يا أبا قطن ، فظن أنه يريد أن يجعله شفيعاً في تخلية القوم ، وبيد أبي قطن رمح طويل ، فأخذه ابراهيم منه ( مشاهداً إياه قائلاً أراه طويلاً لائقاً لصاحبك الشرطي ، ثم رفعه وطعنه به طعنة نجلاء من فارس عراقي كوفي مزق به أوصال أنذال أمية ) وأصابه في نحره فصرعه وأمرهم فاجتزوا رأسه ، وانهزم الجبناء الباقون ، وأقبل ابراهيم الى المختار (رض) وعرفه ذلك ، فاستبشر وتفاءل بالنصر والظفر ، ثم أمر بإشعال النور (النار) في هرادي أي أعواد القصب وبالنداء (يا لثارات الحسين)، ولبس درعه وسلاحه، وهو يقول:
    قد علمت بيضاء حسناء الطلل واضحة الخدين عجزاء الكفل
    أني غـــداة الروع مــقدام بطل لا عـاجز فيها ولا وغــد فشل [12]
    وأقبلت جماعات الناس من كل ناحية ، وجاء عبيد الله بن الحر الجعفي في قومه ، وتقاتلوا قتالاً شديداً ، وشرد الناس ومن كان في الطرق والجبانات من أصحاب السلاح واستشعروا الحذر ، وتفرقوا في الازقة خوفاً (صولة) المقدام بن المقدام إبراهيم بن مالك الأشتر . وأشار (الشيطان) شبث بن ربعي الملعون على ابن مطيع بالقتال. فعلم المختار ، فخرج في أصحابه حتى نزل (دير هند)[13] مما يلي بستان زائدة في السبخة ، ثم جاء أبو عثمان النهدي في جماعة من أصحابه إلى الكوفة ونادوا: (يا لثارات الحسين) يا منصور أمت - وهذه علامة بينهم – (كلمة السر للتحرك والثورة) ثم نادي : يا أيها الحى المهتدون ، ألا أن أمين آل محمد (صلى الله عليه وآله) قد خرج ونزل دير هند ، وبعثني اليكم داعياً ومبشراً فاخرجوا إليه رحمكم الله ، فخرجوا من الدور يتناعون.
    ولما دعا المختــــار للثار أقبلت كتــــــــــــــائب من أشياع آل محمد
    وقد لبسوا فــوق الدروع قلوبهم وخاضوا بحار الموت في كل مشهد
    هم نصروا سبط النبي ورهطه ودانو بـــــــــأخذ الثار من كل ملحد
    ففازوا بجنات النعيــــــم وطيبها وذلك خير مــــــــن لجين وعسجــد
    ولو أنني يوم الهياج لدى الوغى لاعملت حـــــــــد المشرفي المهنــد
    فوا أسفا إذ لم أكن مـــــن حماته فأقتل منهم كل بــــــــــــاغ ومعتــد
    وانقع غلي من دمــــــا نحورهم وأتركهم مُلقون في كـــــــــل فدفــد
    (( قال الوالبي ، وحميد بن مسلم ، والنعمان بن أبي الجعد: خرجنا مع المختار (رض) ، فوالله ما انفجر الفجر حتى فرغ المختار من تعبئة عسكره ، فلما أصبح تقدم وصلى بنا الغداة فقرأ (والنازعات المباركة) و(عبس المباركة) فوالله ما سمعنا إماما أفصح لهجة منه. ثم تهيأ رحمه الله كي يزحف بجنده المنتقم صوب جند الشيطان المحشد عشرين ألفاً )) (من شذاذ الآفاق واللصوص وناكثي العهود ). فسمع المختار أصواتاً مرتفعة ، وضجة ما بين بني سُليم وسكة البريد ، فأمر باستعلام الخبر ، فإذا هو شيطان أموي شبث بن ربعي ، وأتاه في الحال سعر بن أبي سعر الحنفي وهو ممن بايع المختار ، يركض من قبل مُراد ، فلقي ابن رئيس شرطتهم البائس راشد بن اياس فأخبر المختار ، فأرسل ابراهيم بن الاشتر في تسعمائة فارس وستمائة راجل ، ونعيم بن هبيرة في ثلاثمائة فارس وستمائة راجل ، وقدم المختار يزيد بن أنس في موضع مسجد فقاتلوا جند الشيطان حتى أدخلوهم البيوت ، وقتل من الفريقين جمع كثير.
    وجاء ابراهيم بن الاشتر فلقي راشد بن اياس ، ومعه أربعة آلاف فارس ، فقال ابراهيم لاصحابه : لا يهولنكم كثرتهم ، فلرب فئة قليلة غلبت فئة كثيرة والله مع الصابرين . فاشتد قتالهم ، وبصر خزيمة بن نصر العبسي براشد الشر ، وحمل عليه وطعنه فقتله ، ثم نادى خزيمة : قتلت راشداً ورب الكعبة ، فانهزم قومه الملحدون ، وانكسروا وأجفلوا اجفال النعام (بقوة الله تعالى) ، وأطلوا عليهم كقطع الغمام ، واستبشر أصحاب المختار ، وحملوا على خيل الكوفة ، فجعلوا صفو حياتهم كدراً ، وساقوهم الى الموت زمراً ، حتى أوصلوهم السكك ، وأدخلوهم الجامع ، وحصروا ابن مطيع الشيطان ثلاثا في قصر الضلال والتهتك. ونزل المختار بعد هذه الوقعة جانب السوق ، وولى حصار القصر لقائد جنده ابراهيم بن مالك الاشتر (رضي الله عنه وعن أبيه أفضل الرضوان). فلما ضاق عليه وعلى أصحابه الحصار ، وعلموا أنه لا تعويل لهم على مكر ، ولا سبيل الى مفر ، أشاروا عليه أن يخرج ليلاً في زي امرأة ، ويستتر في بعض دور الكوفة ، ففعل وخرج حتى صار الى دار أبي موسى الاشعري الخائن فآووه ، وأما الجند فانهم طلبوا الامان من المختار فآمنهم ، وخرجوا وبايعوه . ودخل المختار القصر ، ثم خرج الى الجامع وأمر بالنداء : (الصلاة جامعة) ، فاجتمع الناس ورقى المنبر ، ثم قال : الحمد لله الذي وعد وليه النصر ، وعدوه الخسر ، وعداً مأتياً ، وأمراً مفعولاً ، وقد خاب من افترى ، أيها الناس ، مُدت لنا غاية ، ورفعت لنا راية ، فقيل في الراية : أرفعوها ولا تضعوها ، وفي الغاية خذوها ولا تدعوها ، فسمعنا دعوة الداعي ، وقبلنا قول الداعي ، فكم من باغٍ وباغية ، وقتلى في الراعية ؟ ألا بعداً لمن طغى وبغى ، وجحد ولغى ، وكذب وتولى. ألا فهلموا عباد الله الى بيعة الهدى ، ومجاهدة الاعداء ، والذب عن الضعفاء من آل محمد المصطفى 9 ، وأنا المسلط على المُحلين ، المطالب بدم ابن بنت رسول رب العالمين . أما ومنشئ السحاب ، الشديد العقاب ، لأنبشن قبر ابن شهاب المفتري الكذاب ، المجرم المرتاب ، ولأنفين الاحزاب الى بلاد الأعراب ، ثم ورب العالمين لأقتلن أعوان الظالمين ، وبقايا القاسطين . ثم قعد على المنبر ، ووثب قائماً ، وقال: أما والذي جعلني بصيراً ، ونور قلبي تنويراً ، لأحرقن بالمصر دوراً ، ولأنبشن بها قبوراً ، ولأشفين بها صدوراً ، ولأقتلن بها جباراً كفوراً ، ملعوناً غدوراً ، وعن قليل ورب الحرم ، والبيت المحرم ، وحق النون والقلم ، ليرفعن لي علم ، من الكوفة الى أضم ، الى أكناف ذي سلم ، من العرب والعجم ، ثم لا تخان من بني سليم أكثر الخدم. [14]
    ثم نزل ودخل قصر الامارة ، وأنعكف عليه الناس للبيعة ، فلم يزل باسطاً يده (المباركة) حتى بايعه خلق كثير ، من العرب والسادات والموالي. ووجد في بيت المال بالكوفة تسعة آلاف ألف ، فأعطى كل واحد من أصحابه خمسمائة درهم ، وقسم على مائتين .
    ولما علم أن ابن مطيع الملعون في مكانه ، دعا عبد الله بن كامل الشاكري ودفع إليه عشرة آلاف درهم ، وأمره بحملها إليه ، وأن يقول له : أستعن بها على سفرك . فأني أعلم أنه ما يمنعك إلا ضيق يدك. فأخذها ومضى الى البصرة ، ولم يمض الى عبد الله بن الزبير حياءاً لما جرى عليه من المختار (رض) ، وأستعمل على شرطته عبد الله بن كامل ، وعلى حرسه كيسان أبا عمرة مولى عرينة ، وعقد لعبد الله ابن الحارث أخي الاشتر لأمه على أرمينية، وفرق العمال بالجبال والبلاد ، وكان يحكم بين الخصوم حتى أشغلته أموره فولى شريحاً قاضياً. فلما سمع المختار أن علياً عليه السلام عزله أراد عزله ، فتمارض هو فعزله ، وولى عبد الله بن عتبة بن مسعود فمرض ، فجعل مكانه عبد الله بن مالك الطائي قاضياً.
    ثم أرسلت الشام المشؤومة جيشين وقائده إلى العراق عبيد الشيطان العتل الزنيم لينهب الكوفة إذا ظفر بها ثلاثة أيام. فاجتاز بالجزيرة ، فعرض له أمر منعه من المسير ، ثم قدم الموصل وعامل المختار عليها عبد الرحمن بن سعيد بن قيس الى تكريت ، وكتب الى المختار (رض) يعرفه ذلك ، فكتب إليه الجواب يصوب رأيه ، ويحمد مشورته ، وأن لا يفارق مكانه حتى يأتيه أمره ان شاء الله تعالى. ثم دعا المختار يزيد بن أنس وعرفه جلية الأمر ، ورغبه في النهوض بالخيل والرجال، وحكمه في تخيير من شاء من الابطال ، فتخير ثلاثة آلاف فارس، ثم خرج من الكوفة ، وشيعه المختار الى دير أبي موسى ، وأوصاه بشي من أدوات الحرب ، وان احتاج الى مدد عرفه. فقال: لا أريد إلا أن تمدني بدعائك وكفى به مددا.
    ثم كتب المختار الى عبد الرحمن بن سعيد بن قيس: أما بعد ، فخل بين يزيد وبين البلاد ان شاء الله ، والسلام عليك. فسار حتى بلغ أرض الموصل فنزل بموضع يقال له: بافكى ، وبلغ خبره الى صنيعة الشيطان وعرف عدتهم. فقال: ارسل الى كل ألف ألفين من القرود ، ثم قائد جيش المختار يحثهم على القتال، ويرغبهم في حميد المآل، وقال: ان هلكت فأميركم ورقأ بن عازب الاسدي ، فان هلك فأميركم عبد الله بن ضمرة العذري، فان هلك فأميركم سعر بن أبي سعر الحنفي.
    ووقع القتال بينهم في ذي الحجة يوم عرفة ، سنة ست وستين قبل شروق الشمس ، فما ارتفع النهار حتى هزمهم عسكر العراق ، وأزالوهم عن مأزق الحرب زوال السراب ، وقشعوهم انقشاع الضباب ، وأتوا بما يزيد على ثلاثمائة أسير وقد أشرف على الموت ، فاشار بيده أن اضربوا رقابهم ، فقتلوا جميعاً (فإلى جهنم وبئس المصير) . ثم مات يزيد بن أنس رحمه الله فصلى عليه ورقاء بن عازب الاسدي ودفنه ، واغتم عسكر العراق لموته ، فعزاهم ورقاء فيه ، وعرفهم أن عبيد الشيطان بن الوغد في جمع كثير من اللقطاء ولا طاقة لكم به. فقالوا: الرأي أن ننصرف في جوف الليل .
    قال محمد بن جرير الطبري : كان مع وغد بني أمية لعنهم الله ثمانون ألفاً وقيل تسعة وتسعون ألفاً ، ثم أخبر المختار بما حل بقائد الجيش ونصره على المعتدين واستطلع المختار ذلك من عامله على المدائن فاخبره بموته، وان العسكر انصرف من غير هزيمة ولاكسرة ، فطاب قلب المختار ، ثم ندب الناس.
    قال المرزباني المؤرخ : وأمر ابراهيم بن مالك الاشتر (رحمهما الله) بالمسير الى عبيد الشيطان لعنه الله ، فخرج إبرهيم شبل العراق في ألفين من مذحج وأسد ، وألفين من تميم وهمدان ، وألف وخمسمائة من قبائل المدينة ، وألف وأربعمائة من كندة وربيعة ، وألفين من الحمراء ، وقيل: خرج في اثني عشر ألفاً. وشيع المختار ابراهيم بن مالك ماشياً ، فقال: اركب يرحمك الله ، وقال المختار: اني لأحتسب الأجر في خطاي معك ، واحب أن تتغبر قدماي في نصر آل محمد صلى الله عليه وآله ، والطلب بدم الحسين عليه السلام ثم ودعه وانصرف ، ولسان حاله يصرح:
    من لي بأن أفدي الحسين بمهجتي وأرى بأرض الطف ذاك المحضرا[15]
    وبات ابراهيم (رض) بموضع يقال له: حمام أعين ، ثم رحل حتى وافى ساباط المدائن. فحينئذ توسم أهل الكوفة في المختار القلة والضعف ، فخرج أهل الكوفة عليه (الذين شاركوا في المأساة لعنهم الله تعالى )، وجاهروه بالعداوة ، ولم يبق أحد ممن شرك بدم الإمام الحسين عليه صلوات الله ، وكان مختفياً ألا وظهر ، ونقضوا بيعته ، وسلوا عليه سيفاً واحداً ، واجتمعت القبائل عليه – كلاب كلبة - ، فبعث المختار من ساعته رسولاً الى ابراهيم بن مالك الاشتر وهو بساباط : (لا تضع كتابي حتى تعود بجميع من معك الي). فلما وصله كتابه نادى بالرجوع ، فوصلوا السير بالسرى ، وأرخوا الاعنة وجذبوا البرى ، والمختار يشغل أهل الكوفة بالتسويف والملاطفة حتى يرجع إبراهيم بعسكره فيكف عاديتهم ، ويقمع شرهم ، ويكسر شوكتهم ، وكان مع المختار أربعة آلاف ، فبغى عليه أهل الكوفة وبدأوه الحرب ، فحاربوه يومه أجمع ، وباتوا على ذلك فوافاهم ابراهيم بن مالك الاشتر في اليوم الثاني بخيله ورجله ، ومعه أهل النجدة والقوة.
    فلما علموا بقدومه افترقوا فرقتين، ربيعة ومضر على حدة ، واليمن على حدة ، فخير المختار ابراهيم: الى أي الفريقين تسير ؟ فقال: الى ايهما أحببت ، وكان المختار ذا عقل وافر ، ورأي حاضر ، فأمره بالمسير الى ربيعة ومضر بالكناسة ، وسار هو الى اليمن الى جبانة السبيع ، فبدأ بالقتال رفاعة بن شداد ، فقاتل قتال الشديد البأس ، القوي المراس ، حتى قتل ، وقاتل حميد بن مسلم وهو يقول:


    لاضربن عن أبي حكيم مفارق الاعبد والحميم
    ثم انكسروا كسرة هائلة ، وجاء البشير الى المختار أنهم ولوا مدبرين ، (تعساً من سفلة قوم باغين حصب جهنم ) فمنهم من اختفى في بيته ، ومنهم من لحق بمصعب بن الزبير (الغدر والخيانة ونكث الوعود فياويلهم من عذاب الجبار المقتدر) ، ومنهم من خرج الى البادية ، ثم وضعت الحرب أوزارها ، وحلت أزرارها ، ومحص القتل شرارها ، فأحصوا القتلى منهم ، فكانوا ستمائة وأربعين رجلاً (ضبعاً) ، ثم استخرج من دور الوادعيين خمسمائة اسير ، فجأوا بهم الى المختار، فعرضوهم عليه ، فقال: كل من شهد منهم قتل الحسين عليه السلام فأعلموني به ، فضرب عنقه ، حتى قتل منهم مائتين وثمانية وأربعين رجلاً (وغداً) ، وقتل أصحاب المختار جمعا كثيراً بغير علمه ، وأطلق الباقين.
    ثم علم المختار أن شمر بن ذي الجوشن - لعنه الله - خرج هارباً ومعه نفر ممن شرك في قتل الحسين عليه السلام فأمر عبداً له أسود يقال له (رزين) ، ومعه عشرة - وكان شجاعاً - يتبعه فيأتيه برأسه. قال مسلم بن عبد الله الضبابي: كنت مع شمر (القذارة) حين هزمنا المختار ، فدنا منا رزين ، فقال شمر(لعنه الله) : اركضوا وتباعدوا لعل العبد يطمع فيَّ ، فأمعنا في التباعد عنه ، حتى لحقه العبد فحمل عليه شمر فقتله (شهيداً) ، ومشى فنزل في جانب قرية اسمها الكلتانية على شاطئ نهر الى جانب تل ، ثم أخذ من القرية علجاً فضربه ، ودفع إليه كتاباً ، وقال: عجل به الى مصعب بن الزبير (الغدر والخيانة والدناءة) ، فمشى العلج حتى دخل قرية فيها أبو عمرة (البطل) بعثه المختار لرصد الهاربين من سيف المختار ، فأقرأ الكتاب رجلاً من أصحابه ، وقرأ عنوانه ، فسأل عن شمر وأين هو ، فأخبره أن بينهم وبينه ثلاثة فراسخ. ثم أشرفت الخيل عليه وعليهم من التل وأحاطوا بهم وقتل أبو عمرة الشمر شر قتلة ثم جيء برؤسهم إلى المختار فهوى ساجداً ، ونصب الرؤوس
    في رحبة الحذائين قرب الجامع.
    (من قتله المختار من قتلة الحسين عليه السلام)
    ذكر الطبري في تاريخه أن المختار تجرد لقتله الحسين عليه السلام وأهل بيته (عليهم السلام) ، وقال: أطلبوهم ، فانه لا يسوغ لي الطعام والشراب ، حتى اطهر الارض منهم. فأول من بدأ به الذين وطأوا الحسين عليه السلام بخيلهم ، وأنامهم على ظهورهم ، وضرب سكك الحديد في أيديهم وأرجلهم ، وأجرى الخيل عليهم حتى قطعتهم ، وحرقهم بالنار (إلى جهنم وبئس المصير) ، ثم أخذ رجلين اشتركا في دم عبد الرحمن بن عقيل بن أبي طالب 8 وفي سلبه ، كانا في الجبانة ، فضرب أعناقهما (النتنة) ، ثم أحرقهما بالنار ، وأحضر مالك بن بشير فقتله في السوق فأحرقه . ثم بعث أبا عمرة فأحاط بدار (أقذر القرود) خولي بن يزيد الاصبحي ، وهو حامل رأس الحسين عليه السلام الى عبيد الشيطان بن زياد ، فخرجت امرأته إليهم وهي النوار ابنة مالك ، وقيل: أسمها العيوف ، وكانت محبة لاهل البيت عليهم السلام قالت: لا أدري أين هو ؟ وأشارت بيدها الى بيت الخلاء ، فوجدوه وعلى رأسه قوصرة ، فأخذوه وقتلوه ، ثم أمر بحرقه.
    ثم بعث عبد الله بن كامل الى (الزنيم) حكيم بن الطفيل السنبسي وكان قد أخذ سلب العباس8، ورماه بسهم ، فأخذوه قبل وصوله الى المختار ، ونصبوه هدفاً ، رموه بالسهام . وبعث الى قاتل (البدر المنير والطلعة المباركة شبيه رسول الله محمد صلى الله عليه وآله) علي (الأكبر) بن الحسين (عليهما السلام) وهو مرة بن منقذ العبدي (لعنه الله القادر) ، وكان شيخاً ؟! ، فخرج وبيده الرمح (زنديق قذر) وهو على فرس جواد فأفلت، ولحق بمصعب بن الزبير، وشلت يده بعد ذلك[16].
    وأحضر زيد بن رقاد فرماه بالنبل والحجارة وأحرقه ، وهرب سنان بن أنس لعنه الله الى البصرة فهدم داره ، ثم خرج من البصرة نحو القادسية ، وكان عليه عيون ، فأخبروا المختار (رض) ، فأخذه بين العذيب والقادسية ، فقطع أنامله ، ثم يديه ورجليه، وأغلى زيتاً في قدر وألقاه فيه (فتفسخ) إلى جهنم وبئس المصير .
    وهرب عبد الله بن عقبة الغنوي الى الجزيرة فهدم داره ، وفيه وفي حرملة بن الكاهل (الشيطان الرجيم لعنهما الله) وقد قتل واحدا من أصحاب الحسين عليه السلام .
    حدث المنهال بن عمرو قال: دخلت على زين العابدين 8 اودعه وأنا اريد الانصراف من مكة، فقال: يا منهال ، ما فعل حرملة بن كاهل ؟ وكان معي بشر بن غالب الاسدي ، فقلت: هو حي بالكوفة ، فرفع يديه (المباركتين إلى السماء) ، وقال: اللهم أذقه حر الحديد ، اللهم أذقه حر الحديد ، اللهم أذقه حر النار . قال المنهال: وقدمت الى الكوفة والمختار بها فركبت إليه ، فلقيته خارجاً من داره ، فقال: يا منهال ، ألم تشركنا في ولايتنا هذه ؟ فعرفته أني كنت بمكة ، فمشى حتى أتى الكناس ، ووقف كأنه ينتظر شيئاً ، فلم يلبث أن جاء قوم ، فقالوا: أبشر أيها الامير فقد أخذ حرملة اللعين ، فجيء به ، فقال: لعنك الله ، الحمد لله الذي أمكنني منك ، الجزار ، الجزار ، فأتي بجزار ، فأمره بقطع يديه ورجليه ، ثم قال: النار النار ، فأتي بنار وقصب فاحرق. فقلت: الله أكبر الله أكبر ! سبحان الله ! سبحان الله ! فقال المختار : يا منهال أن التكبير والتسبيح لحسن ، لم سبحت ؟ فأخبرته بدعاء زين العابدين عليه السلام ، فقال : بالله عليك هكذا قال سيدي السجاد ، قال : نعم والله ، فنزل عن دابته ، وصلى ركعتين ، وأطال السجود ، ثم ركب وسار فحاذى داري ، فعزمت عليه بالنزول والتحرم بطعامي ، فقال: أن علي بن الحسين عليهما السلام دعا بدعوات فأجابها الله على يدي ، ثم تدعوني الى الطعام ؟ هذا يوم صوم شكرا لله تعالى. فقلت: أدام الله توفيقك.
    وانهزم عبد الله بن عروة الخثعمي الى مصعب (البؤس) فهدم داره. وطلب عمرو بن صبيح الصيداوي فأتوه وهو على سطحه بعدما هدأت العيون ، وسيفه تحت رأسه ، فأخذوه وسيفه ، فقال: قبحك الله من سيف ، ما أبعدك على قربك ، فجيء به الى المختار ، فلما كان من الغداة طعنوه بالرماح ، حتى مات وأحرقوه.
    وأنفذ الى محمد بن الاشعث بن قيس (لعنهما الله) وقد انهزم الى قصر له في قرية الى جنب القادسية ، فقال لفارسه : انطلق فانك تجده لاهياً متصيداً ، أو قائماً متلبداً ، أو خائفاً متلدداً ، أو كامناً متغمداً ، فائتني
    برأسه ، فأحاطوا بالقصر ، وله بابان ، فخرج ومشى الى مصعب (الشر والنذالة) ، فهدم القصر وداره ، وأخذ ماكان فيهما .
    قال المرزباني: وأتوه بعبد الله بن أسيد الجهني ومالك بن هيثم البدائي ، وحمل ابن مالك المحاربي من القادسية ، فقال لهم المختار : يا أعداء الله ، أين الحسين بن علي عليهما السلام ؟ قالوا: اكرهنا على الخروج. قال: فألا مننتم عليه وسقيتموه من الماء ؟ ! وقال للبدائي: أنت أخذت برنسه ؟ قال: لا. قال: بلى ، وأمر أيديهم وأرجلهم وقطع أعناقهم وحرقهم .
    وأتوه ببجدل بن سليم الكلبي ، وعرفوه أنه أخذ خاتمه ، وقطع اصبعه ، فأمر بقطع يديه ورجليه ، فلم يزل ينزف دما حتى مات.
    وأتوه (بخنازير الفلاة ) : رقاد بن مالك وعمر بن خالد وعبد الرحمن البجلي وعبد الله بن قيس الخولاني، فقال المختار ياقتلة الصالحين ، لقد أخذتم الورس في يوم نحس ، وكان في رحل الحسين عليه السلام ورس فاقتسموه وقت نهب رحله عليه السلام ، فأخرجهم إلى السوق وضرب أعناقهم .
    وكان أسماء بن خارجة الفزاري (العتل الزنيم) ممن سعى في قتل مسلم بن عقيل 8 ، فقال المختار (رض) : أما ورب السماء ورب الضياء والظلماء ، لتنزلن نار من السماء ، دهماء ، حمراء ، سحماء ، تحرق دار أسماء . فبلغ كلامه إليه ، فقال: سجع أبو إسحاق ، وليس هاهنا مقام بعد هذا ، وخرج من داره هارباً الى البادية ، فهدم داره ودور بني عمه (اللقطاء البغاة).
    وكان الشمر بن ذي الجوشن (الخنا والفجور لعنه الله) قد أخذ من الأبل التي كانت تحت رحل الحسين عليه السلام فنحرها ، وقسم لحمها على قوم من أهل الكوفة ، فأمر المختار فأحصوا كل دار دخلها ذلك اللحم ، فقتل أهلها وهدمها ، ولم يزل المختار يتتبع قتلة الحسين عليه السلام حتى قتل خلقاً كثيراً ، وانهزم الباقون ، فهدم دورهم ، وأنزلهم بعد المعاقل والحصون ، الى المفاوز والصحون. قال: وقتلت العبيد مواليها ، وجأوا الى المختار فأعتقهم ، وكان العبد يسعى بمولاه فيقتله المختار، حتى أن العبد ليقول لسيده المجرم : احملني على عنقك فيحمله ، ويدلي رجليه على صدره اهانة له ولخوفه من سعايته به الى المختار (رض). فيالها من منقبة حازها ، ونوبة أحرزها ، فقد سر النبي صلى الله عليه وآله بفعله ، وإدخاله الفرح على عترته وأهله ، وقد قلت هذه الابيات مع كلال الخاطر، وقذى الناظر مطلعها :
    سر النبي بأخذ الثـــأر من عصب بـاءوا بقتل الحسين الطاهر الشيم
    قوم غذوا بلبــــــان البغض ويحهم للمرتضى وبنيــــــــــه سادة الامم
    حاز الفخار الفتى المختار إذ قعدت عن نصره سائر الاعراب والعجم
    جادته من رحمة الجبـــــار سارية تهمي على قبــــــــــره منهلة الديم [17]


    في ذكر مقتل عمر بن سعد (القذارة) وعبيد الشيطان
    فلما خلا خاطره ، وانجلى ناظره ، أهتم بالوغدين الفاجرين وحفص بن عمر بن سعد – البؤس والنذالة. حدث عمر بن الهيثم قال: كنت جالساً عن يمين المختار والهيثم بن الاسود عن يساره فقال: والله لأقتلن رجلاً عظيم القدمين ، غائر العينين ، مشرف الحاجبين ، يهمر الارض برجله ، يرضي قتله أهل السماء والأرض . فسمع الهيثم قوله ، ووقع في نفسه أنه أراد عمر بن سعد ، فبعث ولده العريان (عراه الله وأباه من الرحمة المختارية) فعرفه قول المختار ، وكان عبد الله بن جعدة بن هبيرة أعز الناس على المختار ، قد أخذ لعمر أمانا حيث اختفى فيه : (بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا أمان المختار بن أبي عبيدة الثقفي لعمر بن سعد بن أبي وقاص ، أنك آمن بأمان الله تعالى على نفسك وأهلك ومالك وولدك ، لا تؤاخذ بحدث كان منك قديماً ما سمعت وأطعت ولزمت منزلك ، إلا أن تحدث حدثاً ، فمن لقى عمر بن سعد من شرطة الله وشيعة آل محمد صلى الله عليه وآله فلا يعرض له الا بسبيل خير ، والسلام) ثم شهد فيه جماعة. قال الباقر عليه السلام: إنما قصد المختار (الا أن تحدث حدثا) هو أن يدخل بيت الخلاء ، ويحدث ، فظهر عمر بن سعد الى المختار ، فكان يدنيه ويكرمه ويجلسه معه على سريره. وعلم بقول المختار فيه ، فعزم على الخروج من الكوفة ، فأحضر رجلاً من بني تيم اللات اسمه مالك بن دومة ، وكان شجاعاً ، وأعطاه أربعمائة دينار ، وقال: هذه معك لحوائجنا وخرجا ، فلما كان عند حمام عمر أو نهر عبد الرحمن وقف وقال: أتدري لم خرجت ؟ قال: لا. قال: خفت المختار، فقال ابن دومة: هو أضيق أستا من أن يقتلك ، وان هربت هدم دارك ، وانتهب عيالك ومالك ، وخرب ضياعك ، وأنت أعز العرب ، فاغتر بكلامه فرجعا إلى الكوفة مع الغداة . هذا قول المرزباني. وقال غيره: أن المختار علم بخروجه من الكوفة ، فقال: الله أكبر وفينا له وغدر ، وفي عنقه سلسلة لو جهد أن ينطلق لما استطاع ، فنام عمر بن سعد على الناقة فرجعت وهو لا يدري حتى ردته الى الكوفة ، فأرسل عمر ابنه الى المختار ، قال له: اين أبوك ؟ قال: في المنزل ، ولم يكونا يجتمعان عند المختار ، وإذا حضر أحدهما غاب الاخر خوفاً أن يجتمعا فيقتلهما. فقال حفص: أبي يقول: أتفي لنا بالامان ؟ قال: أجلس ، وطلب المختار أبا عمرة ، وهو كيسان التمار فأسر إليه أن أقتل عمر بن سعد ، وإذا دخلت عليه وسمعته يقول: يا غلام ، علي بطيلساني ، فاعلم أنه يريد السيف ، فبادره واقتله ، فلم يلبث أن جاء ومعه رأسه. فقال حفص: إنا لله وأنا إليه راجعون. فقال له: أتعرف هذا الرأس ؟ قال: نعم، ولا خير في العيش بعده. فقال: أنك لن تعيش بعده ، وأمر بقتله فألحقوه بأبيه النتن ، وقال المختار: ... والله لأقتلن سبعين ألفاً كما قتل بيحيى بن زكريا عليهما السلام. وقيل: انه قال: لو قتلت ثلاثة أرباع قريش لما وفوا بأنملة من أنامل الحسين عليه السلام. وفي رواية : أنملة من أنامل سيدنا جون مولى أبي ذر (رض) .
    وكان محمد بن الحنفية يعتب على المختار لمجالسة عمر بن سعد (عليهما اللعنة) وتأخيره قتله ، فحمل الرأسين إليه الى مكة مع مسافر بن سعد الهمداني وظبيان بن عمارة التميمي ، فبينا محمد بن الحنفية (رض) جالساً في نفر من الشيعة ، وهو يعتب على المختار ، فما تم كلامه إلا والرأسان عنده ، فخر ساجداً ، وبسط كفيه ، وقال: اللهم لا تنس هذا اليوم للمختار ، وأجزه عن أهل بيت نبيك محمد صلى الله عليه وآله خير الجزاء ، فوالله ما على المختار بعد هذا من عتب ، وهذا وفاء الأحرار الميامين الأباة أنصار أبي عبد الله 8[18].
    فلما قضى المختار من أعداء الله وطره وحاجته ، وبلغ فيهم امنيته ، قال: لم يبق علي أعظم من عبيدالله الشيطان - لعنه الله -، فأحضر إبراهيم بن مالك الاشتر (رحمه الله) ، وأمره بالمسير الى عبيد الشيطان إبن العتل اللقيط . فقال: أني خارج ، ولكني أكره خروج عبيد الله بن الحر معي ، وأخاف أن يغدر بي وقت الحاجة. فقال له: أحسن إليه ، واملأ عينه بالمال ، وأخاف ان أمرته بالقعود عنك فلا يطيب له ، فخرج إبراهيم بن مالك من الكوفة ومعه عشرة آلاف فارس ، وخرج المختار في تشييعه وقال: اللهم انصر من صبر ، واخذل من كفر ، ومن عصى وفجر ، وبايع وغدر ، وعلا وتجبر ، فصار الى سقر ، لا تبقي ولا تذر ، ليذوق العذاب الاكبر. ثم رجع ، ومضى إبراهيم ، وهو يرتجز ويقول:
    أما وحق المرسلات عرفا حقا وحق العاصفات عصفا
    لنعسفن مــــــن بغانا عسفا حتى يسوم القوم منــا خسفا
    زحفاً إليـــهم لانمل الزحفا حتى نلاقي بعد صـف صفا
    وبعد ألف قاسطيــــــن ألفا نكشفهم لدى الهيـــــاج كشفا
    فسار الى المدائن فأقام بها ثلاثاً ، وسار الى تكريت فنزلها ، وأمر بجباية خراجها ، ففرقه وبعث الى عبيد الله بن الحر الجعفي بخمسة آلاف درهم ، فغضب فقال: أنت أخذت لنفسك عشرة آلاف درهم ، وما كان دون مالك ، فحلف إبراهيم أني ما أخذت زيادة عليك ، ثم حمل إليه ما أخذه لنفسه فلم يرض ، وخرج على المختار ونقض عهده ، وأغار على سواد الكوفة ، فنهب القرى ، وقتل العمال ، وأخذ الاموال ، ومضى الى البصرة الى مصعب بن الزبير. فلما علم المختار بذلك أرسل عبد الله بن كامل الى داره
    فهدمها ، والى أهله فحبسهم ، ثم ورد كتاب المختار الى إبراهيم بن مالك يحثه على تعجيل القتال ، فطوى المراحل حتى نزل على نهر الخازر على أربعة فراسخ من الموصل وعبيد الشيطان فيها. فعلم عبيد الشيطان بقدوم ابراهيم ، فرحل في ثلاثة وثمانين ألفأ حتى نزل قريبا من عسكر العراق ، وطلبهم أشد طلب ، وجاءهم في جحفل لجب . وكان مع ابراهيم بن مالك الاشتر (رحمه الله) أقل من عشرين ألفاً ، وكان في عسكر الشام من أشراف بني سليم عمير بن الحباب، فراسله ابراهيم بن مالك ووعده بالحباء والاكرام ، فجاء ومعه ألف فارس من بني عمه وأقاربه ، فصار مع عسكر العراق ، فأشار عليهم بتعجيل القتال وترك المطاولة.
    فلما كان في السحر صلوا بغلس ، وعبأ ابراهيم بن مالك أصحابه ، ثم زحفوا حتى أشرفوا على أهل الشام ، ولم يظنوا أنهم يقدمون عليهم لكثرتهم ، فبادروا الى تعبئة عسكرهم ، ووقف العسكران ، والتقى الجمعان ، فخرج أحد ضباعهم يتحدى يسمى ابن ضيعان قائلاً :
    أنا ابن ضبعان الكريم المفضلِ من عصبة يبرون من دين علي
    فخرج إليه الاحوص بن شداد الهمداني ، وهو يقول:
    أنا ابن شداد على دين علي لست لعثمان بن أروى بولي
    لاصلين القوم فيمن يصطلي بحر نار الحرب حتى تنجلي
    فقال للشامي: ما اسمك ؟ قال: منازل الابطال. قال له الاحوص: وأنا مقرب الاجال ، ثم حمل عليه وضربه فسقط قتيلاً (إلى جهنم وساءت مصيراً) . ثم نادى: هل من مبارز ؟ فخرج إليه داود الدمشقي (الفاسق) ، وهو يقول:
    أنا ابن من قاتل في صفينا قتال قرن لم يكن غبينا
    بل كان فيها بطلا جرونا مجربا لدى الوغى كمينا
    فأجابه الاحوص يقول:
    يا ابن الذي قاتل في صفينا ولم يــــكن في دينه غبينا
    كذبت قــد كنت بها مغبونا مذبذبـــــاً في أمره مفتونا
    لا يــعرف الحق ولا اليقينا بؤسا له لقد مضى ملعونا
    ثم التقيا فضربه الاحوص فقتله (وبئس الورد المورود).
    ثم عاد الى صفه وخرج الحصين بن نمير السكوني، وهو يقول:
    يا قادة الكوفة أهــــل المنكر وشيعة المختار وابن الاشتر
    هل فيكم قرم كريم العنصر مهذب في قومــــــــه بمفخر
    يبرز نحوي قاصدا لا يمتري ؟
    فخرج إليه شريك بن خزيم التغلبي، وهو يقول:
    يا قاتل الشيخ الكريم الازهر بكربلا يـوم التقاء العسكر
    أعني حسينا ذا الثنا والمفخر ابن النبي الطاهــر المطهر
    وابــــــن علي البطل المظفر هذا فخذها من هزبر قسور


    ضربة قوم ربعى مضري
    فالتقا بضربتين فجدله التغلبي صريعاً ، فدخل على أهل الشام من أهل العراق مدخل عظيم. ثم تقدم إبراهيم بن مالك الاشتر (رض) ، ونادى: ألا يا شرطة الله ، ألا يا شيعة الحق ، ألا يا أنصار الدين ، قاتلوا المحلين وأولاد القاسطين ، ولا تطلبوا أثراً بعد عين ، هذا عبيد الشيطان بن زياد قاتل الحسين عليه السلام . ثم حمل على أهل الشام ، وضرب فيهم بسيفه ، وهو يقول:
    قد علمت مذحـــــــج علما لاخطل انــــــي إذا القرن لقيني لاوكل
    ولا جزوع عنــــــــــــدها ولانكل أروع مــــقدام إذا النكس فشل
    أضرب في القوم وان حان الاجل وأعتلي رأس الطرماح البطل

    بالذكر البتار حتى ينجدل
    وحمل أهل العراق معه واختلطوا ، وتقدمت رايتهم ، وشبت فيهم نار الحرب ، ودهمهم العسكر بجناحيه والقلب ، الى أن صلوا بالايماء والتكبير صلاة الظهر ، واشتغلوا بالقتال الى أن تجلى صدر الدجى بالانجم الزهر ، وزحف عليهم عسكر العراق فرحاً بالمصاع ، وحرصا على القراع ، ووثوقاً بما وعدهم الله به من النصر وحسن الدفاع ، وانقضوا عليهم انقضاض العقبان على الرخم ، وجالوا فيهم جولان السرحان على الغنم ، وعركوهم عرك الاديم ، ودحوا بهم الى عذاب الجحيم ، وأذاقوهم أسنة الرماح ، النازعة للمهج والارواح. فلم تزل الحرب قائمة ، والسيوف لأجسادهم منتهبة هاشمة ، فولى عسكر الشام مكسوراً ، عليه ذلة الخائب الخجل ، وارتياع الخائف الوجل ، وعسكر العراق منصوراً ، وعلى وجوههم مسحة المسرور الثمل ، وتبعوهم الى متون النجاد ، وبطون الوهاد ، والنبل ينزل عليهم كصيب العهاد . ثم انجلت الحرب ، وقد قتل أعيان (أوغاد) أهل الشام . وحاز ابراهيم بن مالك - رحمة الله عليه - فضيلة هذا الفتح ، وعاقبة هذا المنح ، الذي انتشر في الاقطار ، ودام دوام الاعصار. ولقد أحسن عبد الله بن الزبير الاسدي يمدح إبراهيم بن مالك الاشتر، فقال:
    الله أعطاك المهابــة والتقى وأحل بيتـــــك في العديد الاكثر
    وأقر عينك يوم وقعة خازر والخيـــل تعثر في القنا المتكسر
    من ظالمين كفتهم أيــــامهم تــــــــركوا لحاجلة وطير أعثر
    ماكان أجرأهم جزاهم ربهم يوم الحساب على ارتكاب المنكر
    قال الرواة: رأينا إبراهيم بعدما انكسر العسكر الشامي ، وانكشف العثير ، قوما منهم ثبتوا وصبروا وقاتلوا فلقطهم من صهوات الخيل ، وقذفهم في لهوات الليل حتى صبغت الارض من دمائهم ثيابا حمراً ، وملا الفجاج ببأسه ذعرا، وتساقطت النسور ، وأهوت العقبان على أجسادهم وهي كالعقيق المنثور ، واصطلح على أكل لحومهم الذئب والسبع ، والسيد والضبع. قال ابراهيم بن مالك: واقبل رجل أحمر في كبكبة يغري الناس كأنه بغل أقمر لا يدنوا منه فارس الا صرعه ، ولا كمي الا قطعه ، فدنا مني ، فضربت يده فأبنتها ، وسقط على شاطئ الخازر ، فشرقت يديه ، وغربت رجليه ، فقتلته ، ووجدت رانحة المسك تفوح منه فاطلبوه وأظنه هو (الخنزير ابن زياد ) ، فطلبوه فإذا هو على ما وصف ابراهيم ، فاجتزوا رأسه ، واحتفظوا طول الليل بجسده ، فلما أصبحوا عرفه مهران مولى زياد ، فلما رآه ابراهيم بن مالك قال : الحمد لله الذي أجرى قتله على يدي، وقتل في صفرسنة 66 هـ . وقال قوم: في يوم عاشوراء وعمره دون الاربعين . وأصبح الناس فحووا ما كان ، وغنموا غنيمة عظيمة. ولقد أجاد أبو السفاح الزبيدي بمدحته ابراهيم بن مالك وهجائه ابن زياد - لعنه الله - فقال:
    أتاكم غلام من عرانين مذحج جري على الاعداء غيـــــر نكول
    أتــــاه عبيد الله في شر عصبة من الشام لما أن رضوا بقليـــــــل
    فلمــا التقى الجمعان في حومة الوغى وللموت فيهم ثم جر ذيول
    فأصبحت قـــــــــد ودعت هندا وأصبحت مولهة ما وجدها بقليل
    وأخلق بهند أن تساق سبية لها من أبي اسحاق شــــــــــــر خليل
    تولى عبيد الله خوفا من الردى تغشاه ماضي الشفرتين صقيـل
    جزى الله خيــــــراً شرطة الله انهم شفوا بعبيــــــد الله كل غليل

    وهرب كلب أموي الى الشام وصور لكلاب أمية ماذا حل بضبعهم الخائن وبجيشه الملحد الكافر ... وقال يزيد بن مفرغ يهجو ابن زياد - لعنه الله -:
    ان المنايــــــا إذا حاولن طاغية هتكن عنه ستورا بعد أبواب
    ان الذي عاش غدارا بذمتــــــه ومات هزلا قتيل الله بالــزاب
    ما شق جيب ولا ناحتك نائحة ولا بكتك جياد عند أســــلاب
    وكان المختار (رض) قد سار من الكوفة يتطلع أحوال ابراهيم بن مالك ، واستخلف على الكوفة السائب بن مالك ، فنزل ساباط ، ثم دخل المدائن ورقى المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، وأمر الناس بالجد في النهوض الى ابراهيم. قال الشعبي: كنت معه فأتته البشرى بقتل العتل الزنيم ابن مرجانة القذارة واصحابه الفجرة ، فكاد يطير فرحاً ، ورجع الى الكوفة في الحال مسروراً بالظفر [19].
    وذكر أبو السائب عن أحمد بن بشير ، عن مجالد ، عن عامر أنه قال: الشيعة يتهموني ببغض علي عليه السلام ولقد رأيت في النوم بعد مقتل الحسين الشهيد عليه السلام كأن رجالاً نزلوا من السماء ، عليهم ثياب خضر ، معهم حراب يتبعون قتلة الحسين عليه السلام فما لبثت أن خرج المختار فقتلهم .
    وذكر عمر بن شبة ، قال: حدثني أبو أحمد الزبيري ، عن عمه ، قال: قال أبو عمر البزاز : كنت مع إبراهيم بن مالك الاشتر لما لقي الشيطان بن زياد - لعنه الله – بالخازر ، فعددنا القتلى بالقصب لكثرتهم ، قيل: كانوا سبعين ألفاً ، وصلب إبراهيم (رحمه الله) الشيطان ابن الشيطان ابن زياد (عليهما لعائن الله) منكساً فإلى جهنم وبئس المصير . وعن الشعبي أنه لم يقتل قط من أهل الشام بعد صفين مثل هذه الوقعة بالخازر. وقال الشعبي: كانت الوقعة يوم عاشوراء سنة سبع وستين ، وبعث إبراهيم بن مالك (رض) برأس الشيطان ورؤوس الرؤساء التعساء من أهل الشام (عليهم لعائن الله) وفي آذانهم زقاع أسمائهم ، فقدموا على المختار وهو يتغدى ، فحمد الله - تعالى - على الظفر. فلما فرغ من الغداء قام فوطئ وجه ابن زياد بنعله ، ثم رمى بها الى غلامه ، وقال: اغسلها فاني وضعتها على وجه نجس كافر(وهذا ما وعده سيدنا ميثم التمار (رض) بما أخبره أمير الثقلين أبي الحسنين 8 ).
    وعن أبي الطفيل عامر بن واثلة الكناني قال: وضعت الرؤوس عند السدة بالكوفة ، عليها ثوب أبيض ، فكشفنا عنها الثوب ، وحية تتغلغل في رأس عبيد الشيطان (قبحه الله الجبار) ، ونصبت الرؤوس في الرحبة. قال عامر: ورأيت الحية تدخل في منافذ رأسه وهو مصلوب مراراً . ثم حمل المختار رأسه ورؤوس القواد الى مكة مع عبد الرحمن ابن أبي عمير الثقفي ، وعبد الرحمن بن شداد الجشمي ، وأنس بن مالك الاشعري ، وقيل: السائب بن مالك ، ومعها ثلاثون ألف دينار الى محمد بن أمير المؤمنين 8 وزين العابدين علي بن الحسين (عليهما السلام) ، وكتب معهم: (أني بعثت أنصاركم وشيعتكم الى عدوكم ، فخرجوا محتسبين اسفين ، فقتلوهم ، فالحمد لله الذي أدرك لكم الثأر ، وأهلكهم في كل فج سحيق ، وغرقهم في كل بحر عميق ، وشفى الله صدور قوم مؤمنين . فقدموا بالكتاب والرؤوس والمال ) ، فما رآها خر ساجداً ، ودعا للمختار ، وقال: جزاه الله خير الجزاء ، فقد أدرك لنا ثأرنا ، ووجب حقه على كل من ولده عبد المطلب بن هاشم. اللهم واحفظ لابراهيم بن الاشتر وانصره على الاعداء ، ووفقه لما تحب وترضى ، واغفر له في الاخرة والاولى. فبعث رأس عبيد الشيطان بن زياد الى الإمام علي بن الحسين عليه السلام فادخل عليه وهو يتغدى ، فسجد شكراً لله تعالى وقال: الحمد لله الذي أدرك لي ثأري من عدوي ، وجزى الله المختار خيراً. ثم قال: عليه السلام ادخلت على عبيد الشيطان بن زياد وهو يتغدى ورأس أبي بين يديه، فقلت: اللهم لا تمتني حتى تريني راس بن زياد.
    وروى المرزباني باسناده عن جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام أنه قال: ما اكتحلت هاشمية ولا اختضبت، ولا رؤي في دار هاشمي دخان خمس حجج حتى قتل عبيد الشيطان بن زياد - لعنه الله - .
    وعن عبد الله بن محمد بن أبي سعيد ، عن أبي العينأ، عن يحيى ابن راشد ، قال: قالت فاطمة بنت علي: ماتحنأت امرأة منا، ولا أجالت في عينها مروداً ، ولا امتشطت حتى بعث المختار رأس عبيد الشيطان.
    وروي أن المختار قتل ثمانية عشر ألفاً ممن شرك في قتل الحسين عليه السلام أيام ولايته وكانت ثمانية عشر شهراً أولها أربع عشرة ليلة خلت من ربيع الاول سنة ست وستين ، وآخرها النصف من شهر رمضان من سنة سبع وستين وعمره سبع وستون سنة (حيث اغتالته يد مصعب الغدر والخيانة والبؤس).
    قال سيدنا جعفر بن نما مصنف هذا الثأر: أعلم أن كثيراً من العلماء لا يحصل لهم التوفيق بفطنة توقفهم على معاني الالفاظ، ولا روية تنقلهم من رقدة الغفلة الى الاستيقاظ. ولو تدبروا أقوال الائمة عليهم السلام في مدح المختار ، لعلموا أنه من السابقين المجاهدين الذين مدحهم الله - جل جلاله - في كتابه المبين. ودعاء زين العابدين عليه السلام للمختار رحمه الله دليل واضح ، وبرهان لائح على أنه عنده من المصطفين الاخيار ، ولو كان على غير الطريقة المشكورة ، ويعلم أنه مخالف له في اعتقاده ، لما كان يدعو له دعاء لا يستجاب ، ويقول فيه قولا لا يستطاب ، وكان دعاؤه عليه السلام له عبثاً ، والامام عليه السلام منزه عن ذلك. وقد أسلفنا من أقوال الائمة في مطاوي هذا الكتاب تكرار مدحهم له ، ونهيهم عن ذمه ، ما فيه غنية لأولي الابصار ، وبغية لذوي الاعتبار ، وإنما أعداؤه عملوا له مثالب ليباعدوه من قلوب الشيعة ، كما عمل أعداء أمير المؤمنين عليه السلام له مساوئاً ! ، وهلك بها كثير ممن حاد عن محبته ، وحال عن طاعته. فالولي له عليه السلام لم تغيره الاوهام ، ولا باحته تلك الاحلام ، بل كشف له عن فضله المكنون ، وعلمه المصون ، فعمل في قضية المختار (رض) ما عمل مع أبي الائمة الاطهار. (والسابقون السابقون أولئك المقربون في جنات النعيم)
    وقال سيدنا ابن نما الحلي (رحمه الله) : واقسم على قارئه ومستمعه وعلى كل ناظر فيه أن لا يخليني من اهداء الدعوات ألي ، والاكثار من الترحم علي. وأسأل الله أن يجعلني واياهم ممن خلصت سريرته من وساوس الاوهام ، وصفت طويته من كدر الاثام ، وأن يباعدنا من الحسد المحبط للاعمال ، والمؤدي الى أقبح المآل ، وأن يحسن لي الخلافة على الاهل والال ، ويذهب الغل من القلوب ، ويوفق لمراضي علام الغيوب ، فانه أسمع سميع ، وأقرب مجيب. والحمد لله رب العالمين، وصلاته وسلامه على سيد المرسلين محمد وآله الطاهرين المعصومين، آمين آمين .


    زيارة المختار رضوان الله عليه
    يرقد مولانا ناصر أهل البيت (عليهم السلام) وخاذل ومشتت أعدائهم البغاة ايدي سبأ بقوة الله ، بجنب جنة سيدنا ومولانا سفير ابي عبد الله الحسين مولانا مسلم بن عقيل بن أبي طالب الهاشمي المكي المدني (عليهم صلوات الله تعالى) ، كأنه الأسد الرابض في عرينه ، وهذا جزاء أحباب الله عز شأنه وناصري الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة (عليهما السلام) وله زيارة ذكرت في مؤلف سيدنا ابن نما الحلي (قدس سره الشريف) وبتذييل الشيخ الجليل لطف الله ابن المرحوم الشيخ محمد (أعزه المولى عز وجل) وبعنوان جميل بعد نهاية المطاف :


    زيارة المختار رحمه الله
    السلام عليك أيها العبد الصالح ، السلام عليك أيها الولي الناصح ، السلام عليك يا أبا اسحاق المختار ، السلام عليك أيها الاخذ بالثار ، المحارب للكفرة الفجار ، السلام عليك أيها المخلص لله في طاعته ولزين العابدين عليه السلام في محبته ، السلام عليك يامن رضي عنه النبي المختار ، وقسيم الجنة والنار ، وكاشف الكرب والغمة ، قائماً مقاماً لم يصل إليه أحد من الامة ، السلام عليك يامن بذل نفسه في رضأ الائمة في نصرة العترة الطاهرين ، والآخذ بثأرهم من العصابة الملعونة الفاجرة ، فجزاك الله عن النبي صلى الله عليه وآله وعن أهل بيته عليهم السلام .



    (ختامه مسك)
    ولمسك ختام وثيقتنا الموثقة عن فتى العراق الأغر أبي أسحاق المختار لطريق الهداية والحق ما صدح به شعراء الحائر الحسيني كوثيقة جلى توضح مدى الأنتماء لثورة أبي الأحرار الحسين البر التقي النقي وعلى سبيل المثال لا الحصر ونبدأ بالشيخ المبارك (محسن أبي الحب الحائري طيب الله ثراه بالمسك) .. يقول الأستاذ الألمعي والأديب الأريب السيد سلمان السيد هادي آل طعمة الحائري في سفره القيم : (تراث كربلاء) إصدار مؤسسة الأعلمي للمطبوعات الطبعة الثانية 1983 – ص 159 الخطيب الجهر الشيخ محسن بن الحاج محمد أبو الحب الخشعي الحويزي الحائري ، له ديوان مخطوط بأسم (الحائريات) توجد نسخة الأصل منه في خزانة كتبه .. ومن بين قصائده التي ذاع (ذاعت شهرتها في المجالس الحسينية)إخترنا لها أسم (الوثيقة الحسينية) مع الأستئذان من سيدنا المحسن الحائري وحضرته في فسيح رضوان الله أن شاء الله عز شأنه وهي في مؤداها ملحمة خالصة بالمودة الحسينية العصماء وهي تزهو بعد رائعة سيدنا السيد رضا الموسوي الأغر والتي مقدمتها تغرد بـ :


    صلت على جسد الحسين سيوفهم فغدا لساجدة الظبى محرابا
    ومن هذا الالق الإمامي المتأق بجرأة نادرة بليغة سأنشد وبفخر هذه الأبيات الفاضلة :
    أعطيت ربي موثقاً لا ينقضي([20]) إلا بقتلي فاصعــــدي وذريني
    هـــــذا دمي فلترو صاديــة الظبـا منه وهــــذا بالرمـــاح وتيـني
    إن كان ديـــن محمد لــم يستقم إلا بقتلي يــا سيــــوف خذيني
    هـــــذا الذي ملكت يميني حبســـه ولأتبعتــــّـــه ويسرتي ويميني
    خذها إليك هديـــــة ترضــــى بها يا رب أنت وليــــها من دوني
    أنفقت نفسي في رضـــاك ولا أرا ني فاعلاً شيئـــــاً وأنت معيني
    ما كان قربان الخليل نظيـــــر ما قربتـــــــه كلا ولا ذي النــون
    هذي رجالي في رضاك ذبـــــائح ما بيـــــن منحور وبين طعيني
    رأسي وأرؤس أسرتي مع نسوتي تهدى لرجس في الضلال مبين
    وإليـــــك أشكو خالقي من عصبة جهلوا مقامي بعدما عـــرفوني
    ولله در الشاعر العراقي عبد القادر رشيد الناصري[21] حيث صدح في قصيدته الأنشودة (ابا العقيدة الحسين 8)
    أأبا العقيدة والنضال الـــــدامــي قدست ذكرك يا ابن خير أمام
    وجعلت يومك رمز كل بطولــة غراء تسطع في فـــم الأيــــام
    وعرفت أنك في القلوب مصور لن تمح من لوح الخلود السامي
    وعلمت أنك في الحياة مخلـــط صنو العقيدة والكفاح الــــدامي
    أفديك بدراً قد خبا من بعدمــــا كسف الضلال بنورة البســــام [22]


    الدعاء لسيدنا أبن نما الحلي (طيب الله ثراه)


    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا وقدوتنا أبي الزهراء البتول (ص) مولانا رسولنا الأمين محمد بن عبد الله أبن الدوحة المباركة والواحة الوارفة الظلال بالهجيع وحضراتهم مأوى الضيف ونصرت المظلوم وباب السخاء والكرم والإباء اللهم بحق سيدتنا الزهراء وابيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها أن تصلي على سيدنا محمد وآله الكرام وأن تنزل شآبيب رحمتك على سيدنا جعفر بن محمد بن هبة الدين بن نما الحلي عليه تنزيلا لأخلاصه لدينه وحبه لآل بيت النبوة ومعدن الرسالة وأدخله ربِّ مدخل صدق وأخرجه مخرج صدق وأجعل له من لدنك سلطان نصيرا .
    فلك الحمد يا الله العزيز يا ناصر أحباب الله في جنب آل البيت (عليهم السلام) الذين أذهبت عنهم الرجس وطهرتهم تطهيرا وأدخله رب فسيح جناتك مع النبيين والصديقيين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ، وكلله يا ربي العظيم بأكاليل دعاء إمامنا الصادق 8 : (رحم الله تعالى شيعتنا خلقوا من فاضل طينتنا يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا ونفرح لفرحهم ونحزن لحزنهم) .. والحمد لله رب العالمين


    [1]نفس النبي : أمير المؤمنين علي بن أبي طالب 0ع) كما صرح بذلك القرآن الكريم . روح النبي 9 : سيدتنا الفاضلة فاطمة الزهراء (ع) وهذا ما صرح وصدع به رسول الله 9 ك فاطمة روحي التي بين جنبي .


    [2] مفاتيح الجنان ، ضياء الصالحين ، مصباح الجنان ، مفتاح الجنان : دعاء الأفتتاح المبارك .


    [3] نهج البلاغة ، الخطبة الشقشقية .


    [4] مقولة الإمام الحسن (ع) : كريم اهل البيت والكوثر المهدور .


    [5] كتاب الألفين لسيدنا أبن نما الحلي .


    [6]ديوان السيد رضا الحسيني –طيب الله تعالى ثراه- .


    [7] غرر المقول : كتاب المودة : خادم الحسن والحسين جمال علي شويخ .


    [8]كتاب المودة خادم الحسن والحسين جمال علي شويخ .


    [9]كتاب المودة .


    [10] كتاب المودة .


    [11] كتاب المودة .


    [12]كتاب المودة .


    [13]دير هند بنت النعمان بن المنذر ملك العراق في حيرة الكوفة الغراء وكانوا على دين المسيحية وهي التي طلب يدها دريد بن الصمة الشاعر الجاهلي فرفضته وقتل في موقعة حنين وقد نصح هوازن وثقيف بعدم قتال رسول الله 9 فياويلهم من عذاب الله.


    [14] كتاب المودة .


    [15]البيت الشعري للشاعر ابن معتوق الموسوي رحمه الله تعالى (من لي) بمعنى ليس لي ومن أين لي . كتاب المودة .


    [16] كتاب المودة .


    [17]الأبيات للسيد ابن نما الحلي (قدس سره الشريف).


    [18] كتاب المودة .


    [19] كتاب المودة .


    ([20]) الأصل (لا ينتهي) .

    ([21]) شاعر من أخواننا الأكراد العراقيين الأفذاذ ولد في السليمانية عام 1920م نشأ وترعرع في مدينة الناصرية ولقب بها اعتزازا حيث لا فرق بين مدن عراق ليث العدل والكلمة النبيلة ابي الحسنين (عليه أفضل الصلاة والسلام) له ديوانان (ألحان الألم) و (صوت فلسطين) أمتاز شعره بالأناقة والسهولة الممتنعة وله غزل في النخلة العراقية الباسقة المتألقة بقصيدة (سلطانة الشجر) :


    يا زينة الحقل يا سلطانة الشجر تيهي بأكليلك المخضوضر النضر
  • فداء احمد
    عضو نشيط
    • 10-04-2010
    • 763

    #2
    رد: ثورة العراق .. المختار بن عبيد الثقفي

    اللهم صل على محمد وال محمد الائمة والمهديين وسلم تسليما
    وفقكم الله لكل خير وثبتكم على ولاية الائمة والمهديين
    موضوعك اعجبني جدا فقد وجدت ضالتي فيه
    جزاك الله خيرا
    ((حتى متى نبقى ننظر إلى أنفسنا.
    والله لو أنه سبحانه وتعالى استعملني من أول الدهر حتى آخره ثم أدخلني النار لكان محسناً معي، وأيّ إحسان أعظم من أنه يستعملني ولو في آن.
    المفروض أننا لا نهتم إلا لشيء واحد هو أن نرفع من صفحتنا السوداء هذه الأنا التي لا تكاد تفارقنا))

    الإمام أحمد الحسن (عليه السلام)

    Comment

    Working...
    X
    😀
    🥰
    🤢
    😎
    😡
    👍
    👎